حوار "الشفاف" مع المستشار محمد سعيد العشماوي (الحلقة الثانية)

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 03:05 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-26-2006, 02:05 PM

thoria ibrahim ali

تاريخ التسجيل: 01-04-2006
مجموع المشاركات: 42

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حوار "الشفاف" مع المستشار محمد سعيد العشماوي (الحلقة الثانية)

    حوار "الشفاف" مع المستشار محمد سعيد العشماوي:



    *جماعة الإخوان المسلمين كتلة سياسية تخلت عن التَّقية

    *مصر تأخرت كثيرا وأصبح يعمها الحضيض في كل شيء

    * لفظ الكفر يعني الاخفاء والتغطية ولا يعني دائما الكفر بالله

    * اسفرت الفتنة عن أمر عظيم هو تفسير آيات القرآن وفقا لعموم الالفاظ لا على أساس التنزيل

    آية "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" نزلت في يهود المدينة ولا تنطبق على المسلمين قط





    أجرى الحوار: سامح سامي

    للمرة الثانية أتوجه إلى مسكن المستشار محمد سعيد العشماوي، في الزمالك أرقى احياء القاهرة لاستكمال المقابلة التي ننشر الجزء الثاني منها اليوم.

    والمستشار محمد سعيد العشماوي يعد من المفكرين المستنيرين القلائل، وهو بالطبع غني عن التعريف، ولمن لا يعرفه نوجز وصفه لهم بأنه رجل جاد ودقيق ولا يلقي القول على عواهنه أبدا، وعندما يتحدث فيما يريد أن يتحدث فيه فإنه ينطلق في قوة وسلاسة وبساطة كنافورة يتدفق منها بدل الماء فكر مبتكر واصيل.

    صاحب كتاب: "الإسلام السياسي" الذي غيّر به مفاهيم كثيرة متداولة في الكتابات الإسلامية، ودعا فيه إلى فصل الدين عن السياسة وليس عن الدولة. نشرنا في الجزء الأول آراءه في الانتخابات البرلمانية الماضية، وتحليله لشعار (الإسلام هو الحل)، وتعليله للفوز الكبير لجماعة الإخوان المسلمين في تلك الانتخابات. وفي هذا الجزء من المقابلة نوالي تقديم آراءه...


    * ما هي رؤيتك للأحوال في مصر والعالم العربي وللعالم أجمع؟

    ** رغم إني متفائل بطبعي إلا أن الأوضاع في مصر والعالم العربي والعالم اجمع تجعلني متشائما، فالغموض يلفُ القيادة السياسية في مصر، ولا تعرف اختصاص هذا من ذاك، ولا من يصدر القرارات في موضوع معين. آية ذلك أنه اُستحدث في الوزارة الأخيرة منصب وزير الدولة للشئون القانونية، وهذا يدعو للعجب. هل بعد وزير العدل يوجد وزير للشئون القانونية؟. ولماذا لا يكون مستشارا للشئون القانونية وليس وزيرا. هذا فضلا عن الصراعات التي تدور بين أعضاء القيادة السياسية واختلاف الآراء بين الأفراد وما يترتب على ذلك. وقد كان من نتيجة هذا كله أن تأخرت مصر كثيرا وأصبح يعمها الحضيض في كل شيء. وتراجعت كثيرا فزادت الديون وغلت الأثمان وتغيرت النفوس وأصبحت تستورد كثيرا من المواد الزراعية. وقد ظهر الإخوان المسلمين ككتلة سياسية تخلت عن التَّقية التي كانت تدعي بها أنها تعمل من أجل تطبيق حكم الله، وهذا سوف يحدث اضطرابا في مسيرة الحكم إلى زمن غير قريب وسوف يعود الحال في مصر القهقرى إلى ما قبل إنشاء الدولة الحديثة 1805، وبذلك تظل السلطة في يد العسكر أو أشباه العسكر وتظل المعارضة ترفع راية الإسلام وهي تعمل في السياسة.



    أما العالم العربي فلا يختلف عن مصر إلا في الدرجة، وشأنه شأنها، يرتفع عنها درجة أو درجتين أو ينخفض عنها درجة أو درجتين.

    والعالم كله صار مضطربا بصراعات عقائدية أو شبه عقائدية. ففي القرن الماضي كانت حروب الإيديولوجيات مع النازي الألماني والفاشي الإيطالي والماركسي الروسي. وخلال ذلك فإن الولايات المتحدة حاربت القومية العربية بتكوين وتعضيد الإسلام السياسي. كما حاربت منظمة التحرير الفلسطينية ذات التوجهات شبه الماركسية بإنشاء وتعضيد حركة "حماس". وحاربت الجيوش السوفيتية في أفغانستان بما صار يسمى فيما بعد بـ"القاعدة". أي أن الولايات المتحدة هي التي خلقت أعداءها من صفوف الإسلام السياسي وسوف تستطيل الحرب بين جماعات الإسلام السياسي والغرب عموما، ربما بقية القرن الواحد والعشرين، وسوف يؤثر هذا على الحريات وعلى مفهوم القوانين وسيادة الدول وحقوق الإنسان ومفاهيم القانون، وربما عضد كل ذلك ما يسمى بالمسيحية الصهيونية.



    * ما الذي تقصده بتعبير الإسلام السياسي؟

    ** أقصد بتعبير الإسلام السياسي هذه الصيغة التي لا تعمل إلا في السياسة أو التي يغلب عليها العمل السياسي وتنفي كل صيغة أخرى وتكون عدوانية بطبيعتها ترى أن أي فعل لها هو فعل ديني. ففي حين أن الزواج مثلا منظم في القرآن الكريم، فمع ذلك فإن زواج الشخص بفلانة أو علانة هو عمل مدني وإن استند إلى النصوص الدينية. والدول تتحارب والجماعات تتصارع، فلماذا يكون حربها وصراعها عملا دينيا ولا يكون عملا بشريا شأن الزواج من إنسانة بذاتها؟ ولماذا يعتبر عملا دينيا وليس اجتهادا بشريا أو مجهودا فرديا أو جماعيا قد يصح وقد يضل؟ وإذا كانت كل أعمال السياسة دينية، فماذا نقول في الحروب التي نشأت بين علي ابن أبي طالب من جانب وطلحة ابن عبد الله والزبير ابن العوام والسيدة عائشة من جانب آخر، وهي حروب شقت صفوف المسلمين من وقت حدوثها إلى الآن بسبب اعتبارها حروبا دينية وليست أعمالا مدنية؟



    *وهل هذا الوصف ينطبق على الإخوان المسلمين؟

    ** بطبيعة الحال، نعم هو ينطبق. فالإخوان المسلمون جماعة سياسة اتبعت أسلوب التَّقية الشيعي أو ما سماه حسن البنا بالإيهام لتزعم أنها حركة دينية. في حين أنها -كما ذكرت في المقابلة السابقة- لم تقدم فكرا ولا فقها، وإنما يغلب عليها الشغب السياسي للوصول إلى الحكم.


