المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى أين؟؟؟؟؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-03-2024, 06:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-06-2015, 07:50 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى أين؟؟؟؟؟

    06:50 AM Nov, 06 2015
    سودانيز اون لاين
    Mannan-واشنطن دى سي
    مكتبتى

    السعودية والنوبيون
    كان النوبيون من اوائل الشعوب التى هاجرت الى أطراف الدنيا بحثا عن الرزق بعد ان ضاقت بهم الأرض .. كانت الجزيرة العربية من أقرب الملاجئ. عندما أتى آل سعود الىسدة الحكم كان النوبيون هناك وفى مصر امناء السر واهل الثقة. عرفوا بالصدق والأمانة وصار الحكام لا يثقون إلا فى النوبيين فاستودعوهم اماناتهم واسرارهم ... الملك فؤاد اصدر اول عملة ورقية لمصر وعليها أمين سره ادريس النوبى من قبة سليم فى منطقة السكوت جنوب وادى حلفا...
    IdrisNubia_KingAhmedFuad.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    وسنجيء لآل سعود وعلاقة النوبيين بهم وما آل اليه الأمر فى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان الذى وقع اتفاقية تدمير النوبة مع الرئيس مغتصب السلطة عمر احمد البشير...
    نتابع معكم...
                  

11-06-2015, 08:06 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    الوطن النوبى فى مهب الريح... اذا لم نقف جميعا ضد اغراق النوبة فلن تكون هناك نوبة بعد اليوم... على كل نوبى ان يقف بصلابة ضد فناء النوبة... على النوبيين ان يوصلوا صوتهم لكل اركان الدنيا وان يطالبوا بايقاف تدمير النوبة التى ساهمت بالكثير فى صياغة التاريخ والحضارة الانسانية.. نقاوم الاغراق والاحراق سلما وان استدعى الامر بالقوة ولكل مقام مقام ونقول للمملكة العربية السعودية... لا تخذلوا النوبيين الذين لم يخذلوكم... لا تطعنوا النوبيين من الخلف وقد حفظوا لكم الود والامانة.. وهل جزاء الاحسان الا الاحسان... هذه الاغنية مسونكيل... معناها اجمل شيئ وهى فى وصف المرأة النوبية ... الكنداكات ملكات النيل... والتى غنى لها الخليل فنان النوبة والسودان ..والمرأة هى الوطن والارض وسبب البقاء ... هيا ذودوا عن الوطن .. غير هيابين فلم يبق هناك ما نخشى ضياعه غير وطن الاجداد والتاريخ .. وطن ترهاقا وكنداكات النيل......
    عزة فى هواك
    عزة نحن الجبال
    لليصون هواك
    عزة نحن النبال
    نحن مقبلون على خطر داهم.. خطر فناء النوبة الابدى.. عضوا على النوبة بالنواجذ وان استنجدتم بالعالم فقد قدمت النوبة الكثير للعالم...
                  

11-06-2015, 08:30 AM

مهند سوركتي
<aمهند سوركتي
تاريخ التسجيل: 08-20-2015
مجموع المشاركات: 176

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    دقوووور
                  

11-06-2015, 09:06 AM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: مهند سوركتي)

    السفير منان، السلام عليكم ورحمة الله!
    جيد هذا العرض التاريخي!
    وأتوقع من بدهيات هذه المواجهة، أن تقوموا
    بتنوير حكومة المملكة بخلفيات هذه المشاريع،
    وآثارها السّالبة على أهل الإقليم!
    شكراً
                  

11-06-2015, 03:02 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: صلاح عباس فقير)

    استاذ صلاح عباس فقير
    شكرا على التعليق... الموضوع فى غاية الخطورة والسعودية ستدفع المليارات لمحو النوبة من الخريطة.. علينا التحرك بسرعة لإيقاف هذا الخطر الداهم...




    هذه قضية وطنية عاجلة تهم كل السودان وعلى الأحزاب والمنظمات السودانية استنفار الشعب السودانى لإيقاف إغراق المنطقة النوبية كما على السودانيين فى الخارج التحرك بسرعة لإيقاف هذا الخطر الداهم...
    مظاهرات امام السفارات السعودية
    الاتصال بالكونجرس الامريكى والبرلمان الاوروبى والامم المتحدة واليونسكو ومنظمات حقوق الانسان والأفارقة الامريكان للضغط على السعودية والسودان لإيقاف إغراق المنطقة النوبية فورا...
    الوقت ليس فى صالحنا... علينا التحرك جميعا فالقضية ليست قضية النوبة بل كل السودان وافريقيا...
                  

11-06-2015, 03:14 PM

محمد علي عثمان
<aمحمد علي عثمان
تاريخ التسجيل: 08-21-2012
مجموع المشاركات: 10608

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    التحية لاهلنا النوبة اينما حلوا ورحلوا فحضارتهم هي حضارة السودان و فناءها يا سعادة السفير فناء السودان


    تحياتي
                  

11-06-2015, 03:21 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: محمد علي عثمان)

    شكرا كومريد محمد على عثمان... السودان كله نوبة

    نواصل وندعو كل الأحزاب والمنظمات السودانية أن تقف ضد هذا الخطر .. إنه أخطر من كارثة السد العالى بكثير لأن هذه السدود ستقضى على كامل المنطقة النوبية بما فيها من ثروات وآثار بل سيلحق الضرر بكل السودان الذى سيتحول الى مستنقعات وأمراض ...
    ....
    ....
    الوطن كله فى مهب الريح... اذا لم نقف جميعا ضد اغراق النوبة فلن تكون هناك نوبة ولن يكون هناك سودان بعد اليوم... على كل سودانى ان يقف بصلابة ضد فناء النوبة... وعلى النوبيين واقصد بهم كل السودانيين ان يوصلوا صوتهم لكل اركان الدنيا وان يطالبوا بايقاف تدمير النوبة التى ساهمت بالكثير فى صياغة التاريخ والحضارة الانسانية.. نقاوم الاغراق والاحراق سلما وان استدعى الامر بالقوة ولكل مقام مقام ونقول للمملكة العربية السعودية... لا تخذلوا النوبيين الذين لم يخذلوكم... لا تطعنوا النوبيين من الخلف وقد حفظوا لكم الود والامانة.. وهل جزاء الاحسان الا الاحسان... هذه الاغنية مسونكيل... معناها اجمل شيئ وهى فى وصف المرأة النوبية ... الكنداكات ملكات النيل... والتى غنى لها الخليل فنان النوبة والسودان ..والمرأة هى الوطن والارض وسبب البقاء ... هيا ذودوا عن الوطن .. غير هيابين فلم يبق هناك ما نخشى ضياعه غير وطن الاجداد والتاريخ .. وطن ترهاقا وكنداكات النيل......
    عزة فى هواك
    عزة نحن الجبال
    لليصون هواك
    عزة نحن النبال
    نحن مقبلون على خطر داهم.. خطر فناء النوبة الابدى.. عضوا على النوبة بالنواجذ وان استنجدتم بالعالم فقد قدمت النوبة الكثير للعالم...
                  

11-06-2015, 10:20 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    هذا هو الخطر المبين يزحف نحو السودان
    النوبة بوابة السودان نحو افريقيا ونحو العالم ستزول الى الابد وتضيع مثل كامل الارض النوبية فى مصر ومدينة حلفا عروس الشمال وضواحيها
    سيتحول شمال السودان الى برك ومستنقعات ويموت السودان بيئيا.
    سيفقد السودان الى الابد ثروات آثرية تفوق قيمتها مليارات الدولارات وقيمتها متصاعدة الى الابد ولا تنفد او تموت مثل السدود التى تموت بعد عقود قليلة وتصبح عبئا اقتصاديا ثقيلا
    سدود السودان من اجل الكهرباء فقط لأن حصة السودان من المياه لا تسمح بالتوسع الزراعى وتجربة خزان مروى تكشف عدم الاستفادة من السد فى الزراعة، حتى الكهرباء لم تصبح ارخص
    بل صارت اغلى واصبحت جمرة خبيثة.
    البدائل موجودة فى الطاقة الشمسية والرياح وهى مصادر لا تنفد مثل النفط وكهرباء السدود.
    لا تدعو هذا المشروع الخطير والمدمر يمر فتندموا وتجرموا فى حق الاجيال القادمة.
    انتم جميعا من حلفا حتى كوستى ومن بورتسودان حتى الجنينة مسؤولون من حماية الوطن من التدمير والنهب الممنهج الذى يمارسه نظام البشير .
    السدود فى المنطقة النوبية لا تقل خطورة عن حروب الابادة فى دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق. الحروب يمكن ايقافها ولكن الاغراق خسارة ابدية.
    هيا هبوا لانقاذ الوطن الذى اصبح فى مهب الريح واقتلعوا نظام الفساد والاستبداد.
                  

11-07-2015, 02:24 PM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    السفير منان السلام عليكم،
    تفترضون كأن المملكة لها علم بأنّ هذه المشاريع
    ستضر بالنوبة، ورغم ذلك هي تدعمها!
    غالب الظن هي لا تعلم،
    بالتالي أول خطوة، هي الاجتهاد في الوصول إلى
    السلطات السعودية لتنويرها بهذا الخطر!
                  

11-08-2015, 12:03 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: صلاح عباس فقير)


    سنحاول هنا تجميع البيانات والتعليقات الصادرة من المنظمات والكيانات النوبية ونواصل التعليق كما نرحب بتعليقات القراء مع الشكر

    التجمع النوبى
    بيـــــــــــــان
    دماء الشهداء... خط أحمر وليست للبيع
    صفحات التاريخ لن ترحم السعودية وهي تمد يدها للقاتل
    حملت الأخبار والمستجدات خلال أمس واليوم، مــوافقة مجلس الوزراء الســعودي في جلسة يــــوم الاثنيــن 2/11/2015، برئـــاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، على تمويل مشـــروعات الســـدود والكهرباء (كجبار، الشريك، دال) والاستثمار الزراعي بالســـودان، وهـــرول سفاح السودان الى الرياض اليوم لتوقيع الاتفاقية النهائية. وعلى الرغم من أنها ليست الاتفاقية التمويلية الأولى التي توقعها حكومة النهب والقتل والتشريد مـع دول وصناديق استثمارية وتمويلية، وحكومات عدة، لتمويل السدود في السودان، الا أن الاتفاقيـــة التي نحن بصددها طرفها السعودية التي ظلت تناى بنفسها عن التورط في مشاكل داخلية وتبني وجهة نظر نظام قسم السودان الى دويلات ووزع المشاكل والحروب في أركانه الأربعة ، كما ان الاتفاقية نفسها تضمنت بنوداً تشترط اشراف الجانب الســعودي عبر وزيري الماليـــة والزراعة على تنفيـــذ بنودها، وبالتالي لن يتاح لحليمة ممــارسة عادتـــها القديمة في تحويــــل أموال المشروعات في السودان الى حسابــاتهم الخاصة، والتفضل بما تبقى لدعـــم وتحديث اسلحة المليشيات الخاصة بحمـــاية نظامهم المعزول داخلياً واقليمياً ودوليا.ً
    شرفاء العالم :
    ظلت السعودية منذ تاريخ تاسيسها تعلن مراراً وتكراراً بانها تتبع سياسة عدم التدخل في الشـأن الداخلي لاي دولة، لكنها اختارت هذه المرة ان تتحالف مع اســـوأ نظام ظل طوال 26 عاماً ينشر القتل والخوف والنهب، حتى اصبح اكثر من 60% من الشعب السوداني لاجئين داخليـــاً وخارجيــاً، كما اختارت دعم قضية تهدف الى محو حضارة وتاريـــخ وشعب اصيـــل بذل الغالي والنفيس وقبل العيش في ظروف صعبــة في المنطقة النوبية للمحافظــــة على الارض والتــــاريخ والحضارة، لذلك رسالتنـــا الواضحة للحكومة المملكة العربية السعودية، بأن مشروع سدي دال وكجبار يرفضه النوبيون رفضاً باتـاً، واقامة هذين السدين ستمحو حضارة عمرها اكثر من 7 الاف سنة، وهي من اقدم الحضارات في تاريــخ الانسانيــة، وارتباط انسان هذه المنطقة بارضة ملحمة طويلة قل ان يوجد مثلها في التاريــــخ، وقدموا في سبيل ذلك اربعة شهداء من خيرة ابنائها، ومستعدين لتقديم المزيد، اذ أن باطن الأرض أفضل لهم من ظاهرها في حال قيام هذه الســدود، ولما للسعودية وشعبها من تاريخ مشرف مع الشعب السوداني عامة والنوبي خاصة، ولم تتاثرهذه العـلاقة بموقف الحكومات ومصالحهما، فاننا نطالب الحكومة السعودية عدم التورط في تمويل هذا المشـــــروع المرفوض من قبل النوبيين، خصوصاً ان للمشروع بدائل جيدة ذات جدوى اقتصادية وصديقة للبيئة لانتاج الطاقة وتنمية المنطقة، لكن الحكومة السودانية ظلت ترفض كل ذلك وتصر على اخلاء المنطقة من سكانها ومحو الهوية النوبية، ونطالبهم بشكل مباشر التنازل عن هذه الاتفاقية ورفضها، وان كانت تسعى الى مكافأة الحكومة السودانية لمبادرتها في المشاركة البرية في حرب اليمن، فليكن ذلك بعيـداً عن مهددات الشعب والحضارة النوبية، وبعيداً عن تمكين النظام للاستمرار في قتل وتجويع وتشريد الشعب السوداني.
    النوبيون الشرفاء :
    نؤكد لكم بأننا لن نـألو جهـداً في مناهضة قيام هذه السدود غض النظر عن الجهة الممولة، كما نأكد للحكومة السعودية بأننا سنناهـــض هذه الاتفاقيـــــة وتمويلها لمشروع سدي كجبار ودال، في جميـــع المنابر الدولية، ونوصل صوتنا ورفضنا الى المؤسســـات الحقوقية العالمية، وسنواصل احتجاجاتنا لهذه الاتفاقية وما يترتب عليها في كل مكان نتواجــــد فيه، ولن نسمح للسعوديـــة بمكافاة الحكومة السودانيــــة على حســــاب ارضنا وحضاراتنا.
    معاً من أجل مناهضة هذه الاتفاقية
    معاً لمناهضة هذه السدود الكارثية
    معاً من أجل تعرية مشاريع الحكومة السودانية لتدمير شعبها
    التجمع النوبي
    3نوفمبر2015

    التجمع النوبي
                  

11-09-2015, 06:05 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    دراسة عميقة للدكتور حسن عبدالعزيز حول مشروع سدى كجبار ودال:
    Quote: لماذا يرفض النوبيون بناء السدود في منطقتهم:
    طرح يبحث عن حل لما نحن فيه من ضياع وتشتت حيال قضايانا المصيرية.
    إعداد : حسن عبدالعزيز

    ها نحن نلجأ مجبرين, وبعد تردد, إلى الأسلوب الذي أجدناه، بل وأدمناه، وارتضيناه طويلاً, ولازلنا, وسيلةً لطرح قضايانا المصيرية من خلاله, ألا وهو الكلام والحديث عنها بدون أن يتبع ذلك فعل أو موقف جاد. فالكلام في حد ذاته جيد للتذكير, فإن الذكرى تنفع المؤمنين, ولكن أن نكتفي بذلك فقط من دون وضع رؤى واستراتيجية لكيفية التصدي لما يحدث في المنطقة النوبية من تدمير وتبني مواقف حاسمة لهي والله الضياع بعينه.
    إن ما دفعنا إلى الكتابة أو "الكلام" هو قناعتنا التامة بأن شراً مستطيراً يراد بالمنطقة النوبية وبمن فيها, وأن هناك من الوقائع والبراهين التي لا يرقى إليها الشك, حسبما نرى، ما يؤكد ذلك, وتؤكد أيضاً ما نحن آيلون إليه, أرضاً وسكاناً, من تشتت وضياع محتومين إذا ما وقفنا متفرجين.
    حاولنا في هذا الطرح جمع الأدلة والوقائع التي تدعم ما نحن مقتنعون به, ثم طرحها في إطار العنوان أعلاه وذلك لقناعتنا التامة بأن بناء السد العالي وتداعياته من تهجير قسري لسكان المنطقة المتأثرة وإغراق قراها بما فيها مدينة وادي حلفا, درة مدننا ومفخرتنا, هو السبب الرئيسي لما نحن فيه من ضياع، ولما لحق المنطقة النوبية من تدمير مقصود لكل مقومات الحياة فيها حتى باتت أرضاً طاردة ومهددة أيضاً ببناء مزيد من السدود فيها تغرق ما تبقى من الإغراق الأول, ويكتمل بذلك ضياعنا.
    لا ندعي أننا ملكنا ناصية أمر هذا الموضوع لا من ناحية المعلومات ولا الكتابة عنها, ولا نزعم أننا أكثر حميمية من الكثيرين الذين يحملون النوبة في حدقات عيونهم لنكتب عنه أكثر ممن لهم باع طويل في هذا الشأن. ولكن بكل أمانة فاض بنا – وبكل تأكيد بالكثيرين منّا – الكيل من السلبية المفرطة التي تتسم بها مواقفنا تجاه قضايانا التي تمس جوهر بقائنا ووجودنا في أرض أجدادنا.
    وما نطلبه منكم هو أن تتمعنوا في أبعاد وتداعيات ما حدث ويحدث في المنطقة النوبية في خلفية ما نطرحه, وما لديكم من معلومات نكون قد سهونا عنها ونسينا أن نضمّنها هنا, لكي نجمع صفوفنا ونقف يداً واحدة متحدين متضامنين لننقد نوبة اركنين من مصير قاتم محتوم ينتظرها إذا ما تركناها تواجه هذا المصير لوحدها ونحن نتجادل كما تجادل أهل بيزنطة والعدو على الأبواب!
    ودعونا ندخل في صلب الموضوع في إطار السؤال المطروح والذي اتخذناه عنواناً لهذه المقالة, ونرجو أن تنال رضاءكم لنخطوا بها، متى ما اقتنعتم، قدماً للتصدي للقضية مجتمعين. ومن الله ندعو التوفيق والسداد.
    طُرح عليّنا هذا السؤال مراراً وتكراراً – ونحن على يقين أنه طرح على العديد من الإخوة النوبيين – وذلك من قبل أناس كثيرين يمكن أن نجمعهم في ثلاث فئات:
    (1) فئة تريد صادقةً أن تعرف أسباب الرفض لما تراه مشروعاً يمكن أن يحقق تنمية تعم فائدتها المنطقة والسودان معاً.
    (2) وفئة ثانية ترى أن من واجب النوبيين أن يضحوا بكل ما يملكون مادامت إقامة السدود على مجرى النيل النوبي ستوفر طاقة نظيفة يحتاج إليها السودان في التطور صناعياً وزراعياً وأن رفضهم يعني أنهم لا يريدون خيراً لا للمنطقة ولا للسودان وتقدمه.
    (3) أما الفئة الثالثة فهي تلك التي على دين ملوكهم ممن أعماهم الانتماء الأعمى للنظام الحاكم من رؤية الآثار الوخيمة التي ستترتب من جراء قيام السدود على المنطقة, وباتوا يرددوا كالببغاوات ما يروجه النظام الحاكم من فوائد مزعومة ستعم المنطقة بقيام هذه السدود من دون أي تفكير لما سيحدث من تشتيت للسكان وتدمير تام لإرثهم وتراثهم الحضاري ومقومات المنطقة الاقتصادية وبدون أي اعتبار لما عانته المنطقة وسكانها من الإغراق الأول عام 1964م.
    إلى هذه الفئة الأخيرة والثانية نقول إن أبشع الأمور وأقساها هو أن يُقدح أو يُذم أناس كانوا يعتقدون جازمين في أن ما اتخذوه من قرار مصيري, رغم ما فيه من إجحاف في حقهم وضياع لكل إرثهم وتراثهم وتاريخهم, كان في المقام الأول من أجل وطن كبير يسع الجميع, ثم يكتشفون في نهاية الأمر, وبعد كل هذه التضحيات, أنهم قد خُدعوا وغُرّر بهم, وتُركوا ليجتروا مرارة هذه الخديعة والخذلان لوحدهم. ثم لا يكتفون بذلك بل يطلب منهم مرة أخرى خوض التجربة المريرة نفسها وهذه المرة بنيّة مبيّتة لتشريدهم خارج موطنهم وأرض أجدادهم بغير رجعة ليأتي آخرون لا يمتون بصلة بالمنطقة لينتفعوا من هذا الإخلاء واستغلال خيراتها لصالحهم فقط. وهذا ما يرفضه النوبيون جملة وتفصيلاً.

    أسباب رفض السدود:
    أما أسباب الرفض لإنشاء السدود في مجرى النيل النوبي فسنطرحها وفق هذه المحاور:
    1 – جدوى إنشاء السدود النهرية من أجل التنمية التي تهدف رخاء الإنسان أولاً وأخيراً.
    2 – ما حدث في الإغراق الأول لمنطقة وادي حلفا وقراها جراء بناء السد العالي: ملابساتها وتداعيات التهجير القسري منها.
    3 – سدا دال وكجبار: جدوي إقامتهما وتقييم ذلك في خلفية تداعيات الإغراق الأول, وما ترتب لاحقاً على إقامة سد مروي من مواقف رسمية تثير كثيراً من المخاوف حول وعود الحكومة ومدى جديتها في الالتزام بها.
    4 – الحوض النوبي: لمن تدخر الانقاذ إمكاناته المائية والزراعية؟
    أولاً: جدوى السدود النهري بصفة عامة: وسأتناولها بإيجاز هنا ما استقيناه من معلومات حوله من موسوعة ويكيبيديا.
    برهنت التجارب المستمدة من إقامة السدود النهرية ومشاريع الخزانات في كثير من أجزاء العالم أنها ضارة, في نهاية المطاف, بالبيئة والإنسان على حد سواء. وهذه الآثار الضارة للسدود كانت مثار نقاش حاد وجاد منذ ستينيات القرن العشرين ولازالت, وأن بناء سد الصين العظيم ومشاريع أخرى مماثلة في أجزاء أخرى من العالم أثار نقاشات بيئية وسياسية كبيرة حول جدوى هذه السدود ومنافعها التنموية .
    فالسدود لها تأثيرات بيئية في أجزاء النهر المختلفة نوجزها فيما يلي:
    أ – التأثيرات البيئية في أعلى السد:
    1 – إنشاء السدود النهرية أدى إلى غمر أكثر من 400.000 كيلو متر مربع من سطح الأرض, ومعظم هذه الأراضي تشمل أودية الأنهار والأماكن المنخفضة المجاورة لها, وهي الأخصب والأكثر جذباً للاستيطان البشري منذ آلاف السنين.
    2 – تعرّضُ مساحات كبيرة من المسطحات المائية المكوّنة خلف السد إلى تبخر للمياه أكثر مما كان في الماضي حين كان النهر يجري في مجراه الطبيعي، مما يؤدي إلى خسارة تصل إلى عمق 2.1 متر من الماء سنوياً في بعض المناخات.
    3 – إمكانية إسهام هذه الخزانات في انبعاث ما يعرف بغازات الاحتباس الحراري الناتجه من موت وتحلل وتعفن النباتات والأشجار الغنية بالكربون وإطلاق كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون Co2 وغاز الميثان Methane إلى الغلاف الجوي. والميثان هو غاز المستنقعات ويصدر طبيعياً عن المواد البالية والمتحللة في المستنقعات وسريع الالتهاب.
    4 – التجزئة أو التقسيم للأنظمة الإيكولوجية المتكاملة لمجرى النهر: فالسد حين يقام يكون بمثابة الحاجز بين حركة المنبع والمصب لحيوانات النهر المهاجرة مثل:
    • انتقال الأسماك.
    • إغراق الأراضي الرطبة والغابات والموائل الأخرى المحيطة بها في النهر مما يؤدي إلى المزيد من اختلال النظام الإيكولوجي على طول النهر والمصب: فالمناطق المحيطة بضفاف النهر تتميز بكونها الأغنى في التنوع البيولوجي.
    • كبح الرواسب التي من شأنها أن تجدّد النظم الأيكولوجية أسفل مجرى النهر طبيعياً.
    • الآثار المترتبة على الفياضات التي تعتمد عليها البيئة و الزراعة :النظام البيئي للسافانا و الغابات في السهول الفيضية في كثير من البلدان النامية يعتمد على الفياضانات , وعلى سبيل المثال ما ترتب على إنشاء سد ماننتالي في جمهورية مالي , ما أدي الى تقاطعه مع طرق هجرة الرعاة الرحل و تدمير مساحة تقدر بي 43.000 هكتار من غابات السافانا ما أدى الى تآكل التربة و الرعي الجائر في مكان آخر علاوة على تدمير ما مساحته 120 كم/مربع من الغابات و استنزاف المياه الجوفية التي كانت تكبح دورة الفياضات الموسمية و اتلاف الغابات التي كانت في إتجاه مجرى النهر أسفل السد .
    وفي نيجيريا بعد إكتمال سد كينجي ,فقدت ما بين 50-70 % من مساحة المصب مما أدى الى ركود الزراعة هناك.
    5 – بناء السدود يمنع تدفق الرواسب إلى المصب مما يؤدي إلى تآكل مجرى النهر وتراكم الرواسب وراء السد. وهذا بدوره يؤدي إلى تضاؤل السعة التخزينية للسد ومن ثم انخفاض القدرة على إنتاج الطاقة الكهرومائية كما على توافر المياه اللازمة للري دعك من حرمان المجرى الواقع أسفل السد من التخصيب السنوي للتربة من الغرمين أو الطمي.
    ب – التأثيرات البيئية أسفل السد:
    وتكون على الإنسان وذلك من ناحية:
    1 – الأمراض: فالخزانات مرتع للعديد من ناقلات الأمراض وبخاصة في المناطق المدارية, مثل البعوض والبلهارسيا.
    2 – إعادة التوطين: وخاصة إذا حدث بناء السدود على مقربة من المناطق السكنية لما لذلك من تأثيرات في المجتمع المتأثر بقيام السد من الناحية الاقتصادية والنفسية والاجتماعية, وهذا ما سأتناولها بتفصيل أكثر مرتبطة بتهجير سكان منطقة وادي حلفا.
    ج – الآثار المترتبة على كوكب الأرض عموماً:
    - حدوث تغييرات مناخية.
    - توليد غاز الميثان: غاز المستنقعات سريع الالتهاب.
    - تدهور الكتلة الحيوية Biomass من خلال العمليات اللاهوائية (لا يستعمل فيها الأكسجين) والبيوماس أو الكتلة الحيوية هي مادة من الأحياء (كالنباتات والحيوانات) أو الكمية الكلية من الكائنات الحية في مكان معين.
    - زيادة نتائج التلوث المحتملة 3.5 مرة من التلوث الناتج من محطة توليد للطاقة تعمل بحرق النفط.
    د – وتقول الهيئة العالمية للسدود في تقرير لها ما يلي:
    1 – إن هناك خطة لإنشاء عشرة سدود جديدة على مجرى نهر النيل, وهذا سيفاقم الصراعات على المياه بين الدول المطلة عليه, وخاصة أنها مموّلة من قِبل القطاع الخاص في دول كبرى (كمثال الخلاف بين دول حوض النيل وحول سد النهضة بين أثيوبيا والسودان ومصر).
    2 – وإن العالم أنفق 2 تريليون دولار في القرن العشرين على مشاريع إقامة السدود التي تجعل 60% من مجموع أكبر الأنهار في العالم, والبالغ عددها 227 نهراً, مجزءة بالسدود والانحرافات والقنوات, الأمر الذي يؤثر سلباً على حالة البيئة وهجرة الأسماك والتربة الزراعية. ويبلغ ما توفره هذه السدود من الطاقة 19% فقط من مجمل إمدادات الطاقة الكهرومائية كما أن نسبة الأراضي التي تعتمد على الري من السدود تتراوح فيما بين 30 و40%.
    ثانياً: الإغراق الأول وتداعياته:
    إن الحديث في موضوع رفض النوبيين ومناهضتهم لإنشاء سدود على مجرى النيل النوبي, لابد وأن يستدعي إلى الذاكرة كل ملابسات الإغراق الأول لمنطقة وادي حلفا في ستينيات القرن الماضي وتداعياته المريرة من تهجير قسري متسرع وإعادة توطينهم في أرض لم تكن ضمن اختيارهم, وما صاحب العملية كلها من تضليل ونقض للعهود وإرغام على الاستقرار النهائي في بيئة مغايرة تماماً لتلك التي عاشوا وترعرعوا في حضنها آلاف السنين, وما ترتب على تلك التجربة القاسية من نتائج كارثية طالت ليس فقط المنطقة المتأثرة وسكانها بل والمهجرّين لاحقاً. كل هذا ولّد في نفوس النوبيين شعوراً بالغبن والاستهداف وعدم المبالاة لمعاناتهم ودفعهم إلى مناهضة إنشاء السدود في منطقتهم بكل حسم وصرامة حتى لا تتكرر "مأساة عبود" مرة أخرى.
    أ. ملابسات الإغراق الأول وتداعياته:
    1 – عندما غادر الرئيس عبود مدينة وادي حلفا بعد زيارته التفقدية لها بعد توقيع اتفاقية مياه النيل مع مصر في عام 1959م, وهو يذرف الدموع حين وقف على أبعاد الهجرة الإنسانية المترتبة على توقيعه على تلك الاتفاقية, تسلّم من لجنة ممثلي الأهالي مذكرةً حول التوطين حوت نقاطاً مهمة منها:
    • أن تتم إعادة التوطين في أنسب الأماكن من الناحية الصحية والاقتصادية وبالكيفية التي تحفظ هوية ووحدة النوبيين ثقافياً وأجتماعياً.
    • منح ممثلي الأهالي الفرصة الكافية لزيارة المناطق المقترحة لإعادة التوطين للتوقف ميدانياً على بيئاتها واختيار الأنسب لهم.
    • منح المؤهلين من النوبيين الفرصة في التخطيط للهجرة وتنفيذها.
    2 – وقع الاختيار الأوّلي لمناطق إعادة التوطين على ست مناطق هي بالأولوية:
    • وادي الخوي: شرق النيل بمنطقة دنقلا.
    • منطقة الكدرو: شمال الخرطوم.
    • الجزء الشمالي من مشروع الجزيرة (أبو قوتة وكعب الجداد).
    • امتداد المناقل.
    • ود الحداد.
    • خشم القربة.
    بعد الزيارة الميدانية لهذه المناطق وإثر مناقشات حادة فيما بينهم, انقسم مواطنوا حلفا حول ثلاث مناطق هي حسب الأولوية: الكدرو وشمال الجزيرة لكونهما الأقرب لمدينة الخرطوم أو العاصمة المثلثة, والخوي كاختيار ثالث. وبعد جدال ومشاحنات استقر رأي المتنفذين والمؤثرين من الأفندية على شمال الجزيرة وذلك على الرغم من أن عدداً لا يستهان به من أهل المنطقة كانوا يفضلون وادي الخوي كمنطقة أقرب للبيئة النوبية ثقافياً واجتماعياً. ورفعوا خيارهم هذا إلى الحكومة.
    ولكن أهل حلفا فوجئوا بأن مجلس الوزراء حسمت أمر هذا الخلاف باختيار منطقة خشم القربة كخيار وحيد لإعادة توطين المهجرّين منهم. وساقت الحكومة أسباباً لذلك القرار منها إمكانية بناء خزان خشم القربة وإقامة مشروع زراعي تستوعب المهجرّين بالإضافة إلى انخفاض الكثافة السكانية هناك.
    لم يقتنع أهالي منطقة حلفا بهذا القرار وخرجوا في مظاهرات صاخبة عمت وادي حلفا والخرطوم وأماكن تجمعات النوبيين: فقد كان القرار نكوثاً بالوعد الذي قطعه الرئيس عبود للأهالي عند مغادرته لوادي حلفا. وبذرت بذلك النكوث بذور الشك فيما تنتويه الحكومة وتهدف إليه في نهاية المطاف, وبهذا القرار المجحف فقدت عملية إعادة التوطين أهم ركن من أركانها، وهو النوايا الحسنة والثقة المتبادلة بين الحكومة والأهالي, وتلاشى شعور الطمأنينة والرضا تجاه كل ما تفعله الحكومة وتخطط له من أجلهم في هذا الشأن: إنها فجوة المصداقية Credibility Gap التي تعمقت مع مرور الوقت ولوّنت مواقف المهجرين وتصرفاتهم, كما أصبحت درساً يتعظ به من يناهضون قيام السدود الآن. وكانت لأهالي حلفا أسباب قوية وراء اتخاذ هذا الموقف وذلك لما لعملية إعادة التوطين من آثار سالبة عموماً.
    التأثيرات السالبة لإعادة التوطين:
    عملية إعادة التوطين لأية مجموعة سكانية متأثرة ببناء السدود في منطقة أخرى غير منطقتها الأولى, لها تأثيرات سالبة على هذه المجموعات من خلال ثلاثة أشياء:
    1 – الصدمات النفسية البشرية التي تعترّي نفوس الناس عند وضعهم أمام أمر واقعي مرير يتمثل في ترك أرض أجدادهم قسراً للسكن في أرض غريبة عنهم عرقياً وبيئياً وثقافياً.
    2 - الكارثة الاجتماعية.
    3 – الكارثة الاقتصادية.
    1 – فمن ناحية الضغوط النفسية وأسبابها أذكر ما يلي:
    • شعور الأهالي بأنهم لم يشركوا في اتفاقية لها تأثيرها المباشر على مصيرهم ومصير منطقتهم؛ فهم اكتفوا بمتابعة ما يجري بين الحكومة السودانية وحكومة مصر من مداولات من بعيد آملين أن تفشل, وفي الوقت نفسه لم يتركهم هاجس قرار محتوم يضعهم في النهاية أمام واقع لا مناص من الخضوع له مرغمين.
    • شعور الأهالي بأن أرض أجدادهم بيعت بثمن بخس: فقد انخفضت التعويضات, بضغط من مصر, من 35 مليون جنيه إلى 15 مليون جنيه مقابل فقدان 200.000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة و27 قرية من قرى النوبة العريقة بالإضافة إلى مدينة وادي حلفا, أكبر مدن المنطقة وأكبر ميناء نهري في البلاد, ومواقع أثرية لا تعوض.
    • تعويضات النخيل, رمز العزة النوبية ومحصول المنطقة النقدي والغذائي, حددتها الحكومة بمجموع 2 مليون جنيه فقط من تعويضات مقدّرة أساساً من قِبل الأهالي بـ 33 مليون جنيه.
    • ما أصاب المتأثرين في المنطقة المتأثرة بالإغراق من حزن وذهول وغضب وإهانة في آن واحد عندما بات إغراق المنطقة تحت مياه السد العالي أمراً واقعاً بعد توقيع الاتفاقية بين الحكومتين. ومن ثم, كان عليهم مغادرة أرض أجدادهم خلال مدة وجيزة تاركين وراءهم تحت البحيرة كل ممتلكاتهم من أرض وبيوت ونخيل, بل وقبور أحبائهم وجزء كبير من تاريخهم وإرثهم الحضاري الممتد عبر آلاف السنين لينقلوا إلى منطقة لم يختاروها وبيئة جديدة مغايرة تماماً عما ألفوها جغرافياً وثقافياً وعرقياً.
    • ضغط الحكومة المصرية على ترحيل المتأثرين بالإغراق خلال المدة المحددة (3.5 سنة من توقيع الاتفاقية) ورفض طلب السودان لتأجيل الإغراق لستة أشهر إضافية حتى تتمكن من إجلاء الناس, وما ترتب على ذلك من ضغط نفسي رهيب على هؤلاء المقهورين وهم يتسابقون في إخلاء بيوتهم وإنقاذ ممتلكاتهم مع مياه البحيرة التي بدأت ترتفع تدريجياً لتغمر أعز ما يمتلكونه.
    • عدم مبالاة الحكومة لإرهاصات هذه الضغوط النفسية التي كان المهجرين يتعرضون لها, وما سيتعرضون لها لسنوات قادمة في منطقة التوطين, وتجاهلها التام لدراسة أجراها مختصون من الأطباء النفسانيين السودانيين تتعلق بهذا الشأن بالذات.
    2 – تداعيات هذه الضغوط النفسية والتهجير المتعجل:
    تركت هذه الضغوط النفسية والهجرة المتعجلة وإفراغ المنطقة من سكانها بالطريقة التي تم بها آثاراً سالبة من اجتماعية واقتصادية على المنطقتين المعنيتين: منطقة إعادة التوطين والمنطقة المغمورة.
    أولاً: في منطقة إعادة التوطين: تتمثل الآثار السالبة في هذه المنطقة فيما صاحب عملية إعادة التوطين للمهجرّين وبرنامجها في عجالة أيضاً. وقد تمثل هذا التخبط والعجالة في بناء قرى التوطين في اختيار المقاولين وما حدث من خلاف بينهم وبين الحكومة ما أفضى في النهاية إلى إيكال أمر إكمال البناء لمقاولين محليين حتى تفي الحكومة بموعد الإجلاء الذي حدده المصريون لإخلاء المنطقة المتأثرة بالإغراق من سكانها. ولذلك, أتت كلها غير مستوفية للشروط التي يجب توافرها في مثل هذه البيوت مما أدى إلى تصدعها مع مرور الأيام. وبالإضافة إلى ذلك, تم إيواء المهجرّين في منازل سقوفها من ألواح الاسبستوس مازاد, علاوة على الأمراض المتوطنة في منطقة البطانة, من تعرضهم لأنواع الأمراض والأورام الخبيثة وأجبر العديد من النوبيين لاحقاً إلى بيع أراضيهم للعرب والهجرة إلى أطراف مدينة الخرطوم. وقد تفاقم هذا الوضع حالياً لأسباب أخرى.
    • لم يوضع أي اعتبار لكيفية تأقلم النوبيين للعيش في هذه البيئة الرعوية النادرة المغايرة كليّاً لبيئتهم الأصلية التي طوروا فيها عبر آلاف السنين نمطَ حياةٍ في غاية التناغم والانسجام والتهيؤ معها, وذلك وفق أعراف وتقاليد ضاربة في جذور ثقافتهم وتاريخهم. وبتلك العجالة أُقحموا في هذه البيئة الجديدة وتركوهم يتعلمون بأنفسهم عن طريق التجربة والخطأ اللاإرادية, مما أفضى في نهاية المطاف ومع مرور الوقت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية وخيمة كان من نتائجها بروز مشكلات أدت إلى وأد أهداف مشروع التوطين الأولى وفشله برمته.
    • إن مشروع خشم القرية الزراعي (وهو الاسم الأصلي وليس مشروع حلفا الزراعي المعروف به الآن) هو مشروع أُعدّ مسبقاً لدورة زراعية ولزراعة محاصيلٍ بعينها وفقها لم يعتد عليها النوبيون في موطنهم الأصلي. وهذا يتناقض مع ما طلبه المهجرّون (أهالي حلفا) من الرئيس عبود في مذكرتهم الأولى له وهو يغادر مدينة وادي حلفا: التحكم فيما يزرعون من محاصيل , وفشلت محاولة إدخال نظام دورة محاصيل جديدة لتضاربه أيضاً مع ما اعتاد عليه النوبيون في أرض أجدادهم. وهذا أيضاً دليل ناصع على أن التهيؤ الاقتصادي Economic Adaptation للمهجرّين لم يكن له أي اعتبار لدى المسؤولين عن إعادة التوطين.
    • مشروع خشم القرية الزراعي خُطط ونفذ اساساً لاصطياد عصفورين بحجر واحد: توطين بدو البطانة ضمن "مشروع توطين القبائل الرّحل Sedentarization of Nomads" الذي حظى باهتمام كبير في ستينيات القرن الماضي من قِبل الأمم المتحدة وأجريت حوله دراسات في كثير من مناطق البدو في العالم العربي ومن ضمنه السودان, وتالياً الاستفادة من المشروع نفسه في إعادة توطين أهالي حلفا, وقد يفسر هذا لماذا وقع اختيار الحكومة على خشم القربة دون غيرها من الأماكن المختارة الأخرى منطقة لإعادة توطين المهجرّين.
    فقد رأت الحكومة، وبدلاً من إقامة مشروع جديد في أي من الأماكن التي قد يتم اختيارها، أن دمج النوبيين المرحّلين ضمن هذا البرنامج سيكون دعماً له, إذ يمكن أن يستفاد من تجربة هؤلاء كمجموعة زراعية مستقرة، في تعليم البدو وتهيأتهم على حياة الاستقرار التي تقوم على الزراعة, وذلك تماماً كما فعل الإنجليز – مع بعض الاختلاف – عندما أحضروا الفلاحين المصريين في مشروعي الزيداب أولاً والجزيرة لاحقاً لتعليم السودانيين كيفية زراعة القطن رياً. أما كيفية التأقلم بالنسبة إلى النوبيين أنفسهم لظروف هذه البيئة الجديدة ليكونوا في وضع يسمح لهم بتعليم آخرين, فلم يخطر ببال أحد من المسؤولين بتاتاً. فإن شعور الانتماء لهذه البيئة الغريبة عليهم انتفى بمجرد فرضها عليهم كموطن استقرار بديل وجديد لم يكن ضمن خياراتهم الأولى ولا المفضلة.
    • تفاقمت بعد ذلك مشكلات مشروع خشم القربة الزراعي وتنامت كان أسوؤها نتيجةً هو قصور مياه الري عن إرواء المحاصيل بشكل هدد جدوى المشروع برمته مما ولّد, بل عمّق تدريجياً, شعور الإحباط الذي لازم برنامج إعادة التوطين منذ بدايته: فقد شعر المهجرّون بأن ما وُعدوا به من حياة مستقرة مطمئنة في موطنهم الجديد بات سراباً بعد مرور أكثر من 50 سنة. فالمشروع اليوم يعد فاشلاً ومعروض للبيع ولا يجد من يشتريه فالمرتجى هو أن يُنقذ المشروع ببناء سدود على نهر ستيت وعطبرة.
    • يخطىء من يظن أن انسجاماً قد حدث عبر الخمسين سنة الماضية بين النوبيين وسكان المنطقة: فمازال بعض من سكان المنطقة ينظرون إلى المشروع "كمستعمرة أو مستوطنة أجنبية", كما صرح بها أحد قواد الأسود الحرة حين سُئل عن مصير الحلفاويين ودورهم ومشاركتهم فيما كان يجري من أحداث في المنطقة. ووفدت إليه مؤخراً جماعات أخرى طامعة في نصيب لها في المشروع وبتشجيع رسمي حتى تقلص ما في حوزة النوبيين من حواشات زراعية إلى أقل من نصف ما وُزّع لهم في البداية، وباتت ما بقي لهم من مزارع محاطة بمزارع الآخرين كإحاطة السوار بالمعصم. ووفقاً لما يجري في المشروع حالياً من تعديل في مسمى الكيانات التي أنشئت مصاحبة للمشروع ومؤشرات أخرى تقول إلى أن معظم هذا المشروع, إن لم يكن كله, سيؤول إلى مَنْ خطط أساساً لتوطينهم: البدو الرّحل. فالمشروع اقتطع من أراض كان البدو يتنقلون في ربوعها منذ القدم موسمياً انتجاعاً للمرعى والماء, وما كانوا سيتنازلون لولا تطمينات قدمت لهم لتبديد مخاوفهم: فهذه أرضهم وسيظلون ينظرون إليها كذلك كحق مشروع لهم. ولكن ما ذنب النوبيين الذين أُحضروا إليها صاغرين إلى مكان لم يكن ضمن خياراتهم بعد أن فقدوا أرض أجدادهم إلى الأبد, فماذا سيكون مصيرهم بين مطرقة البدو الرحل, أهل المنطقة, وسندان الحكومة التي باتت تحابي أهل المنطقة على حساب النوبيين, فإن تصفية الوجود النوبي في هذا المشروع بات أمراً واقعاً بمباركة الحكومة وتشجيعها الخفي، ولم يعد هذا الاتجاه يخفى على أحد.
    • مسميات القرى وطمس الهوية التدريجي: الملاحظ في هذا الشأن أن "مشروع خشم القربة الزراعي" حوّل إلى "مشروع حلفا الجديدة", وأنشأت مدينة سميت بـ "حلفا الجديدة", وكلها مسميات للترضية وبعث نوع من شعور الانتماء لهذه الأرض الغريبة عنهم. فكلمة "جديد New" المضافة لمدن كثيرة في الأراضي الجديدة المكتشفة، والإنجلوسكسونية بالذات مثل الولايات المتحدة, أطلقها المهاجرون الذين جاءوا طوع إرادتهم ليستقروا فيها, على المستوطنات التي أسسوها يستلهمون من وراء ذلك تاريخهم وتقاليدهم وإرثهم الإنساني في الموطن الجديد حافزاً لهم في البقاء والاستمرار في تنمية وتطوير أراضيهم الجديدة من واقع التجربة والخطأ الإرادي المستمدة من إرثهم الثقافي والحضاري للوصول إلى ما فيه خيرتهم ورخائهم. فأين "حلفا الجديدة" من ذلك الآن: فقد باتت اسماً خاوياً من محتواه الأثني. فإن كان ذلك هو سنة المدن, فما بال القرى؟!
    إن تسمية القرى بالأرقام بدلاً من أسمائها الأصلية, على الأقل حفاظاً للذاكرة الجماعية, لهي في واقع الأمر طمس مقصود للهوية مع تقادم الأيام. فالقرية, ككل الظاهرات البشرية والطبيعية هي باسمها: وعاء ثقافة الساكنين فيها تتجسد فيها وفي اسمها ما يربط هؤلاء من وشائج القربى والرحم والتاريخ. وباندثار القرى النوبية تحت مياه السد العالي, فإنها ستنمحي مع مرور الأيام من ذاكرة الأجيال القادمة. ومع رحيل الأجيال القديمة, لن يكون هناك من شيء يذكّر هؤلاء الصغار بمغزى وأهمية تلك الأسماء, وينشأ من ذلك فجوة في حلقات تواصل التسلسل التاريخي المتوارث التي تكفله المسميات من جيل لآخر بين الموضع الجديد وأرض الأجداد. والآن فلا أحد من النوبيين يسمي القرى بأسمائها الأصلية بل بأرقامها, وغدا ستتحول الفجوة إلى هوة ثقافية سحيقة يصعب تجسيرها وينشأ جيل جديد لا صلة ولا انتماء له لأرض النوبة ولا حتى ثقافتها, جيل يحمل هوية أخرى وتنتفي بذلك الصلة بينه وبين أرض الأجداد.
    ثانياً: التأثير في المنطقة الأصلية: استدعي هنا ذلك الأمر الرسمي الصادر آنذاك من الحكومة للمسؤولين في وادي حلفا بإخلاء المدينة من كل المرافق الخدمية بإزالتها Dismantling، وكان الهدف منه جعل البقاء هناك صعباً بل مستحيلاً لمن أراد ذلك من الحلفاويين (النقديين) الذين أصروا على البقاء مهما كانت العوائق والصعوبات التي تعترضهم، ورفضوا بكل إباء وشمم ترك أرض أرضعتهم من خيراتها وتربوا في أحضانها نهباً للطامعين, وخاضوا في سبيل ذلك غمار ملحمة بقاء لا مثيل له في تاريخ الشعوب وأبقوا لنا وادي حلفا رمزاً لعزيمة النوبي ومثابرته حين يعقد العزم والنيّة في التصدي لملمة من الملمات: فلهم التجلة والتقدير والاحترام. ولكن أين حلفا الحالية من حلفا الأصلية التي كانت تتضوع بعبق نوبي أصيل يستمد شذاه وألقه من قراها المحيطة بها ومن إطلالتها الدائمة على النيل والمزارع والحدائق والخضرة التي تحيط بها ومن مرافقها المتنوعة وسكانها باختلاف مشاربهم يعيشون في حضنها في انسجام وتواءم تام وفي أمن وطمأنينة واستقرار استحقت بموجبها وصف "أجمل مدن السودان". أما حلفا الحالية التي كافح النوبيون على إبقائها: فقد أراد لها الحكام الحاليون أن تكون موئلاً لأناس ليس لهم من شعور الانتماء لها سوى المنفعة: فقد لمسنا ذلك حين أوقفت الإنقاذ الملاحة بين وادي حلفا ومصر لأسباب سياسية، وكان أول من غادرها إثر ذلك تجار المنفعة تاركين أهل حلفا يواجهون مصيرهم لوحدهم. وهاهم قد قدموا بعد استئناف الملاحة يمتلكون ويتطاولون في البنيان وتتغير التركيبة السكانية تماماً كما يحدث في حلفا الجديدة. إنها حلفا تحضنها الجبال والبيداء المقفر, بل هي كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ ولا ملاذ من قيظ الحرارة وشدتها غير الموت في بيئتها الصحراوية الخانقة!
    • تعرّضت وادي حلفا ولا يزال إلى حرب شعواء من قِبل حكومة الإنقاذ تهدف أساساً إلى تقويض أهميتها كميناء نهري رئيسي ومنفذ تجاري وحيد بين مصر والسودان كما كانت من قبل. ومن سياسات الإنقاذ لتحقيق ذلك الهدف ما يلي:
    1 – إيقاف الملاحة النهرية بين وادي حلفا ومصر في أوائل تسعينيات القرن الماضي بقرار جمهوري مع إبقاء كل وسائل الاتصال مع مصر مفتوحة من أنحاء السودان الأخرى.
    2 – مماطلة حكومة الإنقاذ في إنفاذ الجزء الخاص به من الطريق البري: أبو سمبل – قسطل – وادي حلفا للربط بين البلدين, وهو الجزء الذي يمتد من قسطل إلى وادي حلفا بطول يبلغ نحو أربعين كيلو متراً, وذلك منذ عام 1992 حتى عام 2014 م, والترويج لطريق بري بديل يبدأ من أبي سمبل وعبر الصحراء بعيداً من النيل وحتى دنقلا ثم دارفور أطلقوا عليه الطريق القاري, كما لطريق آخر من بورتسودان إلى مصر يجري بمحاذاة ساحل البحر الأحمر. وتعد هذه الخطوة تخطياً مقصودا ًلوادي حلفا مدينةً ومحافظةً ومعظم قراها الكبيرة التي تصطف, وكذلك الطريق الرئيسي الذي يربط بينها منذ القدم, بمحاذاة الضفة الشرقية للنيل. فاللشرق أهمية متجذرة في ثقافة النوبيين منذ عهد الفراعنة.
    والغريب في الأمر هنا, وبعد أن ضمت مصر نتوء وادي حلفا Wadi Halfa Salient رسمياً داخل حدودها - ومعها أيضاً مثلث حلايب, عام 2014م - وهو امتداد على ضفتي النيل لمسافة 19 ميلاً إلى الشمال من خط عرض 22 ْ شمالاً كانت بها ست قرى نوبية سودانية عريقة هجرّ أهلها إلى خشم القربة - افتتح هذا الطريق البري, ولكن المنفذ الحدودي الذي كان مقترحاً بأن يكون في قسطل على الجانب المصري, نقل, وبموافقة حكومة الإنقاذ إلى اشكيت التي تقع داخل الحدود السودانية بنحو أربعين كيلو متراً. ولم نسمع من قبل أن يكون منفذ حدودي داخل دولة بل يكون على الحدود بين الدولتين.
    3 – بعد اقتطاع الجزء الشرقي من الصحراء النوبية (من المديرية الشمالية سابقاً) وضمها لولاية جديدة بمسمى ولاية نهر النيل – والتي بذلك أصبحت لها حدود متاخمة لمصر – تم اختيار شلاتين ا لمصرية منفذا تجارياً لطريق بري يربطها بالعبيدية في الولاية الجديدة حيث يكون التخليص الجمركي, مما يعد تخطياً آخر واضحاً ومقصوداً لوادي حلفا وحرمانها من وظيفتها التقليدية كميناء نهري ومنفذ للتجارة والركاب بين مصر والسودان, كما أيضاً من العوائد الجمركية. هذا ولا تزال الحكومة ساعية حتى الآن بتخطي وادي حلفا ومعها المحافظة بأكملها, وذلك خلال ما يشاع حالياً من نية حكومة الولاية الشمالية من نقل الجمارك إلى أرقين المتاخمة لمصر إلى دنقلا الواقعة في أقصى بلاد النوبة وعاصمة الولاية, حيث يكون التخليص الجمركي. وهذه الخطوة, بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه, أراها تمهيداً لاختلاق خلاف بين النوبيين ولشق صفوفهم وبذور الفتنة فيما بينهم, فالجمارك مكانها عند المنافذ الحدودية.
    4 – تركت الهجرة أرضاً خالية من السكان تمتد لعشرات الأميال جنوباً من الحدود المصرية – السودانية. وفي ندوة عقدت في دار الأهرام – ندوة الأهرام – في عام 1994م بحضور رجال الاعمال المصريين وممثلين للحكومة السودانية يرأسهم الصادق عمارة, نائب وزير الزراعة, دعا عمارة وبصريح العبارة ومن منطلق أن هذه الأراضي خالية من السكان سوى "بعض القبائل النوبية" – كما ادعى -, دعا رجال الأعمال المصريين للاستثمار في هذه المنطقة كافلاً لهم كامل الحرية باستغلالها كيفما شاءوا: إنتاجها لهم وعمالها منهم, وبدون أية إشارة إلى أحقية النوبيين في ذلك مشاركةً أو انتفاعاً, بل تجاهلهم تماماً.
    5 – هناك "دلتا" داخلية تكوّنت في أرض الحجر إلى الجنوب من وادي حلفا نتيجة إرسابات الطمي خلف السد العالي, وهذه عملية طبيعية تحدث في مثل هذه الحالات. جذبت هذه الدلتا الخصبة أعداداً من النوبيين لاستثمارها زراعياً, ولكن ما حدث هو الإغراق المتعمد المباغت للمحاصيل حين تنضج ويحين حصادها, وذلك برفع منسوب الماء وراء السد العالي, وتغرق الأرض ويخرج المزارعون خاليي الوفاض وقد فقدوا جلّ محاصيلهم وحتى المضخات أحياناً. ولازالت هذه العملية تتكرر سنوياً وآخرها كان في الموسم الماضي, ولازالت المعاناة مستمرة رغم التحوطات التي يتخذها المزارعون لحماية محاصيلهم من الإغراق ولا حياة لمن تنادي من قِبل الحكومة.
    وهناك ما يثير الاستغراب أيضاً إزاء موقف الحكومة حول أيلولة ملكية هذه الأراضي وحق الانتفاع بها: فعندما طالب النوبيون المهجرون الراغبون في العودة إلى مواطنهم الأولى وكذلك المقيمون منهم, بحقهم في امتلاك هذه الأراضي واستثمارها, ردت حكومة الإنقاذ بأن لا حق لهم في ذلك بسبب أنهم أخذوا حقهم نقداً أو عوضوا عنها بآراض في مشروع خشم القربة الزراعي قبل أكثر من 50 سنة, وأنها ملك للدولة توزعها كما تراها؟ّ! فإذا كان الأمر كذلك فلماذا تكون هذه الأراضي تعويضاً لهم عن الـ 200.000 فدان من الأراضي الزراعية الخصبة المنتجة التي غمرتها مياه السد العالي, ومن أحق بها غيرهم وهي أرض نوبية بامتياز؟ ونرى في عملية الإغراق السنوي المباغت هذه سوى أمراً الغرض منه تطفيش النوبيين منها ما يجعلنا نتساءل: لصالح مَنْ من الناس إذن تدخر الحكومة هذه الأراضي الخصبة والنوبيون هم الأوْلى بها دون غيرهم؟ فهي أرض نوبية أولاً وأخيراً!
    6 – محور حمدي, وهو جزء حدّده حمدي عبدالرحيم وفقاً لطلب من حزب المؤتمر الوطني الحاكم المنتمي إليه تتوفر فيه ما يراه الإسلامويون من شروط (العروبة والإسلام) يضمن بقاءهم واستمرارية نظامهم مستقبلاً, وشمل سنار أواسط السودان, وكردفان وشمال السودان (الولاية الشمالية) حتى دنقلا فقط. دون أي إشارة واضحة وصريحة إلى ذلك الجزء من أرض النوبة الواقع إلى الشمال من دنقلا ويشمل مناطق المحس والسكوت وحلفا، وهي المنطقة المختارة لإقامة سدي دال وكجبار: دال في السكوت وكجبار في المحس, مما يعني أنه بإنشاء هذين السدين يكتمل إغراق ما تبقى من أرض النوبة من الإغراق الأول لتشمل هذه المرة ليس فقط معظم هذه الأرض بل أكثرها اكتظاظاً بالسكان وأوفرها حظاً من المواقع الأثرية المكشوفة والمدفونة والثروات المعدنية والنخيل والزراعة.
    كان موقف النوبيين جميعهم – باستثناء شرذمة منهم من الموالين للنظام الحاكم – تجاه بناء سدي دال وكجبار, مغايراً تماماً للموقف المهادن والمستكين الذي اتخذه المتأثرون بالإغراق الأول لمنطقة وادي حلفا وقراها. كان – ولا يزال – موقفاً اتسم بالرفض التام منذ أن طرحت فكرة إنشاء سد كجبار في بداية تسعينيات القرن الماضي ليتطور لاحقاً إلى مقاومة سلمية عبر المظاهرات التي انتهت دموياً في كدنتكار باغتيال شهداء كجبار الأبراء ليتحول في نهاية الأمر ومع مرور الأيام إلى معارضة قوية صلدة ومتلاحمة تنتظم طول أرض النوبة وعرضها, كما صفوف النوبيين في كل بقاع الأرض, تحت شعار "لا للسدود, مأساة عبود لن تعود". ولكي نفهم أسباب هذه الموقف المتلاحم, علينا إلقاء بعض الضوء على ما صاحب فكرة إنشاء سد كجبار, وسد دال لاحقاً, من ملابسات.

    ثالثاً: ملابسات مشروعي سد كجبار ودال:
    1 – إن فكرة إنشاء سد في كجبار تعود إلى المرحوم المهندس محمود شريف, وهو من أبناء المحس وكوادر الإنقاذ, وتقوم الفكرة, كما روّج لها حينذاك, على إقامة حواجز على مجرى النيل هنا تحبس الماء وترفعه إلى مستوى لا يهدد الجروف بالإغراق بل يكفي لإنتاج نحو 80 ميقاواط من الكهرباء تكفي لتشغيل طلمبات الري التي كانت قد توقفت لشح كبير في إمدادات الجازولين آنذاك (بدايات تسعينيات القرن الماضي).
    ولكن تبيّن للناس لاحقاً أن حكومة الإنقاذ تخطط لتحويل مجرى النيل الواقع إلى الشمال من الخرطوم, وهو أكثر خصوبة, إلى خزانات مائية اصطناعية ببناء سدود عليه عند أماكن مثل الشريك وكلوودسي (موضع سد الحامداب (سد مروي لاحقاً) وكجبار ودال. كما تبين لهم أن ما تزمع الحكومة إقامته في كجبار هو في واقع الأمر يحمل مواصفات السدود بكل تفاصيلها كما يلي:
    • الارتفاع: 20 متراً.
    • البحيرة وراء السد: 110كم2.
    • عدد الأشخاص المتأثرين بقيام السد تأثيراً مباشراً: أكثر من 10.000 شخص.
    • الكهرباء المولّدة: 360 ميقاواط.
    أما سد دال الذي اقترح بناؤه بعد فترة من كجبار, فمواصفاته تأتي كالتالي:
    • الارتفاع: ما بين 25 و45 متراً.
    • البحيرة وراء السد: أكثرمن 97 كيلو متراً.
    • عدد الأشخاص المتأثرين بقيام السد: ما بين 5.000 و10.000 شخص.
    • الكهرباء الموّلدة: ما بين 340 و450 ميقاواط.



    2 – كيف روجت حكومة الإنقاذ لقيام هذين السدين, وبخاصة سد كجبار؟
    على عكس ما حدث, ولو تمويهاً, عند الإغراق الأول بتكوين لجنة للأهالي أوكلت إليها مهمة اختيار موطن إعادة التوطين من ضمن عدة خيارات مطروحة ووفق شروط معينة اقترحتها اللجنة, لجأت حكومة الإنقاذ إلى اتباع أسلوب مغاير تماماً أساسه تجاهل المتأثرين من قيام السد تجاهلاً تماماً من أي قرار يخص هذا المشروع. لم تفكر الحكومة لحظة, بل لم تكترث أبداً، في الجلوس مع هؤلاء لمناقشة هذا الأمر معهم واستطلاع آرائهم حول الموضوع برمته من حيث الموافقة والتعويض المناسب لممتلكاتهم واختيار ما يرونه مناسباً لإعادة توطينهم وكل ما يتعلق بقرار مصيري كهذا. بل كان المواطنون يشاهدون في صمت مهندسين صينيين وهم يجرون مسحاً في المنطقة لمواقع أبراج الكهرباء, ثم يباغتون بآلات ومعدات ثقيلة ترمي في جنح الليل عند موقع السد بدون سابق إنذار إيذاناً بالبدء في إنشاء السد.
    هذا العمل يعد خرقاً واضحاً لـ "وثيقة الإعلان عن حقوق الشعوب الأصلية Declaration on the Rights of Indigenous Peoples", وهي وثيقة أممية تشترط حق الحصول على موافقة السكان الأصليين على أي مشروع يؤثر في أراضيهم.
    كما أن لجنة مراجعة الخزانات العالمية في تقرير له في عام 2000م تكفل ما يلي:
    • حق نزع الأرض بسبب السدود ينبغي أن يتم في ظل حكومات ديمقراطية فقط تحترم حقوق المتأثرين, وتحرّم أن يحدث النزع في ظل النظم الشمولية (كنظام الإنقاذ).
    • الحصول على موافقة المتأثرين بقيام السدود والوصول إلى اتفاق مرض حول حقوقهم, وإشراكهم في اتخاذ القرار فيما يخص إقامة السد في جميع مراحله (من تعويض منصف ومكان مناسب يختارونه لإعادة توطينهم إلخ).
    ما حدث بشأن سد كجبار هو أن حكومة الإنقاذ لجأت إلى أسلوب المباغتة والتضليل والترهيب ثم القتل العمد وأخيراً محاولة بذر الفتنة والشقاق بين النوبيين سبيلاً لتحقيق مراميها (كما بالوسوسة للمتاثرين من سد دال بأن لا نية لدى الحكومة بإقامة سد هناك أبداً لإسكاتهم تضامنهم مع المناهضين لسد كجبار).
    • فالتضليل بدأ منذ أن طرحت, فكرة إقامة سد في كجبار, وذلك حين أخذ التليفزيون العام ببث صوراً منسوبة زوراً إلى منطقة السد كانت عبارة عن جذوع نخل هاوية وخرائب وركامات من جلاميد صخرية وأماكن خالية من السكان- وما أكثر مثل هذه الاماكن في الشمالية - , وأرادت بذلك أن ترسل رسالة مضللة مفادها أن ليس من خسائر مادية ستترتب عن إقامة سد هناك وأنها أرض لا مالك لها No Man's Land .
    • ومن باب التضليل والزيف أيضاً إدعاء الحكومة بأن إقامة السدود في هذه المنطقة هي لتنمية المنطقة؛ وما يثبت زيف هذا الادعاء قول أحد المتنفذين من وزراء النظام بأن هناك 6 مليارات متر مكعب من مياه النيل تذهب لمصر ولا يستفيد منها السودان مما يستدعي تخزين هذه الكمية عن طريق سدين في دال وكجبار. وهذا تزييف لحقيقة الأمر إذ إن فائض السودان من مياه النيل هو 2.5 مليار متر مكعب فقط وليس 6 مليارات. فإذا سلمنا جدلاً بأن هذا القول صحيح, فلماذا يتم تخزين هذا الفائض في أقصى شمال السودان, وهي منطقة ذات أراض زراعية محدودة نسبياً وصحراوية حارة يزيد من معدل التبخر كثيراً, وليس في المجاري العليا والوسطى من النيل حيث توجد معظم الأراضي الزراعية التي يمكن أن يحوّل السودان إلى "سلة غذاء العالم العربي" كما تروج له الحكومة. فقد أظهرت دراسات قام بها سودانيون مختصون في هذا المجال بأن سدي كجبار والشريك – دعك من دال في أقصى الشمال عند نهاية بحيرة النوبة – أيضاً ليست لهما فوائد تذكر لأنهما محلييّ الطابع ولن يترتب عن إقامتهما غير إغراق القرى والأراضي الزراعية على جانبي المجرى وتشتيت سكانها ثم تهجيرهم القسري إلى جوف الصحراء.
    • كما أن مجموعة من شركات متخصصة كوّنت لدراسة الخزانات وجدواها ا لفنية والاقتصادية ضمت شركات بريطانية وفرنسية Scot – Welson وبيوت خبرة وشركات استشارية مصرية وسودانية وإثيوبية, وبتمويل شامل من البنك الإفريقي, قامت بدراسة الخزانات المختلفة القائمة والمزمع إنشاؤها, وجاء قرارها مرجحاً لقيام خزان في الحدود بين السودان وأثيوبيا باعتباره أفضل بكثير من حيث الجدوى الاقتصادية من خزانات تقام في شمال السودان كما تقترحها الحكومة بدون دراسات علمية وباصرار يثير الشكوك حول مراميها وأهدافها من ذلك.
    • فإن موقف الحكومة تجاه إقامة السدود الثلاثة – الشريك – كجبار – دال لازال غامضاً, ولكنه أصبح مرتكزاً لحرب نفسية قذرة تشنها الحكومة بين حين وآخر على سكان المنطقة المتأثرة بقيام هذه السدود. فالحكومة تارة ما تتحدث عن عقود أبرمت لإنفاذ مشروع الستيت في مجرى نهر عطبرة العليا، وتارة عن مشروع سد الشريك لتعود وتتحدث عن سدي دال وكجبار مرة أخرى بطريقة مستفزة معلنة بأنها وفرت التمويل اللازم لذلك وستمضي قدماً في إنجاز هذه السدود دون أي اعتبار لآراء المتخصصين ولا المتأثرين الرافضة لهذه المشاريع، وأيضاً لما يعد خرقاً واضحاً وصريحاً وفجاً لوثيقة حقوق الشعوب الأصلية وقرارات لجنة مراجعة الخزانات العالمية المذكورين أعلاه.
    • فالموضوع ليس مجرد كهرباء يولّد, بل ما يترتب على بناء هذه السدود من كوارث إنسانية بشعة لا تقرها الشرائع الدنيوية وحتى السماوية. وما حدث للمناصير بعد إنشاء سد مروى بعد وعود الرخاء الجوفاء, قد أفقرت عشرات الآلاف من الناس وأفرزت انتهاكات فظيعة بحقوق الإنسان في السودان. نعم, ضاعف سد مروى إنتاج الكهرباء في السودان, ولكن ذلك تم على حساب أكثر من 50.000 شخص الذين هُجّروا من أراضيهم حول ضفاف النيل "كالجرذان" – كما هدد أسامة – للسكن في جوف الصحراء. وتعرضوا عند إجلائهم القسري من أرض أجدادهم للقتل والاعتقال والعنف الذي استنكره منسق مفوضية الأمم المتحدة في الخرطوم وجماعات حقوقية أخرى مثل جماعة الأنهار العالمية I.R.O.. وكان هذا التصرف الفج وغير المكترث لإنسان المنطقة رسالة ذات دلالة مرّة وقاتمة لما يمكن أن يتوقعه النوبيون من حكومة الإنقاذ حين تحقق ما ترمي إليه من وراء إصرارها على بناء السديْن مازادهم إصراراً أيضاً على معارضة هذا التوجه الإنقاذي المبهم.
    • فضحت تجربة أهل المناصير تلك, زيفّ أسلوب الحكومة المضلل الذي لجأت اليه في الترويج لهذه السدود في البداية وحتى الآن, وذلك عن طريق بث صور ومنشورات وكتيبات مفبركة لإيجابيات هذه السدود من بيوت وقرى نموذجية ومدى تأثير بحيرات السدود, مصممةً بتقنيات إلكترونية مثل الفوتوشوب في أماكن تم تحديدها دون علم أو موافقة المتأثرين. وأسوق مثالاً لذلك فيما عرض في السفارة السودانية عن نموذج لسد كجبار يظهر بقاء ضفاف النيل وحتى جزيرة بدين بدون إغراق, وذلك حين زار عبدالرحيم حسين الرياض قبل عدة سنوات!!

    3 - هل يحقق مشروع السديْن تنمية المنطقة وتطويرها؟
    هذا ما يقوله ويروّج له الانقاذيون، وبئس ما يقولون: «مالهم به من علم... كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلا كذبا» صدق الله العظيم.
    فما هو المقصود بالتنمية؟
    للتنمية تعريفات عدة منها: «التنمية هي عنصر أساسي للاستقرار والتطور الإنساني والبشري، وهي عملية تطور شامل أو جزئي مستمر وتتخذ أشكالاً مختلفة تهدف إلى الرقي بالوضع الإنساني إلى الرفاه والاستقرار والتطور بما يتوافق مع احتياجاته وإمكاناته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية».
    2 - «من أهم خواص التنمية هي كونها عملية تهدف إلى تطوير وتغيير حياة الناس إلى وضع أفضل مما كان، وتكون مستمرة وشاملة لقدرات الإنسان ومهاراته المادية والمعنوية تحقيقاً لمنظور الشرع من الاستخلاف في الأرض».
    3 - «التنمية عملية تغيير اجتماعي مخطط يقوم بها الإنسان للانتقال بالمجتمع إلى وضع أفضل وبما يتوافق مع احتياجاته وإمكاناته الاقتصادية والاجتماعية والفكرية».
    4 -« أهم أشكال التنمية هي التنمية البشرية للإنسان وبالإنسان».
    5 - «التنمية هي العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة بتحسين الأحوال الاقتصاديو والاجتماعي و والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن» تعريف الأمم المتحدة للتنمية (1965م).
    هذه التعريفات للتنمية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك في أن التنمية والإنسان صنوان لا ينفصلان, وأنها أولاً وأخيراً من أجل الإنسان والارتقاء بحياته نحو الأفضل دائماً.
    وعلى ضوء ذلك دعونا نقيّم إدعاء الانقاذيين بأن الهدف من سدي دال وكجبار هو لتنمية المنطقة.
    1 - لم تكن للتنمية مكان عند الإغراق الأول، بل التزام بتهجير سكان المنطقة المتأثرة خلال المدة التي حددتها الحكومة المصرية وإجلائهم إلى خشم القربة التي لم تكن ضمن خياراتهم المفضلة ليعيشوا هناك تجربة التأقلم في مشروع تنموي لم يخطط أساساً من أجلهم وفي بيئة مغايرة جغرافياً وثقافياً عن بيئتهم الأولى. فالهدف هنا كان إخلاء المنطقة المتأثرة من السكان دون أي اعتبار لما سيترتب على باقي المنطقة غير المتأثرة بالإغراق، والتي ارتبطت بحلفا بعلاقات اقتصادية واجتماعية تكاملية تطورت عبر سنين طويلة، من عواقب مدمرة. وكلنا على علم بما حل على المنطقة الأخيرة من تدهور مريع في الخدمات الأساسية أدى إلى الهجرة منها إلى مدن السودان الكبرى. فطامتنا الكبرى بدأ بالإغراق الأول حين صدر أمر بإزالة كل المرافق الخدمية من حلفا توطئة لإخلاء السكان قسراً بعد ذلك.
    2 - ولكن الذين أصروا على البقاء في أرض أجدادهم تشبثوا بها وكافحوا حتى أسسوا وادي حلفا من جديد لتؤدي دورها السابق، ولكن بدون مرافق وخدمات تؤهلها لأداء ذلك الدور. فالمهم أنها بقيت بعد التهجير لتمارس نشاطها كميناء نهري في ظل هذه الظروف القاهرة وجذبت نشاطات مثل صيد الأسماك ومصنع لألواح الثلج وتصدير المنتج منه إلى الخرطوم، ولكنها ظلت خارج دائرة الاهتمام الحكومي المباشر إلى أن جاءت حكومة الانقاذ.
    3 - وبمجيء الإنقاذيين بدأت حرب شعواء ضد النوبيين أرضاً وسكاناً وثقافة، فكان أول قرار جمهوري يصدر بإيقاف الملاحة بين وادي حلفا ومصر، ثم التلكؤ في بناء ميناء ثابت رغم ما قدم لهم من دراسة حول ذلك، ثم وأد مشروع نوبي يهدف إلى بناء فندق لتشجيع السياح الألمان وجذبهم، وأخيراً قرار نقل الجمارك إلى العبيدية عبر منفذ شلاتين البرية. ومازال المسلسل لخنق حلفا يتواصل متمثلاً في القرار الصادر مؤخراً بنقل الجمارك إلى دنقلا على بعد مئات الكيلو مترات جنوباً، وعدم إمدادها بالماء والمرافق الخدمية الأخرى.
    4 - بدأت المصائب تترى على ما تبقى من أرض النوبة بعد الإغراق الأول، متمثلة في إعلان نظام الانقاذ عن نيته في بناء سدي دال وكجبار مما يهدد بتهجير قسري ثان لسكان المنطقة واندثار كل مقومات الحياة فيها من ممتلكات وتراث وأرض مازالت تئن تحت أوجاع الإغراق الأول. لم تكترث الإنقاذ بذلك، بل غيّبت إنسان المنطقة وتجاهلته من المشاركة في قرار مصيري كهذا وعاملته بكل عنف واحتقار وإهانة: «سأغرقهم كالجرذان» كما قال أسامة عبدالله، إمبراطور السدود، ولأهلنا المناصير الرافضين للتهجير القسري. ثم القتل العمد لشهدائنا في كجبار بمجرد أن أبدوا معارضتهم السلمية لقرار آحادي مجحف يهدد بقاءهم ولم يشاركوا في صياغته بل لم يدعوهم للمفاكرة حولها.
    5 - ثم فوجئوا بضرائب تفرض عليهم – أي المنطقة المتأثرة ببناء سد كجبار - بلغت قيمتها 80 مليون جنيه، ولا يدرون حتى الآن لماذا فرضت وأين ذهبت وفيما صرفت، وحدث ذلك حين كان الحاج آدم والياً للشمالية.
    6 - ثم جاء قرار نزع الأراضي رقم 206، وهو قرار جمهوري مصاحب لقيام سد مروى يقضي بنزع كل الأراضي حتى أبو فاطمة باستثناء أراضي السلوكة والمترة، وايلولوتها لإدارة السد آنذاك ورئيسها كادر حزبي لا يخضع لمحاسبة المشرعين بل مسؤول مباشرة لدى رئيس الجمهورية. اسثتناء أراضي السلوكة والمترات لا يعني شيئاً لأنها أصلاً ستغرق تحت مياه سد كجبار حين يقام، ولن يبق بعد ذلك سوى هذه الأراضي التي تخضع للمصادرة وفق القرار. فما الذي سيبقى للمواطنين بعد ذلك، وإلى أين تنوي الحكومة تهجيرهم حين قيام السد، وأمور أخرى تركت ظلالاً من الشك تجاه نوايا الإنقاذ من وراء هذا القرار، وشعور متنامي في نفوسهم يؤكد أن هذه الحكومة لا تكترث لمصلحتهم البتة بل لمصلحتها هي ولمن يوالونها.
    إن نجاح أي مشروع تنموي - إذا توافرت له المقومات - يعتمد أساساً على مدى الثقة التي تتولد بين القائمين على المشروع والمجتمع المستفيد من إقامة ذلك المشروع؛ فإذا انتفت هذه الثقة والمصداقية، نادراً ما يكتب لمشروع كهذا النجاح المرتجى. وهذا يعني الشفافية التامة في كل ما يخص المشروع من البداية إلى النهاية لبناء الثقة عن طريق إشراك المستفيدين في كل قرار يخص المشروع. وهذا مفقود تماماً كما ذكرنا أعلاه.
    8 - يروّج البعض أن تمديد الطريق المسفلت حتى وادي حلفا وتزويد المنطقة بالكهرباء لهي التنمية بعينها. صحيح أن الطرق والطاقة يعدان من أساسيات البنية التحتية المطلوبة للتنمية، ولكن المتتبع لتوصيل الطرق إلى المنطقة وتزويدها بالكهرباء جاء متلكئاً ومن دون ارتباط بمشاريع تنموية محددة زراعية أو سياحية أو تعدينية أو صناعية في المنطقة التي تزخر بإمكانات واعدة في كل هذه المجالات المذكورة أعلاه، أو محفّزة لقيام مثل هذه المشروعات ما يؤكد أن الحكومة ليس لديها استراتيجية أو رؤية واضحة في هذا الصدد؛ بل نتجرأ ونقول إنها لا تنوي ذلك بتاتاً لمصلحة أهل المنطقة بل لمستثمرين أجانب مع شراكة مع أهل الإنقاذ متى ما سنحت الظروف والأوضاع لذلك. وما يؤكد هذا الاتجاه عند الإنقاذ ما صدر من اثنين من ولاة الشمالية من أقوال عندما سئلوا عن أسباب إحجام الإنقاذ من الاستثمار في ولاية تعد من أكثر ولايات السودان أمناً واستقراراً وإمكانية طوال حكم الإنقاذ العاصف، وكانت الإجابة:
    • المرحوم د. معتصم عبدالرحيم، الوالي لسنة واحدة، برر الإحجام بقوله إن المنطقة النوبية لم تكن مدرجة في إطار أي برنامج تنموي منذ عهد الاستعمار وبعد الاستقلال، واستغرب لذلك وإنه سيستفسر عن سبب ذلك من المرحوم د. عون الشريف!! أي تبرير بائس هذا، وماذا جئتم لتنقذونا منه. فالاستعمار في حقيقة الأمر أورثنا منطقة عامرة بسكانها وقراها ومشاريعها في دبيرة وعبرى وبرقيق، وبها مدينة وادي حلفا زينة المدن السودانية، ونخيلها وآثارها، فأين هي الآن؟ فالشخصيات الآن بين يدي سلطان مقتدر، ولا ندري هل تلقى د. معتصم إجابة لسؤاله أم كان يتهرب من الإجابة عن سؤال يعرف إجابته جيداً كأحد كوادر الإنقاذ المتنفذين؟
    • اللواء الهادي بشرى، وكان والياً لسنة واحدة أيضاً، وصرح بأن ليس لديه فكرة عن مشروع تنموي تنوي الحكومة القيام به في المنطقة في الوقت الحاضر. وأن الاتجاه هو التركيز على مشاريع زراعية ذات أحجام كبيرة (50.000 فدان وأكثر) وليس لمشاريع تعاونية صغيرة!! وأترك لكم استنتاج مغزى ذلك؟!
    • وأحاديث أخرى لمسؤولين إداريين كثر في الولاية يعبرون عن مخاوفهم من تغيير في التركيبة السكانية، وإحجام ولاة الأمر بل وتقاعسهم عن تطبيق العدالة على قتلة شهداء كجبار حتى الآن، والتحري المتواصل عن أسباب تفشي السرطان في الشمالية وغير ذلك كثير من الأمور قولاً وفعلاً.
    9 - أما مواقف الإنقاذ فيما يخص «تنمية المنطقة» والتي تثير الاستغراب وتتطلب الوقوف عندها بتمعن لاستدراك مغزاها العميق ودلالاتها الخطيرة، فتتمثل فيما تقوم بها من تدمير متعمد لكل مقومات التنمية في المنطقة، وذلك كما يلي:
    أ - الآثار والمواقع الأثرية: لم تشهد آثار المنطقة عبثاً بها وتدميراً كما في عهد الإنقاذ بدءاً من مقتنيات المتحف القومي وانتهاءً بآثار المنطقة ومواقعها الأثرية. وكان الأحرى بالحكومة إذا ما أرادت تنمية المنطقة وضمان مورد دخل مستدام أن تكرس جهودها في تطوير السياحة وفق أسس علمية تكفل الاستفادة القصوى من هذا المرفق الاقتصادي المهم مستعينة بخبرات عالمية في هذا المجال. فالمنطقة النوبية تمتلك إمكانات سياحية هائلة من بيئة ذات مناظر طبيعية خلابة وآثار تعكس حضاراتها العريقة على امتداد النيل، وكذلك الأمن والاستقرار والسلام الذي قلما يتوفر في أي منطقة سياحية في العالم كما في بلاد النوبة. وبدلاً من صيانة الآثار الموجودة وتشجيع التنقيب في مواقع يربوا عن 500 موقع والترويج للسياحة الآثارية أسوة بمصر، وذلك بفتح الباب واسعاً أمام الجمعيات العالمية المهتمة بالتنقيب عن الآثار النوبية على وجه الخصوص، أتاحت الحكومة كامل الفرص لنهب الآثار تحت ستار التعدين العشوائي، بل والتنقيب عن الذهب في، أو بالقرب من، المواقع الآثرية - وهو عمل محرّم دولياً. إن نهب الآثار النوبية من قِبل أفراد وشركات وبعلم الحكومة وإشراف بعض متنفذيها، وعرقلتها لمساعي التنقيب العلمي للآثار التي يحث عليها كوكبة من المهتمين بالآثار النوبية كتراث إنساني، ورفضها لضم أماكن أثرية وآثار، مثل صدنقا وبركل وغيرها، تحت إشراف اليونسكو كتراث إنساني، بات كل ذلك أمراً فاضحاً تكشف نوايا الحكومة تجاه المنطقة. وبناء المتحف النوبي في كرمة جاء نتيجة إصرار علماء آثار مرموقين مثل شارل بونيه وهيرمان بل وغيرهما. فقد ضاع الكثير من آثارنا تحت مياه السد العالي، ثم تحت بحيرة سد مروى، وهانحن نشهد الآن نهباً مقنناً ومدروساً لآثار ما تبقى من أرض النوبة الغنية بالمواقع الأثرية بدءاً من جزيرة صاي وحتى كرمة والبركل، وعلى عينك يا تاجر من دون رقابة أو وازع من ضمير يراعي مصلحة الوطن والحفاظ على ما اؤتمن عليه وردها إلى أهلها كاملة كما أمر الله عز وجل. فلا اكتراث لهم لمآلات هذا العمل الشائن وعواقبه على اقتصاديات هذا البلد المنكوب. إنهم موهومون بمشروع حضاري هم أبعد الناس منه قولاً وعملاً!!
    ب - التنقيب العشوائي للذهب: كان يمكن لاستغلال موارد أخرى تزخر بها المنطقة النوبية مثل الذهب والرخام والصخر الرملي النوبي والجير بأنواعه والملح الحجري (سليمة) والبدء في استغلال بترول الشمال (مربع 14) سبيلاً لتنمية المنطقة، ولكن ما حدث هو أن أطلقت الحكومة يد عامة الناس وشركات عائلية وغيرها عشوائياً للبحث عن الذهب وتعدينه بدون أي رقابة على ما يتخذه هؤلاء من وسائل لاستخلاص المعدن من الخام والكرتة مثل الزئبق والسيانيد المحرّمين دولياً لما لهما من آثار ضارة ومميتة على البيئة والكائنات الحية على المدى القريب والبعيد. فالزئبق معروف بسموميته: فهو مضر للتربة وللمياه الجوفية ولا يمكن التخلص من آثارها السامة إلا بعد مرور وقت طويل يبلغ أكثر من 250 سنة تكون التربة خلالها جدباء مقفرة لا تصلح لشيء، والماء الملوث يصبح غير صالح للاستخدام بتاتاً وضاراً بالصحة وللزراعة والأسماك متى ما وصلت ومعه السيانيد إلى النيل. كل هذا يتم بدون أي مراقبة حكومية وبدأت آثارها تظهر في نفوق الأسماك والطيور في أجزاء من المنطقة. وعلاوة على هذه الآثار المدمرة، فالمنطقة لا تستفيد من عوائد الذهب المستخرج سوى النذر اليسير، وتذهب جل العوائد في جيوب الشركات العاملة والأفراد ومَنْ وراءهم، والمنطقة في أمسّ الحاجة إلى نصف هذه العوائد على الأقل لتوفير خدمات أساسية من صحة وتعليم وتأهيل مدارسها ومستشفياتها. وهكذا صارت أرضنا ومواردها ومقومات الحياة فيها مستباحة لكل من هب ودب: حرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس. فأين التنمية في هذا؟
    ج - الاستثمار الزراعي وحرائق النخيل: كان من المفروض أن تولي التنمية الزراعية الكبيرة أهمية كبيرة إذا كانت الدولة فعلاً حريصة على المنطقة وتنميتها وتطويرها، وذلك وفق مشاريع زراعية تقوم على أسس علمية مدروسة يراعى في تطبيقها ما يلي:
    1 - خبرة أهل المنطقة في المشاريع التعاونية بشتى أنواعها مع إصلاح ما شاب هذه التجربة من سلبيات إدارية.
    2 - التنوع المحصولي الذي يراعي بيئة المنطقة ومناخها والآسس العلمية في زراعة المحاصيل النقدية المتنوعة من تحسين لفسائل النخيل وحمايتها من الأمراض، ونشر زراعة الفواكه المختلفة من برتقال وقرين ومانجة وليمون وجوافة وأخرى تناسب مناخ المنطقة، وكذلك الخضروات بأنواعها والبهارات والبقوليات بأنواعها مما يخرج اقتصاديات المنطقة المنغلقة على محاصيل قليلة إلى اقتصاديات المحاصيل النقدية، وتربية المواشي والأغنام في إطار زراعة مختلطة وتربية الدواجن.
    3 - زراعة القمح وفق أسس علمية ودورات زراعية تكفل للتربة خصوبتها وللمياه استخداماً رشيداً.
    4 - الاهتمام بتربية الأسماك النيلية في بحيرة النوبة وعلى طول امتداد مجرى النيل النوبي وصيدها ومعالجتها للتصدير إلى أنحاء السودان وخارجه.
    5 - إنشاء صناعات تعتمد على منتجات المنطقة الزراعية ومواد البناء لتغطية احتياجات السوق الداخلية والتصدير إن أمكن.
    هذا ما كنا نتطلع إليه من تنمية على يد الإنقاذ إن كانت في نيتها تطوير المنطقة أصلاً، ولكن ما جنيناه من حكم الإنقاذ العجاف كان عكس ذلك تماماً. فلازالت الزراعة على حالها تقليدية معيشية كما كانت، وبارقة الأمل التي تمثلت في استثمار «الدلتا» الجديدة في أرض الحجر لزراعة المحصولات النقدية وئدت تقريباً بالإغراق المباغت للمحاصيل، ويشهد حوض سليم وأحواض دنقلا ومنطقة كرمة ارتفاعاً في منسوب المياه الجوفية وظهور ظاهرة «النـز»، ما سيؤدي، إذا لم يتم معالجتها علمياً، إلى تملح التربة مما يحيلها تدريجياً إلى تربة عقيمة غير صالحة للزراعة، كما أن للنـز خطورته البالغة على البيوت الطينية وعلى ما تحت الأرض من آثار قيمة ترفض الحكومة السماح للتنقيب عنها.
    أما أسوأ ظاهرة للإهمال وعدم المبالاة الرسمي فتتمثل في الموقف السلبي للحكومة تجاه الحرائق التي قضت على آلاف أشجار النخيل على امتداد منطقة النوبة، وبخاصة تلك المرشحة للإغراق بقيام سدي دال وكجبار. وصحيح أن إهمالاً طال تنظيف النخيل السنوي نتيجة هجرة معظم الناس للمنطقة التي أصبحت طاردة لافتقارها للخدمات الأساسية، ولكن أن يقف المسؤولون متفرجين غير مكترثين ولا آبهين بهذه الكارثة التي تقضي على أهم محصول اقتصادي وغذائي في المنطقة بأكملها، لهو أمر مثير للشكوك فعلاً. فللنخلة مكانة عند النوبيين ترقى إلى القدسية تقريباً اجتماعياً وثقافياً, ولازالت النخلة تؤدي دورها الاجتماعي الأزلي في تجميع النوبيين وربطهم أيضاً ببعضهم البعض وبمواطنهم في موسم الحصاد السنوي للتمور، وهذا عيد قائم بذاته بطقوسه وعاداته يؤمه البعيد والقريب ولا يغيب عنه أحد إلا مضطراً. ولهذا اهتم النوبي بالنخلة اهتماماً يكاد يرقى إلى اهتمامه بأولاده بحرصه البالغ ليس بتنظيفها سنوياً فحسب بل بتنظيف الأرض التي حولها إما لزراعتها أو لإبقائها نظيفة من بقايا النباتات ومخلفات الحصاد الجافة التي قد تكون وقوداً للحرائق، ثم يتركها وهو مطمئن البال أنها في أرض أمن وسلام وأن لا أحد من أهله سيلحق ضرراً بها. فظاهرة الحرائق في حد ذاتها ظاهرة غريبة على المجتمع النوبي بأسره؛ أما أن تحدث بهذه الوتيرة وعلى امتداد المنطقة النوبية، وبخاصة في موسم حصاد التمور كما حدث هذا الموسم في جنس (السكوت)، فهو بالفعل عمل مقصود الهدف منه إزالة أهم رمز يربط النوبيين ليس ببعضهم البعض فقط بل بموطنهم أيضاً. فليس لنا تفسير لهذا سوى أنها حلقة أخرى من حلقات المسلسل الذي بدأت أولى حلقاتها بأمر حكومة عبود بإزالة كل المرافق الخدمية من المنطقة المتأثرة بالإغراق الأول، ثم توالت حلقاتها كما شرحت أعلاه، وكلها تهدف في نهاية المطاف إلى إحالة النوبة إلى أرض طاردة خالية من مقومات الحياة الضرورية ليهجرها أهلها، إما طوعاً أو قسراً، ليصبح بذلك المجال مفتوحاً لأولئك الذين تخطط الإنقاذ لتوطينهم والاستفادة بوجودهم تحت ستار الاستثمار، كما أيضاً لأولئك الطامعين الذين يتحينون الفرصة للزحف على أراضينا والاستيطان فيها باسم الحريات الأربع، وفتحت لهم الحكومة المجال واسعاً، بل وشجعتهم على اقتناص تلك الفرصة.
    د. أما بالنسبة إلى الجانب الفكري أو الثقافي للتنمية المشار إليها في التعريف لمفهوم التنمية أعلاه والداعي لتحسينها والتوافق معها، فلم يكن نصيبها غير التدهور والتهميش الذي يفضي في نهاية المطاف إلى التصفية. فالثقافة هي مجموع العادات السائدة واللغة والمعتقدات والاختراعات والتقاليد والقيم وأنماط السلوك وأساليب التفكير وطرق المعيشة والقصص والألعاب ووسائل الاتصال والانتقال وكل ما توارثه الإنسان وإضافه إلى تراثه. والثقافة هي وليدة البيئة وثمرة التفاعل بين الأفراد وبيئتهم ومن ثم تعددها واختلافها باختلاف البيئات وتعددها. كما أن الثقافة ليست فطرية بل مكتسبة يتعلمها الأفراد وينقلونها من جيل لآخر كما هي تكاملية وتراكمية وتتأثر من خلال الاحتكاك بالثقافات الأخرى وتؤثر فيها أما اللغة فهي وعاء الثقافة، ولها قيمة جوهرية في حياة كل قوم، وهي الأداة التي تحمل الأفكار وتنقل المفاهيم فيقيّم بذلك روابط الاتصال بين أبناء قوم واحد، كما هي الترسانة التي تحمي هؤلاء القوم وتحفظ هويتهم وكيانهم ووجودهم وتحميهم من الضياع والذوبان في الثقافات الأخرى.
    والثقافة النوبية تعد من المكونات الأساسية للثقافة السودانية - كما أقر بذلك البروفيسور الراحل عبدالله الطيب - مع الثقافات المحلية المتأصلة، والثقافة العربية - الإسلامية ثم الثقافات الأجنبية، وبخاصة الثقافة الإنجليزية، ولكن سياسة التعريب التي اتبعتها الحكومات الوطنية منذ فجر الاستقلال طالت أيضاً اللغة النوبية وغيرها من لغات ولهجات السودان. فبالإضافةإلى هذا التوجه العروبي، تفاقم وضع اللغة النوبية بالتهجير القسري للنوبيين من بيئتهم الحاضنة لها ولثقافتهم إلى بيئة عربية الطابع ذات نمط معيشي مغاير. وهذا بالطبع يعد إقلاقاً لعملية «الاستمرارية والتغيير Continuity and Change» التي تلازم الثقافات في بيئاتها الأصلية، وهي عملية تكفل للثقافة انتقالاً سلساً من جيل لآخر بشكل تكاملي كما تغييراً أيضاً بالتلاقح مع ثقافات وافدة إما متأثرة بها أو مؤثرة فيها أو كليهما - فما من مجموعة ثقافية وافدة إلى أرض النوبة عندما كانت مزدهرة وعامرة بسكانها واستقرت بها إلا «وتنوّبت» بأكملها.
    ولكن مع تزايد وتيرة التعريب والهجرة من المنطقة لافتقارها إلى الخدمات الأساسية واتباع وسائل الهدف منها «تطفيش» الناس من المنطقة ما يجبرهم على الهجرة إلى المدن حيث تتوفر هذه الخدمات ليستقروا بها كأقلية تجعلهم أكثر عرضة للذوبان في الثقافة السائدة تدريجياً وإلى فقدان هويتهم مع مرور الأيام. وجاءنا الإنقاذ بمشروعه الحضاري ليفرض على السودانيين هوية آحادية تتوافق مع توجهاته ولكن لا تتوافق مع واقع بلد ثوابته تقوم على التنوع العرقي والثقافي بامتياز. وفي سبيل ذلك ألغوا تاريخاً يمتد لآلاف السنين من المنهج الدراسي والدعوة بمملكة العبدلاب بدايةً لتاريخ البلاد بإصدار طابع تذكاري لمرور 200 سنة على تأسيسها، والاستمرار في عملية طمس هويات المجموعات العرقية بخباثته وعدم مبالاته المعهودة، وذلك بالدعوة إلى تدريس لغاتها أحياناً ثم التلكؤ والمراوغة في تطبيق قرارها أحايين أخرى. وما حدث فيما يتعلق باللغة النوبية والسماح بتدريسها في الجامعات، ولكن باللغة العربية كما جاء في إعلان لذلك من جامعة دنقلا، لهو التضليل بعينه ومؤشر واضح لنيّة الإنقاذ المبيتة لطمس هوية النوبيين وغيرهم من المجموعات العرقية الأصلية التليدة في السودان مما يمكّنهم من الاستمرار في حكم البلاد وفق مشروع حضاري هلامي لم يجن السودان من وراءه غير تمزق وحدته وقذفه في أتون صراعات عرقية وسياسية وخيمة النتائج. أما نحن، فإننا نعلم جيداً ما آل إليه حال لغتنا وثقافتنا من تقلص وانكماش، والمصير المحتوم الذي سيفضي إليه الأمر لو استمرت الأوضاع على هذا المنوال الذي نحن شهود عيان له ونعايشه بحذافيره صامتين!!
    رابعاً: الحوض النوبي: لمصلحة مَنْ تدّخر الإنقاذ إمكاياته المائية والزراعية؟
    لست هنا بصدد الحديث عن الحوض النوبي من الناحية الجيولوجية فهناك دراسات حوله تكشف عن مساحته الكبيرة وإمكاناتها المائية الهائلة ذات النوعية الجيدة الصالحة للاستخدامات المختلفة ما يتيح قيام نهضة وتنمية زراعية حقيقية عليها في ملايين الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة. ولفائدة القاريء أورد هذه المعلومات عن هذا الحوض مستقاة من عدة مصادر رجعت إليها.
    • يعد هذا الحوض، ويعرف علمياً بنظام الحجر الرملي النوبي للمياه الجوفية
    Nubian Sandstome Aquifer System (NSAS) ,أكبر نظام جوفي للمياه الأحفورية Fossil Water معروف في العالم حتى الآن.
    • المساحة الكلية للحوض: نحو 2.000.000 كيلو متر مربع، ويحتوي على 150.000 كيلو متر مربع من المياه الجوفية (ما يساوي نحو 150.000 كيلو أو مليار متر مكعب) وترجع أهمية هذا الحوض إلى أنه مورد مائي متميز مكتمل لبرامج التطوير المستقبلية في البلدان التي يوجد فيها.
    • تشير النتائج المستقاة من عمليات الحفر بين منطقتي توشكى وأبو سمبل لإجراء مجموعة متنوعة من الدراسات حول الضبط الهيدرولوجي لمنطقة حوض المياه الجوفية إلى أن السمات الصخرية والحالة التكتونية لها تأثير كبير على أنماط تدفق المياه الجوفية واحتمالية وجودها في عموم المنطقة، والتي تعتبر منخفضة نسبياً عند مقارنتها بالمناطق المجاورة في شرق العوينات والداخلة.
    • إن هذه المياه أحفورية، أي يعود تاريخ تكوينها إلى فترة جيولوجية مطيرة سابقة، وإن التركيز المرتفع لمادة ملح الصوديوم (ملح الطعام) والكبريتات يعكس عمليات النض والتحلل للطفل الصفحي الجصي والطمي بالإضافة إلى طول مدة ركود المياه تحت الأرض.
    • تتوزع المساحة الكلية للحوض بين أربع دول هي:
    1 - تشاد: المساحة المقدّرة: 200.000 كيلو متر مربع وتقع في الجزء الشمالي منها. وما بها مياه جوفية معلوماتها غير متوفرة.
    2 - السودان: المساحة المقدرة: 750.000 كيلو متر مربع (أي نحو 37.5٪ من المساحة الكلية للحوض)، ويقدر مخزونها من المياه الجوفية بنحو 9000 مليار متر مكعب تتوزع بين حوضين جوفيين رئيسيين هما الحوض النوبي في شمال غرب السودان وحوض تكوينات أم روابة في وسط السودان، يستغل السودان حالياً نحو 2 مليار متر مكعب في الري والاستخدامات المدنية، وتقدر التغذية السنوية بنحو 4.5 مليار متر مكعب.
    3 - مصر : المساحة المقدرة: نحو 650.000 كيلو متر مربع وما بها من مياه جوفية تتفاوت من مكان لآخر فيها.
    4 - ليبيا: المساحة المقدّرة: 400.000 كيلو متر مربع.
    • مشروع الخزان النوبي: عملت، على الآقل منذ عام 2004م، الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون مع هذه البلدان الأربعة التي يمتد عليها النظام المائي الجوفي، للمساعدة على زيادة فهم تعقيدات حوض المياه الجوفية وذلك عن طريق مشروع الخزان النوبي Nubian Aquifer Project . ومن شركاء المشروع: برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)/مرفق البيئة العالمي GEF، والوكالة الدولية للطاقة الذرية، واليونسكو، وممثلون حكوميون من البلدان الأربعة. ويهدف هذا المشروع على المدى الطويل إلى تأسيس إدارة رشيدة وعادلة للنظام كوسيلة إنتاجية للتطوير الاجتماعي - الاقتصادي المتقدم في المنطقة وحماية التنوع البيئي والموارد البرية.
    وبحكم أنهما الدولتان اللتان بادرتا باستغلال مياه الحوض (ليبيا مشروع النهر العظيم عام 1983م ومصر منذ عام 1959م عندما تعاقدت مع شركات عالمية لاستثمار هذه المياه لتعمير الصحراء الغربية والواحات)، أنشأت مصر وليبيا في الأول من أكتوبر عام 1992م هيئة مشتركة بينهما (مع إجازة أحقية أي دولة من دول الحوض للانضمام إليها) تهدف أساساً إلى «دراسة وتنمية واستثمار الموارد المائية بحوض الحجر النوبي وحمايتها والمحافظة عليها بالإضافة إلى ترشيد استخدام مياهها لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في الدول المشتركة في الحوض... فالمياه الجوفية، سواء هي متجددة أو غير متجددة يجب علينا التخطيط الجيد والإدارة السليمة لاستخدامها حتى يمكن تحقيق التنمية المستدامة اعتماداً على هذا المورد». وقبل السودان عضواً رسمياً في إبريل 1995م، ودولة تشاد في مارس 1999م، ويكون التمويل من «مساهمات الدول المشتركة وحسب ميزانيتها السنوية التي تعتمد من مجلس إدارة الهيئة وما يمنح من الهيئات والمنظمات الدولية والقُطرية والدول المانحة وبشرط موافقة مجلس إدارة الهيئة، على أن يتم تحويل نسبة 70٪ من مساهمة كل دولة في ميزانية الهيئة إلى الحساب المصرفي الخاص بالهيئة المشتركة لدراسة وتنمية خزان الحجر الرملي النوبي بدولة المقر (طرابلس، ليبيا)، وذلك وفق النسب المشار إليها بمحضر التاسيس والمعدلة في محضر الاجتماع الثامن لمجلس الإدارة، والنسب هي: 35٪ ليبيا، مصر 35٪ السودان 20٪، تشاد 10٪. وتحويل النسبة الباقية 30٪ من مخصصات كل دولة إلى حسابات الفرع بكل من طرابلس، القاهرة، الخرطوم، إنجامينا.
    • وقعت الدول الأربعة في أكتوبر من عام 2013م على وثيقة عمل استراتيجي لمشروع نظام الحجر الرملي النوبي للمياه الجوفية في مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا (النمسا). ومن خلال التوقيع على برنامج العمل الاستراتيجي هذا، تؤكد الدول الأربعة موافقتها على تطبيق المشاريع المشتركة بينها.
    • وفق هذا الاتفاق، تلتزم الدول الأربعة بتبني رؤية مشتركة من الإدارة التعاونية مع الانخراط الكامل لما يعرف بالسلطة أو الهيئة المشتركة، وهي جهة أنشأتها هذه الدول لدراسة وتطوير خزان الحجر الرملي النوبي (انظر أعلاه).
    هذا العرض الموجز لإمكانات نظام حوض الحجر الرملي النوبي للمياه الجوفية من كميات وافرة من مياه ذات نوعية جيدة صالحة للاستخدامات المختلفة وأرض قابلة للاستصلاح يمكن أن تقوم عليها تنمية زراعية حقيقية، يثير عدة تساؤلات حولها نحصرها فيما يلي:
    أولاً: فالبنسبة لنا كنوبيين نسأل لماذا لم يكن هذا الحوض بإمكاناته الواعدة ضمن الأماكن التي تم اختيارها لإعادة توطين أهالي منطقة وادي حلفا المهجرين، بل أول الخيارات، وفيه من المياه والأراضي القابلة للزراعة ما يكفي ويزيد لاستيعاب أضعاف عدد المهجرين؛ فهناك وادي الأرانب على بعد مرمى بندقية إلى الغرب من أرقبين ويحتوي على أراض خصبة واسعة تضاهي مساحة مشروع خشم القربة الزراعي بل ويزيد، ويتحقق بذلك ما طلبته لجنة الأهالي من الرئيس عبود بأن تتم إعادة التوطين في أنسب الأماكن من الناحية الصحية والاقتصادية وبالكيفية التي تحفظ هوية ووحدة النوبيين ثقافياً واجتماعياً». فالحوض يقع في عقر دارهم! فلماذا فكروا في وادي الخوي إلى الغرب من دنقلا وليس في وادي الأرانب المعروف جيداً لدى أهل أرقين وشبيه بالخوي في خصائصه؟
    2 - ما أشيع، بل روّج له عن توزيع ما يربو عن مليون فدان (1،6 مليون فدان، ويقال أكثر من ذلك بكثير) من قِبل وزير الاستثمار السوداني على المصريين من الشباب لاستثمارها وفق اتفاقية الحريات الأربعة، وأن هذا تم على أساس حزبي (الوفد أولاً والإخوان لاحقاً) وما ثار من جدل بينهما حول أيهما الأحق والأولوية في امتلاك هذه الأراضي، وكأنما في مزاد سياسي بالغ الغموض وليس في إطار مشروع تنموي قومي أو حتى محلي الطابع يضع مصلحة المواطنين من أهل المنطقة في الاعتبار ويدار بشكل يحافظ على هذا المورد الحيوي من الاستنزاف السريع.
    3 - منح ما يزيد عن مليون فدان لمستثمر أجنبي لغرض الزراعة وتربية الحيوانات بينما يرفض لشركة دال السودانية اقتناء أرض في الحوض النوبي لزراعتها بمحصول يحقق الأمن الغذائي - القمح وتمنح أرضاً مساحتها 100.000 فدان فقط بالجهة الشرقية من النيل المعروفة من حيث تكوينها الجيولوجي بقلة محتواها من المياه الجوفية وما هو موجود منها مالح المذاق على عكس الحوض النوبي!!
    4 - هل قدمت الحكومة - الولائية أو الاتحادية - دعماً مالياً أو حتى معنوياً أو مجرد تشجيع أدبي لأشاوس أرقين الذين آلوا على أنفسهم إعادة إعمار أرقين بكل جدية وتفانٍ ومثابرة بعد مرارات المحاولات العديدة لإقصائهم من أرض أجدادهم حتى تكون خالية من سكانها الأصليين لإفساح المجال لتوطين المصريين الذين أمنوا وجودهم هناك، وبعد الإغراق مباشرة، بجنود يعسكرون بصفة دائمة داخل الحدود السودانية تحقيقاً لذلك الغرض، والحكومة تتفرج كعادتها غير عابئة لسيادة الدولة ولا كرامتها وهيبتها!! إن إعادة إعمار أرقين لعمل ذو مغزى ودلالة استراتيجية في غاية الأهمية في كونها تأمين لحدودنا وأرض أجدادنا من تغول الطامعين فيها ووضع يدهم عليها ونحن غافلون. فما حدث في نتوء وادي حلفا واختيار منافذ الحدود قبل أشهر لمؤشر لما يمكن أن تؤول إليه الأمور إذا ما سكتنا!
    ثانياً: كيف تنظر الحكومة إلى هذا المورد الحيوي وتقيّيمه؟ فهل تراه مورداً نادراً وتعامله في إطار هذه الندرة وتحافظ عليه كمخزون استراتيجي لنا وللأجيال القادمة علينا توفيره لهم، أم تباشر بدعوة المستثمرين للشروع فوراً في حفر الآبار وإقامة مشاريعهم بدون أي تفكير فيما يمكن أن يترتب على تصرف متسرع غير مدروس كهذا من استنزاف وتبديد لهذا المورد الحيوي؟ فالتركيز على المياه الجوفية فقط في مشاريع كبيرة محفوف بالمخاطر ويجب أن يكون ذلك ضمن منظور متكامل يأخذ في اعتباره الاستفادة من مصادر أخرى. ففي ندوة أقيمت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة (1968م) حول مدى إمكانية الاعتماد على المياه الجوفية في إقامة مشروعات كبيرة مستدامة، كانت التوصية النهائية هي عدم الارتهان على مورد كهذا بقدر الإمكان وذلك لأسباب ترتبط بطبيعة المياه الجوفية وخصائصها.
    المياه الجوفية تنقسم إلى نوعين: (1) مياه جوفية سطحية تتلقى مددها من الماء من الأمطار التي تسقط وتعد بذلك متجددة، ولكن كميتها تكون قليلة في الغالب الأعم والتعويض يكون بطيئاً ومتذبذباً وفق ما يهطل من أمطار غزيرة أو قليلة. (2) مياه جوفية عميقة وهذه عادة ما تكون أحفورية Fossil Water ، أي تكونت من أمطار غزيرة هطلت في فترات جيولوجية سابقة مطيرة وتسربت خلال صخور رسوبية، مثل الحجر الدملي النوبي، لتكوّن خزانات عميقة راكدة تبقى حبيسة بين طبقاتها إلى حين استغلالها. وأعماق هذه المياه تتفاوت من مكان لآخر، ولكن من المؤكد أن المياه الأحفورية غير متجددة في الغالب الأعم، وأن ما يضخ من الخزان الجوفي لا يعوض، أي إنها مورد متناقض على غير ما ذكرت دراسات سابقة تقول إن نظام خزان الحجر الرملي النوبي للمياه الجوفية هذا تتجدد بالأمطار التي تهطل في المرتفعات التي توجد في وسط وأطراف الحوض. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الحوض يقع في أكثر أجزاء إفريقيا جفافاً ومن أكثرها تضرراً من ظاهرة التصحر التي أصابت منطقة الساحل الإفريقي مما يستوجب عمل دراسة علمية دقيقة ومتأنية عن ما يلي:
    1 - كمية ما يحتويه الحوض من مياه جوفية ونوعيتها وطريقة وكمية التغذية السنوية إن وجدت.
    2 - هل كمية المياه الجوفية متوافرة بشكل متساوٍ في كل أجزاء منظومة حوض الحجر الرملي النوبي للمياه الجوفية بأكمله أم متفاوتة من جزء لآخر؟
    3 0 وهل هذه المياه الجوفية بنفس النوعية الجيدة التي يوصف بها أم تختلف بين أجزائها في تلك الجودة؟
    4 - هل منظومة الحوض مترابطة بعضها البعض بحيث يتأثر مخزونه من المياه مما يحدث من ضخ في مكان آخر منه، بمعنى هل يؤثر ما يضخ من ماء جوفي في مصر وليبيا، على سبيل المثال، على ما هو مخزون منه في الجزء الواقع داخل حدود السودان وتشاد، وهما أقل دول الحوض استفادة من هذه المياه حتى الآن بينما مصر وليبيا لهما باع طويل وقديم في هذا المجال في واحاتهما العديدة ونهر ليبيا العظيم.
    ثالثاً: ما هي استراتيجية الحكومة ورؤيتها في استثمار مياه الحوض النوبي الجوفية - وبالحوض النوبي هنا أقصد ذلك الجزء من منظومة حوض الحجر الرملي النوبي الموجود داخل السودان ويتاخم مجرى النيل النوبي على طول امتداده من ناحية الغرب. وهذا سؤال في غاية الأهمية وذلك لأنني لم ألمس في كل ما فعلته حكومة الإنقاذ وما تفعله منذ أن حكمت البلاد استراتيجية غير سياسات التمكين التي يضمن بقاءها واستمراريتها بصرف النظر عن مآلاتها على مصير البلاد والعباد والتي انتهت إلى ما نحن فيه من فقر وإفلاس وانهيار اقتصادي وفساد وصراعات دامية. فقد بدأ الإنقاذ بعقد مؤتمرات وندوات اقتصادية وتعليمية وسياسية تمويهية ظاهرها مصلحة البلد وباطنها ومقصدها التمكين ومشروعهم الحضاري الهلامي. ثم كانت اتفاقية استخراج البترول مع الصين وماليزيا واتفاقياته مع الشركات المعنية بالتعدين، والذهب على وجه الخصوص، والمعنية "بتنمية" الآثار وندوة الأهرام بشأن الاستثمار المصري في المنطقة النوبية واتفاقية الحريات الأربعة مع مصر وغيرها من الاتفاقيات التي لا يعرف عنها الشعب شيئاً سوى أسمائها. أما تفاصيل بنودها فيلفها الغموض والضبابية وعدم الشفافية المطلقة، وبهذا يكون الإنقاذ قد شرّع لنفسه استباحة كل مقدرات الأمة ومواردها لمصالحه الحزبية ولتكريس جهوده وضمان استمراريته بلا وازع من دين أتوا يبشروننا به يدعو إلى العدالة وكرامة الإنسان وعدم امتهانه وحقه في حياة كريمة مطمئنة.
    ولهذه الأسباب نريد بل نطالب أن نكون على إلمام تام بالطريقة التي ستنتهجها الحكومة في استثمار هذا المورد المائي الاستراتيجي: هل وفق رؤية واستراتيجية مدروسة أم خبط عشوائي كما فعلت في مجال التنقيب العشوائى للذهب حين سمح لكل من هب ودب من الناس بالجوس في أرض النوبة ينهبون ذهبها وآثارها ويلوثون بئيتها بمواد سامة تمتد آثارها فاعلة لمئات السنين، وذلك بدون رقيب أو حسيب بل بتشجيع وإشراف متنفذين من رجالات الحكومة ، وبدون أي اعتبار بحقوق الأجيال القادمة في هذه الموارد الحيوية؟
    فالاستثمار الصالح والراشد لهذه المياه الجوفية غير المتجددة ينبغي أن يتم بمنتهى الشفافية ووفق اتفاقات شفافة واضحة البنود والأهداف معلنة تراعي طبيعة هذه المياه وخصائصها وما يمكن أن يترتب من نتائج وخيمة جراء سوء الاستخدام لها. فإن على الحكومة أن تحدد رؤيتها واستراتيجيتها بدقة وشفافية حول ما يلي:
    1 - ما هو الهدف من استثمار هذه المياه الجوفية: هل لإقامة مشاريع زراعية لإنتاج محاصيل معينة على سبيل المثال؟
    ما هي الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع، ولماذا الزراعة: فهل لسد حاجة البلاد من محصول/محاصيل معينة أو يراد بها التصدير لدول أخرى؟ وما هو نوع المحصول الذي يصلح من ناحية احتياجاته المائية ومناسبته للتربة، وهل هي مشاريع لزراعة الأعلاف إذ إن من المعروف أن الأعلاف تستهلك من الماء ثلاثة أضعاف ما يستهلكه القمح.
    وخلاصة القول هو تحديد الأسس العلمية التي تقوم عليها هذه المشاريع من حيث تحديد نوعية المحصول والجدوى الاقتصادية للمشروع، ووفق شروط محددة ملزمة وإيكال هذه المهمة لمؤهلين علمياً للإشراف عليه وتنفيذه وفق تلك الشروط وهي:
    • استخدام أحدث التكنولوجيا لحفر الآبار تدخل في اعتبارها اقتصاديات استخراج الماء من البئر: عمق الآبار.
    • معلومات دقيقة عن المياه الجوفية: كميتها ونوعيتها، ودراسة الأراضي القابلة للاستصلاح من حيث تربيتها وتكلفتها.
    • تبني نظم زراعية جديدة وحديثة واختيار التركيبة المحصولية المناسبة واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
    2 - كيف يكون الاستثمار؟ هل وفق برنامج قومي (حكومي) وبدون وضع يد ووفق توزيع مدروس غير عشوائي تكون مصلحة المواطن فيه هي العليا؟
    • هل يكون الاستثمار وفق مشروع تنموي متكامل، أي يتضمن إنشاء مستوطنات وملحقاتها من صناعات وحرف تعتمد ما فيها من مواد خام زراعية أو طبيعية أساساً لها ومكتملة المرافق والخدمات؟
    • على أي أسس ستطرح هذه الأراضي للاستثمارات الأجنبية والشركات الراغبة في ذلك؟ وكيف سيتم توزيع الأراضي المستصلحة لهؤلاء المستمثرين: هل بعد دراسات وافية للمياه الجوفية من حيث كميتها وجدواها ونوعية المياه والطاقة المستخدمة في إدارة وتشغيل المنشآت المرتبطة بالمشروع، وتحديد مدى السحب الشهري أو السنوي للمياه الجوفية وكمية الماء المسحوب خلال هذه الفترات بالأمتار المكعبة ومراقبة مدى انخفاض منسوب الماء الجوفي في الآبار خلال هذه المدة بدقة. وذلك لأن معرفة هذه الأشياء مهمة جداً في وضع خطة محكمة لكيفية البداية: هل تكون البداية في شكل مشروع أو مشروعات متواضعة الحجم ثم تتوسع تدريجياً مستفيدة من نتائج التجربة الأولى هذه وتقييمها لتلافي ما شابها من أخطاء إن وجدت، واعتمادها إن كانت صحيحة أو تعديلها إذا اقتضي الوضع ذلك؟
    3 - أي جهة ستضلع بمسؤولية هذه الدراسات كلها: الحكومة أم المستثمرون سواء كانوا أفراداً أو شركات؟ هناك اتجاهان فيما يخص هذا الموضوع:
    • اتجاه يرى أن الدولة ممثلة في وزارة الري والمياه هي التي تقوم بمثيل هذه الدراسات وتكلفتها لكون هذه المشروعات تعتمد على استثمار مخزون استراتيجي حيوي غير متجدد للمياه، مستفيدة من ذلك من خبرة خبرائها وعلمائها المتخصصين والخبرات العالمية الأخرى ذات الصلة لتشمل هذه الدراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع المقترحة وما يزرع فيها من محاصيل مناسبة؛ (2) المياه الجوفية من حيث كميتها وخصائصها ومعدلات ضخها؛ (3) حفر الآبار من حيث أعدادها وتوزيعها داخل المنطقة المختارة للاستثمار وأعماقها ومعدلات الضخ اليومي أو الشهري أو السنوي مع قياس ما يطرأ من تغيير في منسوب الماء بدقة؛ (4) الطاقة التي ستستخدم في تشغيل المشروع من حيث مصدرها وتكلفة توليدها، على أن تسترد الدولة التكلفة الاقتصادية لكل هذه الأعمال بالأقساط من الشركات المستثمرة مع شرط التزام هذه الجهات المستثمرة بالشروط التي تضعها الدولة للاستثمار الأفضل لهذا المورد الاستراتيجي للماء ومراقبة ذلك بدقة وبصفة دورية.
    • اتجاه ثان يرى أن دور الكومة تقتصر فقط على القيام بدراسات جدوى الموضوع واستصلاح الأراضي وتحديد كمية المياه الجوفية ونوعيتها، وعلى المستثمر تقع مسؤولية حفر الآبار وإعداد المزرعة وتجهيزها بكامل معداتها وذلك وفق اتفاق مشروط يراعي مصلحة الطرفين. وبهذه الطريقة يمكن للدولة، كما يرى أصحاب هذا الاتجاه، تلافي أية مسؤولية تجاه أخطاء شابت، على سبيل المثال، مكان بئر حفرت وجاء ما يضخ من ماء منها مصحوباً برمال، أو مشكلات تتعلق بنوعية التربة في ناحية من أرض المشروع وغيرها من المشكلات التي قد تثير قضايا أو خلافات بين المستثمر والدولة: أي إن إيكال مهام الاستثمار الفعلي للأرض للشركة المستثمرة قد يعفي الدولة من مسؤوليات كهذه. ولكن قد يثير هذا الإيكال قضية في غاية الأهمية: هل يُترك المستثمرون في هذه الحالة ليفعلوا ما يشاؤون بالأرض والماء بدون رقيب يزرعون ما يرونه مناسباً لهم ويضخون ما شاء لهم من كميات المياه ليحققوا أرباحهم في الفترة المحددة للاستثمار دون أي اعتبار لما سيترتب على اجراءاتهم من استنزاف لمورد استراتيجي وتملّح للتربة إلى غيرها من المشكلات المرتبطة عادة بمثل هذه المشاريع؟
    4 - ما هو رصيد الحكومة، وهي تجري لاهثة وملهوفة لاستقطاب المستثمرين الأجانب للاستثمار في الحوض النوبي، من التجارب في مجال التعامل مع المياه الجوفية غير المتجددة وإقامة مشروعات زراعية كبيرة عليها؟ هل لديها من خبراء مختصين في هذا المجال تستنير بآرائهم وتستآنس بمشورتهم وأيضاً بشركات الخبرة العالمية؟ وهل تسترشد الحكومة بنتائج ما حدث في مشروعات مماثلة في دول مثل المملكة العربية السعودية ومصر وليبيا وغيرها من الدول؟
    مصر، على سبيل المثال، لها سياسة واضحة الآن تجاه استثمار خزان الماء الجوفي الكبير، فهي تسعى الآن من الاستفادة من إمكانيات الحوض المائية في استثمارها لتخفيف الضغط السكاني على الوادي والواحات المكتظة بالسكان وذلك في إطار مشروع تنموي قومي متكامل يقوم على أسس علمية صحيحة ووفق رؤية واستراتيجية مدروسة بعناية بعد المحاولات السابقة الفاشلة في هذا المجال في مديرية التحرير، ومشروع الوادي الجديد في الصحراء الغربية. أهدافها محددة والأولوية للمستثمرين من شركاتها وأفرادها ولمصلحة البلاد الوطنية: أي لفائدة مواطنيها، مسترشدة في ذلك بخبرتها السابقة في هذا المجال ودراسات خبرائها المتخصصين في هذا المجال والمشاركة الشفافة والمناقشات الجادة من قِبل المهتمين في كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة.
    أما ليبيا، فقد شقت مجرى النهر العظيم عام 1985م بهدف الاستفادة من مياه الحوض الجوفية في الزراعة وتنمية منطقة الصحراء وبعد ما منيت بفشل في مشروع الكفرة نتيجة سوء تقدير في كمية المياه الجوفية ونوعيتها ومدى استدامتها بمعدلات الضخ المبنية على تلك التقديرات الخاطئة من قِبل شركات التنقيب العاملة ما أثر في نوعية التربة وتملح التربة بسبب طريقة الري المتبعة. ولازالت حاجة البلاد إلى هذه المياه في تزايد مستمر للغرض نفسه.
    أما السودان، فيصل ما يستغل من مياه الحوض الجوفي حالياً نحو ملياري متر مكعب (2 مليار أو ما يزيد)، وذلك في الاستخدامات المدنية والري، وتجربتها في إقامة مشروعات زراعية كبيرة تعتمد على المياه الجوفية كليّاً تكاد تكون معدومة، فعلى الحكومة أن تعي الأمور التالية وهي تلهث وراء الشركات الأجنبية للاستثمار في هذا المجال:
    1 - إنها مياة أحفورية غير متجددة عرضة للنضوب وتغير في نوعيتها مع سوء الاستخدام.
    2 - إنها مخزون استراتيجي يتطلب استثماره مراعاة حق الأجيال القادمة فيه.
    3 - استثمارها وفق رؤية واستراتيجية مدروسة بعناية وشفافية وفي إطار مشروع تنموي قومي تعود فائدته للوطن.
    4 - بما أن الحوض النوبي يمثل ظهير أرض النوبة ويجري بمحاذاة مجرى النيل النوبي من ناحية الغرب، أن يكون استثمار مياهه لصالح المنطقة وسكانها لما لها من إمكانية هائلة زراعية لمحاصيل متنوعة على رأسها القمح ما يحقق الأمن الغذائي للسودان. ولوجود نهر النيل كمصدر آخر للمياه والطاقة الشمسية والرياح كمصادر للطاقة المتجددة، سيكون لمياه الحوض الجوفية دور إيجابي في تعمير المنطقة النوبية، بل بإعادة تعمير الجزء الشمالي التخمي الذي أخلي من سكانه نتيجة التهجير ما يعد دعماً للأمن القومي وحمايةً لحدود البلاد الشمالية. كما أن تعمير المنطقة الغربية لمجرى النيل بات في غاية الأهمية الآن وذلك لأن مجرى النيل النوبي، وبخاصة ذلك الجزء الممتد من السكوت وشمالاً، مهدد بالاختفاء بالرمل الزاحف على ضفته الغربية وفق دراسات غربية مع تزايد انخفاض منسوب النيل مع بناء السدود – سد مروى عند التحاريق وسد النهضة الإثيوبي مستقبلاً حين البدء في التخزين الذي سيستغرق نحو 7 سنوات كما يشاع.
    5 - أن يعرض كل الاتفاقيات المبرمة مع المستثمرين وتطرح بنودها لمناقشات شفافة في وسائل الإعلام؛ فالاكتفاء بإجازتها من قِبل البرلمان المكوّن من أعضاء الحزب الحاكم لا يمكن أن يعول عليه بتاتاً.
    6 - وإلى أولئك الذين يدعون النوبيين في الاستثمار في الزراعة المعتمدة على المياه الجوفية، فمن أين لهم بالمال لتمويل عمليات استصلاح الأراضي وحفر الآبار وتوفير مضخات وتقنيات الري الحديثة وتطبيق أحدث وسائل الزراعة وغيرها كثير أشرنا إليها أعلاه، وبدون دعم حكومي وخاصة أن التعاونيات التي اعتمدها النوبيون وسيلة لتطوير منطقتهم طالتها يد الإنقاذ منذ بدايتها وألغيت.
    ثم ماذا بعد؟
    على خلفية ما سبق ذكره من وقائع مرّة, فنحن على يقين أن الكثيرين من النوبيين المنخرطين في العمل العام على إلمام بها, بل وأكثر منها, يستدعي الوضع اتخاذ وقفة جادة وحاسمة مع ذاتنا كنوبيين لنستوعب أبعاد تلك الوقائع وتداعياتها التي أودت بمنطقتنا إلى ما نعيش فيه من حاضر مزر ومستقبل لا يبشر بخير إذا ما تركنا الأمور تسير على نحو ما تسير عليه ولم نتدخل لتغيير هذا المسار لما فيه مصلحة المنطقة وتقدمها.
    الوقفة الجادة مع أنفسنا نحن كنوبيين تكون باستيعاب تام لحقيقة ما يحدث في المنطقة وبأبعادها المدمرة ونضع وفقها خطة أو استراتيجية تحرك للتصدي لذلك تضع في اعتبارها ما يلي:
    أولاً: الأطراف الضالعة فيما يحدث في المنطقة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من حيث أهدافها المبيتة والمعلنة ومراميها بعيدة المدى والآنية على نحو ما سبق ذكره أعلاه. والأطراف هي:
    1 – حكومة الإنقاذ: سبقت الإشارة إلى ما عانته المنطقة من سياسات الإنقاذ ما أدى إلى الوضع المزري الذي نعيش فيه ونتجت منه فجوة عميقة لمصداقيتها بين النوبيين يصعب تجسيرها، وسيف بناء السديْن والتهديد بهما لا يزال مسلطاً فوق رقابنا ليقطعها متى ما وجدت تمويلاً لذلك في أي وقت.
    • إن مشكلة الإنقاذ أنها باتت جزءاً لا يتجزأ من مشكلة التهديد والإغراق وكل ما يحدث من تدمير لموارد المنطقة الحيوية إلى درجة إنها لا يمكن أن تقدم حلاً يرتجى منه الخير للمنطقة ويرتضي به الجميع, وذلك لأن ما ستقدمه من حل سيكون من منظورها الآحادي للأمور دون أي مراعاة لمصلحة الناس والذي يرفضه الجميع.
    • مشكلة الإنقاذ أنها تنظر لأي مطالب شرعية تكفل حق الناس في الحياة في أرض أجدادها مكرمين معززين وكأنها معارضة لنظامها وتهديداً مباشراً لسلطة استولت عليها بانقلاب دُبر بليل ونُفذ بكذبة مضللة , وتتصرف وفقها بالعنف والقتل.
    • مشكلة الإنقاذ إنها لا تؤمن بالحوار الجاد – مهما ادّعت وتسخّر له الاجتماعات والندوات والأموال – سبيلاً لوضع حلول جذرية يتفق عليها المحاورون ويكفينا شر القتال الذي لا يزال يستعر في أجزاء من البلاد. بل إنها لا تصغي لما يقوله الآخرون إلا من خلال رؤيتها الضيقة التي تقوم أساساً على مشروع حضاري هلامي يضمن لها البقاء والاستمرار فقط بصرف النظر عن نتائجها التي أوصلت البلاد خلال سنواتها العجاف الطويلة إلى هاوية الإفلاس المالي والأخلاقي – الفساد. فإن الدعوة للحوار بين الفرقاء كما يجري الآن, فهي دعوة إلى حوار طرشان مع بعضهم البعض وأسلوب تلجأ إليه الإنقاذ كلما ضاقت بها الأمور وادلهمت لامتصاص الغضب إلى حين تنفرج الأمور لتعود وتكشر عن أنيابها من جديد وتعود حليمة لحالتها القديمة. إنها تستمثر الحوار كصمام أمان فقط إلى حين ولا تؤمن بها البتة كوسيلة لحل المشكلات.
    • إن الإنقاذ بلغ من الضعف والجبن والتردد مبلغاً جعله يستجدي وساطة دولة أخرى بشأن موضوع يمس صميم سيادة الدولة وهيبتها: موضوع النزاع الحدودي في حلايب وشلاتين وهو نزاع مرفوع أمره إلى المحكمة الدولية منذ 1958م وطرق حلها مكفولة للجميع ولكن بقي الإنقاذ مكبلاً نتيجة إصرار وعناد مصر التي ترفع بالإضافة إلى ذلك سيف محاولة اغتيال حسني مبارك في إثيوبيا مسلطاً على رقابه وتساومه و تبتزه بها.
    فهل يمكن أن نعوّل على نظام كهذا في حل مشكلات المنطقة التي معظمها من صنعها هي وأخرى تفاقمت في ظل وجودها حاكمة للبلاد، وستتفاقم مع قادم الأيام بإصرارها على المضي قدماً – متى وجدت فرصة لذلك – في تنفيذها ضاربة باحتجاجاتكم عرض الحائط.
    2 – جمهورية مصر : وهي الطرف الاخر الذي يرى ان له مكاسب مكتسبة في السودان (Vested Interest), و أبدى في كل تصرفاتها مع السودان من موضوع مثلث حلايب – شلاتين , و نتوء وادي حلفا و المنافذ الحدودية البرية أن ليس من علاقة مهما كانت تطغى على مصالحها القومية .
    • ومصر هي التي لا زالت تنظر الى السودان كدولة تابعه لها و بخاصة الجزء الشمالي منه و تتطلع الى التمدد فيه لتوطين فائض سكانها متى ما سنحت لها الفرصة لذلك .
    • مصر هي التي – حسب تصريحات عديدة – ترى أن لا مجال داخل حدود مصر لبناء حدود أخرى لتخزين مائها بعد السد العالي الا داخل السودان وفي مجرى النيل النوبي بالذات. مما يؤكد أن أي سد يبنى داخل هنا هو لفائدة مصر فقط و ليس السودان الخاسر بفقدان مدنها وقراها و آثارها.
    • ومصر هي التي التي ستتمتع باتفاقية الحريات الأربعة التي لا نعرف تفاصيل بنودها.
    • مصر هي التي تتعمد إغراق دلتا بطن الحجر في كل موسم حين يبلغ ما يزرع فيها من محاصيل نقدية , مرحلة النضوج وسيلة لتطفيش المزارعين منها.

    والوضع هكذا، لم يبق من ركيزة نعول عليها سوى أنفسنا نحن النوبيين وإعداد أنفسنا للتصدي لما يحيق بنا من أخطار مدمرة فهل نحن مستعدون؟
    3 – الوضع الراهن الذي نعيشه ويمارس فيه العمل العام النوبي يعتريه كثير من الضعف والتشرذم والتردد في اتخاذ خطوات جادة حاسمة إزاء قضية واضحة المعالم.
    فيما يتعلق بالوضع الراهن: فإن أهم معالمه يتمثل في كثرة الكيانات التي تتصدى قولا فقط لقضية نراها واحدة في كل تفاصيلها. فما أن يتكوّن كيان حتى ينبري آخرون بتكوين كيان آخر وكأن كل واحد منها يرى أن لا حل للقضية إلا من منظوره هو؛ وكيانات أخرى ترى أنها الأقدم في الساحة وأن على أي كيان يأتي لاحقاً عليه أن ينضوي تحته أو يعمل وفق منظوره وإلا إلى الجحيم، وكيانات ترى أنها المعبّر الحقيقي لطموحات النوبيين في حياة كريمة وليس غيرها. وهكذا بدل التضامن والعمل يداً واحدة تتشتت الجهود ويفسح المجال واسعاً للحكومة لاختراق صفوفنا ودق إسفين الفتنة والفرقة بيننا.
    فهل هذا خلاف أم اختلاف: فالاختلاف هو سنة الحياة، هو احترام الرأي الآخر، هو الحوار الصادق الجاد من أجل الوصول إلى توافق يرضي الجميع، إنه جمع الصف وتوحيد الرؤى لما فيه مصلحة الكل. أما الخلاف فهو رفض الرأي الآخر؛ هو الإقصاء والمشاحنة وكل ما يفضي إلى تمزيق الصف وبذر بذور الشقاق ثم التشتت والضياع. وهذا هو ما نحن فيه الآن والبلد يضيع أمام أعيننا ونحن نقف مكتوفي الأيدي مكبلين بخلافاتنا المختلقة حول قضية واحدة لا يختلف حولها أحد.
    فما هي قضيتنا: تتخلص القضية النوبية كما نراها. في:
    1 - الحق الذي كفلته كل الشرائع السماوية والدنيوية في الحياة في أرض أجدادنا معززين مكرمين متحابين ومرفوعي الرأس وفق قيمنا وإرثنا الثقافي الموروث عبر السنين الذي لا يتعارض، بل يتناغم ويتواءم، مع ثقافات بلد متعدد الأعراق والثقافات ويجعل من ذلك التنوع قيثارة للوحدة تزيد من ذلك التناغم وتزيده تألقاً.
    2 – وقضيتنا تتمحور حول كل ما يمنع تحقيق تلك الآمال ويعيقها مثل بناء السدود والنهب المقنن للذهب والآثار وتسميم البيئة من جراء التنقيب وحرق النخيل مما يؤدي في النهاية إلى إفقار المنطقة وخروج الناس منها بحثاً عن حياة أخرى في أرض أخرى لا نجد فيها الطمأنينة والاستقرار النفسي الذين نجدهما في أرض أجدادنا ومسقط رؤوسنا.
    3 – أن تزود المنطقة بكل مقومات الحياة الكريمة من مرافق وخدمات حتى تنهض وتسهم بنهضتها في تقدم البلاد ونهضتها.
    فهل من خلاف بيننا حول عناصر قضيتنا هذه؟ لا نظن ذلك.
    إذن، لماذا لا نتضامن ونضع يدنا في يد بعضنا ونصيغ وثيقة عهد بيننا تتضمن كل ما يجمع صفنا ونتعاهد على تنفيذها معاً لكي يذكرنا التاريخ وأحفادنا أمجاداً وأبطالاً لنا نبذوا كل خلافاتهم في لحظة حاسمة من تاريخهم ووحدوا صفوفهم لمواجهة أخطار تحدق بأرض أجدادهم بحسم وصرامة ومثابرة وإنقاذها مما هي مقبلة عليه من مصير قائم. المهم المثابرة ثم المثابرة ثم المثابرة في الالتزام بما تعاهدنا عليه ووفق الخطة التي ارتضيناها منهاجاً لنا ولا نعمل بردود الأفعال التي أقعدت مسارنا كثيراً. فالولاء يجب أن يكون للأرض التي أرضعتنا، فإن ضاعت ضعنا وإن بقيت بقينا معززين مرفوعي الرأس، فأيهما تختارون؟
    إن الإنقاذ ساعية لتنفيذ ما خططت له من مشروعات في المنطقة وماضية بجدية للحصول على تمويل لها, ومتى حصلت على ذلك فلن تتوانى لحظة في المضي فيما تريده. فماذا أعددتم لذلك من قوة: تلك القوة تكمن في وحدتنا وتضامننا معاً والوقوف صفاً واحداً صلداً ضد ما يحاك من مؤامرات لتدمير المنطقة. فإن مستقبل النوبة وازدهارها مرهون بمشيئتنا بإذن الله وقدرتنا على الحفاظ عليها بمواقف ميدانية صارمة بدون هوادة وليس عبر التبجح الإسفيري وحده.

    وآخر الكلام
    هناك موضوع علينا أن نفكر فيه ونناقشه في ما بيننا مجتمعين بجدية لما له من أهمية قصوى للمنطقه حاضرا ومستقبلا , الا و هو العودة الى المنطقة و تعميرها.قد يرى البعض أنه من الصعب إقناع الناس بذلك لإفتقار المنطقة أو جزء كبير منها للخدمات الضرورية التي يحتاجها الناس من تعليم و صحة ولكن هناك أيضا من الأمور تتطلب العودة الى هناك :
    1. لايمكن أن تتطالب بخدمات ومعظم السكان غائبون عن المنطقة ز فالوجود الفعلي و بكثافة يضفي زخما و قوة لهذا المطلب , و بخاصة أن الحكومة تتخذ الخلخلة السكانية تبريرا للتهميش وذلك ما نستشفه من قول رئيس الجمهورية لجماعة من أهل المنطقة في جدة في هذا الشأن "ما تفرحوا أديناكم مرتبة محافظة لمنطقة سكانها أقل من سكان أمبدة ".
    2. ترك أجزاء كبيرة من المنطقة خالية من السكان و منذ الإغراق الأول أعطى التبرير الكافي للحكومة بأن تتصرف في المنطقة و كأنها أرض لا مالك لها , مما دعتها تفتح النجال واسعا لكل من هب ودب لإستباحة مواردها كيفما شاؤوا بدون رقيب أو حسيب , و تطمع الأغراب للإستيطان فيها و إستغلال مواردها بدون مراعاة لمصلحة الناس حاضرا و مستقبلا.
    3. إذا قدر وإن تم تشييد السدين , دال و كجبار , وماسيترتب على ذلك من إغراق كل الأرض التي نعيش فيها الآن بما فيها من قرى و نخيل و آثار و فلن يبقى سوى الأراضي التي باتت الآن تحت سيطرة المعدنين العشوائين اللذين إنتشروا في ربوعها يستغلون هذا المورد النفيس ولن يتخلوا عنها بسهوله و خاصة أنها ارض عامة (حكومية). فإلى اين حنلجأ وهل سنتنافس معهم و مشاركهم ماهو ملك لنا ويحدث مايحدث لأهلنا في خشم القربة .
    إننا بوجودنا الكثيف في المنطقة نحمي أرض أجدادنا و حقوقنا المشروعة فيها من كل الطامعين , كما يعطي دعما قويا لقضيتنا , فهل من مجيب !


                  

11-09-2015, 06:30 AM

Al Sunda
<aAl Sunda
تاريخ التسجيل: 01-18-2005
مجموع المشاركات: 1854

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    السؤال المحير
    هل اجرت الحكومة إعادة لدراسة الجدوى الخاصة بمشاريع السدود على ضؤ قيام سد النهضة ؟
    واضعين في الإعتبار الاتفاقات التي اشيرت اليها في شان مد اثيوبيا للسودان بكهرباء رخيصة من سد النهضة ؟؟؟؟؟
                  

11-09-2015, 06:40 AM

Ahmed Alim
<aAhmed Alim
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 2762

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Al Sunda)

    الاخ العزيز Al Sunda

    السدود بالنسبة للحكومة بند فساد مفتوح لعدة عقود وهذا كل ما يهمهم!!
    وحدة السدود حتى الآن لم تطرح دراسات توضح جدوى السدود المقترحة للعامة!
    الجميع يعلم بعدم جدواها!

    فسد مروي ليس ببعيد!! وزعمهم بزيادة الرقعة الزراعية في مشروع المكابراب كان
    حوالي ١٦ الف فدان مقابل إغراق أكثر من ٢٠٠ الف فدان بكل الأراضي الخصبة
    جنوب السد!! أمر مثير للضحك!


    التحية لك ولسعادة السفير منان..
                  

11-09-2015, 10:43 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Ahmed Alim)

    الإخوة الأعزاء السندة واحمد عالم ساتينتود
    سلام.
    صحيح ليس هناك دراسات جدوى موجودة تفيد بجدوى هذه السدود خاصة بعد إنشاء سد النهضة الاثيوبى وعلى الحكومة السودانية ووزارة الرى بالتحديد ان تطلع الشعب على دراسات الجدوى ... حتى الدراسات القديمة لم تعرض على الشعب ولا يمكن لحكومة أن تفرض مشاريعا بقوة السلاح دون اقناع الشعب بجدواها وتجربة سد مروى خير دليل وشاهد على تبذير قرابة 4 مليار دولار فى سد لن يسدد هذا الدين فى عشرات السنين ولم ينتج كهرباء كافية ولم يحارب الفقر ولم يرد على اى تساؤل وهم يرددون السد السد الرد الرد... لا احد يستطيع ان يقدم جرد حساب لفوائد سد مروى وكيفية تسديد ديونه المليارية الملقاة على رقبة الشعب السودان فى وقت اضاع فيه نظام الإنقاذ مبلغ 100 مليار دولار خلال عشر سنوات لم تورد لخزينة الدولة واختفت بالتجنيب فى جيوب وحسابات الكيزان السرية... يجب مقاومة السدود إن سلما او حربا... وعلينا أن ننقل كل الحقائق لإخوتنا فى السعودية حتى لا يحرقوا النوبة والسودان لأن إقامة هذه السدود تعنى إشعال النيران فى المنطقة بأسرها ولن يسكت النوبيون احفاد رماة الحدق وهم مجربون عند السلم والشدة ويمكنهم تدويل قضيتهم بسهولة وجر اصدقائهم لمساعدتهم لإيقاف تدمير النوبة... مصر تعرف هذه الحقيقة وتحتفظ بملف النوبة تحت إشراف رئاسة الجمهورية ورئاسة المخابرات والسعودية تعرف هذه الحقيقة وتعرف ان النوبة جيب غير عربى ولكنه جيب مسالم ويمكن ان يعود النوبيون بجهد قليل او اكثر الى ما كانوا عليه قبل قرون فى مقاومة تدمير النوبة.. تذويب النوبة مرفوض وتدمير النوبة بالسدود خط أحمر والكلام لا يكفى عندما تدلهم الخطوب.. .... هذا أوان الشد فاشتدى زيم قد جاءك الليل بسواق حطم ليس براعى ابل ولا غنم .....
                  

11-09-2015, 11:01 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى أين؟؟؟ (Re: Mannan)

    الاتفاقيات السعودية السودانية.. هل تنعش اقتصاد السودان؟ عماد عبد الهادي-الخرطوم

    أفلح تقارب العلاقات بين السودان والسعودية في زيادة احتمالات إنعاش اقتصاد السودان بعد التوقيع في قمة بين البلدين على مجموعة اتفاقيات اقتصادية في مجالات السدود والزراعة لخدمة حاجات البلدين على السواء. وفي انتقال وصفه اقتصاديون بالمهم وجد السودان طريقا للحصول على تفاهمات إستراتيجية تكللت بتوقيع الرئيس السوداني عمر البشير والملك سلمان بن عبد العزيز على أربع اتفاقيات لتمويل سدود الشريك ودال وكجبار في شمال السودان واتفاقية أخرى تقضي بزراعة نحو مليون فدان من الأراضي على ضفاف نهري عطبرة وستيت في شرق السودان. ووفق وزير المالية السوداني بدر الدين محمود، فإن حجم التمويل المرصود للاتفاقيات الأربع قد بلغ مليارا وربع المليار دولار، بجانب توفيره نحو خمسمئة مليون دولار لمشروعات المياه. وكان الرئيس السوداني عمر البشير -الذي يزور المملكة السعودية منذ الثلاثاء والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز- شهدا في العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الماضي توقيع الاتفاقيات الأربع بين حكومتي البلدين. وأعلن الوزير في تصريحات صحفية أمس الخميس أن اتفاقيات تمويل السدود الثلاثة بلغت قيمتها 1.250 مليار دولار، على أن تنفذ خلال خمس سنوات من تاريخ توقيع الاتفاق قابلة للتمديد، مع توفير تمويل لمشروعات للمياه بقيمة خمسمئة مليون دولار. ولفت إلى أن سدود الشريك ودال وكجبار ستنتج 1.400 ميغاوات من الكهرباء، بحسب الدراسات الفنية التي صاحبت هذه الاتفاقيات عبر المقاولين والمستشارين. وأكد أن السودان سبق الاتفاقيات الأخيرة باتفاقيات أخرى مع الصندوق السعودي للتنمية بتوفير نحو مئة مليون دولار، وأخرى بقيمة ثمانين مليون دولار من الصندوق الكويتي. فائدة مشتركة وبعيدا عن أسباب التقارب الأخير بين الخرطوم والرياض -كما يقول خبراء اقتصاديون- فإن ما تم سيقود إلى فائدة البلدين اقتصاديا لحاجة كليهما إلى موارد الآخر. عبد العظيم المهل: العلاقات السودانية السعودية أصبحت في أحسن حالاتها (الجزيرة نت) أستاذ الاقتصاد في جامعة السودان عبد العظيم المهل يعتقد أن العلاقات السودانية السعودية "أصبحت في أحسن حالاتها بعد هجرة الأول من الحلف الإيراني إلى الحلف العربي"، معتبرا أن ذلك من شأنه أن يسهم بقدر كبير في تطور الاقتصاد السوداني إلى الأفضل. ويقول إن هناك نحو سبعة مليارات ريال سعودي هي حجم تحويلات المغتربين السودانيين في المملكة العربية بجانب الاتفاقيات والتحويلات الرسمية الأخرى "هي جزء من حجم العائدات المالية على الاقتصاد السوداني من السعودية". ويشير إلى أن الاتفاق الأخير "ذهب نحو الاستثمار في البنى التحتية بما يؤكد الرغبة في اتباع نهج جديد لمعالجة مشكلات التنمية في السودان"، مشيرا إلى ارتفاع الاستثمارات السعودية إلى نحو 22.5 مليار ريال في بعض المشروعات المهمة بالسودان. وتوقع في تعليقه للجزيرة نت أن توفر الاتفاقيات الجديدة نحو 370 ألف فرصة عمل في مجال الزراعة مقارنة بـ13 ألف فرصة عمل توفرها الحكومة السودانية، مشيرا إلى أن ذلك إذا ما تم تنفيذه بالكامل "فسيكسر حاجز الصادرات إلى السعودية، خاصة في مجالات المنتجات الزراعية عالية الجودة". ويبدي أستاذ المعاملات المالية الإسلامية في جامعة أم درمان الإسلامية محمد سر الختم تفاؤله بإمكانية تحقيق الاتفاقيات كثيرا من المكاسب لاقتصاد البلدين على السواء. ويرى في تعليقه للجزيرة نت أن التقارب بين الخرطوم والرياض -أيا كانت درجته- سيدفع اقتصادهما إلى النمو واستفادة كل منهما من قدرات الآخر. ويرى أن هناك إمكانيات سودانية هائلة "تنقصها الإمكانيات المادية"، لافتا إلى إمكانية نجاح التجربة "في ظل تدهور الاقتصاد السوداني بسبب القروض غير المتوازنة التي ظل يتعامل بها سابقا".

    المصدر : الجزيرة
                  

11-11-2015, 10:21 AM

Ahmed Alim
<aAhmed Alim
تاريخ التسجيل: 06-14-2007
مجموع المشاركات: 2762

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    Up
                  

11-11-2015, 11:22 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Ahmed Alim)

    سينظم النوبيون بالتنسيق مع منبر الهامش السودانى والأحزاب والمنظمات السودانية والأمريكية عددا من الأنشطة المناهضة لسدود الدمار فى المنطقة النوبية وستشمل الأنشطة الطلب من الكونجرس الأمريكى والإدارة الأمريكية والامم المتحدة ومنظمة اليونيسكو والبرلمان الأوروبى ومن العاهل السعودى عبر السفارات السعودية ومن المنظمات الدولية الاخرى المعنية ان تساعد فى ايقاف بناء السدود فى المنطقة النوبية والحفاظ على آثار اقدم حضارات الأرض ... سنطلب باسم كل المنظمات النوبية والسودانية والدولية المساندة من: (1) العاهل السعودى عدم تمويل هذه السدود (2) سنطلب رأى الأحزاب السودانية وتأييدها (لقد صمت اغلبهم عند كارثة السد العالى وتدمير جزء عزيز من النوبة!!!!!) (3) سنطلب من سكرتير عام الامم المتحدة ومدير عام منظمة اليونيسكو مخاطبة السعودية والسودان لإيقاف تدمير النوبية بالسدود (4) سنطلب تأييد نواب الكونجرس الأمريكى والبرلمان الأوروبى والحكومات لممارسة الضغوط على السعودية والسودان (5) سنطلب دعم المنظمات لحملاتنا ضد السدود. فاستعدوا...
                  

11-12-2015, 02:16 AM

خالد حاكم
<aخالد حاكم
تاريخ التسجيل: 08-25-2007
مجموع المشاركات: 3434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    UP
                  

11-12-2015, 02:16 AM

خالد حاكم
<aخالد حاكم
تاريخ التسجيل: 08-25-2007
مجموع المشاركات: 3434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    UP
                  

11-13-2015, 07:06 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: خالد حاكم)

    Meroedamnowater.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

    اذا فقد سد مروى ثلثى حجمه فمن اين سيملأون سدود دال وكجبار والشريك؟؟؟؟
    الا يملوها نفايات ومقابر للحاويات المشعة كما جاء فى الاخبار عن دفن الصين لحاويات تحوى نفايات مشعة فى الولاية الشمالية وطبعا سيقبض ثمنها مجرمى الجبهة الاسلامية القومية سابقا والمؤتمر الوطنى حاليا... الهى يخسف بيكم الارض...
    China_wastes.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

11-19-2015, 09:56 PM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    ستخاطب اللجنة الدولية لتنمية النوبة ومناهضة السدود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود طالبة منه عدم تمويل مشاريع السدود التى ستدمر كامل المنطقة النوبية الثرية بآثار لا تقدر بثمن واغلى فى قيمتها من كل السدود. اذا كانت الحكومة جادة فى تطوير المنطقة كان بامكانها استغلال الثلاث مليار دولار التى صرفت فى خزان مروى الخاسر فى تطوير السياحة وبناء متاحف ومطارات فى المنطقة تجلب المليارات من الدولارات سنويا ولكنهم لا يريدون تنمية النوبة بل يريدون طرد النوبيين وبيع المنطقة للاستثمارات الاجنبية الطفيلية المملوكة للاسلاميين والعروبيين تمهيدا لتكملة مشروع مثلث حمدى الجهنمى واقامة دولة وادى الاسلامية من الاسكندرية الى الحبشة ومنطقة البحيرات العظمى... حيلكم ويا حليلكم... العالم صحى..
                  

11-23-2015, 06:12 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    هناك أكثر من مليون نوبى سودانى ومصرى فى السعودية يعملون بكل إخلاص وصدق ولا يستحقون تدمير بلادهم بتمويل سعودى... هذه فتنة ونحن نربأ بإخوتنا فى المملكة أن يقعوا فى هذه المصيدة الخطيرة بتمويل سدود تدمير النوبة ... النوبيون عرفوا بالصدق والأمانة واستأمنهم السعوديون فى أموالهم وأعراضهم لا يمكنهم ان يسيئوا للنوبيين بتدمير بلادهم.. الأمر متروك لخادم الحرمين الشريفين الملك سليمان حفظه الله ورعاه.. قراره هو الذى سيحدد مستقبل العلاقات بين المملكة العربية السعودية والسودان والنوبيين... حفظ الله السعودية والنوبة..
                  

11-25-2015, 05:54 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    يتجه الرأى العام للنوبيين المقيمين فى امريكا الشمالية واوروبا الى تسليم رسالة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بواسطة سفراء المملكة العربية السعودية الشقيقة فى امريكا الشمالية وبريطانيا وبقية الدول الاوربية خلال اليومين القادمين بواسطة مناديب اللجنة الدولية لتنمية النوبة ومناهضة السدود ويتوقع النوبيون ردا ايجابيا من المملكة العربية السعودية الشقيقة بعدم تمويل سدود الدمار للأرض النوبية حتى لا يضطر النوبيون إلى ركوب الصعب وتصعيد رفضهم للسدود بتدويل قضية السدود التى تهدد بدمار النوبة حاضنة اقدم الحضارات الإنسانية..
                  

12-02-2015, 01:31 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    سيقوم النوبيون فى منطقة واشنطون الكبرى بتسليم السفارة السعودية خطابا للعاهل السعودي وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله يطلبون فيه عدم تمويل سدود الدمار للمنطقة النوبية خلال وقفة احتجاجية يوم الخميس الثالث من ديسمبر 2015 امام سفارة المملكة من الحادية عشر صباحا حتى الرابعة مساء. يرجى من النوبيين فى السودان ومصر واصدقائهم فى الهامش والامريكان الحضور والمشاركة فى الوقفة الاحتجاجية وشكرا..
                  

12-04-2015, 08:19 AM

Mannan
<aMannan
تاريخ التسجيل: 05-29-2002
مجموع المشاركات: 6701

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: المملكة العربية السعودية والنوبيون... الى (Re: Mannan)

    https://www.facebook.com/hhwantwd/videos/10207997024393229/https://www.facebook.com/hhwantwd/videos/10207997024393229/
    رابط للقطة من الوقفة الإحتجاجية للنوبيين أمام السفارة السعودية بواشنطن يوم 3 ديسمبر 2015 ضد تمويل السعودية لسدود الدمار فى المنطقة النوبية..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de