|
|
ملامح الديكتاتورية الخامسة ..
|
11:27 AM Apr, 17 2015 سودانيز اون لاين محمد حيدر المشرف-دولة قطر مكتبتى فى سودانيزاونلاين
(5/1) 1989-1998
عندما إحتقب العميد "آنذاك" عمر حسن البشير تطلعاته الشخصية واحلام الحركة الاسلامية السودانية في العام 1989 (خرج بلا بسم الله كما يقولها اهلنا البسطاء) ..خرج للاستيلاء على السلطة في السودان ممتطيا دبابة الانقلاب .. كان المشهد السوداني معبأ تماما .. وكان الواقع السوداني يمر بمرحلة مخاض عظيمة وطويلة بدأت في ابريل من العام 85 إثر انتفاضة قوية هزت العالم وقوضت حكما ديكتاتوريا طال لستة عشر عاما حسوما من عمر الدولة السودانية المولودة في العام 1956 .. وباستصحاب هذا التاريخ القريب لاستقلال السودان (1956) , نجد أن الثيمة الاساسية تتمثل في تعاقب الحكومات العسكرية على هذا الشعب الصبور مذاك التأريخ. اللهم الا في فترات متقطعة تبدأ بانجاز ثورى ضخم بكل المقاييس ينتهي باقتلاع ديكتاتورية عسكرية لتنتهي قبل اوان قطافها بانقلاب آخر, فيما يعرف بدورة حياة الدولة السودانية ..
فى اليوم الاخير والمشئوم من يونيو 1989, خرج علينا العميد عمر حسن البشير في انقلاب عسكري مدعوم من تنظيم الاخوان المسلمين, ليعلن وعبر راديو أمدرمان ملامح مرحلة ديكتاتوريته الاولى والتي ستمتد لعشرة سنوات الا قليلا, ويقطع بذلك سيرورة المخاض المرهق جدا الذي تمر بها البلاد .. مخاضا مرهقا بيد أنه كان طبيعيا جدا ومعافى جدا ويحمل بين طياته الكثير من البشريات وعلى أصعدة مختلفة جدا أهمها على الاطلاق السعي الدؤوب والامكانات المتاحة (آنذاك) لوقف الحرب الاهلية في البلاد والحفاظ على وحدتها .. تلك الحرب التي كانت تستنزف موارد أهل السودان البشرية والاقتصادية وتهدد أمنهم الاقتصادي وسلامهم الداخلي ونسيجهم الاجتماعي .. كانت الأشياء (آنذاك) سهلة الاحتواء نسبيا. وكان من الممكن جدا الوصول لاتفاقات تحقق الكثير من المطالب العادلة للحركة الشعبية في ظل الوجود الكبير لقيمة السودان الواحد والمتحد في نفوس ووجدان اهل السودان وداخل منظومة تعدد أجناسه وجهاته ودياناته والسنته المختلفة .. كان الامر يبدو استكمالا لانتفاضة ابريل ونحو اكتمالها كثورة تأتى بالتغيير للأفضل ونحو مباديء الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية .. كان مخاضا مرهقا, بيد أنه كان مخاضا ملحا وضروريا ويمثل في جوهرة دليل عافية في الطريق لانجاز أو استكمال ثورة/انتفاضة ابريل ..
في ذلك الوقت بالتحديد .. في ذلك الوقت الذي كان من المهم جدا فيه أن تتضافر جهود أهل السودان مدفوعين بالمد الثورى والانجاز الوطني الكبير والاحلام الوطنية الكبيرة .. في ذلك الوقت الحرج بالتحديد, زاغت افئدة الحركة الاسلامية وتبلبت رؤاهم وتبلدت حينما اخطأت قراءة السيرورة الماضية باهل السودان نحو نهاياتها الجديرة بذلك الوطن العظيم .. وهكذا أعلنوا إنقلابهم بصوت العميد عمر حسن في الثلاثين من يونيو 1989!
كان لهم رؤاهم المختلفة, وولهم عقيدة سياسية/دينية آحادية الرؤى ولا تحتمل التأويلات المتعددة وتخطيء قراء التاريخ وحركة التطور البشري .. جاؤوا بخطرفات ابي العلاء المودودي والافكار المتطرفة لسيد قطب وتهاويم حسن البنا وأدخلوها جميعا في معمل شيخهم حسن الترابي لسودنتها قسرا وصبها كفاحا على القوالب الراسخة والقديمة لمكونات الشعب السوداني, وإكسابها ديناميكية لا ترضى بالحد الادنى وانما تؤمن بقدرتها على القفز فوق المراحل وحرقها نحو تقديم الحلول السحرية بتشييد دولة دينية حديثة وقوية على النموذج الايراني ومن ثم العمل على تصديرها للواقع العربي المحيط ..
وهكذا كانت أولي ملامح الديكتاتورية لدولة العميد حسن أحمد البشير, كانت ملامح حادة تعبر عن توجه ديني ذي صبغة ثورية ورؤيوية آحادية لمستقبل ذلك الوطن .. نجملها إختصارا بقيادات ربانية وامة رسالية/جهادية تعيد للدين مجده أو ترق منها الدماء .. أو ترق كل الدماء .. فلترق كل الدماء .. وكان أن أريقت دماء عظيمة جدا بعد أن أعملت الإنقاذ داناتها ومقاصلها ورصاصها بل ومساميرها فوق رقاب ورؤوس اهل البلاد !! ..
تحت هذا المشهد العام لديكتاتورية البشير, كانت الكثير من المتغيرات تعتمل في باطن المجتمع السوداني, شهدنا أنتشار ظاهرة الحجاب في الجامعات السودانية بصورة غير مسبوقة, وطالت لحى الكثير الشباب واتخذوا سمتا جديدا هو الاقرب لما تخيلوه سمتا إسلاميا يليق بامتهم الرسالية المجاهدة.. وبذلت وزارة الرعاية الاجتماعية جهدا أعلاميا وجماهيرا كبيرا في التبشير بالقيم الجديدة وبالانسان السوداني الرسالي تحت قيادة القيادات الربانية, وحتما كانت هناك العديد من الايات القرانية ما تمثل المرجعية المقدسة المناسبة لحركة التغيير المجتمعي.. آيات كقوله تعالى:
( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ( 41 ) ) .
(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) ..
(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)
هذه الايات القرانية وغيرها كانت تؤسس (أو أريد لها أن تؤسس بالاحرى) لمسألتين هامتين مثلتا أهم ملامح الديكتاتورية الاولى
1- التمكين " والتمكين هو تمكين منسوبي الحزب الحاكم من جميع الوظائف العليا والوسيطة في الدولة, بالاضافة لحصر كل الوظائف العسكرية والشرطية والامنية بالضرورة على كوادر الحزب الحاكم .. وللتمكين وجه آخر إقتصادي كذلك, وهو ادارة عجلة الاقتصاد السودان تحت جناحهم, وبين منسوبيهم حصرا وفى كل المجالات الاقتصادية من استيراد وتصدير وزراعة وصناعة وخدمات وعقارات وبنوك واوراق مالية الخ ..
وكان للتمكين أوجه كالحات عديدة تمثلت في ضرورة طرد الكوادر الوطنية المميزة في مجالاتها ووظائفها وإحلالها بكوادر ضعيفة وذات مؤهلات فقيرة ولكنها من أهل الولاء (أهل البيت) .. تم طرد عشرات الالاف من الخدمة المدنية والقوات المسلحة والبنوك والشرطة واساتذة الجامعات .. وبالضرورة تكون عشرات الالاف من الاسر السودانية قد تضررت وبصورة مباشرة منها من هذه المجرزة الانسانية المسماة آنذاك (بمجزرة الصالح العام).. تلك المجزرة التى يمكن أن نؤرخ بها الموجه الاولى من الشتات او التيه السوداني العظيم في زمن هذا التتار الوطني الرجيم .. حيث هاجرت العديد من الكفاءات السودانية هربا من سوء المصائر التى آلوا اليها وطمعا في الحياة الكريمة خارج حدود الوطن المسروق ..
2- الجهاد في سبيل الله كوسيلة لا تكتمل بها رسالية الامة السودانية ولا ربانية قياداتها الا بها .. كان طقسا مجنونا وعبثيا للحد البعيد وعشرات الشباب يشكلون كتائب الجهاد وينضمون لمعسكرات التدريب العسكري والتي تخلو من المعايير التدريبية اللازمة لانتاج مقاتل نظامي يعرف واجباته ومهامه وحدود مسؤولياته وقواعد الاشتباك والانضباط العسكري وتكتيكاته وعلاقاته القيادية الخ... كانت معسكرات شيدت بارادة دينية ضحلة جدا وغباء سياسي للحد البعيد ولامهنية عسكرية فادحة, فانتجت جيشا من المهووسين دينيا ممن يتوقون لقتال الكفار من ابناء السودان ممن يعيشون فيه تحت ذات السماء وفوق ذات التراب الكريم !! .. يتوقون لقتال الكفار من أبناء وطنهم ومن ثم نيل الشهادة وما يتبعها من جنان وحور !!!
ولعل هذه الفترة شهدت من العبثية مالم تشهدها كل الحقبات الوطنية .. تأتى أرتال الضحايا/الشهداء من الجنوب لتنصب لهم الأعراس والمهرجانات الخطابية التي تحكي عن المعجزات الكثيرة التي احاطت باستشهادهم وكيفيات المدد الالهي الذي اصابهم في حربهم وحلهم واستشهادهم .. ولا تنتهي العبثية الا بعقد قرانهم على حور السماء العين وبامتداد شفاعتهم لتشمل خلق كثير من أهلهم وذويهم!!
في ظل هذه الاجواء الجهادية الصاخبة حقا, وذاك والسعار التمكيني, عاش الشعب السوداني اسوأ فترات الطغيان الديكتاتوري على الاطلاق, وتمتع النظام الديني وقياداته الربانية بشراسة إجرامية وتنكيلية في الضد من كل الذين عارضوا أو شاءت لهم اقدارهم أن يقدموا أكباش فداء وأضحيات للعهد البوليسي الامني العكسري الجهادي الديني الجديد .. فشهد السودانيون إعدامات تمت بالجملة ودونما أدنى قدر من الضبط القانوني والدستوري بل والاخلاقي والديني .. شهد الشعب السودان اعدامات لاشخاص جل ذنبهم دولارات قليلة وجدت في دواليبهم الشخصية, كما وتمت تصفيات لعدد من الناشطين السياسيين وتفشت ظاهرة اختفاء بعضهم وفي البال الشاعر السوداني الرقيق ابوذر الغفاري وغيره .. كما واصبح صباح كالح على أهل السودان ذات عيد من الاعياد بنبأ اعدام 28 ضابطا من اميز ضباط القوات المسلحة السودانية.. ثم وانتشرت سيرة وأهوال بيوت الاشباح بين الناس, وسرت في البلاد سريان النار في الهشيم .. وهي تلك البيوت التي تم فيها تعذيب الالاف من شرفاء السودانيين, بل وبلغت ممارسات التعذيب حدا لم يعرفه السودانيين من قبل .. إنتشر الخوف بين الناس وبدأت ملامح الديكتاتورية تتضح لهم شيئا فشيئا .. فقد أتاهم الاسلاميين بما لا قبل لهم به وتجاوز كل ما عرفوه في ديكتاتورياتهم السابقة .. بل ولم يشهدوه حتى إبان الاستعمار الانجليزي ..
في المشهد الموازي لذلك كان "الانقاذيون" وكأنهم يشيدون اركان دولة عظمى تهز عروش الطغيان العالمي وتعيد للاسلام والحضارة الاسلامية سيرتها الاولى ,, كانت الاناشيد تتحدث عن دنو سقوط الامبراطورية الأمريكية .. ليس سقوطها وحسب بل وعذابها بايدى القيادات الربانية لدولة السودان وشعبه الرسالي .. وليس امريكا فحسب بل وروسيا وبريطانيا وفرنسا وجميع دول الاستكبار المسيحي .. رفعت الشعارات العالية ودبجت الاستراتيجيات الوطنية الكبرى في الصحة والتعليم والبنى التحتية وأعلنت النفرات القومية للزراعة وفق خطط خمسية وعشرية ينتهى بها مطاف الشعب السودان مكتفيا ذاتيا من زراعته ولابسا من مصانعة ومجاهدا بآلياته ومتطورا في اقتصاده وواثبا لاقصى حدود المجد والسؤدد والرخاء ..
ولكن أهل السودان لم يتفاجؤا مطلقا عندما حانت مواقيت القطاف الانقاذي العظيم .. تدهور اقتصادي مريع, تمددت الحرب الداخلية لتشمل غرب البلاد وشرقها جنبا الى جانب الجنوب.. تدني مستوى الخدمات والتعليم والصحة.. تمادي القهر والضغيان الذي مارسه اهل الانقاذ على ابناء الشعب السوداني .. ظهور بوادر الفساد الاقتصادي العظيم .. كما وبدأت مكونات وعوامل وبذور الازمة الدارفورية في التشكل والنضوج لتتفجر مآسيها الانسانية في التأريخ الآتي والقريب جدا وتدخله -اي التأريخ- بكونها أكبر مأساة إنسانية تعيشها البشرية في حينها.. حقبة ديكتاتورية أولى شهدت تراجع مخيف في المستوى المعيشي لاهل السودان .. تدهورت أسعار العملة المحلية تدهورا مخيفا ومستمرا وحتى اذا ما شارفنا العام 1998 والذي في اعتقادي يمثل نهاية حقبة الديكتاتورية الانقاذية/البشيرية الاولى وصلت سعر صرف الدولار ازاء الجنية السوداني لمستويات قياسية ..
ويكفي أن نشير لما جاء في تقرير صندوق النقد الاجنبي في العام 2009 ما يلي
(في عام 2009 كشف تقرير للصندوق أن الاقتصاد السوداني ظل لأكثر من 10 سنوات تحت رقابته، مشيراً إلى تنفيذ الجانبين اتفاقات عديدة تتعلق بمراقبة أداء الاقتصاد السوداني من قبل الصندوق والاشراف على برامج اقتصادية متعددة للدولة وصولاً إلى مرحلة كسر عظم المواطن العام الماضي 2012 من خلال تنفيذ المرحلة الأولى من سياسات رفع الدعم وتعويم العملة السودانية.)
اذن وبنهاية الديكتاتورية الاولى للبشير(مفاصلة رمضان) ..تلك الحقبة التي بدأت باناشيد امريكا روسيا قد دنا عذابها والمشروع الحضارى لدولة السودان العظمي .. تنتهي, ذات الحقبة, بارتهان كامل لصندوق النقد الدولي وخلاف أفضى لانشقاق بائن بين رفقاء صلاة الفجر والقيادات الربانية للمجتمع الرسالي بالاضافة لسجل متسخ جدا لحقوق الانسان السوداني وتفشي بوادر الفساد الحكومي والثراء الحرام .. الا أن الاهم من كل ذلك وذلك كان ضرب الفاس الاخير في فسيفساء الوطن الواحد والتمهيد لانفصال ثلث السودان وتنامي الاستقطابات العنصرية والقبلية ما مهدت, كذلك, لاكبر مأساة انسانية في زمانها الممتد القادم .. المأساة الدارفورية
(عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 04-17-2015, 03:34 PM) (عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 04-17-2015, 03:36 PM) (عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 04-17-2015, 09:36 PM) (عدل بواسطة محمد حيدر المشرف on 04-17-2015, 11:03 PM)
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
Re: ملامح الديكتاتورية الخامسة .. (1/5) (1989-1998) (Re: محمد حيدر المشرف)
|
(5/2) 2005-1998 .( دارفور, البترول ونيفاشا .. ضياع الفرص التأريخية)..
تفرقت ايدي القيادات الربانية أيدي سبأ, وألقت الامة الرسالية عصا ترحالها في نواحي الدنيا الاربعة, وأخفقت ديكتاتورية البشير حين أصابت شيئا من النجاح .. تشتت السودانيون في اصقاع المعمورة بحثا عن الحياة الكريمة والأمن والاستقرار .. كان استخراج البترول من باطن التراب السوداني نعمة ضلت طريقها نحو الخراب .. وتماما كما يصيب أحدهم الثراء المفاجيء فلا ينال من ثراءه الا انحراف الابناء وانفراط عقد الاسرة وانفتاح باب الموبقات العظيمة ..
لا أعلم نعمة ربانية تحولت لنقمة كما كان الحال مع استخراج البترول من باطن الارض .. تدفقت الكثير من الاموال على البلاد فاساء ولاة الأمر أمر تقديرها وتدبيرها وتوجيهها صوب ما ينفع البلاد والعباد.. عاثوا فيها فسادا من ناحية, ومن الناحية الاخرى كان فعل الفساد مدمرا للكثير من القيم والأخلاق السودانية الحميدة في جوهرها الكريم والمحمودة في ذلك البلد الذي كان أمينا .. فساد أخلاقي غير مسبوق تراءت مظاهرة ومآلاته في الكثير من المشاهد والمشاهدات .. انفرط ذلك العقد الفريد للاسرة السودانية التقليدية, وأعني نموذج الأب الكادح والأم الرؤوم والذرية المجتهدة في تحصيل العلم أو تحصيل الرزق الحلال من زارعة أو رعي .. دخلت انماط تفكير جديدة على الشخصية السودانية ثيمتها الاساسية الانتهاز والفساد وضعف الوازع الاخلاقي ..
لم يكن ذاك المظهر السالب الوحيد في المجتمعات السودانية .. كان هناك الادهى والامر والمتمثل في النزوع الغريب والارتدادي لمفاهيم كالقبلية والجهوية والعنصرية .. نزوع مجتمعي يعكس في جوهره تكريس الدولة اللامسؤولة أخلاقيا ووطنيا لهذه المفاهيم البالية .. كان ذلك عصر التخلي التام عن الشعارات ذات المحتوي الفكري كشعارات المجتمع الرسالي والدولة الحضارية ذات الرسالة الفكرية والاخلاقية والدينية والتي ما جاءت الا لتمام الاخلاق كما كانوا يدعون وكانوا من الكاذبين .. كان عصرا للانتهاز والتسلق واللصوصية بامتياز ..
تفجرت الازمة الدارفورية وتسربت معطياتها لكافة المجتمعات السودانية بما خلفته (وما زالت) من مرارات واحقاد ومظالم تأريخية لم ولن تندمل قريبا .. قتلى بعشرات الالاف ومشردين ونازحين وحروب غطت ما يصل في مجمله لنصف مساحة الوطن عند اضافته للحرب الاهلية المندلعة سلفا في جنوب السودان .. تمخض عن هذه الكارثة الانسانية الكثير من الحركات القبلية والجهوية المسلحة وتمدد ظل الحرب ليشمل ما يقارب نصف الوطن السوداني .. يا لهذا المشهد الوطني الحزين !!
كانت الخرطوم آنذاك تشهد انتعاشا فاسدا جدا .. ترفا كاذبا تحسه اينما وليت وجهك بين احياءها الغنيه و وسطها المبهرج بالنيون ومصابيح السيارات الفارهة وسهرات النيل الازق وحسناواتها الوضيئات كعانقيد الدر واجيادهن المرمريات الوهيطة وثيابهن الحريرية تشف لا تدس شيئا من مفاتن الانوثة ولا تترك الا مزيدا من مساحات الخيال, مثنى وثلاث ورباع.. والاشارة واضحة!! .. هل كان ذلك مقابلا اخلاقيا لائقا للموت والتشريد والنزوح لعشرات الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ من أهل ذلك ال (الامين) ؟!! .. انتصبت قيامات البروج المشيدة بالفساد في نواحي الخرطوم, وتبهرجت لياليها بالنيون والموسيقى والاعلانات, وكان الموت سيدا للموقف في الكثير من نواحي وجهات ذلك الوطن الحزين ..
انتشى أهل الديكتاوتورية الثانية ومحسوبيها بخمرة الفساد ودعة العيش والترف الكذوب ..وما بين رواحهم وغدوهم في شوارع الخرطوم, كان مشهد أهل الجنوب الفقراء يبدو وكأنه شيئا جارحا لجمالية المشهد.. فلماذا لا يعودون لحيث ينتمون.. وماذا سوف نخسر .. واين يمكن ان يتلائموا مع الواقع العربي/الاسلامي لدولة الانفاذ ؟!! لا لم تعد وحدة اراضي السودان حلما .. تلك الخريطة بتعاريجها الاليفة والمحفوظة عن ظهر عشق لم تعد ركنا من اركان الايمان بذلك الوطن الذي قد يكون ...عادت تلك الخريطة وبتعارجيها تلك الاليفة خطأً استعماريا بابعاد لا تخلو من المؤامرة .. فلتأخذ الامبراطورية الامريكية ما تريد, وليبقى لنا ما نريد .. وهكذا حدثت نيفاشا عن انقسام السودان .. السودان الوطن الواحد, ما قد كان وما سيكون .. عندما وقع على عثمان محمد طه على ورقة نيفاشا .. كان يعلم جيدا انه يمهر فرمانا بقسمة الوطن .. وكان ذلك لا يعني له الكثير !!!
| |
 
|
|
|
|
|
|
|