    *وكيف كان ذلك؟

    ** عندما توجه الشيخ محمد عبده من منفاه في باريس إلى بيروت فقد التقى بمن أصبح تلميذه وهو الشيخ محمد رشيد رضا وأسسا معا مدرسة "المنار". وإذ عاد محمد عبده إلى مصر وعين مفتيا للديار المصرية فقد صرف همه إلى إصلاح نظام التعليم في مدرسة القضاء الشرعي وكذلك في إصدار الفتاوى المستنيرة إلى أن توفى سنة 1905. وبذلك استقل محمد رشيد رضا بمدرسة المنار وكان مواليا للسلطان العثماني في الآستانة إلى أن ألغيت الخلافة الإسلامية في 3 مارس 1924 فيمّم وجهه تجاه المملكة العربية السعودية، وكان على صلة بها إلى أن توفى اثر وداع الأمير فيصل من ميناء السويس. وفي هذه المدرسة نشأ شبان مصريون وغير مصريين كان أظهرهم حسن البنا، فتلقوا شعارات السلطان عبد الحميد الثاني عن عداوة الغرب وعن أن القرآن دستور المسلمين والشريعة نظامهم القانوني. (وبالمناسبة فإن السلطنة العثمانية بنت سياستها منذ أن ضعفت على استجلاب يهود العالم كي يعيشوا رعايا لها في الأراضي الواسعة التي كانت تحتلها، ولما طلب منشئ الحركة الصهيونية هارتزل من السلطان عبد الحميد أن يخصص أرض فلسطين لليهود لما في ذلك من معنى ديني، رفض السلطان عبد الحميد ذلك وقال لهارتزل إن ارض فلسطين مملوكة للشعب العثماني استولى عليها بدماء أبنائه. فهو في الواقع لم يرفض إعطاء اليهود ارض فلسطين لسبب ديني أو لسبب قومي ولكنه تعلل في ذلك بأن هذه الأرض مملوكة للعثمانيين الذي استولوا عليها بدمائهم. وكان يهدف من ذلك إلى الحفاظ على السلطنة وعدم إيجاد مانع بينها وبين الحرمين الشريفين اللذين كانت السلطنة تعتمد عليهما لمد النفوذ إلى المسلمين جميعا بدعوى أن السلطان حامي حمى الحرمين).



    وفي الإسماعيلية عندما ُعين حسن البنا مدرسا للغة العربية في المدارس الابتدائية كان يجلس مع العمال المصريين في احد مقاهي الحي العربي. وكانت الصيحة غالبة آنذاك تتباكى على إلغاء الخلافة الإسلامية وتتشاكى من المحتلين الأجانب الذين كانت الإسماعيلية موطنا كبيرا لهم بسبب وجود ادارة قناة السويس بها. وفي هذه المجالس كان حسن البنا يثير حماسة العمال لاستعادة أمجاد الإسلام وهو يستند في ذلك إلى ضرورة اتخاذ القرآن دستورا والشريعة قانونا، دون أن يتنبه إلى أن القرآن دستور للمسلمين بالمعنى العام وأنه لا يتضمن أي نص عن التنظيم السياسي. والشريعة كلمة عامة لم يفرق بينها وبين الفقه. فالأحكام القانونية الواردة في القرآن والتي لم تنسخ منه بعد هي 80 آية فقط لا غير. أربعة حدود أي عقوبات جنائية هي حد السرقة وحد اتهام امرأة شريفة باقتراف الزنا وحد الزنا وحد الحرابة أي قطع الطريق. أما في القواعد المدنية فلا يوجد إلا نص واحد عام غير محدد هو: "وأحل الله البيع وحرم الربا". وقد ذهب الفقه الإسلامي إلى تحريم بعض البيوع كبيوع المضاربة على مجهول، كما اتجه إلى تحليل بعض أنواع الربا كربا الفضل وهو الربا الذي لا يشترط فيه الدائن فائدة على الدين لكن المدين يقدمها طواعية عند السداد. إنما ما ُفصّل في القرآن هو الزواج والمواريث. وقد تبين للفقهاء في أول العصر العباسي عدم مناسبة تطبيق أحكام المواريث، لوفاة شخص عن ابنة أو ابنتين يشترك معهما في الميراث عمهما الذي قد يكون قد استقر في الأراضي الإسلامية الشاسعة من الأندلس حتى بلاد التتار ومن ثم فقد تحايلوا على ذلك بإنشاء نظام الوقف الأهلي في حين أنه ليس لهذا الوقف أساس شرعي لا في القرآن ولا في السنة وإنما أخذوه قياسا على ما كان يسمى بالأموال المحجّرة أي الموقوفة على الأرباب في العهد الجاهلي.



