مقال ممتع للاديب محسن خالد بالخليج الاماراتية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 05:15 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2006, 12:47 PM

جمال ادريس
<aجمال ادريس
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 817

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال ممتع للاديب محسن خالد بالخليج الاماراتية

    ارض العجائب ... جنوب إفريقيا أرض الذهب والعاج

    في إطار البعثات التي يرسلها “المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق” تجوّل الكاتب الروائي السوداني محسن خالد في جنوب افريقيا، وشملت رحلته ثلاث مدن أساسية هي جوهانسبورج، وبريتوريا، وكيب تاون، حيث زار معالم أساسية فيها، وكتب يومياته وانطباعاته عما رآه هناك في أماكن طالما قرأ عنها وظواهر طالما سمع بها، لاسيما في الحقبة السابقة على انهيار الأبارتهايد، أو نظام الفصل العنصري. ونص الرحلة سيصدر عن “دار السويدي” في ابو ظبي في عداد سلسلة “سندباد الجديد”. وهنا قطوف من رحلة الكاتب محسن خالد إلى جنوب افريقيا التي تعتبر الأولى لكاتب عربي منذ زمن طويل، ربما منذ أن زارها الأمير محمد علي باشا في عام ،1925 ووضع كتاباً عنها تحت عنوان “رحلة إلى جنوب افريقيا”. يقول الروائي محسن خالد:

    منذ رؤيتي الأولى للناس، هنا، رأيتُ العنصرية فيهم منهارة، أصبحوا خليطاً من دون هُويَّة، عدا هُويَّة الإنسان المتكلِّم.
    المتكلِّم بإحدى عشرة لغة هي: الإنجليزية، English، والأفريكانز Afrikaans، والهوسا Xhosa، والزولو Zulu، والسوتو الشمالي Northern Sotho، والسوتو الجنوبي Southern sotho، والتسونجا Tsonga، والفيندا Venda، والنيدبيلي Ndebele، وتسوانا Tshwana، وسويزي Swazi.
    وجوهانسبرج مدينة ملتاعة، وناعسة في شبه خدر لملامح لاتينية، بفعل أشكال الناس المتكوِّنة من أوروبيين وأفارقة وآسيويين. وبنزولك في مطارها ستستغني عن هذه المفردة الطويلة، فهم يختصرونها ب”جوبيك” Jobec، ويعرفون أنّ الشخص غريب بنطقه للاسم كاملاً.
    تضاريسها تطابق تضاريس القارة السمراء عند حوافها العليا، الجزائر وتونس والمغرب، لولا رفاه العمران هنا، وتطاول التكنولوجيا التي ساعدتهم أكثر على تذليل الهضاب والمرتفعات وتطويعها في كثير من التناسق.
    أخذني “زكريا” سائق التاكسي لعمق المدينة، حيث فندق بروتيا.
    ويشير إليّ زكريا بيده: هذا حي الصينيين. وبالفعل تشعر بأنك عبرت من خلال شارع آسيوي بكامل التقاليد، يمر موكبٌ موسيقي صيني، تلمح أُناساً زُرقاً هنا وهناك.
    متاريس وحصون
    يؤشِّر زكريا بيده من جديد، هنا حي الهنود. ويسترسل: لم يتم بيننا وبين الآسيويين انصهارٌ كما ينبغي، التداخل تم بين الأفارقة وأهل الأبارتيد.
    قلتُ له، أعرف الآسيويين، سيعيشون معكم إلى الأبد وسيظلون كما ظلَّ اليهود يحلمون بخصوصية لهم على مرِّ التاريخ.
    قال لي: أيام الأبارتيد، كانت هذه الأحياء كلها، بما فيها أحياؤنا، خنادق محفورة ضد بعضها بعضاً، لم يكن باستطاعة أي فرد من حي، أن يعبر إلى آخر، منذ الساعة السادسة مساء، وستُطلق النيران على أي متجول بين حي وآخر، الأوروبيون يتمركزون في حي سانتون، وسويتو الآن للأفارقة.

    متحف الأبارتيد: هو من أكثر متاحف جنوب افريقيا جدية، وخُصِّص له مبنى ضخم ومترامي الأنحاء.. الخضرة تُحيط به من كل ناحية، ويجاور مدينة شذور الذهب، إن جازت الترجمة، ال Gold Reef City ومدينة الألعاب والسحرة والرقص وكل ما يخطر ببالك من المتع الإفريقية والأوروبية، وفي داخلها أقيم متحف المناجم، الشيء الذي لا أظنه يتكرَّر في الدنيا، ولا أعتقد بأنَّ له مثيلا في أي مكان آخر عدا هذه المدينة، وسنعود لنستعرضه لاحقاً.
    وهذا المعرض لا يُركِّز على الضحايا والسوء العنصري بقدر ما يتناول حياة بعض المساهمين في بناء جنوب افريقيا غير العنصرية. كما يقوم باستعراض الأبارتيد لجوار الأنظمة المشابهة له في العالم. في داخل المعرض يُوجد استعراض تاريخي لحركة السود بداخل أمريكا وكفاحهم نقطة نقطة، كما يقوم بالنظر إلى نظام الأبارتيد كذهنية ونقاش وليس كحالة مُشتكى منها وللعرض- فحسب، كما لمست في معظم المعارض الأخرى، وأيضاً يهتم بالجانب التاريخي للمسألة، بقراءة جنوب افريقيا تاريخياً، ويرد الحالة كلها إلى ظهور الذهب، فجوهانسبرج القديمة والتي كان اسمها في السابق ويت ووتر ساند، وعند اكتشاف الذهب فيها لم يتبدّل اسمها فقط، ولم تتأثَّر بهذا التغيّر جنوب افريقيا فحسب، بل العالم بأسره.
    فخارطة جنوب افريقيا الإثنية كانت صافية الأفريكانية في عام 1887 إلا من بعض الأسر الأوروبية هنا وهناك. وباكتشاف الذهب تسارعت أعداد الأوروبيين في رنّة ذهب واحدة إلى ثلاثة آلاف أسرة. وبمرور تسعة أعوام فقط ارتفع الرقم إلى مائة ألف أوروبي.
    وبدأ الصراع الأوروبي داخل القارة، وتقاتل الإنجليز والبوير في الحرب الشهيرة والمعروفة باسم “حرب البوير”.
    وجرى قتال من لا يهمه شيء، البوير استخدموا تكتيكات الغوريلا كما يقول التاريخ، بينما الإنجليز اتبعوا طريقة “سياسة الأرض المحروقة” أي صراع من لا يهمهم الهدم والحرق والخراب، أو كما يقول مثلنا السوداني “جلداً ما جلدك، جُر فوقه الشوك”.
    فدهسوا بذلك 30 ألف إقطاعية زراعية، ودمروا 20 قرية، وبكسب الإنجليز للحرب قاموا بوضع الجميع في معسكرات كالزرائب بما في ذلك الأفارقة والأفريكانيين إن جازت الترجمة، فهناك مصطلحان يستخدمان هنا، بالنسبة للمفردتين Africans بالنسبة للأفارقة الخُلَّص أو Afrikaner للمهجنين المستوطنين.
    فكان مجموع هذه المعسكرات 44 معسكراً للبيض، و29 معسكراً للسود، هذا قبل إجراء المعاهدة الشهيرة بينهم عام 1902 والتي قادت إلى الاتحاد بين الإنجليز والبوير.

    قانون عنصري: المتحف يبدأ بالدخول إلى شبه أكشاك مسيّجة بالحديد، تم فيها تكبير بطاقات نظام الأبارتيد لتصبح واضحة جداً، ولتبيين تدرّجات الألوان التي كانت معتمدة من قبل لتصنيف قيمة الناس. تبدأ هذه البطاقات بألوان باهتة جداً تبدأ من أكثر الأشكال إفريقية وتمضي مرتفعة - كما يُراد لها- قليلاً قليلاً كلما كان للشخص تداخل بأعراق أخرى، أي الملونين، تبدأ كما قلنا من أقصى افريقيا وتمر عابرة بآسيا من خلال الهنود السود أو البنجاب وحتى الصينيين، بينما يعتبرون اليابانيين من البيض، وإلى أن تنتهي بالأوروبيين.
    كما تُوجد هنا كنموذج، الفقرة الدستورية الأشد لؤماً وظلماً في تاريخ البلاد التي تعتبر أنها تحكم الآن من خلال النظام الديموقراطي الأرقى والأكثر كفاءة في العالم كله، لأنّ هذا البلد اختبر كافة أشكال وألوان الظلم والقمع، فخرج دستوره الحالي ناضجاً ومعافى من الأمراض جميعها. وهذه الفقرة قد بُروزت في خط عريض ووضعت في مدخل معرض البطاقات، وكان برلمان الأبارتيد الكولونيالي House of Assembly قد ناقشها وأجازها في إحدى جلساته بتاريخ 15 مارس/آذار ،1950 وهي تقول: “الرجل الأبيض سيِّدٌ في جنوب افريقيا، من صميم طبيعة “أصله''، ومن صميم طبيعة “ميلاده”، ومن صميم طبيعة و''صايته” سيظل سيِّداً حتى النهاية”.
    وهذه العبارة لم تكن المدخل إلى هذا المعرض فحسب، وإنما كانت المدخل إلى جنوب افريقيا كلها، والموجز لما كان يجري فوق هذه الأرض، ولسمعة هذا البلد بالخارج.

    شخصيات بارزة: وبالخروج من هذه القاعة تلتقي بالمدرّج المعدّ للشخصيات التي أسهمت في بناء جنوب افريقيا. وهنا أعدّوا أقفاصاً من المرايا، تحمل صورة الشخص من قفاه ومن أمامه، بعضهم حين كان طفلاً وبعضهم عند شبابهم، وآخرون في شيخوختهم، مع ملاحظة أنّ الجدار الممتد بمحاذاة هذه الصور -التي تبدو كالتماثيل من خلال تلك الزوايا المقطعية التي أُخذت بها- يقوم فيه معرضٌ مذهل، الجدران مجوّفة أو مفرّغة فيما يشبه الأفران البدائية، التي تصنع داخل الجدران، ثم قام فنانون كبار إما بالتلوين عليها، أو بالنقش والنحت على هذه الجدران. وهنا السمة الثانية لأي متحف داخل جنوب افريقيا، فمتاحفهم كلها تتميز بمعارض تشكيل مجاورة، وبمتاجر فنيّة لبيع لوحات ومشغولات فنية وتحف وهدايا، من نفس مادة المتحف، ليشتريها الزوّار والسياح كذكريات عن هذه المتاحف.
    الشخصيات هنا كثيرة جداً ولكن من أكثر الشخصيات التي لفتت انتباهي مويرا Moira Seligman حفيدة هيرمان مؤسّس مدينة صوفيا عام 1897 ومساند البوير الشهير في الحرب الأنجلوبويرية، وقد سمَّى هذه المدينة “صوفيا تاون” على اسم زوجته صوفي التي جاء والداها، أبوها “وولف” وأمها اليهودية “جولدا ميلر”، إلى جنوب افريقيا في ثمانينات القرن التاسع عشر، وتعتبر أول امرأة يهودية تصل إلى جوهانسبرج. أما بحلول عام 1905 فقد كان هناك 6 آلاف مهاجر يهودي بجنوب افريقيا. ومعرض الشخصيات هذا مجاورٌ وفي الصالة نفسها التي خُصِّصت لتناول نضال السود في أمريكا، والمعرض يبدأ بتلك الملابس البيضاء - الشبحية - التي كان يرتديها بيض أمريكا في هجوماتهم الليلية على أماكن وجود السود لقتلهم وتعذيبهم، وما جسّدته السينما الأمريكية كثيراً في تناولها لتاريخ أمريكا القريب وتاريخ الحرب الأهلية، هذا المعرض مخصّص لمناقشة هذه الذهنية الإنسانية المريضة والاقصائية، شخصية الخوف المطلق، لأنّ العنصري هو في الحقيقة شخصية رهابية بامتياز، لدرجة أن يشعر بالخوف والتهديد من مجرّد وجود إنسان لا يشبهه.

    تحديث النظام العنصري: الصالة أو البهو العملاق، ممكننة وفي قمة الرفاه التكنولوجي، والسيور حاملة التوجيهات وخرائط المبنى من نوع تلك اللوحات الضوئية الكبيرة في المطارات تلف مضيئةً ومقدّمةً المعلومات للزوّار. تواجهك في المقدمة سلسلة أخرى من الصالات المتصلة ببعضها بعضاً، مدرّعة أو مجنزرة من هالك نظام الأبارتيد، كانت تستخدم في قمع المظاهرات ودهسها، وللخلف منها قليلاً تُوجد غرفة سلاح ضخمة، مخصّصة لجميع المسدّسات وأنواع البنادق التي كانت تستخدمها الشرطة الكولونيالية، ثم تقودك الدهاليز نفسها وأجهزة الفيديو والشاشات الضخمة تقدّم مادةً صورية وتفسيرية وحتى شخصيات من التي ذكرناها وغيرها تتكلم عن ذلك النظام الجهنمي.
    الصالة التي بعدها مُخَصَّصَة لشخصيات سوداء وبيضاء لتاريخها صلة بالعمل ضد النظام الكولونيالي، وأشهر شخصية هنا هو هاندريك فيروورد رئيس وزراء جنوب افريقيا عام ،1957 والذي حاول مجرّد عمل تحديث للأبارتيد، لما أدركه بوعيه من كون هذا النظام لن يصمد في وجه العالم الجديد وحركات التحرر التي كانت تذرع الدنيا عرضاً وطولاً، ونظراً لأنّ الدنيا جاءت من عهد العصور الوسطى دون شك. وهاندريك ليس بالرجل الجاهل، فهو بروفيسور في علم النفس الاجتماعي، ومجال تخصّصه “النوع - العنصر، أو الريس”. كما أنَّه كان يفهم بالقطع طبيعة أولئك الهمج العنصريين الذين كانوا يسيطرون على جنوب افريقيا، لذا مع أول محاولة منه قلنا لمجرّد عمل “ديكوريشن” لفجاجة نظام الأبارتيد، كان الرد عليه هو محاولة اغتياله بعد عودته من زيارة إلى شارفيل وأنت تشاهد على شاشات العرض العملاقة أحاديثه وخطبه، وحتى موته وسقوطه صريعاً أمام الناس كالرئيس السادات، إذ إنّ المحاولة الثانية لاغتياله لم تخب، فالرجل الذي قام بها هو ديمتري أحد أعضاء برلمان جنوب افريقيا في العام 1966 والذي قام بتصفيته بمسدس أثناء إحدى جلسات البرلمان.

    ستيف بيكو في هوليوود: وصالة تلو صالة يتابع المعرض آليات وسبل فرض نظام الأبارتيد، حتى يصل إلى مراحل النضال وتكوين حزب المؤتمر، خلاياه وعمله السري، والطلابي، وحتى مرحلة المواجهات اليومية والفارطة، حتى الذروة، وفشل كل وسائل القمع والإبادة والتعذيب في إيقاف الأمور والثورة، وإلى أن تصل شعارات شهداء افريقيا وحزب المؤتمر، الذين يتربّع على قمتهم بالطبع ستيف بيكو، المعروف جيداً في العالم كله، ومن اغتيل في سجون العنصريين، ومن قامت السينما الأمريكية بتقديمه عبر فيلم ضخم وشهير، لعب دور ستيف فيه الممثل الأميركي دينزل واشنطون الحائز لجائزة الأوسكار. وكذلك الشهيد الطفل والتلميذ هيكتور بيترسون وآشلي كريل وفيوزيلي ميني وليليان نجوي، كما يُوجد أرشيف بكل المفاوضات التي جرت حتى الوصول إلى الاتفاقية الخاتمة التي أنهت نظام الأبارتيد إلى الأبد، والتي جرت بين ديكلرك ومانديلا، وتربّع إثرها نيلسون رئيساً لوزراء جنوب افريقيا غير العنصرية.
    وبهذه الخاتمة للمتحف، تجد نفسك في نهاية الجهة الأخرى للمبنى العملاق، حيث توجد كما في كل متاحف جنوب افريقيا دكاكين صغيرة لبيع الهدايا الفنية والمشغولات من مادة المتحف، ثم مكتبة لمن شاء أن يشتري كتباً معيّنة حول المواد الثقافية المطروحة في المتحف.

    حتى الزنازين عنصرية: الزنازين فيه كانت بعرض 3 أمتار في طول 3 أمتار بالنسبة للمعتقلين البيض، وبعرض 2 ونصف متر في طول متر بالنسبة للسود. الخلية التي كان يُعتقل فيها مانديلا معروفة باسم الخلية رقم ،4 وهو كان معتقلاً في قسم البيض وليس مع السود لحجبه عن الاتصال بشعبه وللمزيد من إهانته، حيث أمضى زمناً طويلاً قبل أن يتم ترحيله إلى جزيرة روبن بمدينة الكاب، وكذلك المهاتما غاندي الذي جاء به الاستعماريون الإنجليز إلى هذه التلَّة كي يتم لهم حذفه من الوجود والعالم، والمهاتما كان موضوعاً مع السود لأجل منعه من الاتصال بالمناضلين الآخرين من البيض، ولجعل اللغة حاجزاً بينه وبين من يساكنهم من الزنوج.
    والحمّامات مفتوحة وفي صف طويل، بحيث لا يحجبك شيءٌ عَمَّن يجاورك، كما أن هناك قائمة بطريقة التغذية التي كانت متبعة هناك، وتقريباً الأسود لا يأكل شيئاً، ولا تدري كيف كان يعيش، من دون خبز وسكريات على الإطلاق.
    وحالياً أضافوا إلى المكان متجراً يمكنك أن تشتري منه بعض الكتب والكتابات والشعارات المرسومة على الملابس، أي تمّت عولمة النضال وتسويقه كمنتج استهلاكي.
    أما قسم السجينات السوداوات فيبدو أكثر فاجعة من قسم البيضاوات المجاور له، وهنا تطالعك الأسماء الشهيرة والمعروفة لمناضلات بوزن “نولندي” و”سيبنجولي” و”ياني” و”ليليان” و”ألبرتينا”. وفي الفناء الثالث، هناك قسم أرشيفي خاص بالمقتنيات، وأيضاً تطالعك صورة الزعيم غاندي، وأشياء أخرى أو حتى مشغولات فنية ومجسمات قمن بإنجازها أثناء فترات العقوبة.
    معرض هيكتور بيترسون: أخبروني أنه يقوم في حي سويتو البعيد قليلاً، ورافقني إليه سائق التاكسي بيتر، قلت له في الطريق: ماذا الآن يا رجل؟ ها أنتم بخير ومعكم وطن حر وديمقراطي.
    فأجاب: ولكن معنا أحزاناً لن تزول قريباً، وأشار إلى المناجم التي تُحيط بجوهانسبرج، والتي أغلقوها بعد نمو حركة العمران فيها، وبعد ترهُّل المدينة بشكل عام، فالسود الذين كانوا منفيين خارج المدينة رحلوا إلى داخلها من جديد مع تغيرات الأوضاع، وسقوط نظام الأبارتيد.
    قلت له: ماذا؟ قال لي: إن هذه المناجم لم تُدفن هكذا بحركة سلمية تدعم نمو هذه المدينة وحركة العمران فيها وحسب، أبداً، الأمر ليس بكل هذه الكمية من الطيبة، مدافن الذهب القديمة هذه هي باختصار تُمَثِّل الآن مقابر عشرات الآلاف من أبناء افريقيا. هؤلاء ليسوا بغباء الصرب وبيض أمريكا ليخلفوا مدافن جماعية، لتكتشف في مقبل الأيام كما قُدِّر لمذابح التاريخ الجماعية كلها أن تُكتشف وتدان. الأمر هنا مختلف يا مستر خالد، لقد جاءوا بالمناضلين هنا وصبوهم مع مواد التعدين الكيميائية والمُذيبة في باطن الأرض، كي لا يُكتشفوا مطلقاً وإلى الأبد. وبيتر رجل ذكي، التفت وسألني: هل تزور قبور أقربائك الراحلين؟
    نعم يا بيتر، أمي تحديداً أزورها وأجلس معها أكثر مما كنت أفعل وهي في الحياة، أما أبي فمدفون في مكان بعيد، ومع ذلك ربما زرتُه خمس أو ست مرات.
    تركته لألتقط صوراً للمناجم التي أُغلقت جميعاً، واستحالت إلى منشآت ومبانٍ مدنية وأحياء، إذ لا يُمكن أن تتم حركة تعدين بجوار المدينة.
    وحي سويتو وحده يبدو كمدينة كاملة، وهذا شيء يُمَيِّز مدن جنوب افريقيا كلها، الضخامة والاتساع، خصوصاً مدن المقدمة الأربع، جوهانسبرج والكاب تاون وبريتوريا، وديربن. بعد فراغي من التصوير بداخل متحف هكتور بيترسون، خرجت لشارع الأنتيكات والتحف الفنية، هنا المكان ذكّرني كثيراً بجنوب السودان، الفيلة والزراف والحيوانات، والأقنعة الإفريقية المتعلّقة بالطقوس والتي هي أم الأقنعة في الدنيا، الراقصون، الخرز والسكسك، بهاء الفنون كله، المصاغ من الأبنوس والمهوقني، وأشجار أخرى لا علم لي بها.

    يوم في “سجن”
    تلّة الدستور، التي كانت سجناً كئيباً دخله أشهر المناضلين ضد الثقافة الاستعمارية في التاريخ الحديث، وهما مانديلا وغاندي.
    هذه التلَّة تقع على الشارع الذي يحمل اسم جون كويتزي الكاتب الجنوب إفريقي الحائز لجائزة نوبل، ولم أكن أعرف أنها مجاورة لفندق بروتيا، بل على بُعد خُطوات، ذهبت إلى أحد سائقي التاكسي، وقلت له: اذهب بي إلى التلَّة، ولم يوضّح لي أبداً أنها إلى يمين مدخل فندقي مباشرة، بل أعطاني إحساس من سيذهب بي إلى مكان بعيد بدايةً وفي غاية الأهمية النائية عن هنا، لفَّ من شارع تلو شارع، وجاء بي من ناحية لا يمكن لغريب أن يكتشف أنها مجاورة لمكان إقامته، تناقشنا حول هيكتور بيترسون، الذي تشابه قصته قصة الشهيد القرشي عندنا كسودانيين كثيراً، أول طالب يُرمى بالرصاص شهيداً عند اندلاع الثورة، ضد التعليم باللغة الإنجليزية، كانت المطالبة بأن يتم تعليم الأفارقة بلغاتهم، قال لي السائق: إن متحف هكتور بيترسون بعيد جداً، يبعد نحو ثلاثين كيلومترا من هنا، ليعطيني رقم تلفونه بعدها وينصرف بعد أن يُشير إلى بوابة المكان، أي تلَّة الدستور، فأجدها منيعة تعبر عن روح المعمار هنا، بل ولا يمكن لأحد اكتشافها كما أراني الدليل كيفية نمو الأماكن المجاورة لهذا المكان، فقد كان بالأساس مكاناً سرياً وقلعة حصينة من دون شك، كما أوضح لي الدليل.
    جعلوني أدفع 15 رانداً من دون أن يجاوبوا عن سؤال من هو كويتزي المسمَّى الشارع باسمه، ليدخلوني بعد ذلك إلى قاعة جميلة تُعرض فيها بعض الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن تاريخ القلعة حين كانت سجناً، والمعاناة التي كانت توّفرها للمناضلين والمقاتلين ضد نظام الأبارتيد، وأسماء المناضلين والمناضلات من السود والبيض وغيرهم، الذين كانوا مسجونين هنا.
                  

02-12-2006, 07:16 AM

محسن خالد
<aمحسن خالد
تاريخ التسجيل: 01-06-2005
مجموع المشاركات: 4961

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال ممتع للاديب محسن خالد بالخليج الاماراتية (Re: جمال ادريس)

    ..

    شكراً يا رجل جزيلاً، ولك الحب كله
                  

02-12-2006, 11:52 AM

خالد عويس
<aخالد عويس
تاريخ التسجيل: 03-14-2002
مجموع المشاركات: 6332

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال ممتع للاديب محسن خالد بالخليج الاماراتية (Re: محسن خالد)

    ممتع جدا بالفعل.
    لعل هناك نقطة جديرة بالبحث الصحافي، خصوصا المرئي، وهي المتعلقة بالمقابر الجماعية في المناجم المغلقة حاليا.
    شخصيا، أثرت شهيتي جدا للسفر والكتابة يا محسن.
                  

02-12-2006, 02:18 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال ممتع للاديب محسن خالد بالخليج الاماراتية (Re: خالد عويس)

    I really enjoyed this tour in South Africa. I have been facinated by the South African experience, and struggle since my childhood. Later on,in Den Haag, I have been taught by a South African professor, Dr. Arch Mafiji who visited Sudan, and taught at AUC in Cairo.I take the opportunity to make two small corrections:
    , The name of Xhosa, an ethnic group in South Africa has been translated to Hausa, an ethnic group in Nigeria and other countries in West Africa, and Sudan
    2. Dimitri Tasfandas, the assasin of the South African prime minister in 1966, was not a member of the parliament. Dimitri was a Greek immigrant
    Regards
    Abu Ghassan
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de