رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 05:00 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-01-2018, 08:31 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر

    08:31 PM September, 01 2018

    سودانيز اون لاين
    Kabar-كـــندا
    مكتبتى
    رابط مختصر


    رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر


    امثولة عن انسراب الروح بعيدا..


    اهداء مؤقت


    الى تشومكا سماسيكو من زامبيا
    الى ملايكة جونسون من الكنغو الديموقراطي
    الى الجبال في ديار النوبة


    كبر

    ________________________________

    ا*لشواهق: هي الأبنية العالية / الأبراج(ناطحات السحاب)..وفي مدينة كالقري تسمى
    High-rise Buildings
    بدأت هذه الرواية سنة 2010 ولم تكتمل بعد..




















                  

09-01-2018, 08:33 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    نواح الشواهق
    رواية
    محمد النور كـبــّر


    اٍغتــــــيال

    1

    لن تقوم للحكاوي التالية ، قيامة اٍن لم يكن مبتدأها بحكاية اٍغتيالي و تصفيتي الجسدية لصديقي محمد النور كبر.. هي واقعة ، طالما تكتمت عليها كثيرا و طويلا ..خبأتها من عيون القدر الفضول ، من عيون الخيبة التي غدت اكثر ملاحة من نشيد الدم ، و اغاني الحياة الكاذبة ، تلك التي طالما اغرت و تغري الكثيرين و الكثيرات لترديدها و الرقص على اشلاء انغامها الباهتة..!!
    المحزن في أمر التكتم ذاك ، خلافا لطبيعة الجرائم العادية التي تخلق وسواسا أبديا سرمديا في روح مرتكبيها ، فتلك الواقعة لم تكن تشغلني كثيرا ، و لم أفكر فيها باستمرار.. بل أحيانا أستجدي ذاكرتي أن تعيدها عليّ و تجود بتفاصيلها المملة اللزجة التي تستطيب التخفي تحت ركام أغبرة النسيان..تحت ركام اغبرة الحياة المتكاثفة..!!
    قلت له: كيف الحياة في بلدة لا تعطي انسانها سوى معاني الهروب المتناسلة؟كيف الحياة في بلدة تسجنك في معانيها الكذوبة، القديمة ، السافلة؟.. كلما تهرب من معني ، يطل عليك معنى اخر ليجبرك على الهروب؟.. الفقر ، القهر ، و سحق الإنسان لإخيه الإنسان؟.. اهدار الإنسان لكرامة اخيه الإنسان؟..
    كان يبتسم ، و يقول لي بصوفية غريبة و عجيبة: الروح ، الإنسان روح ، و الروح لا تنكسر ، و انما ينكسر الجسد الفاني ، الجسد الذي يتألم ولا يرغب في ان ينظر الى الأمام..ذاك هو الذي ينكسر و يضيع..و تضيع معه فرصة صناعة القيمة..صناعة معنى البقاء الخالد..!!
    يشيح ببصره نحو الأفق الداكن ، يضئ الأفق.. ترقص الأشجار و هي تحكي الوشم على جذوعها الفارهة..الجبال تغدو ترنيمة يرددها عزيف الرياح.. تتكاثف السحب .. تهطل الأمطار..الأفق يخضر و يخضر..نركض في صلوات الكهوف البعيدة..صلوات التوحد الغامضة المنسية.. نركض في التعاريج المرسومة بدقة على صفحات صخور الجبال.. تقف تحت اشعة الشمس.. تقف خالدة..تشرق بالمعنى تلو المعنى.. تشرق بالإشارة تلو الإشارة.. تشرق بالعلامة تلو العلامة..فيتحسس هو الخطوط.. يتحسس الملامح الموشومة على الصخر..نركض نحو الكهوف..نتدحرج في قيعانها الوضيئة.. فتكون الرسوم..تكون الرسوم اوضح ما يكون..خيول.. معارك قديمة لا ندري متى حدثت.. ملامح فرسان تبدو واضحة للغاية.. ملامح ابنية تحدث عن فكرة العمران البشرى في نطفته الأولى.. ويقول لي..اقرأ صلوات الكهوف.. تأملها..!
    الأشجار في حضرته تغدو غير الأشجار التي نعرفها .. تغدو خرائط لعوالم غريبة الملامح..تغدو شواهد الأزمنة السحيقة الغابرة..تقاوم و تقاوم.. ولا تسقط..تحيط التلال الصغيرة..التي تعبت من طريق الحياة فتفتت احجار صغيرة..احجار ذوات اشكال هندسية منضبطة للغاية.. بعضها ثلاثي الأبعاد.. بعضها رباعي الأبعاد.. بعضها خماسى الأبعاد.. تتناثر هناك بعيدا بعيدا..تتناثر و هي تشذب الوانها اللامعة باشعة الشمس و تكون..!.. يضحك و يقول لي: كانت البلاد ارض الحديد.. ارض الزمرد الأخضر.. ارض المعادن.. ارض الكنوز الغامضة..و ازوم انا و اقول له: هذي هي اساطير الأولين..دعنا لنكون ابناء اللحظة.. ابناء اليوم.. ابناء دهرنا الغارق في الإستهلاك..!
    يقودني نحو كهف ( امة الثعابين)..ندخل و هالة الخشوع تكلل رؤوسنا ، كأنما تيجان تتكون من سحاب ابيض رقيق الحال..اخاف انا.. ارتعب.. ارتجف..و قدماي تغوص في رمال نقية باردة..رمال تشفط عطش الروح و تبلل العروق في جسدي..الثعابين كثيرة..كبيرة..احجامها تختلف.. تصغر..تكبر.. الوانها عديدة..تتمايل كأنها تؤدي انشودة سلام وطني من نوع خاص..و يبتسم هو و يقول لي: لا تخف..امضى.. اخطو رفقا ولا تطأ اجساد الثعابين..امضى الى النهاية..!
    في نهاية الكهف.. بعد مسيرة استمرت ساعات و كنت اظنها اياما بلياليها..رايت اكوام من الجواهر..اكوام من اشياء لا معة تضئ..شهقت و انا اقول: هذى كنوز..!
    يقول: نعم هي كنوز..دعها تبقى هنا.. مثلما تركها ممن سبقك..!
    اقول: هذى احزان..!
    فيقول: و الأحزان كنوز..!
    ثم نخرج.. نمضى في تعاريج الحياة اللحظة.. الحياة اليوم..!!.. نمضى في تعاريج المرارة..تعاريج الخوف.. تعاريج القهر..!


    كبر
                  

09-01-2018, 08:35 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)



    2

    قلت له: كيف الحياة في بلدة لا تعطي انسانها سوى معاني الهروب المتناسلة؟كيف الحياة في بلدة تسجنك في معانيها الكذوبة، القديمة ، السافلة؟.. كلما تهرب من معني ، يطل عليك معنى اخر ليجبرك على الهروب؟.. الفقر ، القهر ، و سحق الإنسان لإخيه الإنسان؟.. اهدار الإنسان لكرامة اخيه الإنسان؟..
    كان يبتسم ، و يقول لي بصوفية غريبة و عجيبة: الروح ، الإنسان روح ، و الروح لا تنكسر ، و انما ينكسر الجسد الفاني ، الجسد الذي يتألم ولا يرغب في ان ينظر الى الأمام..ذاك هو الذي ينكسر و يضيع..و تضيع معه فرصة صناعة القيمة..صناعة معنى البقاء الخالد..!!
    كانت الدنيا ، وقتها شتاء ، الريح تعزف..و تسكب عويلها ، و الجوعان اقرب من يحس بالبرد و يعرف قيمة البرد.. البلدة ، البلدة صغيرة لا تنام ولا تعرف كيف تحفظ الأسرار .. شوارعها تنشد ما شهدته في الليلة الماضية.. بيوتها الصغيرة تشهق باحزان الليلة الماضية ، فتغدو هي كتاب مفتوح يقرأه الماشي و الغاشي..و كانت تتداول الحكايات... تريفيرا ، المصارع المشهور في تلك النواحي ، قبضت عليه سطوة العسس ذات خيبة عجيبة.. فاصبح مثل طائر صغير في ايادي الأطفال.. قال له الجلاد: هذه ليلة شتاء باردة ، هل تحس بالجوع؟.. قال: يكذب الإنسان لو قال انه لا يحس بالجوع في ليل الشتاء البارد القاحل..؟.. قال الجلاد : سوف نكرمك بالعشاء الفاخر ، و افخر ما نقدم هو اللحم المشوي..!!
    و كانت نار الجمر الموقدة ، منقد كبير يصلح لوليمة عشرين ضيف و نيف.. ثم السكاكين اللامعة ، تلك التي تلمع حتى في ليل الشتاء القاحل..ثم اخذت فرقة الجلاد تقتطع من جسد تريفيرا.. بدأت بالفخذ ، لأنه اكثر الأجزاء اختزانا للشحم في جسد الإنسان.. قطعة ، كان بهارها قهر الإنسان لأخيه الإنسان ، ظلم الإنسان لأخيه الإنسان ، دم المصارع تريفيرا النازف بحرقة في صمت ذاك الشتاء القاحل.. ثم اخذ الدخان يولول و يتراقص فوق سموات البؤس القصيرة المدى.. دخان تصاعد من قطعة لحم تريفيرا..دخانا ملأ ليل شتاء البلدة البارد عبق يغري عواء الجوعى.. دخان.. ملأ ليل الشتاء البارد ، بصورة ازعجت عشاق البلدة ، اولئك الذاهبون في حواري الوادي الكبير وادي خور ابوحبل ، و دروبه التي تنضح حياة مدهشة.. فتراقصت ألأشجار حزنا ، و غطت وجه القمر سحابة لئيمة ، تمارس فقه المؤامرة ، حتى لا يشهد القمر مثل ذاك الفعل الإنساني المخزي..ثم صاح الجلاد ، و هو ينظر الى اللحم البشري المشوي: كل يا تريفيرا..!! كل يا تريفيرا.. ألم تقل أنه كاذب من لم يشعر بالجوع في ليل الشتاء البارد؟..
    تناثرت قطع اللحم المقتطعة من جسد تريفيرا.. تناثرت في نار المنقد الكبير ، ذاك الذي يكفي لوليمة عشرين و نيف ، و الجلاد ..الجلاد.. طائفة تمد اياديها الرطبة بعرق الخوف و اللعنة، اياديها الباردة .. تحميها من ليل الشتاء البارد في تلك البلدة الغريبة.. تتدفأ بنار المنقد المتوهجة.. تتدفأ بالجمر المتوهج..ولا يشغلها كثيرا دخان اللحم البشري المتصاعد بقوة..!!!
    قلت له: هكذا هي تعاريج الحياة النتنة..أن يجبر ألإنسان أن يأكل من جسده ، بصورة حرفية ، خصوصا في ليل الشتاء البارد القاحل في البلدة؟..
    كان هو يبتسم.. و يقول لي: هذا هو ضعف النفس.. هذه هي علامات الإنهيار المادي و السقوط في وحل الضعف.. و لو كان الإنسان يقف على مثل هذي الإنهيارات لما كانت هناك بشرية تتناسل و تحيا الحياة بصمود لا يتصوره العقل البشري؟..و لما كانت هناك تقاسيم صلوات الكهوف التي تقرأها انت ، ثم تهز اكتافك و تمضى بلا مبالاة..!!
    يومها ، لعنته، لعنتُ أهله .. لعنتُ الجوعى..لعنتُ الغرباء.. لعنتُ الوعي الجاهر فيه ، ثم ذهبت ابحث عن غيبوبة ، عرضها السموات و الأرض في قنينة عرق ، تصنعها امرأة لا تفقد اواصر القربى الوشيجة مع تريفيرا..اشرب الكاس المعبأ من وحل السقوط العكر ، المعبأ من وحل السـُكر الحنين ، و تقبض هي مال قليل تقيم به اود اطفال جوعي ، اطفال يتقلبون ، يتضورون.. في ليل الشتاء البارد.. فتكون المعادلة..!!
    اخذني في رحلة الى حوافي البلدة ، رايت الدماء التي لم يستطع الزمان محو اثارها.. دماء اشبه بدماء خراف الأضاحي.. حزينة ..وحيدة ، يقتلها الشهيق الباهت قبل أن تقتلها سكين الجلاد.. و هو يحدثني بصمود غريب.. هذا دم الغريبة ، فتاة يقال انها من نواحي بربر في اقصى الشمال.. قبضها العسس ..قبضها الجلاد .. لأنها درست الصيدلة ، و جاءت الى البلدة لتبتاع قليل من الأدوية.. ابتدع لها الجلاد فرية التعامل مع التمرد ، و لأنها فشلت في اثبات لمن تشتري كل هذى الأدوية ، لأنها في لحظة الرعب خانتها الذاكرة و لم تستطع تعداد المرضي معيتها ، الفقرا اولاد الحرام ، الجوعى اولاد الكلب ، و لأنها ليست من تلك النواحي ولا ملامحها من تلك النواحي ..ولا لون بشرتها القمحي يساكن لون بشرة اهل الدار من الخضرة الدقاقة.. فلقد ايقن الجلاد انها تدعم التمرد ، مثلها مثل تريفيرا ، المصارع الشهير..اما تلك القبور..تلك القبور.. فهي لإناس.. لا تعرفهم..ولا يرغب الجلاد أن تعرفهم انت تحديدا.. يدسها من الأعين..و هو يظن أن الأعين هي اعين اهل البلدة فقط ، اولئك ، الذين لا يتجاوز عددهم بضعة الآف.. و ما درى أن العيون في العالم.. العيون في العالم هي بلايين و بلايين..و سوف تدرك الحقيقة.. حقيقة قبور المقتولين و المقتولات ظلما ..و حقيقة فعل الجلاد ، الفعل الذي يشبه فعل نعامة ، يقتلها الخوف من العدو ، فتدفن رأسها في الرمال ، تدفن راسها في قهر بني وطنها ، و هي تظن انها، طالما هي لا ترى عيون العدو ، فان العدو لا يراها..!!.. فتضيع من قلة الحيلة و البصيرة..!!
    انظر ذلك و اقول له: فلتذهب الى الجحيم.. انت و اليقين الذي تريد أن تسوقه بضاعة رخيصة في وجهي ، ووجه اليقظين من اهل البلاد..!!!
    اسبه في نهاري ، و في ليلي ، في ليلي.انا الحزين ، المغبون الحانق ، اعاود ، في زيارة سرية ، مثل تلك القبور..و انظر حولي..ولا ارى ضجيج العالم.. لا ارى عالما ينفعل و يحزن ، و يهيل الرماد على راسه ، يسكب الدموع التي ، لو جمعت ، لأيقظت قيمة الجريان في انهر لا نراها البتة.. انهر جفت و ماتت من قهر النسيان..لا ارى عالم ينفعل بالإبادة العرقية السرية ..وجرائم الحرب .. و الجرائم ضد الإنسانية..لا اري عالم ينفعل بحالة أن يجبر الإنسان اخيه الإنسان ان يغتات من لحمه المشوي في ليل الشتاء القاحل البارد..!!
    رأيته ، و عيون السجناء ، في تلك البلاد اللعينة.. مدارج خيبة الإنكسار في فعل السجن.. تنتظر قديس الخلاص الذي يوزع عليها خبز الصمود..قلت.. هؤلاء يعذبون.. يسجنون.. يقتلون..و البلاد.. البلاد غافلة..!!!. البلاد تغني غناء الغيبوبة .. تخلق طربها المزيف الخاص..!!
    قال لي: سيأتي زمان الصحو..فلا تنزعج..!!
    ثم كنت اتجول و خطاي تعفر دروب البلدات الصغيرة ... خطاي تعفر دروب المدائن ، حتى كدت أن اقول.. اني قد رأيت البلاد كلها..رأيت اشجارها و هي ترقص بالإشارات العصية.. رأيت جبالها حزينة تحتقب الإشارات و العلامات و الرموز التي تحدث عن معاني حميمة.. رأيت صلوات الكهوف و هي تضحك على قلة حيلتنا في التأمل..!!
    هكذا رأيتها..البلاد التي تفتعل مليون مبرر لتطرد انسانها ، لتطرد ابنها الخطيئة التي ارتكبتها في لحظة ضعف ما ، البلاد التي ينضج فيها قيح الغبن ، فيغدو سحاب يبلل جبين الكثيرين و الكثيرات..البلاد التي لم تعرف سوى ان توفر اسباب الهروب لإنسانها..البلاد التي ، بطوع ارادتها المعتبرة شرعا و قانونا تقتطع جزءا من لحمها ، كما اجبر العسس ذات ليلة أن يقتطع المصارع تريفيرا جزءا من لحم فخذه ليكون وجبة عشاءه في ليلة الشتاء الباردة ، البلاد التي تقطع جزء من لحمها ، ليكون وجبة عشاءها ، في ليلة الشتاء الباردة...البلاد اللاهية التي لا ترغب في تأمل صلوات الكهوف المكتوبة بخطوط واضحة..!!
    قلت له: استأذن لي الرب كي انفخ الصــُور؟..فنحن نريد قيامة مستعجلة.. نريدها نقل سريع ( دلفري)..اليوم قبل الغد..!!
    تبسم هو بلا مبالاة..و قال: و لمه القيامة؟..
    قلت: رأيت البلاد.. فالأرجل المرفوعة بشهوة فعل الجنس ، اكثر من الأكف المرفوعة ضراعة للرب لكي يشملنا بنظرة الرعاية و الرحمة..!!!
    قال لي ، و الإنزعاج ـ باديا في قسمات وجهه الباهتة المحايدة: اهذا كلما رأيت؟..الجنس فعل الحياة ، و الإنسان يفعل الجنس و هو يخاف المحو..!!
    قلت: ما اراه ليس هو فعل من اجل استمرار الحياة.. !!.. ما اراه هو بحر التيه المتلاطم الأمواج.. هو فعل من اجل تعويض الهزائم الكبرى.. فالإنسان هنا ، في هذي البلاد ، مهزوم..و يرى انتصاره الخاص في فعل الجنس..!!!
    ضحك...و قال لي ..هذه ليست هي الحياة.. هذه ليست هي معاني الحياة..!!
    قتلني صمته ، الذي ، في احيانا كثيرة ، احسب انه صمت التواطؤ و الخنوع..!!!
    من اب شرا ان شاء الله راجل مرا.. بلغ بنا القبح... أن يصيح فينا المغني .. راجل المرأ .. حلو حلا..!!

    قبلها...!!..قبلها..!!

    كنا ، أنا و هو ، نتقاسم غمزات البنات الجميلات ، لفتات الجيد المليحة .. انسراب الخصلات عن جحيم الأحجبة و قوانين القمع السائبة.. نتقاسم القراءة السرية لصلوات الكهوف المنسية و تعاريجها الوضيئة..!
    عشنا ، في زمن البلاد الغريبة ، زمن ، عشعشت فيها اللحية الحرام ، فغدت عسس يراقب الناس في الطرقات.. عسس يراقب الناس في الخفقات.. عسس يراقب الناس و هي تخلو لتناجي الرب.. فتخرج عليك جحافل النظام العام ، و هي تحدثك بانك لم تحسن التأدب في معية الرب..!!!
    عسس يقف بيننا و بين الرسوم ، التعاريج ، الإشارات.. يقف بيننا و بين صلوات الكهوف..!
    تسربنا ، انا و هو ، ذات خيبة ، في هتاف ينادي بسقوط العسس.. ينادي بسقوط الرب في ذات نفسه ، طالما اطلق فينا بعض من عباده ، اولئك الذين يسوموننا ويلات العذاب الأكبر... يقتلوننا لأننا تسكعنا في الشوارع البهية في ذات مزحة.. يقتلوننا لأننا قلنا بشبهة الدم الأفريقي فينا ..!! يقتلوننا ، لأننا ، اخذتنا غفوة التعب فلم نصحو في الوقت المناسب لنبايع السلطان/ الشيطان الرجيم ، سلطانهم الذي جاؤا به ، على راس دبابة لئيمة في ذات ليلة ، ليلة ، ارتفعت فيها ألأرجل بفعل الجنس قبل ألأكف ضراعة للرب ، من خلف الزقاقات البهية..!!.. يقتلوننا .. لأننا لم نحسن استخدام النيفيا و الفير اند لفلي.. و فشلنا في ان نفتح لون البشرة فينا حتى يتساوق مع اكاذيبهم و اوهامهم المدهشة..!!

    تجلت مشاعر سعيد حينما كتبت تقول له " النبيُّ كبّر" .. تجلت في فقه الإحتمالات المتعبة ، الذي لم يكن يفرق بين اهل البلاد قاطبة ، من جاء من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب ، فهو انسان.. انسان ابن حرام عادي ، يرغب في أن يكون في هذه الحياة الدنية.. انسان يشيل الفاتحة في الموتى بلا فرز، يرقص في ملمات العرس و الختان ، يعطي الخمسة جنيهات في كشف المجاملة ، يستر جثث الموتى الغرباء ، يأوي عابري السبيل بكرم فياض ، يحمي الأرامل، يحمي عروض البنات في الحي ، ولا يدرك معنى اللون و القسمات و اللغات الهجين، والفواصل الهلامية المصطنعة ، ولا يرغب ان يدرك.. انسان يرقص في الكرنق ، و انغام بوق الوازا العملاق ، و الربة و المردوم ، يرقص في ايقاعات السيف ، وريتم النحاسات الغريبة المنسية ، و نوبة الذكر و طارها و شتمها الذي يسكب المناحات المتضرعة للرب نغما حنونا شارد ، ويرقص حتى ، في ايقاعات راجل المرا حلو حلا..!!!..
    انسان ، من وهم ، يقرأ اسطر القسمات في تلك البلاد الملعونة ، يقرأ صلوات الكهوف الغامضة العصية ، ريفية من بحر القلزم ، بحر احمر ، تحلم بان سواكن هي مدينة سيدنا سليمان ، تلك التي حبس فيها صواعق الجن طرا ، وان جبل التاكا هو جبل موسى ، ذاك الذي كلم فيه الرب عبد من عباده الطيبين ، ونوبية تستصحب مثولوجيا الجد الذي ابتدع الإهرامات فمات حزينا لا يذكره احد ، جد اسمه ادريس علم الإنسان علم الحرف ، و اخرى من بقايا العبدلاب و هي تحلف بدين ابوها أن الأحلاف ليست رجسا من عمل الشيطان ، ثم بقارية عطوية ، تدخر المعنى ، و الغيب ، و اشياء اخرى... وكلتومة ،كلتومة ، حزينة الحزاني ، تظن أن جبل مرة ، رعت فيه ناقة نبي الله صالح.. لا ثمود..ولا عاد..ولا من يقوم مقامهم..!!

    حسنا ، يا ايها الحزاني ، ويا ايتها الحزينات اللاتي هن مغشوشات ذات حب ما، فمن كان منكم/منكن يهتم بامر نبوءته ، فلقد مات و شبع موتا، أما العادي منه فهو دونكم/دونكن..!
    نتقاسم الإبتسامة الباهتة ، و التي قالت عنها تهاني هاشم ، يوما ما ، أنها ابتسامة ميتة تماما ، و ذاك كان أكثر ما يغيظها و يجعلها تشد خصلاتها حنقا أن تكون الإبتسامة ميتة الظل..نتقاسم البهاء في خلق التصالح مع اشكال التضاد.. التضاد الذي نخلقه بانفسنا.. ثم ننسى أن نقرأ صلوات الكهوف الغامضة.. ننسى الإشارات.. ننسى العلامات التي تقف بصمود و هي تقاوم عواصف الزمن السرمدية..!
    سحبته من يده اليمنى ، وقلت له فلنركض نحو الأفق ، نركض نحو الجبل ، نركض نحو النيل ، نركض نحو الصحراء ، نركض نحو الغابة.. كانت الملامح باهتة ، غارقة في دوامات الدم العاتية ، غارقة في ظلمات الظلم القامع. حينما اقتربنا من النيل ، قلت فلنسبح حتى نقتل الظمأ الحارق في المسام اللعينة.. موجات النيل كانت تتلو اورادها الأزليه ، ثم دمدم الأفق بالغبار، دمدم بالرياح الصاخبة ، دفعته ، اغرقته حتى نفدت فيه الروح..وقلت ، اخاطبه وهو جثة هامدة بين يدي: ستكون المياه قبرك ، ستخرج يوما ما معنى من معاني الحياة.. ستخرج يوما ما رمز مثل رموز صلوات الكهوف التي اعيتنا ..!!
    خرجت من النيل ، ركضت نحو الصحراء ، صحراء العطش الروحي الباهرة..ركضت..ركضت..!
    قتلته بيديّ ، تبّت يداي و تب..
    قتلته لأن نظرته كانت تثقب السماء لتفج غيوم الغيب و الكون العريض لتحفر حفرة عظيمة حتى تنبت فيها شمس تغطي قبة السماء أو الفضاء الماوراء..و الما أمام..
    أما انا ، فكنت أثقب الأرض بنظرتي ، لتحفر حفرة تنبت فيها عشبة تقيني شر الجوع و البرد و التشرد السرمدي..انسى رموز صلوات الكهوف البعيدة..!
    قلت له : فلنكن أولاد الأرض ، لأن السماء لا تنجب الأشقياء البؤساء.. أو هكذا خبرونا..


    كبر
                  

09-01-2018, 08:37 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    سفر الخروج الثاني

    3

    حينما سكنتُ عيون مُنى ، كنت اعرف اني اهديها شفق دامي ، هو عنوان لغروب بائس ، غروب ينذر بالظلمة والعطش الروحي الفاقع. كانت تهديني تسكع الدروب المسروق ، تنبت زهرة امل في كل خطوة مسروقة نخطوها ، وثوبها الهفهاف اللادن يعرف كيف ان يختلق النسمة ليهتز وتهتز معه الروح..كانت الدروب تضئ بنظرات عيونها الجميلة ، فترسم لنا المخارج والمداخل ، والأهم ، تعرف كيف تمحو اثار خطانا حتى لا يتعقبها العسس ..!
    قلت لها: اريد أن اهرب ، اريد ان اخفي تعاستي عن قلب هذى البلاد..!
    ضحكت وقالت: ولماذا تظن انك وحدك شقاء هذى البلاد؟..كن مثل بقية العباد ، تأكل وتشرب وتخرأ وتتناسل ، ثم تموت..!
    قلت: اريد أن اهرب..!!
    صمتت هي لحظة ، ثم باغتتني وباغتت ذاك المساء الحزين: مثلك فيه ظل الملائكة ، حتى لو هربت الى ابعد مسافة ممكنة ، ستظل لعنة البلاد جرح يطاردك الى الأبد.. ستظل معك تعيسة حزينة وغيومها تتقيأ الدم الأحمر..!!
    وقفت امامها تماما ، وجهي حذاء وجهها ، انفاسي الصاخبة تجوب فيافي وجهها الوضئ ، كانما هي رياح اللعنة القصية..هممت أن اقبلها ، وضعت ، هي ، سبابتها على شفتي المضمومة وهما.. ثم قالت: نحن في شهر رمضان ، نحن في طريق عام ، نحن عرضة لعيون السابلة.. صحيح انت متمرد ضد الله و الأخلاق والسلطة..وهذا باع لا مقدرة لي عليه..ان لم تكن تحترم كائن ، فاحترم ضعفي وخوفي..!!
    توجهت نحو اقرب حائط واخذت اركله ، اركله حتى تألمت قدمي ..!
    قلت: اريد أن اهرب..!
    اخذت الخطى تسوقنا ، الى بداية المربوع الذي تسكن فيه منى ، ثم ودعتني..وهي تشاغبني: اعرف انك سوف تهرب ، لكن ارجوك أن تمنحنى اخر لحظة لك قبل الخروج..!
    وعدت ادراجي ، تلفحني سياط اشعة الشمس حتى وانا في منتصف الليل.. ارسم مُنى بمليون ملمح ، اعصفها قبلا ، اتدحرج فوق اردافها العتية ، واصلي اوراد النسيان في فيافي وجهها الصبوح..وأسال نفسي: لماذا انا؟..لماذا مثلي ، من ابناء الأرض ، من يسكن عيون مــُنى؟..
    قتلتني الطرقات ، وانا ابحث عن خارطة الخروج.. خارطة الهروب.. كل الدروب اوصدت بمتانة..!!
    في ظل اليأس العارم ، داهمني شبح صديقي الذي قتلته بيدي ، تبت يداي وتب..وكان يبتسم ابتسامته الشاحبة . فقال لي: ستخرج..ولكنك ستحزن كثيرا.. ستنسى خطوط صلوات الكهوف المرسومة بعناية فائقة..!!
    صحت بصوت عالي ، وانا اقول له: فيلكن الخروج اولا ، ودع لي احتمال الحزن الكثير..!!



    كبر
                  

09-01-2018, 09:53 PM

امتثال عبدالله

تاريخ التسجيل: 05-15-2017
مجموع المشاركات: 7424

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    اكمل..فنحن لا نشبع ابدا من الادب الرفيع المستوى والرواية التي تجعلنا نقرا السطر الاول ونتلهف لنعرف ماذا في السطر الاخير ،،،
    ومع فائق تقديرنا واحترامنا وامتناننا لتخرجنا من بوستات الاحباط والياس التي تفقع المرارة لنتجول في بوست الادب الراقي ،،،
                  

09-02-2018, 00:04 AM

munswor almophtah
<amunswor almophtah
تاريخ التسجيل: 12-02-2004
مجموع المشاركات: 19368

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: امتثال عبدالله)

    أيحق للبراغيثِ أن تأكل من يكتب مثل ذلك الزخم المعرفى!!
                  

09-02-2018, 02:57 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: munswor almophtah)


    الأصدقاء..
    امتثال..
    منصور..

    حبابكم.. وعبركم حباب كل من يتابع هذه الرواية..

    كبر
                  

09-02-2018, 02:59 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)






    4
    في الفجر المالح خرجت ، وجبيني يتصبب عرقا حتى في السادسة صباحا..العيون في الطرقات تشتكي التعب والضنك ، عذابات هي حال البلاد..الفقر ، القهر ، الحنق ، القمع..و ايادي السلطة الممدودة ، لم ارى في حياتي سلطة شحاذة مثل سلطة بلادنا ، تتقاسم اللقمة مع مواطنيها ، واحيانا تصير غولا جبارا يختطف اللقمة من افواه الجوعي..والعربات تركض.. تحمل الناس من بيوتهم الى لا مكان.. يصحون ، يخرجون ، ثم يعودون.. يشكون الحال في ذهابهم ، يشكون الحال في مآبهم ، يشكون الحال حتى في كوابيسهم واحلامهم.. !!
    في المكتب ، كانت زميلاتي ، مشارق ، صواهد ، وعائشة .. يتقاسمن نميمة الصباح ، كانما هي فطائر شهية..ضحكت صواهد حينما رأتني ، و قامت تترجرج في اكفالها الباتعة ، اكفال ما صرف في بناءها يكفي لإعالة عشرات الفقراء.. حيتني وهي تقول: يا لبهاء الصبح ، سمرتك تذكرني بحب غابر..!
    قلت: غريبة يا صواهد ، كل قصص الحب عندك غابرة.. سوف اعلمك كيف تصنعين شركا يقبض لك ولو واحد..!
    انتبهت حواسها ، وصدقت ما اقول ، وكنت في غرارة نفسي اراها في بؤس و يأس يجعلها تصدق كل ما يمكن أن يجمعها بطائر حائر تضعه في قفصها..!
    قالت: تعبت يا حماد ، تعبت كثيرا..كلهم يأتون ، ثم يهربون.. لا ينتظرون..و العمر يجري..!
    قلت: ربما انت من يجعلهم يفرون..حينما يبدو الإلحاح في قسمات وجهك .. سيعرفون انك جائعة تبحث عن وجبة تسد بها الرمق..!
    قالت غاضبة: وماذا افعل..!
    تدخلت مشارق قائلة: خففي الخطو قليلا.. لا تندفعي.. عسى و لعل..!
    ابتسمت عائشة وهي تسألني: ما هي اخر تطورات الخروج الثاني..؟..
    قلت: لا ادري ، و كل الذي ادري هي هذه الرغبة اللعينة في ان اخرج..اريد أن اهرب يا عائشة..!
    وقتها قدم رئيسنا في العمل ، عجوز تجاوز السبعين ، و يمارس التصابي كأنما فاته قطار اللعب في ايام طفولته القديمة..و قال: يا صباح الورد..!
    ردت الزميلات بصوت واحد: يا صباح الفل و الياسمين..!!
    انتابتني ضحكة داخلية عارمة: يا لصباح البؤس و النفاق.. هل في هذه البلاد فل و ياسمين أو حتى ورد..!!
    تدارسنا بعض الواجبات في جدول العمل ، و كان دوري ان اتابع بعض القضايا في محكمة الخرطوم الجزئية..!
    خرجت احتقب الحقائب و الأوراق ، و كانت معي زميلتي مشارق.. ولأن المسافة قريبة ، فلقد كنا نسير على الأقدام..!
    ضحكت مشارق ، ضحكة صافية للغاية و قالت: لماذا انت حزين هكذا ، يا حماد؟..
    قلت: و هل هناك سبب واحد للفرح في هذى البلاد؟..
    قالت: هناك مليون سبب للفرح يا صديقي ، فقط انت لا تريد أن تراها..!
    قلت: اذكري لي سبب واحد؟..
    نظرت حولها ، و ركزت عيونها في شحاذ اعمي يجلس في الناصية ..وقالت: على الأقل انت تملك نعمة البصر و الصحة و القدرة على الحركة.. انت تمتلك الإرادة على الفعل الذي ترغب.. انت افضل من كثيرين غيرك..!
    قلت هازئا: هذا الشحاذ افضل مني و منك ، على الأقل يعرف ماذا يريد و كيف يحقق ما يريد..هو كائن منسي في الطرقات ، لا يخاف السلطة ، و السلطة لا تخافه.. لا يأبه بشلالات الدم التي تعم البلاد انهارا.. لا يأبه بالقمع و القهر..!!
    قاطعتني: حتى اقدار الحياة تريد أن تسيسها؟..
    قلت: لا تسيس ولا يحزنون..و انما اسئلة عادية.. لماذا لا اشعر بالسعادة في البلاد التي انجبتني و انجبت ابي و انجبت جدي.. لماذا اشعر فيها بالغربة..!
    وقتها ، اقتربنا من مبني المحكمة الجزئية .. فقالت بصورة جادة: ماذا تريد بالضبط؟..
    قلت: ان اهرب.. ان اخرج..!
    مطت شفتيها استهزاءا..وقالت: ما اسهل الخروج.. كلكم تبكون عليه.. كلكم تتهربون من الواقع نحوه.. ولكن السؤال الأهم: ماذا سيضيف لكم الهروب؟..
    قلت ، بصورة جادة : على الأقل سيمنحنى قدرة أن اختار قهري..!

    ;كبر
                  

09-02-2018, 03:01 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    5

    كانت القاضية انوار ، قاضية المحكمة المدنية من الدرجة الأولى ، متجهمة مثلي ، تبث حنق العنوسة على كل وجه يقابلها .. حالها اصبح ظاهرا للغاية..تفتعل المشاجرات مع صغار المحاميين و المحاميات .. تبث لعناتها بسبب أو بدون سبب..وهذا الصباح بدت غاضبة كشمس تموز الحارقة .. تحرق من ينظر اليها و تحرق من لا ينظر اليها..قالت بعبوس تحسد عليه: الروول يا سادة..!
    وكنا نجلس واجمين ، في قاعة المحكمة الضيقة الكالحة ، ننتظر تصريف امورنا على يد هذه الإلهة الصغيرة الغاضبة، نختنق بغبار السنين الذي سكن المقاعد الخشبية العتيقة ، و يزيد الإختناق سوء الإضاءة في قاعة تلك المحكمة التي تفرجت كثيرا على الوقائع التي تحكيها ألسنة الزمان..
    لحسن الحظ ، كان مكتبنا في اول الروول..وقفت امامها ، و انا احاول ان اصنع بسمة كذوبة تشي عن الرضاء بتقبل اقدار هذه الآلهة الصغيرة الغاضبة التي تصرفها بمزاج معوج..وللغرابة تهللت اساريرها ، و هي تقرظ مكتبنا و مخدمنا ، العجوز المتصابي ، و تمتدح العلم الذي ياتي من بين مذكراتنا القانونية التي نقدمها للمحاكم..!
    ضحك احد الزملاء و همس بخبث: حتى و لو كان طلب صغير لتأجيل جلسة؟.. حقا الحب اعمى..!
    قضيت اموري ، و خرجت ابحث عن زميلتي مشارق في غرفة المحاميين و المحاميات.. طلبت فنجان قهوة ، و انا اتصفح صحف اليوم..!
    بعد انتظار فاق الساعة تماما ، جاءت مشارق و في معيتها فتاة اخرى.. نحيلة ، سمراء ..وبقايا نمش على وجهها الذي اجتهدت فيه كثيرا..و قالت مشارق: هذه رضوى صديقتي..!
    سلمت عليها ، و انا العن الصباح الذي اتى بها..قالت مشارق: رضوى تحتاج بعض المساعدة..!
    قلت: وهل انا في وضع من يقدم مساعدة؟..
    زمت مشارق شفتيها استهزاءا ، و قالت: افهم اولا ثم قل بردودك البائسة..!
    ضحكت رضوى ، و قالت بعفوية: لماذا انت حزين هكذا؟..
    كدت أن اسبها و اسب الرب و اسب الحياة كلها ، و لكني كظمت غيظي ..وقلت: هي حرارة الطقس يا رضوى..!
    خرجنا ثلاثتنا..وكانت سيارة الهوندا السفيك الزرقاء في انتظارنا..عزمتنا رضوى لتناول الغداء في معيتها.. و اخذت تجوب بنا شوارع الخرطوم ، حتى بعدنا كثيرا عن مركز الضوضاء الأغبر.. طرقات لم اكن ادرى بانها في الخرطوم .. شوارع صغيرة بهية.. انيقة.. هادئة..وعلى قبالة النيل الأزرق.. توقفنا امام مطعم مــُناة الجميل.. و نزلنا..!
    طيلة الرحلة الصغيرة ، كانت رضوى صامتة ، و مشارق تثرثر و تثرثر..تتحدث في كل الأشياء و هي لا تخفى بهجتها بهكذا منعمة..!
    قالت رضوى ، و هي توزع علينا صحائف المانيو الملونة: اختاروا..!
    ضحكتُ غصبا عني و قلت لها: انا لا اعرف ان اختار ، لأن كل خيارات الأكل في حياتي.. كانت عبارة عن خيار واحد.. هو ما يجود به القدر..!
    زامت قليلا و قالت: انت ليس فقط حزين ، و انما متشاءم..!
    قلت ، و انا اتصنع بسمة المجاملة: فليكن ، وسوف أمنحك شرف الإختيار لي..!
    تهللت اساريرها ، و قالت: سوف اطلب لك جمبري..!
    حاولت في سري ان اجمع كل معلومة اعرفها في حياتي عن الجمبري ، و لم اجد شيئا في ذاكرتي عن الجمبري..لم يسعفني خيالي المسكون بتعاريج صلوات الكهوف و الغابة و الأشجار و المطر و الرعود الصاخبة بالتعرف على الجمبري.. و قلت لرضوى ، مستفسرا: هل هو خضار؟..
    ضحكت و قالت: هو من مأكولات البحر..!
    جاملتها بضحكة ، و قلت لها: الآن ، لست حزين و متشاءم ، و انما جاهل بثقافة الطعام..!
    تناولنا و جبتنا ، و انتحت بي مشارق و هي تقول: رضوي تحتاج مساعدة في كتابة بحث الماجستير ، و سوف تساعدك بالسفر الى الأمارات العربية المتحدة..!
    وجمت لحظة ، و قلت لها: انا لا ثمن لي يا مشارق..ولا اقدم مساعدات بمقابل.. انا لست في حال اليأس التي تعاني منها صواهد.. انا اقوى من هذى الأوهام..!
    كنت غاضبا بحق و حقيقة..و رأيت الذعر في عيون مشارق.. لأنها لم تكن تتوقع مثل هذا الرد.. و قالت بصورة يائسة: كنت اظن اني اقدم لك خدمة..!
    قلت: و ساقدم لك خدمة يا مشارق ، سوف اساعدها ، و لكن فتلعلمي انت و لتعلم هي اني لا اساعد بمقابل..!!
    صمتنا برهة ، و عدنا الى رضوى..وقالت مشارق باقتضاب: حماد سوف يقوم بمساعدتك يا رضوى..و سوف اترككما لوحدكما .. اشرحي له ما تريدين بالضبط..
    استأذنت مشارق في الذهاب..!
    جلست رضوي قبالتي ، و هي تنداح ملامح يكسوها الفرح للغاية.. و بعد برهة صمت قصيرة قالت باسمة: هل حدثتك مشارق عن موضوعي..؟!
    قلت بلهجة محايدة: ماذا تريدين بالضبط؟..
    ثبتت عيونها في وجهي ، حتى ظننت انها تريد ان تثقب وجهي بنظرتها الماكرة ، النظرة التي تمتد و كأنها تقرأ من كتاب سري ، و تعيد ترتيل نصوصه بتؤدة و ثقة و خشوع..
    قالت: اعرف انه امر قاسي ، و لكني اريد مساعدة في كتابة بحثي لرسالة الماجستير..!
    قلت: ما هو موضوع البحث؟..
    كست ملامحها تقاسيم زهو عابر ، مصمصت شفتيها بصورة تنم عن التشفى و الظفر ، لحظة و شعرتُ كأني طائر صغير، خانه الجناح و هو يركض في طريق الهجرة ، يقف امامه وحش جائع وواثق من الظفر ، طائر نسى تعاليم صلوات الكهوف الغامضة و تعاريج خطوطها الواضحة في صخور الجبال.. سخرت من نفسي في داخلي و انا احدث نفسي: ها انت الذي كنت تسعى لتعلم صواهد طريقة تصطاد بها طائر تضعه في قفصها ، ها انت ، الآن ، طائر صغير تصاد بسهولة لا يصدقها العقل..!
    رضوى تستشير نصوص كتابها السري ، و تتحدث بجرأة عجيبة..!
    قالت: قبل ان احدثك عن موضوع البحث ، اريد أن اسمع عن شروطك ، و صدقني سنتفق..!
    قلت: لا شروط لي..!
    تجهمت هي ، قليلا ، و قالت: كيف لا شروط لك؟.. حدد لي المبلغ الذي تريده؟..
    هكذا هي نصوص الكتاب السري ، مفاوضات تأتي من اللامكان..و اتفاقات يظن الجميع ان من السهل عقدها ، يا لهذا الكتاب السري اللعين..!
    قلت بغضب: انا لا ثمن لي يا رضوى ، ولا اطلب منك شئ..!
    قالت بيأس: عرفت انك تريد الخروج من البلد ، سوف اساعدك في هذا الأمر ، و سوف امنحك مبلغ خمسة مليون جنيه..!
    وقفت ، و انا اقول لها بغضب عارم: لا ثمن لي.. و حديثك لا يعجبني مطلقا ، ليس كل شئ بالنقود..سوف اذهب الى المكتب و انت تعرفين كيف تجدينني..!
    قالت ، متوسلة: ارجوك لا تحرجني امام رواد المطعم ، اسمح لي ان اقوم بتوصيلك..لماذا انت صعب هكذا؟..
    قلت: هل عشتي في الريف؟..
    قالت : لأ ، و ما علاقة هذا بموضوعنا؟
    قلت: الريف قيم ، قيم تختلف عن قيم المدينة ، في الريف نفعل الحسنة ولا نرجو ثمنا لها.. في الريف ليست لنا نصوص سرية لعينة يجب على الكافة حفظها على ظهر القلب و ترتيلها بصورة الية.. في المدينة الأمر مختلف.. كتابكم السري نصوصه محفوظة .. ترتل في الطرقات.. ترتل في الغرف المخملية .. البعض يفعل الحسنة بمقابل ، وحتى و لو كنت اليوم اعيش بالمدينة ، فانا ريفي عادي..!
    مطت شفتيها استغرابا و دهشة و قالت: امرك عجيب..!
    قلت: ماذا تريدين بالضبط؟.. كل الذي اريده منك الآن ان نتفق على موعد اللقاء الثاني ..متى و اين و كيف؟..
    قالت: اسرتي متزمتة ولا تسمح لي باصطحاب الأولاد..ولا اريد ان اذهب معك الى الجامعة التي ادرس فيها.. اين تسكن؟..
    قهقهت ضاحكا و قلت لها: اسكن في امبدة ، الحارة الرابعة عشر.. و منظرك و منظر هذه السيارة الفارهة هو امر لا تحتمله حارتنا و عيون سكانها الغارقة في الفضول الأزلي..!
    قالت: اذن نحتاج ان نلتقي في مكان اخر.. مارايك في مكان اختاره انا؟..
    قلت : فليكن.. الآن اريد ان اعود الى المكتب..!
    قالت : سوف اقوم بتوصيلك..!
    في الطريق.. بدت رضوى كائن اخر ، كائن حزين مثلي.. يسكنها اليأس .. و الأسئلة الغريبة المتشابكة.. فهي من اسرة معروفة في المدينة.. اسرة لها تراتبيتها الإجتماعية المعترف بها في نظام التراتب الإجتماعي في المدينة..تحفظ نصوص الكتاب السري.. ترددها بألية..لكنها كانت تعاني غصة ما.. تعاني حزن ما.. تعاني خوف ما..!
    قلت: يبدو أن الأمر ليس هو فقط كتابة البحث؟..
    قالت: اوعدك ، سيكون هو البحث فقط..ما تبقى لا شأن لك به..!
    لأول مرة احس بالفرح في حياتي ، و قلت لها بنية صافية للغاية ، كأنما اقرا تعاريج خطوط صلوات الكهوف في الجبال البعيدة: لا يهمني امر البحث ، و لكن يهمني ما تبقى..!
    داست على كابح السيارة في منتصف الطريق ، و التفتت نحوي ، غير ابهة بزعيق السيارات خلفها و قالت: هل انت صادق فيما تقول؟
    قلت: صادق للغاية ، و ما انا الإ فقير بن ستين فقير.. لا املك في الحياة ما اخشى ضياعه..!
    دمعت عينيها و هي تقول: انت نبي..!!
    اشحت ببصري نحو النيل ، و انا ارى شبح صديقي الذي قتلته بيدي ، تبت يداي و تب..و قلت في سري: ها انا الآن نبي مثلك يا كبر..!!



    كبر
                  

09-02-2018, 06:25 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    6

    كانت الحارة ، كعهدها ، تغرق في الظلام..اخذت اجر خطواتي ، بعد أن نزلت من الحافلة في المحطة القديمة.. حتى الخيال بات باهتا ، لا افراح اتخيلها ، لا امالا انتظرها ، فقط هاجس الهروب ، وحده ذاك الهاجس كان يعمر فيافي الذاكرة..!
    مررت بحبابة ، بائعة العشاء..و سلمت عليها ، وانا اتجاوزها نحو منزلي.. قالت لي: اين انت يا حماد ،ا ناس كثر سألوا عنك؟..
    قلت: حقا ، من هم؟..
    تبسمت حبابة بخبث ، و قالت: منى مرت علي ثلاث مرات.. لأنها طرقت باب منزلك و قالوا لها انك لم تأتي بعد؟..
    قلت: ساذهب اليها..!
    دخلت منزلي ، و انا اجرجر جيش الخيبة العرمرم .. اخذت حماما سريعا و خرجت..!
    منى ، لم تكن تنتظر حتى ذهابي اليها ، قابلتها في منتصف الطريق..وضيئة لم تعرف بعد نصوص الكتاب السري اللعين.. لم تعرف بعض احابيل التفاوض و المقايضة و تحديد الأثمان.. شهقت شهقة محببة و قالت لي: اصبحت اندر من الكبريت الأحمر يا اخي.. اين كنت؟.. لماذا تأخرت هكذا؟..
    قلت: تأخرت في المكتب..!
    قالت بخبث: هل انت متأكد؟..
    قلت: نعم متأكد..!
    ثم غصنا في طرقات الحارة الصغيرة ، غصنا في دروبها المظلمة ، و عيون مــُنى مصابيح تهدينا الطريق..ذهبنا الى حافة البحيرة.. و جلسنا نفترش الأرض..كانت هي قد جاءت ببعض الحلويات الصغيرة..وقالت: اريد أن افرح بك ..!
    قلت: فرح بلا سـُكر ، هو ليس بفرح يا مــُنى..!
    قالت: ماذا تريد ان تشرب؟..
    قلت: ويسكي..!
    ضحكت و قالت: قل لي بريك أي حرام لم تفعله بعد في حياتك؟..
    قلت بصورة جادة: لم اجرب الغلمان بعد..!!
    و شعرت بالغضب غيوم سوداء تبلل وجهها الصبوح ، وجهها الذي يضئ مبددا جيوش ظلام المساء في الحارات البعيدة ، وقالت: لماذا؟..
    قلت: انا اهزر معك يا منى ، ولا طيب اطيب من المرأة.. !
    قالت: هذا توحش منك ، !
    قلت: فقط اريد ان اغيظك..!
    قالت: انت تغيظني في اليوم مليون مرة..و لكن ليس بهكذا طريقة ..!
    تبدت السماء بحيرة كبيرة ، تغوص النجيمات فيها ، تشرق في البعد .. تتبارق و تضئ بقوة..!
    شعرت بمنى تلتصق بي بشدة ، و قلت لها: نحن في الطريق العام يا منى ، و عيون السابلة لا حد يحد فضولها القذر..!
    ضحكت و قالت: امرنا عجيب.. مرة انا الصاحية و انت الغارق في غيبوبة الشهوة.. و مرة انت الصاحي ، و انا الغارقة في غيبوبة الشهوة.. يا ترى الى متى سيمتد هذا الخوف؟..
    قلت: البلاد التي تجلد انسانها من اجل قبلة بريئة.. لا حد لظلمها..!
    قالت: لازلت انت يا ئس حزين..؟!
    ضحكت غصبا عني و قلت لها: لا شئ غير الحزن و اليأس هنا..!!
    قالت: انا لا اخاف شئ..!
    وقتها شعرت بالرغبة في عينيها ، اتقدت كموقد كبير ، موقد يكفي لوليمة عشرين و نيف.. اشتعلت بصورة مجنونة..و انا اتلفت حولي..اتلصص عيون السابلة..!
    لمحت في الأفق شبح قادم نحونا.. ابتعدت قليلا عن جسد منى الملتهب.. عطور سدت علينا الأفق.. عطور صارخة للغاية..و هالة ضوء تستدير بصورة غامضة ..و كانت امرأة تمشي بتؤودة.. حينما عبرتنا.. عادت و هي تقول: سلام يا شباب..!
    توقفت المرأة ، و عطورها تسد الأفق.. عطور هي باب الشهوة النارية العارمة..شهوة تقف عند المسافة الفاصلة بين الرب و الشيطان ، و كل منهما يتحفز للنيل من الآخر.. مسافة لم يتعرف الوجود بعد على طبيعة كنهها.. و قالت لي: اريد أن احدثك..!
    قلت:الآن؟
    قالت: نعم الآن.. لا تخف.. لن اقضمك..!
    وقفت امامها ، و قالت لي: فلنقصر الحديث.. عجبتني شجاعتك في هذا الزمن الأغبر ، تجلس مع فتاتك رغم انف عيون السابلة ، رغم عيون العسس الفضولية..رغم عيون صناديق عسس بسط الأمن الشامل.. اعرف اللحظة..فهل تقبل مني هدية صغيرة؟..
    قلت: لا احتاج هدية الآن..!
    قالت: فلتعرف الهدية اولا ثم ارفضها يا اخي..!
    قلت: ماهي؟
    قالت: بيتي قريب من هنا.. سوف افتحه لك و لفتاتك.. عندي كل الأمان و السلامة..عجبتني شجاعتك..واعرف انك ترغب الكثير الكثير..و مثل هذى اللحظة هي بهاء لا حد له..!
    الجمتني الدهشة ، و قلت لها: شكرا على الهدية ، و لكنها يجب ان تعود ..لا ادرى ماذا سيقول اهلها لو تأخرت..!
    قالت المرأة الغريبة: من تجلس معك هكذا ، تعرف ماذا تريد..و تعرف كيف تسترق الوقت لتقضى ما تريد..فلا تهتم بذلك..!
    عدت لمنى ، و حدثتها بامر المرأة الغريبة..ضحكت هي بصوت رأيته عاليا و صادقا رغم ظلام الأشياء.. و قالت: انا لا اخاف شئ.. هل أنت خائف.؟.!!
    وكنا نجر خطواتنا خلف المرأة الغريبة..كانت صادقة فيما تقول..بيتها انيق.. هادئ.. و آمن للغاية..عبرنا بحديقة تضئ ازهارها في تلك الظلمة العجيبة.. ادخلتنا غرفة مرتبة..غرفة يسكنها عبق بخور متين ، بخور يسكرك و يأخذك الى مجرات الكون التي لم يكتشفها غرور الإنسان بعد.. بها سرير وضئ..!
    جلبت لنا ، شراب..زجاجة كتب عليها بوضوح جاهر: هنسي..!
    وقالت: احب الكونياك كثيرا.. و يذكرني بافراح غابرة..!
    ثم خرجت ، بعد ان احكمت رتاج الباب..!
    فاجأتني منى و هي تتعرى.. تخلع ثوبها ، تخلع فستانها.. و لم تتبقى الإ علاقة صدرها تستر نهودها المشرئبة لعنة و شهوة..!
    صفرتُ طويلا.. و قلتُ لها بابتسامة غامضة لحوحة: الى هذا الحد انت عطشى..!
    صفعتني على وجهي بقوة ، و هي تقول: اياك أن تساءل امرأة عن وضوحها..!
    وكنت انا من يحسب الثواني ، و كانت منى هي من يزجر خوفي..!
    في الثانية صباحا ، خرجنا ، كانت المرأة الغريبة تجلس وحيدة في الساحة..هالة الضياء الغامضة تحوط بها..ترفرف مع هفهفات النسيم المخاتل ، تؤانس زهرات حديقتها المضيئة..امامها زجاجة كونياك كبيرة..و كأس وحيدة..!
    قلت: شكرا على هذه اللحظة.. نستأذنك الذهاب..
    لم تبدو هي مخمورة..و كانت في لحظة صفاء باهرة و قالت لي: سوف اذهب معكما..!
    استغربت من طلبها العجيب ، و قالت: انت لا تفهم في الأشياء.. ساذهب معها ، حتى تدخل بيت اهلها بسلام..!
    خرجنا ثلاثتنا..تحدثنا كثيرا ، و لم اكن اعرف ان الحارة فيها مثل هذى التفاصيل المدهشة..وقفنا على بعد خطوات من منزل منى..ودخلت هي.. ثم شاورت لنا من فوق الحائط..و عدنا .. انا و المرأة الغريبة و ظلام الحارة الدامس تكلله هالة الضوء الدائرية التي تحف المرأة الغريبة..قلت لها: الآن سوف اوصلك الى منزلك..!
    كانت تغمرها السعادة بطريقة غريبة.. تحدثت عن تأريخها .. تحدثت عن تعاريج حياتها الغنية بالتفاصيل..!
    امام منزلها ، قلت لها: لماذا كل هذا؟..
    ضحكت ضحكة خليعة للغاية و قالت: لأنك شجاع..!
    قلت: هل تريدين ان تعرفي اسمي؟
    قالت بصورة جادة: لأ..ولا اريدك ان تعرف اسمي.. فقط اعتبرني صديقة الصفاء الباهي..!
    قلت: مثل هذه المشاوير كثيرة.. و سألتقيها كثيرا..!
    قالت: عرفت درب البيت.. في أي وقت تعال.. انقر على الباب..و صدقني لن تجد غيري..!
    قلت بخبث: حتى لو جئت بغيرها؟..
    قالت ضاحكة: و هل مثلك يكتفي بواحدة..!!
    ودعتها و عدت ادراجي.. اغني لبقايا ليل الحارة.. اغني احزانا لا تنتهي..ارتل صلوات الكهوف البعيدة الغامضة.. ادعي اني اعرف تفسير تعاريج خطوطها التي تتحدى عواصف الزمن..ولكن هيهات ما ابعدني عنها وعن فهمها وتفسيرها..!!


    كبر
                  

09-02-2018, 07:55 AM

محمد بدرالدين
<aمحمد بدرالدين
تاريخ التسجيل: 01-15-2018
مجموع المشاركات: 2185

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    نحن ف حوجة لتهدئة هذه النفوس الهائجة
    و الدواخل التى تغلى ..
    نريد الراحة و التمدد ف ربوع الوطن .. حتى لو كانت حروفا تقرأ
    كبر الغالى .. غلاوتك جوة القلوب
    ..
    متابعة بلهفة
    متعك الله بالصحة و العافية
                  

09-02-2018, 08:35 AM

هاشم الحسن
<aهاشم الحسن
تاريخ التسجيل: 04-07-2004
مجموع المشاركات: 1428

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    هذا الافتتاح العجيب:
    Quote: لن تقوم للحكاوي التالية قيامة، اٍن لم يكن مبتدأها بحكاية اغتيالي وتصفيتي الجسدية لصديقي محمد النور كبر..


    هل بدأ عهد الراوي الذي يغتال كاتبه؟

    ربما هي "امثولة" عن انسراب الرواية بعيدا... "

    أو

    وعد، بكتابة مختلفة..


    أقرأ وأتابع..
                  

09-02-2018, 09:50 AM

محمد حمزة الحسين
<aمحمد حمزة الحسين
تاريخ التسجيل: 04-22-2013
مجموع المشاركات: 1437

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: هاشم الحسن)

    الأخ العزيز ول أبا كبر ...
    حقاً لقد هبشت العصب وأظمأتنا نتابع ونتلهف للمزيد من التصوير الرأئع...
    :
    :
    :
    :
    :
    :
    مع التحيات لله الزاكيات
                  

09-02-2018, 10:20 AM

علي عبدالوهاب عثمان
<aعلي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12477

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: محمد حمزة الحسين)

    الحبيب كبر .. تحياتي ..
    أديبنا الرائع .. حروف من ذهب ..
    واصل ..

    مودتي
                  

09-02-2018, 10:33 AM

حامد عبدالله
<aحامد عبدالله
تاريخ التسجيل: 04-12-2014
مجموع المشاركات: 1326

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: هاشم الحسن)

    ول ابا كبر
    يجدكم والاسرة والاحباب بخير
    إستمتاع وفرح

    ودوورد
                  

09-02-2018, 01:09 PM

Biraima M Adam
<aBiraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-05-2005
مجموع المشاركات: 27345

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: حامد عبدالله)


    Quote: الريف قيم ، قيم تختلف عن قيم المدينة ، في الريف نفعل الحسنة ولا نرجو ثمنا لها.. في الريف ليست لنا نصوص سرية لعينة يجب على الكافة حفظها على ظهر القلب و ترتيلها بصورة الية.. في المدينة الأمر مختلف.. كتابكم السري نصوصه محفوظة .. ترتل في الطرقات.. ترتل في الغرف المخملية .. البعض يفعل الحسنة بمقابل ، وحتى و لو كنت اليوم اعيش بالمدينة ، فانا ريفي عادي..!

    يا سلام يا ول أبا كبر ..

    رائع ..

    بريمة
                  

09-02-2018, 02:58 PM

Ahmed Yassin
<aAhmed Yassin
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 5507

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Biraima M Adam)

    كبر
    Quote: لحظة و شعرتُ كأني طائر صغير، خانه الجناح و هو يركض في طريق الهجرة ، يقف امامه وحش جائع
    وواثق من الظفر ، طائر نسى تعاليم صلوات الكهوف الغامضة و تعاريج خطوطها الواضحة في صخور الجبال

    انشتاين قال (الخيال اهم من المعرفة)
    وانا قريت قبل كدة يا كبر مقال
    (المخيلة، في مدلولها اللاتيني الجذري الأول، أتت من “صبَّ، قولبَ، شكّلَ شيئاً من مادة خامّة”
    أي أن مدلولها مرتبط بالخلق والابتكار. وعندما تطلق صفة “خصب الخيال” على مشروعٍ هندسي
    أو روايةٍ أدبية، فهي أرقى الشهادات على كونهما ذروة في الإبداع والتجديد والإدهاش.
    وروايتك (نواح الشواهق) رغم عنوانها البكائي الا انها مليئة بالادهاش
    وبتقنية سردية ممتعة
                  

09-02-2018, 05:24 PM

امير الامين حسن

تاريخ التسجيل: 02-08-2013
مجموع المشاركات: 329

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    Quote: هل بدأ عهد الراوي الذي يغتال كاتبه؟

    ربما هي "امثولة" عن انسراب الرواية بعيدا... "

    أو

    وعد، بكتابة مختلفة..


    أقرأ وأتابع..



    قرأت الاغتيال هنا كبعث جديد/محدث للروح
    بالله شوف كيف يحتفى بها فى سطوره الاولى !

                  

09-03-2018, 00:22 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: امير الامين حسن)


    الأصدقاء:
    محمد بدر الدين ،
    هاشم الحسن ،
    محمد حمزة الحسين ،
    علي عبد الوهاب عثمان ،
    حامد عبد الله ،
    بريمة محمد ادم ،
    احمد ياسين ،
    امير الأمين حسن ،

    كتر خيركم جميعا على المرور ،
    عبركم ، كتر خير من يتابع من على البعد..



    البحث عن الأمل عملية شاقة للغاية ،
    ولا حياة بلا الأمل..
    محبتي..
    كبر

                  

09-03-2018, 00:26 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    7

    القيت نفسي المتعبة علي سريري المرمي في باحة الحوش الواسعة ، اتصبب عرقا و انا في الرابعة صباحا ، طيف رضوى سد الأفق ، وجهها النحيل و النمش الذي امتد كغابة السنط..ثم المرأة الغريبة..ضحكت كثيرا لغرابة الأشياء..وكنت حقا ابحث عن شبح صديقي الذي قتلته بيدي ، تبت يداي و تب..و لكنه فر..فهو يحب ان يتركني وحيدا في لحظات الصفاء المرعبة..!
    ضبطت المنبه على الساعة الثامنة صباحا و نمت بعمق..!
    صحوت على نقر فاتر على باب الحوش..وقمت التف ببطانية خفيفة.. لم يكن لي استعداد ان البس البنطال او التعقيدات الكثيرة..كانت منى تقف على جانب الباب..اندهشت و قلت: صباح الخير.. لم ترد هي تحيتي و تجاوزتني الى داخل الحوش..جلست على حافة السرير.. و بانت ملامحها منزعجة للغاية..قلت: خير يا منى..!
    قالت: ماذا فعلت؟..
    قلت ضاحكا: لا ادري ، فلقد كنت غائب عن الوعي؟..
    قالت: ماذا فعلت ، و اياك ان تكذب علي..!
    قلت: ماذا تقصدين بالضبط؟
    قالت: انت عدت مع المرأة الغريبة الى غاية بيتها..
    ضحكت و قلت..نعم مثلما جاءت معنا ، لا شئ يا منى ، و هي امرأة طيبة و سوف نعود الى بيتها مرة اخرى.. الم نكن نبحث عن الأمان و السلامة..!
    قالت: لن اذهب الى بيتها مرة اخرى..و انت لن تذهب..!
    خرجت منى دون ان تودعني..!
    و قلت في ذاتي يا صباح المحن العريض..!
    اخذت حماما سريعا ، و خرجت الى خط المواصلات العام..!
    وصلت الى المكتب بعد صعوبة.. و كانت الساعة قد جاوزت العاشرة صباحا بقليل..عائشة كانت تقرأ في مجلة (زهرة الخليج)..و هزت اكتافها و هي تقول: يا ترى هل هؤلاء بشر مثلنا؟..
    قلت ساهما: أي بشر يا عائشة؟..
    قالت : البشر الذين يتصورون في المجلات و الدعايات الإعلانية..!
    قلت: و لماذا تظنين ان هذه هي حقيقتهم؟.. هؤلاء غلابة مثلي و مثلك.. الإعلان صناعة يا عائشة و الصناعة لها ادواتها.. حتى انت لو اخترت هذا الطريق.. سوف تضحكين على صورتك التي تطرح على الجمهور..!
    ضحكت و قالت: هل انت متأكد؟
    قلت: نعم متأكد.. كل الأمر هناك استديوهات جاهزة.. الملابس جاهزة .. الكوافير جاهزة .. الإضاءة جاهزة.. تدخلين مغبرة الأقدام ، و يقومون بتلميعك.. و حينما ينتهي التصوير.. يعيدونك الى حالتك الأولى ..مغبرة الأقدام..!
    دخل عم عثمان الفراش..و هو يحمل القهوة لي..و عصير البرتقال لعائشة..وعلمت ان الأستاذ الكبير سيحضر الى المكتب بعد الثالثة..اما مشارق و صواهد فقد خرجتا للتسوق..!
    وانا مستغرق في قراءة صحيفة (السودان الجديد) ، دخل عم عثمان الفراش في معية رجل اسود اللون ، تشي ملامحه عن مجد غابر.. مجد الحضارات التليدة..وسلم علينا..و قال لي: استاذ حماد ، هناك من ينتظرك اسفل العمارة؟..
    قلت: و لماذا اسفل العمارة ؟ دعه يدخل المكتب..!
    قال الرجل: الأفضل ان ننزل الى اسفل العمارة..
    قلت مستغربا: و هل تدرى من هو ؟ ما هو الأمر الهام الذي يمنعه من الحضور الى هنا؟..
    مال الرجل نحوي هامسا: انها فتاة ، هي ابنة مخدمي و ما انا الإ عبد مأمور..!
    قمت اجرجر خطواتي خلفه..ونزلنا الى الزقاق الضيق خلف العمارة التي يقبع فيها مكتبنا..!
    رأيت عربة تايوتا كوريلا.. بنية اللون..لامعة..وفتح لي الرجل بابها الخلفي و دخلت..!
    هي فتاة ممتلئة الجسم بصورة مقرفة للغاية.. رأسها يبدو كنقطة فوق جسدها الكبير..ورسمت ابتسامة محببة في وجهها و هي تقول: اسفين يا استاذ..فقط اريدك في امر ضروري..!

    قلت: لم نلتقى من قبل..؟
    وقبل ان ترد على سؤالي ، امرت الرجل السائق و هي تقول: الى المنشية يا عم جابر..!
    في الطريق اخذت تحدثني همسا: انا ابنة رياض الصالحي ، و هو موكلكم في احدى القضايا..
    قلت ، و انا احاول ان استشف اتجاه حديثها: اعرف رياض الصالحي ، و لكن ما لا اعرفه ما دخلك انت بهذه القضية؟..لا علم لي بانك احد اطرافها..!
    قالت باسمة: نعم انا لست طرف في هذه القضية ، و لكنها تمسنى بطريقة ما ، انا و اخواتي..!
    قلت: لا استطيع ان اتحدث معك في امر هو امانة ، و كما تعلمين ، قانون المهنة لا يسمح لنا بمناقشة امور القضايا مع اطراف لا علاقة لها بالقضايا.. هذا افشاء اسرار مهنة ولا استطيع ان افعله الآن..!
    قالت: لا اريدك ان تفشي أي سر..و اسمعنى للنهاية..!
    قلت: حتى و لو ، لا ارى ان هناك أي مبرر لنخوض في مثل هذا الحديث؟..
    صمتت الفتاة برهة..وكانت تنقر باطراف اصابعها على وركها بصورة تشي عن التوتر و التزمر.. كأنها تراجع نصوص الكتاب السري اللعين..تحفظ نصوصه..تعيد ترديدها بالية صماء..!
    قالت: فقط هو تصوير مستند ، و نعيده اليك..!
    قلت: لا استطيع ان افعل هذا الأمر..!
    قالت ساخرة: ولماذا انت؟..كلهم يفعلونها..!
    قلت: انا لست كلهم يا انسة ..ولو سمحت يا عم جابر انزلني هنا..!
    قالت: لماذا انت مستعجل..
    قلت: لا شئ بيني و بينك..ولا اريد ان اكون طرفا في مثل هذه الألاعيب..!
    قالت ضاحكة: هو امر بسيط ، و سينالك خير كثير.. انا على استعداد لأدفع لك ما تريد..استمرار القضية بهذه الطريقة سيضيع حقي و حق اخواتي..و نحن نتحدث عن عقارات قميتها تفوق المليار جنيه..!
    هكذا هي نصوص الكتاب السري ، مفاوضات تأتي من اللامكان..و اتفاقات يظن الجميع ان من السهل عقدها ، يا لهذا الكتاب السري اللعين..!
    قلت: حتى و لو كانت قميتها تساوي مال قارون.. فانا لا استعداد لي للخوض في مثل هذه الأمور..!
    قالت ، بلهجة ملؤها الوعيد و التهديد: الا تخاف من تهمة التحرش بفتاة مسكينة؟..
    قلت: اعلى ما في خيلك اركبيه.. تحرش .. اغتصاب.. قتل.. ولن افعل ما تريدين..!
    امرت الفتاة عم جابر السائق بالتوقف..وكنت وقتها على مقربة من معرض الخرطوم الدولي.. و قالت لي: هل هذا اخر كلامك..!
    قلت: نعم..
    وفتحتُ الباب ، اهم بالنزول..ثم قال لي عم جابر السائق: هذا عيب يا ابني ، على الأقل دعني اوصلك الى المكتب..و هو امر بسيط تفاهم معها ، انت لا تعرف ما تعانيه هذه الفتاة..!
    قلت: لا تفاهم..واعرف طريق عودتي الى المكتب..و الى هنا استأذنكم..!
    نزلت من السيارة ، واتجهت نحو الطريق العام ابحث عن بص يعيدني الى قلب الخرطوم..!


    كبر
                  

09-03-2018, 00:28 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    8
    وصلت الى المكتب عند الثانية ظهرا.. و كنت متعب للغاية..سالتني عائشة عن المشوار..و حكيت لها بالتفصيل..و كانت عيونها تغوص في عوالم الدهشة..ثم باغتتني تقول: ثم ماذا بعد؟
    قلت: لا بعد ولا قبل..
    قالت: هل ستظن ان الأمر يقف هنا؟..
    قلت: لا ادري..لا ادري يا عائشة..
    قالت تحدثني عن اسرة رياض الصالحي ، و انها اسرة كبيرة..و النزاع في العقارات بين الأخوة الأشقاء..و هي عقارت كثيرة و اثمانها كبيرة..
    قلت: اعرف قيمة العقارات..و لكني لا اريد ان اكون طرف في اللعبة القذرة..!
    قالت: الغريب.. لماذا انت؟..
    قلت: لا ادري يا عائشة.. لا ادري..!
    صمتنا برهة..و جاء عم عبد المنعم ، و هو ضابط متقاعد يحكي للسنين امجاده الغابرة..رجل متوزان للغاية و طيب القلب..وكثيرا ما علمني كيف احل خيوط التشابك في مجتمع الأعمال القذر..يأتي الى مكتبنا بانتظام ، يكاد أن يكون احدنا..يجالسنا ، و يتحدث الينا..و هو ينتظر منار السكرتيرة ..و في نهاية كل يوم يخرجان معا..!
    قلت له: دعنا نتمشى قليلا يا عم عبد المنعم..
    ابتسم و هو يقول: و لمه لأ؟..
    ونحن نسير في شوارع قلب الخرطوم الصغيرة..حكيت له حكاية ابنة رياض الصالحي..ضحك و قال لي: هناك اشياء كثيرة تنتظرك يا حماد.. يعجبني فيك الإصرار على النقاء في زمن وقح للغاية..!
    قلت: كأنهم جميعا يتعبدون بنصوص كتاب سري.. يقرأونه.. يحفظونه عن ظهر قلب.. و يعيدون ترتيل نصوصه بالية و حرفية غريبة..!
    ابتسم عم عبد المنعم ، و قال بصوت حزين: القرآن ليس هو القرآن الذي تعرفه.. الإنجيل ليس هو الإنجيل الذي تعرفه.. التوارة ليس هو التوارة الذي تعرفه ..الزبور ليس هو الزبور الذي تعرفه..هناك الكتاب السري الذي تقول عنه..يقرأونه ، يتلونه.. و يطبقون تعاليمه..!..كنت اجلد ذاتي باننا نحن اجيال الضياع التي قتلتها قيم الكتاب السري.. و لكن اليوم.. أرى ذاتي.. من زمرة نفر خانوا عهد الأبوة..خانتهم القدرة على تمزيق الكتاب السري ، حتى تنمو الأجيال الجديدة و هي نقية .. محصنة.. لا تتلوث باوهام الكتاب السري..اشياء كثيرة تنتظرك يا ابني..!
    قلت: ربما هي غربتي عن هكذا واقع..!
    قال لي ، و تكسو ملامح وجهه بعض الجدية: هل يعني هذا انك لو تآلفت مع هذا الواقع ستنخرط فيه؟..هل يعني ذلك انك ستتبع تعاليم الكتاب السري اللعين لو استطعت اليها سبيلا؟!!
    قلت: بالطبع لأ..و لكني اريد ان اعرف حدوده و الاعيبه حتى اعرف كيف ادافع عن نفسي..اريد ان امزق نصوص الكتاب السري..حتى لو كانت هي حرب اخوضها لوحدي..!
    قال: فقط كن في نقاءك.. وحده سيحميك..فنصوص الكتاب السري تخاف النقاء.. ترتعب منه..!
    قلت: يا صديقي ، لا يمكن ان تقول لأرنب الأ يرتكب حادث سير في غابة امتلأت باقدام الأفيال..!
    ضحك و قال: هي افيال في حالة التهيؤ.. او ربما ، هم يريدونك ان تفهم انهم افيال.. صحيح القذارة كثيرة.. و لكنها قذارة غبية وانت تمتلك ذكاء يفوقها..!
    قلت: الذكاء لا يحميني من المطبات.. لأن الذكاء يعمل على الإحتمالات الواضحة.. اما الغموض و الخناجر المتربصة في الظلام و نصوص الكتاب السري.. فهذي لا يجدي معها ذكاء..!
    قال: لا تهتم كثيرا..و سوف اقف معك.. فانا لازلت املك بعض الإتصالات المؤثرة.. اعرف انك لن تبقى في هذه البلاد.. سوف تخرج يا ابني امنا سالما..!
    و عدنا ادراجنا..
    في المكتب ، كان الأستاذ الكبير قد حضر ، و استأذنت الدخول اليه مباشرة..وكان في حال لا ينتظر فيها أي احاديث تثير التوتر.. جمعت شجاعتي و حكيت له واقعة ابنة رياض الصالحي..صفر طويلا ثم قال: كنت اتوقع امر ما و لكن ليس بهذا القبح.. وصمت..!
    اضاف بعد هنيهة قصيرة.. سوف اتحدث اليه و لكن ليس الآن..و كلما اعترضك شئ مثل هذا ضعني في الصورة..!
    خرجت من مكتبه ، و كنت اعرف انه لن يثير أي شئ.. فالأمور هنا تمشي بلا تخطيط.. الأمور هنا كأنها هي الأخرى جزء من تعاليم نصوص الكتاب السري..يحدث الأمر ، و يكون الوعد باتخاذ اجراء ولا يحدث شئ..!



    كبر
                  

09-03-2018, 03:58 AM

معاوية الزبير
<aمعاوية الزبير
تاريخ التسجيل: 02-07-2003
مجموع المشاركات: 7893

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    ماراثون يقطع الأنفاس ونحن نتابع براحتنا.. مفارقة صاح؟
    الله يعينك وتكمل المشوار يا صديقي
                  

09-03-2018, 05:33 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 36925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: معاوية الزبير)

    Quote: يا سلام يا ول أبا كبر ..

    رائع ..

    بريمة


    اي مكان فيه غريمي اللدود بريمة اكيد يضيء بالالق
    كتابة شعرية سلسة ذى سرف الماء المنساب بين صخور سد رشاد في جبال النوبة
                  

09-03-2018, 06:48 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: adil amin)


    الأصدقاء..
    معاوية الزبير..
    عادل امين..
    كتر خيركم على المرور..
    كبر
                  

09-03-2018, 06:49 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    في مغبة نشر هذى الرواية..واحتفاءا بزمن الرواية..
    التحية لصديقي واخي الأصغر الأستاذ احمد شرف الدين..!
    احمد هذا مصري ، من مصر المؤمنة..من ابناء المنصورة..!
    وحينما ذهبت الى مكان العمل اليوم..لم ألتقيه..ولكنه ترك لي امانة في مكان العمل..!!
    وألأمانة ، كانت نسخ من روايتي (التعاريج)..جلبها احمد في معيته حينما ذهب لزيارة اهله في مصر..!!
    نسخ لم اتمكن من حيازتها ، وانا في زيارتي لأمسودان..!!!!
    التحية لأحمد شرف الدين..!
    كبر
                  

09-03-2018, 07:19 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    الرواية وزمن التواصل/الديجتال..!

    كيف سنقرأ الرواية في مثل هذا الزمن العجيب؟

    هل نتعامل معها ككلمة مكتوبة تخلق انفعالها الخاص؟.. ام سنحتاج لحواشي؟
    كنت دوما اظن ان الكتابة التي تحتاج الي تدخل كاتبها باضافة الحواشي..هي كتابة قاصرة ..!
    ولكن..
    ايضا ، اظن ، وبعض الظن اثم ، أني كروائي مزعوم اوفر حظا من عبد الرحمن منيف ، جبرا ابراهيم جبرا، نجيب محفوظ ، حنا مينا ، غابريال غارسيا ماركيز..!!
    اوفر حظا ، لأني استطيع ان اضيف النص الذي الهمني كتابة فكرة ما.. أي ان اخلق للرواية فضاء اخر للمساءلة والتأمل..!!
    مثلا ..عائشة ، في هذه الرواية حينما تتحدث عن ليالي موسيقا الجاز في الخرطوم..ياترى ماذا يدور فيلا ذهن القارئ أو القارئة؟..هل هي كاذبة؟
    ماذا عن النماذج التالية..




    هل يؤثر ذلك في تقييم شهادتها؟..

    بالضبط..حينما كانت عائشة في مطعم عمورية..كانت تسمع موسيقا شبيهة بهذا النموذج..!!



    هذه تفصيلة من تفاصيل عديدة في الرواية ، التي تقوم على افكار مثل الضياع ، الهروب ، الأمل ، البحث عن الحرية..الخ..

    كبر
                  

09-03-2018, 07:22 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)


    9
    البلاد تملأ ذاتي بغبار الحنق و الضعف.. امواج المرارة تعلو و تعلو.. تكاد ان تغرقني.. و النسيان اصبح غريبا.. الذاكرة اصبحت تحتقب بالتفاصيل.. تعيدها في الثانية مليون مرة.. ضحكت ساخرا من ذاتي و انا احدث نفسي: على الأقل ذهب الخمول الذهني.. انا الآن وسط اللعبة الكبيرة القذرة.. انا الآن في بؤرة القذارة..انا الآن درويش مرتقب سيرقص كثيرا على تراتيل نصوص الكتاب السري اللعين..!
    ارسم ملامح خروجي الثاني.. ملامح هروبي العظيم.. ملامح الفرار من ساحة معارك القذارة.. معارك الكتاب السري..قذارة تنتهك الأشياء دون ان يرمش لها جفن..ولكن كيف يكون الخروج؟.. هل اريد ان اخرج لأني فقير ابحث عن وضع افضل؟.. الفقر مقدور عليه.. قليلا من هنا .. قليلا من هناك.. ما علي الإ ان اجهز سكاكيني لأقتطع من جسد القذارة المكتنز ..و أأكل مثل بقية الخلق..!!..
    الحزن ، فلا علاج للحزن ، او ربما ان اقتل قلبي و احاسيسي و مشاعري مثلما قتلت صديقي محمد النور كبر.. قتلته بيدي تبت يداي و تب..!..
    تعارض شبحه يسد افاق الرؤى المتعبة.. ابتسامته الباهتة تخرج في شكل موجة و ترسم الأشياء..تذكرني بالنسيان ، نسيان صلوات الكهوف البعيدة الغامضة الخطوط و التعاريج.. قال لي هامسا: قتلتني لتكون ، هكذا هي كينونة القذارة..قتلتني لتتعبد بنصوص الكتاب السري اللعين.. تجعلها بديلا خائبا لنصوص صلوات الكهوف البعيدة الصادقة..فلماذا الأن تتهرب من شروط اللعبة..؟.. قتلتني لأنك لا تحب قيم الروح العليا..و انك تدعي حبك لقيم الأرض.. هذه هي الأرض.. فلماذا تجبن ان تكون مثل اولادها و بناتها.. اقبض الملايين من الجنيهات.. افعل ما تسميه الحسنات..وكن مثلهم .. انخرط في المحيط الهادر.. حتى تتلقفك رياح الضياع..!
    قلت له: كنت اظن ان بنوة الأرض هي صناعة الحياة وليس الإنخراط في بحر القذارة المتلاطم.. هنا اريد الخروج.. اريد الهروب..!
    وانا في سيل التأملات تلك ، هشتنى صواهد بيديها الممتلئة..و هي تقول: اريد ان اعرفك بشخص يهمني..!
    قلت: ولماذا انا؟.. يجب ان يقابل اسرتك..!
    ضحكت و هي تقول: انت ترموميتر مهم.. ان منحته اشارة المرور.. مؤكد سيتخطي حواجز اسرتي..!
    خرجنا في نهاية اليوم ، و ذهبنا الى مقهى الدوامات الفاخر..كان هو شاب ممتلئ الجسد.. اشبه تماما ببنية صواهد.. شارد الذهن..كانه يقرا نصوص الكتاب السري اياه..ويبدو انه يحدث نفسه كثيرا..سلمت عليه و كانت صواهد تقول : هذا واجد..و هذا حماد..!
    قال مستغربا: مرحبا يا استاذ..!
    قلت: مرحبا..
    وجلسنا..و كانت صواهد ، تريدني فقط في موقف تقدير الحال ، كأنما هو الأمر امر تفاوض و مقايضة خاسرة للغاية..!
    كانت جلسة فاترة رتيبة مملة.. فانا لا اعرف كيف اتحدث مع شخص التقيه لأول مرة.. خصوصا لو كان شخصا تشي ملامحه بالخمول و البلادة الواضحة..!
    فأجاني واجد و هو يقول: سوف اعزمك لتقضي نهاية الأسبوع معي.. فانا املك شقة فاخرة..!
    قلت: مرة ثانية يا واجد..!
    قالت صواهد: فلتكن هذه المرة و الثانية ايضا..على الأقل تخرج من جو ام درمان المغبر..!
    وقفت و انا استأذنهم في التدخين خارج المقهى الفاخر ، و غمزت لصواهد ان تتبعني..امام المقهي.. سألت صواهد بصورة مباشرة و انا اقول: هل تريدين الذهاب الى شقته ؟..
    شعرت بالحرج في عيونها ، و قالت: انا لا افعل هذا ، و هو مـُصر ، و قلت له لن اذهب الإ في معيتك.. فانا لا ادرى ما يدور في ذهنه..!
    قلت ساخرا: و هذا مشروع تحلمين بان تقيمين معه مستقبل حياتك؟..
    قالت: تعبت يا حماد..!
    قلت: حينما يسألك الشاب لزيارته في شقته الفاخرة ، و تقبلين الأمر.. فهو سيفهم بطريقة اخرى..!
    قالت: كيف؟
    قلت: سيعزمك المرة الأولي و الثانية.و بعدها سيذهب الى حاله..!
    قالت: كيف يذهب الى حاله؟
    قلت: انت تفكرين بانها تضحية بسيطة لإرضاءه ، امثاله سيفكر بانك سهلة..و الأكثر ستنتابه الهواجس ، بانك طالما قبلت الذهاب معه ، فما المانع ان تقبلين الذهاب مع اخر..!
    وجمت صواهد ، ثم قالت: هذا خبث يا حماد..!
    قلت: و قذارة يا صواهد..!
    انتهت السيجارة الروثمان ، و عدنا ادراجنا..
    تغيرت طريقة صواهد في التخاطب مع واجد.. و كان هو واضحا في غباءه و قال لها: اعرف انه قد لعب برأسك..و لقد اتفقنا من قبل..فلماذا هذا التغير المفاجئ في موقفك؟..
    قالت: لا اريد ان اذهب معك الى أي مكان..و ان اردت ان نلتقي.. فليكن ذلك في مكان عام..!
    خبط واجد على الطاولة و هو يزمجر: سوف تندمين على خطل افكارك..!
    قلت: يجب أن تهدأ قليلا..وانتما ادرى باموركما..
    قال يخاطبني بغضب: لقد انتهى الأمر يا استاذ..وان كنت انت تملك شقة و سيارة فهي حلال عليك..!
    قلت: تأدب يا واجد..وهي ليست لعبة تلعب بها كيف تشاء.. هي جادة في امرها و انت لعوب يلعب بغباء يحسد عليه..!
    قال: غباء يا كلب.. و انا املك نصف المدينة..؟..أنا اشتريك ..و اشترى عشرات مثلك و مثلها..!
    قلت: انت لن تستطيع أن تشترى الإ الأغبياء مثلك..وافعل ما تشاء..!
    وقفت ، و دونما اشعر سحبت يد صواهد و انا اقول.. فلنذهب..!
    وكنت اظن ان صواهد ستغضب و لكنها كانت منبسطة الأسارير.. و قالت لي: الغريبة..اخذته الى منزلنا مرة ، و جدتي قالت عنه راي حاد..!
    قلت: ماهو رأيها فيه؟..
    قالت: تقول انه سلالة عبيد..!
    شعرت بجيوش السخرية تغطي وجهي غصبا عني ، شعرت باني اريد أن ارتل صلوات الكهوف التي تقف قوية في تعاريجها البهية في صحائف صخور الجبال البعيدة ، و قلت لها: وهل انت ايضا تفكرين مثل جدتك بان هؤلاء عبيد و اولئك احرار؟..
    قالت: ليس بالضبط ، و لكن تعرف ان الأسر لها قوانينها و اعرافها..!
    قلت: صدقيني يا صواهد ، ان رأتني جدتك تلك و انا امشى معك ، فستقول هو عبد كامل الدسم ، و ليس فقط سلالة عبيد..!
    ضحكت و هي تقول: نحن ايضا في اسرتنا من ذوي البشرة السوداء..و لا نقول عليهم عبيد..!
    قلت: المسألة ليست مسألة لون بشرة يا صواهد ، المسألة مسألة وعي باطن يستهجن الغريب..المسألة هي نصوص كتاب سري تطفر تعاليمها من قيعان الوعي البعيد فتكون اسقاط واضح مباشر و جارح للغاية..!
    صمتنا..
    قلت: اريد ان اخرج.. اريد ان اهرب..!
    قالت: انت لا تنسى مطلقا هذه الرغبة ، رغبتك العارمة في الخروج..و لن تخرج قبل ان تعلمني كيف اصطاد لي طائر صغير اضعه في قفصي..!
    قلت: ان اردت ذلك فعليك اولا ان تتعاملي مع الكائنات كأنسان و ليس كصيد !!
    قالت: كيف؟ .. اشرح لي اكثر..!
    قلت: انت مليئة بالشفقة و الإستعجال ، كلما ترين كائن تفكرين فقط في الإستحواذ عليه.. عليك ان تلغي فكرة القفص.. عليك ان تقللي الإجتهاد في الإستحواذ.. وقتها طيور كثيرة ستأتيك..!
    قالت: تعبت و العمر يجري..!
    قلت: و هذه مأساة اخرى.. لماذا انت مسكونة بهاجس ان العمر قد تسرب منك..!
    قالت: امي تزوجت و هي بنت خمسة عشر..!
    قلت: زمان امك يختلف عن زمانك يا صواهد.. امك لم تقضي وقت في الدراسة..امك لم تذهب الى الجامعة.. امك لم تقضي شهورا خائفة لدرجة ان يختل ميزان الهرمونات فيها و هي تنتظر امتحان المعادلة.. !
    زامت بشفتيها ، و صمتنا و نحن ندخل المكتب في اعقاب الأصيل.. لملمنا اغراضنا..و خرجنا..


    كبر
                  

09-04-2018, 11:32 PM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)



