|
من هم الدارفوريين ؟
|
هذه ترجمة لدراسة اليكس دى وال ، بنفس العنوان. يمكن الحصول على النص الانجليزى هنا: http://www.justiceafrica.org/the_darfurians.htm
واليكس دى وال ، ناشط سياسى ومؤلف لعدد من الكتب عن المجاعة ، حقوق الانسان والصراعات فى افريقيا ، بالتحديد فى شمالها الشرقى يقوم باصدار سلسلة ‘African Issues’ عمل كمدير مساعد لمنظمة Africa Watch واستقال منها فى 1992 احتجاجا على التدخل العسكرى الامريكى فى الصومال حاز على جائزة نوبل للسلام فى 1997 بالاشتراك . اسس وعمل مديرا امنظمة African Rights كما ترأس Mines Advisory Group 1993-98 ويعمل الان كاحد مديرى Justice Africa * والترجمة مغامرة جديدة ادخلها فى قلة من الخبرة ، وقد يفسر هذا عثراتها( التى ارجو تنبيهى لها)، ولكنه قد لايخفى معالجة دى وال المنعشة لقضية الهوية فى دارفور، وارجو نعرف اكثر.
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: isam ali)
|
الهويات الافريقية والعربية , العنف والتدخل الخارجى
مقدمة : تحاول هذه الورقة تفسير سيرة و عمليات تشكل الهوية التى جرت فى دارفور , على مدى القرون الاربعة الاخيرة . و القصة فى اساسها هى قصة تداخل اربعة عمليات مختلفة لتشكيل الهوية , ارتيطت كل منهن بفترة محددة فى تاريخ الاقليم. والهويات الاربعة هى: الهويات السودانوية “ Sudanic Identities “ . والتى ارتيطت بسلطنات دارفور. والهويات الاسلامية . والادارة الاهلية والتى ارتبطت بالدولة السودانية فى القرن العشرين . والاستقطاب الحالى بين هوية " العرب" وهوية " الافارقة " والذى ارتبط باشكال جديدة من التدخل الخارجى والعنف المحلى . انها القصة التى تؤكد على اهمية محور الشرق-الغرب فى الهوية السودانية , وتنقذه من الاهمال . حيث انه لايقل فى اهميته عن اهمية المحور شمال-جنوب , ويدفع بدارفور كعامل مهم ومستقل فى تكوين الدولة السودانية لا تقل فى ذلك عن الوسط النيلى . القصة تركز على عجز الدولة السودانية الحديثة واللاعبين الدوليين عن استيعاب فرادات دارفور . القصة الدارفورية تتهم كثرة من المؤرخيين السودانيين ب "المركزية النيلية " بالتحديد عندما يستخدمون مصطلحات تحليلية مستخلصة من تجربة الوادى النيلى , ويطبقونها على دارفور .
ان مصطلح " الدارفوريين" لا يقوم الا فى اعوجاج يسكنه , فدارفور تعنى بشكل محدد بلد الفور , ولكن تبعا لحجتى , فقد وجدت " فور " تاريخيا كمصطلح اثنو-سياسى ، ولكنها وبالرغم من ذلك استخدمت فى محطات التاريخ المختلفة لتشير فقط لاقلية من سكان الاقليم الذاخر بالاثنيات والقبائل . عموما , فقد جرى و منذ العصر الوسيط وحتى القرن العشرين تاريخ متدفق من تشكل الدولة ، حتى ان حقيقة وجود دارفور كذات اقليمية واحدة نالت القبول المؤكد – كما لاحظ شون اوفاهى . وفى تجربة سكنى وترحالى فى دارفور فى الثمانينات (من القرن العشرين) جاءنى الاحساس بالذاتية الاقليمية لدارفور موفورا وجليا . لكن ذلك لم يكن يعنى ان هناك اتفاقا على هوية دارفور او مصائرها . فهناك " اخلاق جغرافية " مختلفة ومتصارعة انتجت مفاهيما متغايرة لهوية الفور ، كما ساوضح لاحفا . لكن ما يضم الدارفوريين لبعضهم عميق تماما مثل ما يفقرقهم .
لقد ارتبط تكوين الهوية فى دارفور بالعنف والتدخل الخارجى . واحدة من ثيمات هذه الورقة , هى ان ما يجرى من احداث معاصرة يجد جذوره فى التاريخ . ولكن ما يميز احداث اليوم ببعض التفرد ، هو طبيعة الاحتشاد الايديولوجى للهويات المتكونة الان , وطبيعة التدخل الاجنبى . واختتم الورقة بمناقشة مختصرة لنتائج موقف الولايات الاميريكية فى تحديدها لما يجرى بالتصفية العرقية . هناك خطر كامن فى استخدام لغة التصفية العرفية والاستقطاب الايديولوجى للهوية ، فهو يساهم كثيرا فى جعل الصراع عصيا على التحليل .
