قضايا من الذاكرة للنور يوسف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 10-30-2025, 09:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2015م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-06-2015, 01:29 PM

فتح العليم محمد أبوالقاسم
<aفتح العليم محمد أبوالقاسم
تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 1059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
قضايا من الذاكرة للنور يوسف

    01:29 PM May, 06 2015
    سودانيز اون لاين
    فتح العليم محمد أبوالقاسم-بلاد الله الواسعة
    مكتبتى فى سودانيزاونلاين



    قضايا من الذاكرة بقلم النور يوسف .
    صديقي النور يوسف ضابط المباحث السابق قدم لنا أول ذكرياته وقد ابدع في تناول تلك الزكريات عن عمله القانوني وفيما يلي أولى حلقات الزكريات للنور يوسف

    الحقوق محفوظة لموقع سودانيات دوت كم http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://www.sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686

    قضــــايــا من الذاكــــــرة ،،

    --------------------------------------------------------------------------------

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الإهداء ،
    الى روح صديقى خالد الحاج ،
    ناشدنى يوماً أن أكنب عن بعضها ،
    كان شاهداً على كثير من التفاصيل والنقاط ،
    فى أحاديث و أمسيات تعطرها ضحكاته الصادقة ،،

    بسم الله الرحمن الرحيم

    بعد أربعين شهراً فى ربوع دارفور قضيتها متنقلاً بين الوديان والمراحيل والعدود إستقر بى المقام ضابطاً فى مباحث مديرية الخرطوم ،
    فى كشف التنقلات الدورى الذى تصدره رئاسة شرطة السودان ،،
    كان ذلك فى الربع الأول من العام 1984 م

    مباحث المديرية ذلك الإسم الرنان والذى يتمنى الكثيرون العمل فيه ، هو القسم الذى يوجه ويدير العمل الجنائى فى عاصمة البلاد ،
    تنوم الخرطوم وتصحو على مرأى من جنده و مصادره ، ينشر عيونه ويبث أفراده فى طرقاتها والدروب ،
    يحذره المجتمع المخملى وهو رافل فى حلله ، يخشاه قاع المدينة وأسماله البالية ،، يتلقى التقارير اليومية للحوادث من مناطقها الثلات ( ام درمان ، بحرى ، الخرطوم )
    وكان مقرها فى مكاتب رئاسة المديرية شارع الجامعة وهو المبنى الحالى لحكومة الولاية
    ولك أن تسرح قليلاً فى الحمل الثقيل الذى كان ينوء به هذا القسم وفى البال الوضع السياسى المعقد والأزمات التى تتوالى على نظام مايو وهو يلفظ أنفاسه الأخيره ،
    والخرطوم التى صارت الملاذ الوحيد ـ غير الآمن ـ لكل من شردتهم الحروب الداخلية والمجاعات التى شملت كافة القرى والدساكر ،،
    وما نتج عن ذلك من تغيير بين ومرئى فى خارطة النسيج الإجتماعى وما يتبعه من تصاعد ملحوظ فى معدل الجريمة ,,
    والخرطوم التى ينوم ساستها ويصبحون على أمل أن يكون الأمن مستقر (و الأحوال هادئة ) لم تكن كذلك ..

    كان إختيار الضباط لهذا القسم يتم بناء على ظن تميز فى العمل الجنائى عبر آلية ( المعرفة الذاتية )
    إذ لا توجد والى اليوم الأسس المدروسة التى على ضوءها يتم التقرير والحكم فى ملائمة هذا الضابط أو ذاك للعمل فى ايما مجال ،،

    حقيقيةً لا أدرى ملابسات نقلى غير أنها حدثت ،،
    وهكذا وجدت نفسى ضمن تيم المباحث فى ولاية الخرطوم تحت إمرة قمندانها الفذ مجذوب عبد الرحمن طه ،،
    وهو رجل يجب أن تفرد له الصفحات وتجرتق لهامته الحروف ،،
    ولعل أكثر ما يميزه وما نفقده فى كثير ممن طرق هذا الدرب هو الفهم (الأصيل الإحترافى) لمهمته والعمل وراء ستار ونكران نفس وبعد فطرى عن الأضواء وتضخيم للذات ،،
    تم إلحاقى بفرع التحقيق والتحرى ،
    وهو الفرع الذى يتولى القضايا المهمة التى تحدث فى عاصمة البلاد ،
    والتى تحتاج الى تفرغ وإمكانيات فوق قدرة وطاقة الأقسام التابعة للمديرية ، لا سما وأن القسم يتلقى إحصائية يومية بالبلاغات التى تم تدوينها خلال الأربع وعشرين ساعة فى كافة الأفسام
    ويقوم ضباط المباحث بدراسة وتحليل هذه اليومية ورفعها لمدير شرطة المديرية ، والذى قد يكتفى بمتابعة المتحرين فى بعضها وإسناد التحقيق المباشر لضباط القسم فى بعضها الآخر ،،
    والى أن غادرت القسم وفى ظنى الى يومنا هذا لا يوجد بالقسم ضباط مختصين فى علم الإحصاء لدراسة وتحليل الجريمة صعوداً وهبوطاً وكنا فى ذاك الوقت نعتمد على إستمارات عتيقة غير أنها مجكمة وعميقة ، توضخ بعض التفاصيل المتعلقة بوقائع الأحداث من واقع يوميا التحرى ( العمر ، المكان ، الجنس ، ساعة إرتكاب الجريمة ، المجنى عليه ، الدوافع )
    من كل هذه المعلومات تسندها فقط الخبرة نخلص الى وضع تصورنا عن سير الجريمة ،،

    بالطبع هذا لا يكفى ،،
    فوجود ضباط مسلحين بالعلم فى هذا المجال من شأنه ان يقدم تقارير موثوق فيها ومبنية على دعامة من العلم والمعرفة ،،

    وهكذا اكتسبت القضايا التى توليت التحقيق فيها أهميتها ،
    فلم تكن توكل لنا إلا القضايا التى تشغل الرأى العام أو تلك التى تشكل فى طبيعتها تحدى للأمن والشرطة على السواء

    سأختار قضيتين توليت التحرى فيهما ووسأروى أحداثها من الذاكرة ،
    الذاكرة التى أرجو أن يعذرنى الأخوة إن أصابها الوهن فى بعض التفاصيل ،

    قتيل السعودية

    فى صبيحة يوم من أيام المباحث العامرة دوماً بالمفاجأت أخطرت بأن أقابل مدير القسم على عجل ،
    وبالرغم من إعتيادى على مثل هذه الإستدعاءات المتكرره إلا أن الوقت الباكر اوحى لى بإحساس آخر ,
    وأن المهمة التى تنتظرنى مهمة بحثية بحته ، وليست من شاكلة ردود الأفعال المزعجة ،
    حين دخلت الى مكتبة وجدت أحد المواطنين يجلس على الكرسى المقابل ،
    من سمته وهندامه وطريقة جلسته قدّرت أنه من عامة المقهورين الذين لا يأتون مكاتبنا ترفاً ،
    فلابد من أمر يؤرق المضاجع ويسهر المنام ،
    عرفنى عليه باختصار وذكر لى أن لهذا الرجل شقيق مختفى ، ولا يعلم أحد ماذا حلّ به ،
    وأن هذا الشقيق كان من المفترض أن يعود الى البلاد قادماً من السعودية ، غير أن أخباره انقطعت عنهم ،

    ثم قبل أن أغادر مكتبه أوصانى بالتفرغ التام لهذه القضية وأن أبذل فيها كل جهدى
    اصطحبت الرجل الى مكتبى لأسمع منه الرواية بتمهل وأكتب عمومياتها وتفاصيلها المملة ،
    ومن ثم أدون ملاحظاتى ولأضع خطة العمل التى يجب على اتباعها وتحديد الفريق الذى سوف يشاركنى مهمة البحث العسيرة ،،
    ذكر لى الرجل أن شقيقه ( ... ) يعمل بالمملكة العربية السعودية وتحديداَ فى منطقة الباحة بالجنوب فى مهنة نجار مسلح ،
    وأنه أخطرهم قبل مده بأنه سيحضر للسودان فى إجازته السنوية غير أن الوقت الذى ذكره مضى ولم يحضر ،
    أفادنى أنه وصلهم خطاب من أخيهم الأكبر والذى يعمل أيضاَ بالمملكة العربية السعودية يسألهم فيه عن شقيقه ( .... ) وكيف تسير أموره فى الإجازة ،

    هذا كل ما كان لدى الرجل من معلومات !!!

    وهى معلومات شحيحة ،
    لا تشبع فضول رجل المباحث وفى ذات الوقت من الصعوبة أن تؤسس عليها دعوى جنائية ، وترسم بموجبها خطة بحث ومتابعة ، غير أننا لابدّ أن نبدأ ،،

    كتبت عريضة باسم الشاكى الى السيد قاضى جنايات الخرطوم شمال وذهبت معه الى هناك ،
    حيث أوضحت لمولانا رغبتنا فى البدء فى إجراءات مبدئية للتحقيق فيما إذا كان هناك فعل جنائى تعرض له هذ المختفى ، أو أن جريمة ما أرتكبت فى حقه ، وتمت الموافقة على فتح إجراءات جنائية تحت إشراف السيد قاضى الجنايات ،
    قمت باستجواب المبلغ عن كل ما يتصل بشقيقه المختفى وتكونت لى بدءً معلومات كاملة عنه شملت أسرته ، زوجته ، أصدقاءه ، معارفه ، إغترابه ، عمله ، سلوكه ،

    ولا أثر فى الأفق لمتهم محتمل !!!

    القناة الوحيده التى كانت متوفره فى بداية التحقيق والتى فى مقدورها أن تمدنا بما يمكن أن يشكل خيط ننسج منه قضيتنا كانت أخيه الأكبر بالسعودية ،
    والوسيلة الوحيدة هى الخطابات المتبادلة بينه وبين أهله ،
    وبالفعل ظللنا فى أيام التحرى الأولى نتلقى منه كم من المعلومات إستطاع الى حد كبير توجيه سير التحرى ورسم صوره أولية عما يمكن أن يكون حدث ،
    وهى خطابات فى مجملها تلقى الضوء على التحركات الأخيرة لشقيقه ، قام بكتابتها بناء على تحركه واتصالاته بالمنطقة التى كان يعمل فيها المفقود ،

    أكدت هذه المراسلات أن المفقود شوهد لآخرة مرة مع المدعو ( م م ع ) وهوسائق تجارى يعمل فى الخط الواصل بين مدينتى الباحة وجده ، والأثنان يسكنان فى قرية بلجرشى الواقعة على بعد كيلومترات من مدينة الباحة ، وأشارت الى أن المفقود طلب من هذا السائق أن يوصله الى جده حيث من المقرر أن يسافر الى السودان عن طريق البحر من ميناء جده الإسلامى ،
    أوضحت لنا الخطابات الواردة من شقيق المختفى أن هذا السائق موجود الآن بالسودان
    وأنه قراره بالسفر الى السودان جاء فجأةً كما أفاد بذلك زملائه المقريبين ، وبحجة أنه ذاهب لإتمام مراسم زواجه ،

    فى تلك الأثناء حدث تطور مذهل فى سير التحقيق ،
    إذ وصلت الى شقيق المفقود (الشاكى) على عنوان مقر عمله فى النقل الميكانيكى ببحرى رسالة من مجهول يدعى فيها مرسلها أنه صديق للمفقود وأنهم أتوا سوياً السودان وفى طريقهم الى الخرطوم هجم عليهم بعض ( الشفته ) فى الطريق العام وأخذوا معهم المفقود وأنه الآن فى حالة أقرب الى الجنون وهذه الرسالة للعلم !!!!!

    ولأهمية هذه الرسالة فى مجرى التحقيق ،
    وحيث انها شكلت الخيط الذى توالت من بعده الخيوط وأن كثير مما سيأتى لاحقاً إعتمد على فقراتها والتحليل العميق التى حظيت به ، وربما أنها الخطأ القاتل الذى ارتكبه الفاعل ، لكل ذلك سأحاول هنا أن أكتبها كما حفظتها الذاكرة ،،

    ( افيدكم اننا بعد أن وصلنا منطقة بورتسودان وقمنا بتخليص السيارات وفى طريقنا الى الخرطوم قابلونا ( الشفتة ) واخذوا السيارات وشقيقكم وأنا هسى والله بقيت زى المجنون ،،

    الراسل ،
    عبد الرحمن محمد احمد .. عمر محمد احمد )

    من قراة الرسالة إتضح الآتى :

    حملت الرسالة ختم بريد ( ترب هدل )
    وهو من أحياء مدينة بورتسودان والذى يشكل أفراد الدفاع الجوى غالبية سكانه ،
    إستعمل كاتبها مفردة سيارة يشير الى أن كاتب الرسالة مغترب ،
    استعمال كلمة ( منطقة ) بدل (مدينة ) فى وصف بورتسودان يشير أيضا الى إرتباط راسلها بصوره أو أخرى بالعمل فى القوات المسلحة

    على ضوء هذه الرسالة وبحانب المعلومات التى وصلت من شقيقه الأكبر بالسعودية ،
    تكونت لدينا خيوط تشكل فى مجملها ملابسات وبينات ظرفية تصلح لفرضية إتهام المغترب العائد بالضلوع فى إختفاء المفقود ،

    عليه ، تم إستدعاء المدعو ( م م ع ) لللحضور الى قسم التحقيق فى مباحث المديرية
    وتزامن ذلك مع تفتيش سريع مقتضب لممتلكاته والتى أحضرها معه من المملكة العربية السعودية ،
    وقد أسفر هذا التفتيش عن ضبط ( عجلة أطفال ) كان شقيق المفقود قد أشار إليها من ضمن قائمة العفش الذى كان من المفترض أن يحضره معه ،

    المدعو ( م م ع ) شاب فى نهاية العقد الثالث من العمر ،
    تميل قامته الى القصر ، أبيض البشرة ، على ملامحة وسامة إجتهدت الأيام فى بعثرتها وعملت الشقاوة على تبديدها ،
    بنيته بين الضعف والمتانة وإن كانت الى الضعف أقرب ،
    فى عينية قلق وشرود ، وعلى وجهه مسحة حزن ،
    جاء الى القسم مهندماً ، أنيقاً ، على راحتيه آثار الحناء ، والعطر النسائى الصارخ يسبقه ،
    جاء الى القسم وسيل من الأسئلة ينتظره !!

    وعلى كوب من الليمون البارد ،
    وأنفاس من سجائر المارليبورو الأحمر ، بدأ فى الإجابة على أسئلتنا ،
    والسؤال الأهم بالطبع والذى سوف تدور عليه مجمل بحثنا وتحرياتنا
    هو مدى وشكل علاقته بالمفقود ، متى وأين كان آخر لقاء له به ، ؟؟

    كان الرجل حصيفاً فلم يعمد الى إنكار مجمل علاقته بالمفقود وقال
    ( أنه يعمل سائق تجارى بين مدينتى الباحة وجده ويعرف المختفى حق المعرفة حيث يسكنا سويا فى قرية بلجرشى ،
    وكعادة كثير من السودانين فقد طلب منى أن أوصله الى مدينة جدة التى كنت أصلاً فى طريقى إليها ،
    وأنه بعد وصول مدينة جده قام بتوصيله الى الميناء لإكمال إجراءات سفره ومن ثم قام هو بتحميل شاحنته مرة أخرى الى مدينة الباحة ، ولا يعرف مذا حدث له بعد ذلك ، )

    وبسؤاله عن عجلة الأطفال التى عثر عليها ضمن عفشه قال
    ( نعم ليس لدى أطفال ولكن هذه العجلة تخصنى وقد قمت بشرائها لأطفال شقيقى الأكبر )

    بناء على ما تجمع من شكوك ووفقاً للملابسات والبينات الظرفية المحيطه بهذه القضية تم التحفظ عليه كمشتبه بغية إستكمال بعض التحريات والتأكد من صحة إفادته ،

    ظل هذا المتهم بالحراسة وبدأنا فى تجميع أكبر قدر من المعلومات عنه ،
    وعن طبيعة عمله ودخله وماهية علاقاته الأسرية ، وظللنا أيضاً نتلقى بعض المعلومات الشحيحة التى يجود علينا بها البريد من شقيقه المقيم بالمملكة العربية السعودية ،،
    لم يكن هناك من جديد ،
    وتقرير المعامل الجنائية فيما يتعلقق بالخط لم يكن مشجعاً
    القضية قاربت أن تصل الى طريق مسدود ، ولابد من إيجاد منفذ فى هذه الجدر البكماء من البينات ، القضاء وقبل ذلك محامى الرجل يلح فى ضرورة الإفراج عنه بكفالة ،،

    وهذا ما حصل ،

    قال القاضى كلمته ،
    (بناء على مذكرة الدفاع وبعد الإطلاع على يومية التحرى ،
    لا أرى ما يستوجب بقاء المتهم بالحراسة ، عليه يطلق سراحه على أن تستمر التحريات فى مواجهته )
    بالطبع ومع قناعتى بأن القرار لا تشوبه شائبه لكنه كان بالنسبة لى صفعة ، وشعورعميق بالهزيمة

    لم كن أملك ما يمكننى الدفاع عنه ،
    فكل الأدلة التى بحوزتى عبره عن بينات ظرفية غير مترابطه من السهل تفنيدها ،
    لا معنى أن تبنى إتهامك على (عجلة أطفال ) يمكن لأى عازب منا أن يحضرها هدية لأقرباءه أو تقرير ظنى من المعامل ،
    ولا ينبغى أن تستند على مظاهر ثراء لمغترب تفترض أن مصدرها مشبوه ،
    وأنها ليست سوى حصاد رجل آخر إئتمنه على نفسه واختاره رفيق لرحلتة التى لم يخطر على باله أنها الأخيرة ،

    وهكذا وقف القانون حائلاً بينى وبين إنسان يتملكنى إحساس عارم أنه قاتل محترف ليس فى قلبه مثقال ذرة من رحمة ،،

    وغادر ( م م ع ) حراسة القسم ،
    على محياه ملامح الزهو والإنتصار !!
    فقد كسب جولة من معركة الوصول الى الحقيقة ،
    وما درى أن أمامه جولات تضيق وتضيق لتحكم حلقاتهاعلى عنقه ،
    عنقه الذى بات قاب قوسين أو أدنى من المقصلة أو سيف الجلاد ،،

    وعدت أنا الى أوراقى أقلبها عسى أن أجد بين طياتها إجابة تستفز الأسئلة ،
    أو بصيص ضو وسط درب أحكم الجانى منافذه ومنع أى مسرب يقود الى حتفه ،،

    أين يوجد الحل ؟؟
    لمعرفة خواتم الأمر يلزمنا دوماً قراءة فواتحه ،
    ومنتهى كل شئ تتسكل ملامحه وتستبين فى مبتداه ،
    ودوافع هذه الجريمة ـ إن كانت ثمة جريمة ـ ليس غير الجشع ،
    المال ولا سواه هو من سيقود هذا الرجل الى التضحية بصديقه ،
    وقناعتى التى تشكلت عبر رحلة طويلة مع جرائم القتل ـ بإعتبار أن هذه الإجراءات ربما تؤول الى هذه المسمى ـ
    أن الحل لابد أن يوجد فى مسرح الحادث ، على مستوى المكان أو الفرد ،
    وأن الفاعل مهما برع فى التمدد لن يكون فى إستطاعته تغطية كل الرتوق التى فتقتها يداه ،
    لذا كبر فى ظنى أن ثمة دليل قوى لابد أن يكون عالق باثواب هذا المتهم ، غفل أوتناسى أو فات عليه أن يغسله ،

    ذهبت الى مولانا قاضى الجنايات ،
    مولانا حسن عيسى طيب الله ثراه ،
    وبعد نقاش عميق عن الإجراءات ومستصحباً ملاحظاتى عن المتهم والتى شملت سلوكه وتصرفاته ، فى يقظته واسترخاءه ،
    حين نمد له حبال الإلف وحين نقبضها ، حين نمازحه وساعة أن نقلب له ظهر المجن ، ومعولاً على إحساس عميق أن بينى وبين قاعه ضربة معول ،
    بناء على كل هذا وافق السيد قاضى الجنايات على إعادة قبض المتهم وإعادة التحقيق معه ،
    وأمهلنى خمسة أيام ترفع له فى نهايتها الأوراق وآخر ما أسفرت عن التحريات ،

    وقد كان ،،
    وتنشط الحياة فى خلية المباحث مرة أخرى ،
    وتحركت الفرقة الميدانية ليقضى المتهم ( م م ع ) أولى أيامه الخمسة فى حراسة القسم ،

    بعد إعادة إستجواب المتهم عن بعض ما ورد فى أقواله
    قررت أن أن أقوم بعملية تفتيش دقيقة لممتلكات المتهم ( مسرح الحادث الإفتراضى )
    وأن أحصر كل ما أحضره معه من هدايا وأغراض ، إنتابنى شعور قوى أن الحل هناك ،
    وأن شفرة طلاسم هذه الجريمة موجودة فى مكان ما فى أمتعة المتهم ،

    تحرك ( اللورى ) العتيق الى مجاهل أم بده ( منزل أسرته )
    حيث وصلنا الى هناك قبيل العصر وبصحبتنا المتهم وبدأت عملية تفتيش مضنية ، شارك فيها الجميع ،

    وفى كوم كثيف من الاورق والمستندات بدأنا نبحث عن إبرة الإدانة ،

    تبدو المهمة غاية فى التعقيد ،
    لا يتبين ساعدها من عضدها بيسر
    ليس لصعوبة البحث والتنقيب والتقليب ،
    فرجال المباحث من شأنهم أن يحيلوا صمت اى مكان الى ضجيج ،
    وقادرون على قلب رأس كل شئ الى عقب ، وبارعون فى اللعب على أطراف الأسنة

    إنما تكمن الصعوبة فى عدم تحديد ماهية الشئ المراد البحث عنه ،
    يمكن أن يكون قلماُ ، ، حذاء ، ساعة ، خاتم ، قارورة عطر ، تذكرة سفر ،
    شئ ما يربط هذا الرجل الغامض بواقعة الإختفاء ،
    ولابدّ للباحث أن يكون ملماً بكافة جزيئات الواقعة ، وكل أفراد التيم ليسوا كذلك ،

    وأنا أغوص بين الحقائب
    أطالع فى الاوراق والمستنداث ،
    أتنقل بين الأغراض ، من كوم الى آخر ، ومن غرفة الى غرفة ،
    شريط االقضية يمر سريعاً أمامى ، والف سيناريو يراودنى ،،

    فإذا بى أمامها ، وجهاً لوجه ،
    هى نفسها ياقوتتى التى كنت عنها أبحث ،

    تفحصتها فارتجفت يداى قبل أن ترتج اوصال المتهم الذى كان يراقبنى ،
    إهتز كيانه ، تسارعات خفقات قلبه ، إرتعدت فرائصه قبل ان تتعثر فى رئته دورة الزفير والشهيق ،،
    فركت عينى بكلتا يدى ،
    وأمعنت النظر طويلاً فى الورقة التى أمامى ،
    فى الورقة التى أصبحت فيما بعد مستند الإتهام الأول ،
    والدليل القاطع الذى قاده الى ساحة القصاص ،

    بين أغراضه الخاصة ،
    وجدت تلك الفاتورة الحزينة ،
    البينة التى قدر لها أن تمدد فترة حبسه من خمسة أيام الى بقية العمر ،

    فاتورة شراء لحلق أذن دهب عيار 21
    صادرة من مدينة بلجرشى بالمملكة العربية السعودية باسم طفلة المفقود ( مودة )
    نسيها أو ( أُنسيها) ضمن مجموعة أوراق فى حقيبة تخصه ،

    بالنسبة لى فقد انتهت المهمة بل القضية نفسها ،
    كل ما يمكن أن نعمله ونجهد أنفسنا فيه هو العمل على مواجهته لمعرفة مصير هذا الرجل المفقود ، غير أنى لم أكن أتوقع أن الأقدار تخبئ لى شبئاً آخر ،

    بعد أن تأكد المتهم أننى عثرت على ما يمكنه أن يطيل ليالية الخمسه فى دائرة المباحث طلب منى الإذن فى الإستحمام ،
    وقال لى أن الحمامات فى قسم الحراسات غير متوفر بما فيه الكفاية ، وحتى أمنحه شعور نسبى بالأمان أذنت له ،
    كنت أود أن ابدد الخوف العارم الذى اعتراه ، فى ذات الوقت تخوفت من خطوتى تلك التى أقدمت عليها ،
    كلفت فردين من المباحث بمرافقته والإشراف على عمليه الإستحمام وواصلت التفتيش الذى فى تقديرى قد انتهى آنفاً ،

    لكن حدثت المفاجأة !!!

    هرب المتهم !!!
    جاءنى فردى المباحث ،
    وأفادانى أن المتهم هرب ،
    قفز من شباك الحمام الذى يقفون أمامه
    وأن بقية أفراد التيم يلاحقوه الآن فى زقاقات أمبدة الضيقة ،

    تحركوا خلفه وتفرق جمعهم أيدى سبأ

    هرب !!

    وتبعه الأفراد الذين كانوا معى !!
    وتغيب الشمس على فى ذلك المكان ،
    وأنا وحدى لا متهم ولا عساكر !!! سوى سائق الكومر العتيق ،،

    رجعت الى مكاتب المباحث حزيناً منهزماً
    لا أدرى أين عساكرى ولا أين المتهم ولا أين نفسى ،

    وجدت كل ضباط وأفراد القسم فى انتظارى ،
    فقد كانت هناك حالة ( استعداد ) لا أذكر أسبابها ،
    تحرك الجميع لمداركة الموقف ، أخطرت جميع نقاط التفتيش ،
    نقطة التفتيش الثابتة فى قرية الكباشى شمالاً ومدخل الخرطوم فى جبل أولياء ،
    تحرك البعض الى مبنى التلفزيون وتم عرض صورة المتهم والمطالبة من الجميع بالقبض علية أو الإبلاغ عنه عند رؤيته ،

    بمجرد نشر فى صورته فى نشرة الثامنة ،
    إمتلأت ساحة المديرية بذوى المفقود ، فى قمة غضبهم واستنكارهم واحتجاجهم ،
    تحدث أليهم العقيد مجذوب عبد الرحمن وحاول تهدئتهم ووعدهم ببذل كل الجهود للقبض عليه ،

    وأنا فى ذلك الموقف البائس استدعيت لمقابلة الفريق أبراهيم أحمد عبد الكريم مدير شرطة العاصمة القومية ،

    ما أجمل هذا الرجل وما أنبله ،
    كيف يكون البهاء والرصانة كان ،
    رغم أنى ( عصي الدمع ) أو ربما أحسب نفسى كذلك ،
    وقفت أمامه وأنا أبكى من (الحرقة والغبن )
    لم يكن فظاً ولا غليظ الحرف , بل كان لين الجانب وحلو الحديث ،،

    قال لى إن هروب هذا المتهم هو قمة (نجاحك ) ،
    وأنه يعتبر أن هذه المهمة قد أدت غرضها وفاضت ،
    لم يعمد الى سين وجيم وكيف ولماذا ومتى وأين وتضيع القضية ،
    لم يفعل ذلك قال لى : اذهب الى منزلك والصباح رباح ،

    ولكننى أيضاً لم أفعل ذلك ،
    لم اذهب الى المنزل ولم انتظر الصباح ليجود على بحل ،
    فى تمام الساعة التاسعة مساء نفس اليوم غادرت الخرطوم الى ضهارى الجزيرة
    بصحبة فردين من أعز أصحابى من عساكر المباحث هما أمين بشرى والفنى عثمان محمد زين ،

    لم تكن هناك عربة جاهزة للقيام فى مهمة خارج الخرطوم فى قسم المباحث ،
    بل لم تكن هناك عربة أصلا جاهزة للطوارئ وفى مثل هذه الحالات غالبا ما نحتاج لتدخلات المدير واتصالاته لتأمين المطلوب والذى قد يستغرق وقتا ليس بالقصير ،

    لم يكن أمامى من خيار غير السفر وعلى جناح السرعة ،
    فقد قدرت أن المتهم ربما يكون قد قصد قرية زوجته (كمبو هاشم ) شرق القطينة
    قبل أن يفكر فى خياراته للهروب

    لم يكن هيناً الحصول على عربة جاهزة فى ذلك الوقت المتأخر من الليل ،
    وفرصة توفيرها خلال إمكانيات الشرطة وعبرالقنوات الرسمية كان ضرباً من المحال ،
    كان لابدّ من تفعيل المعرفة الشخصية واستغلالها لصالح المهمة ، وكالعادة فى هذا المجتمع الطيب لن تعدم من يسمع ويثق ويساعد ،
    تحركت الى ام درمان منزل أحد االاصدقاء وهو شقيق أحد رفقاء الرحلة ،
    وبعد ن شرحت له الأمر سلمنى سيارته الجديدة ( تويوتا كرونا صالون ) بعد أن أعطيته سيارتى والتى كانت نفس الموديل وتحركت الى الخرطوم ،

    واجهتنى مشكلة فى الوقود ،
    وقتها كانت هناك أزمة حادة فى الوقود فى الخرطوم ،
    وكل محطات الخدمة توقف خدماتها من الخامسة عصراً وبأمر السلطات ،
    ذهبت الى محطة بنزين صينية (القندول) وايقظت العامل وأمرته بتشغيل المحطة ،
    لم يمانع ولكن لم تكن هناك كهرباء ( الكهرباء قاطعة ) كالعادة ،
    عدت راجعاً الى المديرية واحضرت مولد كهربائى وقمنا بتشغيل المحطة ومن ثم ملأت خزانات الوقود واخذت معى فى باغات ما يكفينى من وقود ،
    كتبت ذلك كله فى مذكره وضعتها فى ظرف سلمته لعامل المحطة وقلت له أن يذهب غدا صباحا الى المديرية ويسلم هذا المظروف الى رئيس قسم المباحث العقيد مجذوب عبد الرحمن ،
    ليصرف له استحقاقه المالى ويخلى ايضا مسؤوليته من صرف الوقود خارج الزمن المقرر ،،

    وغادرنا ثلاثتنا الخرطوم

    وصلنا مدينة القطينة مع تباشير الصباح ،
    ومنها على جناح السرعة الى قرية كمبوهاشم التى لا تبعد عنها كثيراً ،
    وبقليل من البحث وصلت عن منزل والد زوجه المتهم وبدأت فى بحث واستجواب سريع لمن هم بالمنزل ،
    أنكر الجميع وصول زوج إبنتهم وأنهم لم يشاهدوه منذ ان تم استدعاءه بواسطتنا ، تجولت فى المنزل وشاهدت بعض الاشياء التى يمكن ان تكون محل اسئلة ( أغراض يرجح ان يكون احضرها المتهم من السعودية )
    ربما تكون من بقايا أغراض المختفى ولكن لم أكن أملك الوقت الكثير للإستجواب

    فى احد الغرف الجانبية لفت نظرى وجود آثار ماء حول ( طست )
    قدرت أنها نتاج حمام صباحى سريع للمتهم وزوجته ومن طبيعتها يمكن الجزم أنه تم قبل وقت ليس بالكثير ،
    اخذت صورة مشتركة للمتهم مع عروسته وجدتها بالمنزل وغادرت على السريع ،

    علمت ان عدد البصات التى غادرت القرية هذا الصباح أثنان تحركا جهة العزازى
    تحركت خلفهما بسرعة على أمل اللحاق بهما قبل أن يصلا لمحطتهما النهائية ،
    فى الطريق لحقت بواحد من الباصات المغادرة وبعد التفتيش لم اجد المتهم بداخله ،
    عرضت الصوره التى معى على كمسارى البص فافادنى ان المذكورين فى البص الذى امامهم لكن المشكلة ان القرية القادمة هى محطتة الاخيرة ،،

    لذا كان عليّ ان ألحق به قبل ذلك وإلا فستكون المهمة عسيرة ،،

    تحركت مسرعاً فى أثر البص ،
    غير أنى لم أكن أملك الوقت الكافى ،
    فلم أستطع اللحاق به إلا داخل القرية وهو خالى من الركاب !!!!!

    القرية كبيره وأى محاولة لتفتيش عشوائى ستعقد المهمة كثيراً إن لم تؤدى الى إفشالها
    الشمس آذنت للمغيب وعما قريب سيلف الظلام هذه القرية الوادعة ولن تستطيع أيما قوة تنفيذ تفتيش مجدى ،
    ناهيك عن مجموعة مكونة من اربعة اشخاص لا غير ( الشخص الرابع شرطى يعمل فى مركز شرطة القطينة )

    لابدّ من قرار سريع ،
    وعامل الزمن ليس فى صالحنا ،
    والإنتظار سيؤدى الى فشل المهمة بلا شك ،
    وإنا إذ افكر فى طريقة سريعة وناجعة تضمن لى النجاح فى مهمتى التى باتت فى كف عفريت كانت أمامى عدة خيارات ،
    الإستعانة بالعمدة أو الشيخ ، الإتصال بشرطة المنطقة وطلب مساعدتها مثلاً )
    كلها خيارات لا يدعمها الزمن ، لذا قررت أن أسلك أقصر الطرق واصعبها وهو خيار الإستعانة بالمارة دون كشف هويتى ،

    ويبقى النجاح مرهون بقدرتك على الإختيار ،
    لا مجال أن تخطئ التقدير ، فنجاح المهمة كله يتعلق بصواب وحسن إنتقاءك !!!

    ولأن الاطفال دوما على فطرتهم ،
    آثرت أن أمارس هذا الروليت الروسى ،

    ولحكمة يعلمها الله وحده جاء التوفيق على يد أول طفل أسأله ،
    طفل لم يتعدى العاشره من عمره ، تبدو على عينيه ملامح الذكاء ،
    يقف بعيداً من صبية يلعبون غير آبهين بتعقيدات الحياة من حولهم ، لا أدرى لماذا لا يشاركهم ضجيجهم وغبارهم وضحكاتهم ، وهم فى عمره ،
    ربما لشئ ما فضل أن يراقبهم من على البعيد وربما لذات الشئ اخترته من دون الماره ليكون جسرى الذى لم اشيده ،

    تعال يا ابنى ،
    جاء واثقاً ، لم يكن متردداً ولا تحس عليه شئ من إرتباك ،
    عرضت عليه الصورة وسألته إن كان رأى من فيها ، وبغير كثير من التفحص أشار الى أحد البيوت المقابلة وذكر لى أنهما للتو دخلا ذلك المنزل ،
    ترجلنا من السيارة وذهبنا تجاه المنزل بخطى لا تثير الريبة ولا تدعو الى التساؤل ،
    دلفنا الى المنزل والذى كان كأى من منازل القرى ، مشرع الأبواب ، ويتكون من غرفة أمامية مخصصة للضيافة يفصلها من منزل الأسرة حائط قصير ،

    دخلنا غرفة الضيافة ويا للمفاجأة !!!
    أمامنا المتهم ذات نفسه بشحمه ولحمه ،
    مستلقى على قفاه ، ( الجوارب) لا تزال فى أرجله ،
    يبدو أنه غفا قبل قليل من تعب السفر ورحلة ليلية طويلة ممتدة ،
    هو لم ينم منذ هروبه فى أم درمان ونحن كذلك لم نذق طعم النوم ،
    غير أن قدرتنا وصبرنا على المواصلة هو ما كتب الفارق وحسم المعركة ،
    وقف أحد مراقفى عند رأسه والآخر عند أرجله وتوليت إيقاظه ،

    ليست سوى كلمة واحدة ،
    (م م .. قوم على حيلك وألبس جزمتك )

    وكان فى أيدينا أطوع من بنان ،
    لم يمانع ولم يقاوم ولم يبدى أي إعتراض ،
    فى ثوانى كان داخل العربة، وكانت العربة فى طريقها الى شرطة القطينة ،

    وصلنا شرطة القطنية قبيل المغرب بقليل ،
    ووجدنا فى انتظارنا الضابط الهمام دفعتى جعفر شيخنا ،
    أودعنا المتهم فى (زنزانة ) منفصلة وتحت حراسة مشددة من الداخل والخارج ،
    خلدنا النوم بعد أكثر من ثلاثين ساعة لم نذق طعم الراحة والنوم وتلفزيون ام درمان مازال يناشد المواطنين بالقبض على المتهم الهارب ،

    فى الصباح الباكر غادرنا القطينة فى طريقنا الى الخرطوم ،
    وفى مكاتب المباحث كان الاستقبال جميلاً من ضباط القسم وأفراده
    وقابلت السيد الفريق ابراهيم أحمد عبد الكريم والعقيد وقتها مجذوب عبد الرحمن طه وقصصت عليه بإيجاز كيف تم القبض عل المتهم ،

    شكل هروب المتهم الأخير ،
    مع العثورعلى تلك (فاتورة الدهب) مرحلة جديدة من مراحل التحرى فى القضية ،
    فالمتهم صارت تربطه بواقعة الإختفاء روابط لا فكاك منها ،
    وجود هذا المستند بين أغراضه الشخصية باسم ابنة المختفى لم يدع له أيما فرصة للمراوغة ، وصارتماماً كالحبل ملتفاً حول عنقه ، وعليه أن يقدم التفسير المنطقى له ،
    إضف الى ذلك فإن واقعة الهروب نفسها أضعفت من موقفه فى إدعاء أية براءة ، أو حجج واهية يمكنه أن يستند عليها ،

    ومن ثم تمت إعادة إستجواب المتهم ،،

    وككل المتمرسين لم يكن من السهل أخذ إعتراف كامل منه ،
    إعتراف يعلم جيداً أن ثمنه باهظاً ومكلفاً وسيدفع لا محالة حياته فى مقابله ،
    ويبدو أنه رتب نفسه جيداً لتقديم إفادة لا تصادم الواقع الجديد الذى وجد نفسه فيه وفى ذات الوقت يحتفظ فيها بكثيرمن الحقائق ،
    يساعده فى ذلك ظنه ـ الواهم ـ بأن محاوريه يجهلون كثير من طبيعة الأرض التى يتكلم عنها ونوعية العلاقات بين أفرادها ،

    ذكر فى معرض إفادته ،
    ( أن المختفى صديقه ويسكن معه فى منطقة واحده هى قرية بلجرشى الواقعة على مقربة من مدينة الباحة ،
    وأنه وكعادة كل السودانين وافق على أن يأخذه معه فى طريقه الى جده ، وفى منتصف الطريق قرر أن يعرضه ( للبيع ) كأيما مملوك على البدو الرحل فى صحراء عسير ،
    وبالفعل تم له ذلك وتخلص منه هناك فى ضواحى منطقة تدعى (الفيضة) لصالح بعض الأعراب لقاء مبلغ من المال تم الإتفاق عليه بينه وبينهم )

    وبإستجوابه أكد أن المختفى (حى يرزق ، ولم يتعرض لأذى وأنه فى الوقت الحالى يرعى الإبل لأفراد تلك الجماعة التى لا يعرف اسماءهم ،
    وأن المختفى لا يمكنه بحال من الأحوال مغادرة تلك المنطقة التى توجد فى عمق الصحراء )

    بالطبع فإن هذه الإفادة تبدو ساذجة ،
    وتنقصها الحبكة والدراية وربما التمرس ،
    لكنها كافية لإبقاء المتهم فى زنازين الشرطة ،
    والتجديد له لمدد قد تطول ، وهو ما كنا نسعى إليه ،
    ولم يعد فى مقدور كل المحامين الذين تراصوا للدفاع عنه الطلب بإطلاق سراحه بالضمان والكفالة ، فالمتهم ربط نفسه بواقعة الإختفاء طواعية ودون تأثير،

    أظهرت له شكى فى روايته وأفهمته أنى سأعمل على استجلاءها من مصادر مختلفة
    دون أن أشير الى أن ثمة إتصالات نشطت بيننا وبين الشرطة السعودية وتبادل محموم للمعلمات بدأ يدخل على خط سير التحريات ،

    قبل أن نخوض معه فى بحر عميق من التحقيقات ،
    وصلتنى إشارة من شرطة بورتسودان تفيد بوجود طرد فى الميناء مجهول المرسل ،
    وعند فتحه وجدت ( جمجمة ) وأنهم سوف يرسلونه لى صحبة أحد رجال المباحث ،

    وبالفعل وصلنى الطرد ،

    بعد فحصه بواسطة المعامل الجنائية ،
    لم اصل معهم لما يربطه بقضيتى التى بين يدى ،
    ربما لقلة المعطيات الموجودة ، ولكنهم نصحونى بمراجعة قسم التشريح جامعة الخرطوم ،

    وبالفعل توجهت الى كلية الطب فى جامعة الخرطوم ،
    ولازلت أذكر مدى الإهتمام الذى وجدته من الأستاذة هناك ،
    وعلى الفور تم عمل إجتماع معى شرحت لهم رؤيتى للأمر ، وماهو غاية ما أطلبه ،
    قلت لهم أن هناك إنسان مختفى ، والمتهم المقبوض أدلى برواية لا يمكن تصديقها ،
    وأشك كثيراً فى أنه قتله فى المملكة العربية السعودية وأراد التخلص من جثته ،
    وحيث أن الرأس هو أكثر ما يقود الى هوية المقتول فربما عمل على إبعاده ليكون فى دولة أخرى ،
    وأن المشتبه المقبوض حضر من السعودية عن طريق البحر ( بورتسودان ) وهو المحل الذى وجدت فيه الجمجمة ،

    إذن فأنى أبحث عن ما يدعم شكوكى وإمكانية أن تكون هذه الجمجمة للمختفى ؟؟

    طلبوا من أن أحضر لهم شقيق له أو أى من قراباته من الدرجة الأولى ،
    وأن أعود لهم بعد مدة لمعرفة رؤيتهم العلمية وأنهم سوف يتصلون بى عند أى جديد ،
    وبالفعل أحضرت لهم شقيقه بعد أن شرحت له بتبسيط المطلوب ، وانهم بصدد عمل مقارنات ودراسة ومن ثم كتابة رؤيتهم المدعومة بالخبرة والعلم ،،

    بعد أقل من أسبوع استدعيت الى كلية الطب والذين أفادونى بالآتى :
    الطريقة التى تم بها فصل الراس عن الجسد طريقة محكمة ومتقنة ،
    ومن الراجح أنها تمت بواسطة أيدى خبيرة داخل معمل أو مشرحة مختصة ،
    طريقة حفظ الجمجمة ونزع الشعر واللحم الملاصق وتنظيفها تؤكد أن هذا العمل تم بواسطة مختص ،
    يرجحون أنها فى طريقها الى أحد الجامعات أو الكليات المختصة ،
    تفاوت ملحوظ فى بنية الفك والشكل العام لعظام الرأس يضعف من إحتمال أن تكون الجمجمة لقريب من الدرجة الأولى للشخص الذى أتيت به ،

    ودعتهم بعد أن شكرتهم ووعدتهم بإبقاءهم فى الصورة إن طرأ جديد على القضية ،
    وأعدت الجمجمة الى شرطة بورتسودان لمواصصلة تحريهم حولها إذ أنها لا تمت الى قضيتى بصلة ،
    عدت الى المتهم القابع فى جراسة المباحث ،
    وأرسلت الخطاب الذى وصل من مجهول الى شقيق المختفى الى المعامل الجنائية مرة أخرى ،
    فى هذه المرة دعمته بمراسلات قديمة تمت بينه وبين ذويه ،
    وطلبت تقرير مفصل عن المراسلات ومستند الإتهام المرفق ،
    جاء تقرير المعامل بأن الخطاب المرسل يطابق 100% النماذج المرسلة وأن كاتب الخطاب والنماذج المرفقة شخص واحد ،

    أعدت استجوابه عشرات المرات ،
    وفى كل مرة يؤكد لى أنه لم يمس المختفى بسوء ،
    وأن غاية ما رمى إليه هو حيازة أمواله وممتلكاته وأنه سيعود حتماً الى أهله يوماً ما ،
    إن لم يعمل أحد آخر على أذيته ، وتوسعت معه فى وصف المنطقة التى يقول أنه تركها فيها ،
    وكيفية إجباره على البقاء صحبة أناس هو لا يرغب فى البقاء معهم ، وفرصته فى الهروب إن كانت روايته صحيحة ،

    وهكذا وصل التحقيق فى الحرطوم الى سقفه ،
    لم يعد هناك من شئ يضاف ، ولم أشأ أن أمارس أى نوع من الضغوط على المتهم لإستنطاقه ،
    لم أحاول أن أنتزع منه إعترافاً بالقوة والإكراه ، وأنا على يقين أننى سأصله طوعاً ورغبة ،
    أرخيت له زمام الأمر وتركته فى بحر خيالاته وأنا أحكم الحبل حول رقبته برفق ودون عجل ،

    وبدأت مشوار آخر لمحاصرته ،
    ومن حيث انتهت إفادته بدأت تحرياتنا المضنية ،
    كان لابدّ من (فلفلت ) إفادته وتتبعها خطوة بخطوة ،
    منذ أن غادر قرية بلجرشى الى المنطقة التى إدعى فيها ترك المختفى ،
    ووفقاً لقناعتى التى تدعمها خبرة طويلة فى جرائم القتل ، كنت ولازلت على يقين أن الحل يوجد فى مسرح الجريمة ، وقد كان ،،

    لكن كيف !!

    ومسرح الجريمة فى دولة أخرى ، وتحت سلطات أخرى ،
    الوصول إلية ومباشرة التحرى فيه يتطلب ترتيبات واتصالات وتنسيق ،
    لكنه درب الحقيقة ولابدّ من سبرتعرجاته ، سهوله ومنحنياته ،

    وهكذا بدأت مرحلة أخرى من مراحل التحرى ،
    طارقاً أبواب الإنتربول عبر مكتب الخرطوم بالمباحث المركزية ،

    من شجاع الخرطوم ،
    الى شجاع الرياض ،
    هكذا ـ إن لم تخن الذاكرة ـ كانت تبدأ مراسلاتنا ،

    رغم قناعتى التامة بضعف الرواية التى أدلى بها المتهم ، سذاجتها وعدم اتساقها مع البينات الظرفية التى تم تجميعها
    قمت بعمل تقرير مستوفى عن الحادث وأرفقت إفادة المتهم طيه وأرسلته عبر الإنتربول الى الرياض ،

    وخلافاً لما كنت أظن ، فقد وجدت هذه القضية إهتماماً ملفتاً واستثنائياً من السلطات السعودية ،
    تمثل فى التجاوب السريع مع القضية وتسخير كافة إمكانياتهم فى دراسة وتمحيص إفادة المتهم ،

    وبعد تبادل وإرسال كثير من الرسائل والمعلومات التى طلبتها وزارة الداخلية السعودية والمتعلقة ببيانات المتهم والمختفى ،
    أرسل لنا انتربول الرياض تقريراً وافياً ضافياً عن فشل كل مجهوداته فى العثور على المختفى فى المنطقة التى اشار إليها المتهم فى أقواله ،

    وقالوا ،
    ( .. تم تمشيط كامل المنطقة التى وردت فى أقوال المتهم وتم إستجواب واستدعاء كل المشائخ الذين يقطنون أو يمرون بها
    ولم نعثر على عامل سودانى بالإسم الذى ذكرتموه يعمل لديهم أو لدى معارفهم ، علماً أننا ففى سبيل العثور عليه استخدمنا بالإضافة الى دوريات البحث طائرات الشرطة فى البحث والمتابعة والتفتيش ،
    كما قمنا بجمع معلومات من مصادر متعددة حول رؤية أى عامل سودانى فى تلك المنظقة ، كل هذه الجهود تؤكد أنه لا وجود للشخص المختفى فى تلك المنطقة وتعزز فرضية أن المتهم لم يقل الحقيقة بعد وأن إفادته لا تمت الى الحقيقة بصلة ، علماً أن البحث الأولى يفيد أن المختفى لم يغادر المملكة عبر منافذها الرسمية ... )

    وبعد فترة ليست بالطويلة قدموا مقترح بحضور المتهم صحبة المحقق فى القضية
    لمتابعة التحريات على مسرح الحادث وإخطارهم فى حالة الموافقة لترتيب عماية حضور المتهم والمتحرى ،،

    وافقت إدارة المباحث على سفرى الى المملكة العربية السعودية
    صحبة المتهم لمتابعة التحريات وإكمالها هناك بالتنسيق مع السلطات السعودية ،
    على أن أعود بالمتهم الى السودان بعد نهاية المهمة وتوثيق كافة الإفادات والتحريات التى تجرى هناك
    من السلطات القضائية والخارجية السعودية توطئة لمحاكمته بالسودان كما ينص على ذلك قانون تسليم المجرمين ،

    وبدأت رحلتى مع إجراءات روتينية منهكة ،
    بين وزارة الخارجية السودانية والسفارة السعودية ،
    ربما يعود ذلك الى أن قناة التواصل التى كانت مفتوحة بينى وبين إنتربول الرياض لم تكن كذلك مع تلك الجهات ،

    فيما يتعلق بالخارجية تم وضعهم فى الصورة ،
    شرحت لهم الأمر فجاءت موافقتهم على المهمة فى حدود (ثلاثة اسابيع) ،
    لا أدرى على أيٍ من المعايير والمقاييس أوعلى ماذا استندوا فى تقديرهذه المدة !!!!
    أما السفارة السعودية والتى لم يصلها ما يفيد سفرى الى المملكة فى مهمة رسمية ،
    قالوا أنهم لا يمانعون من منحى تأشيرة زيارة مع تجديد تأشيرة العودة للمتهم الذى يرافقنى ،
    سلطات إنتربول الرياض لم يروا فى ذلك إشكالية ،
    و أن موضوع التأشيرة ستتم معالجته عن حضورى ،
    وهكذا تم عمل التأشيرات اللازمة لى وللمتهم وقامت رئاسة الشرطة بحجز التذاكر لى وللمتهم ،،
    وقبل موعد السفر بيوم جاءت برقية عاجلة من انتربول الرياض تطلب أن تكون وجهتى مطار الملك عبد العزيز فى مدينة جدة بدلاً من مطار الملك خالد بمدينة الرياض ،

    فى البدء لم يقدم لى تنوير من أى أحدٍ كان ،
    عن طبيعة الوضع الذى من المتوقع أن أقابله ،
    وما إذا كان على أن أرتدى الزى الرسمى ، أم يتعين على الذهاب باللباس المدنى الذى اعتدت أن أرتديه فى المباحث ،
    ما الجهات التى على مقابلتها و ماهية حدود عملى مع السلطات السعودية ،
    فالتحقيق فى مثل هذه الجرائم ربما يتشعب ويطول
    وقد يقود الى التحرى مع آخرين ربما يكونوا حتى من الجنسيات السعودية ،
    هذه التفاصيل المهمة التى غفلت عنها مكاتباتى مع إنتربول الرياض والتى كانت تناقش جوهر القضية ، خلقت لى بعض الإشكاليات لاحقاً ،
    غير أنى تجاوزتها بقليل من الروية المرونة فى سبيل الوصول للحقيقة ،

    أما سفرى عبر مطار الخرطوم صحبة المتهم فتلك قصة مازالت عالقة بالذهن ،

    ولك أن تتخيل ،
    غادرت القسم الشمالى فى سيارة أحد الأصدقاء !!
    فلوكسواجن حمراء تعود لصديقى ( ... ) تبرع مشكورا بتوصيلى وفى معيتى المتهم مطار الخرطوم الدولى ،
    وأشق طريقى وسط الركاب للمرور عبر الجوازات والجمارك والأمن
    لا أحد سأل عن هوية الشخص ولا عن ( الكلبشات ) التى تزين يديه ، ربما اكتفى بعضهم بكونى ضابط بالمباحث ، وآخرون ربما لم ينتبهوا أصلاً ،
    خلاصة الأمر لم تسألنى أية حهة مختصة فى المطار عن الرجل أو الى أين أنا ذاهب به ، منذ بدء إجراءات السفر وحتى دخولى الطائرة وجلوسى على الكراسى المخصص لى بين ركاب الرحلة ،،

    وقياساً على خروجى صحبة المتهم من مطار الخرطوم بهذه الكيفية ،
    و( أحمدية ) الإجراءات التى واجهتنى ، ذهب همى الى جدة محطة الوصول ،
    ماذا ينتظرنى هناك وما يجب عليه فعله فى مطارها الدولى ، كيف لى الخروج والمرور عبر سلطات الجوازات والجمارك والعفش وفى معيتى شخص مصفد بالأغلال !!!!

    ثم والى أين أتجه بعد أن اتجاوز كل هذه المتاريس ،،

    حقاً نحن شعب لا نضع كبير أهمية لتفاصيل الأشياء ،

    والطائرة تحلق فوق مطار جدة إستعداداً للهبوط جاءتنى المضيفة ،
    وسألتنى إن كنت النور يوسف أم لا ، حينما أجبتها بنعم ، أفادتنى أنهم تلقوا إشارة من برج المراقبة مفادها ألا أغادر الطائرة مع الركاب وعليّ الإنتظار !!!

    بعدما نزل آخر راكب ،
    وخلت الطائره سوى منى ورفيقى المصفد بالأغلال ،
    فتحت أبواب الطوارئ ودخلت مجموعة من الشرطة المدججة بالسلاح وانتشر رجال المباحث داخل الطائرة ، حتى ظننت أننى المطلوب القبض عليه ،

    استلموا جوازى وجواز المتهم ،
    وغادرت المطار بموكب شرطى الى رئاسة الشرطة فى مدينة جدة ،

    فى صبيحة اليوم التالى توجهت الى ( مسرح الجريمة )
    مدينة الباحة جنوب المملكة يرافقنى المتهم ومندوب من شرطة جدة ،
    وعند سلم الطارة استقبلنى الملازم ( أ د غ ) ومباشرة الى رئاسة شرطة المنطقة ،
    قابلت مدير المنطقة وبعد السلام أفادنى أنه قد كون فريق تحرى ،
    (مقدم ي السراء وعضوية شخصى والنقيب ع الثقفى ) وسيكون متابع معنا نتائج التحرى أول بأول ،
    فى أول إجتماعاتنا قمت بتقديم شرح مطول وبإسهاب للقضية والمراحل التى مرت بها والظروف والملابسات التى صاحبتها ،
    كما قدمت البينات المباشرة والظرفية التى تجعلنا فى موقق نستطيع أن نقول فيه أن المتهم ( متورط ) بصورة ما فى حادثة إختفاء المدعو (ح س )

    وبعد طرح كل من المقدم يوسف والنقيب الثقفى رؤيته وما يتوجب علينا عمله فى المرحلة القادمة ،
    كان الإجماع على مواصلة وتكثيف التحرى مع المتهم بغية محاصرته ووضعه فى موقف لا يجد فيه منفذاً سوى الحقيقة ،

    كانت وجهة نظرى أننا يجب أن نركز على التفاصيل المملة فى رحلته الى جدة صحبة المختفى ونتتبعها من خلال إفادته ،
    وأن نطلب منه مرافقتنا لشرحها وبصفة خاصة كيفية التخلص منه لصالح بعض البدو كما زعم ومعرفة أين ومتى وكيف !!!!!

    ظللنا نحاور المتهم ثلاثين يوماً فى ملابسات التخلص من المختفى فى تلك البقاع والتى ذهبنا معه إليها مراراً وتكراراً ،
    وفى كل مرة كانت تتسع ثقوب روايته المهزوزة وتضيق فى الوقت نفسه فرصه فى النجاة من أسئلة ظلت تنهمر عليه كالرصاص ،

    وفى يوم حاسم من ايام هذه القضية الشائكة ،
    وفى منطقة الفيضة ذاتها وبينما أنا والنقيب الثقفى فى ظل شجرة ،
    نتجاذب أطراف الحديث ونفكر فى الوقت الذى بدأ يطول والصبر الذى بدأ يقصر ،
    جاءنا أحد الجنود وقال أن المتهم يريد أن يقابلنا ،

    يا الله ،
    ماذا يريد أن يقول ،
    وقد كان معنا للتو واللحظة ،

    جاءنا وقد بدأ على وجهه التجهم ،
    وكسى شكله سكون وهدوء وترقب ،
    جلس أمامنا على الأرض مصفد اليدين والقدمين ،
    غائر العينين على شفتيه جفاف يبلله بطرف لسانه من حين لآخر ،
    قال ، أريد أن أقول لكم الحقيقة مجردة ، كل الحقيقة ولا شئ غير الحقيقة ،
    وقبل ذلك أرجو أن تسمحوا لى بالتدخين وأن تعطونى سيجارة ،

    سمحنا له بالتدخين ،
    وأعطيناه سيجارة دخنها وأردفناها بأخرى ،
    كان يدخن باستمتاع وشغف كأن بين يديه إكسير الحياة ،

    ثم تكلم ،
    الكلام الذى توقعناه وتمنينا ألا نسمعه ،

    قال نعم قتلته ،
    قتلته طمعاً فى ماله ،
    أعرفه ، صديقى ويعمل نجار مسلح ويكسب الكثير ،
    حين سافر معى الى جده حدثتنى نفسى والشيطان أن أتخلص منه واستولى على ممتلكاته ،

    قلنا له ،
    نريد تفاصيل عملية القتل ،
    قتلته هكذا فقط ( ما بتحارج معانا ) ،
    نريد شرحاً مفصلاً لما قمت به وكيف تخلصت من الجثة ،

    قال ،
    ( قبل دخول مدينة جدة قررنا أن ننوم فى الطريق حيث الوقت ليلاً ،
    ومن الأفضل له ولى أن ندخل جده صباحاً وذلك حتى اقوم بتوصيله الى الميناء وأذهب أنا الى تنزيل الحمولة التى كانت معى ،
    وفى منطقة رابغ أوقفنا السيارة على مسافة من الطريق العام وخلدنا الى النوم ،
    وبعد أن تأكدت أنه قد غطّ فى نوم عميق قمت بقيادة السيارة ومررت بها عليه من جهة الرأس حتى تأكدت أنه فارق الحياة ،)

    وفى إستجوابه ذكر ،
    ]جردته من كل ما يملك ومن كل الأوراق الثبوتية التى كان يحملها ،
    فقط تركت على جسده فنلة داخلية
    فى معصمه ساعته التى كان يلبسها وهى ماركة سيكو فايف كوارتز
    غطيته بإطارات سيارات قديمة
    أقرب منطقة لى مسكونة كانت مصنع اسمنت رابغ

    وهكذا أدلى المتهم بإعترافه قتل المختفى (ح س )
    بصورة غاية فى البشاعة والعنف والقسوة ، وبإسلوب لا رحمة فيه ،

    كان علينا التأكد من صحة ما أفاد به ،
    بعد سماع هذه الرواية تحركنا جميعاً الى منطقة رابغ ،
    وقابلنا إدارة مصنع الأسمنت واستجوبنا جميع من كان هناك ،
    كنا نبحث عن من لديهم معرفة أو سمعوا بوجود جثة أمام المصنع فى الفترة التى حددناها لهم ،
    بقليل من التحرى والسؤال علمنا أن أحد حراس المصنع الليلين اشتبه فى رائحة نتنة وأبلغ دوريات المرور العاملة فى الطريق ،
    وأن الشرطة حضرت إثر ذلك البلاغ وعثرت على جثة تحت مجموعة من إطارات السيارات ،
    وقال أن الشرطة أخذت أقواله وأخذت الجثة وهو لا يدرى ماذا تم بعد ذلك ،،

    إقترح السيد النقيب ع الثقفى أن نذهب الى شرطة المدينة المنورة حيث أن هذه المنطقة من ضمن دائرة إختصاصها ،

    تحركنا الى المدينة المنورة ،
    وبعد البحث فى سجلات الشرطة فى الفترة المذكورة عثرنا على ملف كامل لبلاغ غفير مصنع رابغ للأسمنت ووجدنا أن الشرطة قامت بتصوير الجثة وحفظت كل المتعلقات التى وجدتها معها ،
    طابقت المتعلقات الموجودة فى مستودع الشرطة الوصف الذى أدلى به المتهم ،
    فقد وجدنا الساعة بذات الماركة والفنيلة الداخلية وأن منطقة الوجه مهشمة تماماً بحيث تعذر معرفة الصورة أو مطابقتها بصورة الهوية الموجودة لدينا ،
    بالإطلاع على تقرير الشرطة النهائى وجدنا أنه اعتبر الحادث مرورى نتج عنه وفاة شخص مجهول الهوية وأن المتهم هارب وتم دفن الحثة بناء على ذلك ، وهو بالطبع تقرير خاطئ جملة وتفصيلا ،

    قفلنا راجعين الى منطقة الباحة بعد أخذ المتعلقات وتقرير شرطة المدينة المنورة ،
    وهناك عملنا على تدوين مصادقة شرعية لأقوال المتهم لدى القاضى الشرعى بالمنطقة والذى أعاد فيه تفاصيل ما ذكره لنا وأنه يدلى بأقواله رغبة فى قول الحقيقة دون تأثير من أى جهة ،

    هناك نقطة مهمة أقلقتنى فى هذا الإعتراف وجعلتنى أشك كثيراً فى أنه منقوص ،
    وهى وجود رابغ شمال مدينة جده والقادم من جنوب المملكة لابد له أن يمر بجده قبلها ،
    لذا فالإفتراض المنطقى يقول أن مكان الجريمة بتلك الكيفية يفترض أن يكون فى الطريق بين جدة والباحة ، وأى مكان آخر يتطلب تفسيراً معقولاً على المتهم تقديمه لنا ،
    عليه ، فالسؤال الملح ، هو لماذا لم ينزل المختفى فى جده وهى الوجهة التى يطلبها !!!!

    عكست هذه النقطة الى رفيقى النقيب الثقفى ونقلت له إحساسى العميق أن للمتهم شركاء وأنه وربما لسبب ما يود ان يقوم بالتغطية عليهم ويتحمل وزر الجريمة كاملاً وبمفرده ،
    قمنا بإعادة استجوابه وعلمنا أنه إعتاد أنه ينزل فى جده مع أثنين من أقاربه
    ( قفز الى خاطرى الخطاب المجهول والذى وصل لشقيق المختفى والذى ذيل باسمين إضافة الى كاتبه )

    ولأنه وفى غالب الأحوال نجد أن كل رواية كاذبة تحوى بين تفاصيلها شئ من الحقيقىة ، فقد قدرت أنهما ربما اشتركا معه فى تنفيذ هذه الجريمة ،

    تم القبض عليهم وأودعوا الحراسة وباخضعوا لتحريات مكثفة ،
    غير أن إنكارهما مع إعتراف المتهم المفصل والذى تطابقت وقائعه مع الأحداث ولم يتقاطع فى أى من تفاصيله مع شهادة خفير المصنع ولا تلك التى دونتها سجلات شرطة المدينة كتب لهما البراءة وأفرج عليهما دون أن توجه إليهما تهمة ،،
    وهكذا وصلنا بالقضية الى (ميس ) الحقيقة ،
    بعد رحلة شاقة مع المتهم وتقلباته وتنقله بين نفسه والشيطان ،
    وارتكابه جريمة فى غاية العنف والبشاعة وبنفس متخمة بالشرمشبعة بالقسوة ،
    لم يكن هناك من سبب وراءها سوى حفنة من متاع الدنيا الزائل لم يستمتع به ساعة من نهار ،

    لكنه الإنسان حين يخلد الى الإرض ويصبح مطية لهوى نفسه وشهواتها ،

    وبعد أن استكملنا إجراءات التحرى ،
    واصبحت القضة جاهزة لتقديمها للقضاء تم إستدعائى الى مدينة الرياض ،
    قابلت مكتب الإنتربول وأفادونى أن الدكتور إبراهيم العواجى وكيل وزارة الداخلية يريد مقابلتى ،
    والدكتور العواجى رجل أديب وشاعر رقيق الحرف والمشاعر ،
    وفى إحتماع ودود وبعد الترحيب بى والإشادة بما تم إنجازه فى القضية طلب منى إبلاغ رئاستى أن المملكة ترغب فى أن تتم محاكمة المتهم فيها ،
    لاسيما وأن الجريمة ارتكبت على أراضيها وأنه على استعداد أن يرسل خطاب بتوقيع الأمير نايف بن عبد العزيز للجهة المختصة ،
    وعدته بذلك ولم أنس أن اذكره ـ ما يعلمه جيداً ـ أن الإتفاق الذى تمّ يقضى بإعادة المتهم وأن تجرى محاكمته بالسودان ،

    وفى أثناء محاولاتى الإتصال بالخرطوم ،
    خلال آليات عقيمة فى ذلك الوقت وعبر وزارة الداخلية أرسلت مذكراتى تباعاً الى الجهات المسؤلة ،
    وشرحت لهم القضية وما وصلت إليه التحريات وضرورة أن اصحب معى المتهم عائداً الى السودان ،
    وبينما كان نقاشى معهم يتواصل مسننوداً بقوة القانون والإتفاق الذى تم معهم والذى على إثره جئت ومعى المتهم كانت الخرطوم على ما يبدو فى وادى آخر !!!!!

    وفى صباح أحد الإيام ،
    وأنا فى مكتب الإنتربول طلبنى مدير المكتب وقال لى ضاحكاً ،
    ( ياخى أنت تعبان على ايه ، كدى تعال شوف رأى جماعتك )
    إطلعت على خطاب إنتربول الخرطوم والمرفق به الراى القانونى لديوان النائب العام والذى قضى أن
    ( الإختصاص ينعقد للمحاكم السعودية ) وعلىّ ترك المتهم والعودة فوراً الى السودان !!!!!!

    القرار كان صفعة ،
    وماءً بارد دلق على وجهى ،
    وبالطبع لم أكن أملك سوى السمع والطاعة ،
    لملت اطرافى وغادرت الرياض بعد أن شكرت مضيفيّ فى وزارة الداخلية
    الذين ـ للحق ـ أكرموا ضيافتى وأحسنوا استقبالى ومعاملتى على المستويين الرسمى والشخصى ،
    فى الباحة تمت إستضافتى فى فندق قصر الباحة الفاخر والمطل من علٍ على المدينة ، وفى الرياض ترك لى الخيار فى النزول فى أيٍ من فنادقها واخترت فندق حياة ريجينسى القريب من الوزارة ومن سكن ضابط الجوازات بالسفارة السودانية الرائد وقتها محمد عبد المولى ،
    ولم ينسوا أن ينظموا لى رحلة الى الأماكن المقدسة وزيارة تعريفية بالمركز العربى للدراسات الأمنية ، علاوة على كثير من الدعوات الرسمية والشخصية ،
    علمت لاحقاً أن طلباً قدم من ذوى القتيل الى وزير الداخلية يطلبون فيه أن تجرى المحاكمة فى المملكة مستندين على أن الجريمة تمت فوق أراضيها وأن القاتل والقتيل ممن يقيمون فيها إقامة نظامية ،

    وعدت الى الخرطوم ،
    ولسببٍ ما تذكرت عودتى من ضهارى أمبده يوم أن هرب منى المتهم ،

    كتبت مذكرة وتقرير ضافى ،
    معنون لمدير شرطة العاصمة القومية
    الرجل القوى ، سعادة الفريق محمد الحسن يوسف
    أودعته كل ما أحمل من مرارة وكل ما أحسسته من قهر ،
    قلت فيه أننى لم اسع لمحاكمة المتهم هنا فى السودان إرضاء لجهدى أو تقديراً لدورى لكنه الإتفاق الذى ترتب عليه سفرى وسفرى المتهم وأن ثمة نقاط كنت أرى إستيفاءها يكتمل بها ملف القضية للتاريخ والعدالة والحقيقة علاوة على أن الموافقة فيها سلب لحق المتهم فى أن يحاكم فى بلاده طالما أنها الجهة التى حركت الإجراءات وهى التى قامت بالقبض عليه ، وأضفت أنه كان بالإمكان الموافقة على طلبهم (نزولاً عند رغبتهم وتقديراً لكثير من الإعتبارات ) ولأن الغاية فى النهاية هى أن يحاكم المتهم محاكمة عادلة نزيهة ،
    علق عليها بقوله ، ( من المذكرات الهامة ، لو اطلعت عليها من قبل لتغيرت كثير من القرارات )

    وقبل أن أسدل الستار وأختتم يومية التحرى استدعانى مدير إدارة المباحث المركزية الفريق عبد الله عبدو كاهن ـ طيب الله ثراه ـ وقال لى بعد أن قدمت له شرحاُ لمهمتى فى المملكة ، ( ليس لدى ما أقدمه لك ولكن سأكتب لك داخل هذه اليومية كلمات أتمنى أن تنال رضاك ) ثم دون الآتى داخل يومية التحرى باللون الأخضر الذى اعتاد الكتابة به ،
    ( هذه القضية من القضايا النموذجية والتى جرى التحقيق فيها بصورة ممتازة ،
    لفت نظرى فيه التحليل الجيد للأحداث والمتابعة المدهشة للوقائع وربطها مع أخريات ،
    وحيث أنها مثال لما ينبغى أن تكون عليه شاكلاتها من القضايا أوجه بإرسالها لتحفظ فى سجلات كلية الشرطة ليتم تدريسها للطلبة والدراسين ، )

    شكرته على ذلك
    وأشكركم أنتم أيضاً على المتابعة ،،
    ونحن ايضاً نشكرك النور على مهنيتك العالية والتجرد لخدمة العدالة .
                  

05-06-2015, 08:56 PM

عبدالمنعم الطيب حسن
<aعبدالمنعم الطيب حسن
تاريخ التسجيل: 11-15-2012
مجموع المشاركات: 4523

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا من الذاكرة للنور يوسف (Re: فتح العليم محمد أبوالقاسم)

    يا فتح العليم وينك يا رجل؟
    سلامي يا صديقي؛ ولاصدقائنا بهناك، كل الود والتقدير...
    شنو يا اخوي ما بتنشاف في الواقع، ولا حتى في الاسافير...
    ياخ عارف الظرف ضاغط، من عمل ومدارس، ووووو
    وكلنا في الهواء سوا،
    صديق لفت نظري للبوست في سودانيات هرولت فرحا،
    فالاخ الصديق النور يوسف، قلم وعلم،
    لقد سبقتني بالاشارة لهذا البوست هنا،
    كنت اود ان افعل،
    ومكمن الفكرة، واو كلها او أُكلها...
    انو زي النور دا مفروض يبقى في الشرطة للصالح العام،
    لانو ناس زي النور ديل هم البعملوا توازن في زمن القحط والانحطاط،
    هم القيمون على امر الوطن وفق علم واخلاق وسودانوية...
    ولكنهم الاسلامويون،
    وجود النور وامثالهم لن يتركهم ينفذون اجرامهم،
    فكان اول خيوط الجريمة ابعاد كل وطني ومهني وسودانوي،
    وتربع شذاذ الافاق على الهرم الذي تقهر وتراجع وانحسر؛
    والوطن نفسه كفكرة، وكذكرى في مهب الريح...
    السودان مفروض يكون فوق بنوره، وناره ولكنه الان تحت
    لان الاوفياء الاكفاء فصلتهم الانقاذ واحدا بعد واحد...

    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686
    هذا رابط الموضوع في سودانيات،
    ولك التحايا، وللنور مثلها، ولاحبابنا بسودانيات...
    ................................
                  

05-07-2015, 08:58 AM

فتح العليم محمد أبوالقاسم
<aفتح العليم محمد أبوالقاسم
تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 1059

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: قضايا من الذاكرة للنور يوسف (Re: عبدالمنعم الطيب حسن)

    Quote: : عبدالمنعم الطيب حسن
    يا فتح العليم وينك يا رجل؟
    سلامي يا صديقي؛ ولاصدقائنا بهناك، كل الود والتقدير...
    شنو يا اخوي ما بتنشاف في الواقع، ولا حتى في الاسافير...
    ياخ عارف الظرف ضاغط، من عمل ومدارس، ووووو
    وكلنا في الهواء سوا،
    صديق لفت نظري للبوست في سودانيات هرولت فرحا،
    فالاخ الصديق النور يوسف، قلم وعلم،
    لقد سبقتني بالاشارة لهذا البوست هنا،
    كنت اود ان افعل،
    ومكمن الفكرة، واو كلها او أُكلها...
    انو زي النور دا مفروض يبقى في الشرطة للصالح العام،
    لانو ناس زي النور ديل هم البعملوا توازن في زمن القحط والانحطاط،
    هم القيمون على امر الوطن وفق علم واخلاق وسودانوية...
    ولكنهم الاسلامويون،
    وجود النور وامثالهم لن يتركهم ينفذون اجرامهم،
    فكان اول خيوط الجريمة ابعاد كل وطني ومهني وسودانوي،
    وتربع شذاذ الافاق على الهرم الذي تقهر وتراجع وانحسر؛
    والوطن نفسه كفكرة، وكذكرى في مهب الريح...
    السودان مفروض يكون فوق بنوره، وناره ولكنه الان تحت
    لان الاوفياء الاكفاء فصلتهم الانقاذ واحدا بعد واحد...

    http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http://sudanyat.org/vb/showthread.php?t=31686http:...owthread.php?t=31686
    هذا رابط الموضوع في سودانيات،
    ولك التحايا، وللنور مثلها، ولاحبابنا بسودانيات



    تحياتي منعم
    افتقدناك يارجل هناك ذلك المكان المختصر الذي يحتضن الجميع من جدد وقدامي بدون فروقات حتى ولو لم تحضر اجتماعات بورداب الرياض أومدن اخرى فقلمك يشفع لك .
    شكراً لك على المداخلة وتحريك البوست وننتطر عودتك وقلمك .
    وكنت آمل من قانوني المنبر التداخل القانوني في الموضع حيث يطرح الموضوع الاسئلة التالية .
    أولا: هل تحريك الاجراءات ا لجنائية من قبل الشرطة دون النيابة يعتبر صحيح وقت وقوع الجريمة .
    ثانياً : هل مذكرة الانتربول السوداني للانتربول السعودي بموافقتهم على محاكمة المتهم في السودان صحيحة .
    وغير ذلك من الاسئلة التى سوف تتبع إذا وجدنا تجاوباً .
    مع احترامي

    (عدل بواسطة فتح العليم محمد أبوالقاسم on 05-07-2015, 08:59 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de