    10
    بدت الخرطوم حزينة ، و هي تستقبل المساء المغبر.. انطفأت الأنوار العامة..و قال جاري الذي يجلس قربي في الحافلة المتجهة الى امدرمان ، عن طريق شارع الأربعين : يبدو ان الكهرباء قد انقطعت..!
    قلت: و هل في هذا غرابة..!
    قال الرجل الذي يجلس خلفنا: الغرابة ان تغرق كل المدينة في الظلام.. هذا امر غير طبيعي..!
    عبرنا كبري النيل الأبيض..و نزلت في بانت..ورغم الظلام الدامس صاح احدهم يناديني باسمي..التفت..و كان زميلي في الكلية و اسمه المأمون..خاصم دراسة القانون ، و انشأ اعمال حرة ، تتمثل في حافلة نقل عامة و هو يعمل فيها كمحصل..سلم علي المأمون وهو مذعور بصورة غريبة.. و قال: الأمريكان ضربوا البلد.. صواريخ التوما هوك هدمت بحري عن بكرة ابيها..!
    قلت واجما: و لماذا بحري..؟.. و لماذا الأمريكان في هذا الوقت بالذات؟..
    قال : لا ادري.. اين انت ذاهب؟
    قلت: الى امبدة الحارة الرابعة عشر حيث اسكن هناك..
    قال: سوف اقوم بتوصيلك ، فلقد افرغت الحافلة من الركاب ، لا استطيع ان اتحمل مسئوليتهم في مثل هذا الظرف..!
    بدأ لي المأمون ، خائفا مرعوبا ، و كأنه يبحث عن ملاذ يحميه..و قلت له فلنذهب..!
    وصلت منزلي ، و معي المأمون و سائق الحافلة..و يبدو انه قريب له..!
    ادرنا مؤشر التلفاز ، و كانت الأخبار تتحدث عن ضرب مصنع الشفاء للأدوية..وتؤكد ان خسائر لم تحدث في الأرواح..!
    قلت: و لماذا مصنع الأدوية؟..
    ضحك المأمون ، و الذي اطمئن تماما ، و قال: لأن فيه تصنيع اسلحة بيولوجية.. يبدو انك لا تدري شئ عن هذه البلاد..!
    قلت: ولكنه مصنع مملوك ملكية خاصة ، و من يملكه لا علاقة له بالسلطة و اهلها..!
    قال: و حتى و لو..!
    قلت: تريد ان تقنعني بانك تصدق رواية الأمريكان؟.. هؤلاء يبحثون عن سبب لتبرير لأفعالهم المتوحشة..!
    قال: ليس الأمر كذلك ، و سلطتنا تورطت في اشياء كثيرة..!
    قلت: و رئيس امريكا هو الآخر متورط في فضيحة جنسية ولابد من تغطيتها بفعل حتى لو ضرب بلد هامل مثل بلدنا..!
    صمتنا ..ثم اخذنا نتذكر زملاءنا و زميلاتنا و ايام الدراسة في الكلية.. عند العاشرة مساءا استأذنني المأمون في الذهاب ، رغم رجائي ان يبيت معنا في المنزل ، الإ انه اصر على الذهاب.. ودعته و عدت ادراجي..!
    لم افكر مطلقا في حادث ضرب مصنع الشفاء..و بدا لي كأنه امر حدث في كوكب اخر لا صلة لي به.. اهل الحي يتحدثون و يثرثرون كثيرا.. بعضهم يقول انه رأي الصواريخ و هي تعبر سماء ام درمان ، بعضهم يقول انه رأى اضواء ساطعة اشبه بالأجسام الفضائية الغريبة..و كل ينسج السناريو لتفسير الأحداث..!
    انتابتني رغبة عارمة لزيارة بيت المرأة الغريبة..اخذت حماما سريعا و خرجت..
    الدروب بدت هامدة و خالية تماما .. يبدو ان الرعب قد عشعش في مخيلة سكان الحارة.. الكل لزم بيته.. يتخبأون ك############ان صغيرة مسعورة داهمها الفيضان على بغتة.. فتناست خصلة الثرثرة و هي تبحث عن الخلاص..وكنت لوحدي ، و انا اتخيل عيون مُنى و هي تضئ لي الطريق..احدثها في نفسي و اقول: هو الفضول يا منى ، ولا شئ غير الفضول..!!..و اراها تمد لي لسانها هازئة: الفضول قتل اخاك القط ، و سيقتلك انت ايضا.. هززت اكتافي و انا اقول لها.. فليكن يا مُنى.. فالقتل هو خروج ثاني..اريد الخروج.. اريد الهروب..!
    وجدت نفسي امام بيتها ، امام باب المرأة الغريبة..وترددت..و اخذتْ جيوش الهواجس تصحو.. ماذا لو كانت غير موجودة؟.. ماذا لو كان معها ضيوف؟.. ماذا افعل..!
    حزمت امري و طرقت على الباب ثلاث طرقات خفيفة ، مثلما علمتني هي، طرقات اشبه ببداية العزف على نقارة الكرنق..ولم يرد احد.. قلت.. هذا سبب كافي لكي اعود ادراجي..واخذت اجر الخطو عائدا.. بعد نهاية المربوع ، شعرت بخطوات شبح يمشي خلفي..وكانت هي.. قالت: اسفة كنت في الحمام؟.. توقعت ان تعود في نفس الأسبوع..!!
    قلت: هي مشاغل كثيرة..و اشكرك كثيرا.. سنلتقي مرة اخرى..!
    قالت: فلتقضي معي ساعة واحدة فقط.. اريد المؤانسة..!
    و عدنا ادراجنا..نفس الحديقة.. ازهارها المضيئة.. و الباحة الأنيقة المرتبة بعناية..نفس عبق البخور الذي ينقلك الى مجرات سموات لم يكتشفها غرور الإنسان بعد..!
    وكانت هي ، تضع عمامة افريقية حول رأسها ، و ترتدي فستان كبير متعدد الألوان..هالة الضوء الدائرية تحيطها كأنما تحرسها من قوى الشر الخفية.. بدت كأنما هي بلقيس ملكة سبأ كما نراها في التصاوير ، بدت كما هي خيط وحيد من خيوط صلوات الكهوف الغامضة المرسومة على صحائف صخور الجبال البعيدة..وجهها باهي و مضئ بطريقة غريبة و مدهشة..!
    جلسنا في باحة الحوش..وكانت هناك تربيزة عليها اربع كراسي انيقة..سحبت هي اثنين و تركت الإثنين..و جلست قبالتي..!
    صمت تضامن تماما مع هدوء الحارة المرعوب ، صمت اشبه ببلورات التلال ذوات الأشكال الهندسية العجيبة في البقاع البعيدة عن المدينة الكبيرة ، تحكي تاريخها المجيد بلغة الصمت و الإشارة.. صمت اشبه بتعاريج خطوط صلوات الكهوف المرسومة على صحائف صخور الجبال البعيدة..وكانت هي تبتسم بزهو و حبور..قلت: هل سمعت بما حدث؟
    ضحكت ضحكة مقتضبة و قالت: سمعت..و اعرف ان الجميع مرعوب الآن.. فهي افة من افات الزمان..!
    قلت: يعجبني تفسيرك للأشياء..!!
    قالت: ليس هو تفسير..و انما مجرد وجهة نظر في الأشياء.. التفسير متعب يا صديقي..!
    قلت: هل يعني ذلك انك توقفت عن تفسير الأشياء و تنتظرينها حتى تأتي و تعبرك؟؟
    اخرجتْ زفرة عميقة و قالت: كنت في الماضي افسر.. احسب الأشياء.. اخلق العلاقات المنطقية بينها..و لكن هذا زمان مضى منذ عهد بعيد للغاية..!
    قلت: هل لك اولاد؟
    ضحكت و قالت: هذا ليس اتفاقنا.. لا تسألني عن اولاد ، لا تسألني عن زوج ، لا تسألني عن عمل.. لا تسألني حتى عن اسمي ، و لن افعل ذلك معك..!!
    قلت: و لماذا تثقين في؟..
    قالت: ذكرت لك السبب من قبل لأنك شجاع.. و الشجاعة عندي باب من ابواب نقاء الروح..!!
    قلت: هل اصبحت الشجاعة بهذه الندرة !
    قالت: عندي اصبحت معدومة تماما .. انا شجاعة ..و لم ارى شجاعا منذ سنين..!
    قلت: احلم بالخروج.. الهروب.. فهذى البلاد لا تحتملني ولا تحتمل هواجسي..!
    ضحكت و هي تقول: دعنا نشرب كأسا و نتحدث..
    ثم قامت ، و هالة الضياء تحيطها ، تسورها ، كانما تحرسها من قوى الشر الخفية.. و جاءت بزجاجة الكونياك الهنسي..و صبت لي كاسا و صبت لها اخر..ثم رفعتْ الكاس نخبا حنينا و هي تقول: في صحة البهاء المسروق.. في صحة الصلوات المنسية..!
    صمتنا ، وكل منا يقرأ في صحائف احزانه العتيقة الخاصة..!!
    ثم..
    قالت:كل الشباب في سنك يحلمون بالخروج من البلاد..و غيركم يحلم بالحضور اليها..و بعد سنوات سيعدم الشباب في البلاد.. لماذا انتم تحرصون على الهروب..لماذا تفرون من ارض الكنوز الأزلية..؟
    قلت: لأننا لا نملك القدرة على تغيير الأشياء..!
    قالت: و ماذا عن التصالح معها؟ حدثني بوضوح هل ترغب في المال؟ هل ترغب في الزواج؟ هل ترغب في بناء اعمال ؟ هل ترغب في بناء بيت؟ هل ترغب في مساعدة اهلك؟..
    قلت: اريد الحرية..!
    ضحكت و قالت: ماذا تقصد؟ ها انت حر ، تأتي الي بيتي متى ما شئت ، تمشي في الطرقات مع فتاتك متى ما شئت..!
    قلت: ليست هذه هي الحرية.. فانا صحيح امشي مع فتاتي و لكن يملؤني الخوف.. اخاف لحظة ان التقيها.. اخاف و هي تمشي معي.. اخاف و نحن نعود.. اخاف وهي تودعني.. اخاف و اخاف.. حتى التقيها مرة اخرى لتسلمني دوامة الخوف الى دوامة خوف اخرى..لا اجرؤ ان اقبلها في الطريق ، في الحديقة ..لا استطيع أن احملها على اكتافي في الطريق..!
    صبت الكاس الثانية ..و هي تقول: هذه هي الحرية يا صديقي.. الحرية ان تحس بالحياة و انت مرتعب.. الحرية ان تفكر في شئ و تفعله و انت مرتعب..انت متمرد يا صديقي..و هذا ما يعجبني فيك..!
    قلت: هذا ما يقولونه..و التمرد مفردة مخيفة.. تقتلني رعبا..!
    صفرتْ صفارة طويلة و قالت: لماذا ترعبك مفردة التمرد؟؟.!
    و دونما اشعر حكيت لها اقصوصة المصارع تريفيرا.. حكيت لها احتراق القرى البعيدة المنسية و اهلها الضحايا المغبورين في غياهب النسيان..حكيت لها كيف أن الموت هو كائن يمشي في الطرقات في بلدتنا..يتلمظ شهوة ..حكيت لها تعاريج الصلوات المرسومة خطوطا في كهوف الجبال البعيدة ، تلك التي اعيتني حيلة في تفسيرها.. حكيت لها عن (امة الثعابين) التي تحرس كنوزنا وهي راضية.. حكيت لها كيف تضحك الأشجار في بلدتي على غباء الإنسان..!
    ضحكت هي بشهوة عظيمة للضحك المعافى..حضورها نقاء نادر..و صدقها في الأشياء..يقف حصن متين يحميني من لعنة الكتاب السري..هالة الضياء الدائرية تحيط بها كلما صبت شعاع عينها في عيني..تدخلني ، بنظرتها ، تدخلني ، خيط غريب..خيط يدخل جسدي.. فيتشكل موجة عارمة تخلق موجة اخرى.. فيكون ضجيج خفيف.. ضجيج يملؤني طمأنينة و حزن و فرح و تناقض.. ضجيج يذكرني بسهوي عن ترتيل صلوات الكهوف..!
    قالت: ماذا رأيت في الجبال؟..
    باغتني سؤالها..و قلت: ماذا تقصدين؟..
    قالت: هل تعرف ان البلاد كانت ارض الزمرد الأخضر.. ارض الأسرار.. ارض الذهب..!
    قلت ، مستغربا: أي بلاد تتحدثين عنها؟..
    ضحكت بصورة مقتضبة ، و قالت: البلاد التي تفرون منها.. البلاد التي ترون سطح الأشياء فيها.. البلاد التي تصرون على رؤية ظاهرها دون جوهرها..!
    قلت: لا اعرف ارض الزمرد الأخضر..ثم ماذا تقصدين بامر ارض الكنوز الأزلية؟..
    قالت: هل رأيت في الجبال اثار ، علامات ، اشارات.. هل رأيت ملامح صلوات محفورة على الصخور؟..
    قلت ساهما: رايت في احد الجبال امر غريب..رأيت اشكال تشبه اهل الأمم الغابرة.. هو جبل يقع غرب بلدتنا بمسافة..اساطير تحكي و تحكي لتفسير الأشياء هناك..و لكنها تظل مجرد اساطير..!
    انتبهت حواسها ، و رأيت هالة الضياء تتكاثف حولها.. تحميها من قوى الشر الخفية..وقالت:احكي لي بالضبط كيف تبدو الرموز؟..و ماذا يقولون في تفسيرها..؟
    كرعت ما تبقى في الكاس ، كرعت ما تبقى من الكونياك الهينسي.. و انا اصب لنفسي كاسا اخر..و قلت ضاحكا: فليكن هذا حديث غيبوبة.. حديث لا يخرجه الإ بهاء الكونياك.. سر الحياة.. يا ترى لماذا لا يكون هو ماء الحياة..؟!
    لم ترد هي على تلك الخطرفات ، و كانت تنتظر اجابتي بنظرة جادة..
    قلت: يقولون ، ا ن اهل ذاك الجبل الصغير ، و نسميه جبل أبو دموع..كانوا يملكون ذهبا كثيرا ..غرتهم الحياة..و استكانوا للدعة و الطرب.. اخذوا يشربون.. و يرقصون..يقرعون الطبول بصورة متواصلة لمدة ثلاثة اشهر بلياليها..وصلوا الى امر ان قتلهم الجوع..بحزن كانوا يتوسلون كفة غلال بما يعادلها من الذهب الخالص.. غضب الرب عليهم..سخطهم..فتحولوا الى احجار صماء..تقف شاهد على مر الزمان ، لتحدث عن قلة بصيرتهم و خيبتهم في فهم معنى الحياة..!!!
    داهمتني المرأة الغريبة بملاحظة لم تكن في حسباني..و قالت: و هل تستبعد ان تكرر الدورة حضورها؟ هل تستبعد أن تكونون انتم الشباب الذي يحلم بالهروب في نفس موقف اولئك ممن كانوا قليلي الحيلة و البصيرة؟..
    ضحكتُ بصوت عالي ، و قلت لها: ليتني ارى ملامح الحجر الذي سيقف شاهدا ليحدث عني مقبل الأيام و الدهور؟..ياليتني ارى ملامح الحجر الذي يشهد باني نسيت صلوات الكهوف..!!!
    قالت بصورة جادة: هل تقرأ حكايات الكتب السماوية؟
    قلت: أي حكايات بالضبط؟.. انا مسلم بسيط اصلي بصورة متقطعة.. اقرأ القرآن بصورة متقطعة.. اؤمن بالكتب السماوية بصورة متقطعة.. اعبد النجوم و الكواكب متى استطعت الي ذلك سبيلا..!
    قالت ساهمة: اثارهم..ّ!!.. كان الصخر تحت ارجلهم مثلما الطين.. يمشون عليه بسهولة و يسر، يرسمون عليه نصوص صلواتهم..و حينما يسجدون خشوعا في معية الرب.. كانت اثار الركبة هي التي تبقى..!
    قلت ساخرأ: الحفرة التي تصنعها ركبة احدهم في الصخر،في سطوة الجبال البعيدة ، بفعل الخشوع تجاه الرب.. نحن نراها مجرد حوض يحفظ مياه المطر.. نستقي منه نحن و ابقارنا..!
    قالت: هكذا كانت الأشياء..البلاد هي ارض الكنوز الأزلية..اين ذهبت كنوز سليمان؟..
    قالت مستفسرا: سليمان من؟..
    قالت: سليمان الملك..سليمان رسول الرب..كما تحدثك عنه كتب المعرفة القديمة..!
    انتبهت حواسي بغتة..و احسست بعصافير الثمل تطير.. تطير.. و قلت لها: نحن في امبدة الحارة الرابعة عشر..نحن بشر ملعون.. أو يتهيا له انه ملعون..!
    قالت ، و هي تتجاهل افادتي: ركز..ركز..!
    شعرت بخلايا الذهن تمارس اشراقها ، تمارس طاقة غريبة و عجيبة ، فتضيء عوالم التذكار سراديبها وتنفتح شهوة للحضور، و قلت: زميلتي ايام الدراسة في الكلية ، اسمها جيهان البحر ، ريفية من بحر القُلزم ، بحر احمر ، كانت تظن ان مدينة سواكن ، اصلا اسمها سواجن ، لأن سليمان كان يسجن فيها عتاة الجن..!!
    اضفت اذكرها : نحن في امبدة الحارة الرابعة عشر..نحن بشر ملعون.. أو يتهيا له انه ملعون..!
    قالت: دعنا ننزل قليلا عن عوالم التهويم..!
    صمتت لحظة.. و كانها تذكرت حديث التمرد..و قالت: ذاك ليس تمرد ، ذاك صراع سياسي بين فريقين ..كل فريق يتهم الآخر باتهامات معينة..هم لا يريدون الإتفاق..كل منهم يريد أن ينفرد بالأمر.. ما اقصده هو التمرد الوجودي.. تمرد الفرد مثلك الذي يحلم بالحرية و يمارسها..!
    قلت حانقا: و هل السـكُر و الجنس هي الحرية؟..
    ضحكت و هي تقول لا دخل للشراب ولا الجنس في الحرية.. لماذا تفكر هكذا؟..
    قلت: هذا ما يظنه البعض؟..
    قالت: منذ متى و انت تشرب؟.. منذ متى و انت تمارس الجنس؟..
    قلت: الشرب بداته في المرحلة الثانوية.. اما الجنس فمنذ الصغر استرقه..!
    ضحكت و قالت: الم اقل لك انت متمرد بالفطرة..!
    صمتنا قليلا..و استأذنتها في الخروج..اخذت تجر خطواتها معي نحو باب الشارع .. هالة الضياء تحفها كانما تحرسها من قوى الشر الخفية، اكتافها تلامس اكتافي و تشعرني بقشعريرة غريبة.. عبقها يفوح كأنما هي عطور غريبة عن زماننا ، بدت لي كانما هي خيط فريد من خيوط رسومات صلوات الكهوف في الجبال البعيدة ..!!!
    قلت لها: ليتني استطيع ان اقبلك؟..ضحكت و قالت: ليس الليلة..ليس الليلة.. ثم وضعت قبلة على جبيني و هي تودعني و تسألني العودة متى ما شئت..!
    خرجت ، و شعرت بنسمة باردة تلفح جبيني.. شعرت ببرودة محببة في المكان الذي طبعت فيه المرأة الغريبة قبلتها ، المكان الذي يبدو لي خيط من تعاريج رسومات صلوات الكهوف البعيدة..شعرت بزهو عارم و انا ارقص وحدي في الطرقات الصغيرة.. احاول ان اغنى.. اغني.. أن اغني..!!


    ;كبر
                  

09-10-2018, 02:52 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)

    اغني.. أن اغني..!!


    11
    الخرطوم ، في الصباح ، بدت شاتمة .. زاعقة تلعن الأمريكان..امواج المظاهرات الهادرة تسد الدروب و الشوارع..مكبرات الصوت تزعق بهدير قوي للغاية و هي تشتم امريكا..و تدين فعلها المشين..و توعدها باننا تسلحنا لها.. تسلحنا بالإيمان..!!!
    كانت مشارق في انتظاري في المكتب..سلمت عليها..و هي تسألني اين كنت الليلة الماضية..و تبسمت و انا اقول لها: كنت في سماوات البهاء.. بعيدا بعيدا عن الأرض..!
    مطت شفتيها استهزاءا و هي تقول: لم اسألك عن خيالك المسطول ، سألتك عن الواقع..سألتك عن مطر الرصاص الذي انهال علينا بغتة..!
    مشارق ، مثلها و مثل الكثيرين ، ترتعب لمطر الرصاص الذي انهدل ليلة ، ولا تعرف ان الأخرون ، الأخرون الأشقياء.. صيفهم تهطل فيها سحابات الرصاص ، شتاءهم تهطل فيه سحابات الرصاص ، خريفهم تهطل فيه سحابا الرصاص..!
    زجرتُ تلك الخاطرة اللئيمة و انا اطردها بعيدعن خيالي ، خيال التواطؤ السائب..!
    قلت: كنت في بيت المرأة الغريبة..!
    ضحكت مشارق و هي تقول: ماذا تعني؟..
    حكيت لها التفاصيل كلها.. و قالت: هذه فعلا امرأة غريبة..و الأغرب وفرة الكونياك الهنسي في امبدة..!!
    ضحكت و انا اقول: الغريبة لم افكر في امر تلك الوفرة..ولا ذلك الأمان الغريب..!
    دخلت عائشة و صواهد ..و كل منهما تحتقب رزمة من صحف الصباح..و كغير العادة ، كان الأستاذ الكبير قد حضر مبكرا و هو يتتبع الأخبار..لم يسألنا كعادته في تفسير الأشياء او تحليلها و لكنه كان صامت متوتر..كانت تجلس معه فتاة تلتفع بثوب احمر و تبدو غير مهتمة بمظهرها..وهي تحاول ان تجري حوار مع الأستاذ الكبير.. عرفنا انها صحفية في احد الصحف..و كان الأستاذ مترددا في امر الحوار بدعوى انه لم يجمع معلومات كافية..!
    جلسنا نتصفح صحف الخرطوم ..و يبدو انها كلها تتحدث بطريق التكهنات.. مع التركيز على الإدانة العاطفية للحدث..لا احد يقدم معلومة دقيقة عما حدث ..ولا صورة واحدة لبقايا المصنع.. يبدو ان المكان اصبح محظورا..!
    سمعنا جلبة في البهو امام مكتبنا..و حاولت استفسار الأمر.. رأيت مجموعة من العسكر و برتب كبيرة للغاية و في الزي الرسمي..سلموا علي و سألني احدهم: هل تعمل في هذا المكتب؟..و قبل ان اجيب.. تحدث رجل برتبة عقيد و هو يقول: هذا الأستاذ حماد ، يعمل مع الأستاذ الكبير..!
    وقبل ان افكر في امرهم.. دعوتهم للدخول الى المكتب..و لدهشتي اخذوا يتحدثون مباشرة الى منار سكرتيرة المكتب..لم ارى منار ، في حياتي ، في موقف حانق كهذا..و كانت تجادل كبيرهم ..و هو برتبة مارشال.. كأنها تتحدث الى موظف صغير يعمل عندها.. قالت: ماذا الآن.. لا اعرف مكانه..!
    تبسم الضابط الكبير وهو يقول: معلوم يا منار.. و نحن من يحتاج اليه.. انت تعلمين لا متاعب فهو استاذنا الذي علمنا اشياء كثيرة..!
    وقتها تذكرت امر الصحفية التي تجلس مع الأستاذ الكبير في داخل مكتبه الذي احكم اغلاقه كأنما يفعل شيئا مشين بعيدا عن اعين الفضول..و اخذت اساءل نفسي..و ما علاقة كل هذا ببعضه البعض؟.. لماذا الأستاذ الكبير وفي هذا المنعطف بالذات؟..
    قال الضابط ، المارشال ، يخاطب منار: سانتظره هنا..و لابد أن يساعدنا.. البلد في موقف حرج للغاية..!
    و لم تقل منار شئ ، غير عبارتها: لا اعر ف اين هو الآن..!
    جوقة العسكر زحمت المكتب ، و اصبح لا موطئ قدم.. زميلاتي .. مشارق و عائشة و صواهد تجلى الرعب في قسمات وجوههن.. كن مرتعبات بحق و حقيقة.. و اقترحت عليهن ان يذهبن الى مكتب الشركة المجاورة لمكتبنا..و لم يعترض العسكر على ذلك.. ثم دعوتهم ، دعوت العسكر ، للجلوس..!
    في تلك اللحظة فتح الأستاذ الكبير باب مكتبه وخرج يستفسر الأمر.. شعرت بحيرة.. فياترى ماذا سيفعل؟..
    تبسم في وجه الضابط الكبير ، الضابط المارشال ، و هو يقول: لم اكن اعرف ان لدينا ضيوف.. تفضلوا الى مكتبي..و لكن العسكر اعتذروا عن الدخول الى مكتبه..!
    كنت انتظرهم ان يبدأوا الحديث مع الأستاذ الكبير..و لكن كبيرهم قال له: نريد لقاء جنابوعبد المنعم..!
    ضحكت في نفسي ، وقلت: كل هذه الجلبة من اجل عم عبد المنعم؟..ياما تحت السواهي دواهي..!
    لم يطل انتظارنا كثيرا..و جاء عم عبد المنعم .. يتأبط الصحف ، صحف الخرطوم اليومية ،..و يحمل قدح القهوة له..و قدح نسكافيه لمنار سكرتيرة مكتبنا..!
    كل العسكر كانوا ينظرون اليه برعب و زهو و خشوع..و قال كبيرهم معتذرا: اسف الأمر لا يحتمل الإنتظار .. نريد مساعدتك..!
    ولأني تعودت على وجودهم الصاخب.. فاقترحت عليهم الجلوس في مكتب الأستاذ الكبير..و استأذنت في الخروج..و جذبني عم عبد المنعم و هو يقول.. لا تذهب اريدك ان تبقى..!
    دخلنا مكتب الأستاذ الكبير..و استأذن هو في الخروج..وكنت اظن أن عم عبد المنعم سيطلب منه البقاء..و لكنه شكره على الضيافة.. واعدا بان الجلسة لن تطول..!
    وقال بصورة واضحة: اريد ان يبقى معنا استاذ حماد..!
    خرج الأستاذ الكبير..و خرج عم عثمان الفراش..و لم نبقى الإ انا و عم عبد المنعم و العسكر..!
    قال عم عبد المنعم مخاطبا الضابط الكبير ، الضابط المارشال : ماذا تريد بالضبط؟..
    نظر الضابط الكبير في وجهي جيدا..فقال عم عبد المنعم: اريده ان يبقى وهو شاب خير..لا خوف منه..!
    شعرت بخوف حقيقي..!
    قال الضابط الكبير: نريدك ان تكتب سلسلة مقالات..و سوف نمنحك حافز خمس مليون جنيه عن كل حلقة..و اكتب ما شئت.. حتى و لو الف حلقة..و لك مطلق الحرية في اختيار الصحيفة التي ترغب في النشر فيها.. فقط قل لهم ان البلاد لا تصنع اسلحة بيولوجية..!!
    قال عم عبد المنعم بهدوء: مثلما قلت لك.. لن اكتب حرف قبل زيارة ميدانية..!
    قال الضابط الكبير بتلعثم: و هذا غير ممكن..!
    قال عم عبد المنعم: حسنا ، فلن استطيع ان اكتب خيالا..!
    ساد صمت قليل..ثم قال الضابط..اريدك في امر اخر..قال عم عبد المنعم قل..
    تلعثم الضابط الكبير مرة اخرى و اخذ يحدق في وجهي بصورة شريرة..وقال عم عبد المنعم: قلت لك امره يهمني..و لا خوف منه.. ماذا تريد؟..
    قال الضابط الكبير: التخزين..!
    قال عم عبد المنعم: مخازنكم قديمة..وضيقة..و غير مؤهلة لإستيعاب ما تودون تخزينه.. ناهيك عن حرارة الطقس..لماذا لا تبنون مخازن جديدة و بمواصفات مواكبة؟..
    قال الضابط الكبير: انت تعلم حال البلد..و شح الأمكانيات..وظروف الحرب..و الحصار..!
    قال عم عبد المنعم: اعلم ذلك ، و لكن الإرادة غائبة تماما..لا ارادة تفكر في المستقبل و لو على المدى القريب..!
    قال الضابط متلعثما: انت تعرف سعادتك ، اننا عسكر ..و اهل السياسة هم من يتحكمون في الأمور..!
    قال عم عبد المنعم: الجيش عمره لم يكن تحت السياسة في هذه البلاد..و مطالبكم مشروعة ..و انتم تقدمون الكثير للبلد و اهلها..!
    قال الضابط: نعم..و لكن ماذا ترى في امر التخزين..؟
    قال عم عبد المنعم: ضعوا الأشياء في وضع رأسي..و الخسارة ستحدث ..ان لم يكن اليوم فغدا او بعد غد..!
    قال الضابط الكبير مستغربا: و لكن سيادتك ، الخبراء العراقيون يرون ان نضعها في وضع افقي؟..
    امتعض عم عبد المنعم و هو يقول: الخبراء العراقيون لا يفهمون في طقس بلادنا الحار..و لا يعرفون عن طبيعة مخازنكم.. الأرضية عندكم ارضية ترابية..الوضع الأفقي سيجعل الخسارة اكبر.. الوضع الرأسي سيجعل الخسارة اقل..لأن الأتجاه سيكون نحو الأعلى.. اما الأفقي . الإتجاه سيكون حول المباني و المساكن و مخازنكم تقع وسط منطقة ماهولة بالسكان..!
    عاد الضابط الكبير الى الموضوع الأول و هو يقول لعم عبد المنعم: سوف اجتهد في ان اوفر لك زيارة..ميدانية..ولكني لن اوعد بشئ..!
    قال عم عبد المنعم: سانتظر..وفي المرة القادمة ارجوكم لا ترعبوا هذا المكتب و اهله.. هذا ليس مكتبي..و انت تعرف كيف تجدني..!
    و كان هذا بمثابة اعلان لنهاية الإجتماع الغريب..!


    كبر
                  

09-14-2018, 05:53 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: رواية نواح الشواهق – محمد النور كبر (Re: Kabar)



    12
    لم نمكث كثيرا في مكتب الأستاذ الكبير..و كنت اتصبب عرقا من هول الموقف العجيب ، فالسلطة اعرفها وهما و خيال ، غول ننسج ملامحه كما نريد.. نشتمها في مؤانساتنا و حكاياتنا.. لكن ان نجابهها بكل هذا الزخم.. فهذا امر غريب علي.. عم عبد المنعم كان هادئا للغاية..و كانما شيئا لم يحدث..ثم قال لي: دعنا نتمشى..!
    نزلنا و انا اتلفت حولي ، ضحك عم عبد المنعم و هو يقول: هل انت خائف؟..
    قلت: نعم..و هذه اشياء لا عهد لي بها..كنت اتصورها مجرد حكاوي و لكن ان اكون في وسطها فهذا لم يكن في حساباتي..!
    قال عم عبد المنعم: مهما بلغت بك الحاجة مبلغا عظيم فلا تطأطئ راسك.. لا تنحني للحاجة.. فلو مددت يدك مرة لن تتوقف بعدها ، و سينتهي بك الأمر من موقف حرج الى اخر اكثر احراجا..!
    ادعيت البراءة ، و قلت مستسفرا: ماذا تقصد؟..
    قال: اخر العنقود في اسرتي ، فتاة جميلة تدرس في كلية الطب في احد الجامعات الخاصة.. الأمر غير مكلف ، و لكنه في حاجة الى مصاريف..!!
    قلت: و جاءك عرض لتوفيرها..!
    لمحت الغضب في عينيه ، و هو يقول: و لن اقبل بهذا العرض..و هذا ما جعلني اقول لك لا تنحني لعواصف الحاجة..!
    قلت: لا اريد ان اتدخل في اسرار الدولة..و لكن هم يملكون السلطة.. ماذا يحدث لو كتبوا المقالات و الصقوا فيها اسمك؟..
    قال ضاحكا: لا يستطيعون فعل ذلك.. هوؤلاء كانوا تلاميذي..وهم يريدوني ان اكتب لأنفي ان مصنع الشفاء لا توجد فيه صناعة اسلحة بيولوجية..!
    شعرت برعب حقيقي ، و انا اقول لعم عبد المنعم: هل تعني أن هناك امر مخفي؟..
    قال: ليس بالضبط ، و هناك معمل ارضي.. تنتج فيه حلقة ، ثم تؤخذ الى دولة اخرى.. لأن الأمر يحتاج ثلاث حلقات..و شاء الأمر ان تكون بلادنا من ينتج الحلقة الوسطى..!
    قلت: و لماذا تقول لي كل هذه الأشياء؟.. لماذا كنت حريصا على ان ابقى معك في حين طلبت من الأستاذ الكبير الخروج و انت تعلم هو مخدمي..!
    ضحك عم عبد المنعم بصفاء..و قال: لأنك لا تثرثر كثيرا..و لأنك لن تبيع ما اقوله لك..!
    قلت هازئا: سأكتب المقالات و اذيلها باسمك..!
    ضحك و هو يقول: و تقبض الملايين.. لكن ماذا ستفعل بها؟..
    قلت: ساوفق احوالي..و اعيش مثل بقية الخلق..و اتعبد بنصوص الكتاب السري.. اتلوها في سري و جهري..!!
    قال: المال رعب يا صديقي..من يتعود عليه سيعيش كل الوقت مرعوبا.. مرعوبا في ان يفقده.. مرعوبا في ان يبنيه اكثر و اكثر..هي القذارة و مثلك لا يستطيع الخوض فيها..!
    قلت: و ماذا عن التخزين..؟
    قال: هذا امر محزن ، هو تخزين صواريخ قصيرة المدى..و هذه اشياء تحتاج تخزين جيد.. ارض صلبة..تبريد لحفظها في درجة حرارة معينة..!
    قلت: و ماذا يحدث لو لم تتوفر مثل هذه المواصفات..؟
    قال: ستنفجر..!
    قلت برعب: لوحدها؟
    قال: نعم لوحدها..و هي كثيرة للغاية..و ستسمع عنها قريبا..!
    قلت: و هل تتوقع انهم سيتعقبوني؟..
    قال ضاحكا: صحيح انا ضابط متقاعد..و لكني اعرف الأشياء جيدا..لن يفعلوا لك شئ.. بل قد يصل بهم الأمر حمايتك كمكرمة لي..!
    قلت: انا اعيش في امبدة يا عم عبد المنعم..وانت لا تدري كيف اذهب و اجئ الى هذا المكتب..!
    ابتسم و قال: كنت اظنك شجاعا..هل انت خائف؟..
    قلت: الحذر..!
    قال: لن يحدث لك امر..عش حياتك طبيعيا..!
    و دون توقع ، سالني عم عبد المنعم سؤال لم يكن يخطر علي بالي.. كيف تصرفت منار سكرتيرة مكتبنا مع العسكر؟..
    ضحكت و انا اقول: ليتك كنت هناك.. عمرى لم ارى منار بهذه القوة.. كانت تحدثهم كموظفين صغار تحت امرتها..!
    هز راسه و قال: هذا ما يعجبني فيها..!
    سنتان و انا اعمل بالمكتب.. سنتان و عم عبد المنعم في كل يوم يأتي الى المكتب ، يحتقب الصحف و يحمل قدح القهوة له و قدح النسكافيه لمنار.. و يبقى الى نهاية اليوم و يخرج معها ..و لكني لم افكر مطلقا في طبيعة العلاقة بينهما..و لم اسال احد عنها.. حتى الأستاذ الكبير..!
    عدنا ادراجنا..و حذرني عم عبد المنعم من اهل الصحافة بالتحديد..و قلت له.. لن اتحدث اليهم .. لأني ببساطة لا اعني لهم شيئا..!
    قال: و حتى الأستاذ الكبير.. اعرف انه سيحاول استدراجك..!
    قلت: لن اتحدث اليه في هذا الأمر..و اعرف انه لن يجرؤ علي سؤالي؟
    ضحك عم عبد المنعم و هو يقول: لماذا انت واثق هكذا؟..
    قلت: نعم اثق كثيرا في ذكائي..!



    كبر
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de