عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 02:39 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-18-2006, 09:11 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء

    ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي و أسامة الخَوَّاض

    إبراهيم جعفر
    [email protected]

    إضاءة أولى :-

    "الشّاعر هو اللاّ متوافق المطلق". هكذا عبّر هيربيرت ماركيوز في ما وراء الإنسان ذو البعد الواحد – نحو التّحرّر و في ثنايا مؤلّفاتٍ أُخرى له مثل البُعد الجّمالي، عن المسألةِ بتكثيفٍ .. لذا فعندي الشاعر المبدع حقاً هو اللاّ متوافق و يختلف عمقُ شاعريّته باختلاف العمق الفكري و الشعوري الذي يكتب فيهو الطريقة التي يعبر لنا بها عن ذلك العمق .. و يختلف الشعراء في موضوعات " لا توافُقِهِم " مع العالم و في طريقة بيان ذاك " اللاّ توافق " .. الآن معنا شاعران" شابان " يُمثّلان مستويين مختلفين من ذاك " اللاّ توافق " و قد اختار كلٌّ منهما " نزوعاً " شعورياً و فكرياً معيناً لبيان " لا توافقه " .. و ما هذه المحاولة إلاّ طموحٌ لبيانِ ذلكَ " النّزوع " :- التجربة الشعورية وطريقة الكشف عنها فنياً. و الشاعران هما محمد نجيب محمد علي، صاحب ديوان ضدَّ الإحباط و ديوان آخر لم يصدُر بعد – على حدِّ علمي، و أسامة الخوّاض، صاحب ديوان الكوميديا العاشقة الذي كانت تزمع إصداره رابطة سنّار الأدبية السودانية في وقت كتابة هذه الدراسة.

    إضاءة عامّة للتجربة الشعوريّة عند الشّاعرين :-

    عند التبويب " الوجوديِّ " لأشكال و توجّهات التجربة الشعورية المختلفة أجدُ – حسب رأيي – أنّها تشتملُ " عموماً " على ثلاثة مستويات، قد تتداخل فيما بينها أحياناً و قد لا تتمايز بوضوح، و لكن رغم ذلكَ تحتفظ كلٌّ منها ب" خصوصيّةٍ شعوريّة " تُميِّزُها عن الأخرى حتّى و إن كانت متمازجة معها. و المستويات الثلاثة هي :-

    المستوى الذّاتي – الفردي :-

    و فيه يحسُّ الإنسان و " الفنّان " بذاته وحدةً منغلقةً مفردةً لا يهمّها إلاّ خلاصها الفرديّ، ذاتَ لا تنفتح أمامها آفاقٌ أخرى وراء زخمها الانفعاليّ الحسّيِّ الطّريِّ سواء كانت تلكَ الآفاق اجتماعية أو وجوديّة أو كونيّة، ذاتَ سمتها الهرب من الألم و النزوع نحو الالتذاذ بلا تعقيداتٍ فلسفيّةٍ أو همومٍ اجتماعيّة سياسية كُبرى.

    و الفنّان الذي يكتب في هذا المستوى يكون " انفعالياً " و ليس " تأمّلياً " و تبدو في إبداعه " الخصوبةُ الانفعاليّة " التي لا تُحيلُ إلى شيءٍ " تأمُّليٍّ "، أو حتّى " أيدلوجيٍّ " وراءها. هذا المستوى هو باختصار مستوى " ذاتيّة انفعاليّة " أو " ذاتيّة عزِّ الظّهيرة " كما أسمّيها "1" و ليس " ذاتيّة تأمّليّة ".

    المستوى الذاتي الوطني- القومي :-

    و الذاتُ تبدو هنا مكاناً للهموم القومية الحضارية أو الوطنية اليومية. و يخطر لي هنا أنّ البعد الأوّل من هذا المستوى " البعد القومي الحضاري " يمثّلُ همّاً عميقاً للشاعر " الشّاب " عبد الرحمن عثمان عبد المجيد " في بحثه عن الذّات العربيّة الضّائعة "، و من الأماني " النّقديّة " أن أُفردَ له دراسةً قائمةً بذاتها.

    و البعد الثّاني من هذا المستوى – كما سيتّضح من الدّراسة – و هو " البُعد الوطني اليومي "، تتركّز فيه كتابات أسامة الخوّاض الأخيرة خاصّة. أمّا محمد نجيب محمد علي فهو، في غالبِ ما اطّلعتَ عليه من شعره، يكتبُ في المستوى الأوّل الذي تحدّثتُ عنه قبل قليل " المستوى الذّاتي – الفردي " و لكنّه، أحياناً قليلة، يتجاوز شعره هذا المستوى إلى المستوى الثّالث الذي سمّيته " المستوى الذّاتي – الإنساني ".

    المستوى الذّاتي – الإنساني :-

    هنا يحسُّ الإنسان، و الفنان خاصّةً، بذاته ليس " وحدةً مُغلقةً "، و ليس أيضاً ذرّةً في كائنٍ اجتماعيٍّ كبيرٍ قد يُسمّى مرّةً الناس، و مرّةً " الأمّة "، و مرّةً ثالثةً " الطّبقة "، و ذلكَ حسب تنوّع مواقف المدارس الفنيّة و الفكريذة المختلفة.

    هنا تبدو ذات الإنسان " الفنان " ذاتَ إنسانيّةً لها خُصوصيّتها مقذوفةً في كونٍ، أو وضعٍ بشريٍّ؛ تبدو على هيئةِ وجود – في – العالم ( انفتاح على العالم ).

    ينتمي لهذا المستوى الوجوديون و الرومانسيون و الصّوفيّون المنادون بشكلٍ ما من أشكالِ " التّديّنِ الحرِّ الفرديِّ " "2". كما ينتمي له أيضاً، في تناقُضٍ ظاهرٍ، " اللاّ دينيّون " الذين يؤكّد بعضهم تجربة " العبث" "3" و يؤكّد آخرون منهم تجربة " القلق الوجودي " القِيَمِي الأخلاقي المنبثق من الإحساسِ بمسؤولية الذات البشرية – المقذوفة في الكون – الهائلة و الكبرى عن اختيار قيمها التي هي، في ذاتِ الوقتِ، " مثالها القِيَمِي " الذي تُقدّمه للآخرين "4". هنالكَ أيضاً جماعةٌ ثالثةٌ من أولئكَ " اللاّ دينيّين " تختلفُ جذرياً عن هؤلاء إذ تقتربُ أكثرَ من أصحابِ " التّديّن الحرِّ الفرديِّ " في تأكيدها على تجربة المعنى. ذلكَ رغم أنّ ذاكَ التّأكيد منفصلٌ، في رؤياهم، عن الدين أو الطّقوس الدينيّة، بالأحرى، فهو، على خلافِ أولئكَ، تصوّرٌ متقوّمٌ عندهم على إحساسهم النّشوئيِّ - الصّوفيِّ بالذّات البشريّة التي تحتوي على مشروع مُطلقٍ في داخلها؛ مُطلقٍ " هنا " و ليس " هناك ". هنا يكتسبُ مفهومُ " الخلاصُ الفرديُّ " عمقاً لا نجده في المستوى الأوّل :- خلاصٌ فرديٌّ للفردِ باعتبارهِ رمحاً بشرياً يُبشِّرُ بفتحٍ روحيٍّ جديد. "5"

    عذراً إذا طالت المقدمة و عجزت عن كفكفة أطرافها، فما تُناقشُه أمراً إنسانيّاً حيويّاً و عميقاً لا تتّسع له هذه الدّراسة التي اتّخذت منه و من " الإضاءة الأولى " مدخلاً فحسب.

    محمد نجيب محمّد علي :-

    ألمحتُ، في " الإضاءة الأولى "، إلى أنّ الشّاعر محمد نجيب محمد علي قد أصدر ديواناً سمّاه " ضدّ الإحباط – 1974 ". لكني لا أودُّ هنا إدراج ذلكَ الدّيوان في حديثي عن ملامح تجربة محمد نجيب محمد علي الشعورية، إذ سأهتمُّ فقط ببعضِ قصائده التي تجاوزت ذلكَ الديوان ونشرها، كلّها تقريباً، في الصّحف و المجلات السّودانيّة المختلفة.

    محمد نجيب محمد علي شاعرٌ تتمركزُ تجربته الشّعوريّة في منطقة العشق، و لكنه لا يرى العشق خلاصاً بالمعنى المتأمّل، الذي يؤكّده المستوى الثالث لأشكال التجارب الشعورية المختلفة حسب تبويبنا الوجوديّ لها، و إنّما يربط العشق بذاتٍ تَعبى تريد الرّاحة " و لي مثوى هواكِ أراحني/ و خلّصني من العنتِ الذي/ لفَّ الشّفاه بصرخةِ الإجهاضِ – شعاليل في صالة الإيقاظ/ صحيفة الأيّام السودانية/ آداب و فنون/ 8 سبتمبر 1981 " لذلكَ فهو عشقٌ في المستوى الأوّل ( الذّاتي الفردي ).

    و تأتي قصيدةُ " فقط ! / 1978 " الصارخة الانفعالية قصيدةً نموذجيّةً للمستوى الذّاتي – الفرديّ :-

    " سأهربُ الآن من ذاكرتي/ و وحي عروقي/ .. و بوح الزّمان الذي صار أفعى/ و نكحا ..! و فتحاً/ لأرض الشّياطين التي سوّرتها قرون البغايا .... " :- هتافٌ انفعاليٌّ حادٌّ على أسطحِ البيوت و المنارات العالية يُذكّرني بوصفه للمبدع الراحل سامي يوسف بأنه " يُؤذّنُ في سطوح المنازل " في ذاكرته القديمة " ضدّ الإحباط " مما دفعني للصراخ متسائلاً بضجرٍ عند نهاية القصيدة :- ما الدّاعي لكلّ هذا الصّراخ ... ؟!

    و تُصاحبُ الشّاعر " الانفعالية " حتى في حديثه عن " الحُلُم " الذي هو في جوهره"

    هدوء و شفافيّة "، مما دفعني للتعليق :- لماذا تُصوِّرُ شفافيّة الحلم بهذه الصورة ا لعنفويّة

    (الصّارخة) التي أعتقد أنّها لا تُناسبُ ( صفائيّة ) الحلم الغائمة. يقول في قصيدة إفادة متأخّرة :- " و حُلُماً يُرابِضُ في ضفّةِ الحُلُمِ يُشرعُ قبضته، ثمّ يأتي على الحزنِ، يأتي على النّارِ .... "

    وتأتي قصيدةُ أناشيدُ المدينة الهاربة لتُدينُ أيضاً، في انفعاليّة متوترة وصاخبة، مثلّث معاناة الهزيمة في المدينة المتمثّل الأبعاد الثلاثة المتوالية :- سحق و طحن الفرد – ضياع العشق و العاشق – موت الإنسان العاشق، فلا شيء سوى الغناء – الفجيعة :-

    " و أدعو جهاراً صعاليكَ هذى المدينةِ و المتعبين/ و كلّ الذين ينوحون في مأتم العشق/ بين المطارات/ تحت المظلاّت/ فوق المحطّات/ يا دارَ عبلةَ إنّ المواعيدَ باتت على/ بُحّةِ الجُّوعِ/ و العينُ تبكي و ها للرّؤى المحزنة ".

    و قصيدةُ " التّجاوز/ 24/9/1980 " تتناثر فيها إشاراتٌ لطيفةٌ لعشقٍ متسامٍ يقترن بصورة البعث الرّوحيّ الجّليل :- " أدورُ على نطفة البعث، أرتاعُ أُصعقُ / أنهضُ ... " .. " و أفتحُ للبعثِ بابَ القبُول ".

    و تقولُ القصيدةُ :- " أُناديكِ من سابقِ الوقتِ ...... " إلى " و ينطلقُ الحزنُ يُنبوعَ وردٍ مضاء ". في " انطلاقِ الحزنِ ينبوع وردٍ مضاء " و في الشّدوِ الممهّد لذلكَ حلُمٌ و نَفَسٌ إشراقيٌّ .. فهنا استدعاءٌ للحزن الغريب الهادئ الذي يُطهّرنا بنبله.

    و لكن آخر القصيدة دفعني لتوجيه تساؤلِ احتجاجٍ للشّاعر :- القصيدةُ بدأت جميلةً حملتنا لعشق المجاذيب المتسامي. لماذا حوّلتها، في النهاية، لقصيدةِ عشقٍ امتلاكيٍّ ؟! ثمّ ذهبتَ لتوكيد العشقِ – المتّكأ المريح الذي يدخل في باب المستوى الذّاتي – الانفعالي الذي تحدّثنا عنه في تبويبنا الوجوديّ لأشكال التجربة الشّعوريّة :- " أُسمّيكِ زهرةَ روحي، أشبُّ و أصرخُ، في آخرِ الليل يُولدُ نجمُ الزّمانِ و ألمحُ وجهكِ، صدركِ، عينيكِ، شعركِ، كلّ امتلائكِ/ يا نُطفةَ القلبِ إنِّي أُجاهدُ فيكِ و أحملُ في نُطفةِ القلبِ سيفَ الأمان ".

    و إذا شئنا متابعة مضامين مقاطع قصيدة " محاولاتٌ للفرار من شيءٍ حجزني في داخلِ حفرة/ ملحق صحيفة الصّحافة السّودانيّة الثّقافيّ/ 23/4/1981 " الثمانية بإيجاز نجد في المقطع الأوّل التّمسّك بالحلُم، الحادّ لأنه ممزوج بالأزمة، بعيداً عن (أقزام الأرض

    الفضيّة)، و باللغةِ - الأخرى للعشق الصافي الذي نسيته نساء العالم الديكوريّات. و المقطع، على العموم، يتركّز حول مسألة الخلاص الفرديّ بالعشق، أي يطرحُ العشقَ في المستوى الأوّل من مستويات التجربة الشّعوريّة التي تحدّثنا عنها في مقدّمة الدّراسة.

    و المقطع الثاني يطرح لنا العشق في ذات المستوى ، أي المستوى الذّاتي – الفرديّ المملوء بالشّوق للوجد المعادل للراحة و التّماسك. و تتكرّر المسألة في المقطع الثّالث، و إن طُرِحَتْ فيه تجربةُ العشق – الخلاص الفرديّ في وجهها السّلبيّ ( العشق الجّحيميّ ) :-

    يومياً/ تجتاح امرأةٌ ما .. / خارطةَ الذّاكرةَ الهمجيّة / ترفع أعلام الموت على إيقاعِ الظّل/ تعلّقٌني في حبلٍ مبتَلْ / تُعلنُني أحدَ الشّهداءَ و أحدَ لصوصِ الطّرقِ الليليّة.



    أما المقطع الرابع فيتجاوز المستوى الذاتي – الفردي إلى المستوى الذاتي – الإنساني، حسب تبويبنا الوجوديّ لأشكالِ التجربة الشّعوريّة في مقدمة الدراسة، فالمقطع يتحدث عن إنسان العصر الفنان و المتمرد " طفلٌ يُولدُ في عصرٍ زنديق "، أي يُولدُ في الزّمنِ الباهتِ ( في زمانٍ ليس زمانه )، فأغنيات الفنانين تأتي دائماً قبل أوانها !

    و في المقطع الخامس يستمرّ التّجاوز للمستوى الذاتي – الفرديّ إلى المستوى الذاتي – الإنساني ( بوجهه السلبي النّافي ) حيثُ يزدحمُ المقطع بمترادفاتٍ توكيديّة لغياب النّهر المُرادف للشعر الغائبِ عن الطفل الموؤود و هو الشاعر الذي ازداد حكمةً فازداد حزناً .. ! – أيضاً هناك إدانة للعصر الذي يقتل النهر، و هو حياة الشّعور، سواء في وجهها المتوهج النافي و الرائع ( ألماً جليلاً ) أو في وجهها الإشراقيّ ( فرحاً أو تجربة " معنىً " روحيّة عميقة )، و هو النّهر – الشّعر؛ هنا إدانةٌ للعصر الذي يقتل المبدع إذ يحترقُ ( الطّفلُ – الإشعاع ). يقول المقطع الخامس :-

    إنّي أحترق/ افترق/ أُشاهدُ ظلّي في قاعِ الجّبْ/ أسقُطُ في وطنِ الحبْ/ لا ضير/ من يُمْسِكُ في كفِّ الهارب/ شجرٌ .. لا شجرٌ .. لكنّ النّهر الاسم/ النّهر الرّسم/ النّهر الشّعر الذّعر/ النّهر الموت البعث النّهر/ الطّفل الموؤود / النّهر الأُخدود/ النّهر النّهر الغائب.

    ثمّ نأتي للمقطع الثامن الذي يتمحور أيضاً حول إدانة العصر. لكنّ الإدانة هنا عامّة و شاملة ( و تتخذ صورة الخلاصة أو الحكمة الخاتمة التي نجدها في الموشّحات " الخَرْجَة " أو في سونيتات شكسبير "6" ). و هي – أي الإدانة - تُدين العصر بوصفه عصر انقلاب الموازين و الانهيار ( اللاّ مفهوم ) الذي قال به رينيه ماري ريلكه في قصيدةٍ له :- " كُلُّنا جميعاً في سقوط/ هذه اليدُ ستسقط أيضاً/ كُلُّنا مصابون بمرضِ السّقوط اللاّ مفهوم هذا/ و رغم هذا، فهناكَ دائماً أحدٌ لا يُمكنُ لهذا السّقوط الكونيّ التّسرُّب عبر أصابعه الرّقيقة ".. "7"

    و في مخرج تحليلنا لتجربة القصيدة الشعورية نقول إنّ فيها تداخلاً – كما رأينا – بين المستويين الذّاتي – الفرديّ و الذّاتي – الإنسانيّ ( بمستواه السّلبيّ، أي المتّخذ شكلَ الإدانة و ليس التّوكيد، حزيناً كان أم فرحاً ).

    وتتكرّر صورة إنسان لعصر الفنان و المتمرد، التي تحدثنا عنها عند تأمّلنا في محاولاتٌ للفرار من شيءٍ حجزني داخلَ حفرة، في قصيدة " إحباط آخر يأتي في زمنِ الضّد – مجلّة الإذاعة و التلفزيون و المسرح السودانية – المساحة الأدبيّة – 26/3/1981 " و المكونة من عددٍ من المقاطع المُكثَّفة منها المقطعين الرابع و الخامس اللذين يعكس أوّلهما بُعد الشّاعر بوصفه مهووساً و فناناً نارياً، و الثّاني نلمسُ فيه رائحةً بعثيّةً لطيفةً :- هنا نحسُّ بجانب التّوكيد في المستوى الثالث ( المستوى الذاتي – الإنساني ) من مستويات التجربة الشعورية التي تحدثنا عنها في المقدمة. نورد، فيما يلي، المقطعين :-

    المقطع الرابع :-

    لا ترفع صوتك يا هذا/ أجهلُ صوتكَ لكنّي أعرف/ أنّي مجنونٌ بالأحرُف/ بالسّكنى و العطشِ/ و قافلة الشعراء الأبديّة.

    المقطع الخامس :-

    أيقِظْني في زمنِ الصّحوةِ و الميلادْ/ و اعقِلْني و توكّلْ/ يا هذا الفارس إنّي أتوسّل/ أن تقطعَ عنقي في صبحِ الإنشاد.

    وتطلُّ عليّ الآن القصيدةُ الجيّدةُ " ملاحظاتٌ في سيرةِ امرأةٍ ضئيلة – الصّحافة السودانيّة/ الملحق الثقافي/ 24/12/1981 ". و أُنوّه هنا إلى أنّي سأطرح بعض الخاطرات حول شكلها الفنّي، و ذلكَ عند مناقشتي لها في القسم الثاني من هذه الدراسة و الذي هو بعنوان :- " مدى توافق التجربة الشعورية مع الشّكل الفنّيّ عند الشّاعرين ".

    مما تقدم يتضح لنا أنّ كلّ القصائد التي تحدثنا عنها داخلةً إما في دائرة المستوى الذاتي – الفردي أو يتداخلُ فيها المستويان الذاتي – الفردي و الذاتي – الإنساني ( حسب تبويبنا الوجوديّ لأشكال التجربة الشّعوريّة في مقدمة الدراسة ). لكنّي أعلنُ هنا أخيراً أنّ عند محمد نجيب محمد علي، أحياناً، انتقالاتٌ من المستوى الذاتي – الفردي ( أو منطقة تداخل المستويين الذاتي – الفردي و الذاتي – الإنساني ) إلى المستوى الذّاتي – الإنسانيّ . أُنموذج ذلكَ قصيدةُ " أناشيد الدّخول إلى مدينة الجّبل/ مجلّة الإذاعة و التلفزيون و المسرح/ المساحة الأدبيّة/ 1983؟ ". ففيها قفزةٌ أو انتقالٌ من منطقة المستوى الذّاتي – الفرديّ

    ( المستوى الأوّل ) إلى المستوى الذّاتي – الإنساني ( المستوى الثالث ) حيثُ يتدفّق الحنينُ لمدينة الجّبل التي تقف معادلاً للمقدّس و الدّينيّ ( أو لمدينة الله، كما يُسمّيها القدّيس أوغسطين في مذكّراته ). فهنا حنينٌ للتّسامي و الاتّحاد مع المقدّس ( ذاتاً أو معنىً ) و بالتّالي هو حنينٌ صوفيٌّ إنسانيٌّ يفرح بتطوّر الذّات و يحسُّ بضرورة التّسامي الرّوحيّ – التّمسّك بالزّمن الحرف و الرّاية و الظّل – للذّات البشريّة في عمومها، بصفتها ذاتاً ضعيفةً. فبدلاً عن راحةٍ و خلاصٍ ذاتيٍّ – فرديٍّ استرخائيّ يأتي هنا الحنين لتسامٍ و تجاوزٍ نشوئيٍّ. و لكنّ الشّاعر لم ينطلق من هذا ليرى في هذه التجربة نبوءةً أو دلالةً على قفزةٍ نوعيّةٍ في الذّات البشريّة و تطوّرها ( كما فعل كولن ويلسون الذي سلك المسألة، على طريقته الخاصّة، في خيط الدّاروينيّة الجّديدة ) "8"، بل فقط أثبتَ التجربةَ حنيناً معادلاً لتجربة الحصار و الزّيف ( يا قيثار الليل الدّامي العازفُ سيزيف ) التي كانت لها السيادة في النّهاية، كما كانت في البدء؛ و هنا حزنٌ غيرُ مُصرّحٍ به ( حزنٌ مهموسٌ ) مما يجعله جميلاً.

    وإذا تتبعنا تدرّج الخطّ النفسيّ للقصيدة في مقاطعها بتكثيفٍ فإننا نجد هذه الإشارات المؤكّدة لما قلنا أعلاه :-

    المقطع الأوّل :- ورود لفظ " لغة السّوّاح " الذي يشير للغة أخرى غير أرضيّة، لغة قُدُسيّة.

    المقطع الثاني :- ( يا هذا المشبوه بإيقاظي ) :- من يُوقظه يُرميه في عالمٍ باهتٍ – تمسّكه بالرّمح – الجّبل الرّاية و الظّل :- فالرّمحُ يلمعُ بالبريق ( بريق المعنى ) و الجّبل، مقروناً بالرّاية و الظّل، يُوحي بدلالةٍ دينيّةٍ أو مقدّسةٍ.

    في المقطع الثالث :- تجربة إخفاق ( البرقُ غاب ).

    في المقطع الرّابع انتظارٌ لمواعيدِ السّمُوِّ الرُّوحيِّ ( الحُلُم اللّيليّ ) حيثُ تُصيرُ ( للزّهرةِ عدّةُ أسماء ).

    في المقطع الخامس :- سقوطٌ ثانٍ إلى منطقةِ الحصار :-

    نزلَ الشّعرُ عن الحزنِ الزّيف

    عرّجَ في أوديةِ القلبِ النّامي

    يا قيثار الليل الدّامي العازفُ سيزيف

    القصيدةُ مُرَاوَحةٌ بين الحُلُمِ ( في المستوى الذّاتي – الإنسانيّ ) و تجربة العبث أو " الحصار " :-

    سيزيف – اللغة أقلَّ حدّةً، بل هادئةً، في هذه القصيدة

    أسامة الخوّاض :-

    رغم التأثيرات المختلفة المُراوحة بين مصطفى سند و موسيقاه و لغته، و وجود لغة النور عثمان أبّكر" الصّفائيّة " في صحو الكلمات المنسيّة أحياناً و بعض " الأكاديميّة " ( امرأةٌ من سنابلِ حزني ) إلاّ أنّ " بواكير " قصائد أسامة الخوّاض – كما يُسمّيها هو نفسه – التي نشرها في مختلف الصحف و المجلات السودانية، ليست سيّئة بقدر تصوّر صاحبها ذاته لها – كما أخبرني مرّةً شفاهياً، بل فيها إحساس تلكَ البراءة الشّبابيّة و طفولة العشّاق الحالمين. و أنا أعتقد أنّ أسامة الخوّاض قد نبذها لأسبابٍ " فكريّةٍ " قبلما تكون " فنِّيّة " فقد رأى فيها – كما أحسُّ – قصائد وجدانيّة ساذجة " سقوط المحبّة – البراءة و ردّ الفعل السّاذج تجاه عنف المدينة و قسوتها "، و ليست قصائد " نضال " حادّة و جادّة. كما واتاه " وعيٌ " بأنّها من " الشّعر الخالص " – إذا صحّت التّسمية – ذي اللغة النّقية بالمفهوم " الرومانسيّ " الشّائع، ففيها كلُّ ما قد نُسمّيه، جرياً على تقليدٍ جماليٍّ غالبٍ، " لغة شعريّة " :- " الوضاءة، الخليج، الصحو، إلى آخرِ النَّفَسِ الانبهاريِّ الذّاتيِّ .. ! ". لذا هي لا تُرضي طموحه للتجريب. و لكنّي أهمسُ في أذنه قائلاً :-

    " قد يؤدّي الإغراق في التّجريب إلى إلى كتابة ما يمكن أن أسمّيه " القصيدة الواعية النّاشفة "، أي الاكتفاء بالتجديد " الواعي " في الشّكل الفنّيّ " المهارة الفنّيّة " و استبعاد رعشة التجربة الشّعوريّة الحيّة في صفائها الأوّل، و في ذلكَ نفيٌ للعفويّة التي هي صفة الشّعر الأولى في رأيي "9". فكتابةُ الشّعر – كما أراها – هي " تلك المشغلة التي هي أكثرَ المشاغل براءةً " "10".

    وعند انتقالنا للتأمّل في قصائد أسامة الخوّاض الأخيرة مُمَثّلةً في ثلاثةِ نماذجٍ تمكّنتُ من حيازتها نجد، كما ذكرنا في مقدمة الدراسة، أنها، حسب تبويبنا الوجوديّ في المقدّمة لأشكالِ التجربة الشعوريّة، داخلةٌ في المستوى الثّاني :- " الذّاتيّ – الوطنيّ " التي تبدو فيه الذّات مكاناً لهموم قوميّة و حضاريّة ملحّة أو هموم وطنيّة يوميّة. و في البعد الثاني من هذا المستوى " بعد الهموم الوطنيّة اليوميّة " تتركّز كتابات أسامة الخوّاض الأخيرة خاصّةً.

    وسنرى، عند مناقشة قصائد أسامة الخوّاض الثلاث الأخيرة في الجّزء الثّاني من الدّراسة " مدى توافق التجربة الشّعوريّة مع التّشكيل الفنّيّ عند الشّاعرين "، أنّ الشاعرَ مهمومٌ، جملةً، بمسألتين أولاهما هي مسألة " الحصار و الجحيم اليوميّ "، و ثانيتهما هي مسألة " البعث الآتي " الذي ليس هو ذو طابع ذاتيّ، سواءَ في المستوى الأوّل " الذّاتيّ الفرديّ " أو المستوى الثالث " الذّاتيّ الإنسانيّ " ، بل هو ذو طابع وطنيّ – قوميّ يتقمّص فيه الشاعر " وعي الجّماعة " كما يتبدّى في ذاته، أي لا يتحدّث عن الهموم الجّماعيّة اليومية إلا بوصفها هموماً ذاتيّة صميميّة، و تلكَ هي المسألة التي ينبغي على الكتّابِ الواقعيين – الاجتماعيين الوعي بها بحدّة – كمسألة مصيرية بالنسبة لهم – إذا أرادوا أن يكونوا فنانين حقيقيين يتميزون بالتّفرّد و الصّوت الخاص، فالكتابة، في البدء، هي " مصير شخصي و هم شخصي و اختيار شخصي " يُعاني وهجه و يتحمّل تبعاته الكاتب حتّى و لو كان " موضوعها " قضيّة اجتماعيّة أو إنسانيّة عامّة.

    تلكَ هي الملامح العامّة للتجربة الشعوريّة للشاعرين. و قد تأمّلتُ فيها من منطقةِ أو مدى رؤيتي الخاصّة التي ترى أنّ التجربة الشّعوريّة، عامّة، ذاتَ أبعادٍ أو مستوياتٍ ثلاثة تحدّثنا عنها في مقدمة الدراسة. الآن يكون انتقالي للجزء الثاني من الدراسة و عنوانه هو " مدى توافق التجربة الشعورية مع التشكيل الفنّي عند الشّاعرين ".

    مدى توافق التجربة الشعوريّة مع التّشكيل الفنّيّ عند الشّاعرين :-

    محمد نجيب محمد علي :-

    اللغة عنده، كما قلتُ عنها، هي، غالباً، لغة انفعاليّة حادّة و مندفعة تسير في توازٍ مع تجربته الشعوريّة التي تحدّثنا عنها في الجزء السّابق من الدّراسة.

    في قصيدة " أناشيد المدينة الهاربة " يُظلّلُ الشاعرَ، منذ البدء، الظِّلُّ الأدونيسيُّ ( أُطاردُ طيفَ الشّوارد بين الشّوارع و الأزمنة ) – ( نُطاردُ الأزمنة/ مازجينَ الحصى بالنّجوم/ كقطيعٍ من الأحصنة : أدونيس، كتاب التّحوُّلات و الهجرة في أقاليم الليل و النّهار ).

    كما أنّه يستعير اتّجاه " التّسمية " – الذي صار أساسياً في الشعر الجديد – من أدونيس أساساً، لكنه يوجّهه وجهةً أخرى تتناسب و الأفق الذي تدور فيه تجربته الشعوريّة " و يمكن أن نجد بذورَ ذلكَ في ديوانه الأوّل : ضدّ الإحباط ".

    فعند علي أحمد سعيد " أدونيس " تكون " التّسمية " ذات قوّة ميتافيزيقيّة، فهو يستفيد من الطّاقة الروحيّة و" القُدُسيّة " الهائلة في معتقدات القدماء الروحيّة، و بالذّات عقيدة " الفتيشيه " التي تؤمن بقوّة الأشياء ذات الصّلة الوثيقة بالإنسان "11"، في خلق طقسٍ سحريٍّ لا معقول القيمة الأساسيّة فيه هي التّحوّل الفجائيّ الخارج عن القوانين الموضوعية و " الوضعيّة " و الذي تصير فيه الكلمة، و بالذّات العبارة الشّعريّة، هي سرّ التكوين و الخلق، أي تصير في مستوى الكلمة الإلهيّة الخالقة " كن فيكون " التي تُحّد بين القول و الفعل و تُلغي الفاصل

    " الزّمانيّ العقلانيّ " بين الكلمة و الخلق. نماذج ذلكَ متعدّدة منها النموذج التالي الذي هو " قطعاً " ليس أفضلها :-

    سأرى وجه الغراب

    في تقاطيعِ بلادي، و أُسمّي

    كفناً هذا الكتاب

    و أُسمّي جيفةً هذى المدينة

    و أُسمّي شجر الشّام عصافيرَ حزينة

    ( ربما تُولَدُ بعد التّسمية

    زهرةً أو أُغنية )

    و أُسمّي قمر الصّحراء نخلة

    ربما استيقظت الأرضُ و عادت

    طفلةً أو حُلُمَ طفلة

    ( وقتٌ بين الرّماد و الورد

    أما التسمية عند محمد نجيب محمد علي فقد أتت من منطلق " شخصي اعترافي " يُناسب " الانفعالية " التي هي سمة معظم شعره، كما أعلنتُ، في هذه الدّراسة، مِراراً :-

    أُسمّي اللقاح الذي يُخصبُ الأرضَ نارا

    و أدعو جهارا

    صعاليكَ هذى المدينةِ و المُتعَبِينَ

    و كلَّ الذين ينُوحونَ في مأتمِ العشقِ

    بين المطارات

    تحت المظلات

    فوق المحطات

    يا دار عبلةَ إنّ المواعيد باتت على بُحّةِ الجُّوعِ

    و العينُ تبكي و ها للرؤى المحزنة ..

    بداية القصيدة، موضوع التأمّل، المتمثلة في المقطع المذكور، تضعنا أمام طريقة صارخة انفعالية في الكتابة تُعادل بيانات " الواقعيين الاشتراكيين " التي يُسمّونها شعراً.

    و هنالك تركيبات و عبارات في القصيدة تُرينا أنّ الشاعر لا يزال في ذاكرة شعره القديم، إلى حدٍّ ما، مما يفقده ما أطلقت عليه اسم " الأصالة الدّاخليّة " :- و هي إرادة التّجاوز التي تسكن روح الشاعر و تُحفّزهُ للتّسامي على تجاربه الشعريّة السّابقة فنيّاً و رؤيوياً – من تلك التركيبات :- كما أنزل الشُّهبَ رجما : صدى لفكرة : و الشعر شيطاني الذي رجمته آلاف الكواكب ما انطفا : ديوان ضدّ الإحباط/ قصيدة ضدّ الإحباط – تكرار أفعال مثل هاج و ماج و غار، في تركيباتِ عباراتٍ متقاربةٍ – " و أنكر كلّ المحبين أسماءَ من يعشقون : أناشيد المدينة الهاربة "؛ المقابل " و ما أنكرت عينايَ من أهوى و لا أنكرتُ عينيها – شعاليل في صالة الإيقاظ ".

    و في آخر القصيدة يتعدّى الشاعر، في تشكيله الفنّيّ و في تجربته الشّعوريّة، افتقاد " الأصالة الدّاخليّة " ليفتقد التفرّد و التّميّز عن الآخرين فيستعيرُ ما سمّيتهُ " طريقة شعراء جدد احتجاجية الإسرافُ فيها يؤدّي إلى اللاّ فنِّ " من الشّاعر محمد محيي الدين الذي يُلقي بظلاله على مقطعٍ كاملٍ في القصيدة :-

    إنّ الغناء الفجيعة، إني أبشركم بالغناء

    أشدُّ الكمنجات في فاصل الموت. أعزفُ. أقذفُ كلّ

    الحجارة في صالة الرقص، في صالةِ الرقص تزهو الأظافر،

    تزهو المحاجر، و السائلون عن الضّوء يختبئون

    ببطنِ المساءِ مُطاردةً كانت الريح تعدو و تعدو و تعدو

    و يصهلُ خيلُ الأزِقّةِ بين المغنّين و الهاربين و بين

    بيوت الدّعارةِ و السّابلة فمن يشتري يا سماسرة النّار

    هذا الجحيم و من يعبر الآنَ شطَّ الرّؤى القاتلة،

    نزيفُ المدائن في سفرِ هذى المدائن قامت بذور

    الخرافة و التهب القلبُ في سدرةِ البدءِ ضجَّ و غارَ

    و هاجَ و ماجَ و جاءَ بما لم تُجيءُ به الأُغنية

    و في قصيدة " التّجاوز/ 24/4/1980 " نلاقي أيضاً تكراراً للأفعال الحركيّة – التي تحدثنا عنها آنفاً – التي تناسب جموح الانفعال ( هاجت، ماجت، غارت ). كما نلمس أيضاً اتّجاه التّسمية، الذي تحدثنا عنه في القصيدة السابقة، بذات ملمحه " الشخصيّ الاعترافيّ " :-

    أُسمّيكِ وجداً و بُعداً

    إشارةَ نبضٍ مغامر

    و نهراً يجيءُ و يرتادُ كلَّ الجّبال الشّقيّة،

    كلَّ السّدود العتيّة،

    كلّ المواقيت يُشعلُ برقَ المشاعر



    و في إطار التكرار وفقدان " الأصالة الدّاخلية " تأتي صورةُ الخيل التي تكرّ في هذه القصيدة و في قصيدة " نشيد الهجير و العاصفة/ مجلة الإذاعة و التّلفزيون و المسرح السّودانية/ 26/ 6/1980 " إذ يقول في هذه القصيدة ( التجاوز ) :-

    أكرّ على درب وصلكِ عدواً،

    أفرُّ أُناكفُ ظلَّ الفجيعة

    أدورُ على نُطفةِ البعثِ

    أرتاعُ ........ إلى :- أنسلُّ من بين هذى الثقوب المريعة ...

    و يقول في قصيدة نشيد الهجير و العاصفة :-

    لي الآن كلّ الخيول التي سابقتني و كلّ الدّعاء

    أراهنُ باسمك، أيُّ الحواجز توقفُني عن دياركِ

    أيُّ الحروب

    وفي إطار عدم التفرد الذاتي للقصائد " فقدان الأصالة الداخلية " أيضاً ندرج قوله في القصيدة :-

    كانت ملائكة البوح تنزلُ بين العروقِ تُنزِلُ

    في القلب ماءَ التّمرّد

    فذاتُ المبني و المعنى يتكرر، تقريباً، في قصيدة " ملاحظات في سيرة امرأةٍ ضئيلة/ الصحافة السودانية/ الملحق الثّقافي/ 24/ 12/1981" :-

    " حليوةُ " يا طفلتي إنني من جذوركِ أنمو/ أُشيلُكِ فوق

    عروقِ البكارةِ/ أُسقيكِ ماءَ التّمرّد، عريَ التّشرّد

    وجه التّفرّد/ كلّ غناءِ الدّمِ الرّائعِ .......



    و نلاقي ثانيةً ظلال الشعراء الآخرين تحيطُ، و لو على نحوٍ محدود، بتشكيلِ القصيدةِ الفنّيّ :-

    ( أراكِ في بطنِ المفاجأةِ المُدهشة : ظلاً أدونيسياً قليلاً جدّاً .. ! / جذوةُ عرسٍ مكين :- قليلٌ من ظلِّ النور عثمان أبّكر ).



    كما أنّ القصيدة تتردى فنياً في بعض المواضع فتُطالعنا فيها عبارات مثل :- و تمنحني شارة الانطلاق .. شارة البدء .. الخ .. و تلك تشبه ما يكتبونه في لغة الجرائد اليومية، فلا فنّ فيها و لا تنتمي للشعر كما أرى. ذلكَ في مقابل عبارات تشعر بأنها قد انبعثت في تلقائية و اتخذت موضعها الحقيقي في جسد القصيدة :- ( و جذوة عرسٍ مكين و فتحاً مبينا ).

    و إذا انتقلنا للتأمّل قليلاً في محاولا ت للفرار من شيءٍ حجزني في داخل حفرة، من ناحية شكلها الفني، نلاحظ فيها قيمة فنية في تلك الاستعادة الموحية و الجميلة لقصة أصحاب الأخدود الدينية و استدعاء تلك القصة بطريقة مكثفة و موجزة وغير مباشرة :- الطفل الموؤود – الظلّ الممدود – النهر الأخدود ( النهر – النهر الغائب ) ..

    هذا في مقابل انحطاط فني نجده في ( إنّي و الأشجان ) إلى ( و الصبر لا صبر مفتاحٌ للفرج :- فهنا ليس ثمة شيء سوى عكسٌ ( أو قلبٌ ) للحكمة اليومية الشهيرة بطريقةٍ لا فنّ فيها. كما نلمحه في تقديم صورة للمرأة المعشوقة تتمثل في أنها ( سيّدة النّساء )، فصورة ( سيّدة النساء ) – كما يعلم أيّ قارئ عادي للشعر – قد استهلكت و كررت كثيراً لذا فلا داعٍ لنسخها في أيّ عملٍ شعريٍّ جديد.

    و في " فقط / ملحق الصحافة الثقافي/ 1978 " نجد أيضاً تردّياً فنياً يشبه " لا صبر مفتاحٌ للفرج " في قول الشاعر :- " و قالوا إنّ الحوائط تسمع، يا كلّ جدران هذى العوالم، هل تسمعين؟ وهل؟ إذاً فاشهدي ........ :- تلك صورة مبتدئين و استعمال ( غير شعريّ ) سيّئ للحكمة " إنّ للجّدرانِ آذانا ".

    و تردت قصيدة فقط فنياً كذلكَ في إقحامها لصورة " نفخ الصّور " في مقطعٍ انفعاليٍّ عارمٍ ( و ذلك شأن كلُّ القصيدة كما ذكرنا سابقاً .. ) :- " سأهربُ من حبر كلّ المحابر/ و كلِّ مشاكسةٍ لم تضرّ بقلبٍ/ و تسكنُ هذا الفحيح/ و تشطبُ عنوان ذاكَ الزّمان القبيح/ الذي لم يُجازف مثلي و لم ينفخ الصّورَ مثلي كيما ينام الضّحايا .. " ذلكم لأنّ صورة " نفخ الصّور " عندي صورة " بعثيّة " هادئة و ليست هائلة " قِيامِيّة " مرعبة كما يحسّها الناس عادة. لذا ليس لها أن ترد هنا.

    و في " إحباطٌ لآخر يأتي في زمن الضّدّ/ مجلة الإذاعة و التلفزيون و المسرح السّودانيّة/ المساحة الأدبية / 26/3/ 1981 " نلتقي في الاستهلال بعبثٍ فنّيٍّ باسم ( تأبّطَ شرّا ) فيه شيءٌ من الجّمال الذي قد يفتن و لكنه لا يخلُبْ :- " و لماذا أتوجّسُ شرّا/ تأبّط قلبي عشقاً و حديقة ".

    و لكن تكرار صورة " القيامة " - التي وردت في العديد من قصائده - يأتي في هذه القصيدة أيضاً فتدخل ( نهضت من أعماق البوحِ قيامة ) في إطارِ فقدانِ ( الأصالة الدّاخليّة ) الذي تحدّثنا عنه. و كذلكَ تدخل في ذات الإطار ( تسقط أعناب الشّجر الفضّيّ ) :- لا حظ تكرار الحديث عن الأشياء الفضيّة في ضدّ الإحباط و في قصائد تالية له.

    أما في قصيدة إفادة متأخّرة فيمارس فيها أدونيس تأثيراً سيّئاً فتُقلّد فناً أدونيسياً رديئاً في وقتٍ بين الرّماد والورد :- إنّيّ شهدتُ المعارك و استبسل الجانبان .... " محمد نجيب "/ ( و لم يزل العدوّ يُواثبهم ) إلى ( كيفما اتّفق ..... " أدونيس "/ وقتٌ بين الرّماد و الورد – مقدمة لتاريخ ملوك الطّوائف .. كما تأتي فيها صورة عادية ( لا فنية ) لا تليق بشاعرٍ حقيقيٍّ و يمكن لأيّ " شاعرٍ عاديٍّ " قولها فهي تُشابه شائع الكلام الشّفهيّ :- " كان صدرُ الحبيبةِ مِنفضةً للحريقِ و حضناً دفيئاً ". و تُوازي ذلكَ في قصيدة تعاويذ على الوشم النّاريّ كلمات جرائديّة شائعة :- " هذى إرهاصات المجد ".

    ذلك فضلاً عن فقدان التفرد و التميّز عن الآخرين ( في المقطع الثاني ) إذ يُلقي محمد محيي الدين ظلاله .. فيا للغرابة ! و هاكم قولي بوضوحٍ قاسٍ للشاعر محمد نجيب محمد علي :- لماذا تقترب هنا من تقريرية محمد محيي الدين و نزعة " جلب تصفيق الجّماهير " التي تُفسدُ فنه و التي يُمارسها أحياناً بحجة الاقتراب من الشعور الشّعبيّ مما يدفعني للقولِ بانفعالٍ في هذا المقام :- فلنرتفع لسماء فننا حتى و لو لم " نبدْ" فناني أيِّ رهطٍ من النّاسِ .. فأنا أُحاولُ أن " أحلُمُ و أُبدعُ و ليس في ذهني الآخرون ! " و أدعو كلَّ مبدعٍ لفعلِ ذلكَ.



    و إيفاءَ بالوعد أطرح بعض الخاطرات هنا حول الشكل الفنيّ لقصيدة ملاحظات في سيرة امرأةٍ ضئيلة فأقول إنّ تلك القصيدة جيدة رغم اتّكائها، بدرجةٍ كبيرةٍ، على قصيدة الشاعر السوداني الشهير محمد المكّي إبراهيم إهانات شخصيّة لابن الملوّح. و رغم أنها صارخة إلاّ أن هذه القصيدة أيضاً، لحدٍّ ما، هامسة‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍ إنها مزجٌ بين الصوت الهامس الحزين و العبارات الاحتجاجية العالية النبرة التي يقتضيها موقف الإدانة لهذا العصر – عصر " زيف البراءة ". فالفنّ فيها إذاً هو تلك القدرة على المزج بين الهمس الحزين و الاحتجاج الصارخ. السرُّ في نجاح القصيدة تلك هو الصدق و الانسيابية و بلوغ التجربة الشعورية حدّها الأقصى شعورياً ( انفعالياً ) و فنياً. ثم نجاة الشاعر فيها " تقريباً " مما يتردّى فيه أحياناً من استخدامٍ عقلانيٍّ ( صناعيٍّ ) و غير فنّيٍّ للتّراثيّات مما مثلنا له .. فهو تركها تنسابُ ( كما يبدو ) دون تعمّدِ و سابق إصرارٍ من ( الوعي المتّزن )، و إن كان قد صرخ بضع مرّات :- " في زمنٍ مومسٍ داكنٍ هابطٍ، لليلى يجيءُ السّعاةُ الزُّناة ........ ‍‍‍‍ ..

