من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في هبيلا..

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-02-2024, 02:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2016-2017م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-26-2015, 07:08 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في هبيلا..

    06:08 PM Oct, 26 2015
    سودانيز اون لاين
    الأمين عبد الرحمن عيسى-قطر
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    في تلك العتمة التي تسبق الفجر، توقظني جلبة خفيفة تحدثها الكتاكيت وأحس بها تبدأ تحركها إلى خارج الكوخ الذي ظل يؤينا معا، أنا والدجاجة وصغارها، بعضها يطل على استحياء من داخل جناحيها لبرهة يسترق النظر تلسعه نسمة باردة فينزوي إلى حضن صدرها الدافئ. ثم من بعد أشاهد أولئك الصغار ينتشرون بيد أنهم يتجمعون إثر نداء خاص في نغمته لعله أشبه بتوجيهات من الأم. إذ لابد للمسير من نظام وأسس.
    هكذا دوما كنا نباشر يومنا، تغادر الدجاجة وصغارها المأوي فجرا وتغيب عنا طوال اليوم لا نراها أو نسمع عنها خبرا إلا عند الغروب. قبيل حلول الظلام يتماهى إلينا صوتها المتقطع وتوجيهاتها للصغار. نراها تسوق الكتاكيت بعض أمامها و أكثرهم إلى جانبيها وقليل منهم وراءها وإذ ما حدث أن تفرقوا كانت لهجتها الحاسمة تجمعهم وتضمهم إلى مسار منتظم. ثم يدلفون إلى الكوخ واحدا إثر الآخر. ويجمعون هناك في الركن الذي رأوا فيه الحياة أول مرة..
    في ذلك الأثناء نكون قد عدنا من الزرع، ومن كان منا بالمعسكر يشرع في همة في اعداد الطعام. نصلي المغرب في جماعة يؤمنا ذلك الشيخ الورع الحاج محمد، يقوم في جنح الليل متلفعا بردائه الذي ابلاه الدهر. يتوضأ وينادينا أن حيوا على الصلاة وحيوا على الفلاح. سألته ذات يوم هل يجور للمرء أن ينام بعد أداء الصبح. تعجب وأجاب. لا ينام بعد الفجر إلا من يطلب الفقر، ففي ذاك الوقت يقسم المولى عز وجل الأرزاق، وأن حسبتها بحسابات الدنيا فحين تبدأ يومك بعد صلاة الفجر مباشرة تكون قد سبقت العالم بأسره بساعتي عمل أنت فيهما في قمة النشاط والحيوية. عقلك صاف وجسدك معافى.
                  

10-26-2015, 07:12 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الحاج محمد كان يؤمنا لصلاة المغرب. عقب الصلاة نسترسل برهة في غمغمة ودعاء و ذكر.. ثم نتناول عشاءنا أو غداءنا أيا كان المسمى المهم هي الوجبة الثانية. يكون التعب قد بلغ منا كل مبلغ. نستلقي على البروش في الفضاء بين أكواخنا. في كوخي كانت هناك الدجاجة وكتاكيتها ثم سريري وناموسية مشدودة إلى قوائم أربعة مثبتة إلى جوانب السرير.
    بعد صلاة العشاء أقوم إلى فراشي. أراجع تثبيت الناموسية. أدخل مصباحي الكهربي إلى جانبي تحسبا لأي طارئ. المذياع الصغير أوجه مؤشره إلى إحدى المحطات الإذاعية العالمية. صوت أمريكا أو مونتو كارلو. أو البي بي سي. إذاعتنا المحلية لا يقوى بثها على بلوغ تلك الأصقاع النائية تأتينا مشوشة تتلف سمعنا فنزيح أنفسنا عنها ومن صوت أمريكا تتدفق عليّ أنباء الدنيا، وتتبعها برامج المنوعات وعبدالرحمن زياد في صوت أمريكا مساء الجمعة يقدم أغنيات في السباق. أغاني الريف الأمريكي تطربني. كما هي تماما أناشيد وأهازيج الفتيات في أيام الحصاد. وأنام ملء جفني أتوسد مذياعي ومصباحي. وفي غسق الليل أسمع الدجاجة جارتي وأصحو على نغمتها الحنونة ترشد الصغار إلى باب الخروج إلى الدنيا الرحبة. إلى الأرض الخصبة والخير الوفير.
    في ذلك المساء كان الوضع مختلفا في معسكرنا، تغيبت الدجاجة، أدينا صلاة المغرب ولم تظهر الدجاجة، صاح أحدنا أخشى أن تكون قد انقضت على الدجاجة إحدى مصائب هذه الديار. تناولنا عشاءنا. ثم من بعد رأينا منظرا عجبا.. من على البعد تبينت الكتاكيت قادمه كل في اتجاه، مبعثرة كعقد انفرط.
                  

10-26-2015, 07:30 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    يا إلهي. الكتاكيت جاءت بدون أمها. متناثرة كل منها في اتجاه. وقع الذي كنا نخشاه. التهم الدجاجة حيوان مفترس. أخذ الأم وترك الصغار. هرعنا لنرشد الصغار إلى مدخل الدار وكأنا نشاركها المأساة.. لكنا فشلنا أن نجمع الكتاكيت لندفع بها إلى مقرها. بذلنا جهدا. الحمد الله أنها وصلت إلى المعسكر. ذهبت الأم إلى غير رجعة. بيد أن خارطة إلهية ألهمت تلك الصغار إلى اتجاه البيت. من بعد أخذت تلك المخلوقات الصغيرة تتجمع إلى بعضها وتتداخل وتكون جسدا واحدا يشع دفئا ونامت حمدت الله أنها التأمت بعد افتراق وتجاوزت محنة فقدان الأم، ترى هل تحس بمأساة اليتم وهل شاهدت مصير الأم؟؟.
    المشهد صباحا كان كئيبا محزنا. اختفى ذاك الصوت الذي كان يوجه ويحنو ويرشد... لكن لابد من السعي وطلب الرزق. وخرجت الكتاكيت. أيضا متناثرة مشتتة لكنها مضت وودعتها أتابعها بعيني وأسأل الله أن يرعاها. لست خائفا عليها أعلم أن قد سيشتد عضدها ويقوى عودها.
                  

10-26-2015, 07:33 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10903

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    متابعين سردك الجذاب و ذكرياتك الجميلة يا أبو حسام. افتقدنا من مدة لغتك الناصعة. واصل...
                  

10-26-2015, 08:04 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد عبد الله الحسين)

    محمد عبدالله الحسين ، تحياتي و تقديري ونسعد كثيرا بوجودك معنا..
    دمت أخي..
                  

10-26-2015, 08:21 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    في أزمان الحصاد إذا سرت في ذلك الطريق الممتد شرقا وغربا كنت سترى سيقان الذرة الفتريتة والتي يطلق عليها أهل تلك المناطق الكرمكة تراها تتأرجح لطولها غير العادي وقامتها الرفيعة. السنابل تحمل الحبوب متفرعة كما هي عناقيد العنب، عينات كثيرة من الذرة تزرع في تلك الجهات من السودان بيد أن الكرمكة تتصدر قريناتها لغزارة إنتاجها وللونها الأبيض الناصع.. غير أن طحينها أو عجينها يكون أحمر أرجواني اللون. وطعمها محبب، حلو المذاق. تفتقت ذهنية المرأة السودانية فصنعت من تلك الذرة شرابا منعشا. يصنع على طريقة خاصة يسميه أهالي أواسط السودان بالحلومر وأهل الغرب يطلقون عليه الآبري، والكرمكة غير أنها الأكثر تفضيلا لدى المزارعين فالسبب هو خفة سنبلتها الذي لا تمكن الطيور والزرازير من أن تحط عليها فما أن يضع الطائر قدمه على ساق النبات حتى ترتفع وتيرة اهتزازه ويصير كما البندول لا يهدأ على بال فيضطر الطائر إلى المغادرة دون أن يتمكن من التهام حبة من حبات السنبلة.
                  

10-26-2015, 09:49 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    وفي ذاك السهل الطيني المنبسط خططت الدولة تلك المشاريع التي تسمى بمشاريع الزراعة الآلية. التربة سوداء عالية الخصوبة والأشجار والحشائش غنية والأمطار أكرم بها من غيث هطال. تظل طوال أربعة أشهر تنهمر مدرارا على تلك الأراضي السوداء المتشققة فتمتلئ الأرض إلى أغوار سحيقة بالماء ويتورم سطحها وترتوي ويفيض الماء فيجري وديانا وأنهارا أحيانا والذرة تصلح لهذا المناخ فتنتج آلاف الأطنان من الغلال. تنتج ما يكفي لإطعام عموم أهل السودان وما يكفي كأعلاف مركزة لكل حيواناته. لكن الناس في المدن أدبروا عن تناول الذرة أخذوا ينظرون إليها كطعام يصلح للبسطاء من الناس فحسب. في المدينة صار خبز أهلها من قمح مستورد من أستراليا وأصبحت لمستوردين كبار بسطة في المال.
    .....
    في المعسكر الذي كنا نقطنه، كنا نضع الماء على براميل، البيئة حولنا في غاية الجفاف، الشاحنة التي تنقل الماء من الحفير في القرية المجاورة تزورنا مرتين في الأسبوع. تفرغ لنا حمولتها عشرين برميلا من الماء. فنفرح بوصول الماء لنا و نأخذ في توزيعه لتايات العمال داخل المشروع.. الماء غال.. أكثر عناصر الإنتاج تكلفة عند حساب التكاليف. عجبا لهذه الأرض ترتوي أرضها لحد الغرق في فصل الأمطار.. تهتز الأرض وتربو حينها وينبت كل نبت حصيد، ثم تبدأ في الجفاف فور انقضاء فصل الخريف.. و كنا نغلق تلك البراميل حفظا ألا يقع فيها ما يلوث الماء.. بيد أن زوارا كانوا يظلوا في ضيافتنا طوال النهار تراهم زرافات ووحدانا.إنه النحل. تأتي شغالات النحل من الغابات المجاورة تتزود من عندنا بقطرات من الماء. وحينما نحتاج نحن لبعض من الماء نذهب ونهش على تلك المخلوقات فتخلي لنا الطريق لحين ثم تعود أدرجها ترتشف الماء لتغذية صغار لها هناك في مملكتها. تعودنا على ذلك السلوك المسالم للنحل ولم نكن نخشى منه لسعا أو هجوما. بيد أنني ذات مرة اكتشفت كم كنت مخطئا ظني أنها مسالمة، ذلك أنني دون دراية مني اقتربت كثيرا من خلية للنحل، لم ألبث إلا ثواني حتى أنقضت عليّ نحلة واخذت تطن بوتيرة عالية السرعة حول وجهي أخطأت أني لم أفهم أن ذلك إنذار مبدئي وأن عليّ ألا أتقدم بيد أني واصلت سيري نحو المملكة التي كانت خافية عليّ فتلا ذلك هجوم عنيف. تلقيت لسعة مباغتة. مؤلمة، وفي رد فعل سريع استدرت للخلف، تنبهت حواسي إني اتعرض لهجوم مكثف. اثنتان أخذتا تطنان بعنف على جانبي وجهي. انطلقت راكضا. أركض بكل ما أوتيت من قوة. والنحلتان في أثري والعجيب أنهما لم تلسعاني بل ظلتا ملازمتان لي حول وجهي تماما بنفس سرعتي لدقائق بينما أنا أعلن استسلامي فراري. فهمت فيما بعد لم لم تهاجمني النحلتان، كانت مهمتهما الإطمئنان أنني أتجه بعيدا عن مملكتهما وذاك ما فعلته أنا لا شعوريا.. وبعد أن شيعتني النحلتان وأصبحت خارج نطاق دائرة حراستهما تركتاني وعادتا ادراجهما.. بينما أنا أجري شاهدني شخص كان على ظهر حماره فسألني من على البعد عما بي، قلت له النحل، فقفز فورا من حماره وترك الطريق واختفى داخل الزرع.
                  

10-26-2015, 10:17 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الأعوام التي أمضيتها بهبيلا كانت حافلة فقد تعرفت خلالها أنماطا من البشر، المشروع الزراعي يجمعك بسائقي الجرارات و المساعدين.. وهناك العاملون بالمشروع من الوكيل إلى الخفراء والعمال الموسميين من يعملون فيما ما تسمي بأم بحتي ، وهناك عمال الكديب وهي نظافة الزرع من الحشائش الطفيلية وهناك عمال الحصاد وتلك أسر تأتي من شمال كردفان تمضي شهورا في حصاد قناديل الذرة و جمعها في أجران ..
    معايشة أولئك القوم تحتم عليك أن تؤانسهم و تسمع أخبارهم و حكاويهم... فتجد من يمتعك باحاديث شيقة ومن يضيف إلى قصصه خيالا واسعا.. و نسمر معهم قبل أن نأوي إلى الفراش.. من الحكاوى التي دأب السواقون و الزياتون على تناقلها ما يحكونه عن الجن و الشياطين التي تسكن تلك الجهات و أكثر ما يحكون عن أبي لمبة وأبو لمبة في ثقافتهم هو سائق جرار يظهر في الليل لمن يعملون في وردية الليل و يشاهدونه من على البعد في ذلك الليل البهيم يسمعون صوت جراره الذي يقترب و يبتعد.. و يشاهدون أضواء كشافاته الأمامية و الخلفية و هو يحرث الأرض وكنت بحكم خلفيتي المدنية لا أصدقهم و أظن أن ذلك محض اختلاق و خيال.. وكنت في بعض الليالي اقود الجرار و أقضي وردية الليل كلها أحرث الأرض إلى أن يصبح الصبح لكني لم أحظ أبدا بصحبه ( أبو لمبة ) و ذاك ما عزز ثقتي بعدم وجود هذا الكائن الأسطوري..
    الطريق من الدلنج إلى هبيلا يمتد عبر غابات كثيفة و أودية و خيران وعرة و هو مشقة حقيقية لمن يعبره في الخريف حيث تجعل الأمطار الغزيرة السير في ذاك الطريق أمرا عصياويندر خلال وجودنا بالمشروع في الخريف أن نعود إلى الدلنج لكن في منتصف الخريف كنا نذهب لهبيلا كسوق قريب منا نبتاع حاجياتنا و نتسوق و نقوم بصيانة جراراتنا و محاريثنا بورشة الزراعة الآلية في هبيلا..
    في يومنا ذاك هطلت أمطار غزيرة عمت كل المشاريع، ولما تمطر الأمطار يتوقف العمل لحين فقلت تلك فرصة أغتنمها، توجهت إلى ورشة الزراعة الآلية بهبيلا لشراء قطعة غيار للمحراث، وهناك علمت أنها توجد فقط في الدلنج فعلي إذن الذهاب لهناك. الأمطار الغزيرة ما زالت تنهمر، كنت لوحدي سائقا التراكتر، إحتميت بملجأ من الأمطار في سوق هبيلا، ولما شارفت الدنيا إلى الغروب خفت الأمطار قليلا. الدلنج على مسافة أربعين كيلومترا من هبيلا ويربطهما طريق بالردمية الخرسانية شيده مهندسو ورشة الزراعة الآلية، و لخبرة مهندسو الزراعة الآلية غير المتخصصة في تشييد الطرق فالطريق لم يكن بالمواصفات المطلوبة لكنه كان يؤدي الغرض و يوفر له طريقا ممهدا معبدا في تلك النواحي الوعرة..
    واصلت مسيري في تلك الليلة المظلمة تحفني من جانبي ومن خلفي جدر عالية من الظلام و مصابيح الجرار الأمامية تضيء لي الطريق أمامي فأرى ذلك الطريق الضيق المتعرج من الأرض الخرسانية الحمراء وهي ترتفع بين منخفضين عظيمين من التربة السوداء الممتلئة مياها و غابات و حشائش و ظلاما دامسا تلك الليلة..
    كان التعب والإرهاق قد بلغ بي مبلغه و إهتزاز الجرار العنيف قد رج أضلعي وأخذ رأسي نصيبه من الصداع و آلام الكتفين.. لكني مصمم على الوصول للدلنج الليلة..
                  

10-26-2015, 10:41 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    فجـأة دون سابق إنذار ذهب الضوء الذي كان يضيئ لي الطريق، حدث إلتماس كهربي في الأسلاك الموصلة التيار من البطارية والمولد ( الدينمو أو الميقانيتا) و احترقت الضفيرة وبت في عتمة دامسة. أوقفت الجرار وأخذت أتابع ما حدث، اتحسس بيدي الأسلاك التي ذابت من حرارة الإنصهار، بدأت في محاولات لعمل توصيلة خارجية من البطارية للكشافات لم تكلل بالنجاح،
    أخيرا إستسلمت، الجرار واقف و أنا أرنو ببصري بعيدا خلفي عسى أن يأتي من ينقذني من هذه الورطة.. إنتظرت طويلا، لكن لا أمل، أنزلت بعض الجوالات الفارغة التي كنت أجلس عليها في مقعد الجرار و اتخذتها فراشا، فرشتها في تلك الردمية المبللة بالأمطار توضأت و صليت واستويت راقدا عل الصداع العنيف الذي يعصف بي يخف قليلا. لكن ما أن رقدت حتى لاحظت نورا بعيدا ، بعيدا جدا يقترب فاستويت واقفا أنتظره .. النور لا يتحرك، و أنا أرقبه، هناك في أقصى الأفق تبدو نقطة مضيئة، أظن أنها جرار سيصلني حتما، يخبو الضوء ويتوهج، لكنه لا يقترب أبدا، لكن بعد صبر طويل بدأ الضوء يقترب و يقترب ، الحمد لله، أخذ ذلك الضوء في التوهج و أصبح قريبا منى حتى خلته سيصطدم بي، ثم فجأة عاد إلى نقطة صغيرة بعيدة بعيدة بعيدة جدا.. و أظلمت الدنيا، فركت عيني، اغمضتهما و فتحتهما.. إختفى الضوء وصار خافتا. كان الضوء أشبه بمركبة فضائية طائرة تحلق تبدو أحيانا في بعد سحيق ثم تقترب لتكاد تصطدم برأسي ..سرعان ما أكتشفت الحقيقة.. ها أنا في مواجهة مع إبي لمبة .. صديق أصحابي سائقي الجرارات والزياتين .. ها هو الجرار الذي يحرث في الليل إلى جوار العاملين في وردية الليل ينفرد بي و أنا في طريق موحش مظلم و دابتي التي أمتطيها فاقدة للإبصار .. و تحصنت أكثر و قرأت آية الكرسي، وسألت الله النجاة من شر نفسي ومن شر كل دابة هو آخذ بناصيتها...
    تراجع الضوء وصار نقطة دقيقة في الأفق لكنه ما فتئ في اقتراب.. وبعد إنتظار خلته دهرا أخذت أسمع ذاك الصوت الرتيب للجرار ، هذه المرة أنا أسمع صوتا واضحا لجرار متحرك وأرى نورا.. قلت لنفسي لا شك أني كنت أتخيل الأشياء لكني ما زلت على تحصني و استغاثني بربي، إلى توقف أمامي جرار حقيقي و هبط منه أناس بلحمهم و شحمهم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
    و أخبرني القادمون أنهم في طريقهم لمشروع زراعي خارج التخطيط داخل تلك الغابة و رافقتهم على ضوء جرارهم الخلفي.. أمضيت الليلة معهم وفي الصباح الباكر عدت إلى مواصلة مشواري.. وصلت إلى مكان انقطاعي بالأمس وواصلت متجها للدلنج .. ولكن لهول ما رأيت..
    كانت الأمطار العنيفة بالأمس قد جرفت أحد الجسور .. و كان الطريق مقطوعا تماما أمامي.. توقفت أتأمل في ذاك المشهد .. حمدت الله الذي أنجاني من الإنجراف ليلا في تلك الهاوية.. ثم في تأني و تدبر إستدرت بالجرار في ذلك الشريط الضيق بين المياه التي كانت تغطي جوانب الردمية و تندفع من أمامها.. و يممت شطر عائدا هبيلا و منها إلى المشروع..
    كان قدري تلك الليلة أن أمضي سويعات في مناورة و مقابلة شخصية مع " أبولمبة".

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 07-15-2016, 08:26 PM)

                  

10-26-2015, 11:50 PM

محمد هاشم ابوزيد
<aمحمد هاشم ابوزيد
تاريخ التسجيل: 11-10-2011
مجموع المشاركات: 1711

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    متابعه
    تحياتي اخوي الامين
                  

10-27-2015, 01:41 AM

محمد جبره
<aمحمد جبره
تاريخ التسجيل: 01-12-2013
مجموع المشاركات: 940

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد هاشم ابوزيد)

    جميل يا الامين

    مستمتعين جدا و البركة فيكم في الجدادة
                  

10-27-2015, 05:23 AM

محمد فضل الله المكى
<aمحمد فضل الله المكى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4846

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد جبره)

    .
    أمين ..... تحياتي
    والله يا أمين كأنك تحكي عن تجربتي الزراعية لا عن تجربتك ، مع اختلاف المنطقتين ،
    إلا أن هنالك تشابه حد التطابق ، فقد كانت تجربتي في سمسم ، والمنطقتين من مفاخر
    الزراعة الآلية أيام عزها ، ومن أعظم مناطق الإنتاج في السودان .

    لقد تعرضت لتجربتي باختصار ، من خلال الشخصية المحورية في عمل شبه جاهز ، سأدفع به للمطبعة
    قريباً بإذن الله ..

    واصل أمين ..فأنا استعيد ذكرياتي
                  

10-27-2015, 03:54 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد فضل الله المكى)

    أخي محمد فضل الله المكي، شكرا، الحمد لله أني وجدت رفيقا، كنت اظن أني وحدي من خضت هذه التجربة وكنت أتساءل إن كنت أستطيع الحكي والوصف كما ينبغي، لكن بوجودك مراقبا سأحاول تجويد الصنعة.. لك تقديري..
    ..
    الأخ محمد هاشم أبوزيد.. لنا زمن من أخبارك.. خالص تقديري للمتابعة والمشاركة..
    ...
    محمد جبرة، شكرا على المواساة.. وقد عوضنا الله عن فقد الدحاجة وقد كان حظنا قطيع متميز من الدجاج البري.. تابع معنا..
                  

10-27-2015, 03:56 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    في تلك الليلة المظلمة من خريف عام ألف وتسعمائة و ثمانين كان موعدنا مع زيارة مرعبة إلى معسكرنا بالمشروع 95 بفيو.. البلاد تعيش أزمة حادة في حجارة البطارية ، بحثنا عنها حيثما حللنا في الأبيض والدبيبات والدلنج و هبيلا.. لكن كانت البلاد خاوية تماما .. حتى تلك الأنواع الصينية البائسة آنذاك من نوع الفيل الأبيض والنمر الأحمر إختفت تماما.. فتوكلنا على الحي الدائم وسافرنا إلى المشروع بدون زاد من حجارة البطارية، و تلك كانت مغامرة غير مأمونة العواقب..
    كنا في الليل لا نتحرك كثيرا إلا للضرورة القصوى، ونمشي في حذر، التحرك بدون بطارية مثل أن تتحرك و أنت مغمض العينين..
    تناولنا عشاءنا في وقت مبكر، العصيدة وملاح اللوبيا بملوخية الخلا وآوينا إلى فراشنا.. قبل أن نخلد للنوم سمعنا صياحا وهرجا.. تبينا الصياح.. هناك ثعبان في بيت الدجاج.. الدجاج يصدر أصوات استغاثة وثعبان ضخم ينفث سمه على الدجاج فيتطاير الدجاج و يفرفر.. الظلام مطبق علينا تماما..لا توجد إنارة.. لعن الله السوق الأسود و الندرة .. لماذا تنعدم حجارة البطارية في البلاد.. وكيف العمل الآن.. كانت الأرض رطبة بسبب الأمطار التي هطلت مؤخرا فحمدنا الله أن كان التراكتور متوقفا بالمعسكر .. أدرنا الجرار وأوقدنا كشافاته تجاه كر الدجاج.. شاهدنا عيني الثعبان تلمعان في الظلام.. أب كرو كرو.. أضخم أنواع الثعابين و أقواها سما.. اللهم حفظك و صونك.
    كيف العمل .. في المعسكر الذي بجوارنا توجد بندقية من تلك الأنواع المصنوعة محليا و تعرف باسم ( دق ابظرطة).. ويقال أنها خطرة فربما تنفجر الماسورة في وجهك.. فتصيبك الطلقة بدلا من انطلاقها إلى هدفها.. لكن كل شيء أهون من هذه المصيبة..
    إنطلقنا إلى جيراننا أحضرنا البندقية و معها من يصوب تجاه الثعبان وأخذنا نتابع تلك المصيبة من على البعد بكشافات جرارنا إلى أن تمكنا من إطلاق النار عليه، كنا نخشى ألا تصيبه الطلقة فيندفع غاضبا تجاهنا.. فيحدث ما لا يحمد عقباه.. لكن الله سلم.
    يقولون أن أنثى الثعبان تأتي متقصية أثر بعلها إن لم يعد للدار وإن وجدته ميتا فسوف تنتقم ممن قتلوه.. في تلك الليلة المظلمة المرعبة رأينا ألا نترك الثعبان الميت بالقرب منا و حملناه في التراكتر وتوجهنا داخل المشروع بعيدا واخترنا مكانا قصيا و دفناه وعدنا وقد طار النوم من أعيننا ولبثنا في توجس عل زوجة الثعبان لا تفتقد بعلها..
    في الصباح الباكر انتابني شك أننا لم ندفن الثعبان جيدا فتحركت إلى هناك... لأطمئن.. لم أجد للثعبان أثرا.. الحفرة التي دفناها فيها عملت فيها إحدى عاديات الليل فأخرجت الثعبان منها وتركتنا في حيرة، أتكون تلك عقيلته حضرت وتأكدت بأم عينها من مقتله، أم يكون هو نفسه لم يمت.. أم ... أم .. ماذا؟؟
    تضاعفت حيرتنا .. لكن لا بد من استمرار الحياة والصبر والإحتمال.. فانقضت تلك الأيام بحلوها ومرها وصارت ذكرى ... والحمد لله الذي لطف بنا و حفظنا ونجانا..
                  

10-27-2015, 04:26 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    تلك الأيام البعيدة التي قضيناها في هبيلا و في فيو و كرتالا، كم كانت جميلة، بيد أنها شاقة مضنية قاسية. يقترن فيها الأمل والرجاء بالخوف أحيانا .. ماذا يحدث لو تعطل الجرار وكثيرا ما يتوقف عن العمل.. ماذا لو انقطع الغيث.. كنا نداري تلك الهواجس سريعا بالرجاء وحسن الظن.. و ندعو الله مخلصين أن يغثنا .. ويجنبنا الشرور...شرور أنفسنا و شر كل دابة هو آخذ بناصيتها..
    و حينما يتقدم الخريف ترى تلك الأرض السوداء المنبسطة قد توارت شقوقها واندملت و نمت الحبوب في نظام بديع فكلها تنبت في لحظات متقاربة .. و كل يوم يزداد علوها و يخضر لونها و يشتد عودها .. لا أستطيع أن أصف جمال تلك الأزمان ... فهي مما زين للإنسان من الشهوات من النساء والبنين و القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة و الأنعام و الحرث.. فهي حقا متعة لا تدانيها متعة... وهي هنا تجمع متعتي الحرث و المال... أنت تجد جمالا في نمو ذلك الحرث و ترجو أموالا وفيرة..
    ولكن.. لابد للشهد من إبر النحل..
    علينا أن نكابد و نقاوم آفات هي لنا بالمرصاد.. فالطير يحط علينا حينا ، والجراد يهاجم في مواسم والقرود تأتي و تختار الأصناف ذات القصبة الحلوة فتهشم الزرع و تأكله كما نتناول نحن العنكوليب.. والبودا تقضي على الزرع و الموليتا تنمو في مستعمرات دائرية تحرم الزرع من النمو.. و أبو مروة إن ظهر فليس من سبيل سوى أن تنادي بأعلى صوتك يا ابومروة.
                  

10-27-2015, 04:28 PM

أحمد الشايقي
<aأحمد الشايقي
تاريخ التسجيل: 08-08-2004
مجموع المشاركات: 14611

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    شكرا أخ الأمين

    الزراعة الآلية في السودان عمل اقتصادي عظيم وأنتج العديد من الوظائف للشباب وخلق فرصاً كبيرة للثراء وتحريك الاقتصاد

    ونواتجه عديدة من اغذية وأعلاف ومنتجات يمكن أن يتم تطويرها بالذات بالنظر لتجربة شركة كنانة مثلاً في انتاج الكحول من نواتج قصب السكر

    كذلك حياة العمال ومستوى تلك الحياة يمكن ببساطة تطويره بما أوتي الناس في هذا الزمن من أدوات سهلة ورخيصة لحفظ المياه وتنقيتها وللاضاءة وللتعامل الايجابي مع البيئة

    للأسف العديد من المنغصات على هذه الانشطة ابتكرتها المحليات فاثقلت كواهل الناس وكثير منهم تركوهــا (ببســاطــة)

    أحمد الشايقي
                  

10-27-2015, 05:38 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: أحمد الشايقي)

    Quote: الزراعة الآلية في السودان عمل اقتصادي عظيم وأنتج العديد من الوظائف للشباب وخلق فرصاً كبيرة للثراء وتحريك الاقتصاد

    حقا أخي أحمد الشايقي فالزراعة الآلية عمل إقتصادي متكامل محرك لدولاب العمل في البلاد..وموظف لمقدرات العديد من افراد الشعب..ليتنا لا نهملها.. رغم مصاعبها و مشقتها وعنتها..
    Quote: للأسف العديد من المنغصات على هذه الانشطة ابتكرتها المحليات فاثقلت كواهل الناس وكثير منهم تركوهــا (ببســاطــة)

    ولله بكل أسف تركناها.. وتركنا السودان كله.. ولله كنت أعجب في ذلك الزمان كيف نتعرض لكل تلك الضغوط بينما نحن نقدم خدمة حقيقية للبلاد، وتنظر لنا المحليات بريبة وكأننا ننهب وكانوا يسمون من يحاول الإفلات من أتاوات الحكومة الباهظة ب " المهربين". تصور بدلا عن تقديم صوت شكر لنا يصرون أن ندفع العشور والقبانة والزكاة ورسوم الإنتاج. كيف بالله عليك يدفع من ينتج رسوما؟؟

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 10-27-2015, 05:52 PM)

                  

10-27-2015, 06:03 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    لكن الفأر أمره عجب فهو يظهر فجأة دونما إنذار ، هكذا يفاجئك بكميات ضخمة فترى الأرض كلها تجري أمامك فئرانا.. و في سنة الفأر ينتظرك الفأر حتى ترمي حبتك و تغطيها بالتراب ثم تهطل الأمطار عليها و ما أن تبدأ بشائر نموها حتى تدرك الفأرة أن تحت هذه النبتة حبة مليئة بالغذاء إبتلت و تزرعت وتحول النشاء داخلها إلى سكر شهي فيعمل الفأر في همة و نشاط و يحفر فيخرج الحبة ويأكلها فتموت تلك النبتة المرجوة أن تصبح قصبة بأوراقها وقناديل تحمل الخير والبشر والنماء.
    لا يأكل الفأر حبة واحدة كما وصفت آنفا بل يقضي على ملايين الحبوب، ففي اليوم الواحد قد نرمي بآلة الحرث ( الدسك) حبوبا في مساحة مائة فدان و الفدان الواحد تصل كثافة الزرع فيه إلى أكثر من مائة ألف حبة، أي بالمائة فدان هذه عشرات الملايين من الحبوب أخذت تشق الأرض وتظهر بوادرها.. فالذي يحدث أن الفأر يقضي تماما في ليلة واحدة على كل هذه العدد الضخم من النبتات..
    وفي سنة الفأر يطير لب المزارعين ويجن جنونهم فتراهم يهرعون إلى هيئة الزراعة الآلية ينشدون العون منها فتمدهم إدارة الوقاية بجوالات من الذرة معاملة بسم قاتل هو الزنك سلفيت وتنثر تلك الحبوب القاتلة على أطراف الزرع عسى أن تأكلها الفئران فتموت. لكن تنفق بعض الحيوانات ويبقى الفأر بعبعا مرعبا...
    و لا تنجينا منه إلا عناية المولى عز وجل. فتهطل أمطار غزيرة تقضي عليه..
    لكن خلال تلك الأيام العصيبة في عراكنا مع الفأر يجد عمالنا الزراعيين مصدرا غنيا من البروتين الحيواني المتميز فيعملون على صيد الفئران نفسها بحفر حفر بحجم صفيحة مفتوحة من أعلاها و توضع الصفيحة داخل الحفرة فتقع الفئران داخلها لا تستطيع الخروج، تتقافز فقط تلك التي في أعلى الصفيحة، أما التي في أسفلها فتنقل بصفيحتها وتقلب في الصاج الموضوع على النار.
    و يهنأ القوم بوجبات شهية من اللحوم المحمرة، وتلفحنا نحن رائحة الشواء فنقاوم رغبات في مشاركتهم وليمتهم....

    Untitled2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-28-2015, 02:04 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الطريق من هبيلا لفيو ليس كبقية الطرق الداخلية في مشاريع الزراعة الآلية التي تشبه في شكلها كراسة الحساب المربعات الكبيرة فهي عبارة عن طرق مستقيمة تمتد من الغرب إلى الشرق، طرق عديدة متوازية بينها مسافات ثابتة تبلغ في عرضها 2 كيلومتر، وهذه الطرق العرضية تتقاطعها طرق طولية شمالية جنوبية أيضا متوازية وعلى أبعاد ثابتة بينها هي 2 كيلومتر، فتكون تلك الطرق مساحات مربعة ضلع كل منها إثنين كيلومتر، تكون المشروع الزراعي الآلي الذي مساحته ألف فدان ( 2 كيلومتر × 2 كيلومتر) وتلك كانت تسمى مشاريع هبيلا القديمة، أما المشاريع الموجهة فكانت مساحتها 1500 فدان وكان شكلها كالمستطيل طولها 3 كيلومترات وعرضها 2 كيلومتر.
    لكن الطريق من هبيلا إلى فيو لم يكن مستقيما كالطرق آنفة الذكر بل كان يخترق غابة من أشجار السافنا الغنية يكتظ بأشجار الطلح تلك الحمراء السوق وأشجار الصهب السامقة بيضاء السوق، واشجار الهبيل و الأبنوس وبالطبع أشجار الهجليج و بقية العقد الفريد من أشجار الأكاسيا الهشاب والكداد وإم سنينة والكتر و غيرها.. كان الطريق يمر خلالها متعرجا لا يستقيم على إتجاه يتلف حول هذه ويتفادى تلك.
    كان قدرنا ذلك اليوم أن أكون ضمن مجموعة كبيرة تستقل مقطورة بدائية الصنع يجرها جرار متهالك ننشد الوصول لفيو التي لا تبعد عن هبيلا بأكثر من ساعتين من السفر. الزمان أوائل الثمانيات منتصف الخريف، الأمطار عنيفة والأرض مبتلة ومروية بالماء والجرار يخترق تلك الأرض الوعرة في صعوبة ومشقة. كنت في طريقي لمشروعنا الزراعي في وطا وهي إلى جنوب غرب فيو. المسافرون الذين كنت برفقتهم مواطنين من قرية فيو المركز الثاني الأهم في تلك النواحي بعد هبيلا، فيهم رجال ونساء. كنا نتوسط كمية من الجوالات واللوازم التجارية مشحونة في تلك المقطورة ( الترلة ) وكانت رحلة غير مأمونة، إذ لا يستطيع الجرار وحده الوصول في سلام فكيف حينما يكون ساحبا حملا ثقيلا كالذي كنا نشكله.
    تحركنا في السابعة صباحا متجهين جنوبا، في الليلة الماضية هطلت أمطار غزيرة، العارفون نصحونا ألا نتحرك إذ سيكون الأمر محفوفا بالمخاطر لكننا تجاهلنا النصح وانطلقنا على أمل الوصول إن لم يكن بعد ساعتين فربما ثلاث أو أربع ساعات. غير أن تقديراتنا كانت خاطئة..كانت غير معقولة تماما فقد أمضينا نهارنا بحاله وجزءا من الليل نعاني من الوحل في ذلك الطريق.. ملابسنا صارت بلون الطين و هيئته وبدلا عن أن نستقل مقطورة توصلنا سالمين لديارنا فإذا بنا نمضي نهارنا كله في دفعها والحفر لها لتخليص إطاراتها من الوحل، أحيانا ننزل البضاعة و أحيانا نرفعها، حينا نفصل الجرار عن المقطورة ليتخلص هو من الوحل وحينا آخر نقطر الجرار بالترلة.. والمحصلة رهق و إعياء لكن ترافقهما همة وصبر فلابد من الوصول.. ولابد من فيو وإن طال السفر..
    عند حوالي التاسعة ليلا وصلنا فيو.. سوق القرية مظلم .. والأرض رطبة يبللها المطر والجو صار باردا فكنا نرتجف من البرد، تفرق القوم كل ذهب لداره..
    ما هي إلا ثواني حتى أكتشفت أني لوحدي ..لا أدري إلي أين أذهب؟ مشروعنا تطول المسافة بينه و بيننا، لم يتكرم أحد من المرافقين أن يدعوني قضاء الليل في داره.. ذهبوا جميعهم رجالا ونساءا. و أخذت في خطوة عملية أبحث عن مكان جاف أرقد فيه، ملابسي مبتلة ملتصقة ببدني، يداي وأرجلي ووجهي ملطخ بالطين. لم نأكل شيئا من الصباح. لكن لا يوجد مكانا جافا.. أمامي خياران أما أن أفترش الأرض المبللة بالماء و أنام على ذلك الطين وإما أن أواصل سيري فأمضي راجلا إلى مشروعنا و الذي تتجاوز المسافة إليه الإثني عشر كيلومترا.. مسيرة ثلاث ساعات إن تمكنت من المسير..
    رأيت أن أبيت في ذلك المكان، قررت أن أخرج بعض ملابسي فأفرشها على الأرض وأنام عليها.. وفعلا شرعت.. ولكن وإذ ما أنا أدبر ما سأفعله، فإذا بي أسمع صبيا صغيرا يناديني، يسلم علي، و يطلب مني أن أتبعه.. و تبعته صامتا.. الصبي من أبناء فيو، في الثالثة عشر من العمر تقريبا، ومضينا نمشي في ذلك الليل نشق دوربا و نعبر بين القطاطي المتناثرة والبيوت حتى خرجنا خارج القرية .. وواصلنا في تلك الفلوات حتى أدركنا قطية منفردة في أقصى شرقي القرية..
    دخلنا دارا نظيفة، جاءت أمه، رحبت بي، سلمت عليها و أنا أتمتم بكلمات و ألهج بالشكر، أحضرت عنقريبا.. أوقدت نارا في وسط الغرفة.. أضاءت لنا المكان وأشاعت فينا دفئا.. أحضرت لي ماءا شربته، ثم ماءا في إناء أخذت أزيل به ما علق بي من طين إلتصق ببدني.. وتوضأت، صليت الظهر والعصر والمغرب والعشاء....
    تواصل كرم تلك السيدة بي.. فأحضرت كيزان من الذرة الشامية شواها إبنها بالنار وأخذنا نقرضها، لعلي لم أتناول في حياتي أطعم وأطيب من تلك الوجبة، أكلنا وأكلنا و تبع الذرة الشامية براد من الشاي الأحمر، أخذنا نرتشف الشاي ونأكل في عيش الريف.. ونستدفئ بالنار أمامنا..
    وكانت غاية مناي بعد تلك الضيافة أن استقي على أرض تلك القطية وأنام ملء جفوني.. غير السيدة الفاضلة لم تتركني هكذا في تلكم الليلة الباردة و مع أزيز و طنين البعوض، بل جلبت لي ثوبها، أعطتني إياه أتدثر به..
    حمدت ربي كثيرا على نعمه وكرمه، وانتابني شعور بأن الله شاء لي تلك الليلة أن أزور قوما أتعلم منهم شيئا لمستقبل أيامي..التحية والتقدير والمودة بعد أكثر من ثلاثين عاما لتلك الأسرة التي آوتني وقدمت لي ما هو أثمن من مأوى.
    sudansudansudan19.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

10-30-2015, 05:10 PM

محمد فضل الله المكى
<aمحمد فضل الله المكى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4846

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    .
    عندما كنا نفارق الطريق القومي القضارف / مدني عند محطة الحوري ، ثم نتجه
    جنوباً إلى سمسم ، حيث المقر الرئيسي للزراعة الآلية ، كانت منزلتنا ومنزلة كل عابر
    للمشاريع هي دار أحمد خريف العامرة الترحابة ، وهو موظف بالزراعة الآلية .. ليس
    بالضرورة ، تكون من معارفه فديوانه مٌعد بما لا يقل عن ثمانية سراير مفروشة وهو
    مستعد لاستضافة المزيد ....... ديل رجال الخلا الذين حببهم الله في الخير ، فما ان تصلوا
    بليل إلا والعصيدة ويتبعها الشاي تكون قد وصلت.... أسأل الله أن يبارك فيهم..

    واصل أمين ، فنحن ما زلنا في ضيافة تلك المرأة ( السودانية ) وإبنها ( الراجل ) .
                  

10-30-2015, 07:08 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد فضل الله المكى)

    Quote: .واصل أمين ، فنحن ما زلنا في ضيافة تلك المرأة ( السودانية ) وإبنها ( الراجل )

    نواصل أخي ود المكي ونسعد يصحبتكم..
    ,,,,,
    في بدايات شهر سبتمبر نكون قد فرغنا من إعداد الأرض للزراعة وقد دفنا بذورنا و نما الزرع واستقامت سوقه. ونكون أيضا قد فرغنا من تعقب المليص من الحشائش غير المرغوبة وقمنا بتكليف من يقوم بإزالتها.. و تسمى هذه العملية بالكديب.
    في تلك الفترة يذهب المزارعون إلى ديارهم يمضون فترة إستجمام فالمهمة الشاقة قد انجزت واطمأن الجميع إلى نجاح الموسم و الأمطار قد هطلت مدرارا. و لن يعودوا إلا بعد شهرين حينما يستوى المحصول على سوقه وتبدأ عمليات قطع السمسم والتي عادة ما تكون في أوائل شهر نوفمبر. أما الذرة وهي المحصول الرئيسي فيبدأ حصادها في النصف الأخير من شهر ديسمبر.
    إذن في الفترة من إنتهاء الكديب إلى بدء الحصاد تخلو المشاريع من روادها، لكني في ذلك الموسم رأيت ألا أعود للأبيض وقلت لنفسى لأمضي بضع أيام هنا أخلد فيها للراحة وأمتع نفسي بهذا الطقس البديع أشاهد الزرع ينمو ويكبر.. أتجول بين الحقول صباحا باكرا وعند الغروب ..يبهرني مشهد الندى الرقراق وأستنشق نسيما عليلا.. وبرفقتي مذياعي و مجموعة من المجلات والمجلدات و الكتب أستمع و أقرأ..
    كان كل ما حولنا مثاليا.. فيما تشتهي النفس وتلذ.. عدا بعض المشقة في الإستحمام، الذي يتطلب أن أدخل الطشت إلى غرفتي ( القطية) و أحضر ماءا في القطعية ( نصف صفيحة تستعمل كجردل).. الماء في فترة الخريف نحصل عليه من الحفير المحلي الذي نقوم بحفره في طرف المشروع حيث تتجمع عندنا مياها تكفينا حتى بداية الحصاد لكنها تكون دائما عكرة في لون الطين و نقوم بعمليات لترويقها.. ذلك بإضافة قليل من الرماد إليها فتعمل حبيبات الرماد على معادلة كهربية الذرات العالقة بها فتترسب في القاع ويصبح الماء صافيا رقراقا.. لكن إذا زادت كمية الرماد عن المقرر يصبح الماء مرا علقما..

    قلت يجب أن نعالج مسألة الإستحمام هذه وشرعت بهمة في تشييد حمام، شيدت صريفا دائريا بحيث تدخل إليه بمدخل حلزوني فلا تحتاج لأن تثبت عليه بابا.. عالجت الأرضية بعمل مشمع .. راعيت أن يكون إنحدار الماء إلى الخارج .. و صنعت لنفسي دشا.. استغليت برميل الشحم بعد نظافته جيدا و أوصلت به ماسورة و في نهايتها ركبت الدش مع صنبور لفتح الماء وغلقه. و عملت على رفع البرميل إلى مستوى أعلى من قامتي حتى يعمل الدش بكفاءة
    بالطبع استغرق ذلك الإعداد وقتا و ذهابا و إيابا إلى هبيلا لإجراء اللحام ووقتا لتوفير المعينات في تشييد البرج الذي يحمل خزان المياه.. و اكتمل البناء يوما ما و أعددنا العدة للإستحمام.. كان يوما مشهودا.. ذلك اليوم.. الجو صافيا.. الشمس مشرقة و يالها من متعة أن تهنأ بالدش في الهواء الطلق .. خلعت ملابسي و فتحت الصنبور فاندفع الماء على جسمي الذي حرم من تلك المتعة زمانا.. أنبت نفسي كيف لم أفكر في إنشاء هذا الحمام من قبل؟ وقلت من الآن فصاعدا سوف أستحم كل يوم
                  

10-30-2015, 07:12 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    لكن... وإذ ما أنا في غمرة متعة الماء تلك كان هناك عدوة تترقب.. عدوة كانت بعيدة كل البعد لكن لديها رادارا أن هناك جسدا عاريا مبتلا بالماء و في سرعة كالبرق أقبلت عليّ من جهة الشرق وقد سمعت أزيزها كما الطائرات الحربية المغيرة.. هجمت تلك المخلوقة علي و في جزء من الثانية كانت قد حطت على ظهري لسعتني بعنف امتصت بعضا من دمي ثم في سرعة مهولة إذا بها تطير في الإتجاه المعاكس.. وإذا بي أسمع إزيزها و قد إنطلقت بعيدا.
    لا حول و لا قوة إلا بالله ... ما هذه المصيبة التي أتتنا من السماء... و بسرعة لا تقل عن سرعة تلك الطائرة المغيرة كنت داخل ملابسي .. موليا .. هاربا من الحمام...
    سألت الناس عنها.. قالوا لي ألا تعرفها .. إنها أم بنق.. أم بنق؟؟ و كيف هي ما لونها؟ ما شكلها.. لا أحد يدري فهي تسمع فقط و وتهاجمك من الخلف تأتيك من يمينك و تغادرك عن يسارك.. يصل إليك أزيزها مباغتا و يغادرك مبتعدا .. تاركا لسعة أليمة في ظهرك.
    تلك كانت الحشرة التي تعرف في تلك الجهات بإسم أم بنق (بضمة على الباء وسكون في كل من النون والقاف) .. و أم بنق تظهر في تلك الأيام من السنة و تهاجم بشراسة الحيوانات فترى الأغنام تهرول مفزوعة بلا هدى حينما تداهمهم أم بنق. وهي من صنف الحشرات الثاقبة الماصة للدم من كل من الحيوان والإنسان.. بيد أنها قلما ما تجد فريسة بشرية كحالتي..
    ومنذ ذلك اليوم كان قدر ذلك الحمام أن يصبح مهجورا.. وتركت فكرة الحمام في الهواء الطلق.. وعدنا مرة ثانية للطشت داخل القطية .. وفي فترات متباعدة....
                  

10-31-2015, 07:51 AM

Kabar
<aKabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الأمين..حبابك يا صديقي

    كتر خيرك على هذه الذكريات اللطيفة..!

    ظلمتها يا الأمين لو فقط حصرتها في اطار ذكريات ، فهي عندي اكثر كتابة شجاعة..و فيها انسنة للحاجات بصورة مدهشة للغاية..!

    وعشان ما نكب نقة كتيرة نابعة من جخانين الأيدولوجيا والذي منو.. فمشاريع الزراعة الألية في هبيلا..فهمونا.. انها واحدة من اهم الأسباب التي دفعت بعض من ابناء جبال النوبة للتمرد وحمل البندقية..فيما يسمى بالحرب الأهلية التي بدأت 1983..واستمرت لغاية 2005 (اتفاقية نيفاشا) ثم انطلقت تاني..وده مش مهم..!

    نحن شعوب امسودان ، خارج هبيلا.. سمعنا نقة ناس الأيدولجيا (الحركة الشعبية) ، لكن لم نسمع مطلقا نقة الطرف التاني.. الغول الذي كانت تصوره لنا الأيدولوجيا بانو ظالم ومصاص دماء.. انت قايل شنو؟..اهو الليلة الغول طلع مزارع مسكين عينو..طالعة.. عاني من قواسي الطبيعة والأساطير والمحن المتتالية..شفت كيف كتابتك دي مهمة يا الأمين؟.. مهمة لأنها بتوضح صورة غايبة أو مغيبة لعشرات السنين.. صورة المزارع الذي تصوره الأيدولوجيا المتطرفة ،بانو هو الرأسمال والهيمنة والتسلط..ولكن حينما يتحدث المزارع عن نفسو وعن تجربتو..بيكون شكل الصورة مختلف للغاية..مختلف شديد..!

    الخاطرة/المداخلة كان مفروض تكون بمدخل تاني.. مدخل الجدادة المختفية..و انسنة الأشياء..ابو لمبة.. الدبيب البياكل بيض الجداد (ابودرق/الكوبرا).. الطين ، الباعوض.. الفيران.. الجراد..ام بــُنق ، ام تركش.. النحلة.. اسطورة التار في وسط امة الثعابين (بالمناسبة الكلام ده صحي يا اللمين..!!..حقيقة وانا عشت التجربة..!!)..المدخل كان داير احكي ليك عن عذابات عشان تربي ليك جدادة في عقر ديار الرأسمال (في مدينتنا في غرب كندا)..و المحنة المارقة منها ..ياخي الموضوع فيهو مظاهرات عدييل.. يافطات..و انا كنت حالف يمين امشي المظاهرات دي..حمرة عين ساكت عشان حميمية الجداد ياااااااااااااخ..!!

    كتر خيرك..انت الزول التاني يطرا هبيلا.. فاول الأمر وثقها ناس البالمبو في عمل جميل اسمو (اللوري.. اللوري قام عاني بينا هبيلا, اربط الصاجات المسافة طويلة)..





    ولي قدام ، بعد اذنك واذن استاذنا المكي ، نقدم اضاءات.. حول بعض الأساطير..!

    خريف 1980، يا اللمين ، انا كنت في الدلنج (الما قدرت توصلها بسبب المصاعب)..و اشهد كان خريف بــُكلي على قول اهلك البقارة..!..ياخي السماء لو حمرت ليها ساكت..دميعاتها شوووووو..يجن جاريات..!!!


    كتر خيرك يا الأمين..كتابة مهمة يااااااااااااااخ..

    ودمت..


    كبر

    (عدل بواسطة Kabar on 10-31-2015, 07:56 AM)

                  

10-31-2015, 10:06 AM

إسماعيل ببو

تاريخ التسجيل: 05-17-2013
مجموع المشاركات: 347

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: Kabar)

    الأخ اللمين، لك التحية
    هذه الذكريات أو الخواطر شبيهة وتكاد تكون مطابقة تماماً لما أحمله في رأسي وكنت التمس الوقت لكي أفرغها في قالب مشابه لوصفك ذلك لأننا من نفس المنطقة والبيئة تفصلها فقط حدود جغرافية ولا تتجاوز المسافة بينهما بضع عشرات من الأميال.
    وأنت في قطر تأخذك "صحو الذكرى" المامنسية، وهنا في الرياض التحف يومياً ذكريات قناديل العيش (الغلّة) الأحمر والأبيض والسمسم ا لأحمر والأبيض وافترش طين الحدبة الفاير وفي خاطري تجول سُحب العِينة المخيفة والمطرة أم طويرات والضحوي والبراق اللعيسر والسلّوكة وهي تهبر هبراً على الأرض العذراء (الحريق).
    ورغم عدم عملي في المشاريع ولكن لابد أنك تذكر مشاريع كرندل وأم لوبيا والحلوف جنوب شرق أم برمبيطة مروراً بقرى خور الدليب وأم برطبو. فهي مشاريع أسهمت كثيراً في تنمية المنطقة بكافة أشكال التنمية من تجارة وتعليم وفتح طرق وكانت هناك خططاً بدأت فعلاً لشارع ظلط يتمد من الرهد أو السميح مروراً بأبوكرشولا وخورالدليب وحتى أبوجبيهة، وتلك كانت أحلام سعيدة لجميع مواطني المنطقة قبل أن تمتد إليها يد الحرب الأهلية والتمرد لتئد الأحلام في مهدها وتعيدنا مرة أخرى عقوداً من الزمن إلى مربع التخلف.
                  

10-31-2015, 09:40 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: Kabar)

    الأخ كبر
    لك التحية والتقدير، عزفت بأناملك على وتر حساس، لكنك أجدت إظهار النغمة والتي كانت نشازا، إلى أخرى أكثر طلاوة ونداوة فلك مني كل الشكر، أقول هذا لأني طربت لكل حديثك وأسعدني ما أبرزته من شذرات من بوح الذكريات، وقلت لنفسي هناك من يحسون بك حتى وإن لم تشكو، و أستميحك إن بثثت في مستقبل كتاباتي شيئا من الظلم الذي وقع علينا رغم إحساسك به وتفاعلك معه.. ,وشكرا جزيلا على روائع البالمبو.. ودمت أخي كبر.

    الأخ الأكرم إسماعيل ببو، طفت بنا في أرجاء زاهية من الوطن، أم لوبيا، وتوسي وكرندل والبيضا وكلها كانت تحت إشرافنا لما كنت أعمل مفتشا زراعيا بالبنك الزراعي حيث طفنا تلك النواحي الجميلة، غير أني لن أنسى خور الدليب والفيض أم عبدالله وأمبرمبيطة وحجير ود يس.. ولنا قصة في الوصول إليها.. لك مني كل التحايا

    و من نافذة الفيس بوك يطل علينا علي العلي، مرحبا بك علي وكم سعدنا بلقاء إخواننا من بارا ومشاريع الكواليب التي سار عليها إسم مشاريع بارا.. أعمامنا أب شراء حسب النبي وحاج خليل أحمد حسين وآخرين .. كنا في آخر صف المشاريع الموجهة من الناحية الغربية ومشروعنا 95 فيو كانت يجاور الغابة من الناحية الغربية و من الناحية الجنوبية و لنا حدود مشتركة مع الغابة تمتد لخمسة كيلومترات و تلك الحدود جعلتنا عرضة لكثير من المخاطر .. أحكي لك عنها لاحقا إن شاء الله.

    ويا عبدالرحيم تاج الدين الله يطول عمرك..
    Quote: تكون المشاريع فيها اضخم من الجزيرة من الدلنج الي الجبال الشرقية ( ابكرشولا - امبربيطا - رشاد - الصفيفر الخ ....) ومن خور كجار الي الدلامي وتلودي وكلوقي مشروع بحجم دولة غير الجنايين الموجوده في الجبال الشرقية فواكة وخضار تكفي السودان والصادر غير الثروة الحيوانية وكمية الألبان لو لقت مصانع بس نقول الله غالب

    .. حقا مشروع بحجم دولة.. تصور أنا أحيانا أنظر في قوقل إيرث لوديان الجبال الشرقية خاصة ذلك الذي يروي حدائق أبوجبيهة وتاندك وتجملا ,, وأقول لنفسي إنه ليس أقل من النيل في شيء بل ربما كانت المساحات المستثمرة على جانبيه أكبر عرضا من الزراعة على شاطئ النيل في الشمالية.. تحياتي وشكري و دمت.

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 10-31-2015, 09:51 PM)

                  

10-31-2015, 09:59 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    كنا حقا في سباق مع الزمن، علينا أن نحرث ألف فدان، الوردية الإثني عشر ساعة تمكننا من حرث خمسين فدانا فقط وكانت تسمى مقطوعية، أي نحن في حاجة لعشرين وردية متصلة ليل نهار، ولأن نزرعها نحتاج أيضا لعشرين وردية أخرى. والعمل لا يسير هكذا في وتيرة منتظمة وفي يسر بل تهطل الأمطار الغزيرة الفينة والأخرى فنتوقف عدة أيام ثم نواصل .. باختصار قد نبدأ الحرث في أول يوليو وننتهي في الأيام الأولى من سبتمبر.. هكذا نكمل رحلة شاقة مضنية حتى تكتمل زراعة المشروع الزراعي في هبيلا..
    والمحراث يسميه المزارعون الدكسي وفيه صاجات متينة تغوص في جوف الأرض فتعفر التربة و تقلبها رأسا على عقب وتزيل كل الحشائش الخضراء التي نبتت حديثا بعد هطول أمطار الخريف، المهمة هي نظافة الأرض من الحشائش حتى يتيسر لنا رمي البذرة في تربة نظيفة خالية من الحشائش.
    الصاجات قد تكون أربعة وعشرين صاجة في الدكسي الصغير الكوب والكوكشوط وتلك تغوص في الأرض بعمق أكثر من تلك الموجودة في الإنترناشونال ذي الإثنين وثلاثين صاجة.
    تقلب تلك الصاجات الأرض قلبا فتقضي على الحشائش والشجيرات الصغيرة وكانت تسمى الورشال.. و تخرج من باطن الأرض أحياء صغيرة فتجد أسرابا من الرهيو رهيو تتابع محراثنا تلتقط الديدان التي تكشف عنها أقراص المحراث..
    وكنت أجلس على ظهر الدسك تلك الآلة العجيبة التي تسير بالعرض.. أكون جالسا أرجلي إلى الأمام وظهري منحيا إلى الخلف أراقب الصاجات وأراقب صبابات البذور لأطمئن أنها جميعها تعمل دون إنسداد أو عطل..
    أخبرونا أن الصاجات أحيانا قد تداهم ثعبانا فتقذف به عاليا في الهواء ليقع و يستقر على بدنك.. لكننا والحمد لله لم نمر بتلك التجربة القاسية.. لكن مرة إصطدمنا بشجيرة صغيرة كانت بداخلها خلية نحل وأنطلق النحل فيها في هجوم شرس كنت وقتها أقود الجرار وكان معي جالسا على المحراث إبن أختى مصطفى، مصطفى كان نصيبه اربع لسعات عنيفة و أنا كذلك فقفزنا من آليتنا و فررنا هاربين .... احترنا ذلك اليوم كيف نعود لعملنا.. فالنحل غاضب .. والنحل إن هجم عليك بأعداد ضخمة ستكون في عداد الهالكين.. عدنا للجرار بعد عدة ساعات ملثمين كما الطوارق .. ووجدنا النحل قد رحل من مكانه ذاك إلى غابة قريبة..
    بيد أنه ذات مرة داهمت صاجاتنا عش لدجاج الوادي.. عثرنا على كنز .. ما يقرب من العشرين بيضة مثل بيض الدجاج العادي وأخذنا البيض معنا إلى الكمبو و سعدنا بوجبات من البيض المسلوق ثم وضعنا نصف الكمية لدجاجتنا لتحضنها.. و بعد الواحد وعشرين يوما فقس البيض فإذا بكتاكيت جميلة لونها بني فاتح وعليها خطوط طولية سوداء تفقس و تصبح ذرية لدجاجتنا هي لا تدري أنها تبنت كتاكيت لم تلدهم و الكتاكيت لا تعلم أنها تحت رعاية أم ليست أمهم ولما كبرت الكتاكيت وصارت أقرب إلى اكتمال نموها تغير لونها وأخذت ذلك اللون المميز الأسود الرمادي الذي تتخلله تلك النقاط البيضاء غير أن تلك الطيور التي من أصل غير أصل دجاجتنا كانت تطير، بالفعل بدأت الكتاكيت في الطيران لكنها كانت تعجب أن أمهن لا تطير مثلهن، أصبحت تلك الدجيجات تطير وتعود سريعا لأمها المتأخرة عنهن فيحثنها على الطيران ...
    الدجاجة المسكينة تعجب كيف أن كتاكيتها تطير، والكتاكيت في حيرة من أمهن الراكدة في الأرض، ثم من بعد تتحول تلك الحيرة إلى ضيق ويتترجم ذلك إلى غضب وتنقض الدجاجات ذات الطبيعة الغابية الشرسة على أمها فينقرن على رأسها نقرا شديدا.. فتهرب منهن المسكينة..

    Untitled3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com
                  

11-01-2015, 09:20 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    إعتاد أبّا و إبراهيم العمل في وردية الليل، كانا يشتغلان بهمة و نشاط فيها فتراهما يستيقظان في العصر ذلك بعد أن يمضيا جل النهار نائمين و يتوجهان لإعداد وجبة المساء، ثم ما أن يأتي التراكتور من وردية النهار حتي يقبلان عليه في حركة دؤوبة يملآن خزان الوقود ويغيران مصافي الجازولين، وإن إحتاج الزيت إلى تغيير قاما بذلك، ويتولى أبا تشحيم كل نقاط التشحيم في الجرار ويقوم بنظافة التراكتر و تلميعه . ثم يتناولا على عجلة طعامهما ويأخذان ما يكفيهما لوردية الليل من شاي وسكر وينطلقا صوب المشروع.
    غير أنهما ما كانا ليتوجهان مباشرة صوب موقع الدسك ليواصلا إكمال ما بدأته وردية النهار من عمل، فقد كانت لهما وثبة خاصة إلى قرية قريبة من مشروعنا يأخذان منها زادا من نوع آخر، إعتادا على تناوله فيبعث فيهما نشاطا دافقا وإحساسا بالنشوة..
    كان ذلك دأبهما كل ليلة وكانا يؤديان عملها في إتقان، غير أنهما أحيانا قد يتناولا جرعة زائدة فتتوه عقولهما و لا يدركان مكان الدسك و يظلان دائرين شرقا و غربا في المشروع دون أن يعثرا عليه، بالطبع عادة يترك الدسك في موقع الحرث يسحب منه الجرار حين إنتهاء الوردية ليعود للكامب حيث يتزود بالوقود و يتغير العاملون فيه، لذلك قد يلاقي السواقون مشقة في الوصول إلى مكان الدسك في بعض الأحيان. وفي تلك الليلة ظل إبراهيم وأبا ساعات طوال تائهين ونحن من موقعنا في المعسكر نلاحظ إضاءة كشافاتهم مرة في أقصى شمال المشروع ومرة في جنوبه ثم في شرقه وغربه، أيقنا أنهما قد ضاعوا فتوكلنا على الحي الدائم و خضنا غمار المشروع ليلا بأرجلنا و نحن نتعقب مكان الإضاءة إلى أن وصلناهم فوجدنا في وادي والمحراث في واد آخر.
    ثم من بعد في يوم ما توجهنا إلى تلك القرية التي اعتاد أصحابنا المرور عليها، لشراء بعض الأغراض، فعرفاني بالتاجر في القرية الذي بالغ في الترحيب بي، ثم ما لبث أن أنتحى بي جانبا وقال و فمه تعلوه إبتسامة فيها ما فيها من الخبث، يا حاج ما رأيك في مشروع عمل يجعلك أغني زول في البلد دي، فسألته ما هو المشروع، قال لي لا عليك أنا سأتولى التسويق وما عليك إلا أن تزرع في أطراف المشروع بعضا من بذورنا.. وسأتولي تزويدك بالبذور،
    كان مشروعنا 95 يمتاز بموقع فريد فقد كان في أقصى الطرف الجنوبي الغربي لمنظومة مشاريع الزراعة الآلية في هبيلا وفيو، وبالتالي فقد كان يجاور الغابة من اتجاهي الجنوب والغرب حيث لا يمر أي مخلوق في تلك النواحي.
    إذن فمشروعنا سيكون موقعا مثاليا لزراعة كميات تجارية ضخمة من نبتة الخشخاش ويا لها من فكرة إستثمارية رائدة..
    أعملت عقلي فكرا دقائق ..
    ثم فررت من ذلك المكان فراري من الأجرب.. وعدت أحمد الله تعالى أني لم ولن أنصاع يوما لمثل هذه الأفكار الخبيثة، حمانا الله و إياكم.
                  

11-05-2015, 07:59 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    غرقنا في خور أبوحبل...
    .. الطريق من الأبيض إلى الدلنج إلى هبيلا وإلى إم برمبيطة يمر تقريبا بكل فروع وادي أبوحبل، و خور أبوحبل ليس خورا فحسب بل هو نهر ضخم، هو أكبر عرضا من النيل الأبيض بيد أنه يجري فقط خلال فترة الخريف، ولو كان في بلاد غير بلادنا يعرف أهلها قيمة الأشياء لأطلقوا عليه إسم نهر أبو حبل الموسمي...
    كنا نعبره في فرعه المسمي خور شوشايه وهو متسع ليس عميقا لكنه سبب وحل و تعطيل لكل الشاحنات التي تحاول عبوره و بعد الدبيبات يوجد خور كجار.. هناك والحمد لله مشيد جسر ضخم، من الدلنج نمر بخور الشطة وما أدراك ما خور الشطة.. هناك يزرع الوافدون من غرب إفريقيا كميات ضخمة من الشطة تشكل كل الوارد من هذه السلعة الهامة للأسواق.. وهناك خور الورل وخور ملبك و خور باسيلي حيث يحكى عن غرق عربة الخواجة باسيلي يوما ما في ذلك المكان الوعر..
    ذات مرة كنا عائدين من المشروع بعد انتهائنا من الزراعة والكديب - أنا ورفيق لي من الزياتين - وكنا متجهين للأبيض عبر الطريق البري المختصر الذي يتجه مباشرة من المشاريع شمالا إلى الأبيض.. لما وصلنا خور كجار كان ممتلئا بالمياه الهادرة...يقولون إن وجدت الخور جاريا فعليك الإنتظار يوما أو يومين حتي ينحسر.. لكني قدرت ان بإمكان الجرار الجوندير الذي أستقله العبور.. أوقفت الجرار.. نزلت وخضت المياة لأتأكد من عمقها.. عرفت العمق وأتيت فوقفت بجانب الجرار فوجدت أن المياه ستغمر الجرار بأكلمه لكن لخاصية علو سايفون الهواء فسوف نعبر دون مشقة..
    فصلنا سير المروحة حتى لا ينقطع السير أو يصيب المروحة سوء، وغلفنا الميقانيتا بما يلزم لمنع دخول الماء إليها و اندفعنا صوب الماء.. لكن في منتصف الخور تعطل جرارنا و خارت قواه.. وتوقف، تعددت محاولاتي لتشغيله بيد أنها باءت بالفشل.. تأكد لي أن الجرار قد " شرب ماءا" أي أن الماء قد دخل إلى الماكينة. وبالتالي تعذر إشتعاله..
    ورغم أننا وقعنا في ورطة ليس من سبيل للخلاص منها إلا أنه في سويعات أتانا الفرج فبعد إنتظار كان خلاصنا على يد الخواجة الإغريقي بنيوتي إذ كانت للرجل أعمال كبيرة في كازقيل وكانت لديه مصانع متنقلة للجبنة.. جاءت إحدى شاحنات الخواجة تحمل معدات مصنع لهم وتوقفوا بجانب الخور وبدؤوا في نقل معداتهم يحملها العمال على ظهورهم .. وبعد الإنتهاء من مهمتهم تلك وقد استغرقت حوالي الساعتين.. قاموا بسحب جرارنا من الماء بعد أن أوثقوه بسلبة طويلة وتمت جره بواسطة العربة..
    شكرناهم وحمدنا الله على سلامة الخروج من الخور ..
    الموقف الآن حله أن نغادر لنصل الابيض ونأتي بنجدة من هناك لسحب الجرار وإصلاحه.

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 11-05-2015, 10:29 AM)

                  

11-05-2015, 09:43 AM

الطيب شيقوق
<aالطيب شيقوق
تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 28804

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    اخي الامين

    سلام

    سرد رائع و موضوع ممتع جدا

    ابن عمي الراحل ابراهيم احمد البشير شيقوق والمشهور ب(إبراهيم شخصية) سبق وان عمل مديرا لمشاريه هبيلا في ثمانينات القرن الماضي فهل صادفته وقتها؟
                  

11-05-2015, 10:58 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الطيب شيقوق)

    ..
    Quote: ابن عمي الراحل ابراهيم احمد البشير شيقوق والمشهور ب(إبراهيم شخصية) سبق وان عمل مديرا لمشاريع هبيلا في ثمانينات القرن الماضي فهل صادفته وقتها؟

    رحم الله أخانا إبراهيم أحمد البشير وغفر له وجعل الجنة مثواه إنه سميع قريب مجيب الدعاء .. إبراهيم شخصية من الشخصيات المشهورة جدا في الكلية غير أنني لم ألتق به في هبيلا وغالبا ما يكون قد عمل بهبيلا في النصف الثاني من الثمانينات ووقتها كنت قد تركت العمل هناك .. شكرا لكم و لقد سعدت كثيرا بوجودكم معنا أخي الطيب شيقوق ودمتم
                  

11-05-2015, 11:32 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الطريق غير مطروق العربة الوحيدة التابعة لخواجة بنيوتي كأنما بعثها الله لنا لتنقذنا .. ركبنا معهم إلى كازقيل... وبعدها تفرج بإذن الله .. كازقيل تقع إلى الشرق من الطريق المعبد الذي كانت تنفذه شركة أديكو الهولندية تلك الأيام بين الأبيض والدبيبات.. سألنا عن المسافة من كازقيل والطريق فقيل لنا أنها ليست قريبة .. وتوكلنا على الله وخببنا بين الزروع صوب الطريق المسفلت..
    وصلنا بعد قرابة الساعتين إلى معسكر خاص بشركة أدكو و هناك رأيت سيارة لاند كروزر بيضاء واقفة .. فحمدنا الله أننا سنجد من يوصلنا للأبيض.. السيارة كان يقودها أحد مهندسي الشركة وهو هولندي. وكانت برفقته زوجته.. ظللنا في طرف المعسكر في إنتظار صاحب العربة لنطلب منه توصيله للأبيض.. وبعد زمن وقد قاربت الشمس للمغيب جاء الخواجة لسيارته فأقبلنا عليه و سلمنا عليه ورد علينا السلام.. وطلبنا منه مشكورا أن نصل معه للأبيض.. ولم يخطر ببالنا أبداً أنه سيرفض..
    لكنه بالفعل رفض، قال أنه لن يستطيع أن يوصلنا فهذه سيارة تابعة للشركة وغير مسموح لهم بتوصيل الأفراد .. قلت له إننا نقدر لكنا قادمون من منطقة بعيدة و شرحت له حكايتنا عسى أن يقدر ظرفنا ويتجاوز عن قوانينه.. لكنه رفض.. خيل أن زوجته الواقفة بقربه ستحثه على أخذنا لكنها وقفت صامتة دون حراك.. وحاولت مرة ثالثة والرجل مصر على الرفض. وهنا أحسست أني أمام شخص قليل الذوق وحزنت على حالي وقلت له شكرا ومضيت مقررا أن نصل راجلين حتى الابيض ولو استدعى الأمر أن نمشي الليل كله..
    تحرك الخواجة بعربته وتحركنا نحن راجلين .. وسرنا لساعات في الردمية نترقب بين الفينة والأخرى وصول سيارة لنا و بالفعل تأتي سيارة منطلقة ونقف في جانب الردمية نؤشر ونلوح لها لكن لا حياة لمن تنادي.. تمر العربة كالبرق أمامنا و لا تفكر أن تتوقف.. ونواصل السير.. وتأتي أخرى وهذه المرة نسمع منهم سلاما بآلة التنبيه .. لكنهم أيضا لا يتوقفون..
    مرت أربع ساعات وما زلنا بعيدين من الأبيض، أخذ التعب والإرهاق مأخذه منا.. لكن الحمد لله على كل حال . .. تغير الحال إلى بعض التوقف والجلوس أو الرقاد قليلا ثم مواصلة السير.. ثم أخيرا بعد مرور العديد من اللواري القادمة من الدلنج وكادقلي.. توقفت لنا واحدة.. وصعدنا إلى أعلاها حامدين شاكرين أنعمه وفضله علينا.. وبتنا تلك الليلة في منازلنا بالابيض..
                  

11-05-2015, 11:56 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)


    أخي الكريم الأمين عبد الرحمن عيسى،

    في أسافير تغصّ بالغثاء أترقّب بزوغ هلالك الجديد في السماء في كل حين.

    ولا أخفيك سرّاً أني أروّج بين معارفي لذكرياتك المعطونة في محبّة الوطن. ليتنا منحنا القدرة على تسليمه للخلف وديعة سليمة كما استلمناه من السلف (هذه العبارة البليغة استعيرها من الفصيح منصور المفتاح ).

    (عدل بواسطة Osman M Salih on 11-05-2015, 12:03 PM)

                  

11-05-2015, 12:52 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10903

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: Osman M Salih)

    الباشمهندس الأامين أو حسام
    تحياتي
    آسف لتأخير التعليق الذي جاء لأسباب (لوجستية) هههههه
    أول يوم أقرأ موضوع بتركيز و أنا عارف إنت ما بتكتب موضوع ساكت و لا موضوع ‏خارم بارم لأنك عالم و علمي بالجد و بدون مجاملة.‏
    نجي للموضوع: أنا باعتباري مهندس زراعي سابق لم أمر بمثل هذه التجارب الغنية. و ‏هي تجارب أكسبتكم خبرات حياتية و مهنية. و الحياة في المناطق التي ذكرتها بروعتها ‏و مفاجآتها و بساطتها هي البتدي للحياة معنى و أبعاد متعددة. بالإضافة لتمكنك من ‏ناصية اللغة و موهبة الوصف و التذكّر المتسلسل أعطى لموضوعك حلاوة تُغري ‏بالمتابعة. ‏
    سؤالي الآن هو: ماذا تغيّر الآن في أسلوب الحياة و العمل الآن في تلك المناطق ‏مقارنة مع الثمانينات.‏
    دمت يا باشمهندس و أرجو أن لا تحرمنا بغياباتك الكثيرة من روعة الكتابة و دسامة ‏الموضوعات.‏
                  

11-05-2015, 12:53 PM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10903

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: Osman M Salih)

    الباشمهندس الأامين أو حسام
    تحياتي
    آسف لتأخير التعليق الذي جاء لأسباب (لوجستية) هههههه
    أول يوم أقرأ موضوع بتركيز و أنا عارف إنت ما بتكتب موضوع ساكت و لا موضوع ‏خارم بارم لأنك عالم و علمي بالجد و بدون مجاملة.‏
    نجي للموضوع: أنا باعتباري مهندس زراعي سابق لم أمر بمثل هذه التجارب الغنية. و ‏هي تجارب أكسبتكم خبرات حياتية و مهنية. و الحياة في المناطق التي ذكرتها بروعتها ‏و مفاجآتها و بساطتها هي البتدي للحياة معنى و أبعاد متعددة. بالإضافة لتمكنك من ‏ناصية اللغة و موهبة الوصف و التذكّر المتسلسل أعطى لموضوعك حلاوة تُغري ‏بالمتابعة. ‏
    سؤالي الآن هو: ماذا تغيّر الآن في أسلوب الحياة و العمل الآن في تلك المناطق ‏مقارنة مع الثمانينات.‏
    دمت يا باشمهندس و أرجو أن لا تحرمنا بغياباتك الكثيرة من روعة الكتابة و دسامة ‏الموضوعات.‏
                  

11-08-2015, 07:41 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد عبد الله الحسين)

    Quote: في أسافير تغصّ بالغثاء أترقّب بزوغ هلالك الجديد في السماء في كل حين. ولا أخفيك سرّاً أني أروّج بين معارفي لذكرياتك المعطونة في محبّة الوطن

    أخي عثمان م صالح جزاك الله كل خير.. هذا ولله خير ما قرأت من ثناء لما أكتب فلك منى كل شكر وتقدير.. وليتنا كما قال الفصيح منصور المفتاح نمنح القدرة على تسليمه للخلف وديعة سليمة كما استلمناه من السلف.

    Quote: و ‏هي تجارب أكسبتكم خبرات حياتية و مهنية. و الحياة في المناطق التي ذكرتها بروعتها ‏و مفاجآتها و بساطتها هي البتدي للحياة معنى و أبعاد متعددة.. ‏

    كنت دائما أقول لنفسي رغم خروجي صفر اليدين من تجربة الزراعة الآلية ورغم أن زملائي بالبنك الزراعي السوداني قد زجوا بي إلى السجن لمبلغ بسيط تأخرت عن سداده بضع أيام.. كنت أقول أنني مررت بتجربة ثرة غنية كلها دروس وعبر تماما كما ذكرت أخي محمد الحسين ولعل قصتنا القادمة في خور أبو حبل إحدى تلك الدروس..
                  

11-08-2015, 07:43 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    قصتنا الثانية مع خور كجار وهو كما ذكرت لكم أكبر روافد نهر أبوحبل الموسمي كانت حينما أتينا عابرين له ونحن في طريقنا من الأبيض إلى كرتالا وكان ذلك في بداية موسم الحصاد في منتصف ديسمبر، في ذلك الوقت يكون محصول الذرة قد استوى على سوقه وعلينا أن نبدأ الحصاد والذي يتم بعمالة يدوية حيث نجلب للمشروع المئات من الاسر الكردفانية تلك التي أكملت مهمة حصاد زرعها في القوز و تفرغت لعمل إضافي آخر هو حصاد الذرة في مشاريع الزراعة الآلية.. كانت تلك الأسر في الماضي تتجه إلى مشروع الجزيرة للقيط القطن لكنها آثرت فيما بعد العمل في هبيلا..
    في الأبيض إستأجرنا لوريا و شحناه بكل ما نحتاج إليه من مواد تموينية لقضاء فترة الحصاد والتي تمتد من أوائل ديسمبر وحتى منتصف مارس.. و بتوفيق من الله عثرنا عن مجموعة طيبة من العمالة التي وفدت من نواحي دار حامد واستقرت في مواقف معينة من الأبيض في انتظار التعاقد مع أي من أصحاب المشاريع.
    بفضل الله شحنا بضع براميل من الوقود وبراميل من المياه وجوالات من طحين الذرة ثم العديد من جوالات البصل وباقات الزيت ثم جوالات الصلصة والويكة واللوبيا والشرموط والملح والشطة واشترينا ما يكفينا وعمالنا لأربعة أشهر من السكر والشاي والبن وحتى التمباك والسجاير.. ثم العديد من لوازم الإسعافات الأولية من حبوب الأسبرين وعلاجات الملاريا والإسهالات وغيرها وغيرها.. حيث أننا وعمالنا سنظل معزولين في البرية لفترة ليست بالقصيرة.
    بالطبع شحنا معنا في تلك السفرية أحد أهم عناصر الإنتاج وهو بالات الخيش القادمة من بنغلاديش حيث أخذنا معنا ما نعتقد أنه مواز لإنتاجنا المتوقع..
    هكذا تحركنا من الأبيض بلوري مثقل بحمولته القصوى وقصدنا كرتالا بالطريق المختصر والذي عادة ما يكون مغلقا إبان الخريف والذي أيضا تضيع معالمه و تتحول بعض دروبه إلى مجار مائية عميقة يتعذر معها المضي بيسر..
    مضينا نكابد مشقات الطريق حتى دخلنا وادي خور أبوحبل.. و أقبلنا في وجل على خور كجار لنجده قد تغيرت معالمه وإذا بالمياه العنيفة في تدفقها قد جرفته و جعلت جانبي الوادي والتي كانت ذات إنحدار معقول يمكن اللواري من الهبوط بيسر إلى قاع الخور ومن ثم الصعود أيضا إلى قمته .. إذا بنا نجد أن قطاع الخور الرأسي قد تحول من انحدار معقول إلى آخر حاد جدا وكان علينا أن نهبط إلى القاع و نحن نخشى أن ينقلب اللوري أمامنا.. ثم صعدنا أيضا في زاوية شبه رأسية واللوري يزأر أحيانا ويئن حينا و يكابد... والقمة ما تزال عصية المنال.. أدركت إطارات اللوري الأمامية قمة الخور.. غير أنه عجز عن إكمال صعوده فتراجع في سرعة رهيبة نحو الخلف.. وتدحرج إلى أسفل إلى أن استقر في القاع.. حمدنا الله أننا لم ننقلب أثناء انحدارنا وتعالت صيحات النساء وأخذن يندهن بجميع الأولياء والصالحين.
                  

11-08-2015, 07:54 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    لم نصدق أعيننا .. كيف كان يكون الحال لو انقلب اللوري وعلى متنه هذه الجموع من البشر وتلك الحمولة الثقيلة من الأشياء.. الحمد لله والشكر لله..
    سبب إنحدار اللوري للخلف كان بسبب إنقطاع مسامير "عمود الجنب" ذلك الذي ينقل الحركة من " الكرونة " إلى الإطارات الخلفية و يدفع العربة إلى الأمام.. وحينما يحدث مثل هذا العطب في اللواري فالأمر يتطلب عده أيام لمعالجته.. وفي مثل هذا الحال ليس من حل سوى إستئجار شاحنة أخرى لتكلمة المشوار..
    ظللنا قابعين في قعر أو قاع الخور ونحن في قمة الحيرة.. أستقر الرأي أن يمضي أحد المساعدين راجلا في طريق كرتالا غير أن المشوار بعيد وقد يحتاج لأكثر من إثني عشر ساعة للوصول..
    ما زلنا في مكاننا في انتظار الفرج، و إن فوضت أمرك لله فسيأتيك الفرج لا شك .. بعد ساعتين .. اقبلت عربة فارغة وقف السائق بجانبنا وبعد الإستفسار طلبنا منه أن نكمل معه المشوار.. و أخذنا نتفاوض على التكلفة.. غير ان الرجل وجدنا في حاجة ماسة له واغتنمها فرصة فطالب بأجر عالٍ جدا.. فاستنكرنا ذلك منه ووافقنا أن نعطيه أكبر قدر ممكن من الأجر.. لكنه أصر على أن ندفع له ضعف ما نستطيع.. وفي دقائق كانت جموعنا كلها تفاوض في الرجل وترجوه وتستعطفه.. لكن الرجل يصر على مطلبه والذي كنا عاجزين عن تلبيته.. و في خاتمة المطاف.. أدار الرجل محرك سيارته وتحرك من دوننا وتركنا وعلامات إستفهام كبيرة تدور في خلدنا عن هؤلاء السودانيين الذين فقدوا المروءة والشهامة والذوق..
    ثم بعد ساعات ثلاث أخرى وبعد أن أرخي الليل سدوله ونحن في قعر الوادي.. جاءت شاحنة أخرى.. و إنتظرنا قدومها وتفقدنا جميع ما نملك من مال للوصول إلى إتفاق مع هذا القادم الجديد.. ما أن وقف الرجل أيضا بجانبنا حتى حيانا و كفر لنا... فاقبلنا عليه نساله أن كان ذاهبا لكرتالا وهل يمكنه توصيلنا لهناك..
    كنا متوجسين أن يطالبنا هذا القادم بمبلغ كبير مثل الذي سبقه.. لذا بادرناه بالسؤال كم يطلب منا لتوصيلنا وابتسم الرجل في بشاشة وقال لنا كدي يا أخوانا أول أركبوا موضوع القروش ده خلوه لبعدين .. الحمد لله تلك بداية طيبة، لكن لابد من الإطمئنان، فأصررنا أن نعرف فلنا تجربة سابقة.. يا خي كدي ورينا بتوصلنا بكم؟؟ وكانت المفاجأة.. قوله.." يا أخوانا ولله أنا بيكم وبراكم ماشي كرتالا، يا أخوانا أركبوا أنا ولله ما داير منكم لا قرش لا تعريفه.. كفاية علي بس أوصلكم..
    بارك الله فيك، الله يكرمك، ألله يحفظك ، جزاك الله خير... وتتالت و تعالت الدعوات و انهمرت عليه.. وفرج الرجل عنا كربة .. و ضمن فرجا من كرب يوم القيامة..
    وتعلمنا نحن دروسا..