بالرغم من ان هذة الورقة ممارسة اكاديمية فى التاريخ الاجتماعى , الا انها ذات اغراض سياسية . ففى فكرنى ان الدارفوريين وعلى مدى قرن لم يستطيعوا صناعة تاريخهم وفقا لشروطهم . واحد اسباب ذلك تتمثل فى غياب الحوار المتماسك حول السؤال "من هم الدارفوريين " . وبالمساعدة فى خلق مثل هذا الحوار ، تدفعنى الامنية ان تكتشف كل المجموعات التى تسمى دارفور بلدها , هويتهم الجمعية .
الهويات السودانوية: اول العمليات المتداخلة فى تكوين الهوية الدارفورية هى " نموذج السودانوية" , وهو النموذج الذى قدمته تجارب جهاز الدولة فى الاقليم . وفى الحديث عن هذا النموذج تجب الاشارة الحاسمة لحقيقة ان دار فور ( وهو المصطلح الذى استخدمه للاشارة الى السلطنات المستقلة والتى قامت فى فترة متواصلة بين 1600م الى 1916 م فيما ماعدا انقطاع بين 74 – 189 مثـلت مركزا منفصلا لتكون جهاز الدولة ، مستقلا عن الوادى النيلى بل متفوقا عليه . فقد اخضعت دار فور كردفان لحكمها فى الفترة من 1791م الى 1881 م . حتى الدولة المهدية سادها الدارفوريون بوضوح فى معظم دورة حياتها . على كامل المدى الطويل لتاريخ دار فور , وقبيل القرن العشرين ، لم تخضع دار فور لحكم نيلى الا مرة واحدة ولفترة قصيرة وبدون سيادة مكتملة فى الفترة 74-1882 م. وهى كما ترى فكرة جبارة تم اهمالها مليا من قبل علم التاريخ السودانى الذى انتجته المركزية النيلية . السودانيون الجالسون على كراسى الاكاديميا والماشون فى شارع السياسة يألفون سودانين يمتلان الجنوب والشمال ، و لكننا يجب ان نعتبر ونألف سودان ثالث تمثله دارفور .
ظهرت سلطنة الكيرا فوق اثار مملكة التنجر لتحمل تشابهات كثيرة معها. فقد اسست مركزها شمال جبل مرة وبسطت حكمها على كل الاقليم الشمالى لدار فور . وقامت دول الداجو على الجزء الجنوبى من الجبل . اتسمت عملية تكون الهوية فى عهد السلطنة بالشمول ، لتقدم نموذجا وهو النموذج الذى احتلت هوية كيرا الفور مكان المركز فيه لتحيطها هويات " مستوعبة " من فور الكنجارا ومن ضمنهم اثنية التنجر . فكلمة كنجارا نفسها تعنى " اجتمعوا سويا " او " تواجدوا معا" . ويعبر هذا النموذج من الاستيعاب الاثنى – السياسى عن ممارسة يعرفها الاكاديميون الدارسون لتكون الدولة ، ويجدون امثلة لها فى الامبرطورية الاثيوبية ، الفونج وكانيم – برنو ودولات سودانية اخرى . اِن تحليل هذه الظاهرة يؤهلنا لفك بعض اسار غموض اثنولوجيا الفور ولغتهم ، بالتحديد الغموض الذى لف البنيات السياسية المختلفة لبعض "قبائل " الفور ، والاخفاق الذى استمر فى تصنيف اللغة الفوراوية ، والتى تخصبت فى انتشارها بين المجتمعات . عموما لاتزال اثنوغرافيا و تاريخ دارفور يعانيان قلة الدرس والتوثيق . احاطت بسلطنة الكيرا بعض المجموعات الخاضعة ، مثل القبائل البدوية ( وقد حازت على الاهمية من خلال دورها الحاسم فى تجارة السلطنة وثراء السلطان ، من خلال ملكيتها لقوافل الجمال) ، وبعض المجموعات المستقرة اهمها الزغاوة . خلال القرن الثامن عشر لعب الزغاوة دورا مهما فى سلطنة الكيرا ، فقد تزوجوا داخل العائلة المالكة ، وكانوا جزءا من كتبة وحراس المحاكم. اما فى جنوب المملكة فقد تواجدت مجموعات قبلية ذات استقلال نسبى ، صار بعضهم فورا عن طريق الاستيعاب السياسى ، بينما نجت اخرى باسباب نزوعها القوى للاستقلال السياسى كما فى حالة عرب البقارة . وكما هو الحال مع مثل هذا النوع من الدولة ، استخدم الملك الحروب كوسيلة لاخضاع من تواجد على الهوامش .