    هذه طريقة قول تكثر في قصائده الأخرى ... أحبّ أن أشير هنا إلى أنّ الكلام النّثريَّ العامّيّ اليوميّ من أمثال ( صار سقيماً رديء المذاق ) يذكرني بشتائم الشعراء ( الواقعيين ) لما يكرهونه " كلّ ما هو برجوازيّ بالطّبع ‍.. ‍ " و إن كان ذاكَ ( الكلام ) قد جاء هنا بطريقةٍ

    " أفضل " من تلك ..

    كان الجميل في القصيدة أخيراً هذا التّعاطف الإنسانيّ ببساطته و غنائيّته الجميلة النّافذة للقلب.

    أُسامة الخوّاض :-

    اللغة عند أسامة الخوّاض هادئة و تأملية و تظهر فيها محاولة الاستفادة من ثقافته مطالعاته في صياغة تجربته الشعورية. ذلكَ خلافاً للغة محمد نجيب الانفعالية الشخصية الاعترافية. أتمني أن يُجلي تأملي في التشكيل الفني لقصائده الثلاث ( للورد تنحازُ البنات؛ الكوميديا العاشقة؛ خسوف القمر الأتبراوي ) مستوى إحساسي بلغته.

    إذا تأملنا قصيدة " للورد تنحازُ البنات/ 1981 " نرى أن شكلها الفني يقوم، في الغالب، على التداعيات الذّاتية المتناثرة فتبدأ بتداعٍ ذاتيٍّ عن صورة " امرأة على الرّصيف "، و هي صورة مألوفة و يومية و تمثل جنوحه لليوميّ، للعاديّ و التّفصيليّ ، و لربط تجربته الشعورية بالمستوى الذّاتي – الوطنيّ أو ( الذّاتي – الاجتماعيّ ):- الحديث عن الجحيم و الحصار اليومي و الحلم بالبعث الاجتماعيّ الآتي.

    ثم تأتي نغمة الاشتهاء لتلك المرأة " اليومية " :- " لظى أيّار يشرخني ". يحاول الشاعر تكثيف إحساسنا بيوميّتها المنبثقة عن " وطنيتها و واقعيتها الاجتماعية " بتقديمه للصور السّودانية المحلية أو ما يمكن أن أسميه " اللغة السودانية المعادلة لنفسية سودانية متميزة " :- " في ضفافِ دِلْكَتِها ".

    و لكن تلك اللغة المتأملة المتألقة، في هدوءٍ، تفقد تألّقها في " رأيتُكِ قبل هذا الشّهر " التي تُقدّم لنا رواية عادية شفوية، و غير مشحونة بدلالة تأملية، في مقابل عبارة مثل " يُعلِّمُ طيننا تأويل آيات التّبرعم " ذات بعض الشعر، بعض الألق.

    كما أنّ " باصات هذا الشّهر عُمْيٌ " تفقد " الشّعريّة " نهائياً فتسقط – حسب رأيي – في العاديّ و اليوميّ النّثريّ بصورةٍ لا فنّ فيها. و مما يُعابُ على القصيدة " تهتزّ تقواي الحبيسة " المستلفة من ذاكرة قصيدته القديمة " اعتذار نورانيّ لسيّدتي الفقيرة/ صحيفة الصّحافة السّودانية/ صحافة راما/ 19/7/980 " مُسقطةً، بذلكَ، ظلاً من فقدان " الأصالة الدّاخليّة " – أو التفرد الذّاتيّ للقصائد – التي تحدثتُ عنها في الجزء الأول من هذا القسم.

    و في ( للوردِ تنحازُ البنات و أنتِ تنحازينَ سيّدتي الشّفيفة للجّراد ) "12" تناقضٌ يدعو للتأمّل في كيف يمكنُ لهذه ( السّيّدة الشّفيفة ) أن تكون مفنيةً لذاتها، لخصبها الشّخصيِّ – عبر انحيازها للجّراد الذي هو روح الدّمار ( الاستهلاك الشّخصيّ ) – الذي لابدّ لأيّ خضرةٍ ريفيةٍ – أي لأيِّ شفافية – أن تُمكِّنَ له نموّاً هو من " المُغويات " الشّرطيّة لبقاءِ زهوها بذاتها كخُضرةٍ متحدّيةٍ ؟!



    أما في " على الرصيفِ – و طقسُ أيّار اشتراني من أقاصيص العشيقة – لُذتُ بالمزمار – أيّار ابتهاجات الشّواهد بالجّنازة – لّذتُ بالمزمار – أيا امرأتي العجوز تزيّني فأنا عريسُكِ – قد هجرتُكِ فاعذريني لُذْتُ بالمزمار – و الإكسيرُ يلمعُ في بساتين القصيدة – لّذتُ بالمزمار ... إلى " و قرمصيصُ حبيبتي نخلاً يُخاصمُهُ العسل " فيسترعيني تكرار لازمةُ " لّذتُ بالمزمار " في القصيدة الذي ليس هو رجع صدىً شكليّ فحسب، بل إنباءٌ ببعدٍ شعوريٍّ لطيف. هو تكرارٌ جميلٌ و مُذكّرٌ بالتكرار التوكيديّ عند محمود درويش مثلاً. هنا التكرار يمثّلُ تصعيداً لانتشاءٍ لقمّته، و هو انتشاء اللّوذ بالذّات و عالمها الغنيّ بالحلم و الشفافية اللذان لم يُفسدهُما السقوط في " الوجود – في – العالم " ، فالمزمار آلةٌ موسيقية حميمة و رومانسية تُوازي " موسيقياً " تجربة الانثيال الحرّ للمعاني " التّهيُّؤات " في الذّات. ثمّ " أيّار ابتهاجات الشّواهد بالجّنازة " :- هنا استدعاء لفكرة تلازم الموت و البعث، ففيها إيماء لأسطورة البعث التّمّوزيِّ بالذّات. تلكَ أُسطورةٌ، أو بالأحرى نموذجاً أعلى، شاعت، أو شاع، بأشكالٍ مختلفة في الذاكرة الجّمعيّة للجّنسِ البشريِّ :- بعث أوزوريس " مصر "؛ بعث أدونيس " الإغريق "؛ فينيق؛ السّمندل ..

    في القصيدة تأتي مقاطع عن حفل زفافٍ ممهّدٍ للبعث حيث يشهده الفقراء و " ينتخبون إكسيرَ القصيدة ... " فيما " الأُممِيُّ يغرقُ في تفاصيلِ الصّلاة " :- الإشارةُ للفقراء و " صلاة الأُمميّ " تُرينا أنّ البعث هنا هو ذو طابع وطني – قومي و ليس خلاصاً فرديّاً في " المستوى الأوّل " أو ذاتياً – إنسانياً " في المستوى الثالث " مما تحدثنا عنه في المقدمة. ذلكَ يؤكّد " غرق " أسامة الخوّاض في تفاصيل الهموم الوطنية.

    و لكن .. خاتمة القصيدة تفجؤنا بانكسارٍ يعقب رؤيا البعث – و لا أدري من أينَ أتى ؟! – و ربما كان مردّهُ تملُّك " رؤيا سوداء " للشاعر تؤمن بأنّ البعث لن يخرُج أبداً من حيّز الإمكان إلى حيّزِ التّحقّق، لذا فأمرُ " البعث " ليس سوى أصداءٍ تتردّد من عالم الحلم أو عالم المثال و تنتظر تحقّقها العينيّ الذي قد لا يحدث أبداً :- كانت الأصداءُ آهات البنات " شرخ/ انكسار " و فقدان " القَرْمَصِيْصْ " – المُعادَل هنا بالتّذوّق الجّماليّ السودانيّ للممتع و الاحتفاليّ – لبهائه، إذ قد صارَ " نخلاً يُخاصِمُهُ العسل ".

    و بتكثيفٍ أقولُ عن المقطع الأخير أنه الأفضل في القصيدة لما فيه من تصعيدٍ لنَفَسٍ " انبهاريٍّ " كثّفَهُ استخدام التكرار. و لا يُقلّلُ من شأنِ ذلكَ النَّفَس الانكسار الذي وُوجِهَ به على حينَ غرّة.

    و قصيدة " الكوميديا العاشقة/ الصحافة السّودانية/ الملحق الثّقافيّ/ 27/11/1982 " تحاول استيحاء الشكل المسرحيّ للكوميديا الإلهيّة لدانتي أليجيري – ليس رسالة الغفران لرهين المحبسين أبي العلاء المعرّي – المتمثّل في مقابلاتها ( من زاوية رؤية مختلفة عن الأخيرة ) للجنّة و الجّحيم. فهي قد " وصفت " أولئكَ فحسب، فيما اتّخذت رسالةُ الغُفران شكل المفارقة فصوّرت أولئكَ بطريقةٍ فانتازية تستدعي نفيهما :- نفيهما بتهويل صورتيهما عبر التقديم " الهائل " و السّاخر سخرية خفيفة و خفيّة – هذا ما يُمكنُ أن أُسمّيه الوصف – الضّدّ.

    على كُلٍّ، رسالة الغفران هي عملٌ " تشكيكيٌّ " يتستّرُ فيه، وراء الوصف الخياليّ – الفانتازيّ التّفصيليّ المهول للجنّة، ثمّ للجّحيم من بعدَِ ذلكَ، عقلٌ ناقدٌ ينزعُ نحو نفيٍ مُضْمَرٍ للاعتقاد في هذين. ذلكَ داخلٌ في بابِ ما سمّاهُ بعضُ النّقّاد " المُفَارَقة " "13".

    و لكن جنّة و جحيم كوميديا شاعرنا " العاشقة " مُنزلتان من يوتوبيّتهما " إطلاقهما و ما ورائيّتهما " عند دانتي ( كما المعرّي ) إلى " أرض النّاس "، فهما تندرجان في المستوى الثاني من مستويات التجربة الشعورية المذكورة في المقدّمة، و هو المستوى الذّاتيّ – الوطنيّ أو، بعبارةٍ أدّقّ، الذّاتيّ الاجتماعيّ.

    كما أنّ الكوميديا العاشقة قد استعارت مفهوماً أرسطياً خالصاً قد كان مفهوماً ذاتياًً أو معادلاً لخلاصٍ ذاتيٍّ، هو مفهوم الخلاص عبر " التّطهير "، و وجّهتهُ وِجهة وطنيّة جمعيّة. فتاجوج، في القصيدة، رغم أو مع ذاتيّتها التّاريخيّة المعروفة، وطن، أو قُلْ هي وطن و ذات معاً باعتبار أنّها " ذات الوطن " أو مُعَادِل لسايكولوجيّة الوطن – الإنسان السّودانيّ الجّمعيّة و قيمه العليا.



    و في قسم " الجّحيم " من القصيدة مُقابلةٌ بين براءة و نقاء تاجوج ( التاريخيّة القديمة ) و هوس المَحَلَّقْ بها و انشاده عنها، و جحيمها العصريّ – الوطنيّ الذي انغمست فيهِ بفعلِ تغيّراتٍ حضاريّة محددة أشارت لها القصيدة :- " تاجوج امتطاها الطّمثُ، ضاجعها الصّيارفةُ، الجّنود، طعامها الغسلين مبذولٌ لآكله ندامى الحبّ و الإرهاقِ باحوا " كان في أحراشش فخذيها صعاليكُ الخنادقِ، كان عظمُ العانةِ اللّغةُ التي هربت من العمر الأمينِ إلى اللصوص " .. "

    أما في " المطهّر : الأعراف " فنلمح استدعاءَ لفيضانِ أو طوفان نوح بصورةٍ شعريّةٍ جائشةٍ بالحركةِ و محاولةً لتجسيدِ المعاناة مُطهّراً و إرهاصاً حادّاً بخلقِ علاقاتٍ اجتماعية جديدة و إنسانيّة. تلكَ آلام الميلاد الرّائعة – القاسية و ما يُصاحبُها من تمزّقٍ اجتماعيٍّ في ذاتِ تاجوجِ – الأُمّة. بهيئته الإيحائيّة هذه لا يترك فصل " المطهّر : الأعراف " هذا محلاً فيه لتعبيرٍ يكشفُ عن تقريرٍ مثل تركيب " الوقت المُهندَس بالولادة ". فكاملُ ذاكَ الفصل يُحيطُكَ بتعابيرٍ تُوحي بالميلاد عبر تعابير فنيّة غنيّة :- " صبّ النّومُ في جُبِّ العيون شرابه/ الخروجُ الفذُّ من بوّابةِ الآلاء/ حثا التّرابَ على متاريسِ المدينة/ و القبولُ مضى يُعبّدُ نبضها ". إزاء ذلكَ الإيحاء يتحدث تعبير " الوقت المُهندس بالولادة " عن الميلاد بإعرابٍ و مباشرةٍ و إن وردَ في لغةٍ مُحكَّكةٍ و مصقولةٍ " لغة ذهنانيّة أو تجريديّة ".

    في " الفردوس " تتسلّط فكرةُ الكشف كفكرة مرتبطة في تاريخية الذّات الإنسانية الرّوحية عامة " و الدينية خاصّة" بالماء و الطّوفان " التّطهيريّات ". و الكشف هنا ليس تدميريّاً كطوفان نوح الذي جاء تطهيراً تدميريّاً " هلاكيّاً " اتسم بصفة القُدُسِيّة لانبثاقه من العلُوِّ " المطلق " ثمّ انفتاحه عليه بعديّاً بوصفه محاولة لإرساء القيم المطلقة المتميّزة عن " الدّنيويّة " :- " الدّين السّماويّ " ضدّ انهيار القيم الذي كان سائداً آنذاكَ، بل هو كشفٌ سلاميٌّ " لا تدميريٌّ " عن الجّوهرة – الفرد "14" ( تاجوج ) ذات العري الجّميل " البريء " و عشيقها الفارس ( المَحَلّق ) :- " هل تُبصرونَ على الأرائكِ غيرَ تاجوجَ الجّميلة و المَحَلّقْ ) ... " الأرائك " هنا، عقب التّأمّل فيها في إطارِ الصّيغة اللغويّة المُساوِقَة لكشفٍ و تطهيرٍ دينيٍّ – كما أسلفنا – و هو " الطّوفان و الماء الكاشف عن الجّوهرةِ – الفردِ "، يبدو استخدامها جميلاً فهي استدعاءٌ أو، على الأدقِّ، تُحيلُكَ لصورة الفردوس الإسلاميِّ ( الدّينيّ ) دون ذكرِ ذلكَ بطريقةٍ لغويّة مُطوّلة كما تفعل القصائدُ المباشرة الهاتفة النّائحة على ذهابِ المجدِ، أو " الفردوس "، الإسلاميِّ الغابر.

    و خاتمة القصيدة قد تلاءمت و حسّ البعث – الكشف، فهي تُصفّيهِ بغنائيّتها و تأتي مُكمّلةً لدائرةِ

    ( أو سُلَّمِ ) صعودِ التجربة لمستوى الصّوت الواحد الغنائيِّ و الصّافي غير المختلط بيدَ أنّه في نسجِ الدّراما، التّراجيديّة خصوصاً، مع ما هي عليهِ من تعدُّدِ أصواتٍ و مواقفٍ مُتَفَاصِلَةٍ ( أي مُتخاصِمةٍ ) :-

    " الآن تطلعُ من شذى تاجوج أعنابٌ بلون النّيلِ تُسكرُنا بلا خمرٍ ينزُّ و لا أسى، و تنامُ وردةُ ضوئنا بينَ التّناغمِ و الطّيور، تجيءُ حالمةً مُجَرْتَقَةً، و خيلُ الغيثِ تدخُلُها تُطرِّزُها بعافيةِ النّخيل، يغرِّدُ الإبريزُ " يا امرأتي اخترمْتُكِ في اكتمالِ العريِ، يا امرأتي قَبِلْتُكِ " تنتشي سُبُلُ المَحَلّقِ مُثقَلاتٍ بالزّمُرّدْ ".

    و قصيدة خسوف القَمَرْ الأتبراوي، التي سنختِمُ بها هذا الجّزء من الدّراسة، تمزجُ في صياغتها الجّمالية بين الحوار الحادث بين صوتين من خارج ( الحالة ) مع صوتٍ ثالثٍ هو الصّوت الذي يُمثّلُ حالة القصيدة، و هي ذات الحالة التي قُلنا عنها، في القسم المختص بأسامة الخوّاض من قسم الدراسة الأوّل، إنّها حالة " الحصار و الجّحيم اليوميّ " أو " وجدان الانكسار "، بعبارةٍ أُخرى. ثمّ الشِّهادات :- " و تقول فاتنةٌ عن الفقراءِ عن ذرةِ الوداد عن المحطّةِ " كان يقرأُ للبناتِ غناءه، و كتابه بيمينه ......... "، و فواصل الروايات الآتية بطرقٍ مختلفةٍ أو ما سمّيته " تنويعات على وترِ الحكايا ". هنا استفادةٌ من تجربته المبّكرة في كتابة القصّة القصيرة. ثمّ الرواية الذّاتيّة أو

    " السيرة الذّاتيّة " المُثقلة بالتّعابير السودانيّة :- هنا محاولة الاستفادة من اللغة السودانية الخالصة و تراثها الرّوحيّ " وجدانها " المتمثّل في أشكالٍ مختلفةٍ من الإبداعِ " غناء، دوباي، .. الخ " ... و الرّوح السودانية في القصيدة أو " الجُّوّانيّة السّودانيّة " – لو صحَّ التعبير – يعمّقها استخدام مفرداتنا الغنائيّة الملتصقة بوجداننا " الغنائيّ " القوميّ " أي الوَسَطِي – من " أواسط " – غالباً"، و تفريع الأشكال عليها " و منها ". و هذه فنيّة توقظ شعورنا القوميّ بطريقةٍ جماليّةٍ و تُرسي اتِّجاهاً أتمنّى لأُسامة تعميقه في كتاباته القادمة :- " أهديتُ أشجارَ " الفريعِ الزّينِ " أقمارَ الأغاني، ثمّ جاءتني على قمرِ القصيدةِ، قلتُ إنّي لا أُحبُّ الآفلين، فيا صلاةَ الخوفِ سُوقِيْنِي إلى قمرِ المِهَيْرَةِ، عقدُها طفلُ الجّلادِ، و قَرْمَصِيْصُ ضيائها سككٌ تُؤانسُها القطاراتُ الشّهيّة ".

    و في " إنّه في النّهرِ يقرأُ وِرْدَهُ الشّجرِيَّ " تطوير للروح الدينية التي حجبت شفافيتها اللغة الأكاديميّة و تدخّل " الوعي " في الصّياغة الشّعريّة في بعضِ قصائده الأولى – هنا هذه الروح يُحسُّ أنّها قد اتّخذت طابع " التّديّن السّودانيّ " :- الصّوفيّة المختلطة بالأساطير و حكايات الكَرامات :- الصّوفيّة السّلوكيّة. تأتيكَ بذلكَ الإحساس عبارات و إشارات مثل " الوِرْد " و

    " النّهر " مما يستدعي " إيمائياً " ذاتَ السّودان النّقيّ ( العابد ).

    و في ختام القصيدة يطلُّ علينا ذلك التّأرجح الاجتماعيّ، و ليس " الوجوديّ " أو " الميتافيزيقي"، بين ما هو كائن " اجتماعيّاً " و ما ينبغي أن يكون " لكنّ القطارَ مُخادعٌ ". ثمّ ينتهي ذلكَ التّأرجح بتأكيد " وجدان الانكسار " الذي أشرنا له في بدءِ حديثنا عن القصيدة :- " كانت العرباتُ تهذي، تزدهي القُضبانُ بالإرهاقِ، طَقْ، طَقْ طَقْ طَقْ، طَقْ طَقْ طَرَقْ، طَقْ طَقْ طَرَقْ، إنّ القطارَ مُكفّن، و العشقُ يلبسُ لحنَهُ .... "

    خاتمة :-

    تلكَ كانت محاولة للتلامس مع ملامح التجربة الشّعوريّة عند الشّاعرين محمد نجيب محمد علي و أسامة الخوّاض، و قد خَلُصَت دراستي لهذين الشّاعرين السُّودانيّين إلى رسمِ المناخِ الشّعوريّ لكتابتهما، حسب تبويبي " الوجوديّ " الخاصّ لأشكال تجلّي التجربة الشّعوريّة عامّة؛ تلكَ الكتابة " ذلكَ الشّعر " التي " الذي "، فيما أرى، لم تخرج " يخرج "، إلاّ قليلاً، عن المستويين الأوّلين لتلكَ التّجربة " أي المستوى الذّاتيّ – الفرديّ و المستوى الذّاتيّ – الوطنيّ " فلم تُحرزْ

    " يُحرِزْ "، لذلكَ، فتحاً شعوريّاً في حقلِ ما أُسمّيه " شعر العُزلة " الذي ينتمي للمستوى الثالث من مستويات التجربة الشّعوريّة الآنفة الذّكر. لم يتم، في تلكَ الكتابة، الانتقال للّون المُعتَم من ألوانِ طيفِ الشّعور و تجاوز ما هو فردانيّ و مُغلق و ما هو جمعيّ أيضاً إلى ما هو " وجودي "، إلى الغائم الفريد و الفردي، إلى أسئلةِ المصيرِ الشّخصيِّ و عِيانات الذّات التي تخُصّها وحدها، و بمجمل العبارة، من مستوى " كيف نحيا ؟ - الحياة اليومية و دقائق مشاعرها اليوميّة " إلى مستوى " لماذا نحيا؟! – مشكلة المعنى ". أتوقُ أنا كثيراً إلى شعرٍ يُكتَبُ في منطقةِ الإستسرار، و قد لقيتُ من ذاكَ شعرَ الشّاعرِ السّودانيِّ محمد عثمان عبد النّبي و الشّاعر المصريّ محمد عفيفي مطر.

    1981- 1983

    إبراهيم جعفر.

    * من مسودّةِ كتابي الموسوم استبصارات، وهو مجموعة رؤى وتأملات نقديّة كتبَ غالبُها بين 1978 و1985.

    هوامش :-

    استخدم أويقَنْ فِنْكْ تعبير " فلسفة ما بعد الظّهيرة " في الفصل الثاني من كتابه فلسفة نيتشة للتعبير عن المرحلة النّقديّة " الهادمة " من تفكيره، و أنا قد حوّرت التعبير هنا ليُناسب المعبّر عنه. ترجم الكتابَ المعنيَّ الياس بديوي، كما وهو من إصدارات منشورات وزارة الثقافة/ دمشق 1974.

    يتضح مثل هذا التديّن في كتابات كولن ويلسون، جابرييل مارسل، نقولا بيرديائيف، د.ه. لورنس الفلسفية و آخرين ... كما أنه أساس رواية إِ.م. فورستر – إذا شئنا نموذجاً أدبيّاً – هواردز أيند، المترجمة تحت عنوان " المنزل الرّيفي ". ترجم الرواية إياها محمد مفيد الشّوباشي و أصدرتها المؤسسة المصرية العامة للتأليف و الترجمة و الطباعة و النشر.

    مثل البير كامو و مارتن هايدقر في مرحلته الأولى " الوجود من أجلِ الموت ".

    مثل جان بول سارتر في الوجوديّة مذهبٌ إنسانيّ.

    أنظر :- كولن ويلسون، ما بعد اللامُنتمي.

    من المعروف أنّ السّوناتا الشكسبيرية هي قصيدة مكوّنة من 14 سطراً و تنتهي بحكمةٍ أو قولٍ يُشبه الحكمة، تماماً كخَرْجَة الموشّحات الأندلُسيّةُ.

    مقطع ريلكه الشّعريّ نقلاً، ثمّ ترجمةً، عن :-

    أنظر :- ما بعد اللامنتمي، كولن ويلسون، ترجمة يوسف شرورو و سمير كتاب، دار الآداب البيروتيّة.

    نفس المرجع السابق.

    أنظر مقال بعنوان تذييل منفعل على هامش " مفهوم الشّعر في كتابات الشعراء المعاصرين " بقلم كاتب الدراسة الحالية/ صحيفة الصحافة السودانية/ الملحق الثقافي/ أبريل 1983.

    أنظر الحكاية الخُرافيّة، فيريدريش فون ديرلاين، ترجمة د. نبيلة إبراهيم، مراجعة د. عزّ الدّين إسماعيل " ص. 84 ".

    نُشرت القصيدةُ في مجلة الزّرقاء السودانية ( رابطة سنار الأدبيّة )/ فبراير – مارس 1984. ذلكَ مع بعض تغييرٍ إذ صارت " و أنتِ تنحازين سيّدتي الشفيفة للجّراد " إلى

    " و أنتِ تنحازينَ سيّدتي الشّفيفة للحنوط .. "

    أنظر مقال المفارقة في القصّ/ سيزا قاسم/ مجلة فصول/ عدد الرواية و فن القص/ يناير – فبراير – مارس 1982.

    " الجّوهر - الفرد " مفهوم فلسفي اعتنقه المعتزلة و فرق إسلاميّة أُخرى، و هو مُتقاطِعٌ مع مفهوم " المونادة" عند لايبنز الألماني

                  

02-18-2006, 09:15 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء (Re: عبد الحميد البرنس)
                  

02-19-2006, 03:24 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20399

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء (Re: عبد الحميد البرنس)

    شكرا للعريس البرنس على اعادة نشر هذا المقال المهم لصاحبنا المعرفي والحياتي:
    ابراهيم جعفر
    ساعود لاحقا للتعليق حينما تسمح ظروفي الارتحالية

    محبتي كاملة لك يا برنس
    المشاء
                  

02-19-2006, 05:25 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20399

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء (Re: osama elkhawad)

    صديقنا ابراهيم جعفر مثابر في مقاربته للشعر السوداني
    وسبق ان ارسل لي عبر الايميل نماذج من ترجماته للشعر السوداني ,
    ومن ضمن ذلك ترجمة لنصي الشعري:
    فضاء الفجيعة
    وقد اضعت ذلك ,او ضاع مني
    المهم,
    نأمل ان ينضم ابراهيم جعفر الى هذا المنبر كي يقول بأبحاثه,
    وترجماته ,
    وشعره وقصصه كوجودي يحب النور عثمان أبكر
    مرحبا بك يا ابراهيم هنا
    محبتي بلا حدود
    المشاء
                  

02-19-2006, 11:45 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عن "سودانايل": ملامح التجربة الشِّعوريّة بين الشّاعرين محمد نجيب محمد علي والمشاء (Re: osama elkhawad)

    مرحبا بصديقنا المشاء العريس مغمورا بكل هذا الحنان الأسري الشفيف وأرجو أن يشهد هذا المنبر حضور ناقد جميل بجدية ابراهيم جعفر!.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de