|
ثقافة قتل الأطفال
|
تبدو الجهود المضنية التي بذلها آلاف المثقفين والمتعلمين في السودان طيلة عقود، قليلة المردود في ما يتعلق بمكافحة بعض العادات الاجتماعية المدمرة وفي مقدمتها ختان الإناث! خسرت الزهرة البريئة (إنعام) حياتها ثمنا لإصرار بعضنا إلى درجة الحمق، بالتقيد حرفيا بما تمليه الجدات، وما يلزم به المجتمع، المرأة السودانية في عمر (الرابعة)! أفهم جيداً، أن تنصاع الأمهات الشابات، بل والآباء الشباب، لتدخلات (كبار السن) في الأسرة، بل إن ذلك جزء أصيل في منظومة قيمنا.. ولكن!! هذه الـ(لكن) هي مربط الفرس، فما من مجتمع يسير مغمض العينين في دروب الجهل، في الألفية الثالثة. نحن مجتمع نرمي وراء ظهرنا كل ما تعلمناه في المدارس، وكل ما تسلحنا به من وعي، من أجل ألا نكسر خاطر (الكبار)، والضحية غالبا: (الصغار)!! أية معادلة هذه، التي تقوم على ذبح قرابين آدمية طاهرة على عتبات (مذبح) كبار السن وعاداتهم؟ نعم.. هذه هي ثقافة أجيال عدة، نتوارثها جميعاً، كابراً عن كابر، ونذعن لهذا السلطان المجتمعي (المخيف)! تصطدم الجهود المبذولة من قبل الجمعيات والأطباء والمنظمات، بعقيدة صارمة لدى بعض (كبارنا) خصوصا في أوساط النساء، مفادها سؤال مدوٍّ ينزل كالصاعقة على رؤوس الآباء والأمهات ليرغمهم على هزها علامة الموافقة. السؤال ببساطة: هل تريد لابنتك أن تكون (غلفاء)؟ ... و(غلفاء) هذه تلخص أزمة ثقافية شديدة التعقيد، تجعل من الشرف (موضعاً) يمكن حراسته، بل والاحتراز منه باكرا!! طبعا هذا لإرواء (الغرور الذكوري) بأن شرف إناث العائلة الذي هو (ذخرهن) و(تاج رؤوسهن) بات مصونا!! هو تواطؤ يمارسه مجتمع بكامله، الجدات، والأمهات، والآباء، والقابلات! من نحاكم ؟! وكيف ننتصر لـ(إنعام) ؟ هي ضحية من؟ الإجابة: ضحية ثقافتنا!! كم من الأزواج في السودان، محرومون من الاستمتاع بزوجاتهم؟ وكم من الزوجات كذلك محرومات من الاستمتاع بأزواجهنّ؟ ألا نحتاج لإحصاءات دقيقة لكي يتضح حجم الكارثة؟ هذا متصل بمجمل حياتنا، لأن (الجنس) جزء أصيل في الحياة. أين دور (رجال الدين)، أم أن غالبيتهم يكرسون لهذه الجهالات من منطلق اجتماعي محض، ولا يغامرون بـ(سمعتهم) في سبيل إنقاذ أرواح ضحايا بريئات؟ وأين دور التشريعات القانونية الصارمة التي يمكن أن تقضي على (حفلات الذبح) المتفشية في المجتمع؟ نامي بسلام إنعام، فكلنا شارك في قتلك!!
زاويتي الصحافية الأخيرة في مجلة (أوراق جديدة) - السودان
|
|
 
|
|
|
|