الى الجنوب الاقصى وجدت ديار الفرتيت . وقد عنت كلمة الفرتيت " العبيد " او من يمكن اخضاعهم للعبودية من سكان الغابات . وهنا بالضبط تظهر الطبيعة العنيفة للدولة ، فقد اعادت الدولة انتاج نفسها من خلال ارسال جيوشها لحيازة " الناس" ونهب اشياءهم ، وتصديرهم الى مصر والبحر الابيض . هذا التداخل المشتبك بين الجنود والتجار والعبيد لهو من الامور المألوفة فى تاريخ الدولات السدانوية ، حيث لعبت الحروب المتصلة بلا نهاية دورا اساسيا فى توفير الثروة وتامين السلطة . ولقد وصف اوفاهى جيوش حملات الاستعباد بالدولة المصغرة . ويتاتى ذلك فى بعضه من خلال وضع السلطنة السياسى الجغرافى كهامش لعالم البحر الابيض المتوسط . ففى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لعب درب الاربعين الى اسيوط دورا رئسيا فى توفير بضاعة "العبيد " والعاج والمنهوبات الاخرى ، ودورا اخر فى العلاقات الدولية حيث تبادل نابليون بونابرت الرسائل والهدايا مع سلطان دار فور .
كل المجموعات الاساسية فى دار الفور , هى مجموعات بطرياركية ، حيث يتحدد الانتماء الاثنى من خلال الاب . ويترتب على هذا ان الهوية يمكن ان تتغير من خلال زواج الاقوياء من الرجال باسر ذات اوضاع متميزة . وقد كان هذا امرا ممارسا باتساع ، استثنى منه فقط الفرتيت . لقد عانت عملية تكوين الهوية فى السلطنة ، التغيرات على مر القرون . فقد مرت من عملية تركز اساسا على هوية الفور ( من 1600 الى اواخر 1700) الى عملية مدنية فقدت الدولة فيها خصائص الايديولوجيا الاثنية . من المهم هنا ملاحظة الدور الذى لعبته دعاوى النسب العربى فى تاسيس شرعية الدولة ومؤسساتها . وهى ممارسة وجدت فى كل الدولات السودانوية . وقد حظيت العربية بالاهلية لانها فتحت الباب امام تقاليد معرفية وامكانيات لجلب/قدوم المعلمين من العالم العربى يصطحبهم التجار ، هذا الى جانب ان السلطنة كانت قد اتخذت الاسلام دينا . اعتبر البدو من السكان الاصليين عربا ( بالمعنى الاثارى كما استخدمه ابن خلدون وغيره ، ويستمر استخدامه حتى اليوم ، فمن المدهش ان تعتبر الحكومة الليبية الطوارق عربا ) .
تتضح اهمية هذه المسالة اذا نطرنا الى التحديدات الاثنية فى تجربة الدولة المصرية – التركية فى الوسط النيلى (1821-1874) ، وهى الدولة التى تمثل سلف الدولة الحالية . .لقد تم تحديد العربية باعتبارها الهوية المركزية ، وذلك بالتركيز على ثلاثة قبائل هى الشايقية ، الجعليين والدناقلة ، بينما حدد القطب الاخر للهوية " بالسودانيين " وهو الاسم الذى يصف المجموعات التى كانت هدفا للاستعباد وتجارة الرقيق فى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، ولكنه الان ومن خلال عملية مثيرة من هجرة التوصيفات الاثنية ، اصبحت السودانيين تعنى - وفى ثمانينات القرن العشرين- الصفوة الحاكمة ، والتى هى نفسها القبائل الثلاثة . فى الجانب المقابل اختار الجنوبيين مصطلح الافارقة لتاكيد هويتهم ، مما شكل اضافة متأججة لحوارات المثقفين السودانيين الخاصة بموضوع الهوية ومواقع السودان النسبية بين العالم العربى والعالم الافريقى . من وجهة نظر جنوب السودان ( وكذلك شرق افريقيا ) فان " العربى " و " الافريقى " قطبان متعارضان ، بينما من وجهة نظر دارفور وتوجهاتها " السدانوية" ف " العربى " هو جزء من " الافريقى " . يدلل هذا على ان الدارفوريين لا يعانون اى مشكلة فى تعدد الهوية ، ويمكنهم تعريف دولتهم الافريقية باشتمالها للعرب الاصليين بدوا كانوا او مستعربين بالثقافة . أن تحول مصطلح " افارقة " من جنوب السودان الى دارفور ،واستخداماته لتستثنى الفرتيت ، وليضم المجموعات التى اشتركت فى تكوين الدولة من فور وتنجر ، الى جانب مجموعات الحظوة التاريخية من زغاوة ، مساليت ، داجو وبرنو ، لهو من الامور المثيرة ولكنه لايخلو من السذاجة الانثربولوجية ، " فالافريقية " يجب –بالاحرى - ان تشير الى معانى مختلفة فى دارفور . جاء انهيار دارفور فى 1870 ، لانها خسرت للنطام المصرى التركى وعملائه من تجار الخرطوم فى المنافسة على احتكار تجارة الاستعباد. ان الحدود السودانية الحالية تحددت –بدرجة كبيرة- بالمدى او المناطق التى وصلها عملاء الخديوى حتى اللحظة التى اوقفتهم فيها الثورة المهدية . لقد مارست حملات الاستعباد عنفا فظيعا تجاه من استهدفتهم ، فقد عرضتهم للمجاعات وللتصفية الكاملة فى بعض الاحيان . لقد نجح علماء التاريخ فى اعادة تركيب بعض المجتمعات التى وجدت قبل هذه الحملات ، بينما عاش بعضها فى الذاكرة ، واختفى بعضها المتبقى بلا اثر . الهوية الاسلامية : ويتداخل هذا النموذج عميفا مع نموذج الهوية السودانوية ويكمله ، ولكنه – وفى نفس الوقت - يتميز عنه فى بعض خصائصه البارزة والتى جعلته يتصادم مع المهدية (83-189 . ولنبدأ بالتداخلات : كان الاسلام دين للدولة ومنذ القرن السابع عشر . جاء الاسلام الى دارفور من الغرب , وذلك لان دارفور كانت جزءا من من امبرطورية كانيم- برنو فى العصر الوسيط . وهى الامبراطورية التى اتخذت الاسلام دينا رسميا منذ ( او قبل ) القرن الحادى عشر. لقد مال المؤرخون ، انطلاقا من مركزية نيلة ، لافتراض دخول الاسلام فى دارفور انطلاقا من وادى نهر النبل ، ولكنه توجد كثرة من الادلة تقترح ان الامر ليس كذلك . كمثلا نجد ان الطرق الصوفية السائدة فى دارفور ، هى طرق صوفية نبعت فى الغرب الافريقى ( اشهرها الطريقة التجانية ). كما اننا نجد ان الخطوط المستخدمة فى الكتابة هى الخط الصحراوى- الاندلسى وليس الخط العربى الكلاسيكى الموجود فى الوادى النيلى . معظم القبائل العربية التى هاجرت الى السلطنة فى منتصف القرن الثامن عشر جاءت من الغرب. تقوم القبائل العربية بارجاع نسبها الى جهينة انتهاءا بالرسول ( فى ممارسة عامة للصفوة الحاكمة عربا كانوا ام غير عرب ) . وقد بدأوا يهاجرون الى الجنوب والشرق فى خلال القرن الثامن عشر . وكانوا يمارسون خليطا من الزراعة ورعى الابل والابقار ، ولكن فى استمرار النزوح الى الشرق والجنوب اكتفوا برعى الابقار، ليكونوا جميعا ما اصبح معروفا بالبفارة . بدأت معظم اسماءهم القبلية الحالية فى الطهور فى المسافة بين القرن الثامن عشر الى القرن العشرين ، فى بعض الاحيان من خلال انصهارهم فى وحدات سياسية جديدة . و تعطى حالة الرزيقات مثالا مؤثرا ومهما ، فهى اتحاد كونفيدرالى واسع بين ثلاثة مجموعات قوية هى المهرية ، المحاميد والنوايبة ، اتحدت لتكون رزيقات الضعين فى جنوب شرق دارفور . ولكنها تركت مجموعات كبيرة فى الشمال والغرب متبقية بعد هذه الهجرة التاريخية . والاخيرة شاب علاقاتها باقربائها فى الجنوب ، قدر من التوتر والاضطراب بين التمسك باستقلالهم وبين الازعان لصلات القرابة . اما البقارة والرزيقات فى الحنوب ، فقد حظوا بسيادتهم على مناطقهم عندما منحها لهم ساطان الفور ( رغما عن انها لم تكن تخضع للسلطنة اساسا) ، بيما اختارت قبائل الشمال حياة بدوية ، ترحل طليقا فى الرمل بدون ان تجعل وطنها مكانا محددا . ولكن بعض الاقسام ترك الرحيل ليسكن ، وفى استقرارهم اصبحوا خاضعين للسلطة الادارية لممثل السلطان ، الحاكم الادارى للمنطقة ( دار تكناوى او دار الريح) . وقد كانت هذه المنطقة ، لاسباب تاريخية ، متحررة نسبيا من البنى القبلية de-tribalised , وعليه فقد تم استيعاب بدو الشمال كرعايا للسلطنة اكثر منهم كوحدات قبلية شبه مستقلة . نفس العملية تفسر لنا وجود جماعة كبيرة من بنى هلبة ( بقارة) متحكمة فى منطقتها فى الجنوب ، ومجموعة صغيرة من الابالة فى شمال دارفور . وبالمثل المسيرية الموجودين فى مناطقهم فى جنوب كردفان ، وبقايا مجموعات منهم فى شمال غرب دارفور وتشاد . اما الزيادية و المعالية فلا ينتمون الى جهينة ولم يتبعوا نفس الاشكال فى هجرتهم ، وعاشوا علاقات مختلفة مع السلطنة ( لم تكن كلها علاقات ساهلة )
جاء الهوسا والفولانى قادمون فى هجرات حدثت فى القرن التاسع عشر واستمرت الى القرن العشرين. وجاءت هجراتهم فى اشكال مشابهة و موازية لهجرات القبلئل الاخرى . عمرت هذه الجماعات ، مساحات واسعة من دارفور ، ومساحات مماثلة فى شرقها . وقد قصرت هذه الهجرات على مجموعات رعوية ، كالام براروا ، التى واصلت هجراتها شرقا حتى نهايات القرن العشرين . أشتملت دوافع الهجرة الى الشرق على دوافع مهمة منها الحج ،( فقطاع كبير من المهاجرين اعتبروا انفسهم حجاجا دائمين متوجهين الى مكة .) ومنها التقاليد المهدوية التى اكدت دائما على الهجرة شرقا . وكما سنوضح لاحقا فالمهدية المجاهدة كفكرة جاءت الى السودان من غرب افريقيا فى صحبة المهاجرين المتوجهين . شملت الهجرات من غرب افريقيا مجموعات اخرى مثل البرقو والبرقد وهم من المجموعات السودانوية التى لم تمارس الترحال بعد قدومها . وبهذا يجب علينا الا نرى الهجرة الى الشرق كظاهرة متعلقة بالمجموعات المتأسلمة سياسيا ، رعاة كانواو بدوا من العرب .
لقد جلبت جهينة معها جغرافيتها الاخلاقية المميزة ، والتى تالفها كل المجموعات البدوية والرعوية فى كل سهول وسط السودان ومناطقه الساحلية . وهى الفكرة التى ترى فى الارض هبة من الله ، فهى من ملكه العضوض ، يحتازها من توهط فيها واستعملها قبل غيره . كما انها تنظر الى دارفور باعتبارها مقسمة الى محليات مختلفة ، بعضها يخص المزارعين وبعضها الرعاة والذين يتداخلون فى علاقات تبادل نافعة للجميع . كما ان الفكرة ( أى الجفرافيا الاخلاقية )تنظر الى الارض باعتبارها منفتحة بلا نهاية وبالذات فى اتجاه الشرق
ثلاثة عوامل اخرى فى تكوين الهوية الاسلاموية ، تستحق التعليق . العامل الاول : المهدية ، والتى وصلت الى دارفور من الغرب ، مستبطنة لاصول اجتماعية وثقافية ترجع الى الدولة المهدية التى اسسها عثمان دان فوديو فى مايعرف الان بشمال نيجيريا . على عكس الوادى النيلى ، حيث التقاليد المهدوية ضعيفة ، نجدها قوية فى سافنا الغرب الافريقى ومعكوسة فى تعبيرات عالية . فقد كتب دان فوديو عشرة كتب منهجية فى فكرة المهدية ، واكثر من 480 قصيدة دارجية ، كما انه اصر ان من مواصفات المهدى ، ان يكون اسمه محمد احمد مما استثناه هو منظرها. كان عبدالله التعايشى - حفيد ولى متجول من شيوخ . الطريقة التجانية - اول مهدى فى القرن التاسع عشر . وبعد ملاقاته للشيخ الدنقلاوى المتعبد محمد احمد فى 1881 ، اعتبره المهدى المنتظر ، واعتبر نفسه خليفته . وقد شكل بقارة كردفان ودارفور غالبية الجيش المهدى , كما ان التعايشة شكلوا غالبية الفئة الحاكمة طيلة عمر الدولة فى امدرمان . لنصرة المهدية اجبر التعايشى مجموعات ضخمة من سكان دارفور على الهجرة شرقا . كانت المهدية مشروعا دارفوريا بدرجة كبيرة . اشتمل المشروع على درجة عالية من العنف ، وان اختلف عن العنف الذى خبرته السلطنات وتاسست عليه . فقد كان العنف هنا جهادا دينيا تضمن تحريكا للمجموعات السكانية بشكل غير مسبوق ولا ملحوق . ان تاثيرات هذه الاشكال من الاسلام الدارفورى ، والاسلام الغرب-افريقى ، فى هذه الفترة المهمة من تاريخ السودان , لا تلقى حقها المستحق من الاهتمام من قبل المؤرخين السودانيين بسبب من المركزية النيلية العتيدة. فلقد خلق المهدية ذلك النصادم بين المهدية الجهادية الشعبية فى الغرب - متضمنه الايديولوجيا الجماعية للطريقة التجانية - والاسلام الارثذوكسى التراتبى فى الوادى النيلى .
تعتبر فترة المهدية حتى اليوم - فى الذاكرة الحية او فى الارشيف الثقافى – فترة عنف منفلت و اضطراب عظيم . الا اننى لا اقصد ان اقترح ان هناك مقابلات قائمة بين المهدية ونظام الاسلام السياسى الحالى ، والذى يمتلك تجربته المميزة من العنف الفالت و الجهاد . بل بالعكس ، فقناعتى تقوم على تحميل مسؤلية الحرب فى دارفور الى فشل المشروع الاسلامى . وينبع هذا من الثيمة الثالثة والاخيرة فى المشروع الاسلاموى ، وهى بالتحديد محاولة الترابى بناء تحالف للهويات السودانية تقوم على محور شرق-غرب . فمن ضمن العديد من التجديدات الفكرية والعملية فى مشروع الترابى الاسلامى ، فتح الترابى المجال للافارقة المسلمين كافراد والاسلام الافريقى كتراث ، عندما رأت الجبهة الاسلامية فى دارفور مجموعة من المسلمين الملتزمين يمكن تحريكهم . فاتاحت الجبهة الاسلامية مجالا واسعا للفور ومجتمعات الفلاتة المنتشرة فى بقاع السودان ، داخل تنظيمها . وعدتهم ان الاسلام يمكن ان يكون مدخلا لتحقيق المواطنة لهم داخل الدولة الاسلامية . وبذلك ابتعد الترابى وتابعوه من التركيز التقليدى للاسلاميين على الاسلام النيلى الارثوذكسى وارتباطاته الوثيقة بالعالم العربى . ولكنه – لسؤ الحط - كان وعدا كاذبا ، فالدولة السودانية لا زالت نفسها الدولة التى ورثت ذلك المشروع الاقصائى الذى انتجه تجار الخرطوم فى القرن التاسع عشر . وما قصد المشروع الاسلامى من استيعابهم الا استخدامهم كجنود راجلين . بالنسبة للفلاتة بدأ الامر واعدا بفوائد سريعة ، فقد يمنحهم الجنسية السودانية ، مصححا بذلك وضعا شاذا استمر الى وقت طويل فى سياسة المواطنة السودانية . اما بالنسبة للدارفوريين ، فان افضل ما لقوه هو حياد السلطة الاسلامية فى الصراعات بين العرب وغير العرب من سكان دارفور . وحتى هذا الحياد لم يستمر طويلا . فقد نال غير العرب من الدارفوريين حظا ضئيلا او معدوما فى الاعانات والاغاثة التى قدمتها منظمات الاسلاميين لمناطق نائية فى دارفور . قد يكون سبب ذلك ان الاسلاميين اعتبروا ولاء الدارفوريين لهم مضمون بالبداهة ، اولانهم انشغلوا وركزوا على المهددات الاتية من الجنوب ، جبال النوبا والنيل الازرق وعليه فقد تم تجاهل دارفور فى مجموعة مشروعات اسلاموية هدفت لاعادة قولبة المجتمع . عندما وقع انقسام الحركة الاسلامية فى 1999 , ذهب معظم الدارفوريين مع الجناح المعارض وقد صادف ان كان فى قيادة احد أجهزة الامن جنرال من سلاح الطيران ، دارفورى ابالى من الرزيقات ، وهى تلك الاجهزة التى وضعت قياداتها على رأس قوات الدفاع الشعبى المتواجدة فى المناطق الحرجة ، مستبدلة كل من شك فى احتمال تعاطفه مع الترابى . وكانت هذه بداية تكوين " الجنجويد " ( وهو مصطلح استخدم لوصف مليشيات الابالة التشادية التى استخدمت غرب دارفور كقاعدة خلفية فى منتصف الثمانينات . وقد مدوا اخوتهم بالسلاح مما ساهم فى تفجيرات الصراع فى 87-1990فى دارفور ) . ان حرب دارفور ، فى واحد من اهم ابعادها ، هى صراع على مخلفات حطام برنامج الحركة الاسلامية السودانية . وهو صراع بين مجموعتين فقدتا العشم فى قدرة المشروع الاسلامى على تحقيق اى شئ سوى القوة الغاشمة .
النقطة الثالثة ذات الاهمية ، تختص بوضع النساء . ففى الطريقة التجانية - فى امتيازها بتقاليدها الجمعية بمقارنتها بالطرق الصوفية النيلية – يمكن للنساء تحقيق وضع الشيخ او المعلم . وفى هذا تنعكس التقاليد الدينية للاقليم السودانوى ،و الاوضاع الافتصادية والاجتماعية للمراة فى مجتمعات السافنا ، حيث يمكن للمراة ان تمتلك مزرعتها وتمارس التجارة بالاصالة عن نفسها . وقد لاحظ كل دارسى الاثنوغرافيا الدارفوراوية ، هذا الاستقلال الاقتصادى للمراة داخل المجموعات العربية وغير العربية على حد سواء . وفد لعب الانتشار اللاحق للارثوذكسية الاسلامية دورا مساهما فى تراجع وضع المرأة .
| |

|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: isam ali)
|
خالص التحايا استاذ isam ali شكرا للعرض اعلاه.. الشى الذى اعرف ان الفور هم اهل منطقه ومكان .. لكن من خلال هذا تبادر سؤال اتمنى ن اجد اجابته ... هل الزغاه هم اهل دار ومكانه فى السودان وخصوصا دارفور؟ وكذلك الفلاته ؟
والتحايا النواضر..
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: isam ali)
|
ياعصام
على
ده أجمل بوست فى النصف الأخير من السنه المنتهيه....للدقه أعمق بوست على الإطلاق
تحليل متماسك جدا
ثم ترجمه أكثر من ممتازه
والاكثر روعه
انك قادر على أدارة حوار رفيع حول محتوياته
واصل.....واصل
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: isam ali)
|
إلأخ عصام التحايا النواضر. لاشك ان عملك هذا من اروع ضروب النضال الذى رايتة فى هذا المكان فى إلآونة الأخيرة والذى كثر فيه النعيق والزعيق ثم اختلط الحابل بالنابل وظهور اصحاب البطولات المصطنعة.واصل فكلنا اذان صاغية وهذا بمثابة الTherapyلما اصاب اذاننا من اصوات نشاذ.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: bakri abdalla)
|
الاخ عصام علي
البوست فعلا يستحق الارشفة، لك التقدير، بالمناسبة مفهوم الدارفورية ظلت الحلقة المفتقدة في الازمة الدارفورية الراهنة ، و لقد ان الاوان لحفرها بطريقة تمكن الجميع من تجاوز المربع الاول. لك تقديري ثانية انور
| |

|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: عمر ادريس محمد)
|
الصديق عصام علي ..
هذا السؤال من هم الدارفوريين ، لم يكن مطروحاً طوال السنوات الطويلة الماضية حتى جائت الازمة لتشق دارفور لعرب وزرقة ، المؤسف إن الكثير من أبناء الإقليم انفسهم ركنوا لمثل هذا التصنيف بل إشتطوا فيه ، نتيجة للعنف الذي مارستة الدولة ، وما تبعه من إنهيار للنسيج الدارفوري الذي كاد أن يتم إنصهاره التام في هوية واحدة متمازجة رغم تعدد ألسنها وسحناتها ، ذلك التنوع الفريد الذي يشكل مجتمع دارفور ، هو قلعتنا التي كان علينا الدفاع عنها حتى آخر رمق ، لأنها هي ترسانتنا الاساسية التي تصد هجمات المركز .. دارفور بعيون الغريب : لقد قرأنا دارفور في رؤية ألكس ، وقرأناها في إعلام الغرب الذي يوجد تصنيفات ذات ثنائية لا تقبل الإضافة ، فكما ترى توصيف الغرب لمشكلة الجنوب ، بإنها مشكلة بين شمال مسلم وجنوب مسيحي مع إن القضية الاساسية لم تكن كذلك ، لكن فرض الحل على هذا الاساس ! ثم جائت دارفور لتكون المشكلة عرب وزرقة ، ويأتي الحل على هذا الاساس المغلوط ، مما يجعل تبعات الأزمة مستمرة إلى ما لا نهاية ... لأن الحلول المغلوطة لن تقود إلا إلى نتائج سيئة .. هذه الحلول لاقت هوى في نفس الدولة الراهنة التي يقودها الكيزان لا لحاف لهم لفرشه في مساحه هذه المليون ميل مربع . مسألة من هم الدارفوريين تقود لسؤال أكبر من هم الافارقة .. ومن هم العرب .. لقد طالعتنا بيانات ولغة غريبة عن ما يسمى بالقبائل الافريقية ، في قصور رهيب ينفي عن بعض القبائل الاخرى حتى أفريقيتها ، فعرب دارفور وزرقة دارفور هم افارقة .. وأفريقيتهم ليست لون ولكن وجود تاريخي في القارة السمراء ، وهذا الوجود هو مكسب للقارة وليس ضرراً لها .. المسألة إن بعض العقول البسيطة والمتقبلنة ، تساعد في تدمير هذا الوجود وتدعم المجموعات العروبية الإسلامية التي تحيل وجودنا إلى خارج القارة ، بل تحتفي بإنتماء الأنساب لجذورها العربية في صحراء الربع الخالي ، وتتأفف من الإنتماء لأفريقيا . المسألة تحتاج حسب فهمي لإجابة من أبناء دارفور أولاً من نحن في إطار الدولة السودانية التي عادت لمنصة التأسيس كما قال الراحل الدكتور جون قرنق . وفي هذا الإطار علينا البحث في القواسم المشتركة لا التفريق .. لأن هنالك ما يربط أهل دارفور .. سواء كانت الجغرافيا أو التاريخ وما أنتجته هذه العوامل من علاقات إجتماعية وأنساب ... وبذلك يمكن إيجاد مدخل سليم للتصدي للخط الرامية لتقسيم دارفور إلى عرب وزرقة ، وحسابات ذلك بلغة سياسية بسيطة ، ما المكسب من دفع هذا الإنقسام لنهاياته ، وماهي النتائج التي تترتب على الإصطراع القبلي وتناحر الهويات .. ولماذا تكون دارفور مسرحاً لذلك الصراع السوداني التاريخي ؟؟ أسألة وأسالة والإجابة في عقولنا كلنا التي علينا تحريكها قليلاً من ثباتها
عصام : أنت لا تشكر على هذا المجهود رغم إنه مجهود جبار في تنويرنا برؤية الآخر لنا ، لأنك هنا تقوم بهذا المجهود بالاصالة وكمعني بالقضية مثلنا .. فأزمة دارفور لا تنفصل عن الازمة السودانية الشاملة والتي لك فيها مجهودات مقدرة .
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: من هم الدارفوريين ؟ (Re: ابنوس)
|
الحبوب يوسف الماهر فى تعدد حبابك عشرة اعتقد معك بان الانشقاق الدارفورى لعرب وزرقة فى تحديداته الحالية فى خطاب الايديولوجيا ، سببه هذه المأساة الفظيعة ، والقسوة المتوحشة . واعتتقد ان وصفك للازمة فى الفقرة الاولى لمداخلتك صائب ودقيق فى التنك . اشك تماما فى حظوة مصطلح " الافارقة " ومشتقاته ، على اى قدرة فى عكس الواقع الدارفورى بشكل صائب او مدقق فى مسيرته التاريخية، فهو جزء مكون لخطاب ايديولوجى باحث عن فوائد سياسية تتحقق فى تحالفات ما جابت غير الكوارث. اللتصنيف لعرب وزرقة كان موجود قبل الحرب ، ولكنه لم يكن المحدد الوحيد والنهائى للهويات فى دارفور ، فدارفور فى ذات نفسها الحلوة كانت - وتكون - واحدة من محددات الهوية ( كانت دولة الى ان ضمت الى السودان قبل قليل من استقلال الاخير ) الى جانب محددات اخرى ، كالاسلام مثلا .والكس دى وال يرى ان الهوية الدارفورية معقدة بشكل مذهل fabulously comlex ويشترط لفهمها التخلص من كل الافتراضات المو######## من الدراسات السابقة لافريقيا ، فلدارفور بنية هوية فريدة غير متكررة فى اى مكان اخر حتى فى باقى بقاع السودان وتجارب ممالكه و سلطناته المختلفة و الخواجة الدارفورى يرى فى عرب دارفور زرقة ويصفهم بانهم سود وسكان اصليين ومسلمين وافارقة - زيهم وزى جيرانهم - و يؤكد ان ثنائية عرب وافارقة تعانى الزيف تاريخيا وانثربولجيا ، تماما كما تفضلت انت فى مداخلتك . ارى معك انو المنهج الانجح هو الذى يرى الامر فى اطار الازمة الوطنية العامة .. ويبدو وبدون كلام كتير انو تجربة سنه بعد اتفاق نيفاشا تجعل ذلك مفهوما تماما . وشكرا على ثناءك ، فهو لايقوم الا على كرمك
| |

|
|
|
|
|
|
|