    ولأن حسن البنا كان عمره إذاك 22 سنة؛ لأنه من مواليد سنة ،1906 فقد كان يتصور أن النجاة أو الخلاص للمسلمين يكون في تطبيق ما ورد في القرآن وما جاء في الشريعة وركز ذلك في الآية: "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون". وقد استطاع لظروفه وللظروف المعاصرة إنشاء حشد كبير حول الآية المذكورة فقامت الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية على هذه الآية التي يتبين من سياق الآيات أنها نزلت في يهود المدينة وأنها لا تنطبق على المسلمين قط.


    * ولكن الفهم السائد يقوم على أن آيات القرآن صالحة لكل زمان ومكان، فالذي يؤخذ على حسن البنا يقول به معظم المسلمين؟

    ** ليست كل آيات القرآن صالحة لكل زمان ومكان، ولكن هناك فهماً آخر يتأدى في أن للآيات تاريخية وزمانية ووقتية ومكانية. فالآية التي تقول للنبي عليه الصلاة والسلام: "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"، هل تعتبر آية عامة أم مخصصة بظرف مكاني وزماني معين؟ وقد كانت فكرة وقتيّة الأحكام مفهومة عند بعض المسلمين وإن لم يستطعيوا التعبير عنها بصيغة قانونية. فلقد أدركها عمر ابن الخطاب وأدركتها عائشة بنت أبي بكر وزوج النبي. إذ منع عمر ابن الخطاب إعطاء "المؤلفة قلوبهم" سهما من الصدقات مع أن الآية التي فرضت لهم هذا السهم تنتهي بأن تلك فريضة من الله أي أنه ألغى فرضا. وكذلك فإنه ألغى حق الفاتحين في الاستيلاء على المغانم عندما فتحوا ارض السواد أي العراق، ورأى أن الأصح إبقاء هذه الأراضي في أيدي مفلحيها مع أخذ الجباية منهم. أما عائشة زوج النبي فقد خرجت إلى الحياة العامة فترة عثمان ابن عفان وكانت تحرض على قتله. ثم خرجت على علي ابن أبي طالب وحاربته في موقعة الجمل. ولما ووجهت بآية الحجاب والآية: "وقرن في بيوتكن"، وقيل لها إن القرآن يفرض عليك الحجاب وعدم الخروج من البيت، ردت قائلة: "إن ذلك كان على عهد النبي".. أي إنها اعتبرت الآيات القرآنية التي كانت تخاطب زوجات النبي وتنظم وضعهن آيات موقوتة بحياة النبي. وغير ذلك فان القران مليء بآيات يقطع السياق بأنها آيات موقوتة زمانيا أو محدودة مكانيا.



    *ولكن البعض يرى أنه لا توجد أسباب لتنزيل الآيات وأن هذه الأسباب إن وجدت تكون ضعيفة.

    ** لم يحدث تدوين في الأمة الإسلامية إلا في أوائل القرن الثالث الهجري، بعدما كانت استقرت في التراث الشعبي بعض المفاهيم على خطأ. وأسباب التنزيل واردة في سياق الآيات، فإن لم توجد في هذا السياق فقد وردت بطريقة أقوى واشد مما أُثبت لبعض أحاديث الآحاد.



    والمهم أن الآيات التي ُتتخّذ شعارا وترمي إلى تقويض نظام المجتمع وردت أسبابها في سياق التنزيل. فآية "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" نزلت بسبب أن يهوديين كان قد ارتكبا واقعة الزنا، وذهب اليهود إلى النبي ليُحكّماه (والتحكيم غير الحُكم). فسألهم عن العقوبة الواردة في التوراة عن الزنا فقالوا له إنها التجريس، لكن عبد الله ابن سلام اليهودي الذي كان قد اسلم حديثا قال للنبي: "إنهم يضللونك يا رسول الله لأن العقوبة هي الرجم". فأمر النبي برجمهما.



    وفي ذلك يقول القران: "وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله... ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون". والتفسير الصحيح للآية لابد أن يربطها بأسباب التنزيل، وهذا ما اجمع عليه كل المفسرين إلا جماعات الإسلام السياسي، ومنهم من كان يقول إن هذه الآية لا يخاطب بها المسلمون ولا تنطبق عليهم حتى إذا ما انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين غيّر رأيه كما يغير المرء جلبابه. فالتفسير الصحيح للآية هو أن من لم يقض من يهود المدينة في واقعة الزنا التي احتكموا فيها إلى النبي ثم اخفوا عنه عقوبتها وهي الرجم كما جاء في التوراة، فأولئك وحدهم هم المُخفون، لان لفظ الكافر أصلا يعني التغطية أو الإخفاء ولا يعني الخروج من الدين. وذلك يبين تأكيدا من الآية:" كمثل غيث اعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصْفرّا". والكفار هنا هم الفلاحون الذين يخفون البذور في الارض.



    ومثل آية: "ومن لا يحكم بما انزل الله فاولئك هم الكافرون"، التي بدأ بها واستمر عليها الاخوان المسلمون. توجد آية اخرى رفعتها كشعار لها كل الجماعات الاسلامية الاخري وهي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله". فهذه الاية وردت في سياق آياتٍ اخرى انزلت على المسلمين الذين كانوا قد توجهوا لفتح مكة. وهي تُفَسَّر في هذا السياق المكاني والزماني وحده، وإلا فإنها تجعل من الاسلام وثيقة حرب وقتال لكل الناس في كل الازمنة وفي كل الامكنة. وهذا بذاته ما يشكو العالم غير الاسلامي منه. كما أن المسلمين المستنرين يشكون منه كذلك.



    * لكن القاعدة في الاسلام هي تفسير الايات على عموم الالفاظ وليس على خصوص التنزيل؟

    ** هذا خطأ كبير وقع فيه المسلمون، وليس الإسلام، منذ عهد الفتنة الكبرى التي بدأت أيام عثمان ابن عفان الخليفة الثالث واستمرت طوال خلافة الخليفة الرابع علي ابن ابي طالب وردحا من خلافة الخليفة الخامس معاوية ابن أبو سفيان. وما زالت تقبض على المجتمع الاسلامي الذي تحجر فيها وتحوصل في مفاهيمها. ففي هذه الفتنة حدث خلاف إداري ومالي بين الهاشميين بزعامة علي ابن ابي طالب والامويين برياسة عثمان ابن عفان. وقيل في هذا الخلاف أن عثمان كان قد كفَر وينبغي عزله أو قتله، واستعملت في ذلك النزاع السياسي، وربما من جانب الاعراب الذين لم يكونوا قد استوعبوا روح الاسلام بعد، آية: "ومن لا يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون"، توصلا إلى تكفير عثمان. وفي عهد علي ابن ابي طالب كان الخوارج يقولون في وجهه "لا حكم الا لله" يعيبون بذلك عليه التجاءه الى التحكيم على خلافته بينه وبين معاوية. وكان علي ابن ابي طالب يرد عليهم قائلا: "قولة حق يراد بها باطل". فآيات القرآن استعملت على نص الالفاظ بعد اقتطاعها من السياق القرآني الذي وردت فيه في نزاعات سياسية إبّان الفتنة الكبرى. ولما كان رؤوس المساهمين في هذه الفتنة هم كبار الصحابة المُبَشرين بالجنة فقد احجم المسلمون عن ابداء الراي فيها حتى لا يتورطوا في تخطئة جانب وتصويب جانب آخر. وقد اسفرت الفتنة عن أمر عظيم هو تفسير آيات القرآن وفقا لعموم الالفاظ لا على أساس التنزيل. وبدلا من تصحيح هذا الفهم الخاطئ الذي يؤدي إلى عواقب وخيمة أولها تحريف الاسلام تماما، فقد حدث تنظير وتقعيد لهذا الامر. وصارت القاعدة في علم أصول الفقه ان ايات القران ُتفسّر على عموم الالفاظ وليس خصوص التنزيل، دون ان ينتبهوا في ذلك الى ما يحدثه هذا من تناقض في تفسير ايات القران وفي اتهام النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الاية: "يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك". فتفسير هذه الاية على عموم الالفاظ يعني ان النبي كان يحرم ويحلل بناء على رغبات ازواجه وليس صدوعا لامر الله. اما تفسيرها وفقا لاسباب التنزيل فهو يعني الواقعة التي تآمرت فيها زوجات النبي عليه فجعلوه يحرم على نفسه اكل المغافير وهو ضرب من عسل النحل.



    * وكيف استمر المسلمون على هذا الخطأ طوال اربعة عشر قرنا؟

    ** الواقع ان المسلمين كانوا خائفين من السلطة التي ليس لديها إلا السيف والنطع، ومن ادرك منهم هذا الخطأ لم يكن ليعلنه. ولقد درستُ في كلية الحقوق وفي علم اصول الفقه ان تفسير القرآن يكون على عموم الالفاظ، لكني وجدت تناقضا شديدا وتعارضا اشد عندما قرأت القرآن وفقا لهذه القاعدة. ومن ثم فقد توصلت بنفسي إلى قلب هذه القاعدة فجعلت العبرة في تفسير آيات القرأن هي باسباب التنزيل لا بعموم الالفاظ.

    ولو وافقني العلماء على هذه القاعدة لكانت اكبر واعظم تثوير يحدث في تاريخ الاسلام.


    * وهل غير هذا من رؤيتك للاسلام؟

    ** انا مسلم مستنير يوقن بوجود الله بصورة غير مادية وتختلف عما يعتقد فيه العامّة. ويمكن ادراجي ضمن من تقول فيهم الآية: "وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون". فكل ما يتنازع عليه العامة امثال في امثال، اما الحقيقة فلا يعرفها إلا العالمون ولعلّي واحدا منهم.



    * بوصفك عالما تكتب في الاسلاميات، فهل لك برنامج في ذلك أم أنك تتبع العفوية فيما تقول وتفعل؟

    ** لا أنا ليس عفويا في أي شيء وكل ما افعله واقوله منظّم وممنهج. ومنهاجي في الاسلام المستنير الذي ابشر به ويمكن ايجازه في نقاط ثلاث:

    1- التفرقة بين الشريعة والفقه. فالشريعة هي ما ُانزل من الله، والفقه هو ما صدر عن الناس، ولا يجوز خلط هذا بذاك كما يفعل الاخوان المسلمين وغيرهم، وإلا نكون قد جعلنا مما يصدر عن الناس عملا إلهيا نزل من الله.



    2- تفسير آيات القرآن وفقا لاسباب التنزيل وليس على عموم الالفاظ. وهو امر سلف شرحه تفصيلا (وقد كان ذلك في هذا الجزء من المقابلة، وأبتدأناه في كتاب أصول الشريعة الذي صدر سنة 1979).



    3- الفصل بين السياسة والدين وليس كما يدعى المدعون الفصل بين الدولة والدين. ويعني ما اهدف اليه انه يمتنع على كل من السلطة والمعارضة اضفاء طابع ديني على اعمالها. فكل عمل سياسي أو إدراي يصدر عن السلطة أو يخرج من المعارضة هو عمل بشري غير مقدس ولا معصوم. والخلط في ذلك أدى إلى تأخر المسلمين كثيرا وسوف يؤدي إلى تأخرهم أكثر فأكثر.



                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de