السياسة السودانية من محطة الاسبتالية حتى جبانة أحمد شرفى...!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 06:15 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-11-2006, 05:56 PM

حسين خوجلي / صحيفة الوان


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السياسة السودانية من محطة الاسبتالية حتى جبانة أحمد شرفى...!!

    في أواخر الثمانينات ..... أرسل لى إعلامى و دبلوماسى سودانى بدولة غربية مبلغ الف دولار , وكانت يومها مبلغا مقدرا لارسله لاعلامى شهير عمل معه فى صباه باحد اجهزة الإعلام السودانية ... كان الدبلوماسى إسلاميا ملتزما , ولكن على إعتدال وثقة واريحية ... وقد امدته تجربته الثرة فى الاعلام و مرضه المقيم حبا إستثنائياً فى وداد الاخرين واحتمالهم .
    وكان صديقه المريض يساريا واضح الرؤية , بيد أن العمر المرض و جراح الممارسة فى العمل الحزبى و الأبناء وواقعية المجتمع السودانى تلك الواقعية الغليظة , جعلته يدس فى حذر أراءه فى الفلسفة و الناس و التعبير , فاصبحت ماركسيته أقرب الى التصوف منها الى الجدليات المادية الباردة .
    دلفت للمستشفى الحزين ما بعد صلاة المغرب فوجدت الجميع يتأهبون لرحلة المساء و الليل الشاتى يعده بكثير من الخوف و الحذر و التوقعات الصادقة ...الجميع يقررون عمليا و يسحبون فى استحياء فى ما حدثتهم به انفسهم من تصرفات حتى يبلغوا الصباح ... المرض و المرافقون و المرافقات والممرضات المنهكات و عمال النظافة الكسالى و القطط و بعض الطيور الغبراء التى أرتضت المناخ الافريقيى الزاهـد .
    رائحة بقايا الطعام والفضلات و الديتول و انفاس الزائرين , تعطيك الاحساس بان اعظم دعوات حبوباتنا و أبلغلها دعوتهن القٌائلة ( نسأل الله ا أن يأخذنا من القوةالى الهوة ) .
    أى من الصحة وكمال العقل و الجسد الى القبر و لان المرض الكبير يرهق حامله ويرهق الاحباب , ويضطرك الى مثل هذه الغرف و العنابر الى و القرارات الطبية المستعجلة و وغالبا غير ذات الفائدة .
    وأنا أسأل من غرفة الرجل دلونى أولاً على غرفة احد شعرائنا الكبار , وقد أستفحل فيه داء السكرى اللعين و بلغ سويداء العظام .
    دخلت عليه فسلم على بصوت ضعيف ولكنه رغم الداء و الإعداء عميق { و مشخصن } فسرقنى فى لحيظات الى منبره واداءه الرفيع و هو يقرأ قصائده الجديدة بساحة مهعد المعلمين العالى ... أحد الملتقيات التى كانت تستقطب أطفال ام درمان القديمة وهم يتقافزون صوبه حين يرعد بليلة سياسية أو يضج بليلة شعرية او يهمس بأغنيات شاردة , وكانت أشهرها الى مسافرة ومقطعها الحزين :
    يا حليلو قال ناوى السفر
    وا غربة النيل و القمر
    وا غربة الطير فى الشجر
    وتنداح الى عليائها الاليف الحزين حتى تمضى الى منتهاها الشجى ...
    اهديك عيونى
    عشان أستريح
    الدينا بعدك ما بتسر
    ودارت دورة الايام , ومضى عثمان خالد الشاعر الذى اتى من حيث ندرى و لا ندرى , وذهب فى هدوء حاملا معه اغلى أشعاره التى لم يكتبها بعد فى الحبيب المستحيل و الوطن المستحيل .
    قال الشاعر فى صوت مهيب لقد أتخذت قرارى يا حسين , فحدث الاخوة و الاصدقاء و الأحباب و التلاميذ , باننى قد قررت بعد ليلة طويلة من الجد مع الذات , أن اتخلص من قدمى التى اكلها السكرى و ربما عن الثانية , فالروح و العقل باقيان , والجسد كما تدرى حطاما نتخفف منه جزئيا أو كليا فى يوم ما !! .
    قالها بكلمات مفعمة بالقدرية و الصوفية و التسليم و بكى بعدها بكاءاً مراً وأستشهد بالشعر الذى كان يجيد إلقاءه و صناعته :
    وأنى حبست النفس بعد أبن أِشرف
    وقد لج من ماء العيون لجوج
    ليفرح صب أو ليستاء حاسد
    وللشر بعد النازلات خروج
    فقلت له مواسيا : ولكن أوقع منها قوله تعالى يا أستاذ ( حتى إذا أستياس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) .
    فأبتسم بعد الاية أبتسامة أضاءت الغرفة المعتمة , ورد على بصوت خاشع :
    (( أنه لايياس من روح الله الا القوم الكافرون )) .
    ودعته و قبض على يدى طويلا , و كانت فى يده رعشه مثل رعشة الروح حين تكاد تصنع القريض .
    دخلت على الاعلامى و مقدم برامج المنوعات الشهير , وقد أكله السكرى اللعين بل ألتهمه ألتهاما , فلم أعرفه الا بأعينه التى يشع منها بريق التشبث بالحياة وكان جرح قدميه قد تقرح وأصابه الصديد الذى تمنع على الطبيب المداويا و علقم الدواء و مدية الجراح.
    وسلمت و جلست غير مضطر , وقد ملأت الغرفة و بصورة خانقة رائحة الجرح ( المنوسر ) و الزوجة تحاول جاهدة أن تطرده بالبخور السودانى المعتق , وقد كفكفت دمعة طفرت فجأة , لان العطر ذكرنى حالة الرجل عريساً وحالته كسيحا .
    دسست فى يديه الواهنات المبلغ المرسل و الخطاب و وقلت له أنه فلان و وحين ذكرت الاسم أصابته حالة غربية هى مزيج بين الرضاء و القلق و الخوف , ولكنه تمالك نفسه و نادى على زوجته وأمرنى أن أفض الخطاب وأقرأه .
    كان الخطاب قطعة أدبية مفعمة بالحياة و الذكريات وتعبر عن الانسان السودانى حين كان حاضرا وسعيدا , و تطرقا للمفيد و الجديد .. ومن عباراته التى لاأنساها :
    (( هل تذكر يا فلان حين كان مكتبنا خلية نحل من الشباب المتطلعين الى خلق اعلام جديد وشاشة جديدة ... هل تذكر خلافانتا الفكرية التى كانت تثرى التساؤلات المشروعة أكثر مما تعمق الاختلاف .
    وقد كنا نحب بعضا و لا أجد مفردة أكثر دلالة على هذا الحب الذى كان يتعاطاه جيلنا بفهم و ثقة ... و الله أيام يا فلان .. هذه ألف دولار أقصى ما أملكه , أغلى ما فيها أنها من مريض الى مريض رغم تباعد القارات ... علها تعين على تكاليف الكرامة و السلامة ما بعد النقاهة , وانت يا فلان رغم ماركسيتك الفلسفية , كنت أقربنا الى المعدمين و المحرومين و الفقراء , وكانت لك روح كبيرة فى أحتمال الناس .. أنت يا فلان مؤمن كبير , بل كنت أقربنا الى الله .
    ... بكى الاعلامى بعد الخطاب بكاءاً مراً و قالها لى وهى شهادة للتاريخ (( هذا الفتى كان أشجعنا , اكثرنا ثقافة و نجومية , أكثرنا أبتلاء )) ودعه يا حسين إن لم نلتق .
    سلم الالف دولار لزوجته و قال لها : (( الان يا فلانه أنجلت عقدة تكلفة العزاء )) .
    صدمتنى العبارة و قبل أن أمتشقها أو أرد عليها قال لى بصراحة :
    أنا يا حسين قد أتخذت قرارى , فقد رفضت قرار الاطباء و لن أستأصل قطعة واحدة من جسدى صغرت أو كبرت و فبتر الاعضاء هو بتر للروح ... و انا لن أبتر روحى بارادتى )) .
    ولكنى حاولت أن استعمل منطق جاره الشاعر .. و لكنه أسكتنى بصراحة ... خرجت من المستشفى و حتى المنزل ظللت غارقا فى غربة هذه الدنيا و احتمالها العجيب للأعراس و المأتم , وهى ترفل عابثة و غير عابئة .
    فى نشرة السادسة صباحا سمعت المذيع وهو ينعى للوسط الاعلامى رحيل الرجل بصوت حزين .
    وقد ذهبت لدفنه مع الكثيرين , والجميع كانوا يتحدثون بمشاعر صامتة ويدمعون كأنما كانوا يودعون أنفسهم لاحقا .
    وفى وقفة المقبرة أخبرنى أحد الشعراء أن الشاعر الكبير قد بترت قدميه فى ذات اللحظات التى كان ( التمرجية ) يلفون على عجل جسد الاعلامى لاخراجه بعد أستخراج شهادة الوفاة ... و صار أسمه اللامع فجأة (( الجثمان )) .
    كان رحيل الاعلامى قراراً , وكانت جراحة الشاعر قرارا بمرافعة مغايرة , وكان قرار الرحيل ووقفة المقبرة قرارا أكبر من كل المرافعات ومن كل الأحكام .
    تذكرت الحكاية حين ذكرت السودان البارحة بكل أشكالاته و تعقيداته و أمراضه المزمنة , وهو يرقد فى أسبتالية الشعوب , و الاطباء من الوطنيين والأ فارقة و الفرنجة يشحذون سكاكين الجراحة أو القتل الرحيم لافرق... ولكن للاسف لم يسأله أحد عن قراره فى العلاقة ما بين بتر الاطراف و الروح , لانه فى حالة تخدير تام منذ أن قبلنا شحنة الاغاثة الأولى , و فتوى الحلال و الحرام من لورانس العرب و الأافارقة و الأخرين .


    حسين خوجلي / رئيس تحرير صحيفة الوان السودانية


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de