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 11-08-2015, 08:05 AM)
    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 11-08-2015, 09:15 AM)

                  

11-09-2015, 04:59 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    نحن اليوم في طريقنا إلى أم برمبيطة.. وأم برمبيطة هي إحدى مدن الجبال الشرقية.. الجبال الشرقية هي المنطقة الشرقية من السهل الطيني المنبسط الذي يمتد من غرب ولاية جنوب كردفان فيكوِّن في أقصى غربه (سابقا) مجلس ريفي غرب الجبال وعاصمته الفولة ثم في الوسط مجلسي شمال وجنوب الجبال وعاصمتهما الدلنج و كادقلي ثم في أقصى الشرق ومتاخما لولايتي أعالى النيل والنيل الأبيض هناك مجلس شرق الجبال وعاصمته رشاد..
    أم برمبيطة وأبوجبيهة و رشاد والعباسية هي أكبر وأشهر المدن في تلك المنطقة ويعتبر إقليم الجبال الشرقية أكثر أقاليم السودان ثراءا وبه تقع مملكة تقلي التاريخية.. والإقليم يذخر بثروته الزراعية والغابية والمعدنية والبستانية.. وبإنسانه الجميل ذي الخلق النبيل الرفيع..
    اليوم كانت تجربتنا مع إحدى وديان الجبال الشرقية الزاهية.. كنا نسحب المحراث وننقله من مشروعنا بكرتالا عبر كل من دلامي وكدبر وإم برمبيطة والجميزاية لنصل إلى حجير ود يس بالقرب من خور الدليب لنوفي بالتزام عقده والدنا مع أخ كريم من أهالي أم برمبيطة للمشاركة في زراعة أرضه في تلك النواحي. كان المشوار بعيدا، بعيدا جدا بين موقعنا في كرتالا وبين موقع الشريك، غير أني لم أملك أن أعتذر و تحتم علي أن أقوم بحرث وزراعة المشروعين بجرار و محراث واحد، وهذا معناه أن أتنقل من كرتالا بكل هذه المعدات الثقيلة على الحركة في الخريف والعودة بها مرة أخرى لإكمال العمل في المشروع الثاني وذلك ما فعلنا بالضبط حيث قطعنا في مشوارنا ذاك قرابة المائة وخمسين كيلومترا ونحن على ظهر تراكتر وخلفنا آلية لم تخصص لقطع تلك المسافات الطويلة في تلك الطرق الوعرة..
    وقد قابلنا عناء ومشقة في نقل الدسك كل هذه المسافة ونحن نصعد هضابا و نهبط وهادا.. ونعبر أودية عميقة.. و قلوبنا وجلة من عطب أو كسر قد يصيب المحراث ونحن في مجاهل بعيدة عن العمران وعن ورش الزراعة الآلية حيث لا تتيسر فرص للصيانة ولا تتوفر قطع للغيار.
    وأتينا إلى واد من تلك الأودية التي تتميز بها الجبال الشرقية حيث تشاهد الأرض من على البعد شديدة الإخضرار تحفها أشجار باسقة ظليلة وقعر الوادي يذخر برمال بيضاء مغسولة بالمياه وقد تجد في انعطاف النهر بركة من مياه صافية رقراقة وتهب عليك نسائم تبعث فيك نشاطا دافقا.. وهبطنا إلى ذلك الوادي بحذر شديد.. بعد أن وضعنا تروس الجرار على أقل السرعات وأعلى العزوم.. في تأن استقر الجرار و المحراث ببطن الوادي .. الرمال البيضاء تحفنا و المياه الصافية على جانبنا والطريق المتعرج الصاعد أمامنا و نحن نعمل في روية على العبور.. ثم قسمنا المجرى ذلك بأن وضعنا إطارات جرارنا وإطارات محراثنا على المنطقة العالية من المجرى حتى لا يشكل الجزء العلوى المحدب من الطريق عقبة في مسارنا وأخذنا نصعد و قلوبنا واجفة من احتمال سقوط في عميق المجرى وتعطل إن حدث لن نستطيع منه فكاكا.. ومضينا والحمد لله وبينما نحن في آخر مراحل خروجنا من ذلك المأزق الوعر و الجرار على وشك الصعود خارج الوادي إذا بنا فجأة نسمع من ورائنا ومن جانبنا صيحات وأصوات عالية.. فانتبهنا جميعنا إلى مصدر الصوت.. ودارت أعيننا تجاهه .. وكانت المفاجأة!!
                  

11-09-2015, 05:20 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    كانت المفاجأة أن انبثقت من داخل المياه الهادئة الرقراقة التي مررنا للتو بجانبها أجساد عارية لفتيات في لمعان الأبنوس وجمال الحوريات يحفهن ويتطاير حولهن رزار الماء.. وإذا بهن يتقافزن و يصحن بنا ويلوحن لنا و تتعالى ضحكاتهن عقدت الدهشة ألبابنا وكنا في موقف لا نحسد عليه .. لا نستطيع أن نعود أدراجنا ولا أن نمعن النظر.. فتحتم علينا أن نلقي نظرة خاطفة على تلكم الحوريات الجميلات من بين أغصان الشجرة الباسقة التي تحول بيننا وبينهن .. ونغادر في حيرة ودهشة صوب أم برمبيطة وحجير ود يس. وفي نفوسنا رغبة في العودة..
    ..
    بالطبع كانت الفتيات من قرية مجاورة للوادي ولعلهن قد إعتدن السباحة في تلك الناحية ومعلوم أن ذلك الطريق لا تطرقه دابة إلا بعد إنقضاء الخريف، لذا كن يسبحن ويلهون في اطمئنان تام، لكن لما سمعن صوت جرارنا قادما نحو الوادي رأين أن يغطسن داخل الماء، لذلك لما وصلنا نحن وأخذنا وقتنا في تدبير أمر الخروج من الوادي كانت الفتيات حابسات أنفاسهن داخل الماء ولما شارفنا نحن الصعود قد يكون إحتمالهن لكتم أنفاسهن قد نفد و كان لابد من الخروج.. فشاءت الأقدار أن نكون شاهدين لثوانٍ على مشهد من قصة حسن البصري .. (لو يذكر الكبار منا قصة حسن البصري في كتاب المطالعة الملحقة ).

    (عدل بواسطة الأمين عبد الرحمن عيسى on 11-09-2015, 05:24 AM)

                  

12-06-2015, 07:13 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الأخ Abazar Deshab من نافذة الفيس بوك
    لك الشكر والتقدير أخ أبا ذر .. معذرة لم ار تعليقك إلا اليوم .. دمت يا أخي.
                  

12-06-2015, 07:14 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    نظام هيئة الزراعة يلزم كل أربعة متجاورين من أصحاب المشاريع أن يشيدوا معسكراتهم جوار بعضهم البعض فمثلا تجد مشروعين متجاورين إلى شمال الطريق المتجه غربا، أحدهما يسكن في طرف مشروعه الجنوبي الشرقي والثاني يسكن إلى طرفه الجنوبي الغربي، ثم المشروعين إلى جنوب الشارع يكون أحدهما أيضا في الشمال الشرقي والآخر في الشمال الغربي.. فنكون حلة صغيرة بها ما لا يقل عن العشرة قطاطي وبعض الكرانك و الزرائب و الحفائر.. وترى الجرارات متوقفة و تشاهد براميل الماء .. و باقي لوازم المشروع..
    كنا في معسكراتنا نمثل أطياف متعددة .. معنا عمنا إبراهيم مكي سندلوبة من كادقلي وأخونا التيجاني يوسف جمع الله من المزروب وأنا من الأبيض ثم من هبيلة نفسها أخونا صديق علي و كان مديرا لمشروع التعاوني للعاملين بهيئة الزراعة الألية.. أمضينا سنين متجاورين متحابين متعاونين في ذلك الصقع النائي من البلاد..
    غير أن أخانا التيجاني رحمه الله كان رجلا صوفيا وكان أكثرنا صلاحا.. في تلك السنة وذاك الموسم.. رأى تيجاني رؤية .. أخبرنا بها.. قال أنه شاهدنا نحن الأربعة هو و عم إبراهيم وصديق و أنا .. شاهدنا نحرث في الأرض غير أننا لم نكن نستخدم جرارتنا ومحاريثنا المعتادة، بل كنا كلنا ممسكين بمحراث بلدي ضخم يشبه ذلك النوع الذي يستخدمه المزارعون في الشمالية. وذاك المحراث كان يجره ثور ضخم أيضا.. كان كل شيء يجري كما هو مرجو.. الثور يمشي على مهل والمحراث يغرز في الأرض.. ونحن الأربعة ممسكون به.. نعالجه ونوجهه كلما انحرف في مساره..
    يقول تيجاني أن الثور ما لبث أن أسرع في خطاه ثم أصابه هياج فانطلق ونحن الممسكون بالمحراث إذا بنا يطير كل منا في اتجاه.. ووصفنا تيجاني و وصف كيف قفزنا في الهواء وكيف انطلق الثور لا يلوي على شيء.. لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم.. من يعبر لنا هذه الرؤية..
    كنت في ذلك العام قد اقتنيت جرارا ثانيا واستأجرت محراثا، وشاركت أخوين فاضلين من تجار الأبيض في استثمار مشروعين آخرين غير مشروعي.. أي أنني حرثت في ذلك العام ثلاثة مشاريع..
    بفضل الله حرثنا وبذرنا المشاريع الثلاثة.. غير أن المطر .. تأخر.. ثم لم يأت.. مضى شهر يوليو .. وشهر أغسطس.. وقليل من الرشاش ينزل علينا والسماء ننظرها صباح مساء ولا أثر للسحب.. في أواخر أغسطس غادرنا المشاريع إلى المدينة.. إذ كان المشهد لا يقوى على مشاهدته إلا من كان قوي الشكيمة صبورا محتسبا.. غادرنا المنطقة على أمل أن نسمع أخبارا طيبة بعد مفارقتنا الأرض.. وبالفعل كانت تأتينا أنباء مشجعة.. أن أمطارا لا بأس بها أعقبتنا.. وأن العيش كويس.. وانقضت الأشهر التالية وتأكد النبأ.. أن البلاد بأسرها أصابها جفاف لم يشهد السودان مثله من قبل..
    عدنا إلى المشاريع لنجدها وكأنا لم نزرعها .. بضع قناديل هنا وهناك.. ذبلت نبتات الذرة قبل أن تخرج قناديل.. تحول لونها من الأخضر إلى لون وردي.. و جفت..ثلاثة آلاف فدان زرعناها في المشاريع الثلاثة لم تنتج سوى ثلاثة بالمائة مما كنا نرجوه منها.. الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه..
    تحققت رؤيا أخينا التيجاني يوسف .. كان ذلك العام في منتصف الثمانينات هو عام الجفاف والتصحر.. وصلت إشارة به إلى أخينا التيجاني وسأل الله لنا اللطف.. و الحمد لله الذي قدر ولطف.. و كان أن تفرقنا ولم نلتق نحن الأربعة مرة ثانية.. رحم الله الأخ التيجاني و العم إبراهيم مكي اللذين انتقلا إلى جوار غفور رحيم وأسأل الله طول العمر ودوام الصحة وحسن الختام لأخي صديق ولي معه..
    في همة قمنا بحصاد كل سيقان الذرة التي لم يتجاوز طولها سطح الأرض وحزمناها حزما و شحناها إلى الأبيض، وهناك أخذنا نبيعها علفا.. فالبلاد أصابها جفاف مريع ونزحت القبائل صوب المدينة وعرفت البلاد معسكرات النازحين وجاء إلى كردفان نائب الرئيس الأمريكي جورج بوش.. ومر موكبه من أمام منزلنا في حي القبة غرب..
    كنا حقا من أكبر منكوبي الجفاف والتصحر.. غير أننا لم نجد مواساة من أحد.. ولعلي لن أنسى أول شحنة للذرة قدمنا به إلى الأبيض أن أوقفتنا سلطات المدينة تطالبنا بأوراق العشور والقبانة فأخبرناهم بمصابنا عسى أن يقولوا لنا خلف الله عليكم انتم تستحقون العون.. وذهبت إلى ضابط زريبة المحصول أخبره بأمرنا وقلت أنه سيقدر الظرف.. لكنه ما كان يفكر إلا في خزينتة الخاوية فأصر على أن ندفع العشور والقبانة ،، وبالفعل دفعناها و قلنا في أنفسنا إن الشاة لا يضيرها السلخ بعد الذبح..
                  

12-08-2015, 05:49 AM

بريمة محمد
<aبريمة محمد
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 13471

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)


    الأخ أمين عبد الرحمن،
    سلامات .. يا أخى يسلم يراعك .. عدت بنا إلي الأيام الجملية .. هذه المنطقة التى تتحدث عنها يشقها مرحالين من مراحلينا .. إحداها مرحال الرشاش ويمر من كركراية، الفنقلو، أم حيطان، الورل، "فيو"، ثم هبيلاً عابراً شمالاً ناحية شمال كردفان، والأخر من شمال كردفان يمر من "الوادي كجار" تجاه "أب عرييف" ثم "الشق اللفزر" (الأفزر" ثم جبل "وطا" ثم التنقل، "ورل أم القديل" ثم "الودي" التى تغنى بها الفنان عبد القادر سالم فى رائعته "اللوري حلا بي دلانى فوق الودي .. " ..
    فى جنوب هبيلا وجنوب "فيو" تقع هضاب "الورل" .. وتلك المناطق أراضي طينية لذبة .. وأحياناً تغوص أرجلنا فيها حتى الركب .. ومع ذلك نحن البقارة نستمتع أي ما أستمتاع بالخريف .. حيث الضرع الوفير والأشجار الوارفة و"النوار" .. الأزهار .. واللبن راقد رج .. فى مناطق الورل وهبيلا .. كل عام نمر بها تهطل أمطار غزيرة .. وتفادياً للأمطار كان أحد أعمامنا "يعزم" أي يرقي لنا المطر .. علي خطي حديث المصطفي حوالينا لا علينا .. وكان يأمرنا أن نقطع له فرع رفيع من شجرة الأرد التى تكثر بتلك النواحي .. ثم يذهب بنا صباحاً أى مشرقاً .. ثم يدعو دعواته ثم يأمرنا بأن نتسلق ونثبت الفرع فى جزع شجرة .. وننتظر بفارغ الصبر أن لا تسقط الهبوب التى تسبق المطر الفرع أو أن تنكسه .. فإن سقط الفرع أو تنكّس رأساً علي عقب فنحن وعمنا نتوكل علي الله ركضاً ناحية الفريق .. فى عرفنا أن "حجّاز المطر أنكسر" .. بمعنى أن دعاء عمنا لم يصب بالقبول .. وعلينا الركض وأخبار النساء أن يشدّن أوتاد البيوت تحسباً للمطر .. أنظر كيف كان الأيمان فطري .. أننى لا أعرف حتى اليوم لماذا يختار عمنا فرع شجرة الأرد من بين تلك الأشجار .. هل شجرة الأرد تمتلك صلاحاً دينيناً؟ .. العلم عند الله!

    وبما أننا رعاة، نهرب من تلك الديار حال ما ينتظم المطر .. فنحن نخاف ثلاثة أشياء البعوض والحشرات الضارة والوحل وأنسداد الطرق .. ولكننا لا نخشي المطر .. أو الظلام .. فنحن جبلنا علي المسير فى الظلام دون بطاريات .. وكذا يهطل فينا المطر ليلاً أو نهاراً تبتل ملابسنا وأشياءنا ثم تجف .. ونحن بفرحين بنعمة الخريف وجمال البيئة ووفرة الأعشاب.

    الحكي طويل .. لكن حتماً نعود لأكمال القراءة.

    ألف شكر واصل ونحن مستمتعون بحق وحقيقة.

    بريمة
                  

12-08-2015, 08:33 AM

Amin Abubaker Abdalla
<aAmin Abubaker Abdalla
تاريخ التسجيل: 05-03-2015
مجموع المشاركات: 125

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: بريمة محمد)

    الأستاذ الأمين
    هذا أكثر من رائع
    كما ذكر الأخ كبر هذه أكثر من مجرد ذكريات..
    شايف أحد المتداخلين -إسماعيل ببو- يبكى و هو يظن انو بيكتب!
    لا تثريب عليه فذكريات حزام السافنا رائعة مبكيه ...
    لكن يا كبر فعلا كان فى مزارعين بسطاء معطائين لكن برضو فى
    مصاصين دماء..
    تحياتى للجميع
                  

12-08-2015, 09:20 AM

الحاج حمد الحاج
<aالحاج حمد الحاج
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4800

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: Amin Abubaker Abdalla)

    بوست متفرد..حكي ذو طعم خاص.متابعين هذا الابداع
                  

12-08-2015, 04:28 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الحاج حمد الحاج)

    Quote: بوست متفرد..حكي ذو طعم خاص.متابعين هذا الابداع

    أخي الحاج حمد الحاج ..
    نسعد بمروركم و المتابعة .. لكم التحية والتقدير..
    ...
    Quote: لكن يا كبر فعلا كان فى مزارعين بسطاء معطائين لكن برضو فى
    مصاصين دماء..

    يا أمين لك التحية.. شكرا لك على المرور.. لكن ولله يا أمين طيلة فترتنا في هبيلا لم نر من المزارعين غير الذين إمتصت ام بنق والبعوض دماءهم.. ومعها المحليات والحكومة.. جاءني موظفو الزكاة قالوا عليك بتسليمنا الزكاة .. قلت لهم ولله أنا غارم.. أستحق الزكاة، أوضحت لهم الكم الهائل من الديون الذي يثقل كاهلي وكيف أن 80 بالمائة من هذا المحصول سيذهب لسداد الديون.. قالوا لي عليك الآن بتسليمنا الزكاة وإن كنت غارما يمكنك تقديم طلب لديوان الزكاة فنعطيك من الزكاة ... فعجبت لمنطقهم..
    .....
    Quote: فى جنوب هبيلا وجنوب "فيو" تقع هضاب "الورل" .. وتلك المناطق أراضي طينية لذبة .. وأحياناً تغوص أرجلنا فيها حتى الركب .. ومع ذلك نحن البقارة نستمتع أي ما أستمتاع بالخريف .. حيث الضرع الوفير والأشجار الوارفة و"النوار" .. الأزهار .. واللبن راقد رج

    الأخ بريمة .. سلمت يداك و يراعك ولله أعدتني أنت إلى أيام نضرات.. تذكرت أول يوم عبرت فيه خور الورل حتى أصل إلى المشروع .. كنت أقود الجرار صاعدا من قعر الخور إلى قمته.. ومعي في الجرار مجموعة من العاملين .. في خور الورل لما شارف الجرار الصعود إختل توازنه فارتفعت الإطارات الأمامية عالية في الهواء .. خفت أن ينقلب الجرار إلى الخلف فضغطت بقوة على الكلتش.. وانحدر الجرار في سرعة مخيفة صوب أسفل الخور.. و في ثواني كان كل من حولي في رفرف التراكتور قد قفزوا بعيدا في حركات أكروباتية يحسدوا عليه واستقروا في الطين في قعر الوادي..
    مشروعنا 95 فيو.. الذي ذكرت هو أيضا ذاك المجاور ل " وطا" حيث إلتقينا بالتاجر إياه .. صديق أصحابنا سائقي الجرار.. ذاك الذي حاول إغراءنا باستثمار من نوع آخر في المشروع..
    ثم أن مشروعنا 95 فيو كان يمر بطرفه الجنوبي الغربي المرحال الثاني غير مرحال الرشاش.. فيعزل مثلثا من المشروع ..
    ومن ذلك المرحال كانت تأتينا نساء أمبررو.. وينضجن السمن في معسكرنا.. يا الله ما أزكى رائحته.. فكنا صباحا نشرب الشاي باللبن بالسمن يا بريمة.. وكان الرجال منهم يفدون حينما يكونوا في حاجة لبيع بهيمة عجزت عن السير فنشتريها منهم و يمكثوا معنا حتى يتناولوا من لحمها. و كان الفرد منهم لا يتحرج أن ينام على أسرتنا.. ولا أنسى أن أحدهم قد عرض علي أن يبيعني شيئا مما أنفردوا به من خصائص في السحر و العروق.. فأعتذرت عن قبولها شاكرا ..
    كنت يوما في ذلك الركن القصي من المشروع فمرت بالمرحال جماعات من أمبررو.. كانت المشهد يبعث بالبهجة.. غير أنه في آخر المرحال .. كانت هناك تلك الصبية ممشوقة القوام .... تسير خلف الأغنام.. محزوم وسطها.. وعار ما فوقه.. مشهد لا يتكرر.. لا أدري كم مر عليّ من الوقت .. قبل أن أنتبه إلى إني غادرت الزرع إلى الغابة...
                  

12-22-2015, 09:55 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)


    من أبجديات السلامة أن تحمل معك دائما كبريتة والأفضل ولاعة لأن الكبريتة قد لا تشتعل في حالات البلل الشديد، و لماذا .. ذلك أنك حينما تكون في غابة كثيفة الغطاء النباتي فاذا اندلعت حرائق ونيران في تلك الغابة فربما تداهمك ولن تستطيع منها فرارا..فتؤدي إلى موتك.. لكن إن كانت معك كبريتة فما عليك إلا أن تشعل أنت بنفسك حريقا أمامك أي أن تقف أنت مقبلا على إتجاه الريح ثم تشعل النار.. في دقائق معدودة ستمتد النيران أمامك ملتهمة القش اليابس وتترك أمامك منطقة آمنة ثم عليك أن تحاول إخماد هذه النيران من الخلف فإذا جاءت الحريقة الكبيرة تكون أنت في مأمن منها.. عليك حينئذ اللجوء إلى المنطقة المحروقة أمامك..
    وقد حكي لي صهري العم محمود حاج المهدي رحمه الله وكان قد شهد أحداث التمرد في الجنوب في مريدي وقد نجا هو وكل من كانوا بمريدي بفضل الله و بتخطيط منه أدى إلى خروج الجميع سالمين من مريدي إلى أن أدركوا رومبيك..
    في خلال تلك الأحداث كان قد قبض على أحد الجنوبيين على أثر إشاعة أنه يخابر المتمردين و في قيادة الجيش أخبرهم أنه بريء من هذه التهمة وإن أرادوا التأكد فعليهم أن يسألوا عنه محمود حاج المهدي.. بالفعل طلب العم محمود إلى قيادة الجيش وأبلغ بخبر الجنوبي.. الذي ما أن رأي العم محمود حتى استبشر بمقدمه.. ثم دخل العم محمود إلى القائد .. وأخبره ما يعرفه عنه.. عند خروج العم محمود من مكتب القائد ظن الجنوبي أن عم محمود لم يفعل شيئا من أجله فقال له إنت محمود ماشي بخليني أنا كده .. فطمأنه العم محمود.. فلما أفرج عنه دعا الجنوبي للعم محمود .. قال له أسأل الله أن يحفظك كما يحفظ الدقيق سليما داخل النيران.. فأحيانا عند إعداد العصيدة تبقى كمية قليلة من الدقيق سليمة داخل العصيدة تبقي متحوصلة وكأنها لم تتعرض للنار..و قد عمَّر العم محمود حتى قارب المائة من العمر.. رحمه الله وجعل مثواه الفردوس الأعلى من الجنة...
    وفي هبيلا كنت أتصور تلك الدائرة التي تحدثها من الأرض المحروقة أمامك مثل ذلك الحصن العميق للدقيق الذي دعا به ذلك الجنوبي للعم محمود..
    ومن الأبجديات أيضا أن تحمل معك إناء و أنت في الخلا.. فربما احتجت إليه فذات نهار كنا نحرق في الأعشاب و القش الجاف بيننا وبين مشروع مجاور لم يزرع .. خشينا أن تأتي نيران منه فتلتهم زرعنا كله.. لذا - في وقت مبكر قبل جفاف و نضج محصولنا - شرعنا في إعداد خط نيران بيننا و بين المشروع البائر.... وعلى طول إثنين من الكيلومترات كنا نحرق القش على أطراف مشروعنا بعرض حوالي المترين.. وأمضينا نهارنا كله بين وهج النيران.. وبينما النيران مشتعلة إذا بها تأتي على خلية كبيرة للنحل.. .. كانت الخلية معلقة على أغصان شجيرة .. عملت النيران على صهر الأجزاء الخارجية من الخلية فصارت مصمتة والنحل داخلها يئز ويصدر صوتا مخيفا....بينما أخذ العسل يقطر من الخلية ويسقط على التربة الطينية المفككة ذات الشقوق العميقة.. لم يكن معنا إي إناء في الجرار لنضعه تحت العسل الذي أخذ ينسكب بكميات كبيرة... أرسلنا السائق أن يذهب للمعسكر بأقصى سرعة ويأتينا بإناء.. وفي تلك الأثناء .. أخذنا نتصرف.. قطعنا العديد من أوراق الذرة الخضراء على أطراف المشروع ونسجناها فصارت سطحا قابلا لتلقي العسل لحين وصول الجرار.. ولما جاء الإناء كانت محاولتنا لحصاد العسل قد جادت علينا بكميات مقدرة من العسل.. وكان عسلا أبيض..

    032028.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


                  

12-23-2015, 01:02 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    شكرا اخ الأمين علي هذا السرد الرائع ..

    منذ الامس وانا اطالع هذا البوست وقد شدني السرد والاسلوب واحتوائه على تعريفات قيمة وانماط العيش في المناطق التي ذكرتها وامديتني بمعلومات لم اكن اعلمها .
    اشكرك مرة اخرى ومتابعين معك ..
                  

01-04-2016, 11:39 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: ناذر محمد الخليفة)

    Quote: منذ الامس وانا اطالع هذا البوست وقد شدني السرد والاسلوب واحتوائه على تعريفات قيمة وانماط العيش في المناطق التي ذكرتها وامديتني بمعلومات لم اكن اعلمها .
    اشكرك مرة اخرى ومتابعين معك ..


    وأنا أيضا أشكرك كل الشكر أخ ناذر محمد الخليفة.. تابع معنا..
                  

01-04-2016, 11:49 AM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    ديار النوبة أو جبال النوبة أرض حباها الله تعالى بكل الخيرات، فالمنطقة تقع في قلب السهل الطيني المنبسط الذي يمتد في وسط السودان من غربه لشرقه، هذا الحزام إنعم بمعدلات عالية من الأمطار و بالتربة الخصبة الغنية والإنسان القوي القادر على العمل و البذل. هذا إضافة للثروة الحيوانية المهولة التي يذخر بها الاقليم والطيور والحيوانات البرية والصيد. رغم ذلك فالبعض يأكل الحشرات والبق والديدان و ذات المخلب من الحيوان، القط البري والثعلب والفئران و تأكل الثعابين ..
    في زيارة لمشروع زراعي كنا قد شاركنا صاحبه في إستثماره، في منطقة حجير ود يس في الطريق بين أم برمبيطة و خور الدليب والمنطقة أنعم بها من أرض ذات خضرة وجمال.. وصلنا المعسكر عصرا.. لفت نظري لحم شديد الإحمرار ملقى على ظهر برميل ليجف، نظرت للحم و تأملت في عظامه الدقيقة فوقر في نفسي أن ليست هذه لحمة لحيوان مما نأكله.. سألت من بالمعسكر فقالوا... إنها لحمة قرد.. فصمت عن الأكل في ذلك اليوم خشية أن يقدموا لنا ملاحا من شرموط القرود.
    عثمان آدم زميل من الزراعة الآلية في هبيلا وصاحب مشروع زراعي بالقرب من مشروعنا في فيو، توفي إلى رحمة مولاه، قال لي ونحن نمر بجوار شجرة ضخمة من أشجار الهجليج، و كانت الشجرة مليئة بنوع من الدود إسمه " دود ماني" دودة سوداء ضخمة كانت تأكل بشراهة في أوراق شجرة الهجليج وتلقي بمخلفاتها الخضراء الجافة فترى الأرض حول جذع الشجرة وقد اخضر لونها. قال لي عثمان والله يا أمين دود ماني ده لو حمروه ليك بالطوة يمين أحلي من البيض.. فعجبت. و عثمان رجل متعلم ويشغل وظيفة خبير زراعي بهيئة الزراعة الآلية. رحمه الله .
    حكيت لكم عن الفئران و ما كان من أمرها حينما داهمت المشاريع.. و كيف إحتار القط الذي أحضرناه من الأبيض معها فأخذ يستلقي وبطنه قد امتلأت بما لذ و طاب وهو في حيرة من كثرة هذه الفئران. تلك الفئران أقبل عليها عمالنا و نعموا بشواءات منها.
    وذات مرة كنت مسافرا من مشروعنا في فيو إلى المشروع الجديد الذي منحته من قبل الزراعة الآلية في كرتالا، و في الطريق مررت بغابة كثيفة الأشجار سامقة عالية الأشجار.. ثم سمعت جلبة وأصواتا و نباحا.. لما وصلت وجدت القوم في هرج و مرج وهم في شراسة غير معهودة يمارسون الصيد، لم يكونوا في صيد غزلان أو دجاج بري.. لكنهم كانوا في أثر قرد.. كان القرد معلقا في أعلى غصن عند أطول شجرة في الغابة .. صغيرا و هو يموء ويصدر صوتا أشبه بالبكاء.. لاحظت أن أمه و أباه قد تم القبض عليهم و أراهم معلقين بالقرب من أحد الصيادين..
    وأولئك الصيادون المهرة و كانوا زمرة لا تقل عن العشرة ومعهم كلابهم يصوبون آلات صيدهم من العصي والفرارير نحو القرد و يطلقونها فتمر كما الرمح قريبة منه، القرد يقفز من غصن لآخر ويموء و ويستنجد .. إستمر هذا الحال لبرهة حتى قرر القرد، بعد أن شاهد مصير من معه و قد أصابتهم فرارير الصيادين التي لا تخطئ، قرر أن ينجو من هذه الراجمات التي ما انفكت تأتيه ذات اليمين و ذات اليسار فرأي أن يقفز إلى الأرض ليهرب حيث أصبح لا أمل في نجاته وهو في تلك القمة.. بالفعل أصدر القرد صيحة فزع عظيمة و قفز من علٍ هاويا إلى الأرض، بيد أن الكلاب كانت له بالمرصاد فريثما يصل إلى الأرض رصدت الكلاب إحداثية موقع هبوطه وانطلقت... وتلقفته..
    إنقضت تلك المسعورة على القرد و نشبت معركة علا غبارها إنتهت في ثوان بوقوع القرد بين براثن الكلاب.. أثارني المشهد و أحسست بالقهر الذي فيه القرد المسكين فقلت للصيادين أريد هذا القرد.....جرح غائر في وسطه والدماء تنزف منه.. بعد تردد وأخذ ورد وافقوا على بيعي إياه..
    أخذته منهم بعد أن دفعت لهم جنيها وأدرت جراري منطلقا إلى المشروع الجديد في كرتالا. . أملا أن أصل إلى هناك قبل الغروب... ووضعت القرد بين وسائد أعددتها له إلى جانبي علي الجرار وعملت على ألا يقع و نحن سائرون وانطلقت.. غير أن القرد لم يقو على الحياة فأسلم الروح ..
    دفنته إلى جانب الطريق بين هبيلا وكرتالا.

    monkey-650-generic-thinkstock_650x400_41427714356.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

                  

05-23-2016, 08:24 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    في تلك الليلة غفلت.. سرت ليلا دون أن أنتعل الحذاء الواقي ضد هوام تلك الأرض..
    قمت من مجلسي لأحضر بعض الماء من البرميل الموضوع إلى جوار الحفير.. كنت بصدد الوضوء لصلاة العشاء.. لقدر مكتوب لم أحمل معي البطارية للإنارة .. وكنت منتعلا سفنجة..
    ما أن وصلت للبرميل.. وكنا نملؤه بالماء العكر المخلوط بذرات الطين الناعمة ونعمل على ترويق الماء بإضافة بعض الرماد إليه وبعد ساعات يصفو الماء وتترسب تلك المواد العالقة إلى عقره..
    هززت البرميل .. لأعرف كم الماء به حتى أقدر مستوى الماء لأدخل يدي فيه بقدر.. غير أن البرميل كان شبه فارغ فتحرك قليلا من مكانه ومن تحته.. تحرك في سرعة شيء ما وأطبق على أصبع رجلي الصغير.. تأكدت تماما أنني أصبحت هدفا لثعبان..
    ها هو القدر الذي كنا نخشاه طيلة سنواتنا في هبيلا قد حدث الليلة.. لدغني ثعبان.
    هرعت إلى المجموعة في الكامب.. الحقوا ..
    في شنو؟؟
    ما عارف لكن في حاجة هبشت أصبعي..
    حالة من الحذر إنتابت جميع من بالمعسكر... تحرك الجمع يحملون عصيهم ومصابيحهم .. وعدت معهم لأتأكد من المصيبة التي لدغتني.. عند الإضاءة وبعد رفع البرميل بحذر كان هناك ذاك الثعبان يتلوى.. أبيض اللون.. ليس ضخما.. الحمد لله هذه من علامات النجاة.. أن يكون عدوك ذا لون مقبول.. وأن يكون صغيرا.. فتلك من دلائل أن الثعبان غير سام..
    وأنقض الجمع عليه وفي ثوان قتل العدو... تلاحقه اللعنات..
    كانت تلك تجربتي الأولى، السؤال ما الذي يجب أن نفعله.. لا نملك أي من لقاحات العقارب أو الثعابين.. لا خيار لي إلا التوجه إلى هبيلا.. عسى أن نجد فيها علاجا.. المبيت هنا في المعسكر فيه الكثير من المجازفة.. ماذا لو كان الثعبان ساما ونحن لا ندري.. ربما سرى سمه في رجلي بطيئا..
    شاعر بحاجة؟؟
    أبدا
    يا خي ده برل ساكت ما بسوي حاجة..
    يا أخوي أحسن تمشي هبيلا تأخد حقنة..
    يا أخي متأكد ما شاعر بأي ألم ؟ ولا حاسي بخدر..
    أكدت لمن معي في المعسكر أني بخير والحمد لله.. و لا داعي للتحرك لهبيلا..
    ثم بعد ساعة غيرت رأيي وقررت أن الأفضل الوقاية والوصول للشفخانة.. وتوجهنا صوب هبيلا في تلك الليلة المظلمة ومع وعورة الطريق ومطباته كان جلوسي على البرميل الفارغ الموضوع على ظهر مؤخرة الجرار أمرا قاسيا.. ففي كل دقيقة يقفز الجرار وأقفز معه وأهبط بشدة على ظهر البرميل الصلب رغم محاولاتنا التخفيف ببعض المخدات...
    ما زلنا في الطريق .. بدأت أحس ببعض الخدر.. هل كان إحساسا حقيقيا أم كنت أتوهم.. على كل حال إقتربنا من هبيلا..
    ووصلنا إلى الشفخانة فوجدناها مظلمة مغلقة .. سألنا عن منزل الممرض. .دلونا عليه.. ووصلناه.. لا أحد في المنزل.. بدأنا في البحث عن الممرض.. أين عساه يكون..
    أنتظرت في ساحة المنزل وذهب مرافقي للبحث عنه... أخيرا وصل أخانا الممرض.. كان واضحا أننا قطعنا عليه جلسة أنس.. سألني عما بي، أخبرته.. قال لي بصراحة ....
    ولله ما عندنا ليك أي علاج..
    إلا تمشي الدلنج..
    ثم ما لبث أن أعتذر لعدم وجود مصل الثعابين بالشفخانة.. لكنه إقترح علي أن أقضي الليلة معه حتى أكون في مأمن لا قدر الله إن حدث أي طارئ
    وأمضينا تلك الليلة في ضيافة ممرض الشفخانة جزاه الله خيرا ونمت والحمد لله حتى الصباح.. وفعلا كان الثعبان غير سام.. لكنه ترك أسنانه في اصبع قدمي بعض الوقت حتى خرجت لوحدها بعد حين..
                  

05-24-2016, 00:04 AM

خالد حاكم
<aخالد حاكم
تاريخ التسجيل: 08-25-2007
مجموع المشاركات: 3434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    Quote: لما كنت أعمل مفتشا زراعيا بالبنك الزراعي حيث طفنا تلك النواحي الجميلة،


    الاخ الامين
    تحياتى
    فعلا حكى ذو طعم خاص مثل ما قال الاخوة الذين سبقونى
    فعلا حكى مفتش زراعى فى بيئة زراعية وخاصة عندما يكون هذا المفتش خريج مدرسة البنك الزراعى
    انتم موظفى الزمن الجميل فى البنك الزراعى زمن حماد توفيق وسيداحمد عثمان ومرورا بمحمد ادم جلابى قبل ان يدنس البنك بسياسات بدرالدين طه وهجو قسم السيد
    خالد حاكم موظف ( تمويل وتحصيل ) سابق البنك الزراعى حسع طبعا سموها ( موظف استثمار )
    بقول سابق لانو انتم الاسبق واساتذتنا فى هذا المجال
    انت عارف من هو اليوم على قمة هرم البنك ( المديرالعام ) ؟
    صلاح حسن احمد ( مفتش زراعى فرع الابيض فى الثمانينات )
                  

05-24-2016, 09:43 AM

محمد عبد الله الحسين
<aمحمد عبد الله الحسين
تاريخ التسجيل: 01-02-2013
مجموع المشاركات: 10903

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: خالد حاكم)

    الأخ الأمين
    تحياتي
    كويس إنك تكتب هذه الذكريات و التي من المؤكد تضغط عليك هي لتكتبها.
    و هكذا هي الذكريات الجميلة و حتى الذكريات و اللحظات الماضية الصعبة و المخيفة يحيلها الزمن إلى كنز من الذكريات الجميلة و الخبرات الثمينة.
    فبعد أن تفرغ من كتابتها و تنزيلها في المنبر أظنك تنوي نشرها في كتاب.
    فهي تستحق بما لاتحويه من توثيق لخبرات مهنية و توثيق لأسلوب حياة.
    بالإضافة إلى أن اسلوبك في الكتابة مشوق و سيزيد من قيمة تلك الذكريات و الخبرات.
    فإلى الأمام يا صديقي و بالتوفيق
                  

05-26-2016, 06:31 AM

محمد فضل الله المكى
<aمحمد فضل الله المكى
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 4846

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد عبد الله الحسين)

    .
    الأخ امين تحياتي لك ولضيوفك الكرام
    في ذلك العام الذي دخلت فيه تجربة الزراعة بمنطقة سمسم المعطاءة ( جنوب القضارف ) ،
    نزل المطر غزيراً في تلك السنة حتى فاض نهر الرهد الذي يقع على مسافة 40 كيلومتر
    تقريباً إلى الجنوب من مشاريعنا ، كما أن المياه تدفقت بعنف تجاه مشاريعنا من ( تَبْ دِلْق التوب )
    الواقع إلى الشرق منا ، ومعلوم إن المياه إذا غمرت الذرة حتى رؤوس النبات ، فإنها ( تقتله )
    أما إذا كانت رؤوس النبات خارج الماء فإن صاحبه موعود بمحصول وفير ..
    كانت مشاريع رئيس إتحاد المزارعين ( ...... ) إلى الجنوب منا ، بيننا وبينها سد ترابي عظيم ، عُمِل
    أصلاً لدرء مياه الفيضان عن المشاريع الواقعه شماله ونحن ضمنها .. يمتد ذلك السد للعديد من الكيلومترات
    من الشرق إلى الغرب ، ويوجه المياه لخيران معروفة .. لما هددت المياه مشاريع رئيس الإتحاد قام إبنه
    المتواجد في مشاريعه بعمل فتحة في السد لتفريغها ، فنالنا نصيب منها ولكن ضررنا لم يكن بليغاً والحمد لله .
    وقامت سلطات الزراعة الآلية بفتح بلاغ ضده لا أدري على ماذ انتهى لعدم متابعتي للموضوع .

    من المفارقات الطريفة التي صاحبت ذلك الفيضان ، إن سمك النهر قد أتانا بطوعه واختيارِهِ داخل المشاريع
    يسعى بين سيقان الذرة ... . فكان نعمة هن الله علينا وعلى عمالنا .. فاستبدلنا الكجيك ( السمك المجفف ) بالأسماك
    الطازجة .. وقد استمر معنا الحال أياماً لوجود بِرك وميعات داخل المشاريع ، فنِعم الإله على العباد كثيرة ... (وفي
    السماءِ رِزْقُكُم وما توعدون ) .
    وعلى العموم هي تجرِبة وزاد
    ولك التحايا الزاكيات أخي أمين
                  

07-14-2016, 04:18 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: محمد فضل الله المكى)

    أعزائي خالد حاكم ، محمد عبدالله الحسين و محمد فضل الله المكي
    لكم مني التحيات الزاكيات
    معذرة إنقطعت عن البوست لفترة ولم أرد التحية..
    خالد حاكم..
    يا زميل العمل بالبنك الزراعي تحية خاصة لك وأنا يا أخي من زمن سيد أحمد عثمان ولم أشهد عهد حماد توفيق ولا حتي عهد ميرغني الأمين الحاج..
    لي حكاوي مع زملائي رفقاء البنك الزراعي في كل من عطبرة والدلنح الذين أكن لهم كل التقدير والوفاء ليتني أجد الوقت للكتابة عتها..
    تابع معنا المرحلة القادمة .. ذكريات مزارع و مسؤولي الدولة..
                  

07-14-2016, 04:22 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    الذرة والسمسم هما المحصولان الأساسيان في مشاريع الزراعة الآلية، غير أن الذرة تشغل دائما أكثر من 80 بالمائة من المساحات المزروعة ذلك لأنها لا تشكل هاجسا عند حصادها، إذ يمكن حصادها على مهل بعكس السمسم الذي لابد أن يحصد مباشرة فور نضجه وإلا جف و طق وتشتت السمسم في أغوار الأرض وضاع كل جهدك.
    السمسم من مزاياه أنه ينضج مبكرا ويلحق المزارع بإمداد من السيولة المالية تمكنه من الإعداد لحصاد الذرة ولكنه يحتاج إلى إعداد مبكر في زراعته وقدرة على تجهيز عمال لحصاده في الوقت المناسب وذلك يستدعي أن تكون ذا إمكانات إضافية أي أن تكون صاحب لوري لتعمل على تجميع عمال قطع السمسم..
    لهذا لم أكن من زارعي السمسم طوال فترتي في هبيلا لكني ذات مرة زرعت سمسما.. وكانت تلك تجربة تستحق الحكي.. فالسمسم عند حصاده لا يباع بالطريقة التقليدية التي تباع بها الذرة..
    السمسم يعبأ في جوالات (تاني دور) أي ليست جديدة من البالة و لا يباع بوحدة الحجم (أي بالجوال) بل يباع بوحدة الوزن، حيث يوزن بالقنطار و يحاسب البائع على قيمة بضاعته بوزنها قناطير، أحيانا قد يكون سمسمك ثقيلا إن كان قد روي ماءا واستوى، كما قد يكون خفيفا إن تعرض لعطش أو إذا ما هاجمته (الراعوما الماصة) والراعوما الماصة هذه أجاركم الله منها هي إحدى الآفات التي تهاجم السمسم بعد حصاده وقبل تعبئته في الجوالات فتثقب بذوره واحدة واحدة وتمتص ما بداخلها من زيت و تترك لك حبة قليلة الزيت مع طعم مر ينعكس على الزيت بعد السمسم، هذا إلى جانب فقدانك جزءا كبيرا من وزن محصولك.
    محصولنا ذاك العام كان جيدا، تمكنا من حصاده في الوقت المناسب، وتركناه في قطاطي ( مجموعات من حزم المحصول توضع على سطح الأرض كل منها مستندة على أخواتها لتجف) و قمنا بحمايته من الراعوما بنثر كميات معقولة من بدرة الجمكسين عليه وأخيرا بعد جفافه قمنا بتبويله ( أي قلبنا تلك القطاطي رأسا على عقب لينسكب المحصول على التقاة) وهي في هذه الحالة مساحة كبيرة من الخيش البيش.. ثم قمنا بتعبئة المحصول في الجوالات التاني دور وتوجهنا على بركة الله إلى سوق الأبيض. وهذه المرة إلى سوق المحصول..
    وسوق محصول الأبيض هو كما درسنا في المدرسة هو أكبر سوق للصمغ العربي في إفريقيا.. فيه صالة كبيرة للمزاد.. تعرض المحاصيل الواردة إليه من صمغ و سمسم وفول سوداني وحب بطيخ و كركدي في مجموعات تسمى (lots) وتعطى أرقاما..يعاينها المشترون.. ثم في صالة المزاد تعرض تلك اللوتس ويتنافس المشترون في شرائها ويزاودون..
    جلست في قاعة المزاد .. إلى أن جاء دور اللوت الخاص بي.. بدأ المزاد واستقر على سعر، أبديت موافقتي إذ أحسست أن السعر مناسب، رسا المزاد على أحد رأسماليي الأبيض ممن يعملون في الصناعة فهو صاحب معاصر زيوت ومصانع للطحنية وذهبت لهم في مكتبهم فأخبروني أن عملية البيع ستستغرق وقتا وعليّ المرور عليهم بعد يومين ثلاثة...
    لما عدت إليهم بعد ثلاثة أيام قام المحاسب الأول بتسليمي ورقة بها الكثير من الأرقام واستقر نظري على آخر الصفحة حيث فوجئت بمبلغ أقل بكثير عما كنت أتوقعه وأحسبه كعائد لشحنة السمسم التي أحضرتها.. أخذت نقودي وأنا في حيرة ..
    كان هناك جدول طويل فيه أوزان السمسم لكل ثلاثة جوالات.. كانت متباينة.. عكفت ساعات أراجع جمع القائمة التي تضم وزن كل ثلاثة جوالات.. وجدت أن جملة وزن التسعين جوال تختلف عما جاء في حسابات المشترين، وجدتهم قد أكلوني في أكثر من عشرين بالمائة من أوزاني..
    عدت بأوراقي للمحاسب الأول أخبره أن الجمع غير صحيح.. إستنكر إزعاجي له وأفادني أن عملهم صحيح لا يحتمل الخطأ.. ذهبت لصاحب العمل محتجا.. قال لي أن تلك الطريقة الصحيحة.. تجمع الأوزان وتخصم منها نسبة المواد الغريبة ويتحمل البائع تكلفة النظافة وتكلفة الوزن وعليه دفع رسوم القبانة و.. و.. قلت له أفهم ذلك لكني لا أفهم البتة أن يكون جمع وزن تسعين جوالا أقل مما يجب أن يكون.. ودونت له في ورقة خاصة كل الأوزان وجمعتها فإذا هي مخالفة لجملة حساباتهم..
    أخيرا رضخ أولئك القوم وأقروا أن هناك خطأ في الجمع.. وطلبوا مني المرور عليهم بعد يومين لإجراء التعديل في الحسابات.. وصبرت عليهم .. إلى أن نلت منهم حقي كاملا..

    ومنذ ذلك اليوم صرت كلما قابلت رجل الأعمال ذاك يحييني باسما أهلا بصاحب السمسم.. وأقول له في سري من منا صاحب السمسم أنا أم أنت؟؟


                  

07-03-2017, 04:12 AM

باسط المكي
<aباسط المكي
تاريخ التسجيل: 01-14-2009
مجموع المشاركات: 5473

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)

    تمنيت ازور هذه المناطق ..الجميلة ولن هيهات
    شكرا لك
                  

09-22-2017, 08:44 PM

الأمين عبد الرحمن عيسى
<aالأمين عبد الرحمن عيسى
تاريخ التسجيل: 10-25-2011
مجموع المشاركات: 1680

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: من ذكريات مزارع بمشاريع الزراعة الآلية في (Re: باسط المكي)

    وما زالت الدعوة موجهة لك أخ باسط المكي.. ولكل الإخوة الكرام من أسرة سودانيزأونلاين
    ..
    دمتم في حفظ الله ورعايته
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de