إستوقفني هذا المقال للكاتب خالد القشطيني في جريدة الشرق الأوسط
طه والمسيح في الخرطوم
عرفت السودانيين منذ سنين طويلة، وكان النحات عبد الرزاق، زميلي في كلية كمبرويل للفنون اول عربي تعرفت به في لندن وعلمني على هذا التوافق والتسامح والتعايش في الشخصية السودانية. كان تقيا ورعا ملتزما بفرائض الدين وإقامة الصلاة ويعيب علينا نحن العراقيين تجاهلنا لهذا الفرض. في بقية ايام الاسبوع كان يواظب على الدوام في الكلية يصنع الاصنام العارية ـ التماثيل. لم يشعر بأي تناقض او نزاع في ذاته. ما لله لله وما للدنيا للدنيا. لمست على مر السنين هذا الانسجام والروح السلامية في شتى اصدقائي السودانيين، الطيب صالح وعثمان وقيع الله وسواهما.
لهذا وقفت حائرا امام ما جرى في السودان من حرب اهلية في السنوات الاخيرة. بيد اني كنت على طول الخط استبعد الدين كعادتي سببا لمثل هذه المنازعات. انها السياسة قاتلها الله. وفي السودان انها السياسة والتبعة التي خلفها الاستعمار وغذاها الاجنبي.
حققت امنية في حياتي ان ازور السودان الذي لم أره من قبل. وكانت الزيارة بمناسبة اختتام مهرجان الخرطوم عاصمة الثقافة العربية وانتقال الراية الى مسقط. وفي اليوم الاول من زيارتي خرجت من فندق قصر الصداقة في مشوار على قدمي اتفقد فيه احوال المدينة كعادتي في زيارة اي بلد جديد عليّ.
لم أكد أسير مائة متر من الفندق حتى دوت مكبرات الصوت من مسجد حلة حمد بأذان صلاة المغرب. توقفت لأستمع للأذان السوداني الذي لم يختلف كثيرا عن نبرته في العراق. انتهت الصلاة ودخل المقرئ بسلسلة من المدائح النبوبة التي استمعت اليها بشوق قبل ان استأنف مسيرتي ـ ولكنني لم اتقدم اكثر من خمسين مترا اخرى حتى وقعت انظاري على الصليب، لا بل مجموعة من الصلبان المشرئبة برؤوسها فوق كنيسة مار جرجس القبطية.
بدا القدم ظاهرا على الكنيسة والملحقات المسيحية التابعة لها، فلم تكن مبنى جديدا شيد لجبر الخواطر او التأثير على الاجنبي.
وكان البنيان مزينا بالصور الكنسية للحواريين والقديسين. واعتلى واجهة البناية تمثال حداثي للقديس جرجس (جورج) وهو يفتك بالتنين.
لم يجد رواد المسجد او المسلمون من سكان المنطقة اي اعتراض على ما يرونه كل يوم في طريقهم للوضوء والصلاة في مسجد.
لم أجد اثرا لحجارة رشقها صبيان زعران على تلك الصور، كانت بكل وضوح جزءا من حياة التسامح السوداني والتعايش بين الاديان. دخلت الكنيسة بحذر وتجولت في كل مرافقها ومذابحها وهياكلها. لم يعترض طريقي احد ويسألني عن هويتي ونيتي وديانتي.
وقفت عند احدى النوافذ لأستمع للقس وهو يعلم الصبيان المنشدين ترتيل اناشيد يوم ميلاد المسيح عليه السلام الذي كان على الابواب. استمعت لتراتيلهم الشجية وهي تختلط بصوت المقرئ المسلم الذي كان يتلو المدائح النبوية المهيبة من مكبرات المسجد.
ذكرني المزيج بما قاله المعري لدى زيارته للاذقية:
في اللاذقية فتنة ما بين طه والمسيح
ولكن في الخرطوم لم تكن هناك أية فتنة. فلم اجد غير ان اعتدي على ابي العلاء لأقول:
خرطوم فيها مجمع ما بين طه والمسيح
هذا يغني مدائحا وذا يرتل للفصيح
كل يمجد ربه وكلاهما عندي صحيح
12-29-2005, 03:24 AM
Ahmed Mohammed Osman Ahmed Mohammed Osman
تاريخ التسجيل: 10-10-2005
مجموع المشاركات: 1381
العزيز: ابراهيم ايييييييييييييييييييييييييييييييك ... صحي زي ماقالو الحي بلاقي.. انشالله تكون تمام زي حال بلدنا المشكلة يا ابراهيم انو التسامح دا عايشنو في واقعنا وحتي الاغراب شايفنو لكن تقول شنو في معارضة الخارج الماخدة المواضيع دي استرزاق؟؟؟؟
المسلم والمسيحي والشمالي والغرابي والجنوبي والشرقاوي كلهم هنا مطحونين ما بين مطرقة الحكومة وسندان المعارضة
الله لينا بس
12-29-2005, 03:40 AM
IBRAHIM SUHAIL IBRAHIM SUHAIL
تاريخ التسجيل: 08-11-2005
مجموع المشاركات: 20
جذبني العنوان جداً.. ولعلها ملاحظة ذكية من الكاتب أن يكتب عن التسامح الديني السوداني.. لذلك كان مستغرباً علينا أن نخوض في حروبنا الجهادية مع نداءات المشروع الحضاري.. التحية للأخ إبراهيم سهيل والشكر على هذه اللفتة الجميلة
العم متوكل.. مشتاقين
بنت الحسين
12-29-2005, 08:46 AM
القلب النابض القلب النابض
تاريخ التسجيل: 06-22-2002
مجموع المشاركات: 8418
شكرا الاخ ابراهيم والله ما احسسنا ان هنالك مشكلة ابدا الا ما نقرأه لبعض الاقلام التي لا علاقة لها بأرض الواقع في السودان . * جارتنا خالتي عواطف المسيحيةلم نلحظ انها مسيحية الا بعد ان كبرنا تبكي معنا ونبكي معها تفرح معنا نفرح معها ونتعامل بذات المفردات, أحيانا هذا البورد يضخم لنا الاشياء حتي نصدقها.
تسلم لهذه اللفتة
12-29-2005, 10:32 AM
محمد مختار جعفر محمد مختار جعفر
تاريخ التسجيل: 11-15-2005
مجموع المشاركات: 4927
السلام عليكم هكذا هو السودان فى تسامحه وطيبته لم تكن لنا أى مشكلة مع المعتقدات الدينيه أو مع العرق و اللون ...ولكن قاتل الله الذين فعلوها وإفتعلوها حيث أوصلونا الى ما أوصلونااليه بل والأحداث الأخيرة ليست ببعيده وما شاب من تطورات ......
محمد مختار ...
12-29-2005, 12:21 PM
Sudany Agouz Sudany Agouz
تاريخ التسجيل: 04-28-2002
مجموع المشاركات: 9014
شكرا لكم لسرد مقال الكاتب .. وشكرا لكاتب المقال .. ولكل مقام مقال .. ولكل مقال مقام ..
كلما قرأت أمثال هذه المقالات ازددت سعادة ومسرة .. ما أحلى السلام .. كانت كنيسة مارجرجس بالخرطوم بحرى هى الكنيسة التى ترعرعنا بين جوانبها .. منذ أن كنا أطفالا حتى كبرنا وأنجبنا أطفالا ..
فليت الحال يدوم على هذا المنوال .. ونصلى الى الله أن يبعد شيطان النعرات الجديدة التى تلعب فى الخفاء لبذر بذار التفرقة الدينية .. وللأسف هذه البذار يتم استيرادها من دول أخرى .. فليتنا نعى ونفتح أعيننا وآذاننا ثم عقولنا ..
فقط .. الشيىء الذى يعتبر جديدا على معلوماتى .. هو وجود الجامع بجوار كنيسة مارجرجس .. ولكن قد تكون عملية بناء الجامع تمت فى السنين الأخيرة ..
وشكرا مرة أخرى ياأخى ابراهيم .. وليتنا نقرأ المزيد .. ولكم منى أسمى حب وأعظم تحية ..
هذه الحقيقة اخى العزيز ان هذا الوطن لا يعرف تلك النعرات والعصبيات الدينية التى نراها فى سائر بلاد الدنيا لكن ************ لعن الله اؤلئك الذين لا يحبون ان يروا الانسانية تنعم بهبات الرب عز وجل وان ينعم مواطن هذه البلد بالسكينة ابدا اولئك الذين يعيدون الانسان السودانى الى عصور الظلام والجهل يتفسيرهم وبثهم السموم الدينية والطائفية باسم (الدين والعروبة) اولئك الذين يصرخون باعلى الصوت بقصاء وتدمير الآخر اولئك الذين اعمى الظلم قلوبهم من عظمة الله وقدرته
شكرا لك على هذه المشاعر الطيبة وادام الله السلام على البلاد وسائر بلاد الارض
03-24-2006, 09:04 AM
Deng Deng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52744
موضوع التسامح الديني في السوداني كان ومازال موجود بين عدد كبير من السودانين وليس جميعهم.زلكن يجب أن لا ننسى أن الحكومات المتعاقبةعلى السودان منذ الاستقلال هي التي عملت على بث الفتنة والتفرقة الدينية بين السودانين, وأنا هنا لا أعفي أي حكومة سوى كانت منتخبة أو عسكرية أو كيزانية.أن الذي يحدث اليوم في السودان لم يكن سوى القشة التي قسمت ظهر البعير.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة