هل يعتمد الشاعر بله الفاضل على تصوره للمحيط الخارجي دون أن يلبي بذلك اي متطلب خارجي يختلف في رؤاه؟، اسئلة كثيرة يطرحها الشاعر في نص «ارتعاش» ادخلنا الفاضل الى أضواء عجيبة استطاع عبرها خلق نص يتداخل في معطيات كثيرة قابلة للتأويل، هذا النص يبحر في عالمه، ويجعلك تبحر معه.
النص
بَعيدٌ عن الضَوْضاءِ، تَفَضْحُ الضَوْءَ رَعَشتُكْ. وأصابِعي بين بين... أن تُعلِقَني بمَسامِ الضَوْءِ، أو تُرتَّبَني بخَفَقِ خَواطِرِكْ. لا غَرْوَ أن لي وُجْهتين، صَوْتي... حين يَنَزعُني من خَيَالاتي الطَريقُ، وأَذْرُعي... بينما الْتَمُّ برَوْنَقِكْ.
يميل الشعراء في العادة إلى الإبقاء على منفذ واحد للنجاة خلال النص ، فيما يُبقي الشاعر هنا على منفذين ، ويعلّل بشكل أقرب إلى الجزم إلى أن الجهتين اللتين له أمر طبيعي وفق ما يراه من هذا الخليل أو المُخاطَب في عمومه . يعتمد الشاعر بله محمد الفاضل على تصوّره للمحيط الخارجي دون أن يلبّي بذلك أي متطلب خارجي يختلف في رؤاه ربّما ، فهو يجزم منذ البداية : بَعيدٌ عن الضَوْضاءِ وهذا تصريح بحالة المحيط الذي يعيشه المُخاطَب هنا، الضوضاء هي السمة الغالبة ، و هو يخاطبه بعيداً عنها ، والبعد هنا يحتمل التأويلين : 1- أنّ المُخاطَب بعيد عن تلك الضوضاء . 2 - أنّ المُخاطَب في ذات الضوضاء ؛ ويجتهد الشاعر للتواصل معه بعيداً عن تأثيراتها المباشرة . وأنا أميل إلى التأويل الأوّل على كل حال لأنّ « بعيدٌ » وردت مرفوعة وليست حالاً . ونعود للنص حيث أنّ النص يفسّر نفسه بنفسِه ويقول : تَفَضْحُ الضَوْءَ رَعَشتُكْ أي أنّه يضيء حين ارتعاشه ، ووفق أي تفسير منطقي سنقبل التأويل القائل بأنّه بعيد مكانياً عن أي ضوضاء يمارس رعشته البهية فاضحًا الضوء . وحين يتحدث الشاعر هنا عن الرعشة فهو يتناولها من منطلق إنساني / روحاني بحت ، وإلا لجاء بالماءِ أو سواه بدلاً عن الضوء لو شاء أي إسقاط حسّي للنص . وأصابِعي بين بين... أن تُعلِقَني بمَسامِ الضَوْءِ، أو تُرتَّبَني بخَفَقِ خَواطِرِكْ ربما لن يكون في الأمر أي غرابة لولا ورود تلك اللفظة « خواطرك » ، ولأنها فيما أزعم جمع مفردهُ « خاطر » فأنا أستبعد هنا أن يكون المقصود منها ( النفس / القلب / البال ) لأنها أتت بصيغة الجمع و هو ما لا يجوز أن يكون معنى لتلك المفردات ، و لكنني أميل إلى أنه أراد منها «الهاجس » الذي يغزو النفس ويمر على القلب فيفعل فعله .. !! وعليه تكون « أصابع » الناص هنا بين لذّتين : 1- التمسّك بمسام الضوء ؛ ذات الضوء الناتج عن فضيحة سببتها الرعشة آنفة الذكر . 2- التسليم بشكل مفاجئ دون مقدّمات إلى المُخاطَب، ليرتّبه كما شاء ، و لكنه لم يمنحه متّسعاً لحرية اختيار طريقة الترتيب تلك ، إذ أنّه أصرّ على أن يكون عبر « خفق الخواطر » أي عبر اضطراب تلك الهواجس التي تحدثنا عنها . و هذا أمر متميز فيما أرى ، لأنّه يختار بين نقيضين، إما ضوء الرعشة أو قلق الهواجس .. و لعمري أنّه اختار الثانية دون أن يصرّح .. !!. الأصل في اللغة أن يتقدم الفاعل على المفعول به ، و شاعرنا هنا يؤخره في موقعين : تَفَضْحُ الضَوْءَ رَعَشتُكْ ويَنَزعُني من خَيَالاتي الطَريقُ ولا ضير من هذا فسياق الكلام – كما يقال – يزيل اللبس ، ولكنها طريقة يلجأ إليها بعض شعراء القصيدة الموزونة نظرًا لاضطرارهم لوضع مفردة بدلاً عن أخرى ، ولا أدري ما يجبر الشاعر عليها هنا . أيضًا ؛ لا أجد مبررًا للقوافي «رعشتك / خواطرك / رونقك » ، وهو أمر ألحظه في النصوص النثرية بكثرة ، وهو غير مطلوب بالمطلق ، بل و أراه من الأمور التي تفسد متعة تلقي النص النثري .. !! في المحصلة ؛ راق لي النص من جوانب عدّة ، وما رأيته عيبًا فيه لا يمنع جماله إطلاقًا ، و أظن – دون رغبة في المجاملة – أن هذا النص من النصوص الناضجة و المعبّرة والمهمة للشاعر « بله محمد الفاضل » .
سعد الياسري
02-19-2015, 08:05 AM
بله محمد الفاضل
بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
الذي يشدُ للنص هنا هو العالم المحسوس وغير الملموس في القصيدة .. هذا الفلك الذي تدور به لغة النص لا يمت لعالم المادة بأي صلة و قراءتي الأولى له سلت من الذاكرة خيطا يصلني بالصوفية ربما لوجود دلالات رمزية و نورانية فالمخاطب لا أتخيله البتة هنا جسدا آدميا بل يتعداه لعالم الروح و الأنوار و الصوت بوابة تنفتح على وجه المخاطب فمن عساه يكون؟ هذا ذكاء القصيدة الحداثية التي تستفز المخيلة و تحيك فضاءاتها من وحي تأويلات القارئ .. لقد نجحت هذه القصيدة باستقطاب انتباه القارئ من أول جملة حين استهلتها بـ (بعيد عن ..) هنا تحمل الجملة القارئ أيضا بعيدا عن الواقع الذي يعيشه ليوغل في أفلاك القصيدة .. اقرأوا معي على مهل و باستسلام كامل للمخيلة المقطع الأول (بعيد عن ... الضوضاء) متوقفين عند الحرف «عن» لثوان قليلة لتنطلقوا فيما بعد كالسهم لإكمال المقطع ... (الضوضاء) ما هي الضوضاء هنا ؟ .. لنكن أذكياء ولا نسقط بفخ الرسم العادي للكلمة لأن اللغة مهما اتسعت فهي لا تلم مطلقاً بالمعاني المعاني أبعد من البُعد نفسه و أعمق من البصر في إنسان العين . حسناً لن تكون الضوضاء بقراءتي هي مجموعة الأصوات التي تصدر بدون أن يرتبها نطق لتحمل معنى ولن تكون قرع طبول و أحاديث عامة إنها ضوضاء أخرى إنها ضوضاء في دخيلة الشاعر ولهذا بإمكاني أن أقول (بأنه خرج من دخيلته لدخيلته ) مبتعداً عن ضوضاء الأنا داخل الأنا .. مبتعداً عن الصور و ملامح الوجوه المتواترة على الذاكرة عن الأرقام و الحسابات و اللغات عن الوعي العادي للعقل الذي دُجن ليعي حماقات اليوم والأمس و الغد لتنفتح له عوالم أخرى ، إنها عوالم المخاطب في الخاطر و الذي تتكئ عليه رؤيتي هنا في بحث الشاعر عن المخاطب في خاطره هو ورود كلمة الخاطر جمعاً في النص وهذا ما يحملني لتشريب النص من واحة الــ «télépathie» ، فالشاعر هنا يتحدث إلى المخاطب بأفكاره لأنه على صلة به عبر توارد الأفكار وهذا ما اشار إليه في هذا المقطع: [وأصابِعي بين بين... أن تُعلِقَني بمَسامِ الضَوْءِ، أو تُرتَّبَني بخَفَقِ خَواطِرِكْ] والشاعر استخدم لفظة الأصابع و الأذرع لتقريب الصورة لعالمه الذي أتى فوق ضوضاء الواقع على أرضنا ولا أتخيله أبداً بأنه أراد الأصابع والأذرع النابتة من الجسد . وربما هذا الذي جذب نظر الياسري لكلمة الذراع التي اتت جمعا هنا بدل ان تكون مثنى ولا جد متكأ اقوى لرؤيتي هذه استند لبعض الصور التي اتى بها الشاعر مثل قوله (مسام الضوء/تفضح الضوء رعشتك) فهل للضوء مسام؟ وهل الرعشة تفضح الضوء؟ انها صورة استعان بها الشاعر ليصور لنا عالمه. القصيدة جميلة حقا واتوقف هنا لاعود لاحقا لاتمام قراءة للقصيدة كما رأيتها بعيني. رندة المغربي
02-19-2015, 12:41 PM
ibrahim fadlalla
ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
Quote: بَعيدٌ عن الضَوْضاءِ، تَفَضْحُ الضَوْءَ رَعَشتُكْ. وأصابِعي بين بين... أن تُعلِقَني بمَسامِ الضَوْءِ، أو تُرتَّبَني بخَفَقِ خَواطِرِكْ. لا غَرْوَ أن لي وُجْهتين، صَوْتي... حين يَنَزعُني من خَيَالاتي الطَريقُ، وأَذْرُعي... بينما الْتَمُّ برَوْنَقِكْ.
سلام بله يا صاحب التهويمات البديعة ...شكرا على النص الكثيف المفتوح على فضاءات التأويل
وشكرا ..للياسري والمغربي على تأويل النص ...وفي قراءتيهما عتبات ماهدة للولوج إلى عالم النص الفسيح ...
أطربتني الصورة البديعة ...للرعشة التي تفضح الضوء ...فالمشهد هنا يتمرد تماماً على طبائع الأشياء ..ولا عجب فالنص يهوم في كيمياء مختلفة ...
Quote: بَعيدٌ عن الضَوْضاءِ، تَفَضْحُ الضَوْءَ رَعَشتُكْ.
وجدتك أخيراً ، أيها المختبئ ..البعيد ، لطالما أرهقني البحث عنك وسط ضوضاء الاحتمالات والممكنات ..والاعتياديات ... ها أنتذا ..إذن - هنا في البعيد ، في اللامعتاد - تتموه ..في عماءنا ..عن الضوء الساكن .. الضوء الذي نبصر به ..ولا نبصره... ها أنتذا تفضح الضوء ...برعشتك ...يا للصورة المقلوبة ...والتصوير البليغ .
Quote: وأصابِعي بين بين... أن تُعلِقَني بمَسامِ الضَوْءِ، أو تُرتَّبَني بخَفَقِ خَواطِرِكْ.
ما هي ..تلك الحيرة التي تهجر الروح لتسري في الأصابع ؟؟؟ وكيف تأتى لتلك الأًصابع أن تنسلخ عن طبيعتها " الأدواتية " ..لتتمثل بشراً أسوياء ، يحملون بين - بينيتهم ...بأياديهم ؟؟؟ بل يحملون قميص الجسد ، أو ربما الروح ، وهم يراوحون في حيرة بين مشاجب الاشتهاءات - الأمنيات ؟؟؟ وهل للضوء مسامات ؟؟ وهل للمسامات خطاطيف ؟؟؟ وكيف يعلق قميص الأمنيات على مسامات الضوء ؟؟؟ كيف ؟؟؟ أسئلة ...أسئلة ...
أيفضح الشاعر فوضاه .. بطلب الترتيب ؟؟ وكيف يخفق الخاطر ؟؟ كما الغصن ؟؟ كما المرايا ؟؟ كما الورود ؟؟ كما السكون ؟؟ أيكفيك أن يذكرك ؟؟ أيرضيك أن يشتهيك ؟؟ أيغنيك أن يحملك في خاطره ؟؟؟ أم أن فتق فوضاك ...أكبر من خيوط المعتاد ؟؟؟...أسئلة ...أسئلة ...
Quote: لا غَرْوَ أن لي وُجْهتين، صَوْتي... حين يَنَزعُني من خَيَالاتي الطَريقُ، وأَذْرُعي... بينما الْتَمُّ برَوْنَقِكْ.
لا غرابة أن تحتار أصابعي بين مشاجب التحققات ... وهنا يفيق الشاعر مستعيداً صوته ، وارادته ، ... قائلاً ..ما من غرابة في حيرة الأصابع ...إن كان حالي أنا ، من بيده الإرادة ، أمتلك وجهتين ...رغبتين ...أمنيتين ...احتمالين ....خيارين ...شيئين ... أمتلك ..صوتي ... أيقصد بالصوت " الكلام " ؟؟ أم أناه ؟ أم وعيه ؟ صوته الذي يشهره ..حينما ينتزعه من خيالاته ...الطريق : فهل ترادف الخيالات الأمنيات ؟؟؟ وهل يرادف الطريق ...اللاوصول ؟؟؟ ..وهل يرادف الصوت ...الحنين ؟؟؟
ثاني الخيارين ...الأذرع ... وهي ، فيما أرى ، في الصورة الأنيقة التي رسمها الشاعر هنا ...تمثل الخيار المشتهى ..والخيار الأبعد في فضاء الحدوث ... فالأذرع ..هي مناط ..الإلتئام .. تحقق الخيار الثاني ، هو ما يجعل الخيار الأول بلا مغزى ، فيما أرى ، ..فهل يتحرر الشاعر ...من حبال الكلام ...
هيهات..هيهات .
قبل الخروج ......ما مصدر الارتعاش، أصلا ؟؟؟ أهو الحب ؟؟؟ أم الخوف ؟؟؟ أم الحزن ؟؟ أم الفرح ؟؟
ومن المرتعش ؟؟؟ هو ...أم أنت ؟؟ أم البصر ؟؟ أم الشعاع ؟؟
أسئلة ...توغل في الأسئلة ..وتأويلات ..تعرج في فضاءات..ثم لاتنكسر ...ولا تنعكس ، كما الأشعة الغاربة .
يا بله ...أسمح لي بأن أدلي " بقريعتي " الرايحة ...في جب المعاني ... عسى أن تصيب بعض البلل
...شكرا لك كل هذا الألق ...
02-21-2015, 08:17 AM
بله محمد الفاضل
بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة