عندما شاهدت حاجة الحرم _والدتي_ ياسمين لأول مرة، شهقت ودخلت في غيبوبة طويلة، خطفناها للمستشفى القريب على عجل، وبعد الفحص الأولى وصف الطبيب حالتها بأنها صدمة مفاجئة أثرت في وظائف المخ والاعصاب، أعطتها الممرضة بعض الحقن والمحاليل الوريدية وطمأنتنا لاحتمال افاقتها خلال ساعات. مضى نهار اليوم كله، ومع دخول المساء بدأت تصدر همسا خافتا، اقتربت منها ووضعت يدي على جبينها الساخن باشفاق، - امي سلامتك، أنت كويسة؟ خرج الصوت ضعيفا مهتزا من بين شفتيها دون أن تفتح عينها، -جاسي وينها؟ جاسي ماتخليهم يختفوها. -جاسي منو يا أمي؟ - جاسي بتك، جيبها لي خليها ترقد جمبي هنا. - يا أمي أنا ماعندي بت اسمها جاسي، بتي ياسمين وو لدى ياسر مع أمهم. فتحت عينيها ببطء وتطلعت في وجهي بذهول، ثم قفزت فجأة واقفة وهي تمسك بيدي؛ - جاسمين أختك وينها يا أحمد، ما عافية منك كان ماجبتها لي قدامي أسه. سندتها من وسطها بهدوء وجلسنا على السرير، أخذت رأسها أقبله، قبل أن أشده ليميل علي صدري، واقرأ عليه سورة الفاتحة والمعوذتين و آية الكرسي. . . . . . حاشية: الوضع السياسي مأزوم ومحبط لدرجة التفكير في استغلال المنبر هذه الايام في ترتيب بعض الكتابات القديمة، قبل الانقطاع للدراسة.
(عدل بواسطة عمر التاج on 09-16-2018, 08:03 PM) (عدل بواسطة عمر التاج on 09-17-2018, 06:24 PM)
09-17-2018, 06:26 AM
عمر التاج عمر التاج
تاريخ التسجيل: 02-08-2008
مجموع المشاركات: 3422
وأنا اتلو علي رأسها بعض آيات العين والسحر، كانت الأفكار الشيطانية تعصف بذهني، والهواجس السيئة تنتابني وتشخص حالة أمي، لماذا صُدمت ياترى بمجرد رؤية بنتي ياسمين، هل ألمت بها نوبة سكري أو ضغط دم مفاجئ وجسدها الطيب لايعرف من الأمراض المزمنة شيئا؟ أم هي مجرد آلام وأتعاب حلت عليها في أول يوم نزورها فيه بعد اغتراب وغياب دام أكثر من عام ونصف. هل ياترى أصابت أمي هلوسة الشياطين ام العين ومصائب الزمان تعود؟ وفي كلا الحالتين لدى الأسرة الكبيرة تجارب وظنون. حيثيات هذه الحالة بالذات لم نعهدها على امي قط، ولم نشاهدها عليها غير اليوم، فبمجرد أن عانقتني عند استقبالي في بيتها، وبعد أن رفعت ياسر الصغير وقبلته بشغف، ثم التفتت على زوجتي تصافحها و تعانقها، لمحت يديها تمتد نحو الصغيرة ياسمين ذات العام الواحد، تحملها وتقبلها بدورها، ومن بين دموع الشوق والرحمة والفرحة لاح برق سريع، خرج من سحابة عينيها كأنه بوادر خريف منهمر، تبعت هذه النظرة السماوية شهقة رعد خفيف صدر من بين شفتيها، ثم مالت بهدوء واحتضنت الأرض تفرغ فيها مافيها من شحنات وجد وشجن، بعدها دخلت الوالدة في صدمتها المفاجئة هذه. الحالة إذن ذات علاقة بملاكي الصغيرة ياسمين، صغيرتي التي بلغت العام ولم تر منها جدتها غير صور الولادة، ولم يكن لها حظ منها سوى ملامح شبه خفي واسم أقترحته علينا يوم ولادتها.. مازلت أتذكر صوتها عبر الهاتف كأنه اليوم؛ - ولادة الغربة حاارة يا ولدي، كنا دايرنكم تكونوا معانا ونحضر جديدكم. - قلوبنا معاكم والله يامي، بس ياها ظروف الشغل. - اها والاسم منو بعد الله يهون؟ -الاسم المرة دي عليكي انت، ابوي زمان سمى الولد. - البت احسن تخلي الاسم لي ست الاسم، ولكن اذا شاورتك، انا شايف اسم ياسمين حلو. - واشمعني ياسمين؟ . -ده الاسم الكنت خاتاهو لي اختك الماشافت الدنيا، تومة المرحومة جاسمين.
من هذا الحوار القصير أسميناها ياسمين، وبعكس أخوها الأكبر لم تحظ اَالبنت بنصيب الولد من حب ورعاية أهل ابيها وامها، ذلك أن يوم مولد ياسر كان عيدا كبيرا في القرية الصغيرة الكائنة في خاصرة النيل والتي احتضنت الآباء والأمهات دهرا مذكورا ، حاجة الحرم كانت أول من أخذ المولود بيدها، غسلته ومسحته واسمعته صوت الأذان والإقامة ثم وضعته أمام أمه لتبدأ معها مرحلة الامومة. -امك دي وحات الله مي ام ساكت، دي ملاك نازل من السما عديل. - كيفن؟ - من الله خلقني ماشفت متل حنيتها واهتمامها بجنا جناحها وأمه، العملتو لي لو كانت معاي أمي- الله يرحمها- ما كانت عملت نص العملتو أمك . كل هذه الخواطر والذكريات طافت بذهني وأنا في حجر امي ورأسها بين ذراعي أقبله وأمطره بالذكر والدعاء، تذكرت بعد ذلك ظروف العمل والاغتراب التي أبعدتني عن الوالدة عاما ونصفا، عدنا بعده نحمل الملاك الجميل أخت ياسر.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر التاج
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست