د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 12:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-19-2018, 06:41 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل

    06:41 AM September, 19 2018

    سودانيز اون لاين
    محمد أبوالعزائم أبوالريش-
    مكتبتى
    رابط مختصر


    قام الدكتور الباقر العفيف بنشر سلسلة مقالات بعنوان (الشعب هو الحل)، أنقلها هنا لمزيد من الإطّلاع:

    الحلقة الأولى:
    Quote: الشعب هو الحل
    كيفية بناء وحدة العمل المعارض؟ (1)
    الباقر العفيف
    مقدمة
    ختمت سلسلة مقالاتي حول الانتخابات بهذه الفقرة:
    “بيد أن الرهان الأكبر هو الرهان على الشعب السوداني. فهو المرشح لقلب الطاولة على المَلِكْ الميت، والمنسأة ودواب الأرض… ولكن الشعب يحتاج لتعبئة واستنهاض. وطلائع التغيير هي من سوف تضطلع بمهمة الاستنهاض هذه. وسوف لن تستطيع طلائع التغيير النجاح في هذه المهمة، ما لم تتوحد على شيئين أساسيين أولهما قيادة الحراك المفضي لهزيمة النظام بوسائل سلمية، ولكنها حاسمة وجذرية، تقتلعه اقتلاعا من العروق. وثانيهما برنامج سياسي شامل يطرح حلولا يقبلها الشعب للمعضلات الهيكلية التي ظل يعاني منها السودان عبر الحقب، وتفاقمت وتبلورت إلى درجة المرض المفضي إلى الهلاك. وحدة القيادة ووحدة البرنامج هو ما ينتظره الشعب، وهو ما تحتاجه الثورة. وأرى أن واجب السياسيين، والكتاب، والمثقفين انتاج مبادرات تؤدي إلى تحقيق هذين الهدفين. ومن واجب المجتمع المدني السوداني تنظيم نفسه في شكل حركة حقوق مدنية تُحْرِز وتَحرِس حقوق الشعب المنتزعة. وتصبح رقيبا على أعمال الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية”.
    وفيما يلي من مقالات أفصل في هذه الأفكار.
    أولا: التوحد على هدف إسقاط النظام
    إن تصاعد الدعوات إلى التخلي عن هدف إسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية السلمية، والتوافق على منازلته انتخابيا، إنما أفرزتها حالة الجمود الحالية في المشهد السياسي، والتي تتطلب اختراقا ما، مهما كان شكله. وقد قادت هذه الحالة البعض إلى التفكير في إحداث ذلك الاختراق عن طريق “مساومة تاريخية” تُقْدِمُ عليها الحكومة متمثلة في شخص البشير تحديدا، يتحول فيها هو من شخصية حزبية إلى شخصية وطنية، ومن حارس لمصالح الأقلية المتنفذة الفاسدة، لحارس لمصالح الشعب بأجمعه. ولكن أثبتت الأيام أن الرجل غير مؤهل للقيام بذلك، لا من ناحية التأهيل العقلي ولا من ناحية التأهيل النفسي. فهذا هو وسعه، وهذه هي طاقته وقدراته، وهو بطبيعة الحال لا يستطيع أن يعدو قَدْرَهُ.
    وحين “قِنِع” الباحثون عن اختراق “من خيرا” في البشير، توجهوا بمقترحاتهم للمعارضة، ودعوها لتُقَدِّم بعض الإغراءات للحكومة عسى أن تشجعها للإقدام على خطوة “المساومة التاريخية”. تتمثل هذه الإغراءات في إعلان تخليها عن هدف إسقاط النظام، الذي يعني ضمنيا إسقاط المحاسبة على الجرائم التي ارتكبها، وإبداء استعدادها على منازلته انتخابيا. ووسط الداعين للمنازلة عن طريق الانتخابات يُوجَدُ رأيان. رأي يشترط قيام النظام بإجراء بعض الإصلاحات القانونية الرامية لتوسيع الحريات، يثبت بها رغبته في إرساء دعائم السلام والتحول الديموقراطي في البلاد، وإلا فلا. ورأي آخر يدعو للمنازلة دون شروط على أن تصبح قضية إصلاح القوانين ضمن المعارك التي تخوضها المعارضة ضد الحكومة.
    استنهاض الشعب هو التحدي الذي يواجه المعارضة
    إذن هناك إجماع وسط المعارضة، بجناحيها الإثنين، الجناح الذي يتخذ موقفا جذريا من النظام ويسعى لإسقاطه ومحاسبة رموزه، والجناح الذي يزمع منازلته بالانتخابات، بأن ثَمَّة معارك لابد من أن تُدار ضد النظام، بغض النظر عن اختلاف الأهداف. وأن هذه المعارك لابد من أن ينهض بها الشعب، وأن التحدي الذي يواجه المعارضة هو كيفية استنهاض الشعب. هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الجميع، من يريد المنازلة بالانتخابات ومن لا يريدها، ولذلك لا يجب أن يصرفنا الاختلاف حول الأهداف عن اتفاقنا حول إدارة المعارك مع النظام لإحداث الاختراق المنشود.
    التعلم من المعلم جون قرنق
    وهنا يحسن بنا تعلم بعض الدروس من الطريقة التي تعامل بها الدكتور جون قرنق لحل الخلاف الذي نشب داخل الحركة الشعبية بين من كانوا يُسَمَّوْن بالقوميين الجنوبيين، الذين يهدفون لتحرير الجنوب فقط من قبضة الحكومة، والوحدويين، الذين يهدفون لتحرير السودان كله (تحريره من “شنو” ما من “منو” كما كان يحلو له أن يعبر). قال الدكتور جون قرنق مخاطبا الفريقين، في كلا الحالتين لابد من النضال والحرب. فالذين يريدون تحرير الجنوب لن يستطيعوا تحقيق هدفهم ذلك دون حرب. وبداهة، فالذين يريدون تحرير السودان كله يقع عليهم عبء إضافي. فبدل صرف الطاقة في الجدل العقيم حول الهدف النهائي، طالبهم بالتركيز على النضال حيث يمكن للقوميين التوقف عند تحقيق خطوة تحرير الجنوب، على أن يتركوا الوحدويين يواصلوا المسيرة لتحرير بقية البلاد. وهو لعمري حل عبقري، سهل ممتنع، لا يخطر على البال من فرط بساطته، كالشيء على أرنبة الأنف لا تراه من فرط قربه. هذا نموذج للتفكير “خارج الصندوق” الذي ينادي به الكل ولا يكادون يهتدون إليه سبيلا. وقد حققت اتفاقية السلام الشامل الجمع بين هذين الهدفين بصورة عبقرية أيضا، ألا وهي إعطاء الجنوبيين الحق في تقرير المصير، مع العمل المشترك لتحقيق الوحدة الطوعية، وهو ما أطلق عليه تعبير “جعل الوحدة جاذبة”. ولكن العقل الذي هندس الاتفاقية غُيِّب مع بداية الفترة الانتقالية، مما أفسح المجال ليتولى قيادتها البشير وسلفا كير، اللذان أثبتت التجربة العملية أنهما صغار أحلام بحق وحقيقة، وأنهما مجرد قزمين يمشيان مُكِبَّيْنِ على وجهيهما، لا يريان أبعد من أقدامهما. فأضاعا أعظم لحظة تاريخية تمر على بلادنا. وليس أدل على قولي هذا من أنهما الآن يجلسان، كبُومَتَيْن، على حطام بلد كان اسمه السودان.
    والسؤال الذي يلح على الأذهان الآن هو هل يمكن للمعارضة أن تتوحد على الجمع بين الهدفين الرئيسيين، هدف إسقاط النظام، وهدف منازلته انتخابيا؟ وبعبارة أخرى، هل يمكن أن تُقِرَّ جميعُ الأطراف بمشروعية أهداف بعضهم بعضا، دون محاكمات أخلاقية، ودون محاولات حمل الآخرين لرؤية ما نرى؟
    مقترح بكتلتين للمعارضة
    من المعلوم أنه في داخل عضوية كل حزب وحركة سياسية يوجد من يؤمنون بهدف إسقاط النظام عن طريق الثورة الشعبية السلمية، وكذلك يوجد من يؤمنون بهدف منازلته انتخابيا. فهل من الممكن بناء تحالفين عريضين، حول الهدفين الرئيسيين، بحيث ينماز أصحاب المواقف الجذرية في تحالف هدفه إسقاط النظام، واقتلاعه من الجذور، ومحاسبة رموزه، ودعونا نسميه التحالف الجذري. بينما ينماز الذين يؤمنون بالمنازلة الانتخابية في تحالف كبير هدفه انتزاع الحقوق والحريات السياسية تمهيدا للمنازلة الانتخابية، ودعونا نسميه التحالف الانتخابي. فإن تحقق هذان التحالفان، فسوف يتنافسان على الفعل الهادف لإحداث اختراق في حالة الجمود الحالية. بدل التنافس على إثبات سلامة الموقف السياسي.
    التحالف الجذري
    فإذا مثلت هذه الفكرة حلا من الناحية النظرية، سوف ننصرف للتفكير حول كيفية تحقيقها على أرض الواقع. وأول آثار هذه الفكرة هي أن التحالف الجذري لا يدخله الحزب برمته، ولكن تدخله القيادات التي تؤمن بهدفه فقط. فيصبح التحالف هو تحالف الأشباه والنظراء الذين يفكرون بالطريقة ذاتها، ويسيرون في الاتجاه ذاته، مما يزيد من فرص انسجامهم وتناغم أفعالهم. وثاني آثار هذه الفكرة هي أن التحالف الجذري مستقل عن القوى السياسية المكونة له، فهو لا يخضع لها، وليس مسؤولا أمامها، وإنما يكون مسؤولا أمام قاعدته الجماهيرية التي تتجاوب معه، وأمام الشعب مباشرة. ربما كانت هذه الفكرة مفيدة من ناحية الفعالية، فالذي يجعل العربة تتحرك إلى الأمام هو أن الخيول التي تجرها تسير جميعها في اتجاه واحد، ولا تشدها في اتجاهات مختلفة. كذلك ربما كانت الفكرة مفيدة من الناحية التكتيكية لأن التحالف الجذري ليس تحالف أحزاب، ولذلك فالأحزاب ليست مسؤولة عن شعاراته وأفعاله أمام النظام، كونه، أي التحالف، يسعى لإسقاطه، الأمر الذي يعتبره أهل النظام جريمة ضد الدولة عقوبتها الإعدام. ويجدر الإشارة هنا إلى أن هناك مبادرة لبناء هذا التحالف الجذري ظل يبني فيها مجموعة من النشطاء، بصبر دؤوب.
    التحالف الانتخابي
    أما التحالف الانتخابي فهو بطبيعته سيكون تحالف أحزاب وكيانات تعمل وفق الدستور الذي يجلس على الرف يستجمع ذرات الغبار، بينما تسود القوانين الدراكونية التي تُحَرِّم وتُجَرِّم التفكير والتعبير والفعل. هذا التحالف سيكون هدفه حماية الدستور، وإصلاح القوانين غير الدستورية، التي تعارضه، وتنتهكه. فهو تحالف دستوري، بمعنى أنه يعمل وفق دستور البلاد، ويسعى لاحترامه وتفعيله، بينما الحكومة هي التي تقوضه، بحسب تعبير الاستاذ نبيل أديب. وهنا ربما يصلح المقترح الذي تقدم به حزب المؤتمر السوداني من تكوين تحالف عريض يقدم مرشحا واحدا عن كل دائرة لمنازلة الحزب الحاكم في الدوائر البرلمانية، ومرشحا رئاسيا واحدا لمنازلة البشير.
    التوحد على البرنامج
    إذا استطعنا حل معضلة التوحد على الهدف عن طريق بناء هذين التحالفين الكبيرين، تصبح مسألة التوحد على البرنامج في كل تحالف أقل صعوبة. فالآن يوجد ما يشبه الإجماع أن فشل ثورتي أكتوبر وأبريل في إنجاز البناء الديمقراطي بعد ما أنجزتا التغيير السياسي، إنما كان بسبب فشل الفترتين الانتقاليتين اللتين أعقبتاهما. ففي أكتوبر لعب جوع الحزبين الكبيرين للسلطة، بعد فطام دام ستة أعوام، دورا أساسيا في إسقاط حكومة سر الختم الخليفة الانتقالية حتى قبل أن تبلغ عامها الأول. أما في أبريل فقد لعب توازن القوة المختل لصالح المجلس العسكري، الذي وصفه جون قرنق، بحق، بمايو الثانية، الدور الأساسي في إفشالها. هذا بالإضافة لعوامل أخرى هامة منها الضعف المخزي لحكومة الجزولي دفع الله، الذي لقبه الشعب بالرئيس المَخَلُوع، من الخُلْعَة، في مقابل وصف النميري بالرئيس المَخْلُوع (من الخَلْع). ومنها اختراق الأخوان المسلمين للمجلس العسكري وحكومة الجزولي معا، ومن قمتهما. ودللت على ذلك الاختراق الوظائف التي حظيا بها في مؤسسات الإخوان المسلمين، فيما بعد، مثل منظمة الدعوة الإسلامية.
    إذن فقد أدى تلهف الحزبين التقليديين للسلطة، بعد سنوات عبود الست، ثم عبثهما بها لأربع سنوات، لانقلاب مايو. وبالطبع مايو حرمتهما من السلطة لستة عشرة عاما أخرى.
    وكذلك أدى ضعف ذات الحزبين أمام الجبهة القومية الاسلامية، بعد أبريل ١٩٨٥، وارتهانهما لها، ثم انقلابها عليهما، إلى حرمانهما من السلطة لقرابة الثلاثين عاما. فإن لم تستوعب الأحزاب التقليدية هذه الدروس العالية الكلفة سيصبح حالها كحال آل البوربون الذين قيل عنهم أنهم “لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا”.
    نحن بحاجة للاتفاق على طول ومهام الفترة الانتقالية. وهناك شبه إجماع بأن الفترة الانتقالية يجب أن تكون طويلة ومرهونة بإنجاز قضايا الانتقال. ويمكن تلخيص قضايا الانتقال في تحقيق السلام، وإصلاح القوانين، والإصلاح المؤسسي، ورد المظالم، والمحاسبة على الجرائم، مع ترتيبات العدالة الانتقالية لإبراء الجراح ورتق النسيج الاجتماعي الممزق. وكذلك محاربة الفساد ورد الأموال المنهوبة. ووضع البلاد على طريق البناء الديموقراطي والتنمية والنهوض.

    الحلقة القادمة بعنوان كيفية استنهاض الشعب.




















                  

09-19-2018, 06:52 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)


    الحلقة الثانية بعنوان: (كيفية استنهاض الشعب)

    Quote: الشعب هو الحل (٢) كيفية استنهاض الشعب
    تعجب الكثيرون من عدم انفجار الشارع بالمظاهرات رغم احتقانه، ورغم ضيق الشعب وتلاحق أزماته. ولقد صَدَمَ منظرُ الناس وهم يقتلون الوقت بلعب الورق، وتبادل النكات، أثناء انتظارهم الطويل في صفوف البنزين والغاز الممتدة على مد البصر، الكثيرين من الكتاب والنشطاء السياسيين، وزاد من يأسهم من قيام الثورة الشعبية. حار الناس من هذا الهدوء العجيب رغم توفر جميع الظروف الداعية للانفجار.
    الحاصل شنو؟
    بدأت تظهر بعض النظريات التي تحاول الإجابة على هذا السؤال، وتفسير هذه الظاهرة المحيرة. فهناك النظرية القديمة التي تعزوا الأمر لضعف المعارضة وتمزقها وزهد الشعب فيها، ومن ثم غياب البديل. وقبل ذلك كان هناك من أعلن نهاية عهد الثورات الشعبية بنهاية الربيع العربي، وفشله في إحداث التحول الديمقراطي المنشود، بل ارتداده لحكم عسكري قابض في مصر وانزلاقه لحروب ودمار ونزوح وتدخلات أجنبية في كل من سوريا وليبا واليمن. وهناك من صارت تراوده قناعة بأن الشعب استكان ووطن نفسه على التعايش مع الفقر والقهر والاستعباد، وشرع يشتمه بأقذع الألفاظ.
    بيد أن أعجب من كل أولئك، فإن هناك من شكًّك في وجود شيء اسمه “الشعب” نفسه. فوفق هذا الطرح، فإن مفهوم “الجماهير”، أو ما يرادفه من عبارات مثل “الشارع” أو “الشعب”، ليس له وجود حقيقي، بل ابتدعته النُّخَب لاستغلاله لمصلحتها الذاتية، مما اعتبره نوعا من أنواع الاحتيال السياسي. فهذه النخب، حسب هذه النظرة، تتحدث باسم الشعب دون تفويض حقيقي.
    ماذا عن أكتوبر وأبريل؟
    أما إذا تساءلنا عن ثورتينا اللاتي نفاخر بهما الأمم، أكتوبر وأبريل، ألم تكونا ثورتين شعبيتين؟ فتأتي الإجابة “لا” عالية. فإن النخب، ممثلة في الأحزاب والنقابات والجيش، هي التي صنعت أكتوبر وأبريل وليست “الجماهير” أو “الشعب”. وأن هذه النخب تسلَّقت “الجماهير” لتصل للسلطة، لأنها لا تستطيع الوصول إليها بالطرق الديمقراطية المستقيمة. أي أن “النخب” هي التي زيَّفت التاريخ الحقيقي لهاتين الثورتين ووصفتهما، زورا وبهتانا، بالثورات “الشعبية”، بدل “النخبوية”.
    وهكذا نرى نموذجا لكيفية تحول الآراء السياسية لعقائد دُغمائية يسعى أصحابها لإثبات صحتها بكل سبيل، ولو بمحاولة إعادة كتابة تاريخ الثورات السودانية لتجريد الشعب من دوره فيها.
    وفي مارجريت تاتشر أسوة لكم
    إن نفي وجود شيء اسمه “الجماهير” شطحة لم يسبق صاحبها عليها إلا شطحة السيدة مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانية في عقد الثمانينات من القرن الماضي، حين صرحت بأنه ليس هناك شيء اسمه المجتمع وإنما هناك فقط أفراد وأسر”.
    There is no such thing as society. It is only individuals and families
    وجاء تصريحها في مضمار سعيها المحموم لتفكيك دولة الرعاية الاجتماعية التي أنشأها حزب العمال البريطاني. وقد جَرَّ عليها هذا التصريح وغيره من التصريحات المؤيدة للرأسمالية المتوحشة، وكذلك تشريعها لضريبة الرأس “الدِّقنيَّة”، غضب “الجماهير” البريطانية التي خرجت “للشارع” بالملايين، وأسقطت ضريبة الرأس، ثم أسقطت تاتشر ذاتها، التي تخلص منها حزبها عندما أصبحت رمزا للكراهية، وعبأ ثقيلا عليه، وكان واضحا جدا أنها ستكلفه الانتخابات ما لم يتخلص منها. ومن آثار تصريحها العجيب ذلك أن أحد الشباب البريطانيين لم يتمالك أعصابه عندما رأي تمثالها في متحف الشمع فقام بتوجيه لكمة للتمثال أطارت رأسه.
    ولأهل النظام تفسيرهم
    هذا في جانب المعارضة. أما من جانب النظام، فهناك تفسير آخر مختلف تماما لهذا الهدوء الشعبي. تفسير يثني على الشعب “المسلم” الصابر على “الابتلاءات”، والذي يتَفَهَّم وضع حكومته “الإسلامية”، وما تعانيه من حصار ظالم نتيجة تمسكها بدينها. ودلّل الكاروري في خطبه على ذلك بمشهد المنتظرين على الصفوف وهم يقيمون الجمعة في محطات الوقود. وصرح منتشيا بأن تلك من أبلغ الرسائل التي أرسلتها الجماهير “المسلمة” للأحزاب المعارضة التي تحلم بالثورة، بأن تؤوب إلى رشدها وتعود إلى حضن دينها وشعبها “المسلم”.
    بعيدا عن العقائد والأماني
    وبعيدا عن محاولات جعل الآراء السياسية البشرية أصناما تعبد، وبعيدا عن أماني أهل النظام المزنوق، الذين صاروا مثل الغريق ال “بتلافى زبد البحر”، فالمشهد الشاخص امامنا يقول ان هناك شعوب، وهناك جماهير، وشوارع تثور وتقضي على طغاة، وتطيح بحكومات، أو تضعفها وتذهب بهيبتها. ففي تونس نجح الشعب في هزيمة النظام وأقام بديلا أفضل. وفي مصر أطاح الشعب بمبارك ومرسي، وبالرغم من أنه لم يقم البديل الديمقراطي، إلا أنه حقق مكاسب عظيمة، ليس لمصر وحدها بل للعالم كله، وذلك بقضائه على سرطان الإخوان المسلمين الذي يكاد يفتك بنا، ونزع السلطة منهم، ثم فتح الأبواب على مصراعيها لحركة تنوير ستقتلع أفكارهم من جذورها، وتقطع دابرها. وحسب هذا وحده المصريين، والبشرية جمعاء، من مكسب في هذه المرحلة. أما التحول الديمقراطي فهو قدر الشعب المصري الذي سوف لن يطول انتظاره له كانتظارنا. و”الشعب” في اليمن نجح في انجاز التغيير، وحافظ على سلمية الثورة لزمن طويل، رغم انتشار ثقافة السلاح في البلاد. إلا أن أحابيل الرئيس المخلوع أدخلت اليمن في حرب أهلية، وتدخلات إقليمية مدمرة، لا يُسْأَل عنها الشعب، وإن اكتوى بنارها. وقد راح ضحيتها الرجل الذي تسبب فيها، عله يصبح عبرة لغيره من المهووسين بالسلطة. وكذلك الحال في ليبيا، وسوريا، فقد بدأت الثورة الشعبية سلمية، ولكن دموية النظامين هي التي أدخلت بلديهما في الفتنة والخراب الحاليين. ولذلك لا يُلام الشعب في البلدين على ما آلت إليه الأوضاع. وعموما، ورغم الدماء والدمار، إلا أن المستقبل هو للشعوب، ولو بعد حين. فسوريا لن تكون سوريا القديمة، وليبيا لن تكون ليبيا القديمة. والتاريخ ملئ بالشعوب التي أصابتها الحروب والمحن والكوارث، فخرجت منها لآفاق الحرية والسلام والتنمية. ولقد أصبح الربيع العربي مهما قيل فيه معلما في التاريخ المعاصر وتجربة انتقلت لأروبا وأمريكا في شكل حركة “أحتل وول ستريت” وانتقلت لعدد من البلدان الأفريقية، مثل بوركينا فاسو، وغامبيا. وستظل إرثا إنسانيا يجلب المفخرة لشعوب المنطقة.
    ذاكرة سبتمبر ٢٠١٣
    خرجت الجماهير خروجا تلقائيا في سبتمبر ٢٠١٣، عقب الإجراءات الاقتصادية التي أسفرت عن زيادات في أسعار السلع الأساسية. خرجت في عدد كبير من المدن شملت جميع أقاليم البلاد. ولم تستطع الحكومة إيقافها إلا بعد أن أطلقت الرصاص الحي على المتظاهرين العزل وقتلت منهم ما يزيد عن المائتي شهيد. إذن هناك شيء اسمه الجماهير، وأن هذه الجماهير تخرج في مظاهرات بالرغم من ضعف المعارضة وتمزقها، ورغم عدم توفر البديل. خرجت الجماهير دون أن تدعوها المعارضة للخروج. خرجت ودفعت الثمن من دماء شهدائها. بيد أنها اختزنت التجربة.

    لماذا لم تتجاوب الجماهير مع دعوات الثورة؟
    ولكن هذه الجماهير لم تخرج الآن بالرغم عن أن الأوضاع أسوأ مما كانت عليه عام ٢٠١٣ أضعاف مضاعفة. وبالرغم عن أننا نعايش دولة فاشلة وعاجزة عن إدارة البلاد، وفاقدة للشرعية، وفاقدة لزمام المبادرة.
    السبب في عدم خروج الجماهير هو ببساطة لأن ذاكرة الشعب ما تزال تختزن هذه الجريمة البشعة، جريمة مقتل أكثر من مئتي مواطن أعزل وبريء، وضياع دمائهم هدرا، بلا قصاص أو عدالة. فالشعب يعلم أن النظام لن يتوانى في قتل المتظاهرين العُزَّل، وبطبيعة الحال فالجماهير سوف لن تستجيب لدعوات التظاهر ما دامت المعادلة هي بين الحياة، مهما كانت بائسة، وبين الموت. فحفظ الحياة مُقدَّم على حفظ الكرامة عند جملة البشر، وهذا ما جعل المهزومين في الحروب قديما يقبلون الاسترقاق، ويفضلونه على الموت. ولولا ذلك لما ظهر الرق في الكون.
    هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل الشارع المحتقن هادئا تماما. وهناك قناعة متزايدة أنه لن يتحرك في مظاهرات ما لم تتساوى عنده الحياة بالموت. لذلك هلا تريّث قليلا الذين بدأوا يسيئون لشعبهم، ويصفونه بالجبن والخنوع والتفاهة، في ظن ساذج منهم أن تلك الإهانات السخيفة ستستفزه للتحرك. لابد لنا من قراءة عميقة للشارع، وتحليل دقيق لأوضاعه المادية والمعنوية، ثم صياغة الفعل المناسب في الوقت المناسب، باستغلال حدث مناسب.
    تجربة العصيان
    استجاب الشعب لدعوة العصيان بالبقاء في البيوت بدرجة كبيرة أعادت للناس الامل في التغيير عبر توحيد الوجدان الشعبي. ولعل أبلغ رسالة أرسلها العصيان للمتشككيين في الجماهير والشعوب هو أن الشعب استجاب للدعوة بالرغم عن أنها جاءت من جهة غير معروفة، وبدون عنوان. استجاب دون أن يتساءل أو يتشكك في مصدر الدعوة. فلماذا استجابت الجماهير لدعوة البقاء في البيوت عام ٢٠١٦، ولم تستجب لدعوات الخروج في المظاهرات عام ٢٠١٨؟ الإجابة واضحة أن العصيان لا ينطوي على خطر الموت أو الإعاقة أو الإعتقال والتعذيب، بينما المظاهرات تنطوي على كل أولئك. إذن يجب أن نفكر في أفعال احتجاجية فعالة وقليلة الثمن. أفعال قليلة المخاطر وكبيرة العائد. أفعال لا تعرض الشعب للمخاطر ولكنها تكبد النظام خسائر فادحة. فهل هذا ممكن؟ نعم ممكن. تجاربنا القريبة وتجارب شعوب أخرى تثبت ذلك.

    في الحلقة القادمة أحدثكم عن التجربة التركية في منتصف التسعينات والتي كان حالها يشابه حالنا الآن.
                  

09-19-2018, 07:16 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)


    تعرّض د. الباقر في الحلقة الثالثة للتجربة التركية:

    Quote: مقدمة
    خلصت في الحلقة الماضية إلى أن هناك شروط لابد أن تتحقق لكيما تتجاوب الجماهير مع أي دعوات للاحتجاج. أول هذه الشروط هو توفر الظرف الموضوعي. والظرف الموضوعي لا يقتصر على تردي الأحوال العامة وحسب، بل إلى جانب ذلك لابد من حدث ما يمثل الشرارة، ويسمونه في مصطلح التعبئة للحملات (المشجب)، أي الشيء الذي يُعَلّق عليه الفعل الجماهيري. كأن يكون إجراء حكومي متعسف، أو قرار أحمق، أو فضيحة فساد كبيرة، إلخ. وثاني هذه الشروط هو وضوح الهدف وبساطة الفعل المطلوب، مثلا رفض قرارت بنك السودان بتغيير العملة فئة الخمسين، أو مصادرة أموال الشعب، وحرمانه من سحبها، إلخ. وثالث هذه الشروط هو ألا يكون الفعل المطلوب عالى الكلفة بالنسبة للمواطنين، أي لا يكلفهم شططا، ولا يتطلب تضحيات كبيرة، وأن يكون الجميع قادرون عليه جسديا وماديا، حتى أصحاب الاحتياجات الخاصة. أي أن نطلب من الجماهير أن يقوموا بأفعال مثل البقاء في البيوت، أو إزالة شريحة زين، أو السوداني من التلفونات، أو الطرق على الأواني ليلا في ساعة معينة، أو الوقوف أمام البيوت، أو التصفير، إلخ.
    مثل هذا الهدف المباشر، يمكن أن تجمع عليه الجماهير بسهولة، الذين يريدون تغيير النظام والذين يريدون إصلاحه. ومثل هذا الفعل غير المكلف ماديا وقليل المخاطر أمنيا، يمكن أن يحظى بإجماع الجماهير أيضا.
    ميزة هذا الحراك أنه يمكن أن يستمر شهورا، ويصبح كائنا حيا حياة مستقلة، فينمو ويتنوع، ويزداد، كما يمكن بمرور الوقت أن تُرفَع سقوف المطالب، ويقدم الناس على أفعال أكثر جرأة، خصوصا عندما ينتشر الفعل الاحتجاجي ويعم البلاد كلها، وحين تبدأ قوة الدولة الأمنية في التضعضع والضعف والتراجع والانكسار. وهذا بالضبط ما حدث في تركيا التسعينات.
    التجربة التركية
    كانت تركيا في أوائل التسعيات من القرن الماضي تتلمس طريق التحول الديمقراطي، والتعددية الحزبيةالتي أتت بالإخوان المسلمين الأتراك للحكم في منتصف التسعينات. وكانت تركيا تعاني من أزمة اقتصادية حادة، وكان سجلها في حقوق الإنسان مصدر قلق كبير لمحيطها الأوروبي الذي تطمح في عضويته. شهدت البلاد انتخابات حرة، لا مكان فيها للتزوير. وأدى هذا أن يصعد للحكم تحالف يميني يقودة حزب الرفاه الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان.
    وبالرغم من هذه التعددية إلا أن البلاد تعاني من فساد الحكم، وانتهاكات حقوق الانسان. وكان هناك تحالف بين أركان الدولة العميقة ووسائل الإعلام الرئيسية، والجريمة المنظمة، متمثلة في المافيا التركية. كانت المافيا التركية تسيطر على تجارة المخدرات، وغسيل الأموال، وتجارة البشر، (كانت تغذي الأندية الليلية بالمخدرات والعاهرات والراقصات). وكانت الحرب في الجزء الجنوبي الغربي من تركيا قد فتحت الباب على مصراعيه في التعاون بين القوات التركية الخاصة، والمافيا، والفرق شبه العسكرية التي تحارب التمرد الكردي، مما ساعد هذا الحلف في تأسيس تجارة مخدرات كبيرة حققت لهم أرباحَ هائلة.
    وكان الفساد المستشري، وارتباط المسؤلين السياسين بالمافيا، عبارة عن سر مكشوف يعرفه الجميع ولا يستطيعون فعل شيء إزاءه. وكانت تحدث الكثير من الاغتيالات خارج نطاق القضاء، بعضها اغتيالات سياسية، وبعضها اغتيالات بغرض إخفاء معالم الجرائم التي يرتكبها هذا الحلف الخفي، بغرض إزاحة الشهود المحتملين من الوجود. كان الوضع في تركيا في منتصف وأواخر التسعينات شديد الشبه بما يحدث في السودان الآن. كان هناك قانون يحظر المظاهرات، ويمنع التجمع، وكان البوليس يقمع المظاهرات بعنف شديد. بينما وسائل الإعلام الرئيسية متواطئة مع شبكات الفساد الحكومي والمافيا.

    حادث حركة يمهد الطريق للديمقراطية
    في الساعات الأولى من الثالث من نوفمبر عام ١٩٩٦، وقع حادث حركة في الطريق السريع الرابط بين المنتجعات السياحية لبحر إيجة ومدينة استانبول، اصطدمت فيه عربة مارسيدس فارهة بشاحنة نقل كبيرة. هذا الحادث وفّر الدّليل المادي على ارتباط المافيا والفساد بالحكومة، وشَكَّل فضيحة كبيرة أدت لتغيير مسار الأحداث في تركيا. فعندما تجمع الأهالي حول مكان الحادث وجدوا داخل المرسيدس أربعة أشخاص ثلاثة منهم موتى وواحد جريح، ووجدوا جوالات كبيرة مملؤة بالدولارات، وكمية كبيرة من الكوكايين. أما في صندوق العربة الخلفي فوجدوا كمية من البنادق، والمسدسات، والذخيرة، وكواتم الصوت. كان يقود العربة أحد كبار الضباط في البوليس، هو مدير كلية الشرطة، وقد وُجِد ميتا. وكانت العربة مملوكة لأحد أعضاء البرلمان الذي هو في الوقت ذاته ينحدر من واحدة من أكبر العائلات الأرستقراطية، من ملاك الأراضي في الجنوب الشرقي لتركيا، وكان جريحا. أما الثالث فكان أحد كبار المجرمين من رجالات المافيا، قاتل مأجور، وتاجر مخدرات، ومُبْتَزٌّ، وهارب من السجن، ومطلوب للبوليس السويسري، والانتربول والمحاكم التركية. وقد وُجِد ميتا إلى جانب عشيقته التي وُجِدَت ميتة أيضا. أما سائق الشاحنة فكان مواطنا تركيا بسيطا، أصيب بجروح طفيفة، وقد تم اعتقاله على الفور وتقديمه للمحاكمة. الجدير ذكره أن الشعب وهو يتناقل أخبار الفضيحة، كان يشير للمجموعة داخل المارسيدس “بالعصابة” ويشير لسائق الشاحنة “بالمواطن”.

    الحصانة للفاسدين
    أما عضو البرلمان الارستقراطي المتنفذ، وهو الناجي الوحيد من الحادث، فلم يسأله أحد!! بل رجع لمقعده في البرلمان يمارس أعماله وكأن شيئا لم يكن. وأكثر من ذلك تواطأت حكومة أربكان، مع الإعلام، مع البرلمان، مع الأجهزة الأمنية مع القضاء، على الصمت المطبق، والتستر على الفضيحة، بينما انتشرت أخبارها انتشار النار في الهشيم، وعَمَّت القُرى والحَضَر. فقد اجتمع في هذا الحادث الثالوث الذهبي لصناعة الخبر الصحفي كما يقولون: السلطة، والمال، والجنس. وزادوا عليها الجريمة والمخدرات. ولكن كان إعلامهم مثل إعلامنا الحالي تسيطر عليه شبكات المصالح، وأجهزة الأمن، والمال المرتبط بالسلطة. وكان معلوما أن المافيا سيطرت على واحدة من كبريات الهيئات الإذاعية والتلفزيونية عن طريق واحدة من شركات الأعمال المرتبطة بها، بطرق ملتوية. لذلك كانت مصداقية الإعلام في الحضيض.

    قمع المظاهرات
    في صباح اليوم التالي للفضيحة انفجرت مظاهرات طلابية في الجامعات في جميع المدن التركية، فقمعتها الشرطة على الفور وبعنف فظيع. وكانت المحاكم في الوقت ذاته تجري محاكمات لمجموعة من الطلاب بتهمة بمخالفة قانون حظر المظاهرات، لأنهم رفعوا بوستر أمام البرلمان يطالبون فيه بعدم عبث الحكومة بالحق في التعليم. وحكمت عليهم بالسجن خمسة عشر شهرا. فالبوليس والقضاء والدولة الفاسدة يعملون بصورة متناغمة لمواجهة أي تحد للوضع الراهن بحسم. كان الشارع يغلي ولكنه لم يتحرك. كان الوضع هادئا تماما.

    سؤال ما العمل؟
    اجتمعت مجموعة صغيرة من نشطاء المجتمع المدني لتفكر في فعل شيء ما، مستفيدة من تلك الفضيحة المجلجلة لتعبئة الشعب من أجل هدف محاربة الفساد، وفك الارتباط بين الحكومة والمافيا، ورفع الحصانات عن الدستوريين ورجال الأمن، تمهيدا لمحاكماتهم.

    التفكير خارج الصندوق
    وفي ظل الأوضاع الأمنية والقانونية القمعية استبعدت المجموعة أمر دعوة الشعب للخروج إلى الشارع تماما، لأن الشعب لن يستجيب لفعل تنتج عنه مخاطر القتل والسجن والمحاكمات. لذلك قرروا أن يقيدوا تحركهم المقترح بالشروط الآتية:
    أن يكون الهدف من التحرك واضحا.
    أن يكون الفعل المقترح قانونيا. أي لا يشكل جريمة أمام القانون.
    أن يكون التحرك بسيطا وقليل الكلفة، مثل إجراء مكالمة تلفونية، أو الوقوف ساكنا وصامتا للحظة في الطريق العام، أو استخدام بوق السيارة، إلخ.
    وأخيرا أن يكون التحرك خاليا من المخاطر. أي ألا تطالب المواطن بفعل يثير قلقه أو خوفه.

    فترة الحضانة
    استمرت المجموعة في حالة اجتماعات مكثفة وطويلة، لأيام وأيام. كان في بعض هذه الاجتماعات يسود وسطهم الصمت، وتطبق عليهم الحيرة، وينتابهم اليأس، حتى تبدو الدنيا مظلمة، والمنافذ مغلقة، والسبل مدلهمة. وفي واحد من هذه الاجتماعات، عندما حلت عليهم حالة الصمت الكئيبة، قرر مضيف الاجتماع كسر الرتابة، واقترح على أحد أصدقائه أن يذهب معه للمطبخ لتجهيز بعض الطعام. وبينما هما يتحدثان في المطبخ، استعرضا جميع المقترحات الفاشلة، دون الانتباه لبنت المضيف، وهي تلميذة في المدرسة الثانوية، التي كانت تتابع حديثهما. وفجأة قالت لهما، “لماذا لا تجربوا إطفاء النور وفتحه، هذا لن يكلف الناس شيئا، فقط هكذا”، وقامت على الفور بإطفاء النور في المطبخ وفتحته. وبعد لحظة من الضحك على سذاجة الفكرة، صمتا لحظة، ثم انتابهما الذهول. ثم صاحا “يا لله، إنها فكرة رائعة”، وهرعا للمجموعة التي تنتظر الطعام، ليفجرا الفكرة التي ستغير تركيا وتحررها من المافيا والفساد وتضعها على طريق الديمقراطية والنمو.

    حملة دقيقة إظلام من أجل ضياء مستدام
    عاد الشخصان مسرعين لمجموعتهما وفجرا الفكرة العبقرية. شرعت المجموعة في الإعداد للحملة وأعطوها هذا الاسم “دقيقة إظلام من أجل ضياء مستدام”.
    One Minute of Darkness for Constant Light
    تطالب الحملة الشعب التركي بأن يُطفئ الأنوار في جميع المنازل لمدة دقيقة واحدة فقط في تمام التاسعة مساء كل ليلة للتعبير عن سخط الشعب من الأوضاع ومطالبتهم بالتغيير. فكرة بسيطة غير معقدة، هدفها واضح وضوح الشمس، وتنفيذها لا يكلف الناس شيئا، ولا يعرضهم لأي مخاطر، بل يقومون بها وهم في دفء منازلهم، ووسط أهلهم وأصدقائهم، بينما هم يمددون أرجلهم، أو يستلقون على ظهورهم.

    التخطيط
    بدأت المجموعة تنظم اجتماعات مع بقية منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية، التي استجابت فورا وجندت عضويتها. أنشأت المنظمات والنقابات تحالفا أسموه “مبادرة المواطن” وبنوا استراتيجية الحملة ورسالتها وأهدافها وحددوا ساعة الصفر، ولخصوا كل ذلك في صفحة واحدة تصلح كرسالة فاكس، ففي ذلك الوقت كان الفاكس أعظم تكنولوجيا الاتصالات.
    بدأت الفاكسات العمل وكل منظمة ترسل لقواعدها، وكل مواطن يستلم الرسالة يعيد إرسالها لمعارفه، حتى عمَّت حُمَّى الفاكس الناس. ما كانت المجموعة المبادرة تعرف كيف سيكون حجم الاستجابة. أي هل سيستجيب لهم خمسمائة مواطن، خمسة الاف، أم خمسمائة ألف. ولكن في الاسبوع الأول فقط تلقت المبادرة عشرة الاف توقيع من المواطنين فاطمأنوا إلى أن الاستجابة ستكون معقولة. أصبحت الفاكسات حديث الناس، وأصبحوا يتبادلون المعلومات عن ساعة الصفر.

    سلوك الإعلام
    رصدت قيادة المبادرة سلوك الصحف وأجهزة الإعلام المختلفة. وهي في جملتها تجاهلت حمى الفاكس التي تشغل الناس، فكاتبوها، مُحِثِّينَ لها ألا تخون شرفها المهني، وأن تنحاز لشعبها، وأن تعلن عن الحملة. وعندما تبقى لساعة الصفر أسبوعان، شعرت بعض أجهزة الإعلام بأنه سيفوتها حدث ربما يصبح خبر القرن، فبدأت الحديث عن الحملة بحذر. ولكن من أول وهلة شعرت أجهزة الإعلام أن تغطية الحملة أو التعليق عليها يرفع توزيع الصحف، ويزيد عدد المستمعين لمحطات الإذاعة، ومشاهدي التلفزيون. تنافست أجهزة الإعلام لدرجة أن بعض القنوات ثَبَّتَت ساعة الصفر على شاشاتها طيلة ساعات بثها، لتجتذب المشاهدين.

    التنفيذ
    استغرق التخطيط والإعداد ثلاثة أشهر، وبحلول الأول من فبراير عام ١٩٩٧ بدأ التنفيذ.. بدأ الإظلام جزئيا، ولكنه ملحوظ، بيد أنه أصبح في تزايد مضطرد، وأصبح حديث الناس وأجهزة الإعلام. بدأ التحرك يتخذ حياة مستقلة، وينمو أفقيا ورأسيا. وصار الناس يبدعون وينوعون فيه. فبدل إطفاء النور مرة واحد، صاروا يطفئون ويفتحون باستمرار في تناغم بين الجيران.
    وبعد فترة ظهرت دعوة تقول “اجعل لاحتجاجك صوتا”. فصار الناس، مع الإظلام، يقرعون على الأواني المنزلية، ليمنعوا الفاسدين النوم. ثم ظهر من أراد الاستفادة المالية من الحدث، فاستورد ملايين الصفارات من الصين، وباعها بأسعار رخيصة، ليستخدمها الشعب بدل الضرب على الأواني “فأقلق الصفير نوم الفاسدين”. وفي كل يوم يمر يزداد الإظلام، ويرتفع الصفير. وبحلولَ الأسبوع الثاني للحملة، عم الإظلام تركيا، حيث بلغ عدد المشاركين في الحملة ثلاثين مليون مواطن. تحولت ليالي المدن التركية إلى ألعاب ضوئية وصوتية، حتى جاءت اللحظة التي أظلمت فيها البيوت في ثكنات الجيش والشرطة. وعندها أحست الجماهير بالاستقواء فخرجت للشارع دون أن يطلب منها أحد الخروج. خرجت الجماهير وهي في حالة حماس ونشوة وطمأنينة.

    موقف الحكومة
    مع بداية نجاح الحملة، وجدت أحزاب الائتلاف الحكومي بقيادة حزب الرفاه الإسلامي أن الصمت لا يجدي. فبادرت بالهجوم على الاحتجاجات والتقليل من حجمها وأثرها. فوصف وزير الداخلية الذين يقومون بإطفاء الأنوار “بالخيانة الوطنية”. أي أنه وصف الشعب التركي كله بالخيانة الوطنية. أما وزير العدل فوصفهم بأنهم “ينهمكون في طقوس “شم الشمعة” وهذا تعبير يعني أن المتظاهرين “يتعاطون الجنس مع أي شريك في الشوارع كيفما اتفق”. فجاءهما الرد على هذه التصريحات الرعناء بالمزيد من التسريبات لوثائق تحمل تفاصيل خطيرة عن الفضيحة، قام بتسريبها بعض الضباط الشرفاء في الأمن والشرطة، مما أجَّج الاحتجاجات. أما رئيس الوزراء الإسلامي نجم الدين أربكان فوصفهم “براقصي الشوارع الشهيرين. أنهم يرقصون رقصات آكلي لحوم البشر”. وهذا يعيد إلى الأذهان تصريحات قادة الإنقاذ “الشتراء” مما يدل على أن الإسلاميين قبيلة واحدة، ومسخ غير البشر.

    “جاءهم نصرنا”
    وبعد شهر من الاحتجاجات متمثلة في الإظلام والصَّفِير ثم المظاهرات انعقد مجلس الأمن القومي، والذي يضم كبار العسكريين، وقرر حل الحكومة، على أن يظل رئيس الوزراء أربكان في منصبه إلى حين انتقال السلطة لحكومة جديدة. كان هذا في الثامن والعشرين من فبراير عام ١٩٩٧. أقر البرلمان الحكومة الجديدة في سبتمبر من نفس العام.
    وهكذا بدأ الحراك مطالبا حكومة حزب الرفاه الإسلامي بمحاربة الفساد وفك الارتباط بالمافيا، ورفع الحصانات تمهيدا لمحاسبة المفسدين. وبدل الاستجابة لمطالب الجماهير طفق قادة الحكومة يسيئون لشعبهم ويكيلون له الشتائم. فكلفهم ذلك السلطة.
    بدأ الحراك في الأول من فبراير، وسقطت الحكومة في الثامن والعشرين من الشهر ذاته، واستلمت الحكومة الجديدة مقاليد الأمور في سبتمبر، ورُفِعت الحصانات في نوفمبر.

    في المقال القادم نقدم بعض المقترحات بتحركات وأفعال تستهدي بالتجربة التركية.
                  

09-19-2018, 07:28 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48785

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)
                  

09-19-2018, 07:28 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)


    المقال الرابع والأخير:

    Quote: الباقر العفيف: الشعب- كيفية تنظيم الحراك - الشعب هو الحل (4-4)

    في الحلقة الثالثة استعرضت معكم التجربة التركية والتي برهنت برهانا قاطعا، أن الأجهزة الأمنية مهما كانت باطشة ومرعبة يمكن أن تقف عاجزة وحائرة إزاء بعض التحركات والاحتجاجات الشعبية. أما هنا في السودان فقد رأينا بأم أعيننا الرعب الذي أصاب قادة النظام، والحيرة التي أطبقت على أجهزتهم الأمنية، وهم يرون الشوارع خالية من المارَّة والمركبات يوم ٢٧ نوفمبر ٢٠١٦، إبان حملة البقاء في البيوت، والتي أُطلِق عليها اسم "العصيان". كذلك رأيناهم كيف اضطروا لأن يفتعلوا احتفالا بيوم ١٩ ديسمبر ٢٠١٦، لأول مرة في تاريخ حكمهم ليحبطوا التحرك عندما تقرر تجريبه للمرة الثانية في ذلك التاريخ. إذن هذه التجربة كانت تجربة ناجحة، يمكن اعتمادها وتطويرها.

    تقييم العصيانين
    لم نجر تقييما حقيقيا لتجربة "العصيانين" ولم نستنتج منها الدروس والعبر. وأنا هنا أستخدم تعبير "العصيان" تجاوزا، لأنه عُرِف بهذا الاسم، وإلا فالتعبير الدقيق هو حملة البقاء في البيوت، stay at home campaign.وفيما يلي من أسطر أحاول إجراء تقييم مقتضب لتلك التجربة على ضوء "المعيار التركي" والذي يمكن تلخيصه في عبارة واحدة هي: "تحقيق مائة في المائة من الأهداف مع صفر في المائة من الخسائر".

    معيار السلامة الجسدية
    حقق "العصيان" درجة كبيرة من الوحدة الشعبية، وزلزل كيان الحكومة، دون أن يُعَرِّض المواطنين لأي مخاطر أو يُكَلِّفَهم خسائر تُذْكر. أولا لم تكن هناك أي مخاطر تتعلق بالسلامة الجسدية للمواطنين، إذ لم يُقَتل أو يُجرَح أو يُعتَقَل أي فرد. ثانيا، يمكن حصر المخاطر في كونها كانت إما مالية، بالنسبة لقطاع من أصحاب العمل اليدوي اليومي (رزق اليوم باليوم) الذين يُفقِدُهُم البقاء في البيوت مصدر رزقهم، أو في جانب الموظفين في المصالح الحكومية والأعمال الخاصة المرتبطة بأهل الحكم، حيث يمكن أن يفقد هؤلاء وظائفهم. وكل هذه المخاطر يمكن التعامل معها وتقليلها أو إزالتها بالكلية كما سنرى فيما بعد.

    معيار وضوح الهدف
    من الملاحظ أن عصيان نوفمبر كان أكثر صمامة من عصيان ديسمبر وأُعْتُبِر الأكثر نجاحا رغم طول فترته. ولعل ذلك يعود إلى وضوح الهدف Clarity وبساطة الرسالة simplicity. فالهدف هو إلغاء القرارات الاقتصادية. والرسالة للشعب هي "ارفض واحتج"، والتحرك أو الفعل هو "الزم بيتك لثلاثة أيام". أما في ديسمبر فقد اختلف الناس حول الهدف من العصيان وحول عدد أيامه. فهناك من رفع السقف ليصبح الهدف هو "إسقاط النظام"، وهناك من يريد أن يظل الهدف هو "إلغاء القرارات الاقتصادية". فتضاربت الأهداف، وتناقضت الرسائل عندما اختلف الناس في عدد أيام العصيان. فهناك من أراده مفتوحا إلى أن يسقط النظام، وهناك من أراده لأيام معدودة. وهكذا تعددت الرسائل الصادرة من المنظمين وخلقت ضبابا في أذهان المواطنين فضعفت الاستجابة. والدرس المستخلص من هذا هو أن وضوح الهدف في العصيان الأول، ساهم في إنجاحه، وعدم وضوحه في الثاني ساهم في إضعافه.

    معيار الملاءمة أو القرب
    أشرنا إلى أن الهدف لابد من أن يكون ملائما للمواطن العادي relevant وقريبا منه. أي أن يرتبط' ارتباطا مباشرا بالرسالة والتحرك المطلوب منه القيام به. فالقرارات الاقتصادية تمس الجميع ويشعر بها الكل، لذلك فإن استجابتهم لدعوة مقاومتها كانت أكبر.

    معيار المباشرة
    أما المباشرة directness فتعني أن الناس يربطون ربطا مباشرا بين السبب والنتيجة دون الحاجة إلى تحليل، أو قفزات أو استنتاجات. فالشعب يربط بين القرارت الاقتصادية أو رفع الدعم عن المحروقات وبين الصعوبات المعيشية التي تواجهه. فالرغيف كان بجنيه واحد وأصبح بجنيهين. فالقرار الحكومي هو سبب الغلاء. والهدف هو إلغاء القرار. فالربط بين الهدف والرسالة هنا إنما هو ربط مباشر.
    أما في حالة ارتفاع سقف الهدف ليُصبح "إسقاط النظام"، فسوف ينتفي شرط القرب والمباشرة. لأن الجمهور في عمومه لا يربط ربطا مباشرا بين "نظام الحكم" وبين غلاء الأسعار. لأن الربط هنا غير مباشر، ويحتاج لبعض التحليل السياسي الذي يشرح أن "رفع الدعم" عن المحروقات إنما نتج عن سياسات الحكومة الاقتصادية الخاطئة. وأن هذه السياسات مرتبطة بطبيعة النظام وفلسفة حكمه. وأن إلغاء القرارت لن يحل المشكلة، لأن النظام هو المشكلة، لذلك لابد من أن يذهب. فهذه رسالة معقدة وغير مباشرة ولا تصلح كمحرك للفعل الجماهيري. لأن عموم الناس لا يقوون على التحليل والاستنتاج، ومثلنا الشعبي يقول "أمسك لي وأقطع ليك".

    معيار المشجب أو الشنكل
    ذكرنا أنه لابد من مشجب أو شنكل Hook يعلق عليه التحرك. وهناك من يستخدم تعبير "الشرارة". والحقيقة هناك شبه شديد بين "المشجب" و"الشرارة". فالشرارة هي الحدث الذي يقدح الغضب العام ويحرك الجماهير بشكل تلقائي وفجائي. ولكن المشجب هو الحدث المرتبط بالفعل الجماهيري الذي يتأخر قليلا عنه، ويجيء نتيجة تفكير وتخطيط وإعداد. والقرينة بينهما هي أن كليهما يمثلان مرتكز الفعل الجماهيري، ولكن الشرارة لا يمكن أن تتحول لمشجب، بل عادة ما تصنع لها مشاجب في الطريق، أثناء استمرار الاحتجاجات. وإذا نظرنا لتاريخنا الحديث، يمكن أن نصنف حادثة مقتل القرشي في أكتوبر ١٩٦٤ كالشرارة، لأن المظاهرات انفجرت لحظة استشهاده، في حين يمكن تصنيف حادث إعدام الأستاذ محمود في يناير ١٩٨٥ كالمشجب، لأن المظاهرات جاءت بعد أكثر من شهرين من استشهاده.

    ما العمل الأن؟
    إن قيام الحكومة بطباعة كميات مهولة من العملة دون غطاء وكذلك قرارات بنك السودان بشأن تغيير العملة وتقييد أصحاب الأموال وحرمانهم من سحب أرصدتهم من البنوك، يعتبران مشجبا مناسبا يمكن أن نُعَلِّق عليه تحركا يحظى بإجماع المعارضة، وتأييد الجمهور.

    عودة للعصيان
    أشرت إلى أننا يمكن أن نعود مجددا لفكرة البقاء في البيوت على أن نعدل فيها بحيث نقلل خسائرها على الجمهور. فمثلا يمكن أن نقترح تثبيت يومي الجمعة والسبت من كل اسبوع للبقاء في البيوت. فالجمعة والسبت أصلا إجازة بالنسبة لقطاع كبير من الموظفين والعمال والمدارس إلخ، وهذا يقلل المخاطر بالنسبة لهؤلاء. أما بالنسبة لعمال اليومية فسوف يعني التوقف عن العمل بالنسبة لقطاع كبير منهم ليومين فقط في الأسبوع وهذا ربما يكون محتملا. يمكن حث الجمهور على قضاء حوائجهم وتوفير مستلزماتهم الغذائية يوم الخميس وعدم الخروج يومي الجمعة والسبت إلا لأمر طارئ، على أن يصلي الناس الجمعة في أقرب مسجد في الحي ويعودون منها لمواصلة البقاء في البيوت. الهدف هو "شوارع خالية من المارة ومن المركبات" ليومين من كل أسبوع. في خلال اليومين يطرق الناس على الأواني ليلا في ساعة مُتَّفَق عليها. هذا التحرك يمكن أن نسميه "جمعة الغضب" أو "سبت الغضب". ميزة هذا الفعل أنه قابل للاستمرارية والنمو والتطور.

    المقاطعة الاقتصادية
    إن علاقة النظام بالشعب هي علاقة استغلال وتَحَكُّم لا غير. فالشعب في نظر النظام له وظيفتين أساسيتين، فهو مصدر دخل للنظام وموضوع للحكم. فالنظام يمتص دم الشعب كما يمتص "القُرَاد" دماء الحيوانات التي يعلق بها، وبصورة تكاد تكون حرفية. وهو يفعل ذلك ليس فقط في شكل الضرائب والجبايات المباشرة وغير المباشرة واحتكار السوق. ولكن أيضا عن طريق السرقة المباشرة، ومصادرة أموال المواطنين، وحرمانهم من سحبها من البنوك.
    أشار الأستاذ معتصم الأقرع إلى أن الحكومة طبعت أكثر من ٦٤ ترليون، من الأوراق وأن هذا المبلغ ببساطة يمثل سرقة الحكومة لمال الشعب. وأنه في حقيقة أمره أكبر وأخطر، من حيث أثره المدمر للقوى الشرائية للمواطن، من جميع الضرائب المباشرة وغير المباشرة. فحسب أرقام بنك السودان طبعت الحكومة في عام ٢٠١٧ وحده ٦٤ ترليون جنيه، أي ٦٤ ألف ألف بليون. وأن هذا الفعل اللصوصي رفع حجم الكتلة النقدية بنسبة ٥٣٪، واصفا لها بأنها "نسبة مخيفة للغاية". ولكي ما يُقَرِّب لنا حجم الكتلة النقدية التي طُبِعَت، يقول الأقرع أن ما طُبِع في هذا العام وحده يفوق نصف ما طبعته كل الحكومات السابقة في تاريخ السودان منذ أن عرفت بلادنا النقود. فما الذي يعنيه طباعة هذا الحجم الهائل من النقود؟ يجيب الأقرع قائلا "إن طباعة ٦٤ ترليون هي في حقيقتها تحويل للثروة من جيب المواطن إلى جيب الحكومة، فيما يعرف بضريبة التضخم". ويواصل قائلا: "بطباعة العملة بإفراط وباستمرار يمكن للحكومة أن تسرق وتصادر، سرا، دون رقابة جزءا مهما من ثروة مواطنيها".
    والشعب يمول النظام أيضا عبر شراء بضائع وخدمات شركاته ومؤسساته الخدمية. فحين يذهب المرضى لمستشفيات الأمن، أو مستشفى الزيتونة فإنهم يدعمون النظام ماليا. وحين ترسل الأسر المتعلمة ميسورة الحال، ومظنة الوعي، أبناءهم وبناتهم لجامعة مأمون حميدة، هذا الرجل الجشع المتغطرس منزوع الإنسانية، فإنهم يدعمون النظام. إن من الأمور المحيرة حقا أن الأسر ما تزال تغذي جامعة هذا الرجل البغيض بألاف الطلاب والطالبات رغم الكوارث التي تسبب فيها، بتسميم عقول العشرات من الشباب من الجنسين، الذين أرسلهم لداعش، ما أدى لمقتل الكثيرين منهم، وتضييع مستقبل من بقي منهم على قيد الحياة. كان الأحرى أن تقوم حملة مقاطعة كبرى ضد هذا الرجل وجامعاته ومستشفياته وجميع استثماراته. وكذلك كان الأحرى أن تقاضيه الأسر المتضررة والتي أرسلت أولادها وبناتها لجامعته ليحصلوا العلم، فإذا به يحولهم لإرهابيين. إنه "شيلوك" السوداني، الذي تفوق على "شيلوك" اليهودي الذي خلده شكسبير في رائعته "تاجر البندقية" كرمز للجشع والخبث واللا إنسانية.
    والنظام يمارس نهب أموال الشعب عن طريق شركات الاتصال مثل سوداتل وزين وغيرها. ينفق الشعب قدرا كبيرا من دخله على شركات الاتصالات وكلها إما مملوكة لجهاز الأمن أو لأركان النظام. يمكن للشعب أن يبرز عضلاته الاقتصادية، وأن يستخدم قوته الشرائية لضرب هذه الشركات في المكان الذي يوجعها حقا، أي في جيبها. يمكن أن نختار مثلا سوداتل كهدف للمقاطعة لمدة أسبوع نسميه "أسبوع إخراج شريحة سوداتل". ثم مقاطعة شركة زين لمدة أسبوع نسميه "اسبوع إخراج شريحة زين". وكشأن كل حملة لابد من أن يكون لها بعدا تعليميا وتثقيفيا يحث الشعب على تعلم عادات جديدة في توفير ماله عن طريق اختصار المكالمات التلفونية واقتصارها على قضاء الضروري من الأعمال، وترك العادات البالية عالية الكلفة مثل "الونسة" في التلفون، والنقاشات المطولة.
    لابد للشعب من استخدام قوته الشرائية لمعاقبة الذين أفقروه وأضروا به. بإمكان الاقتصاديين والسياسيين إصدار قائمة بالشركات التي يجب مقاطعتها. وبإمكان المبدعين من مصممين وشعراء وفنانين استخدام مواهبهم في الترويج للمقاطعة.
    فإذا نجحنا في إطلاق هذه التحركات حتى تستجمع قوة دفع كبيرة، فسوف تستولد أفعالا وتحركات أخرى مثل الوقوف أمام البيوت ليلا، مع الطرق على الأواني، أو الدفوف. والمظاهرات الليلية في الأحياء، وغيرها من الأنشطة مأمونة العواقب كبيرة العائد.
                  

09-19-2018, 07:47 AM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: الشعب هو الحل (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)

    Quote: لقد أعجبتني مقالات الأخ الباقر وقمت بإعادة نشرها أيضا هنا قبل شهر.


    الأخ ياسر،
    عذراً ..... العتب على النظر وعلى متابعة المنبر العام.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de