|
|
 البهلوان
|
البهلوان
إن العالم و الطبيب الروسي الذي ابتكر العملية الجراحية للعيون و التي بموجبها استغنى مستخدمو النظارات الطبية عن نظاراتهم، ابتكرها انطلاقا من حكاية صينية. تقول تلك الحكاية، أن صينيا كان مصاباً بضعف النظر الشديد أصابه حادث تسبب في جرح إحدى عينيه. العجيب في الأمر، إن ذلك الحادث – بعكس ما هو متوقع – أعاد لذلك الصيني نظره و بصره كاملاً في تلك العين. و بعد الدراسة اتضح أن ذلك كان ممكناً، و إنه بعملية جراحية بسيطة لعدسة العين لتغيير البعد البؤري للعدسة، فإنه يمكن استعادة النظر أو البصر إلى و ضعه الطبيعي لمن يعانون من ضعف النظر.
أوردت تلك المقدمة لما سمعته و لما يردده الكثيرون من مناصري حزب المؤتمر الحاكم في السودان، و من الذين لا يطيقون شيخ الترابي، حول ارتجاج عقل الشيخ و فقدانه لبوصلته السياسية بعد اعتداء هاشم بدر الدين عليه في احد مطارات كندا. الذين ينساقون وراء هذا الافتراض يقرون ضمنياً أن عقل الشيخ قبل تلك الحادثة كان سوياً و كان ثاقباً، و أن تلك الحادثة أفرزت مضاعفات أفقدت الشيخ صوابه و أصبح بعدها يسير بغير هدى. إن كان هذا الافتراض صحيحاً، و إن الشيخ فعلاً تغير للأسوأ، لكانت المصيبة على السودان أكبر. إن عقل الشيخ – في الأساس قد وصل آخر مراحل السؤ، للدرجة التي لا يمكن أن يتغير فيها بسبب حادثة هاشم بدر الدين، إلاّ للأحسن كما صار للصيني ضعيف النظر.
أنظروا و تبصروا أقوال و أفعال الشيخ بعد اعتداء هاشم بدر الدين و قبل و بعد إقصائه من الحزب الحاكم:-
• الترابي طالب بفصل منصب رئيس الوزراء عن رئيس الجمهورية.
• الترابي طالب أن يكون رئيس الوزراء مسئولا أمام البرلمان.
• الترابي طالب بأن تختار كل ولاية واليها بالانتخاب الحر المباشر.
• الترابي قال إن انقلاب البشير تم بخدعة و كذبة كبرى على الشعب السوداني عندما ذهب هو للسجن حبيسا و البشير للقصر رئيسا.
• الترابي قال إن من قتلوا في محرقة الجنوب ليسوا بشهداء.
• الترابي قال إن محاولة اغتيال حسني مبارك كانت بمشاركة سودانية (و هذه المعلومة صحيحة و نشرت قبل عامين بتفاصيل أكثر دقة و أكثر خطرا).
• الترابي قال أنهم مسئولون عن الفظائع و الانتهاكات التي طالت الشعب السوداني من 30 يونيو 1989 و حتى 12/12/1999 لحظة خروجه من الحزب الحاكم.
• الترابي اعتذر للشعب السوداني في بيان رسمي عن دورهم في تنفيذ انقلاب البشير.
• الترابي لمح (تلميح فقط) إلى أن بعض ممن يحتفي بهم كشهداء كانوا قتلى.
• أشارت صحيفة آخر لحظة الالكترونية – و هي صحيفة إخوان الترابي – في احد أعدادها، أن استشهاد الزبير كان مسرحية (مسرحية استشهاد الزبير).
أشارت صحيفة آخر لحظة – و هي صحيفة أخوان الترابي – بان جزءاً من عائدات البترول يذهب إلى حسابات شخصية.
كل ما ذكره الترابي أعلاه و ما ذكره مؤيدوه، هو بالضبط ما تراه و ترتضيه غالبية الشعب السوداني، و هو ما تعتقد غالبية السودانيين بأنه الأمر الصحيح. و هو كشف عن فظائع و انتهاكات الإنقاذ التي اشترطت بعض أحزاب المعارضة كشفها كي تتعامل حزب المؤتمر الشعبي. إن مثل هذا التفكير عند الشيخ حسن – هو تفكير مغاير تماماً لعقلية 30 يونيو 1989، و هو باختصار، السير في الاتجاه المعاكس للمنهج الذي أتى بانقلاب البشير. و لأول مرة يحس المرء بان الشيخ – حسب أقواله و تصريحاته - بدأ يتلمس الطريق الصحيح والكثيرون الآن يسيرون في نفس هذا الخط و هذا الاتجاه الذي رسمته بوصلة الترابي السياسية. كل الفرق إن الذين يسيرون في هذا الطريق، قد بدأوا المسير من قبله في هذا الاتجاه. قد يقول لي قائل لم لا نضع يدنا مع يده لتحقيق تلك الأهداف طالما إننا متفقون في التوجه؟ و لكني أجيب بان الكذب، و الكذب وحده هو ما يجعلني أرى انه من الحكمة الابتعاد عن ذلك. تقول العرب إن كذبة المنبر بلقاء، و يقول نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بما معناه، إن المسلم قد يكون حتى زانياً، و لكن لا يمكن أن يكون كذاباً. إن كذبة الثلاثين من يونيو عام 1989 و التي أدخلت الترابي السجن حبيساً للتمويه، كانت كذبة بلقاء و قد تدفع ثمنها ارض المليون ميل مربع، و ذلك عندما تصبح أرضا مملوكة على الشيوع.
لقد عاش الترابي كل عمره يدير أموره بالدسائس و يحيك مؤامراته بالخفاء و بميكافيلية يحسدها عليه ميكافيلي نفسه. كان الترابي – و أنا أجزم بأنه ما يزال – يؤمن بان السياسة بالنسبة له، هي فن خداع الآخرين و هي الفهلوة و الضحك على مناوئيه. لقد برع الترابي في هذا المجال و قد نجح بهذه الطريقة في الوصول إلى أهدافه الشريرة مباشرة بأقصر الطرق و دون التواءات و بطريقة لا تقدر عليها حتى المصاعد الكهربائية. باختصار، انه رجل كرس كل حياته من شبابه إلى مشيبه لينسج أفعاله في الخفاء و بعيداً حتى عن حواريه.
و لكن - و بكل أسف - ، و عندما فاق الترابي لنفسه و اختار الطريق الصحيح، وجد نفسه يسير في طريق جديد لم يعتاد و لم يتدرب على السير فيه، لهذا خانته الخبرة في هذا المجال النبيل، فتعثرت خطاه و التفت ساقه اليسرى باليمنى فغلبه المسير. و للناس كل الحق أن ينظروا إلى ما قاله الترابي لقناة العربية الجمعة الماضية، على انه حديث، لا يخرج من دائرة المكايدات السياسية.
إن اقصر الطرق، غالباً ما يكون باطلها، و طريق الحق، دائماً طويل و وعر. فإذا لم يعتاد الترابي على السير في طريق الحق في شبابه، فكيف يمكنه السير فيه بعد ما تقدمت به السن؟
يقول السودانيون في أمثالهم العامية، إن الطبع (بتشديد الطاء مع كسرها و كسر الباء) جبل، و تقول العرب، إن من شب على شئ شاب عليه، و يقول زهير بن أبي سلمى، إن سفاه الشيخ لا حلم بعده، أما أنا فأقول، إن الشمبانزي مهما تقدمت به السن لن ينسى بهلوانيته .
عبدا لله محمد أحمد
الدمام
|
|
 
|
|
|
|
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست