|
|
|
 Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
قولوا، أين اختفت اشجار النيم و أشجار الدوم بقاماتها الفارعة الباذخة الرشيقة القوام.. اشجار الدوم التي كانت تتهادى أغصانها و يصفق جريدها طول اليوم مع الهواء..
و في الليالي المقمرة تقف تلكم الأشجار العملاقة منتصبة كأنها تحرس القرية من الجن و المخلوقات الغامضة التي كان حضنتها مخيلتنا الخائفة و تتفنن في رسمها صورتها في إتقان.
و في الليل كانت صوت وشوشة أشجار الدوم تعلو مع الرياح كأنها تهدهد أعين القرية و ساكنيها لتهجع باكرة
| |
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أين البئر؟ فقد كانت في منتصف المسافة بين المنازل الطينية المتشابهة يلتقون حولها كأنها زمزم، لتسقى الإنسان و الحيوان.
كانت البئر قبل أن يسرق التلفاز اوقات الناس هي السقيا و هي اللقيا ...تتسابق الفتيات الغريرات باكرات (لنشل) الماء من البئر في رياضة صباحية يومية يتبادلن أثناءها التحايا و أخبار القرية و هي طازجة قبل أن يتلقفها النهار.
كانت البئر ملتقى النساء يقلبون فيها الأفكار و يضعن البرامج اليومية للزيارات الاجتماعية و لتقديم واجب العزاء أو التهاني..
و بعد أن ترتفع الشمس في كتف السماء و يكون الضحى قد عم الكون تكون البهائم المنزلية قد ارتوت و ازيار الفخار قد امتلأت و الاواني كبيرها و صغير قد أُتْرِعَت..
و عنئذٍ ينفضّ السامر من حول البئر بعد أن ابتلت جوانبها بالماء المنسال من الدلو وانسال أثناء انشغال الفتيات بالمزاح و التغامز و المداعبات الصافية.
أين ذهب كل ذلك و أين ذهب هؤلاء و أين ذهب الأهل و أين ذهب الاقارب؟
..كيف انسلوا واحدا بعد آخر في غفلة مني و في غفلة من الزمان..؟
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أين ذهب كل ذلك و أين ذهب هؤلاء و أين ذهب الأهل و أين ذهب الاقارب؟
..كيف انسلوا واحدا بعد آخر في غفلة مني و في غفلة من الزمان..؟
آه ...اعرف أن منهم من طوته المدافن و منهم من طواه النسيان و منهم من طوته المدينة بجناحيها الكبيرتين..
آه إنهامن المدينة ...فقد نادتهم المدينة نداء حفيا بجاذبية و دعتهم بروقها الخُلّبْ و هكذا انخدعوا بإغراءاتِ غانية خادعةٍ كذوب. فانطلت الحيلة عليهم فهاجروا إليها.
و بعد حين و بعد أن افاقوا ،لم يجدوا قريتهم الدفيئة و لا جيرانهم البسطاء و لا علاقاتهم الصادقة.. و هكذا اكتفوا بتقليب الأكف حيرة و عض الانامل ندما و حيرة.
و مرت الأيام، و رجعوا بعد غياب سنين لزيارة من تبقى في القرية. لكنهم لم يجدوا القرية التي تركوها من خلفهم... فالقرية التي عرفوها و الِفوها توارت خلف الأيام. و لكنهم وجدوا قرية أخرى. قرية لا تشبه قريتهم.
لم يجدوا البراءة و لا البساطة و لا الإيقاع الحنون و لا الأحضان الدافئة.. لم يجدوا حتى الحيوانات و لا الطيور التي كانت تجوس في الأنحاء ولا الزرع النضير.
و في المساء بحثوا عن جلسات السمر فوق الكثبان الملساء الباردة و ضوء القمر يداعب العيون النواعس و القلوب فلم يجدوها.
و اختفت هكذا الحكاوي السمحة المجدولة بالبراءة و البساطة و الدفء..اختفت الحكايات التي كانت حينما تُرْوى تدغدغ الأخيلة البريئة،و تسلّي العواطف البريئة و تبارك المساءات الخجولة..
بحثوا عن كل ذلك فلم يجدوه. و حينما الحّوا في السؤال، كان الجواب: لا ندري كبيرة، و حيرة تشع من العيون.
و في الصباح حينما تجولوا في الانحاء فلم يجدوا أشياء كثيرة تركوها و الفوها : لم يجدوا أشجار الدوم و لا البئر الرؤوم و لا ضحكات النساء و الفتيات الغريرات حول البئر و في الطرقات..
سألوا عن البراءة و المروءة و الشجاعة و الكرم..و عن.. و عن... و ظلوا يسألون، و لم يجدوا الجواب، إلى أن عادوا للمدينة محزونون.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
و حين ما يأتي القادمون إليهم من القرية كانوا ينقلون إليهم في حبور بأن قريتهم قد صارت تخيط شوارعهاالسيارات جيئة و ذهوب...
...و أن أعمدة الكهرباء قد غُرِزتْ في الشوارع، و أن انابيب المياه قد غزت احشاء المنازل. و أن البشارات تتوالى..
قالوا كل ذلك و أكثر..و لكنهم لم يقولوا لهم بأن قريتهم قد اصبحت ملاذا للغرباء وو لكن الغريب لا يلقى شربة ماء، و أن التائه لا يجد من يدلّه على الطريق....
...... و أن العذارى قد كحلت عيونهن الجرأة و أن النساء قد ارتفعت اصواتهن سطوة....
..... و أن الرجال فقدوا هيبة و وقار و صاروا بلا كلمة و لا صولجان.
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
حبيبنا محمد عبدالله ..
كلام مؤثر جداً .. وبكاء على الزمن الجميل ..
الاصالة والتراث ..
==============
سوف أنقل لك هذه القصيدة من منتديات دنقلا الاصالة والتاريخ للشاعر والاديب سيف عيسى مختار
من أبناء زورات وعضو في سودانيز ولكنه هجر البورد ..
وفي رثاء جدته .. رسم صورة تراجيدية عن تلك القرى النائية وما آلت إليه الاحوال
هذا جزء من القصيدة بها بعض المفردات النوبية ( الدكنة .. نوع النخيل شبيه للبركاوي
أمينة مختار
" مرثية لبنت حاج نسى"
يا حليلة كانت من زمان
تحلم بالولاد ..
أمينة بت حاج نسى
والصاغ الزعيم..
أخت العمدة والكوسكول
الجبرة العديل
نتل الشتل بالأيد
والأرض العزيزة
ما أنبتت ليهم خدار
والدنيا الأبت..
تديهم العز والفخار
أو حبة نضار..
فانشروا في بطن العمار
الا أمينة والحوش القديم
فضلو ماسكين العقاب
والزمن استدار
والحوش الممدد..
من الطرمبة للنيمة
والجرف جفّا
والتمر قفّا
والزير النشّف مسامو
طين الدميرة اللكة والعطرون
يا حليل زمن الصبا النقاع
زمن الأسدة والقنديل
والكوز المبخر مستكة
والهمبريب
والعنقريب
والسخينة رشوش
يوم عشا الميتين
والشفع كتار..
يوم الوقفة والهيوب
والعرسان كتار
والرملوها كتار
وفي الآخر كمان
فضلت براها مع العقاب
بين الضوة بت عجبان
والمكية عز الدين
وأمباب شي
والجدعوها حجار..
ورغم الظروف الصعبة والحال العكس
مسكينة فضلت في العقاب
بين الدكنة والنيمة
وراها الماضي والأطلال
وقدامها البحر شيمة..
وضاعت لمة الأطفال
وغنت في الخراب بومة..
أمينة شدت للرحال
واسدلت الستار غيمة
وسلمت العقاب
أمانة للبحر المكاجر
وديعة للولد المهاجر
يمكن يعود
في حلم باكر
وأمينة من غيابها تعود
في بحر ذكري
أو بهو خاطر
ليت يعود شاعرنا والاديب سيف الدين ..
تحياتي الحبيب محمد .. هكذا أنت دائماً تقودنا إلى حيث الجمال والاصالة والاثراء
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
الأخ الحبيب ابو علوة
فعلا صاحبك ده راجل مرهف و أديب و استطاع يصوّر لنا حياة كانت يوما عامرة بالدفء و المودة من خلال رثاء جدته بت ونسى..
.........الله يرحمها و يرحم كل الجدات و الأجدات و نسأل الله أن يجعلنا مثلهم بركة و طهرا و نقاء.
و في الختام ندعو معك:(ليت يعود شاعرنا والاديب سيف الدين( ..
شكرا على هذه الإطلالة الجميلة و الربط بين المواقع
مع تحياتي يا حبيبنا استاذ علي
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
القرية التي أقصدها تسمى (القيزان) و سميت بهذا الاسم لكثرة القيزان التي تحيط بالقرية و وسطها. و تقع (القيزانفي الجزء الغربي من قرية المقرن التي تقهع عند التقاء نهري عطبرة و النيل و هي تقع في الشاطيء الجنوبي المقابل لمدينة عطبرة..
و ينتمي سكان قرية القيزان و معظم قرية المقرن إلى منطقة (ديم القرّاي) التي هاجر أجدادهم منها قبل حوالي سبعين عاما أو يزيد كما افادني أحد اجدادي..
......و لا زالت علاقات سكان القيزان و المقرن مستمرة مع أهلهم في ديم القراي.
كنا نحن منذ نعومة اظفارنا نزور أهلنا في القيزان فكانت زيارتنا لها كأننا نزور منتجع ريفي نحن القادمون من الخرطوم و ما ادراك ما الخرطوم في السبعينات
و اوائل الثمانينات…
.....زكنا نلمس الإعجاب البادي في نظرات اندادنا في القرية حينما نزورهم ..فكان يرون ملابسنا غريبة و لهجتنا و نعومتنا كذلك. ....
.....و هم الخشنون المخشوشنون الذين ادركوا مبكرا أسرار الحياة و عالجوها بمقدرة تغلب عليها الحكمة الممتدة من الآباء و الأجداد و الأسرة الممتدة....
........فكانت الحياة بالنسبة لهم محددة المراحل :انتماء للحقل منذ الصبا ثم زواج مبكر و أخيرا مسئولية أسرية قبل بلوغ العقدين…
أما نحن فكنا نرى في منظر البئر و نشل الماء منه شيء مسلّي و نرى في ركوب الحمير متعة لا تضاهييها متعة و كذا السباحة اليومية في النهر.....
......و معظم الصبية يتعاملون مع السبحاة بمهارة كأنهم أبناء تماسيح...بل حتى عمتي عاشة رحمها الله كانت تكوّر التوب فوق رأسها و تقتحم النهر مثل عجلة بلدية...
.
كنا نرى في حياتهم متعة و في أسلوب حياتهم ما يستدعي الإعجاب …و لم نكن نظن أن يأتي َ يوم تسحب فيه المدنية دثارها على تلك القرية…
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أين اختفت القرية؟ (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الحنين الذي يشدنا للريف يحمل في طياته ما يشبه الانانية....
فنحن ننظر للريف من الجانب الذي يشدنا إليه و يشجينا و ننسى الجوانب الأخرى التي تحمل معاناتهم..
ننسى أنهم يكدحون طيلة النهار و أنهم يقاسون في الحصول على الماء و لا يجدون الكهرباء التي تبدد ظلمة لياليهم..
نحن ننظر للريف كمتحف يضم ماضينا و ننظر لسكانه كأنهم اراجوزات أو مخلوقات غريبة ..نتفرج عليها و نضحك من أسلوب كلامهم و اسلوب ملبسهم و اسلوب معالجة صعوبات حياهم اليومية.
نحن نريدهم هكذا جامدون لا يتطورون و لا يتغيرون للأفضل..
و المدينية برغم مشكلاتها و لكنها توفّر لهم العديد من الخدمات التي تجعل حياتهم ميسورة و تقلل من معاناتهم...
و بالطبع هم يستبدلون مشكلة بمشكلة أخرى و معاناة بمعاناة أخرى.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمد عبد الله الحسين
علي عبدالوهاب عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست