حفل خيري بالنادي السوداني – Hayward, CA لدعم السودانيين بالمعسكرات والتكايا
|
الوطن ..عقيدة وهوية !
|
10:51 AM Aug, 23 2015 سودانيز اون لاين فضيلي جماع-لندن/مسقط مكتبتى فى سودانيزاونلاين
الوطن .. عقيدة وهوية
صحيح أننا نعيش عصر الدولة بحدودها الجغرافية التي تحرسها الجيوش، وتقوم على بواباتها ومداخلها أجهزة رصد وموظفو جوازات وجمارك هدفهم ألا يدخل الدولة المعنية غير أبنائها والوافدين بقصد العمل أو الاستثمار والسياحة التي تدر المنفعة للبلد. عدا ذلك فإنّ الأوطان في عصرنا صارت كانتونات تضم مواطنيها الذين يؤلف بينهم عقد اجتماعي اسمه الوطن، والذي يتسع بالضرورة لما هو أبعد من رابطة العرق واللون والدين! وقد صار الوطن بهذا المفهوم إطار تعايش لمجموعات بشرية يؤلف بينها الموقع الجغرافي والثقافة بمكوناتها العديدة من لغة وفولكلور وسبل كسب العيش! وكلما حسبنا أنّ عالمنا بما أنجزت البشرية من ثورة في الاتصالات قد صار قرية كونية GLOBAL VILLAGE – لا يعرف الحدود بشكلها النمطي، نجد أن الانتماء للمكان بطقوسه الجغرافية والثقافية يصبح الإطار الذي يصعب الإفلات منه بشكل مطلق. والوطن ليس اختراعاً جديداً. وجد الإنسان منذ أقدم العصور في مساحة من الأرض. رأى الشمس والقمر فيها أول مرة، وسمع وشوشة الشجر أو الصمت الناطق للصحراء والجبل والبحر فيها. وعاش بها مع قوم جمعته وإياهم هموم الحياة بأفراحها وأتراحها! من هنا تكبر العلاقة بين الأرض والإنسان. ويصبح الوطن هوية تعطي من يعيش فيه ملامح يتفرد بها أينما رحل وأقام. والأوطان بمفهومها الكلاسيكي – البيت الذي يجمع شعوباً بينها قواسم مشتركة – ليس بدعاً، بل إن أول ما تصطدم به الأيديولوجيات الشمولية في سعيها لتضم مساحات جغرافية وشعوبا مختلفة تحت مظلة واحدة، تدار من ركن من الأركان باسم تلك الأيديولوجيا، ليحكمها شخص أو مجلس – أيأ كان المسمى – إن أول ما تصطدم به تلك الأيدلوجيا الشمولية هو فطرة الإنسان في تكييف نفسه في هويته المرتبط قدرها بمكان له طقسه الثقافي المحدد وسبل كسب عيشه! لذا نجد امبراطوريات ضخمة حاولت ابتلاع مكونات الشعوب باسم الدين أو اللون السياسي أو الهيمنة القومية لكنها ترنحت بفعل النقيض بين هذه المكونات البشرية والثقافية وبين منظورها الهلامي الجديد. وتفككت تلك الامبراطوريات ليعود كل أهل بيت إلى بيتهم (وطنهم). نأخذ من التاريخ القديم امبراطوريات المغول والتتار والخلافة بشكلها الهلامي غير المحدد بوطن، مثلما كان الحال في الأندلس وفي الدولة العثمانية ومثلما كان الحال في اتحاد الجمهوريات السوفياتية في العصور الحديثة. في محاولتها لفرض الماركسية- اللينينية كنمط حياة على شعوب الاتحاد السوفياتي السابق، ظلت الدولة في الكرملين حائرة أمام الواقع الثقافي المتجذر في كل بلد والمختلف بالضرورة عن طقس الثقافة الروسية وهوية الشعب الروسي. اصطدمت طوباوية الفكرة بالواقع الإنساني الذي هو الحكم الفيصل. وحين تفككت أمبراطورية السوفيات عادت تلك الشعوب للتمسك بفسيفساء ثقافاتها وعقائدها أكثر من ذي قبل، لأن ذلك هو مكون هويتها بين شعوب الأرض. أختم بما قاله شاعر روسيا العظيم سيرغي يسينين في قصيدة له: (ضعوني في الجنة، وسأقول لكم: خذوا جنتكم وأعيدوني إلى وطني!!) ويبدو أنّ الشاعر التركي ناظم حكمت نظر إلى يسينين وحكى على منواله إذ يقول: (وضع الشاعر في الجنة فصرخ قائلاً: آه يا وطني!).
جريدة الوطن القطرية الأحد 23-08-2015
|
|
  
|
|
|
|
|
|
Re: الوطن ..عقيدة وهوية ! (Re: فضيلي جماع)
|
يا سلام أستاذنا فضيلي .. أرجو منك أستاذنا الجليل ان تذهب في هذا المنحى والعمق .. هذا هو ديدن أمثالكم من الكتاب والمفكرين .. بعيداً غثاء السياسة وضحالة الاحزاب السياسية .. الخ ننتظر منك الكثير من نوعية هذه الافكار والدراسات والرؤى التي سوف تفتح لنا المسار المضيء .. أمثالك هم مرجعياتنا في هذا الزمن الذي يسوده الانحطاط الفكري .. حروفك ولها قيمة عليا تتجاوز الاحداث اليومية وغثاء هذا الزمن .. فمكانها الفكر والرؤى كمقالة اليوم .. سوف أعيد قراءة هذه المقالة لمرات عديدة .. التحية والتقدير .. ومودتي وإحترامي ..
| |

|
|
|
|
|
|
|