|
د. الطيب زين العابدين: لأن بقاء الانقاذ طال في السلطة دون شرعية أصبح جلدها (تخينا)
|
بعض رياح التغيير هبت د. الطيب زين العابدين رغم مقولات المتشائمين بأن الهيمنة الشمولية ما زالت قابضة، وأن حكومة الوحدة الوطنية لا تختلف كثيراً عن الانقاذ، وعضد ذلك قول بعض المتنفذين في المؤتمر الوطني ان الانقاذ باقية رغم أنف الحاسدين، يقولون ذلك من باب المدح دليلاً على صلابة وقوة الانقاذ، ولا يرون أن هناك ما يعتذر عنه من سلوك الانقاذ السياسي والأخلاقي، ولعلهم نادمين على أن اتفاقية السلام الشامل غيَّرت تركيبة الحكم الشمولى التى يحبونها! وقد أبدع القرآن في وصف أهل المراء الذين يمنعهم عنادهم وجحودهم من قبول الحق حتى ولو لمسوا الدليل عليه بأيديهم المجردة: «ولو نزّلنا عليك كتاباً فى قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين». رغم قول أولئك وهؤلاء إلا أن بعض رياح التغيير قد هبت وأنها فى مستقبل قريب ستقتلع الشمولية من جذورها رضي من رضي وأبى من أبى، ليس ذلك لأن المعارضة أقوى من الحكومة أو تستطيع أن تفرض أجندتها عليها، ولا لأن أهل الانقاذ ثابوا الى رشدهم وآمنوا بالديمقراطية التعددية الرشيدة، شئ من ذلك لم يحدث ولكن لأن حقائق الواقع السوداني بتنوعه وتعدده ورفضه للتسلط والاستبداد سيفرض نفسه فى خاتمة المطاف على كل سلطة تريد التسلط والتجبر فوق رقاب الناس، ويتمشى ذلك مع مسيرة التطور السياسي الذي بدأ يشق طريقه في كل أنحاء العالم ويجد الدعم والتأييد من الدول المتقدمة ومن منظمات الأمم المتحدة. ومن رياح التغيير التي هبت علينا مؤخراً تبرئة محكمة الخرطوم بحرى الخاصة لجميع منسوبي المؤتمر الشعبي المتبقين في لائحة اتهام ما سمي بالمحاولة الانقلابية التي قيل إن السلاح قد كدِّس لها في عدد من المنازل بضواحي الخرطوم. سبق للمحكمة أن شطبت الاتهام في مقابل 8 من المتهمين البالغ عددهم 18 متهماً وظلت تنظر في حالة بقية المتهمين العشرة الذين برأتهم المحكمة جميعاً يوم الأربعاء الماضي (26/4) ونفت عنهم تهم إثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستورى والاشتراك الجنائي ومخالفة قوانين الأسلحة. وقال القاضي في حيثياته إنه ثبت للمحكمة أن اقرارات المتهمين القضائية لم تكن إلا نتيجة للإغراء بتسوية البلاغ واحضار وساطة لشطبه وفقاً لما قدمه الدفاع من بينات وشهود تعذيب، مشيراً الى أن الاتهام لم يقدم أي بينة ضد هؤلاء المتهمين وخير للعدالة أن تفصح عن نفسها، فهؤلاء المتهمون لم يرتكبوا أي جريمة، وأعلن عن براءتهم جميعاً واطلاق سراحهم. ولا أجد إدانة لسوء سلوك الأجهزة الأمنية والنيابية التي قامت بالإغراء والكذب بشطب البلاغ وتعذيب المتهمين في قضية أثارت الحكومة حولها زوبعة الى عنان السماء أكثر من حيثيات القاضي الذي برأ المتهمين جميعاً. فقد دفعت الحكومة في صباح تلك الجمعة التى قيل لنا إن القتل والاغتيال كان سيضرج فيها شوارع الخرطوم بآلاف الجنود الذين فتشوا كل العربات الرائحة والغادية فى مناطق مختلفة مما عطَّل الناس عن أعمالهم وعرضهم لرهق شديد، وأصاب الجنود ما أصابهم من تعب ومشقة وحرج فى تفتيش عشرات الآلاف من العربات دون أن يجدوا شيئاً. وادعت الجهات المختصة يومها أنها اخترقت صفوف المتآمرين الى درجة أنها تستطيع أن تعرف كل كبيرة وصغيرة من مخططاتهم الاجرامية بعد دقائق من الاجتماع الذى يعقدونه، واتضح بعد حكم المحكمة أن القصة مفبركة من أولها الى آخرها. ولا أجد إدانة للنيابة التي قدمت الاتهام أكثر من قول القاضي بأنها لم تقدم أي بينة ضد هؤلاء المتهمين! ماذا كانت تفعل هذه النيابة في قضية استمرت لأكثر من سنة ونصف؟ ولماذا حبس وعذب هؤلاء الأبرياء كل هذه المدة؟ من المسئول عن هذه الجريمة النكراء؟ وهل استغفلت قيادة الحكومة في هذه القضية أم أنها كانت مشاركة في الفبركة والتخطيط؟ ولمصلحة من حدث كل هذا الظلم والكذب وسوء السلوك؟ ولا أتوقع أن أجد اجابة من شخص مسئول على هذه الأسئلة مثلما لم يجد الناس اجابة لمذبحة بورتسودان رغم التحقيق الذي أعلن عنه، ومثلما لن يجد الناس إجابة على مذبحة سد مروي التى راح ضحيتها العشرات من الجرحى والقتلى وأوكل التحقيق فيها الى ذات الجهات المسؤولة عنها! ويقولون لك إن بعض هؤلاء المسؤولين يصومون الاثنين والخميس ويصلون السنن والنوافل، والله لو صاموا الدهر كله وأقاموا ليالي عمرهم لما عفا ذلك عنهم جريمة تعذيب واحدة أو قتل رجل واحد، وأي صيام وصلاة لا ينهيان عن فحشاء ومنكر؟ لن ينال أحد من هؤلاء المسؤولين الذين أقاموا الدنيا في تلك الفبركة الانقلابية أو شاركوا في تعذيب أفرادها مكروه أو تطالهم محاسبة لأن الجميع والغين في ذلك السلوك، ولأن الحكومة فقدت وحدة التوجه والقيادة وأصبح كل مسؤول يفعل في ضيعته التى أوكلت اليه ما يشاء، ولأن الحكومة طال بقاؤها فى السلطة دون شرعية سياسية أصبح جلدها «تخيناً» لا تستجيب لنبضات الجماهير ولا تأبه للاستماع لها. ومع ذلك فإن حكم القاضي وحيثياته تمثل نقلة نوعية في ممارسة السلطة تعطي الكثيرين أملاً وجرأة فى المطالبة بحقوقهم، لا عن طريق حمل السلاح الذي أجبر الحكومة على التفاوض في الجنوب والغرب والشرق، ولكن عن طريق الكفاح المدني السلمي الذي سيكون أبعد أثراً في المستقبل البعيد فى تغيير نمط الحكم وتعليم الجماهير. وأرجو أن يحرص هؤلاء المتهمون على إكمال مسيرة براءتهم بتقديم شكوى قضائية لكل من قام بتعذيبهم أو الاساءة إليهم والمطالبة بالتعويض العادل عن كل ما أصابهم من ظلم في هذه القضية المنكرة، وأن لا يقبلوا تسوية سرية بينهم وبين الأجهزة المختصة مثل ما حدث في نهب أموال طريق الانقاذ الغربي أو سقوط عمارة جامعة الرباط لأن ذلك أدعى لتثبيت حقوق المواطنين وردع المعتدين على تلك الحقوق،إن مجرد إثارة القضية علانية يدعم العدالة ويقوي أركان الحكم الرشيد في البلاد بصرف النظر عن النتائج المستفادة لأولئك المتهمين. ولا أحسب أن المؤتمر الشعبي يحتاج مني لتشجيع فى هذا المقام!
www.alsahafa.info
|
|
|
|
|
|