لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-12-2024, 03:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-14-2016, 08:42 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟!

    07:42 AM Jan, 14 2016 سودانيز اون لاين
    سعد مدني-
    مكتبتى
    رابط مختصرفي هذا البوست

    سوف نتناول اسباب تعثر الديمقراطية، و نستعين في ذلك باراء مختلفة لكتاب و مفكرين سودانيين تناولوا هذه المسألة، و قد نناقش كذلك ما هي الحلول الممكنة لترسيخ الديمقراطية في الواقع السوداني....

    تم تغيير العنوان للملاحظة المهمة التي ابداها الأخ دينق في هذا الصدد...

    (عدل بواسطة سعد مدني on 01-14-2016, 10:38 AM)

                  

01-14-2016, 08:48 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا فشلت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    وسوف نبدأ هنا بورقة الاستاذ الطيب زين العابدين المعنونة " الديمقراطية التوافقية الطريق للاستقرار السياسي"، مع بعض التصرف في ترقيم و جمع الرؤى المتشابهة في توضيح اسباب فشل اليمقراطية..

    ما هي المشكلات الموضوعية التي تسببت في ضعف النظام الديمقراطي وسقوطه مرة بعد أخرى؟

    1- طبيعة تكوين السودان باتساعه الجغرافي (مليون ميل مربع قبل انفصال الجنوب) مع ضعف وسائل الاتصال والمواصلات ووعورة الطرق بين أقاليمه المترامية، وحدوده المصطنعة المتداخلة سكانياً مع الجيران،
    2- حداثة جمع كيانه الوطني في بلد واحد على يد الاستعمار التركي(1821م) أولاً ثم البريطاني (1898م) ثانياً بعد أن كان ممالك متفرقة لقرون عديدة، وتنوعه العرقي والديني والثقافي في أقاليم متباعدة ذات مستويات اجتماعية وثقافية متباينة. أدى كل ذلك لصعوبة حكمه مركزياً من عاصمة البلاد أو أن ينفرد بحكمه حزب واحد أو اثنان ولو نالا أغلبية برلمانية كبيرة.
    3- وأدى التنوع العرقي والثقافي إلى تمرد وصراعات ونزاعات مسلحة في جنوب السودان (1955) وجنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وشرق السودان، وهي كلها مناطق متخلفة لم تجد حظاً مناسباً في اقتسام الثروة والسلطة. وكانت مشكلة الجنوب هي أكبر مهدد للديمقراطية والاستقرار السياسي في البلاد مما شجع العسكر لاستلام السلطة بدعوى دحر التمرد وإنقاذ البلاد.
    4- الوضع الاقتصادي المناسب الذي يمكن الدولة من الوفاء بالتزامتها المالية الأساسية تجاه نفقات وتكلفة أجهزة الدولة المختلفة،وتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين (الصحة والتعليم والماء والغذاء)، وتحقيق قدر معقول من المشروعات التنموية والاستثمارية الذي يؤدي إلى نمو اقتصادي بدرجة مرضية؛ وحجم مقدر للطبقة الوسطى من مهنيين ومنتجين ومثقفين وعمالة ماهرة لها مصلحة وارتباط باستمرار النظام الديمقراطي؛
    5- وانسجام عام في التكوين الاجتماعي للأمة يجعل أهدافها القومية متقاربة؛
    6- أحزاب سياسية ناضجة ترتبط وتمثل قطاعات وفئات اجتماعية بعينها؛
    7- وانتشار وقبول في أوساط المجتمع للسلوك الديمقراطي ولاحترام السلطة والالتزام بحكم القانون؛وتوفر قدر من الوعي السياسي يمكن الناخب من تحديد خياره الانتخابي على أساس برنامج للحزب قابل للتنفيذ لا على أساس العرق أو الطائفة أو العلاقات الاجتماعية أو المنفعة الذاتية. ومعظم هذه الشروط غير متوفرة في المجتمع السوداني.

    8- طبيعة تكوين الأحزاب السودانية
    • وثقافتها السياسية جعلتها ضعيفة الالتزام بالنهج الديمقراطي داخل أجهزتها الحزبية، وفي قناعتها بحرية النشاط السياسي للأحزاب المنافسة لها، وبقبولها التداول السلمي للسلطة حسب الفترات الانتخابية التي يحددها الدستور، وبشكها وعدم ثقتها في التزام القوى الأخرى بأسس وقواعد النظام الديمقراطي.
    • فالأحزاب التقليدية الكبيرة (الأمة والاتحادي الديمقراطي) التي حكمت البلاد طيلة الفترات الديمقراطية الثلاث تنحصر بصورة غالبة في شمال السودان المسلم وهي ذات قواعد طائفية دينية تتبع توجيهات مرشدها الديني دون أن تطالبه بحقوق ديمقراطية؛ وأحزاب جنوب السودان ذات طبيعة قبلية تحالفية تخضع لرغبات السلاطين والزعماء القبليين وطموحات قياداتها المتعلمة من أبناء القبيلة وهي تحالفات قصيرة العمر في معظم الأحوال؛ والأحزاب المنافسة للأحزاب التقليدية في الشمال وتحوز على تأييد النخب المتعلمة هي أحزاب عقائدية في المقام الأول (إسلامية أو يسارية) تؤمن بأيدلوجيتها الفكرية وتتعصب لها أكثر مما تؤمن بالنظام الديمقراطي وتلتزم به، وقد كانت تقف من وراء دعم الانقلاب العسكري الثاني والثالث. فأنّى لأحزاب بهذه الطبيعة والتكوين أن تكون سنداً لاستقرار النظام الديمقراطي وديمومته في بلد متخلف من بلدان العالم الثالث.
    • ومن نماذج الممارسات غير الديمقراطية في سلوك الأحزاب السودانية منذ الاستقلال: اتفاق زعيمي الختمية والأنصار في عام 1956 على إسقاط حكومة الأزهري بعد شهور من إعلان استقلال البلاد، وقد كان حزب الأزهري (الوطني الاتحادي) هو الوحيد الذي فاز بأغلبية برلمانية في أول انتخابات في البلاد ولم يتكرر ذلك في كل الانتخابات الديمقراطية التالية؛ تسليم رئيس وزراء حزب الأمة السلطة لقيادة الجيش في نوفمبر 1958 تفاديا لسحب الثقة منه في تحالف برلماني جديد؛ تحالف أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق على تعديل الدستور وإسقاط عضوية نواب الحزب الشيوعي من البرلمان في عام 1965؛ رفض الحكومة تنفيذ حكم المحكمة العليا التي قضت ببطلان إسقاط عضوية الشيوعيين؛ تغيير الحزب الاتحادي لتحالفه مع حزب الأمة في 1967 للجناح المنشق من ذلك الحزب ثم العودة مرة أخرى للجناح الآخر وحل البرلمان بصورة غير دستورية لإجراء انتخابات جديدة تقوي موقف الحزب الاتحادي وتضعف موقف حزب الأمة المنشق؛ بروز ظاهرة انشقاقات الأحزاب وشراء النواب لتأييد هذه الحكومة أو تلك؛ دعم الأحزاب اليسارية (الناصري والبعثي والشيوعي) لإنقلاب نميري في 1969؛ الإنقلاب العسكري للحزب الشيوعي على نظام نميري في يوليو 1971؛ تأييد الأحزاب الجنوبية لنظام نميري بعد اتفاقية أديس أببا في 1972 والتي منحتهم حكماً ذاتياً في الجنوب وقدراً من حرية العمل السياسي والانتخابي؛ محاولات الجبهة الوطنية (أحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق) الإنقلاب المسلح على نميري في 1975 وفي 1976؛ مصالحة حزبي الأمة وجبهة الميثاق لنظام نميري في 1977 دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير في شمولية النظام العسكري؛ تكتل الأحزاب في انتخابات 1986 ضد مرشح الجبهة الإسلامية القومية (د. حسن الترابي) في دائرة الصحافة مما أدى إلى سقوطه؛إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية على الديمقراطية الثالثة في يونيو 1989؛ محاولة حزب البعث العربي الإنقلاب على نظام الإنقاذ في 1991؛ تعاطي الأحزاب السياسية مع نظام الانقاذ بدرجات متفاوتة خاصة بعد اتفاقية السلام الشامل في 2005 والتي سمحت بقدر لا بأس به من التعددية الحزبية والحرية السياسية رغم بقاء السيطرة التامة للحزب الحاكم في شمال البلاد.
    • تدل كل هذه الممارسات الحزبية القصيرة النظر على ضعف التزام الأحزاب السياسية بالنهج الديمقراطي السليم، وبقلة صبرها على مفارقة كراسي الحكم ولو أدى ذلك لذهاب النظام الديمقراطي نفسه، واستعدادها للتعاطي مع الأنظمة العسكرية لو منحتها قدراً من المشاركة في الحكم. كثير من هذه المشكلات والسلوكيات لن تزول من المجتمع السوداني في المدى القريب أو المتوسط، ولذا لا ينبغي انتظار زوال هذه المشكلات بصورة تامة حتى يمارس السودان نظاماً ديمقراطياً تعددياً يقوم على التفويض الانتخابي الحر ويراعي كل حقوق الإنسان والمرأة والأقليات. فالبديل للديمقراطية هو الحكم العسكري أو الشمولي الذي يزيد من تلك المشكلات بدلاً من حلها أو تخفيفها. ما هي إذن الوسيلة الناجعة لممارسة الديمقراطية التعددية الانتخابية التي يمكن أن تتعايش وتتعاطى مع مشكلات المجتمع السوداني المذكورة آنفا،ً دون أن يقود ذلك إلى صراع أو استقطاب سياسي حاد لا تحتمله الأجهزة الدستورية والقانونية الهشة فيودي ذلك بالنظام الديمقراطي كلية كما حدث في فترات الديمقراطية الثلاث.


    9- ولعب العامل الخارجي الإقليمي والدولي دوره في تشجيع ودعم الإنقلابات العسكرية والنزاعات المسلحة، كان على رأس تلك الدول مصر في عهد عبد الناصر وليبيا في عهد القذافي والاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، كل منها دعم الحكم العسكري المتعاطف معه كما دعم المعارضة العسكرية ضد النظام الذي لا يواليه.
                  

01-14-2016, 09:14 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا فشلت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    معوقات ومهددات الديمقراطية فى البلدان النامية
    الديمقراطية : التحديات والفرص - السودان نموذجاً
    د. مضوي الترابي

    ت والفرص - السودان نموذجاً
    د. مضوي الترابي
    النزعة العالمية للديمقراطية :
    سيكون للنزعة العالمية الجديدة للديمقراطية أثرها الإيجابى على النظام العالمى وبالذات تعزيز الأمن والسلام العالميين. فقد ثبت ان النظم الديمقراطية أقل نزوعاً إلى إشعال الحروبات كوسيلة لحسم الصراع. ويقول بذلك تحديداً (إمانويل كانت) فالتجربة أوضحت أن الدول الديمقراطية خلال ال150 عاماً الماضية كانت أكثر نزوعاً للسلم من الدول الديكتاتورية. أما إذا تراجعت النزعة العالمية الحالية للديمقراطية كخيار للتدوال السلمي للسلطة، فإن تيار الأنظمة الأتوقراطية والديكتاتورية والإستبدادية سيتحرك لملء الفراغ، الأمر الذي يقرع نواقيس صدام محتوم بين خصوم الديمقراطية الألداء على نطاق العالم ، وبين القوى العالمية الأخرى من أنصار الديمقراطية.

    بالتالى من الواجب تجنب هذا الصراع الذي لا يمكن تجنبه بدون تحديد برنامج فاعل لتعزيز الديمقراطية فى( الجنوب – جنوب الكرة الأرضية الفقير) حتى لا يتم إجلاء هذا التيار لصالح الحركة المناوئة للديمقراطية. و الديمقراطية لم تعد تنتقد باعتبارها ترفاً يمكن أن يقدمها السودان أو إفريقيا بصورة سيئة فى عصر الحقوق المدنية في جيلها الرابع و الخامس في عصر التحرر الثانى.

    الديمقراطيين فى (الجنوب) ٍ ضللتهم الدوائر المعنية اللامبالية فى الغرب) الشمال الغنى ) لأن سقوط الكثير من النظم الديمقراطية فى وقت ٍ واحد أثناء الحرب الباردة كان مدعاة للأسف. لقد حجب القضية إتقاد التنافس المحموم بين متنافسيْن إثنين جباريين. و لكننا الآن وببزوغ عهد ما بعد الحرب الباردة أوما بعد العهود الحديثة, يصبح خطأ مشابه لجريمة موجهة ضد الإنسانية أن تتخاذل الدول الكبرى عن القوى الديمقراطية فى الجنوب وتجبرها على أكل حلوى رديئة.لمصالح نتنة تغلفها غلالة مقاصد رفيعة شفافة. إن النزعة الظافرة للديمقراطية فى عهد ما بعد الحرب الباردة ليست أمراُ يسير دون عقبات قوية, فعوامل عديدة يمكن أن ترتد لتحبط نزعة الديمقراطية وما إتخذته لنفسها من مسار منها على سبيل المثال:-.
    1.الأصولية والتطرف
    2. التدخلات العسكرية فى السياسة
    3. النسبية الثقافية الضيقة بالتناقض مع الثقافية المتعددة
    4. الفقر والآثارالمرتدة للديون
    5. المشروطية الإجتماعية- الإقتصادية
    6.الجهوية العرقية وحلزون عنفها الداخلى
    7.الإرهاب والعنف السياسى
    8. العالمية المناوئة للديمقراطية
    هذه العوامل التى لم نذكر منها إلا القليل، يمكن أن يكون لها أثر عكسى على النظام العالمى, كما أن استشراءها الطبيعى يمكن أن يحد بلاشك من إنتشار الديمقراطية العالمية. وبوضع هذه العوامل العدائية فى البال, فإن الخطوة المحورية لحماية النزعة العالمية للديمقراطية من التعرض لهجوم خصومها التقليديين هو تاسيس منبر نسميه مثلاً التحالف الدولى للديمقراطية. ويتكون هذا التحالف المعنى من السياسيين, الأحزاب الديمقراطية, مؤسسات البحوث, التنظيمات الطوعية, القانونيين الدوليين, المستثمرين من القوميات المتعددة, المرأة, مفاوضى وناشطى حقوق الإنسان داخل المجتمع المدنى العريض. لذا علينا أن نبدأ بوجوب أن يصبح التحالف منبراً دولياً حتى نضمن أن النزعة العالمية الحالية للديمقراطية يمكن ألا تتوقف مطلقاً، حتى نعزز القيم الديمقراطية ونعبىء أنصار الديمقراطية على نطاق العالم لدعم نظرائهم فى الجنوب متى ما خططت القوى المعادية للديمقراطية للإطاحة بالأنظمة الديمقراطية أو للقضاء عليها أو سحقها. ففى أى وقت تعمل الهجمة الأصولية على إسقاط نظام ديمقراطى أو تثير الإجراءات المعادية للديمقراطية والتطرف والإرهاب نرى أن على التحالف الدولى للديمقراطية أن يواجه و بصورة جماعية هذه الإتجاهات المدمرة ويخلق توازناً مضاداً حقيقياً ليجعل النزعة العالمية للديمقراطية قائمة ويكسر دائرة السيطرة الأصولية عليها من اليمين المسيحي الجديد أو الحركات التكفيرية في بعض مدارس الفكر الإسلامي ، أو الغلواء اليهودي و خلافه.

    تصنيف الديمقراطية السودانية :
    هناك علاقة ديناميكية معقدة ومتضاربة بين الدولة والمجتمع فى السودان. بين اللاعبين المختلفين فى المجتمع والأحزاب السياسية والنقابات العمالية ...الخ,وعوامل التنوع : الدين والعرقية التى تحدد مجتمعاً ديمقراطياً مستقراً من جهة والدولة من جهة أخرى. لقد أصبح المجتمع هدفاً سياسياً قائما بذاته. هناك نوع من علاقة السلطة بين الدولة والمجتمع. فالمجتمع السودانى كما هو الحال فى البلدان الإفريقية الأخرى يقوم على التعددية والجماعية. فالولاءات القديمة والبنى الإجتماعية ستظل قوية وعوامل رئيسة خلال الأعوام القادمة. إذ أن المجتمع يمثل الأساس الثقافى للديمقراطية الذى ينعكس فى المجتمع المدنى, ممثلاً في مؤسسات الأحزاب السياسية, النقابات ووالإتحادات العمالية, الروابط المهنية... الخ, حيث يشير دينق : " أن المجتمع السودانى فى كل مناطق السودان - الشمال أو الجنوب- تسيطر عليه العلاقات الأسرية أوصلة القرابة سيطرة كبيرة ونظام إنتساب موجه يصنف الناس وفقاً للسلالة والسن والجندرة. فالزعماء يأتون من الأسر المهيمنة سياسياً ودينياً, والرجال قوّامون على النساء, والشباب يجب أن يبدى ولاءً بنوياً لأبائهم وأكابرهم ". ويقول بتشولد : " إن السودانيين بحكم الثقافة السياسية يحتلون حيزاً بين أكثر الشعوب ديمقراطية فى العالم العربى وإفريقيا, فهم لديهم شعور قوى بالمساواة وتقليد في إنتخاب الأعيان القبليين والمحليين ".
    لكن هناك إتجاه غالب فى ثقافة العلوم السياسية يستخدم للإشارة، إلى أن المجتمعات المدنية الإفريقية تعتبر ضعيفة. ولكن هذا الإتجاه غير صحيح لأن هذا الوصف يستخدم أساساً بالمقارنة مع المجتمعات الغربية. فليس هناك مجال للمقارنة فى هذه الحالة نسبة للإختلافات الأساس فى طبيعة التركيبة السوسيولوجية لأي مجتمع, فقد حان الوقت لتوسيع وتعميق مجال مفهوم المجتمع المدنى بهدف إستيعاب الملامح المميزة لهذه المجتمعات. ولن يمهد هذا الطريق لنظرة جديدة للتجارب الماضية لأسس الديمقراطية فى إفريقيا فحسب، ولكنه يساعد أيضاً على خلق تصور جديد للتجارب الديمقراطية المتوقعة فى المستقبل وربما على أشكال جديدة تؤسس على طبيعة هذه المجتمعات. ويصح ذات الشىء عندما ننظر إلى الأحزاب السياسية والمؤسسات الديمقراطية فى السودان. فنظرياً الأحزاب السياسية عبارة عن منظمات معقدة يفترض أن تقيم الإنتخاب وتختار القادة السياسيين وتعبىء الجمهور وتصوغ السياسة العامة والمصلحة العامة. والسؤال هو إلى أى مدى تؤكد الأحزاب السياسية على هذه الأنشطة وليس فقط أدواتٍ لحشد الأصوات. فلا تزال الأحزاب السياسية هى الآلية التى يبين بها الناس مصالحهم ويحصلون بها عليها, ففى الواقع تعتبر القناة المتاحة الأكثر فاعلية. وتقوم أهمية الأحزاب السياسية على مساهمتها فى عملية إقرار الديمقراطية, فممارستها السياسية تعتبر عاملاً حاسماً فى استمرار واستدامة الديمقراطية. وفوق كل ذلك, فإن الأحزاب السياسية هى واجهات لكل أوجه النقاش حول إمكانات وعوائق الديمقراطية فى إفريقيا. وفى السودان يرتبط بروز وتطور الأحزاب السياسية باعتبارها جزءاً من المجتمع إرتباطاً عميقاً بالولاءات الدينية وبالعرقية أو الإنتساب القبلى. وهذه الحقيقة تظل تؤثر على البنية الإجتماعية- الإقتصادية والسياسية للبلاد.

    إن الظروف الإجتماعية والإقتصادية التى تدعم الأحزاب السياسية وتضمن إستقرارها فى الغرب تبدو غائبة فى السودان. فهل للأحزاب السياسية القدرة على إحداث تغييرات جوهرية فى هذه المجتمعات بما يتماشى مع مبادىء الديمقراطية أم أنها تعمل على الإبقاء على الوضع الراهن الذى يضمن نجاحها المستمر أم أنها تساعد على زيادة حدة الإنقسامات القائمة لذات الهدف ؟ وتعتبر هذه الأسئلة مهمة جداً باعتبار أنها تمهد الطريق لنوع الديمقراطية التى تسعى هذه الأحزاب السياسية لتنفيذها. إن الأسس التى تشكل عايها الأحزاب تحدد نوع الديمقراطية التى تريد أن تتبناها كما تحدد شروط نجاحها وشروط إستدامتها. ففى فترة ما قبل الإستقلال عمل الإستعمار والقومية على تعزيز التنوعات العرقية والقبلية والدينية. ودائماً ما يقال إن سياسات المستعمرين هى المحرك الأول للتنوعات العرقية والدينية. وعلى أية حال, فإن الوطنيين الذين كانت تمثلهم الثورة المهدية مثلاٍ لعبوا أيضاً دوراً كبيراً فى تعزيز التنوعات العرقية. ففى أول مرة فى تاريخ السودان شهدت الدولة صراع سلطةٍ قائماً على العرقية. وبعد الإستقلال شهدت التنوعات العرقية والدينية مضارباتٍ و مزايدات أكثر, الأمر الذى ساهم فى إضعاف قدرة الدولة على معالجة مشاكل البلاد. فمن الصعوبة للدول الديمقراطية فى ما بعد عهد الإستعمار أن تتخلص من موروثها الإستعمارى, فسياساتها لمعالجة مشاكل البلاد المزمنة جعلت الوضع فى معظم الحالات يسوء أكثر من ذى قبل. فالوسائل الخاطئة لتوزيع الموارد تشكل عقبة كبيرة فى طريق تحقيق الديمقراطية, لأنها تعكس صراع السلطة فى البلاد. و فهمت بعض النخب السياسية خطاٌ او صوابا أن التنمية غير المتكافئة هي واحدة من آليات الإقصاء و التهميش السياسي الأمر الذي أدى إلى بروز قوى الدين والعرقية فى المجتمع و تعاظم دورها معارضة بعضها بعضاً ومهددة لإستقرار الدولة. الوطنية حديثة التكوين.

    التجربة الديمقراطية فى السودان :
    حدثت أول تجربة للسودان مع الديمقراطية باعتبارها نظاماً للحكم قبل أن تنال البلاد الإستقلال فى 1 يناير 1956 . فقد أشار محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء السودانى في العهد الديمقراطي الثاني فيما بعد الإستقلال للنظام الجمهورى كما تم تبنيه بعد الإستقلال من الحكم الثنائى حيث يشمل الحريات الأساس التى ينظر إليها كحقوقاً مقدسة. وكان من الواضح فى منتصف الأربعينيات أن البلاد قادمة حتماً نحو الإستقلال. لذا أعطت نزعة الحركة الوطنية الأولى الموالية لمصر والأحداث المرتبطة بها فى مصر والسودان بريطانيا ذريعة إقصاء مصر من إدارة البلاد منذ عام 1924 وحتى الإستقلال لتحكم بريطانيا السودان وكأنه كان مستعمرةً بريطانيةً خالصةً الأمر الذي جعل إتفاقية الحكم الإنجليزى- المصرى الثنائية لعام 1898 غير نافذة. و لم ترد مصر مقاومة إتجاه البلاد نحو الحكم الذاتى إذ كان الحلم النهائي لمصر هو توحيد السودان مع مصر تحت التاج المصرى. ولكن الحكومة البريطانية تحت ضغط إدارييها فى السودان كانت تريد للسودان أن يتحرك تدريجياً نحو الإستقلال.

    كان المشهد السياسى المحلى يسيطر عليه حزبان, حزب الأمة الذى يتخذ من طائفة الأنصار قاعدة له والحزب الوطنى الإتحادى الذى تؤيده الحركة الأخرى(الختمية) والطوائف الصوفية الأخرى التى تعتبر مدرسة الفكر الجهادى التى أدخلها المهدى والتى تبناها أتباعها وخلفاؤها هى التحدى الكبير لنفوذها فى السياسة الإجتماعية. إن الحركات الإتحادية تختلف مع البريطانيين فيما يتعلق بمدى التقدم فى الحركة نحو الإستقلال, فقد كانت تؤيد حتى عشية الإستقلال الإنسحاب الفورى للبريطانيين والإتحاد الكامل مع مصر. ولم تظهر إرهاصات أي إتفاقية بين الحكومتين البريطانية والمصرية في شأن مستقبل السودان، فقررت الحكومة البريطانية فى يوليو 1947 أن تمضى قدماً باقتراحاتٍ تربط السودانيين ربطاً وثيقاً بعملية إتخاذ قرارات الحكم. ونصت المقترحات على تأسيس جمعية تشريعية تتكون من أغلبية الأعضاء المنتخبين إنتخاباً مباشراً وغير مباشر وأقلية من الأعضاء المعينين ومجلس تنفيذى يتكون من السودانيين ومعظم كبار الإداريين البريطانيين يرأسه الحاكم العام. أما الدفاع والعلاقات الخارجية والقضايا المرتبطة بالدستور الأساس فتقع خارج سلطة كلا الجهازين. الإنتخابات التى أجريت عام 1948 قاطعها الحزب الوطنى الإتحادى, لذا فالجمعية الوليدة طغا عليها حزب الأمة. و وجد الجنوبيون الذين تم إستبعادهم عن المجلس الإستشارى لشمال السودان من قبل الآن تمثيلاً فى الجمعية, بيد أنهم لم ينتظموا بعد مثل الأحزاب المكتملة التنظيم في كيانات سيسية خاصة بهم. وبالنسبة لأعضاء الجمعية الريفيين الذين يمثلون أكثر من نصف العضوية فإن مادة قانون المجلس التنفيذى والجمعية التشريعية والأوامر القائمة التى تعتبر نسخة مبسطة وموجزة من الإجراءات البرلمانية البريطانية كانت لغة جديدة عليهم كى يتعودوا عليها. لكن الصف الأعلى للتكوين الدستورى الجديد كان مشكلاً من كبار رجال الخدمة المدنية الذين انهمكوا ــ برغم نقص الخبرة البرلمانية ــ فى الجدل, و التأثير على أعضاء الهيئة التشريعية, والمناورة, وتسيير الحملات الإنتخابية للمناصب الخاصة بمؤتمر الخريجين الذى كتب رئيسه الأول إسماعيل الأزهرى كتاباً حول إجراءات الإجتماعات بعنوان " الطريق إلى البرلمان ". و قد وصف المحجوب تلك المرحلة بالحكم الذاتى أو المرحلة الإنتقالية التى بدأت بعدها الإنطلاقة نحو الحكم الذاتى الكامل.

    الحكم الذاتى :
    فى ذات الأثناء تم التوصل إلى إتفاقية فى القاهرة يوم 10 يناير 1953 بين الحكومة المصرية ووفدمن كل الأحزاب السودانية حول مشروع للحكم الذاتى مشابه فى جوهره لقانون الحكم الذاتى. وبتعبير البروفسير محمد إبراهيم خليل الذى اعتمد على تحليله صديقى الباحث المتميز( الحارث إدريس) فى هذا الجزء، فقد تم دمج ذاك المشروع لاحقاً فى الإتفاقية المصرية- الإنجليزية فى 12 فبراير 1953 . وعندما تم تعديل قانون الحكم الذاتى لوضع تلك الإتفاقية موضع التنفيذ لم يعد هناك أى سبب يجعل الإتحاديين لا يشاركون فى تجربة الحكم الذاتى. وقد نصّ القانون على إنشاء مجلس نواب و مجلس شيوخ منتخب إنتخاباً كاملاً بحيث تنتخب أغلبية أعضائه إنتخاباً مباشراٌ مع تعيين خمس أعضائه. وتمارس السلطة التنفيذية بواسطة مجلس وزراء يرأسه رئيس وزراء يعينه الحاكم العام بناءً على ترشيح مجلس النواب. وبهذا يتمتع السودانيون بكل السلطات التشريعية والتنفيذية ماعدا المسائل المرتبطة بالشئون الخارجية والدستور الأساس، اللتين تم الإحتفاظ بهما للحاكم العام الذى تعاونه لجنة خماسية نيابة عن القوتين الثنائيتين الحاكمتين. و قد أريد لهذه الفترة وهذا النظام اللإستمرار لمدة ثلاثة سنوات يمارس السودانيون فى نهايتها حق تقرير المصير. و يمكن القول إن قانون الحكم الذاتى الذى حوى الملامح الأساس للدستور الذي صيغ على غرار اسس الحكم في وستمنستر شكّل الأساس لكل الدساتير المستقبلية للسودان المستقل.

    كان المشاركون الرئيسون فى الإنتخابات التى أجريت فى نهاية عام 1953 هم حزب الأمة، الحزب الوطنى الإتحادى وهو تحالف جمع بين طائفة الختمية والأشقاء، حزب أزهرى اللاطائفى والحزب الجنوبى. وقد حقق الحزب الوطنى الإتحادى أغلبية كاسحة وأصبح أزهرى رئيساً للوزراء فى يناير 1954 . وما إن إستولى على مقاليد السلطة حتى بدا واضحاً أنه كان يريد أن يمضى بأسرع مما كان يتصوره قانون الحكم الذاتى، لا لأنه قام بسودنة الإدارة سودنة كاملة قبل نهاية عامه الثانى فى المنصب، بل لأنه وبتأييد من قرار برلمانى تمت إجازته فى أغسطس 1955 قام بإجلاء كل القوات البريطانية والمصرية قبل نهاية العام. ولكن أعقبت ذلك مباشرة إنجازات مثيرة أكثر : فقد شرع إعتماداً على ندائه للإتحاد مع مصر فى المشاورات مع الأحزاب الأخرى للإستغناء عن إجراء إستفتاء لتحديد الوضع المستقبلى للبلاد وإعلان الإستقلال من داخل البرلمان بدلاً من ذلك. والمجموعة الوحيدة التى كانت لديها شكوك حيال إستقلال متعجل هم الجنوبيون الذين هدئت مخاوفهم بوعدٍ ( وهو وعدٌ لم يلتزم به ) للحكم الفيدرالى للإقليم الجنوبى. وأجاز مجلس النواب قراراً بذلك فى 19 ديسمبر وأيده مجلس الشيوخ فى 22 ديسمبر 1955 ، ليصبح السودان قطراً مستقلاً فى أول يناير 1956 .

    تجربة ما بعد الإستقلال :
    كوّن حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطى حكومة إئتلاف ليصبح الحزب الوطنى الإتحادى فى المعارضة ويصبح الحزب الجنوبى مرة مع هذه المجموعة ومرة مع المجموعة الأخرى. وبقراءة الماضى يصعب معرفة السبب الذى جعل الحزبين الطائفيين يعتقدان أن بإمكانهما إدارة شئون البلاد فى حكومة واحدة. فقد كانا دائماً يحملان آراءً متناقضة تماماً حول كل القضايا تقريباً التى تشمل الوضع المستقبلى للسودان. ويؤكد بروفسور خليل أن الختمية ربما أرادوا إفتراضاً سوداناً متحداً مع مصر لكن كان على هذا الإتجاه أن يساير موقف أزهرى الجديد حتى ولو بلغ مرحلة إقرار بأن حزب الأمة كان صائباً منذ البداية. وكان عليهما بعد تخلصهما من أزهرى أن يواجها قضايا الحكم. كان عبد الله خليل الموالى للغرب النوبي الأصل و المولد والذى له ذكريات سالبة و عالقة إزاء رد فعل مصر الفاتر تجاه سحق ثورة 1924 يقف بصلابة ضد إقامة علاقات قريبة مع مصر، فى حين أن شيخ على عبد الرحمن زعيم حزب الشعب الديمقراطى كان موالياً لمصر وموالياً لمدرسة فكر القومية العربية. ولكن كان خلف الواجهة الرسمية مستودعا السلطة زعيما الطائفتين المتنافسان دوماً على الإرث. وعلى أية حال، فقد تم حلّ البرلمان فى 1958 وأجريت الإنتخابات فى فبراير. وتعاون حزب الأمة وحزب الشعب الديمقراطى تعاوناً فعالاً فى الحملة الإنتخابية التى خرج منها حزب الأمة بعدد كبير من الدوائر يليه الحزب الوطنى الإتحادى، الحزب الليبرالى الجنوبى ثم حزب الشعب الديمقراطى على التوالى. واستمر التحالف ولكن الأشهر الثمانية التالية أستنفدت فى المشادات المفتوحة والمكائد من خلف المشهد والتآمر بين حزب الأمة والحزب الوطنى الإتحادى من جهة ضد حزب الشعب الديمقراطى وبين حزب الشعب الديمقراطى والحزب الوطنى الإتحادى من جهة ضد حزب الأمة. وفى 17 نوفمبر نفذ الجيش أول إنقلاب، حيث تقول مصادر غير مؤكدة إن عبد الله خليل السكرتير العام لحزب الأمة رئيس الوزراء (و كان نفسه عميداً متقاعداً ) قد سلّم السلطة للجيش بدافع اليأس المحض. وبهذا انتهت أول تجربة للديمقراطية لما بعد الإستقلال. وعلى حد تعبير بروفسير هولت " إن هذا الإنقلاب الذى لم يهرق فيه دم لم يثر شعوراً بالنشوة ولا بالأسف على الحكومة البرلمانية الماضية ".

    النظام الديمقراطى الثانى :
    نجحت ثورة مدنية شعبية عام 1964 فى الإطاحة بنظام الفريق عبود و إقرار الديمقراطية، فقد أرغم العسكر على تسليم السلطة لحكومة إنتقالية تمثل كلتا القوى التقليدية والحديثة. ولكن القوى الحديثة تراجعت تدريجياً من المسرح السياسى الذى سرعان ما سيطرت عليه الأحزاب التقليدية، فعندما كانت الإستعدادات للإنتخابات جارية فى أبريل 1965 كان المشهد تقريباً صورة طبق الأصل للمشهد الذى سبق الإنتخابات العامة فى 1958. كان حزب الأمة والحزب الوطنى الإتحادى هما المنافسان الرئيسان مع الشيوعيين، جبهة الميثاق الإسلامى، والمجموعات الإقليمية التي ظهرت للسطح لأول مرة والمستقليين المتنافسين للمناصب الصغيرة. لقد قاد الوضع الأمنى المتدهور الذى سبّبه الإقتتال الناشب بين الفينة والفينة بين القوات الحكومية ومتمردي الأنيانيا حزب الشعب الديمقراطى والجبهة الجنوبية لأن يتبنيا وجهة نظر فحواها أن إجراء الإنتخابات فى الإقليم الجنوبى فى مثل هذه الظروف قد يؤدي لمهزلة ديمقراطية، فى حين أن إجراء الإنتخابات فى الإقليم الشمالى وحده لن يتمخض عن هيئة تشريعية نيابية حقيقية.
    لقد قاد قرار التسوية الذى اتخذه المجلس الأعلى - ولم يقبله حزب الشعب الديمقراطى والجبهة الجنوبية - بإجراء الإنتخابات حيثما مكن لعدد التجار الشماليون الذين لم تضعهم فى الإعتبار أية معايير سياسية ليمثلوا مصالح المجتمع الجنوبى بالفوز في الدوائر التى كسبوها بدون معارضة أو دون منافسة. ومع ذلك فإن المحكمة العليا التى تبنت موقفاً قانونياً بحتاً أجرت الإنتخابات لتصبح قانونية. وقد أعطت نتيجة الإنتخابات الكلية حزب الأمة أكثرية لكن لم تعطعه أغلبية المقاعد البرلمانية، وتبعاً لذلك فقد كان الخيار الوحيد المتاح هو حكومة إئتلافية مع الحزب الوطنى الإتحادى. وأراد حزب الأمة لكبير سياسييه ووزير خارجيته السابق محمد أحمد محجوب أن يرأس الحكومة ولكن حزب الوطنى الإتحادى سيوافق على ذلك فقط بشرط إذا أصبح زعيمه إسماعيل الأزهرى رئيسا دائماً لمجلس رأس الدولة أو مجلس السيادة كما كان يطلق عليه حينها. وقد نصّ الدستور الإنتقالى لعام 1964 على مجلس خماسي تكون رئاسته دورية بين أعضائه شهرياً. وقد تم التغلب على العقبة القانونية بتعديل الدستور لينص على رئيس وأربعة أعضاء تنتخبهم جميعاً الجمعية التأسيسية. ولذا أصبح أزهرى رئيساً لمجلس رأس الدولة ( السيادة ) فى مايو 1965 وأصبح محجوب رئيساً للوزراء. وكان حزب الأمة ينظر لرئاسة الدولة على أنها منصب تشريفى بحت مثل المنصب الدستورى للعاهل أو منصب رئيس الجمهورية البرلمانية، بيد أن أزهرى الذى اعتاد على التعاطى مع السلطة السياسية والحزبية من حين لآخر منذ تأسيس مؤتمر الخريجين فى نهاية الثلاثينيات كان ينظر للأمر بطريقة مختلفة. وكان هذا سبب الإختلاف بين الحزبين وبين أزهرى ومحجوب.
    إن الإنتخابات التى أجريت فى الجنوب فى مارس 1968 إنتخبت خمسة أعضاء وطنى إتحادى، عشرة أعضاء حزب سانو، وخمسة عشر عضواً حزب أمة إنحاز معظمهم إلى جانب الصادق. وكان منصب الصادق لا يزال مقلقلاً رغم أن أعضاء حزب الأمة فى جانبه كانوا أكثر من أعضاء الحزب التابعين للإمام. لذا عندما غيّر الإتحاديون الألوان مرة ثانية، هزم الصادق فى مايو 1967 بطرح الثقة فى حكومته ليعود المحجوب رئيساً لوزراء حكومة إئتلافية تتكون من عشرة وزراء من الحزب الوطنى الإتحادى، خمسة وزراء من حزب الأمة، وزيرين من الجبهة الجنوبية. ولكن الصادق أصبح زعيماً لمعارضة قوية يحسب لها حساب. بعدها قام أزهرى وزعامة الختمية بتسوية خلافاتهما ووحّدا الحزب الوطنى الإتحادى وحزب الشعب الديمقراطى فى 21 نوفمبر 1967 تحت مسمى الحزب الإتحادى الديمقراطى. وعندما أجريت الإنتخابات فى أبريل 1968 كانت النتيجة 101 مقعداً للحزب الإتحادى الديمقراطى، 36 مقعداً لحزب الأمة ( جناح الصادق)، 30 مقعداً لحزب الأمة ( جناح الإمام )، 15 مقعداً لحزب سانو، 10 مقاعد للجبهة الجنوبية ومقعداً للشيوعيين. وفى ذات الوقت كان الوضع الإقتصادى يزداد سوءاً فسوءاً وكان الوضع فى الجنوب يتردى بسرعة. وكانت الحالة العامة حالة سخط واشمئزاز، لذا نفذت مجموعة من ضباط الجيش بقيادة نميرى إنقلاباً فى 25 مايو 1969 ، وأطاحت بالنظام الديمقراطي في حقبته الثانية.

    سقوط الديمقراطية الثالثة :

    بنهاية الفترة الإنتقالية العسكرية فى 1985 أربك القائد العام للقوات المسلحة النظام الديمقراطى بالتأكيد على تحرير كفالة 4 مليون جنيه للمدير السابق للمؤسسة التعاونية العسكرية- الإقتصادية الذى وجهت ضده الإتهامات. وأثارت هذه المحاولة نوعاً من الشك حيال القائد العام للقوات المسلحة برغم الدوافع التى جعلته يفعل ذلك. فقانون القوات المسلحة الذى استنّ أثناء الفترة الإنتقالية العسكرية خوّل للقائد العام للقوات المسلحة مسؤولية الجيش, إذ وسّع القانون من سلطة القائد العام للقوات المسلحة بأقسام القيادة. وكان رئيس الوزراء يلتقى بالقائد الأعلى للقوات المسلحة لدى الإجتماعات النظامية لمجلس الدفاع فقط. ففك الإرتباط بين الجهاز التنفيذى الأعلى وقيادة الجيش عملت على توسيع الفجوة بين الأجهزة العليا. وانعكس هذا فى أداء الجيش فى الجنوب المفتقر للإدارة. كان الجيش ممزقاً ومفتقراً للثقة والقيادة الميدانية و السياسية الماهرة ورفع المعنويات. وانسحبت قيادات الجيش العليا من مواقعها فى الجنوب وقد فشلت فى تحمل الأداء الحازم للحركة الشعبية لتفضح بذلك رئيس الوزراء بمذكرتها التى كانت بمثابة إنذار فى 20 فبراير 1989

    إنقسام ضباط الجيش إلى ثلاثة تيارات:
    في ذلك الوقت وضح أن القوات المسلحة لم تكن موحدة الرأي تماما ، و وضح من إستطلاعات الرأي العام لجهاز الإستخبارات السوداني أن بالقوات المسلحة ثلاثة مجموعات .
    1.مجموعة وزير الدفاع " آنذاك " خليل الذى كان يصبو لإعادة بناء نظام سياسى بطريقة جدلية مع الدور المتراجع للجبهة الإسلامية القومية.
    2. قيادة الجيش ممثلة في الفريق أول الراحل فتحي و نوابه إذ كانت كانت تسعى لكبش فداء أو شماعة لتعلق عليها الأداء المتواضع للجيش فى الجنوب, فهى لم تترك حجراً إلا وقلبته لإنكار مسؤوليتها المباشرة .
    3. اللانظاميون ومتعهدو الإنقلابات الذين ينتهزون الفرصة لانتقاد الأداء السياسى والمدنى ويمهدون الطريق لإنقلاب قادم.
    ورغم ذلك لم تفكر القيادة العامة العليا للجيش ولا الفريق أول فتحى أحمد على فى الإستيلاء على السلطة فى أية لحظة. وهذا الموقف يدل على أن كبار ضباط الجيش لم يكونوا ساعين لأية تدخلات عسكرية أكثر فى السياسة. وفى الواقع فإن قيادة الجيش رفضت بشدة أن تكون جزءاً من أية حكومة فى إثر المعركة السياسية الفاصلة فى مارس 1989. لكن الجبهة الإسلامية القومية لن تترك الفرصة الذهبية إلا لتحصد ثمار الشجرة الملعونة التى عملت على غرسها فى نهاية السبعينيات وفى جوّ كان فيه الجيش والحكومة يسيران نائميْن, ومن هنا أبتعدت عن السلطة. فمغامرات الجبهة الإسلامية القومية فى الجيش عملت فقط على تقمص دور قارع ناقوس يؤذن بقدوم الأوليغاركية الدينية الإزدرائية الثالثة التى عرفها السودان فى الفترة ما بين 1989 و1998. وعلى أية حال فقد

    أيدت إنقلاب الجبهة الإسلامية القومية مجموعات إسلامية عالمية متطرفة كثيرة سعياً لتأسيس دولة إسلامية نموذجية تحلّ محلّ حكومة الصادق المهدى المنتخبة ديمقراطياً والتى جابهتها تحديات لم تعد نفسها لمواجهتها.
    و قد تبلور تطور الرأى السياسى السودانى فى المتطلبات الآتية من أجل سودانٍ موحد وذلك وفقاً لإجماع مشترك ظهر فى ثقافة معظم الأحزاب السياسية فى الشمال والجنوب وفى جناحي اليمين أو اليسارمعا ممثلا في :0
    الحقوق والواجبات الدستورية المبنية على المواطنة لضمان العدل والمساواة للجميع.
    الإعتراف بالتعدد الدينى والثقافى وضمان التسامح المتبادل والتعايش السلمى. *
     تأسيس نظام حكم سياسى ديمقراطى وقبوله أداة وحيدة للتحول السلمى للسلطة.
     لامركزية الحكم والإدارة المنظمة دستورياً.
     فترة إنتقالية لإنجاز هذه الإلتزامات إذا اتفق على أنها الفترة التى حددتها إتفاقية السلام الشامل ليعقبها تقرير المصير.
     إذا تم إنجاز هذه الإلتزامات عن رضاً فإن الحنوب قد يؤيد التصويت للوحدة.

    يعتبر برنامج العملية الديمقراطية أولوية ثانية لعملية السلام من النواحي السياسية, ولكن يجب ربطهما تاريخياً لسببين رئيسين :
    (أ‌)لأن الديمقراطية تؤدى لإلغاء النظرة الحزبية الضيقة للآيديولوجية الدينيةً, قوميةً كانت أو عالميةً فإذا ظلت هذه النظرة قوية ستكون سبباً مستمراً للإثارة ورد الفعل.
    لأن عملية السلام إذا تركت لحكومة ديكتاتورية ــ بتهميش الآخرين - و مستمرة فى السلطة لوحدها فإنها ستلغى إتفاقية السلام إلغاءً تعسفياً كما حدث عام 1983 عندما إنقلب الجنرال نميرى ـ مدفوعاً بنزوة طاغية - على إتفاقية أديس أبابا لينهى بذلك 11 عاماً من التعايش السياسى والسلام النسبى مع شركائه الجنوبيين. فهو يعتقد أن عملية الديمقراطية المنفصلة عن السلام إما أن تسقط من العمل على إستدامتها او تقضى على هذا العمل فى مهده. وبالمثل فإن إتفاقية السلام والعملية الديمقراطية لن تكون مستديمة. وزاد على ذلك بأن قوى السلام والحداثة والديمقراطية فى السودان قد أيدت ثقافة الإجماع القومى ووحدت بذلك قوى النقابات السياسية والعسكرية والعمالية حول الأجندة التالية :
    توطيد الديمقراطية
     رعاية حقوق الإنسان والحريات الأساس
     تحقيق شكل الدولة السودانية الحديثة
     تحقيق التنمية الإقتصادية
     المشاركة العادلة فى الثروة والخدمات
     الحفاظ على نظام الإنعاش الإقتصدي متناغماً مع إقتصاد السوق الحر.
     صياغة سياسة خارجية موجهة نحو تحقيق التعاون التنموى والأمنى الأمثل مع العالم و المحيط الأقرب.



    المنظور الإفريقى :
    هناك قاعدة واحدة مهمة تعتبر ضرورية لبقاء الديمقراطية, أى المقدرة على الحكم بدون عائق وخاصة فى إفريقيا. فالتهديدات العسكرية والتنكرللنقابات العمالية و المهنية باعتبارهما أحزاباً تحت الأرض, وخطباء المجتمع المدنى المعلنون عن أنفسهم فى بعض البلدان، كلها عوامل باتت تعمل على جعل الأنظمة الديمقراطية أكثر هشاشة بتضييق مساحة التفاعل السياسي . ففى هذه الحالة يجب أن تتعاون الأجهزة والمؤسسات غير المنتخبة مع الحكومة المنتخبة لأنها تمثل كلا الجهازين السياسى والعسكرى. وبهذا يجب أن تأخذ الحكومات الديمقراطية قوتها ( قانونياً وسياسياً لتمارس واجباتها الدستورية غير المنفصلة عن الحقوق المصاحبة لها). وبهذا يجب أن تمنح الحكومات الديمقراطية التى انتخبت إنتخاباً قانونياً الصلاحية فى ألا تعوقها أجهزة المجتمع المدنى الأخرى والجيش من ممارسة الحكم كما ينبغى, أى وجوب أن تحدد حدود المجال بين المنتخبين وغير المنتخبين لتشكل التعدد الداخلى الذى سيبدو كبيراً فى حالة أن تمت إدارة الحكومة من قبل المنظمات ونقابات العمال. ولكن ربما لم تعرف الديمقراطية فى المناظير الجنوبية لنصف الكرة ، معرفة جيدة فيما يتعلق بهذا المفهوم المعيارى الجديد بيد أنها مثل الفيل فقد لا تعرف الفيل ولكنك إذا رأيت فيلاً ستعرفه من شكله دون شك. ونحن نزعم أن واجبات الدولة قد أوضحها القانون الدولى, بم يعني أن الحق فى التعاون سيصبح لمصلحة الحكومة المنتخبة ديمقراطياً, أى الحق فى أن تكون متعاوناً مع الحكومات المنتخبة. هذا الحق يصبح إمتيازاً لأن عدد المشاكل التى تواجه الحكومات الديمقراطية فى إفريقيا يحتم علينا أن نمنحها الصلاحية بمستوىً أعلى من مستوى الثقافة الديمقراطية المألوفة, لأن تلك الشروط إذا اتفق عليها قد تصبح بنود مرجعية للقانونيين الدستوريين، فإذا ما اعتبرت معايير أساس ذات إيحاءات قانونية, فقد تؤخذ حقوقاً للحكومة المنتخبة قانونياً و" واجبات للمحكومين ".

    و من الواجب أيضا دفع عجلة الديمقراطية فى إفريقيا لأنها تمثل حافزاً كبيراً كيما يعاد ضبط المتخاصمين من أصحاب النزعات العرقية ليصبح ولاءهم للدولة ولكى تقل الصدامات والأحقاد و النزاعات القبلية. إن تحويل الولاءات القبلية والعرقية المحلية لصالح الدولة بعد أن حملت مختلف دعاوى التهميش ستعمل خلافاً لذلك على تعزيز السلام وتقليل حدة الصراعات. علاوة على ذلك, فإن الجو المساعد على الإستثمار والتنمية سيعمل على تقوية الديمقراطية وسيقطع الطريق على قانون قوات حفظ السلام الأممية.
    إن الديمقراطيات هى النظم الأفضل لدعم الثقافة التعددية خلافاً للمواقف الإستبدادية, فالديمقراطيات تهيىء أجواءً ثقافية أثيرة لاحترام المتضجرين سأماً واحتواء تيار الغبن الناتج عن التهميش السياسى والثقافى. فالأجيال الجديدة فى إفريقيا حساسة تجاه الديمقراطية ولهم صحوة ضمير تجاه حقوق الإنسان والتعددية السياسية والرفاه الإقتصادى وبالأخص عدالة السلطة وقسمة الثروة. فقد شهد أغلب هذا الجيل هجمة الديكتاتورية وتقديم الضحايا نتيجة غلوّها وإساءتها للسلطة. ولجأ معظمهم لمحاربة ظلم الدولة المركزية الذى طال أمده. لذا إذا أصبح أفراد هذا الجيل مشاركين فاعلين فى عملية سياسية ديمقراطية فإنهم سيحددون هوية أنفسهم بطرق تختلف عن نماذج التعريف المتشددة بل الدفع بهم في أتون المواجهة مع الدولة. سيكونون بلا أدنى شك أنصاراً وطنيين أقوياء لعملية الديمقراطية الأصيلة فى إفريقيا وسيشاركون فى البنى الديمقراطية أكثر فأكثر بالتشرب بالثقافة الديمقراطية وقيم المشاركة و التعايش.

    هذا الوضع سيحتوى مجال الهجرة خارج أوطانهم رغم أن الهجرة أصبحت إحدى أوجه عالم ما بعد الحداثة حيث قننت الثقافة العالمية الثقافة التعددية. ويجب مراجعة تركيبة الجيوش على ضوء التطورات الجديدة, بالأخص تخفيض حجم القوات التقليدية الجرارة و تحديد مهامها دستوريا ، والعمل على نزع السلاح النووى واحتواء أسلحة الدمار الشامل. ويجب أن يكون الجيش خاضعاً للأسس الديمقراطية للإدارة السياسية, ويجب تفصيل ذلك وتقنينه حتى تتحول هذه القاعدة من مجرد كلام إلى مشروع دستوري وطني. إن الجيش يمثل القوة الشرعية والمتفردة التى تلقى بأصواتها للحكومة المنتخبة قانونياً وتمثل جزءاً لا يتجزأ من أصولها. ولا يمكن للجيش أن يدعى الحكم إنابة عن الناس إعتماداً على سلطة البندقية. فصندوق الإقتراع يجب أن يسيطر على البندقية من خلال إقرار السلطة الدستورية والقانونية.

    النظرة المفاهيمية للديمقراطية
    يختلف تعريف الديمقراطية من تأويلات ضيقة جداً إلى تأويلات واسعة, من التغييرات البديهية إلى التحرر الإجتماعى الإقتصادى وتطوير ثقافة ديمقراطية للمجتمعات. ويمكن أن يحدد التعريف إما:-
    1.بتعابير السلوكيين : من خلال التنافس والمشاركة والحرية المدنية الفاعلة
    2.وإما بالتعابير البنيوية : نظم الإنتخابات والمؤسسات السياسية اللائقة بنظام حزبى تعددى وتشريع وسلطة مستقلة.
    وعلى أية حال لم تكن الديمقراطية مجرد مجموعة من الأفكار ترتبط بترتيبات مؤسسية معينة, لكن الديمقراطية فى أحسن الأحوال هى عملية يسعى من خلالها لتحقيق تمثيل أوسع للشعب فى عملية اتخاذ القرار والمحاسبية وتطوير سلطة المشاركة. والديمقراطية من أجل هذا الهدف هى نظام حكم يتعرض بموجبه الحكام للمحاسبة بواسطة المواطنين الذين يكون القصد من الحكومة المنتخبة أن تكون ممثلهم المنتخب. ويتصف هذا النظام بالآتى :
    1.الحكم الرشيد والشفافية
    2. المحاسبية الرأسية
    3. المسؤولية
    4. حكم القانون
    5. المراجعة الدستورية والضبط الدستورى
    6. التمثيل الحقيقى
    7. الإنتخابات النظامية الدورية الحرة النزيهة
    8. المشاركة السياسية
    9. منح الصلاحية القانونية عبر الحريات السياسية والمدنية
    10. تعددية التنظيم

    ولسوء الحظ تواجه الديمقراطية عقبات جمة الشىء الذى يجعل تحقيقها أمراً صعب المنال, فأدناه ستة عوائق :
    أولاً : تذهب الديمقراطية مذهباً ضد ميول ولاءات ثقافية ودينية كثيرة.
    ثانياً : حولت الإدارات الإستعمارية السلطة فى شكل مؤسسات ديمقراطية. وعلى أية حال عملت هذه الإدارات وهى تدنو نحو نهاية عهدها على تطوير مؤسسات الدولة خاصة الشرطة والقوات المسلحة باعتبارهما أدوات قمع. لقد كانت الإدارات الإستعمارية مرتابة فى مؤسسات المجتمع المدنى : الأحزاب السياسية, إتحادات العمال والمنظمات غير الحكومية وغيرها.
    ثالثاً : نسبة كبيرة من الصفوة فى " العالم الثالث " لاسيما فى ظروف الحرب الباردة إستقطبتها آيديولوجيات اليسار واليمين الراديكالية, لذا بحثت هذه الصفوة عن برامجها اليوتوبية عبر الوسائل اللاديمقراطية.
    رابعاً : شجع زعماء الحرب الباردة ودعموا الأنظمة الديكتاتورية لأهدافهم الإستراتيجية الخاصة.
    خامساً : باتت السياسة الأمريكية فى كثير من الحالات ملومة لأنها آثرت التعامل مع الديكتاتوريين,و ذلك لأن :
    *الزعماء الديمقراطيون يعطون الأولوية لدوائرهم, ,ولائهم الوطنية و القومية.
    * و ينزعون للتفاوض حول أساس العلاقة مع القوى الدولية بشروط تقرّ عدالة أكبر للمصالح الوطنية العليا..
    سادساً :حاولت الأنظمة الإستبدادية باستمرار سحق مؤسسات المجتمع المدنى وطمس صورتها في أذهان الناس مستغلة الإحتكار الإعلامي.


    هذه المشاكل تعتبر العوائق المحلية أمام إقرار و توطين و نمو الديمقراطية، ولكن يمكن تلخيص العوائق العالمية في النقاط التالية إذا أخذنا المبادرة الأمريكية للإصلاحات في الشرق الأوسط وإفريقيا نموذجا:
    أولاً: تمخضت التعديلات التي أدخلت على المبادرة عن بعض التطورات الإيجابية والأهم أن تركيز أمريكا على الإصلاح عمل على تنشيط مناقشة القضية في الشرق الأوسط، فقد إنبثقت عدة بيانات وإعلانات من الكيانات الحكومية وغير الحكومية في العالم العربي حول الحاجة للإصلاحات. وفي هذا الصدد نشرت مجموعات كثيرة بما فيها حركة الأخوان المسلمين في مصر برامج لوضع العناصر الأساس للإصلاح المتنامي دأخلياً. علاوة على ذلك، شرعت بعض الحكومات في المنطقة في إجراء برامج إصلاحاتها الداخلية الخاصة بها. وفي ذات الوقت تبنت الجامعة العربية في الأونة الأخيرة برنامجاً يتكون من 13 نقطة ليمثل الرهان المشترك الأول للإصلاح في تاريخها. وحتى لو كانت المناشدات الحكومية للإصلاح مناشدات تجميلية للنظام أكثر منها مناشدات حقيقية، فإنها تعطى مدخلاً لدعم التغيير الحقيقي. ومن المهم كذلك أن الجدل حول الإصلاح قد إخترق الحديث العربي العام في الصحف وفي برامج التلفزيون وعبر الإنترنت وشبكات التدوين الإفتراضي في البكات الدولية و المحلية.
    ثانياً:آثارت المبادرة إحساساً عالياً من التنافس من جانب حلفاء أمريكا الأوروبيين في مجال تعزيز الديمقراطية. وتحديداً عمل الإتحاد الأوربي على تشجيع المناقشات الداخلية حول كيفية إعادة تنشيط عملية برشلونة وبالأخص أوجه تعزيز الديمقراطية فيها. إن الاهتمام المكثف لإقرار الديمقراطية من جانب أوربا سيثير أيضاً تنافساً أكبر داخل المنطقة للحصول على المال. وتعد الاستراتجية الأوربية لخلق "خطط عمل" بأموال متزايدة للبلدان التي تنجز إجراءات محددة في مجال حقوق الإنسان والإصلاح السياسي. فمثل هذه الحوافز من شأنها أن تشجع حركة أكبر حول الإصلاح من المنطقة. و من المستحسن أن نعمل على ربط الإصلاحات و تقدمها ببرامج الإعفاء المتدرج لديون دول الجنوب إذ أن أغلبها أعطيت لدعم حكومات غير منتخبة و برامج اإستقطاب الحاد بين الجباريين في زمن الحرب الباردة و لا علاقة للمشاريع التنموية بها.
    ثالثاً: تضع المبادرة الشرق – أوسطية الأوسع، إهتماماً كبيراً على الحاجة للتعاون متعدد الجهات. وتتطلب التحديات الضخمة الكامنة في إقرار الديمقراطية الشرق- أوسطية أن تعمل الولايات المتحدة وأوربا معاً. و الدول الصناعية الثمان الكبار يمكنها من خلال حوار وتشاور أكثر أن تعزز التكاملات الموجودة وتطرح المزيادات السياسية بينها جانباً.
    و لكن التنفيذ الناجح للمبادرة الأخيرة يواجه تحديات تحديين رئيسين:
    أولاً: موقف أمريكا في الشرق الوسط الذي تدنى للحضيض نتيجة :-
    أ‌)الأضطراب المتصاعد في العراقنتيجة فضيحة سجن أبي غريب و العنف الإسرائيلي اللبناني الأخير و السكوت و المؤازرة الأمريكية الضمنية، كلها عوامل ساهمت في تنامي شعور مناهض لأمريكا. فدرجات الرضا عن أمريكا كانت اصلا في أدناها قبل الكشف عن صور أبي غريب، وبالتالي فإن مناشدات أمريكا لإقرار الديمقراطية في الشرق الأوسط تعدّ نداءات جوفاء على هذه الخلفية نسبة لغزدواجية المعايير.
    ب‌) إن فجوة مصداقية أمريكا واضحة في أوروبا أيضاً، فبعض صناع السياسة الأوربيين عبّروا عن اشمئزازهم إزاء خلق تعاون ملموس أكثر مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وكثير من الأوربيين يرتابون في مصداقية التزام الولايات المتحدة بالإصلاح السياسي. ويشير آخرون إلى مصداقية أمريكا الضعيفة التي يمكن أن تسحب معها البرامج والسياسات الأوروبية و بالتالي الموقف الأوروبي إلى أسفل.
    ثانياً، أن المبادرة لا توضح إستراتيجية تنفيذ واضحة للآتي:-
    أ‌-يعبّر المقترح الأخير عن الحاجة للإصلاح في إطار إرادة الحكومات الإقليمية لدعم التحول، و ليست الإرادة الشعبية.
    ب‌-ليس من الواضح كيفية تشجيع الحكومات على تنفيذ الإصلاح إذا وضعنا في الحسبان الجانب الطوعي للإصلاحات السياسية المقترحة للمشروع.

    الآلية الدولية لتحصين الديمقراطية:
    إن الورقة ترى بوجوب إنشاء أو قيام آلية دولية خاصة لحماية ومراقبة النزعة الديمقراطية وذلك لمنع أي إنتكاس يمكن أن نتصوره عملاً مناوئاً للديمقراطية عالمياً، وأعنى بها القوى السياسية التي تضمر أجندة سياسية تزدهر في الحكم الإستبدادي والنسبية الثقافية الضيقة، وهي قوى تهيمن على المسرح السياسي من خلال العنف والإنقلابات متى ما سنحت لها الفرصة. لذا نقترح الأجندة التالية لآلية دولية تخلق و تكون مهمتها وأهدافها تحقيق الآتي:
    1.أن تشرع الآلية الدولية في محاولات لترويج الأسس الديمقراطية على نطاق العالم، لتعزيز العملية الديمقراطية في إفريقيا للمساعدة في كسب المعركة من أجل التحولات الديمقراطية.
    2.التعاون مع حركات الديمقراطية على المستوى الدولي وخاصة في دول الجنوب وبذل الجهد لأن يعمل النظام الديمقراطي كقوة لصنع السلام وتسوية الصراعات سلمياً بحيث يمكن كسب مكافآت السلام.
    3.معالجة آليات الديمقراطية باعتبارها عملية لا تنفصل عن السلام والتنمية وبذلك يجب أن تتطور إلى مدى أبعد من شرعية القواعد ومناضلي الحرية والمهمشين أنفسهم بحيث يوجهون قادتهم ويحاسبونهم وأن هؤلاء القادة ما هم إلا خدّاماً لا حكّاماً.
    4.تحسين طرق المعلومات والإتصالات باعتبارهما ضرورتين لتحقيق عولمة الديمقراطية وذلك لتعزيز قضية الديمقراطية دولياً فيما يتعلق بهذا الهدف.
    5.ضمان مراعاة حكم القانون. وفصل السلطات واستقلال القضاء بحيث يمكن للقضاء من ترسيخ حٍكم القانون.
    6.المساعدة في التعبئة للمشاركة الواسعة في الانتخابات الديمقراطية فالأغلبية مطلوبة من خلال العملية الإنتخابية لكسب الديمقراطية وأن هذه المشاركة الواسعة تصبح ضماناً و أساساً لإقرار الديمقراطية من أدنى إلى أعلى.
    7.القضاء على العوائق الأزلية لديمقراطية التعليم بتعزيز تعليم حقوق الإنسان ليصبح جزءاً من المناهج الأكاديمية التي طالها الإصلاح.
    8.التعاون مع الوكالات الأممية المختصة المرتبطة بدعم حقوق الإنسان والعمل على تعزيز عالمية حقوق الإنسان وتنفيذها باعتبارها مطلباً للديمقراطية.
    9.بذل الجهود حتى تعمل الديمقراطية على تقوية القطاعات المحرومة و الهشة (النساء، الشباب، الطلاب، المزارعين) حتى يحمى المجتمع المدنى الحكم الديمقراطي من الهجوم المعادي للديمقراطية ويجب أن تكون هذه القطاعات - لخاطر بقاء الديمقراطية – هي القوى المركزية في وسط كل الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
    10.إعادة بناء النهج العسكرى في إفريقيا حتى ينسجم الجيش مع القوانين الديمقراطية وألا يسئ سلطته لوأد الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في مهدها، فمن واجبهم الدستوري حماية العملية الديمقراطية بتحصينها وتحصين الحكومة من الدول و الجماعات المغامرة.
    11.تقييد دور الجيوش في قارة إفريقية متحررة ومستقلة ودعم قضية التجريد العسكرى ونزع السلاح النووي حتى يعاد تخصيص المبالغ الضخمة من المال لمقابلة الاحتياجات الإنسانية والأساس والقضايا البيئية والتنمية.
    12.التعاطى مع أفضل الطرق التي يمكن أن تصاغ بها الديمقراطية في إفريقيا وتنفيذ البحوث حول دور الثقافات الموجهة نحو السلام باعتبارها عاملاً حافزاً في العملية الديمقراطية ودراسة موروث الأنظمة الديمقراطية ذات التطبيق الفاشل في إفريقيا والشرق الأوسط (السودان – دراسة حالة مثلا).
    13.بحث أفضل الطرق التي تحسن بها الحكومات الديمقراطية أداءها الاقتصادي لتجسير فجوة إحباط القواعد. ولابد من توجيه خطط اقتصادية بديلة نحو تقليل حدة فقر شريحة الفقراء في المجتمع.
    14.تعزيز الاتصالات على المستوى الدولي مع معاهد البحوث، المنظمات غير الحكومية، منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام وذلك للإعانة على دعم نزعة الديمقراطية العالمية وعالمية حقوق الإنسان.
    15.ترتيب مجموعات عمل ندوات، سمنارات، ودراسات بمعاهد السلام لدعم فض النزاعات بالوسائل السلمية في مناطق الحرب.
    16.تأسيس مجلة دورية أو دوريات مختصة وتشجيع الباحثين الشباب ونشطاء الديمقراطية بما في ذلك قضايا التنمية وحقوق الإنسان.
    17.عقد المؤتمرات والورش على المستوى الدولي في أكاديمية ذات شهرة و معرفة و تاريخ لتعزيز الوعى الديمقراطي والوعى بحقوق الإنسان.
    18.تعزيز الأجندة المعنية بتعيين مقرر خاص على مستوى الأمم المتحدة ليعمل تحت السكرتير العام للأمم المتحدة.
    19.يمكن للمقرر الخاص للديمقراطية أن يتعاون مع التحالف وبالعكس لتحقيق الآتي:
    أ‌)مراقبة العمليات الإنتخابية المحلية والقومية بإدارة العملية تحت الآلية الدولية أو حدة مراقبة خاصة يفوضها السكرتير العام للأمم المتحدة.
    ب‌)مساعدة المتنافسين على إجراء حملاتهم بلا وجل أو خوف من الإنتقام أو القمع.
    ت‌)الضغط دولياً لإعادة إقرار الحكومات المنتخبة ديمقراطياً في حالة أن أطاح بها تدخل عسكري.
    ث‌)شن حملة في هذا الخصوص لتثبيط القوى المناوئة للديمقراطية – وذلك لإقرار السلطة والحفاظ عليها وإدارتها – بإثارة المعارضة وعدم التعاون الشامل وإظهار الخزى العام.
    ج‌)دعم وابتدار سياسة عملية في الأمم المتحدة في حالة أن أطاح الجيش بحكومة منتخبة قانونياً منها مثلا:
    •تطبيق معايير الحد الأدنى لمنظمة القانون الدولى بباريس أي تبنى إستراتيجية تثنى الحكام عن إنتهاكات حقوق الإنسان.
    •إجراء الضغوط بالتناغم مع المساعى الحميدة للسكرتير العام للأمم المتحدة تعزيزاً لدراسة الإجراءات المنبثقة لضمان عدم الانتقاص من الحقوق والحريات الـ 16 غير القابلة للتسيير والمذكورة أعلاه.
    •تعزيز هذا النظام القانوني وثقافة حقوق الإنسان دولياً لكي تعيها القواعد وتصوغ بها الوحدة لحماية هذه الحقوق في أوقات الإنهيار الديمقراطي. (المطالبة بالتنصيب الفوري للحكومة المخلوعة باعتبارها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الذي تأثر بالإنقلاب).
    •إدانة ومعارضة الممارسة النزوية للسلطة والإنتهاك التعسفي للدستور.. المطالبة بإطلاق سراح السجناء السياسيين و سجناء الضمير فوراً.
    •التخفيف من الخسارة بإجراء الضغوط على الحكام كي يمتنعوا عن تعليق معايير حقوق الإنسان التي اوضحها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
    •تكييف الاستراتجيات التي تراقب بموجبها قواعد القانون الدولي التي تحكم حالات الطوارئ حسب وثائق العهد الدولي.
    •دعم الجهود الهادفة لإثارة الثورة الشعبية ضد الدكتاتوريات والأنظمة الإستبدادية.
    •يجب على هذا التحالف أن يستنفر المجتمع الدولي ليثني الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عن منح الإعتراف لأي ممثل لهذه الأنظمة المروجة لنفسها في أي محفل دولي.
    ح‌)يحاول في اجتهاداته وبتحريض القانونيين والدارسين الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان لدراسة الديمقراطية باعتبارها لقباً معيارياً جديداً في المستوى القانوني الدولي.
    خ‌)يحاول إظهار الحق في نظام القانون الدولى للمشاركة في عملية الحكم باعتبارها حرية إيجابية والتي يعتبر التغول عليها من جانب الحكام أو الدكتاتوريين مشابهاً لتهديد السلام والأمن الدوليين. د. سينسق مع الأمم المتحدة لفرض العقوبات على أي نظام غير منتخب وصل للسلطة عبر إنقلاب غير شرعي وضد إرادة الشعوب.
    د‌)سيشرع في حملة دبلوماسية تهدف لإيضاح القضية في المسرح الدولي.
    ذ‌)يجب أن يحرض الصناديق الدولية والحكومات الديمقراطية على مستوى العالم للإحجام عن الدعم المالي وفرض حظر على شحنات تجارتها وأسلحتها وتهيئة المجتمع الدولي للتدخل الفاعل. ويجب أن تعمل الأمم المتحدة على رسم الخطط التي يتم بفضلها توسيع نطاق الشرعية الثقافية للديمقراطية بالتفكير في أنموذج معياري جديد للتطابق القانوني الذي يسير خلافاً للنسبية الثقافية وذلك بدون الحطّ من الهوية الثقافية لجهة ما بحيث تصبح غير ذات صلة.
    مقترح لديمقراطية مستدامة في السودان:
    1.برنامج عمل سياسي محدد تحديداً جيداً يتم تنفيذه بواسطة حكومة منتخبة ونيابية ديمقراطية حقيقية ذات محاسبة فعالة على كل مستويات القيادة. ويطلب هذا إنشاء ودعم مؤسسات ديمقراطية توجد فيها مشاركة شعبية وقاعدية حقيقية في اتخاذ القرار مع تخصيص الموارد في كل مستويات المجتمع. كما يجب التركيز على منح الصلاحية الفاعلة لكل أفراد المجتمع والنساء والرجال والشباب.
    2.تقسيم السلطة بغرض ابتعاث نظام فيدرالي فاعل.
    3.حكم القانون ومراقبة حقوق الإنسان الأساس.
    4.يجب أن تكون المواطنة أساساً للحقوق والواجبات الدستورية..
    5.اعتماد برنامج عمل إيجابي للحفاظ على توازن التنمية و البيئة الريفية.
    6.منح الأهلية للطبقات المعوزة والنساء و العمل على دفعها للتفاعل النشط في الشأن العام.
    7.خلق الوظائف على أساس الفرص المتساوية لاشراك القدرات الشبابية في مشاريع التنمية وإعطاء فرصة لمساهمتهم الإيجابية في سودان ما بعد الصراع.
    8.خلق آلية للتوزيع المتساوي للدخل والثروة والسلطة والفرص التي تدّر الدخل فضلاً عن دعم المؤسسات الاجتماعية مثل الأسرة والمنظمات التعاونية والشعبية و توسيع مظلة الضمان الإجتماعي.
    9.تعزيز الثقة لدعم صنع السلام وبناء الدولة.
    10.معالجة الفوارق الاجتماعية الاقتصادية بجعل قسمة السلطة والثروة صلاحية قانونية و دستورية.
    11.الأجندة الديناميكية لتعزيز المصالحة بين المناطق المتحاربة وأجزاء البلاد الأخرى والمراكز.

    خاتمة:
    *إن الضرورة لنمو نزعة الديمقراطية في أفريقيا والسودان واعدة ويمكن أن تحدث عهداً جديداً مع زوال سلبيات الماضي زوالاً كاملا.ً ذاك الماضي الذي أثرت عليه مجموعة عوامل إنتهت بزعزعة الديمقراطيات.
    *إن الديمقراطية باعتبارها نظام حكم بات ولا يزال يدعمها إلتزام أخلاقي قوى رغم أن التجربة أظهرت أعراض عجز في الكيفية التي تعمل بها.
    *إن الديمقراطية في أفريقيا والسودان هي أفضل عملية لمحاربة الإرهاب والتطرف لأنها توسع من نطاق المشاركة السياسية وتؤيد الحاجة لحكم القانون وحقوق الإنسان و تخلق التراضي المطلوب.
    *على المجتمع الدولي أن يسعى لإنشاء آلية خاصة ،الأمر الذي حاولت هذه الورقة مناقشته هنا وتعتبر هذه الآلية خطوة أكثر عملية وإيجابية لدعم الديمقراطيات الوليدة في إفريقيا حيث من المتوقع أن تصل إليها التجربة الديمقراطية السودانية فيما يتعلق بالأنموذج المعياري والاعتبار النفعي.
    *يجب ألا توضع الديمقراطية بالسودان في مؤخرة الأجندة الدولية، بل يجب أن تعطى أولوية قصوى لتأثير السودان الكبير جداُ في الدوائر الثقافية المحيطة بحدوده السياسية.
    *هذه الورقة كتبت أصلاُ باللغة الإنجليزية، وقدمت خلال السمنار الإقليمى حول دور الديمقراطية فى إقرار السلام الذى نظمته اللجنة السودانية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع اليونسكو في الخرطوم مؤخرا – و هذه ترجمة غير رسمية لهذه الورقة.
                  

01-14-2016, 09:20 AM

Deng
<aDeng
تاريخ التسجيل: 11-28-2002
مجموع المشاركات: 52577

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا فشلت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    الأخ سعد مدني.

    الديمقراطية في السودان لم تفشل.

    بل فشل الساسة السودانين في الحفاظ عليها وتطويرها.
                  

01-14-2016, 10:22 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا فشلت الديمقراطية في السودان؟! (Re: Deng)

    تحياتي دينق

    Quote: الديمقراطية في السودان لم تفشل.

    بل فشل الساسة السودانين في الحفاظ عليها وتطويرها.


    كلامك صحيح...الديمقراطية كنظام حكم لم تفشل..و الدليل نجاحها في الكثير من الدول حولنا..
    و لكن هنالك عدة عوامل ادت الى عدم استمرار هذا النظام في السودان في ثلاث فترات متباعدة..
    احد هذه العوامل هو فشل النخبة السياسية السودانية - كم يسميها منصور خالد ...
    هنالك بالطبع عدة عوامل اخرى، بعضها مذكوراً اعلاه، و نحن بصدد نقاشه..و اتمنى وجودك في البوست..
                  

01-14-2016, 10:26 AM

علي عبدالوهاب عثمان
<aعلي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا فشلت الديمقراطية في السودان؟! (Re: Deng)

    Quote: هناك إتجاه غالب فى ثقافة العلوم السياسية يستخدم للإشارة، إلى أن المجتمعات المدنية الإفريقية تعتبر ضعيفة. ولكن هذا الإتجاه غير صحيح لأن هذا الوصف يستخدم أساساً بالمقارنة مع المجتمعات الغربية. فليس هناك مجال للمقارنة فى هذه الحالة نسبة للإختلافات الأساس فى طبيعة التركيبة السوسيولوجية لأي مجتمع, فقد حان الوقت لتوسيع وتعميق مجال مفهوم المجتمع المدنى بهدف إستيعاب الملامح المميزة لهذه المجتمعات. ولن يمهد هذا الطريق لنظرة جديدة للتجارب الماضية لأسس الديمقراطية فى إفريقيا فحسب، ولكنه يساعد أيضاً على خلق تصور جديد للتجارب الديمقراطية المتوقعة فى المستقبل وربما على أشكال جديدة تؤسس على طبيعة هذه المجتمعات.


    أستاذنا سعد مدني ..

    هنا مكمن المشكلة لأن المجتمعات الانسانية مختلفة عن بعضها .. حتى الفرد منا مختلف عن أخيه في إحساسه وشعوره
    ولايجوز تطبيق التجارب العلمية على المجتمعات البشرية .. وكأنها المنظمة البشرية مكونة من مادة ومحتوى واحد فالأمر مختلف جداً ..
    لأن التحليل والتجربة لا تنطبق إلا في حالة المكون الواحد المتشابه والمتطابق مع بعضها مثل ( المعادن والمواد إلخ )
    فالنظريات السياسية وحتى العقدية لا يمكن تطبيقها هكذا لأنها نحجت في مجتمع ما ومن المفترض أن تنجح في الاخرى ..
    حتى تطبيق الشريعة الاسلامية لم يقتنع بها الكثيرين رغم أنهم مسلمون ومتدينون .. لأن البشر فيهم إختلاف في الرؤى والاحساس
    والتفسير .. الخ

    بوست جميل وعميق ..ونشكرك كثيرا .. لأنك متفرد .. تتكبد عناء التجهيز والبحث ونحن نتناول الجاهز من بكل إسترخاء ..
    هذا هو الانسان الرسالي ..

    واصل .. وأنا من معجبين بأبحاثك وكتاباتك ..وحتى من خلال عمنا ( القوقل)

    آسفين للمقاطعة ..


                  

01-14-2016, 10:51 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: علي عبدالوهاب عثمان)

    تحياتي علي عبد الوهاب

    Quote: هنا مكمن المشكلة لأن المجتمعات الانسانية مختلفة عن بعضها .. حتى الفرد منا مختلف عن أخيه في إحساسه وشعوره ولايجوز تطبيق التجارب العلمية على المجتمعات البشرية .. وكأنها المنظمة البشرية مكونة من مادة ومحتوى واحد فالأمر مختلف جداً .. لأن التحليل والتجربة لا تنطبق إلا في حالة المكون الواحد المتشابه والمتطابق مع بعضها مثل ( المعادن والمواد إلخ )فالنظريات السياسية وحتى العقدية لا يمكن تطبيقها هكذا لأنها نحجت في مجتمع ما ومن المفترض أن تنجح في الاخرى


    دي تقطة ذكية جداً تصلح لنقاش مثمر حولها، و دعني اعيد صياغتها في شكل اسئلة:

    هل نجاح الديمقراطية في الغرب يضمن نجاحها في دول العالم الثالث او قل الدول المتخلفة حضارياً؟

    الديمقراطية نمت و ترعرعت في الحياة الاجتماعية و السياسية في الغرب حتى غدت ناضجة و مكتملة الاركان، هل من الضروري ان تمر بهذه المراحل في مجتمعنا السوداني، و تتعثر حتى تصل لمرحلة النضوج؟!المجتمعات الغربية تحتلف اختلافاً كبيراً عن مجتمعنا السوداني، حيث يمكن القول انها مجتمعات نمت و تطورت تحت اجواء الحريات العامة و التنوير المعرفي و الثورات الصناعية و الحداثية، و تقبلها للديمقراطية بالطبع يتختلف عن مجتمعاتنا التي ما زالت تتسربل بالقيم القبلية و الجهوية و عاشت لفترات طويلة تحت اجواء الظلم و القهر و الحروب الطرفية، مع تخلف بنيات التعليم و التنوير المعرفي منذ الاستقلال.

    (عدل بواسطة سعد مدني on 01-14-2016, 07:20 PM)

                  

01-14-2016, 07:16 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)



    الاستاذ عبد العزيز الصاوي اصدر كتابا سماه " الديمقراطية المستحيلة" وهو يشير الى الصعوبات التي تواجه تطبيق النظام الديمقراطي في السودان. و في عرض للكتاب من قبل الصحفي موسى حامد ( الشروق، 29 يناير 2013) نقطتف منه ما يلي:

    * في كتابه (الديمقراطية المستحيلة.. معاً نحو عصر تنويرٍ سوداني) ينحاز المؤلّف الأستاذ عبدالعزيز حسين الصاوي، إلى الإيمان المكتمل باستدامة التنوير والعقلانية في السودان. الصاوى في كتابه ينحاز إلى الإيمان باستدامة التنوير والعقلانية في السودان، ويُشير إلى أنّ إرهاصاتْ موجات التنوير والعقلانية في السودان انطلقتْ منذ عشرينيات القرن الماضي

    *ويُشير إلى أنّ إرهاصاتْ موجات التنوير والعقلانية في السودان انطلقتْ منذ عشرينيات القرن الماضي، وشبّه أولى لبنات البنية التحتية للديمقراطية كثقافة عامة، وكممارسات عملية، وذلك عبر إسهامات واجتهادات جمعيات أدبية ومنابر مثل مجلة الفجر والنهضة، وجمعية أبوروف وغيرها. هذا بالإضافة إلى الاجتهادات الفردية متمثّلة في شخصية مثل معاوية محمد نور. هذه الإرهاصات كانت (طوبة) وعي واستنارةٍ انبنتْ عليها هيئاتٍ وأجسام وطنية مثل مؤتمر الخريجين وبقية الأحزاب السياسية السودانية. إلا أنّ تلك المساعي نحو التنوير والوعي والعقلانية الممهّدة لعبور السودان نحو الديمقراطية اصطدمتْ بصخرة الأحزاب الطائفية التقليدية السودانية.

    *كما اصطدمتْ عجلة التنوير أيضاً بعقباتٍ أسماها عبدالعزيز الصاوي -مؤلف الكتاب- بـ(غلبة الثِقل الطائفي). ويُضيف الصاوي في كتابه: (الديمقراطية المستحيلة) الصادر حديثاً عن دار عزة للنشر والتوزيع بالخرطوم، بأنّ هذه الأحزاب الطائفية التقليدية كانت السبب في تسييس الولاءات الطائفية، وهو ما أسهم تبعاً في التراجع الديمقراطي، وتبخّرٌ في الرصيد الاستناري.

    *يُفصّل ذلك في الانقلاب العسكري الأول (نوفمبر 1958م)، والانقلاب المايوي (مايو 1969م) الذي وصل مداه في الاستنزاف للرصيد الديمقراطي الاستناري ممثّلٌ في إلغاء الوجود الفعلي للقوى الحديثة، وذلك عبر ممارسة القمع والمنع والتعطيل المباشر لها. هذا بالإضافة إلى عوامل ثانوية أخرى، مثل ذوبان الطبقة الوسطى، باعتبارها الحامل الاجتماعي لعملية التحديث والتنوير، والتوسُّع الأفقي الكبير للمنظومة التعليمية، ترييف المدن، الحرب الأهلية، انهيار الهياكل الاقتصادية، مجاعة دافور وغيرها وغيرها. كل ذلك أسهم في أنْ يكون مادة تغذية دسمة للإسلام السياسي، والذي كان له دورٌ أيضاً في تقليص مساحات التنوير في العقل النُخبوي السوداني لحساب الظلامية، والديمقراطية لحساب الشمولية.

    *بالرغم من أنّ المؤلِّف عبدالعزيز حسين الصاوي يصف تطبيق الديمقراطية في السودان بـ(المستحيلة)، إلا أنّه يربط إمكانية إحلالها كـ(ممارسةٍ) وكـ(سلوكٍ) بعاملين مهمين في نظره هما: (الإصلاح التعليمي) و(المجتمع المدني). المؤلف يصف عملية تطبيق الديمقراطية في السودان بـ(المستحيلة)، إلا أنّه يربط إمكانية إحلالها كـ(ممارسةٍ) وكـ(سلوكٍ) بعاملين مهمين في نظره هما: (الإصلاح التعليمي) و(المجتمع المدني)، الإصلاح التعليمي في رأي الصاوي لأنّ مناهج ومؤسسات التعليم هي المفرّخ والمحضنْ الحقيقي لتيارات الاستنارة الدينية، الفكرية، السياسية، الأدبية، والاجتماعية.
    والمجتمع المدني باعتبار أهمية أدواره التي تستهدف المجتمع في إنسانيته وقضاياه المصيرية والحياتية. هذا بالإضافة إلى دوره المباشر في الانتقال من الأنظمة الشمولية إلى الأنظمة الديمقراطية كما هو الحال في بلاد مثل: بولندا وتشيكوسلوفاكيا.

    و تعليقا عن كتاب رؤى الصاوي اورد الصحفي اراء د. حيدر ابراهيم في هذا الصدد:

    إنّ الجميع متفق على فشل السودانيين في تأسيس ديمقراطية مستدامة تخاطب كل المشكلات والقضايا القومية المزمنة، مشيراً إلى أنّ تكرار التجارب ليس دليل عبقرية أو عظمةٍ، بل العكس فهي دليلٌ على عدم التعلّم من التاريخ!!
    ويخطو د. حيدر إلى ما هو أبعد فيقول: "من المفترض ألا نكون كرماء في إطلاق صفة (ديمقراطية) على النُظم التي مرت في السودان، فمن الدقة أنْ نسميها نُظماً (برلمانية) فقط"، لأنّها في رأي حيدر تفتقر لأفكار ومؤسسية الديمقراطية. فالبرلمانية نوعٌ من الديمقراطية السياسية، ولكن كانت تنقصها دائماً الديمقراطية الاجتماعية وكذلك الفكرية.


                  

01-14-2016, 07:38 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)



    كما اصدر الكاتب و المفكر د. حيدر ابراهيم ايضا كتابا مهماً سماه " الديمقراطية السودانية: المفهوم. التاريخ. الممارسة" ناقشة الكاتب د. حامد فضل الله على صفحات مجلة منبر بن رشد (2014) نقتطف منه بعض النقاط:

    جاء في المقدمة: "مازال البحث عن معنى متفق عليه للديمقراطية يشغل الجميع في أنحاء العالم.ويحدد بعض المعايير التي يجب أن تُستوفى كشرط لتحقيقها مثل ضمان الحقوق الأساسية ، الحرية العامة والفردية، المسؤولية الأخلاقية ، المساواة في الحقوق والواجبات ،الانتخابات التي ينتج عنها حكم. فالديمقراطية صارت مبداً انسانياً عاماً والحديث عن الخصوصية الثقافية ، مجرد لغو لا يسنده منطق أو عقل . ويواصل د. حيدر "تكاد تكون الديمقراطية السودانية قد خلت من المعايير المطلوبة والمرغوبة ، عدا حق التصويت وطقوسية الانتخابات ويطلق عليها البرلمانية السودانية".
    يواجه أي باحث في الديمقراطية السودانية اِشكالية غياب مرتكزات فكرية واضحة لدى السياسيين الرواد ، فقد اهتموا عموماً ، بالدمقراطية العملية وممارستها ، ولم يهتموا بالكتابة والتنظير.

    وقد اتسمت الفترات الديمقراطية بالعجز والانشغال بالصراعات الحزبية الضيقة ،مما أدى لدمغ الديمقراطية بالفشل. وتواجه التجربة الديمقراطية السودانية عدداً من المشكلات والتي تحولت اِلى معضلات وأزمات ومن أهمها وأكثرها تأثيراً:
    - علاقة الدين بالسياسة والدولة.
    - دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية .
    - قضية الوحدة الوطنية والتكامل القومي.
    - الفشل التنموي والأزمة الاقتصادية



                  

01-14-2016, 08:09 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    هذا مقطتف من ورقة لحزب الامة بعنوان " الديمقراطية المستدامة" وهي في الأصل مأخوذة من ورقتين أساسيتين كتبهما رئيس الحزب السيد الصادق المهدي:

    من أهم نقاط الضعف في الديمقراطية السودانية وجود جزء من الصفوة الفكرية والثقافية السودانية ذات الموقف السلبي من الحزبية والديمقراطية القائمة عليها. هذا الموقف السلبي مهما كانت مبرراته يشكل معينا ثرا للمتآمرين على الديمقراطية من انقلابيين وشموليين وأوصياء. ما هي أسباب هذه السلبيات ؟

    كثير من حملة الشهادات والمؤهلات الأكاديمية والمهنية في العالم الثالث يشعرون بنوع من التعالي نحو المجتمع المحيط بهم. انه تعال يظهر أحيانا في تعاملهم مع أسرهم الخاصة خصوصا إذا كانت تلك الأسر ريفية أو بدوية أو من الشرائح الحضرية الأمية. الأحزاب السودانية ذات الوزن الشعبي مرآة للواقع الاجتماعي السوداني بولاءاته الدينية، والقبلية، الجهوية. لا غرو أن يشعر كثير من أفراد الصفوة المثقفة بالتعالي على هذه الأحزاب. هؤلاء يشعرون بأنهم أكثر أهلية للقيادة السياسية أي طموح وصايا لا يمر عبر الواقع الاجتماعي الماثل.

    العسكريون لا سيما حملة البراءة Commission عرضة لمثل تلك المشاعر. ولكن عددا كبيرا من هؤلاء يستخفون بكل ما هو مدني استخفاف هو جزء من التباهي بالعسكرية الذي يقابله انتقاص الآخرين من شأنها الصفوية، والتباهي بالعسكرية، يصحبهما إحساس بالقوة تورثه علوية الأمر المطاع وحماسية النيران التي يستطيع توجيهها الضباط لتطويع الإرادة المضادة. هذه العوامل تخلق وهما لدى كثير من العسكريين أن حل المشاكل متوقف على إصدار الأوامر. هذا المزاج العسكري يوهم أصحابه أن الخلاص بيدهم وتطويع الكم المدني المجبول أصلا على الجدل الفارغ والاسترخاء.

    الأحزاب العقائدية اليسارية، أو اليمينية، أو القومية تنتمي أصلا لحركات تستمد من تراث اللينينية أو الموسولينية أو الناصرية أو البعثية وهي وان اختلفت في أطروحاتها واحتربت فيما بينها تتفق في التعامل الجراحي مع الواقع الاجتماعي. لذلك لم يكن مستغربا أن يكون اتجاه الأحزاب العقائدية السودانية وهي تستمد كوادرها وقواعدها من القوى الحديثة وأفكارها من الأيديولوجيات المذكورة أن تهجم على الواقع الاجتماعي لاستنهاضه ببرامجها الثورية وأن تتعامل مع الأحزاب السياسية ذات الوزن الشعبي كعقبات في طريق الإصلاح المنشود وأن تستبطئ الطريق الانتخابي للسلطة السياسية التي سوف تمكنها من تطبيق برامجها التي سوف تفعل فعل السحر في إعادة صياغة الإنسان السوداني!!

    المطلوب هو اختصار الطريق للسلطة السياسية بوسائل ثورية سواء كانت تلك الوسائل انقلابية مدنية باستغلال النقابات والصحف أو انقلابات عسكرية باستغلال الضباط.
    الحسب الاجتماعي والسياسي في السودان تمحور حول القبيلة والكيان العشائري، والطريقة أو الكيان الديني. هذه الكيانات ترسخت في المجتمع السوداني منذ سلطنات الفونج، الفور، وتقلي، والمسبعات،وغيرها واستمرت عبر العهود التي حكمت السودان حتى أن الإمام المهدي أشار لأصحاب الجاه الموروث هؤلاء بأبناء المراتب. وفي عهد الحكم البريطاني المسمى الحكم الثنائي - وهي ثنائية في الشكل أحادية في الحقيقة- زاد نفوذ الكيانات الدينية عبر مؤسسة السادة الثلاثة*. وازداد نفوذ الكيانات القبلية عن طريق قانون الإدارة الأهلية الذي قنن واقعا موروثا وطوره مما خلق ولاء للأسر صاحبة الزعامة. وكرست آلية التوارث استمرار الولاء للزعامات الدينية والقبلية. هؤلاء الزعماء صاروا بمثابة أعيان البلد بحق التوارث والوراثة وهم يعتقدون أنهم أسياد البلد سيادة يقرها لهم كثيرون من أبناء الطائفة أو القبيلة. لقد اعترف لهم الحكم البريطاني بمكانة وجعلهم محل مشورته. وعندما انفتح الخريجون على العمل السياسي فانهم تحالفوا معهم لتكوين الأحزاب، وحتى النظم التي أعلنت معاداتها لمكانتهم السياسية والاجتماعية عادت لاسترضائهم إن قبلوا التعاون معها. هذه الحقائق خلقت لدى بعض هؤلاء شعور بوصاية مستحقة على البلاد.
    حركة 1924 استمدت قيادتها وتأييدها من القوى الاجتماعية الحديثة التي أفرزها الحكم الثنائي بعد المهدية. استطاع الحكم الاستعماري ضربها وعزلها بسهولة.

    حركة الخريجين في بدايتها كانت حركة ثقافية اجتماعية. وربما توهم بعض رجال حكومة السودان الاستعمارية استخدامها لموازنة نفوذ بعض القادة الدينين – الإمام عبد الرحمن – لشعورهم أن طموحه صار أكبر من المجال المتاح له في تقديراتهم.

    ونتيجة لعوامل عدة أهمها الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945) تعاظم وعي الخريجين السياسي. واستشعارهم لواجباتهم الوطنية. لذلك قرر مؤتمر الخريجين العام تخطى الحدود المعهودة وتقديم مذكرته السياسية التاريخية في عام 1942. اقتحام مجال السياسة، واختلاف الخريجين حول مصير البلاد هما السببان اللذان أديا لانفتاح متبادل بين الخريجين والكيانات الدينية ذات الوزن الشعبي، هذا الانفتاح أدى لتحالف بين طرفيه تكونت على أساسه الأحزاب السياسية السودانية ذات الوزن الشعبي.
    الصراع بين أصحاب الوصايات والاعتبارات المفصلة هنا من شأنه أن يحرم البلاد الاستقرار السياسي ويخلق أزمة حكم في البلاد تؤرق الديمقراطية والدكتاتورية ما لم يحدث أحد أمرين :
    هيمنة حاسمة لإحدى الوصايات فتقيم الحكم بأمرها.
    التراضي على وسيلة ترجيح تحتكم للشعب في آلية ديمقراطية تقيم الحكم وتحدد كيفية مساءلة الحكام وكيفية التناوب على الحكم.
    إن أزمة الحكم في السودان منذ الاستقلال نتيجة مباشرة لإخفاق إحدى الوصايات في حسم الأمر لصالحها وتأمين سلطانها الدكتاتوري. وإخفاق الجسم السياسي السوداني في اتخاذ أساس ديمقراطي للشرعية تقبله كافة الأطراف.

    معوقات الأداء الديمقراطي

    دعايات النظم الدكتاتورية في السودان شوهت سمعة الأحزاب السياسية ذات الوزن الشعبي بأكثر مما يقتضيه النقد الموضوعي لأنها تصورت أن نسف الأحزاب سوف يفتح لها الطريق لفرض وصايتها.

    1. أول وسائل التشويه : الحديث عن الأحزاب كأنها شئ واحد.

    * الأحزاب الشعبية سيما الأمة والاتحادي الديمقراطي هي التي تعاملت بأسلوب ناجح مع دولتي الحكم الثنائي. واستطاعت بمواقف حازمة ومناورات ذكية أن تقود البلاد إلى الحكم الذاتي، والحكم الانتقالي، والجلاء، والسودنة، والاستقلال المبرأ من الشوائب.

    وهي التي التزمت بإجراء انتخابات عامة ومحلية نزيهة ووضعت الانتخابات في أيد مستقلة من توجيه السلطة التنفيذية. وهي التي التزمت باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. والتزمت بحياد الخدمة المدنية، وبقومية القوات المسلحة، وبقوانين مؤسسات التعليم، وباستقلال القضاء، وباحترام مؤسسات الدولة الحديثة، وبدولة الرعاية الاجتماعية في السودان.

    والتزمت بمقاومة الحكومات الاتوقراطية وامتنعت عن التآمر ضد النظام الديمقراطي. نعم هناك شبهات :

    شبهة دور حزب الأمة في انقلاب 17 نوفمبر 1958. كان حزب الأمة يعاني من انقسام حاد عام 1958 بين تيار يقوده أمين عام الحزب ويرى أن مصلحة البلاد تقتضي أن يستمر الحزب مؤتلفا مع حزب الشعب الديمقراطي. وتيار أخر يقوده رئيس الحزب يرى عكس ذلك وأن مصلحة البلاد والحزب توجب الائتلاف مع الحزب الوطني الاتحادي. وكان الاختلاف حول الموضوع حادا لدرجة جمع توقيعات نواب الحزب في البرلمان لتأييد هذا التيار أو ذاك. وجاءت معلومات لأمين عام الحزب وهو في الوقت نفسه رئيس الوزراء أن الحزب الوطني الاتحادي مجتهد للوصول للحكم سواء كان ذلك عن طريق الائتلاف مع حزب الأمة أو التآمر لذلك قرر تسليم الحكم لقيادة القوات المسلحة واتفق معها على أن يكون الإجراء مؤقتا ريثما يزول الخطر الذي تصوره. التيار الآخر في الحزب وهو الأقوى اعتبر الانقلاب موجها ضده لذلك أعلن رئيس حزب الأمة بطلان الانقلاب وأعتبر أن تأييد راعي الحزب للانقلاب مبني على سوء فهم. وسرعان ما اكتشف راعي الحزب وأمين عام الحزب أن الفكرة من أساسها كانت خاطئة وتضامن أمين عام الحزب مع مقدمي المذكرة الشهيرة من ساسة البلاد. كان الانقلاب على حزب الأمة مثلما كان على القوى السياسية الأخرى.
    شبهة دور الاتحادي الديمقراطي في تأييد نظام الفريق إبراهيم عبود بعد قيامه، ثم تأييد نظام جعفر نميري. نعم أيدت شريحة من الاتحادي الديمقراطي ذينك النظامين ولكن شريحة أخرى من الحزب ساهمت بحماسة في معارضة النظامين وشاركت في إسقاطهما.

    2. الحديث عن الحزبين الكبيرين كأنهما توأمان ليس صحيحا. لقد تعرضا لانقسامات لأسباب مختلفة واتخذا خطين مختلفين نحو التطوير والتحديث. ينبغي إخضاع كافة أحزاب السودان لدراسة فاحصة لمعرفة الإيجابيات ودعمها ومعرفة السلبيات واستئصالها.

    3. بصرف النظر عن ما للحزبين الكبيرين وما عليهما فإن ثمة عوامل في النظام الديمقراطي الليبرالي خلقت في ظروف السودان أزمة سلطة فأعاقت الديمقراطية.

    أولا : التركيبة الفعلية للمجتمع السوداني حالت دون حصول أحد الأحزاب على أغلبية مطلقة تفضي إلى قيادة تنفيذية قوية. اللهم إلا في العام الأول لحكومة الرئيس إسماعيل الأزهري الأولى 1954 – 1955.

    نتيجة لذلك صارت حكومات السودان الائتلافية تعاني من معارضة داخلية قوية تكاد تشل حركتها وظهر هذا الشلل في عدد من الحالات :

    اقتضت ضرورات الائتلاف أن يكون رئيس الحزب الأكثر نوابا رئيس الوزراء. وأن يكون رئيس الحزب الآخر أو ( ممثله) رئيس مجلس السيادة والمجلس نفسه حسب مقتضيات الديمقراطية المعيارية يملك ولا حكم. ولكن في الواقع كان الرئيس المعني ممثلا لقمة حزب سياسي مؤتلف وذا نصيب في السلطة التنفيذية فصار يباشر مهاما تنفيذية فخلق ذلك ثنائية بين مجلس السادة ومجلس الوزراء انعكست سلبا على قيادة البلاد التنفيذية.
    اختلف الحزبان المؤتلفان حول جهاز أمن السودان مما عرقل قيام الجهاز لمدة عامين عاشتهما البلاد مكشوفة أمنيا.
    الخلاف حول جهاز أمن السودان بعضه مبدئي لأن بعض الساسة وانطلاقا من مثاليات ليبرالية رأوا عدم الحاجة لجهاز أمن خاص خارج نطاق الشرطة العادية وهو الرأي الذي ساد منذ الحكومة الانتقالية التي حلت جهاز الأمن القومي وامتنعت عن تكوين جهاز بديل. ثم تركز الخلاف حول تبعية الجهاز لحساسيته وللنفوذ الذي يتيحه لمن يتبع له.
    ‌المجلس العسكري الانتقالي ( 1985 – 1986) عدل قانون القوات المسلحة الموروث من عهد جعفر نميري بقانون جعل القوات المسلحة أشبه ما تكون بجهاز مستقل عن السلطة التنفيذية في البلاد وحجم وزير الدفاع ليصبح مجرد حلقة وصل بين قيادة القوات المسلحة ووزارة المالية. هذا القانون همّش السلطة التنفيذية في البلاد وأبعد القوات المسلحة من أي رقابة سياسية مما فتح المجال واسعا للتآمر السياسي داخلها.
    لقد شعرت الحكومة الائتلافية الديمقراطية بهذا الخلل وخططت لتعدله ولكن التنافس بين الحزبين حال دون الإسراع بسد هذه الثغرة.
    حصلت الجبهة الإسلامية على إمكانات مادية واسعة من جماعات وأفراد خليجيين … واستخدمت إمكاناتها في إقامة إعلام صحافي قوي يملك ست صحف ويتخذ نهجا واضحا لاستنزاف الديمقراطية عن طريق الإثارة والمبالغة والإشاعة والنكتة والأكاذيب.القانون العادي كان عاجزا تماما عن احتواء هذا الافتراء. وكل من لجأ إليه للإنصاف لم يجد ضالته. بل كان القانون العادي يشكل حماية لهذا الافتراء مما جعل القضاة يأمرون بإعادة إصدار صحف أوقفتها الحكومة إداريا لمبالغتها في الكذب والإثارة ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍.
    ههنا وقع اختلاف بين طرفي الائتلاف حول إصدار قانون يعطي صلاحيات خاصة لضبط الصحافة لأن فريقا قال هذا يتناقض مع حرية الصحافة لذلك تعثر إصدار قانون للصحافة ينظم حريتها ويحول دون استغلالها.

    ثانيا : حرية التنظيم هي إحدى الحريات الأساسية. وأثناء الفترة الانتقالية ( 1985 – 1986) رأينا أن يتولى الحكم التجمع النقابي لتنصرف الأحزاب لتنظيم شئونها والاستعداد للانتخابات العامة. لكن في الفترة الانتقالية وأثناء حكم التجمع النقابي خضع ممثلو التجمع في الحكومة لضغط قاعدي أدى لسن قوانين نقابية منحت النقابات نفوذا كبيرا. وفتحت باب استغلال للتسلق السياسي. وفجرت بينها مباريات مطلبيه بلا حدود.

    كان المتوقع أن تلتزم الفترة الانتقالية بميثاق الانتفاضة وخلاصته : تصفية آثار نظام مايو، وإصدار قانون القصاص الشعبي لمعاقبة السدنة، وإلغاء قوانين سبتمبر 1983، وإنهاء الحرب الأهلية باتفاقية سلام عادل، كان المتوقع أن تلتزم الحكومة الانتقالية بهذا الميثاق وتدير البلاد لعام ثم تجرى انتخابات عامة حرة.

    الحكومة الانتقالية قامت ببعض إجراءات تصفية آثار النظام المايوي ولكن فيما عدا ذلك عزفت عن استخدام شرعيتها الثورية لتنفيذ باقي بنود الميثاق الوطني كما ينبغي، عزفت عن إصدار قانون القصاص الشعبي وقدمت سدنة النظام المايوي للمحاكمة حسب القانون العادي، وعزفت عن إلغاء قوانين سبتمبر 1983. ولم تجد من القوات المسلحة تجاوبا يؤدي لإنهاء الحرب بل اعتبرت المقاومة المسلحة الحكم الانتقالي امتدادا لمايو. لقد التزمت السلطة الانتقالية بإجراء الانتخابات العامة الحرة في موعدها. ولكنها تركت للحكومة المنتخبة ورثة مثقلة بتمدد نقابي أو سلطان نقابي ( Trade Union power) وتسابق مطلبي حاصرا الحكومة المنتخبة.

    ثالثا استقلال القضاء أحد أركان الديمقراطية ولكي يحافظ القضاء على استقلاله فإن عليه أن يراعي توازنات في التعامل مع المناطق الرمادية ما بينه وبين السلطة التنفيذية وما بينه وبين السلطة التشريعية. لأن عدم مراعاة هذه التوازنات يجر القضاء إلى مواقف تقوض النظام الديمقراطي نفسه. القضاة أنفسهم من حيث الكفاءة والسلوك ينبغي أن يكونوا أهلا للاستقلال فلا يستغلون سلطاتهم هذه أبدا لأغراض شخصية أو حزبية.

    هذه الشروط لم تتوافر للقضاء في ظل الديمقراطية الثالثة وتصرف عدد من القضاة بصورة حزبية. كما أن قانون الهيئة القضائية الذي وضعته لنفسها في فترة التيه الانتقالي جعل الهيئة القضائية فوق السلطة التنفيذية من حيث حرمان وزير المالية أن يكون عضوا في مجلس القضاء العالي للمشاركة في تقديرات ميزانية الهيئة القضائية. بل صار الوضع القانوني هو أن يقرر مجلس القضاء العالي دون مراعاة لأية إمكانيات مالية ميزانيته وما على الحكومة إلا التنفيذ. هذا الوضع جعل الهيئة القضائية بعيدة عن أي ضوابط تفرضها الإمكانات المالية. كما أن كادر القضاء الذي يقرره المجلس صار حافزا لفئات أخرى من الحقوقيين في ديوان النائب العام للمطالبة بتطبيق تلقائي لامتيازات القضاء عليهم وإلا أضربوا. وجاءت مطالبة نقابة الأطباء التي رأت أن تكون على قمة الكادر الحكومي لأن الأطباء هم الأكثر امتيازا وأطول تأهيلا. وقال المهندسون أنهم عصب التنمية في البلاد مما يؤهلهم لصدارة الكادر الحكومي. وقال الأساتذة انهم هم أولى بالصدارة لأنهم علموا الجميع.ينبغي أن يراعى استقلال القضاء توازنات تحكم المناطق الرمادية بين السلطات، وتراعي مؤهلات خاصة للقضاة , وتراعي مسئولية السلطة التنفيذية عن المال العام. وإلا استنزف استقلال القضاء بصورته المعيارية الديمقراطية نفسها.

    رابعا : أخيرا وليس آخرا يمكن أن نقول إن أهم عامل ساهم في عدم استقرار الحكم في السودان هو الحرب الأهلية التي اندلعت منذ 1963.

    الحرب الأهلية ما بين ( 1963 – 1983) كانت حربا محدودة للغاية وتخللتها أعوام من السلام ( 1972 – 1983) في تلك الحرب كان عدد قوات أنانيا الأولى لا يزيد عن ثلاثة آلاف. ولم تجد دعما من دولة أجنبية. ولم تستطع في أية مرحلة من مراحل الحرب أن فاستولى على حامية أو مدينة داخل جنوب السودان.

    وكان الشرطة والإداريون وسائر كوادر الخدمة المدنية غالبا من الشماليين المنحازين تماما للمجهود الحربي الذي تقوم به القوات المسلحة.

    هذا كله تغير تماما في الحرب الأهلية التي اندلعت في عام 1983 بقيادة الجيش الشعبي لتحرير السودان.

    الجيش الشعبي وجد من البداية دعما خارجيا وأيده حلف عدن المكون لتوه من اليمن الجنوبية وليبيا وأثيوبيا تحت مظلة الاتحاد السوفيتي. وحجم قواته بلغ بسرعة عشرة أضعاف قوات أنانيا الأولى. واحتل بسرعة مواقع وحاميات في الجنوب.

    هذا الموقف العسكري والسياسي والدبلوماسي شكل تحديا خطيرا لنظام مايو وساهم مساهمة كبيرة في إسقاطه. كان المتوقع حسبما جاء في ميثاق الانتفاضة أن الحرب الأهلية سوف تنتهي بموجب اتفاقية سلام عادل تبرم أثناء الفترة الانتقالية.

    هذا التوقع استحال تحقيقه لعدة أسباب ونتيجة لذلك ورث النظام الديمقراطي حربا أهلية أخطر عشرات المرات من الحرب الأهلية التي عاشتها الديمقراطية الثانية ( 1965 – 1969).

    كان الموقف الصحيح للديمقراطية العائدة في أبريل 1986 هو التوصل الفوري لاتفاقية سلام أو تعليق الحريات الأساسية لحكم البلاد بقانون الطوارئ حتى نهاية الحرب وإقامة السلام. لكن في عام 1986 وبعد ظهور نتائج الانتخابات العامة مباشرة راهن ثاني وثالث أكبر حزبين في البلاد على رفض إعلان كوكادام الصادر في مارس 1986 كأساس للسلام. اتفق الحزبان المذكوران على الآتي :

    لا لإلغاء قوانين سبتمبر. لا لإعلان كوكادام، لا لقانون القصاص الشعبي، واتفق الحزبان أن يدخلا الحكومة معا أو يقفا في المعارضة معا. هذا الاتفاق قفل الطريق أمام اتفاقية سلام تقوم على إعلان كوكادام وتجيزها الجمعية التأسيسية.

    وكانت البلاد حديثة عهد بحكم قهري وتتطلع لممارسة الحريات الأساسية بصورة مبالغ فيها، لذلك لم يكن ورادا تعليق بعض الحريات الأساسية ريثما يتحقق السلام.

    ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

    أقلمة الديمقراطية

    البلاد الديمقراطية العريقة كلها اضطرت إلى إدخال عوامل ثقافية واجتماعية في ممارساتها ومؤسساتها الديمقراطية، عوامل أقلمة ثقافية واجتماعية لممارسات ومؤسسات الديمقراطية، ففي بريطانيا – مثلا – لعبت الكنيسة الانجليكانية دورا في حماية هوية الدولة من الهيمنة الكاثوليكية، لذلك الحق الكيان الكنسي بالدولة وتطورت الديمقراطية البريطانية مستصحبة تلك الحقيقة، وفي أمريكا أدى اتساع الإقليم والتنوع البشرى والجغرافي والكسبي إلى درجة عالية من اللامركزية جسدها النظام الفدرالي. إن تعدد الولايات وتنوعها واتجاه صلاحياتها الولائية نحو النفور من المركز أدى إلى ضرورة تقوية السلطة التنفيذية وحمياتها من عوامل التعرية والتقلب.

    البلاد حديثة العهد بالديمقراطية لم تراع هذه الحقائق واتجهت لنقل الديمقراطية حرفيا من النظم الغربية. لكن الغرب وطن الديمقراطية الذي طور نظرياتها والتزم بمبادئها أقلمها لتلائم ظروف الواقع.

    العلمانية الغربية فلسفة تفصل الدين من الدولة. هذا الفصل النظري نجده عمليا مؤقلما في الواقع. ففي بريطانيا يوجد فصل بين الدين والدولة دون أن يمنع ذلك أن تكون الملكة رأس الدولة والكنيسة في آن واحد. ودون أن يمنع ذلك مجلس اللوردات وهو مجلس له دور تشريعي وقضائي أن يكون ثلث أعضائه من رجالات الكنيسة بحكم مناصبهم. كل دول أوروبا وهي تفصل بين الدين والدولة ترسم الصليب على أعلامها. وفي كثير من دول أوربا تسمى الأحزاب ذات الوزن الشعبي نفسها ديمقراطية مسيحية. وحتى في أمريكا حيث الفصل بين الدولة أكبر صرامة يفسح الواقع مساحات للتعبير الديني في المجال السياسي ابتداء من النص في العملة الوطنية – الدولار – " على الله توكلنا " إلى إجراء القسم على الكتاب المقدس لرجالات الدولة وفي المحاكم إلى العلاقات الوثيقة بين الجماعات الدينية والأحزاب السياسية، إلى اللوبي الديني في البيت الأبيض والكونغرس.
    الفصل بين السلطات هو أحد أركان الديمقراطية. ولكن إذا تأملنا السلطات وهي التنفيذية، التشريعية، والقضائية والإعلامية، لوجدنا أن هناك مناطق رمادية وعوامل تداخل تحول دون أن تمارس هذه السلطات اختصاصاتها كأنما كل في فلك يسبحون بل تقوم في الواقع توازنات تجعل كافة مؤسسات الدولة الديمقراطية تعمل في انسجام.
    تلتزم البلدان الديمقراطية بسيادة القانون وبالحريات الأساسية، ولكنها في الواقع تقيم أجهزة أمن واستخبارات عالية الكفاءة وربما تجاوزت سيادة القانون وبعض الحريات الأساسية لكي تحمي النظام الديمقراطي من أعدائه في الداخل والخارج.

    إن كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مع الضوابط المذكورة قائمة في البلدان الديمقراطية. لكن إذا تعرض الوطن إلى خطر في ظروف الحرب أو الثورة فإنها تتخذ إجراءات استثنائية وتعلق بعض الحريات الأساسية لفترة معينة.
    المبادئ النظرية الواضحة في المثل العليا هي التي أسميها الديمقراطية المعيارية أو قل النمطية. هذه الديمقراطية المعيارية موجودة في الكتب والمراجع وقد تأثر بها بعض مفكرينا وساستنا لذلك جعلوها لهم مرجعية وباسمها حرصوا على ديمقراطية بعيدة عن الواقع بحيث لا تستطيع البقاء والدفاع عن نفسها.

    الديمقراطية المعيارية كمفاهيم مجردة ضرورية للفهم والدراسة والتحليل ولكنها كما تضعها النظريات لا توجد في الواقع. في كل وجوه الحياة هالك فروق بين الثقافة المثالية Ideal Culture والثقافة الممارسة Real Culture.

    انه فرق يمنع إلغاء أحدهما ولا يجوز للذين يتناولون الأمور بجدية أن يغفلوه.

    هناك عوامل في الواقع الحضاري والاجتماعي ينبغي للديمقراطية أن تستصحبها لكي تحافظ على نفسها. هذه الحقيقة ينطلق منها أعداء الديمقراطية من دكتاتوريين، وشموليين، وطغاة ويطلقون على أنظمتهم وممارساتهم عبارة ديمقراطية، لذلك سمى ستالين دستوره في عام 1936 ديمقراطيا. وسمى نظام مايو 1969 دولته جمهورية السودان الديمقراطية. هذا تزييف الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا. قال تعالى: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم).

    لقد لاحظ بعض المفكرين مشاكل الديمقراطية المعيارية في العالم الثالث ولاحظوا كيف تؤدي الديمقراطية المعيارية هذه حتما إلى الضعف ممهدة للانقضاض عليها.

    لذلك اقترح الأستاذ على مزروعي بعض الخيارات : اقترح إقامة نطام حكم رئاسي يشترط أن يكون المرشحون للانتخاب فيه لا حزبيين. على أن يكون البرلمان منتخبا على أساس تنافس حزبي. واقترح نظاما آخر سماه الدايارشية Diarchy وهو يوفق بين رئاسة مدنية منتخبة ودور مشارك للقوات المسلحة. وقال إن الديمقراطية المعيارية تؤدي حتما لضعف فانقلاب. والانقلاب يؤدي حتما لاستبداد فانفجار، ولا بد من حل وسط يحقق الاستقرار في البلدان الأفريقية ويتطور إلى أحسن مع الأيام.

    هذه الآراء تشبه ما يحدث في كثير من البلدان التي أدخلت على حياتها السياسية ممارسات ديمقراطية محدودة، ممارسات يمكن أن نسميها الديمقراطية النسبية.

    هنالك اليوم ديمقراطية نسبية في عدد من البلدان. فالنظام الذي أقامته ثورة 1952 في مصر أدخل على نفسه تعديلات ديمقراطية. كذلك فعل النظام الذي أقامته ثورة 1962 في اليمن.

    هنالك نظم ملكية حققت استقلال بلدانها وأقامت الدولة فيها وأدخلت على نظامها الملكي تعديلات ديمقراطية كالمملكة المغربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، ودولة الكويت.

    هذه الدول في الطريق لإقامة ملكية دستورية. هناك محاولات يقوم بها نظام الإنقاذ في السودان في اتجاه هذه الديمقراطية النسبية ولكن مع الفارق. الدول المذكورة هنا بدأت من شرعية ثورة أو نظام ملكي لتتطور نحو الديمقراطية النسبية.

    ثورة مصر حققت شرعيتها بإنهاء نظام ملكي فاسد وإجلاء الوجود الأجنبي من أرض مصر. ثورة اليمن حققت شرعيتها بإنهاء نظام إمامي منكفئ وتوحيد اليمن.

    النظام الملكي المغربي حقق استقلال البلاد وأسس الدولة فيها.كذلك النظام الملكي في الأردن، وكذلك النظام الأميري الكويتي، هذه الدول اكتسبت شرعيتها من إنجازات تاريخية حقيقية.

    هذه النظم الملكية والجمهورية التي أدخلت إصلاحات بحيث استحقت أن توصف بالديمقراطية النسبية انطلقت من نظم لها شرعيتها وهي كلها متحركة من أوضاع قليلة الحرية إلى أوضاع أكثر حرية.

    هذه الصفات بعيدة جدا عن نظام الإنقاذ في السودان فهو لم يحقق للسودان تحولا تاريخيا إيجابيا لا استقلال البلاد، ولا تحريرها، ولا توحيدها، بل أعماله كلها تصب في خانة السلبيات.

    والنظام لم يتحرك من خانة أقل حرية إلى خانة أكثر حرية، فالنظام الذي أطاح به كان يكفل الحريات الأساسية، لذلك لا يجوز أن يضاف ما يحاول نظام السودان الحالي القيام به إلى عشيرة الديمقراطيات النسبية.

    مكاسب الشعب السوداني التاريخية وعدم وجود شرعية لثورة أو لبيت مالك تشكل نقطة بداية تؤكدان أنه لا مكان في السودان للنسبية التي تجد قبولا في بلدان أخرى ظروفها مختلفة.
                  

01-15-2016, 07:18 AM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)




    و من العرض لاراء بعض الكتاب و المفكرين السودانيين اعلاه فيما يختص بمعوقات اقامة ديمقراطية مستدامة في السودان، يمكن ادناه اختصار اهم المعوقات في نقاط:

    1- عدم وجود احزاب سياسية سودانية ناضجة ( الطائفية، الجهوية، القبلية، الديمقراطية الداخلية)
    2- اتساع رقعة السودان الجغرافية و تخلف البنيات الاساسية
    3- انعدام الانسجام المجتمعي ( اختلاف الاعراق، و الالسن، و الثقافات)
    4- عدم ترسخ الوعي الديمقراطي وسط فئات الشعب المختلفة ( الأمية، انعدام التنوير، ضعف التعليم، غربة مفهوم الديمقراطية)
    5- العوامل الخارجية
    6- التدخلات العسكرية في السياسة
    7-فشل مشروعات التنمية منذ الاستقلال
    8- علاقة الدين بالسياسة و الدولة
    9- الحروب الداخلية

                  

01-15-2016, 07:43 AM

Hani Arabi Mohamed
<aHani Arabi Mohamed
تاريخ التسجيل: 06-25-2005
مجموع المشاركات: 3519

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    أول أسباب تعثر الديموقراطية : الأحزاب السودانية بتكوينها وطبيعتها ونشأتها ديكتاتورية يحكمها قادة ديكتاتوريين ، متى تم آخر تغيير لرئيس حزب ؟ والوسيلة الوحيدة للتعبير عن الصوت المغاير داخل الحزب الواحد هو الانقسام وتشكيل حزب جديد !
                  

01-16-2016, 05:09 AM

بريمة محمد
<aبريمة محمد
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 13471

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: Hani Arabi Mohamed)


    شكراً الأخ سعد مدنى .. بوست جدير بالقراءة والمتابعة ..

    بريمة
                  

01-17-2016, 12:31 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: بريمة محمد)

    تحياتي بريمة
    و شكراً على المرور و الثناء
                  

01-17-2016, 12:30 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: Hani Arabi Mohamed)

    تحياتي هاني عربي

    Quote: أول أسباب تعثر الديموقراطية : الأحزاب السودانية بتكوينها وطبيعتها ونشأتها ديكتاتورية يحكمها قادة ديكتاتوريين ، متى تم آخر تغيير لرئيس حزب ؟ والوسيلة الوحيدة للتعبير عن الصوت المغاير داخل الحزب الواحد هو الانقسام وتشكيل حزب جديد !



    بالطبع ضعف تكوين الاحزاب السودانية و انعدام الديمقراطية الداخلية في معظم الاحزاب هو من العوامل التي ادت الى تعثر الديمقراطية ضمن اسباب أخرى..و لقد قمت بذكر هذا في النقاط المختصرة اعلاه التي سوف نأتي اليها بتفاصيل أكثر...
                  

01-17-2016, 05:19 PM

علي عبدالوهاب عثمان
<aعلي عبدالوهاب عثمان
تاريخ التسجيل: 01-17-2013
مجموع المشاركات: 12484

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    Quote: ا هي المشكلات الموضوعية التي تسببت في ضعف النظام الديمقراطي وسقوطه مرة بعد أخرى؟

    1- طبيعة تكوين السودان باتساعه الجغرافي (مليون ميل مربع قبل انفصال الجنوب) مع ضعف وسائل الاتصال والمواصلات ووعورة الطرق بين أقاليمه المترامية، وحدوده المصطنعة المتداخلة سكانياً مع الجيران،


    لقد أخترت هذا السبب لأنني عايشته ونحن في جزر نائية في أقصى الشمال النوبي .. لم يكن لنا تواصل مع الاخرين في الوطن
    ومثال لذلك :
    أول شخص من الإخوة الجنوبيين أشاهده كان ذلك تقريباً في عام 1963م عندما جاء أحدهم في عربية كومر وكان إسمه ( أوبالدو)
    كان ضمن الأفندية ( ناس الحكومة ) .. وجزى الله حكومة عبود خيراً فقد كانت ( السينما المتجولة ) تجوب مناطقنا مرة سنة
    تعرض الفيلم والمناظر عن الوطن .. الإذاعة كانت باللغة العربية الفصيحة ( نشرة الاخبار ) .. فكان أهلنا يميلون إلى سماع
    البرامج الموجهة للإخوة الجنوبيين ( بلغة بسيطة ) .. فقر الاعلام جعل نوع من عدم التواصل بين الاطراف والمركز وهذا ما خلق ما يسمى
    ( بالهامش ) وهو ما يقلل الانتماء للوطن بكامله ربما يكون الانتماء للمنطقة أوالقبيلة أو الحاضنة أقوى .. فليت النخب والحكومات بعد الاستقلال
    لجأت إلى الطرق والمواصلات والاعلام .. لأن عدم التواصل عمقت من الجهوية والتقوقع .. حتى من ذهب منهم إلى مدن خلق
    هامشاً لنفسه داخل تلك المجتمعات ومازالت هناك ..

    بوست مفيد .. دعنا نجعله أقرب إلى القراءة الواقعية أكثر من التنظير .. مودتي حبيبنا سعد

                  

01-17-2016, 05:43 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: علي عبدالوهاب عثمان)

    تحياتي علي

    Quote: فليت النخب والحكومات بعد الاستقلال
    لجأت إلى الطرق والمواصلات والاعلام .. لأن عدم التواصل عمقت من الجهوية والتقوقع .. حتى من ذهب منهم إلى مدن خلق
    هامشاً لنفسه داخل تلك المجتمعات ومازالت هناك ..


    من المعروف انه عندما تكون الدولة مربوطة مناطقها المختلفة بشبكة طرق سريعة ومطارات داخلية و اعلام قوي قادر للوصول الى كل هذه المناطق، و التحدث بلغة يفهمها سكان هذه المناطق يقلل من الجهوية و التقوقع الذي ذكرته..و يساعد على تكوين حس قومي او شخصية قومية مشتركة تقرب مختلف القبائل وثقافاتها المتباينة الى بعضها البعض..

    لكن السؤال يأتي ضمن من ذكرناه من الاسباب اعلاه وهو:

    Quote: 2- اتساع رقعة السودان الجغرافية و تخلف البنيات الاساسية


    كيف ادى هذا الى تعثر الديمقراطية!

                  

01-17-2016, 06:18 PM

سعد مدني
<aسعد مدني
تاريخ التسجيل: 07-16-2009
مجموع المشاركات: 5380

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: لماذا تعثرت الديمقراطية في السودان؟! (Re: سعد مدني)

    نأتي للنقطة التالية و كيف أدت الى تعثر الديمقراطية

    Quote: 1- عدم وجود احزاب سياسية سودانية ناضجة ( الطائفية، الجهوية، القبلية، الديمقراطية الداخلية)


    * التصويت يقع ضمن الانجذاب للقداسة الدينية و ليس تبعاً للبرامج العملية:
    اكبر الاحزاب السودانية ارتبطت بالطائفية المذهبية ( الامة و الاتحادي)، حيث أن تصويت الناس في السودان لهذه الاحزاب لم يكن بفعل قوة البرامج الانتخابية التي تحملها هذه الاحزاب، و انما انجذاباً الى القداسة الدينية عند الاسر الدينية المسيطرة على هذه الاحزاب.

    * تأبيد القيادة
    لا يتزحزح قادة الاحزاب السودانية عن رئاسة الحزب
    مثال: الصادق المهدي (الامة) الميرغني (الاتحادي) الشيوعي (نقد) الاخوان المسلمين ( الترابي)

    * عدم وجود ديمقراطية و شفافية داخل اروقة الحزب
    عدم انعقاد المؤتمرات العامة و اختيار قيادات جديدة ما بين كل فترة و اخرى يحددها دستور الحزب..

    * ضبابية برامج الحزب الموجهة الى الجمهور
    كمثال: الكثيرين لا يعرفون ماذا يريد ان يغير الحزب الاتحادي بقيادة الميرغني في الاقتصاد و معاش الناس بعد وصوله للسلطة
    عدم وجود برامج مكتوبة للاحزاب متاحة للجميع عن وجهة نظر الحزب في الاقتصاد، علاقة الدين و الدولة، السياسة الخارجية، التنمية، الخ

    * لا محاسبة لقيادات الاحزاب عن الاخطاء التي يرتكبوها
    و خير مثال لذلك هو الاحزاب الطائفية حيث قدسية الزعماء تطغى على كل شئ

    * ضعف العلاقة ما بين الناخب والحزب - حيث لا تظهر هذه العلاقة، و بشكل انتهازي - الا قبيل موعد الانتخابات العامة

    * ارتباط بعض الاحزاب بالقبلية و الجهوية، حيث تسود قيم و ثقافة القبيلة في اعلى مستويات الحزب

    * الايديولوجيا المتعصبة المعادية للديمقراطية
    مثال: الاحزاب الاسلاموية ( الاخوان، الجبهة الاسلامية، التحرير)
    الشيوعي ( ما قبل التغيير نحو الرضى بالنظام الديمقراطي، و تضمينه في دستور الحزب)

    * الخصومة السياسية الحادة المضرة بالعمل الديمقراطي
    Quote: تدل كل هذه الممارسات الحزبية القصيرة النظر على ضعف التزام الأحزاب السياسية بالنهج الديمقراطي السليم، وبقلة صبرها على مفارقة كراسي الحكم ولو أدى ذلك لذهاب النظام الديمقراطي نفسه، واستعدادها للتعاطي مع الأنظمة العسكرية لو منحتها قدراً من المشاركة في الحكم.(الطيب زين العابدين)


                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de