|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
. وفي معرض حديث الذكريات عن الراحل قريب الله الأنصاري، كتب السفير (السابق) عبد المجيد على حسن:
Quote: إضاءة اولى: - مؤتمر باندونج – ابريل 1955 وفد السودان الرسمي ترأسه إسماعيل الازهري وبمعيته مبارك زروق وحسن عوض الله الى جانب خليفه عباس عن وزارة الخارجية. أثق في اننا جميعا ندرك ونعى اهمية الدور المفصلي لهذا المؤتمر في مسيرة الحركة الاستقلالية وبلورة الرأي العام السوداني تجاه خيار الاستقلال الذي أعلن من داخل البرلمان في 19 ديسمبر1955. كما واثق في ان الكثير منا قد وقف على مشاركة الوفد السوداني وما تعرض له من ضغوط ومضايقات على يد الوفد المصري وجمال عبد الناصر شخصيا واعتراضه على تكوين ومشاركة السودان كدولة مستقله عوضا عن المشاركة كجزءً من الوفد المصري بحكم ثنائية الحكم الاستعماري. بيد ان الوفد السوداني ضم -وإن بطريقة غير رسميه – كلا من قريب الله الأنصاري ودفع الله الحاج يوسف ممثلين ليس فقط عن الحركة الطلابية الشبابية النافذة آنذاك بل وسياسيا المد اليساري المتنامي ممثلا في الجبهة المعادية للاستعمار والمد الإسلامي القادم من مصر ممثلا في حركة الاخوان المسلمين على التوالي. وكالعادة لا يتوفر الكثير من قبيل الرصد والتوثيق الأرشيفي لهذا الحدث الهام سواء بالنسبة للسودان أو حتى لحركة عدم الانحياز ومجموعة ال 77 اللاحقة. إثرها طفقت المجالس السياسية في الخرطوم تتحدث عن المواجهة التي وقعت بين اعضاء الوفد السوداني من جهة والوفد المصري من جهة اخرى حيث احتدم النقاش وعليت الاصوات في قاعات وردهات المؤتمر مما استدعى تدخل شوا ان لاى متوسطا وتمثل الحل الوسط في ان قبل جمال عبد الناصر بأن يعتبر المنديل الابيض الذي رفعه مبارك زروق على سن القلم كالسارية علما مؤقتا لدولة السودان. ولقد جاءت هذه الواقعة بمثابة اول إعلان عملي حول استقلال السودان أعقبه الاعلان من داخل البرلمان بعد ثمانية أشهر في ديسمبر 1955.
|
ويواصل:
Quote: ومازالت صورة قريب الله ماثلة في مخيلتي بطوله الفارع وهو يعتلي " اللوري" الذي حمل نعش الشهيد القرشي الى قرية القراصة كما ولا يزال صوته يرن في أدني وهو يتصدى مصادما لخصومه السياسيين داخل القاعة “102" لكلية الآداب في اجتماعات هيئة الأساتذة. ولم يلبث بعدها الراحل قريب الله ان صار رقما مشهودا داخل جبهة الهيئات وقد تراس الفصيل التقدمي الفاعل والنشط في هيئة اساتذة الجامعة وبالتالي ترأس ذات النفر من الأساتذة الذين استكثروا على المعيدين عضوية نادي الأساتذة. وما كان دوره في هذا المنعطف إلا إمتدادا لدوره قبلها في أوساط الحركة الطلابية النافذة فهو الذي ابتدع بخلفيته العلمية في الرياضيات مبدا التمثيل النسبي في انتخابات اتحاد طلبة جامعة الخرطوم وذلك باعتراف القيادي الإخوان الدكتور على الحاج. |
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|

من كتاب "نقوش على جدار الزمن: في صحبة الراحل المقيم د. قريب الله الأنصاري"، أقتطف بعضاً مما كتبه د. حافظ عباس قاسم عن صديقه ورئيسه في العمل، تحت العنوان "د. قريب الله محمد حامد الانصاري ومعركة النهوض باقتصاد الوطن"، التالي:
Quote: وإبان وكالته للوزارة فقد تم وضع نظام حسابات قومية للاقتصاد السوداني، وبناء جدول مدخلات ومخرجات قومي للموارد لأول واخر مرة في السودان. كما تم ولأول ولآخر مرة تطبيق التخطيط الشامل وذلك بوضع خطة خمسية متسقة ومتوازنة وعلي اسس علمية وعملية 1970\71-74\1975 كحلقة اولي في خطة بعيدة المدى، كان يمكن لها لو أتيحت الفرصة لتطبيقها ان تنطلق باقتصاد البلاد في مدارج النمو والتطور وترتقي بأحوال مواطنيه، الا ان الخطة اثارت قلق ومخاوف مصر فووجهت بالعداء الشديد من قبل الدولة المصرية وعناصرها ومناصريها في السودان، خاصة إذا ما اخذنا في الاعتباران انقلاب مايو نفسه هو صنيعة المخابرات المصرية. والسبب هو أن راس الرمح والقطاع القائد في الخطة كان هو القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني وحجر رحاها هو زيادة الانتاجية والانتاج فيه. واختيار القطاع الزراعي هذا والتركيز عليه من غير القطاعات الأخرى كان قد تم من منطلق ان الهدف الاساسي للخطة ومحور اهتمامها هو تجميع وتسريع وتائر نمو وتراكم الفائض الاقتصادي وزيادة حجمه للاستفادة منه واستخدامه في تنمية القطاعات الأخرى وبشكل خاص القطاع الصناعي. وان توليده وتسريع وتائر نموه وتضخيمه في القطاع الزراعي هو الاسهل والارخص والأجدى اقتصاديا وذلك لأنه لا يحتاج الي استثمارات كبيرة سواء بالنقد الاجنبي او العملة المحلية للاستفادة من الموارد المتاحة والكامنة فيه وتنميته. هذا ولمن لا يعرف فان تنمية القطاع الزراعي في السودان بالنسبة للدولة المصرية هو خطا احمرا، وذلك لان الامر يتعلق باستخدام مياه النيل وتأثير ذلك على نصيبها منها، الشيء الذي سيعني فعليا ان مصر ستحرم من تدفق أكثر من خمسة مليار ونصف متر مكعب هي الفائض والمتبقي للسودان بعد استخدام نصيبه والذي قدر بثمانية عشر مليارا ونصف وفقا لاتفاقية 1959، وذلك لان استخدام السودان الفعلي لنصيبه حسب الاتفاقية لم يكن يتعدى الإحدى او الاثني عشر مليارا والتي كانت تنساب وتستفيد منها مصر. وان المسالة لن تنحصر فقط في حالة التوسع والنهوض بالزراعة في استخدام السودان لكل نصيبه من المياه والمتاح والذي يبلغ 17 مليارا بل سيتطور الامر الي حد المطالبة بإيقاف واسترداد سلفيته المائية لمصر والتي يفترض ان تكون سارية منذ 1960حتي عام 1977 والتي قدرت وفقا للاتفاقية بمليار ونصف متر مكعب في السنة، هذا من ناحية ,اما من الناحية الأخرى فان التوسع في زراعة القطن وزيادة انتاجه خاصة النوع طويل التيلة كان سيكون علي حساب الميزات التفضيلية التي تتمتع بها مصر في تجارته ووضعها الاحتكاري في سوقه .كما وان التوسع في تصنيع ومعالجة الكثير من المنتجات الزراعية السودانية حسب الخطة مثل السمسم والفول السوداني والصمغ والجلود والحيوانات الحية وغير ذلك لزيادة قيمها المضافة كان سيحد بالتأكيد من تدفق المواد الخام والرخيصة الثمن من السودان الي مصر للاستهلاك هناك او لإعادة تصديرها بعد معالجتها صناعيا. ولعلم الجميع فان العداء والهجوم المصري لم يكتفي فقط بالخطة بل امتد واتسع ليشمل منهج التخطيط نفسه وان ميدان المعركة وصل حد مهاجمة الخبراء السوفييت. فأثيرت الاسئلة عن من قام باستدعائهم ومن امرهم بوضع خطة اقتصادية خمسية كانت او غير خمسية ,وان السودان لا يحتاج اصلا لخطة وانما هو في حوجه فقط لجدول انتاج زمني للاكتفاء الذاتي من بعض السلع وبرنامج اسعافي لمعالجة بعض الاختلالات التي كان يعاني منها الاقتصاد السوداني .وللحقيقة والتاريخ فان النقاش والجدل حول اجازة الخطة الخمسية هو الذي الهب الصراع السياسي في البلاد وادي لاحقا الي كل التغيرات والتطورات التي حدثت وتتابعت وشملت الاشخاص والسياسات وحتي التوجهات و تمثلت في طرد اعضاء مجلس الثورة الثلاثة غير الموالين لمصر وادت الي انقلاب هاشم العطا وعودة نميري بدعم مصري ليبي وبريطاني. وايضا ما تبع ذلك من حل لمجلس ثورة مايو وتنصيب النميري رئيسا للجمهورية بسلطات مطلقة فدارت مايو مائة وثمانين درجة وانتهت الي ما انتهت اليه من اقصي اليسار الي اقصي اليمين وما صاحب تلك التطورات المتلاحقة من تأميم ومصادرة وعنف وتدمير وقتل ودماء ودسائس ومؤامرات وتدخل اجنبي وهلمجرا. |
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: بكرى ابوبكر)
|
مراسم الذكرى السنوية الأولى في صحبة الراحل المقيم د. قريب الله الأنصاري
التاريخ: الجمعة الموافق 26 ديسمبر 2014
الزمن: من الساعة 3:00 إلى الساعة 6:00 مساء
المكان: Tysons Corner Marriott Hotel
8028 Leesburg Pike
Tysons Corner, VA 22182
Tel: 703 734 3200
البرنامج
الاستقبال: الساعة 3:00 –3:30مساء
قرآن كريم: 3:30-3:35
كلمة الافتتاح: 3:35-3:40
كلمات المتحدثون: 3:40-5:00
وفاء قريب الله الأنصاري الأستاذ أسامة نقد الله الأستاذ عبد العظيم مدثر الأستاذ الطيب السلاوي د. حافظ قاسم د. الطيب الأمين د. منى أحمد عبد الله د. عبد الله حمدوك مشاركات من الحضور استراحة: 5:00 – 5:10
عرض فلم توثيقي: نقوش على جدار الزمن، في صحبة الراحل المقيم د، قريب الله الأنصاري: 5:10-5:40
الختام: 5:45 مساء
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: فقيرى جاويش طه)
|
لا تسعه عبارة الراحل المقيم، فهذا الرجل موجود بيننا و لم يرحل،
لم يرحل لاته، - بعض من الاقتصاد السياسي لأهل السودان : التوسع الزراعي، التصنيع الزراعي - الحيواني، و حصة السودان من مياه النيل - لانه بعض من اختراق اقتصاد الصادرات : في تنوعها و مزاياها النسبية، و خفض تكلفة إنتاجها، و شحنها بقوة القيمة المضافة - لانه بعض من أفكار التنمية : التنمية هي التحدي .. و ليست الدولة العلمانية و لا الدولة الدينية، وكان عبد الخالق محجوب قد قال ذات يوم في تعليقه البرلماني على خطاب ميزانية الشريف حسين الهندي: فلتاتي التنمية من أي موقع كان .. - لم يرحل، لانه بعض من فكر الانتفاضة الجماهيرية : بإضرابها السياسي، و عصيانها المدني و تراثها الاكتوبري
.. اللهم ارحم قريب الله الأنصاري و تولاه و انزله منزلة الصديقين و الشهداء ..
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
 د. فرانكلين ليسك، بروفسور، جامعة وارويك، بريطانيا
خلال فترة عمله مع منظمة العمل الدولية، بين 1974 و 2005، البروفسور فرانكلين ليسك، الذي شارك في اختيار وتعيين د. قريب الله في منظمة العمل الدولية، ومن بعد نمت أواصر الصداقة بينهما، كتب عن فترة عملهما معاً وصداقتهم، فكتب عن اسلوبه الاداري:
Quote: He carefully recruited a mix of experienced and young technocrats and researchers who were specialists in a variety of fields, such as employment planning and human capital development, labour mobility, urban informal sector skill formation, social protection, private sector development and social protection. His style of management provided motivation through leading by example and direct involvement in collaborative research and policy analysis. As a boss, he was kind and generous to his staff, particularly the non-international and locally-recruited general service officials whom he treated on equal footing with the international staff. Ghariballah often went beyond the call of duty to assist his colleagues at all levels in numerous ways.
|
وعن بعض انجازات الراحل د. قريب الله الأنصاري خلال ترأسه لفريق دعم التخطيط الاقتصادي لدول الجنوب الافريقي من خلال دعم العمالة تحت مظلة منظمة العمل الدولية، (Southren African Team for Employment Promotion (SATEP، كتب د. ليسك:
Quote: Under Ghariballah’s watch, SATEP became the primary conduit through which ILO pushed for employment promotion to be recognized and integrated as an integral component of national development planning in Botswana, Lesotho, Swaziland, Zambia, Zimbabwe and Malawi. SATEP also made a huge contribution towards achieving ILO core objectives in the Southern African sub-region with respect to poverty reduction, social protection, and regional integration of labour and product markets. As Director of SATEP, Ghariballah met with and got to know many political, government and business leaders from the sub-region very well; he was well liked and respected by them. This stood the ILO in good stead when such contacts were needed to win friends and influence the right people to support ILO’s mission and principles, such as promoting social progress through the application of International Labour Standards pertaining to employment and labour relations. Such was Gharibhallah’s love for Southern Africa and its peoples that he initially chose to remain in Zimbabawe as a private citizen after he retired from the ILO, and I recall visiting him in his lovely home in Harare after his retirement.
|
(عدل بواسطة عدلان أحمد عبدالعزيز on 12-25-2014, 06:23 PM)
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
الأخوة الكرام.
جمعتني بعض مناسبات واشنطن بأن ألتقي بالمرحوم قريب اللله الأنصاري.
ولقد أرتحت في التعامل مع الراحل لأني وجدت فيه رجل محترم بحق وحقيقة.
ولقد الراحل بحر من العلم والمعرفة والخبرة، ولقد أستفدت منه كثيرا في حواري معه.
خصوصا أن المرحوم ملم بالكثير والمثير من تاريخ السودان القريب.
له كل الرحمة والمغفرة، الأنصاري فقد كبير للسودان وللسودانين.
كاميراتي ألتقطت للراحل بعض الصور بمنزل الأخ كمال طيفور، ولقد أرسلتها للأخ بكري، أتمنى أن يقوم بأنزالها في أقرب وقت.
الصور تحتوي ايضا على لقطات مع المرحوم الدكتور توبي مادوت أيضا.
وهي صور تعبر عن حب السودانين جميعا لهذين الشخصيتين المميزتين..
أتمنى لو كنت بينكم، لكي أحتفي بهذا الرجل الأستثنائي. تمنياتي بنجاح كبير لهذا الأحتفال الخاص.
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: Deng)
|
الصورة الأولى جمعت الراحلين مع كوكبة رائعة من منطقة واشنطن، وضيف زائر عزيز لنا وهو الأخ ين ماثيو.
جلوس من الشمال لليمين.
لوشيانو ، إزيكيل تون ، هيثم النور ، مرجان ، ناجي ميرغني ، دينو ، عماد.
وقوفا من اليمين للشمال:
عادل علي صالح ، حاتم أبو سن ، غسماعيل كردولي، طارق الشيخ ، كمال طيفور ، المرحوم توبي مدوت ، الفنان الرائع عاطف أنيس ، ين ماثيو ، أحد ضيوف الأخ ين ماثيو، أحمد ميرغني ، المرحوم قريب الله الأنصاري وأخيرا باريك توبي مادوت.
هذه الصورة تعبر فعلا عن حب جميع السودانين شمالا وجنوبا للراحل قريب الله الأنصاري ومعه أيضا الراحل توبي مدوت.
| |
  
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: Kostawi)
|
(1) ونحن نحتفي بالذكرى التاسعة والخمسين لنيل السودان استقلاله في مطلع العام 1956، هذه المرة سأفيض عليكم بإقتباسات أكثر طولاً عن ما سبقها، فاستعراض مساهمة البروفسور فاروق محمد إبراهيم تكتسب أهمية خاصة بمناسبة عيد الاستقلال، وفيها توثيق نادر.
تحت العنوان "في تذكر قريب الله محمد حامد الأنصاري (1934- 2013م)، وكجزء من السيرة الذاتية ل د. فاروق محمد ابراهيم (1931-أطال الله عمره) بدأ مساهمته بوصف لقاءه بالراحل د.قريب الله الأنصاري في مدينة الدويم العام 1951 في رحلة "البحث عن معنى الحياة"، فكتب:
Quote: التقيت بقريب الله أول مرة في مدينته الدويم في الأسبوع الأخير من أكتوبر 1951م حينما كان طالبا بالسنة الثانية بمدرسة حنتوب الثانوية وكنت طالبا في السنة الثانية بمدرسة العلوم بكلية غردون التذكارية التي صارت كلية الخرطوم الجامعية ثم جامعة الخرطوم فيما بعد، وصرنا صديقين حميمين منذ اللقاء الأول. كان ذلك ببيت الأستاذ الريح السنهوري الذي ربما كان يسبقني بنفس المرحلة العمرية التي أسبق بها قريب الله. الأستاذ السنهوري، وبيته ايضا، كانا معلمين بارزين من معالم مدينة الدويم. فالبيت الذي يقع في الشارع الرئيسي أشبه ببيوت الإغريق، بلكونه مرتفعة كاشفة مزدانة بالدرابزين ذي الألوان الزاهية، ونظافة داخلية أوروبية المستوى. أي واحد من طلبة حنتوب الذين كانوا نوار دويم ذلك الزمان يقول لك "نلتقي في بيت الريح"، هكذا بلا موعد أو إذن من صاحب الدار، وبلا ألقاب. وما أن يلمحك أحدهم وأنت تقترب حتى يفتح الباب هاشا باشا، ويلحق الماء البارد من ثلاجة الجاز 3 قدم بكوب الشاي الساخن، وأحيانا بالإفطار الشهي إن لم تكن أفطرت، ثم يلتئم الأنس، السياسي عادة، خلال لعبة الوست. وبعد فترة تطول أو تقصر تلمح صاحب الدار قادما، وهو عازب، بقامته المديدة وجلبابه وعمامته ناصعتي البياض بعد مهمة قضاها في سوق المدينة، فيمنحك إحساسا حقيقيا أنه الضيف وأنك رب المنزل. كان مثقفا، سياسيا، اتحاديا، جعليا خلقة وخلقا، ويساري المنحى (على خفيف كما يقول صديقنا مصطفى خوجلي).
كانت محطتنا التالية – بمبادرة مني - مساء نفس اليوم في بيت مبارك الحاج الذي زرته حين وصولي بغية تقديم "أوراق الاعتماد"، فقد كان مسئول المدينة الحزبي بينما كنت في قيادة رابطة الطلبة الشيوعيين، وكلينا التقينا الشهر الماضي في أم درمان في مؤتمر الحزب الثاني (السري طبعا) الذي ضم عشرين شابا أو أكثر بقليل كان على رأسهم عبدالخالق محجوب. فرع الحزب بالدويم لم يكن يتعدى الزميل مبارك وربما ثلاثة أو أربعة آخرين، عدا المعلمين الشيوعيين الذين يجيئون لمعهد التربية ببخت الرضا ثم يذهبون، فيمنحون دعما وزخما للفرع. سألت قريب الله إن كان يعرف مبارك فرد باندهاش، كيف لا أعرف مبارك؟ الدويم كلها تعرف بعضها البعض، خصوصا مبارك الحداد وجلال الساعاتي، الشيوعيان الوحيدان في الدويم. كان مبارك صاحب ورشة حدادة يغشاها أحيانا طلاب وأساتذة كلية زراعه الخرطوم في زياراتهم الميدانية لمشاريع الإعاشة بالنيل الأبيض، كما فعلت دفعتنا بعد عام من ذلك التاريخ، للتعرف على تصنيع الآلات الزراعية التقليدية، فيسهب في الشرح. وبيت مبارك المبني بالجالوص كان واسعا رحيبا نظيفا تتناثر الأسرة الحديدية المفروشة بنظام في حوشه الكبير المرشوش دوما بالماء لزوم الترطيب، وزير الماء المغطى بالشاش الأبيض النظيف مع كوب الألمونيا، إن شئت المزيد من الترطيب. وقد تطابقت في مخيلتي صورة مبارك المفتول الجسم البارز العضلات القوي التقاطيع مع صورة ستاخانوف، رمز تصنيع الاتحاد السوفيتي، الذي طالعتنا صورته مع المطرقة والسندان في كل الأدبيات والمطبوعات السوفيتية. ناقشنا الوضع السياسي الملتهب على صينية العشاء. فقد ألغى رئيس الوزراء المصري النحاس باشا تحت قبة البرلمان معاهدة 1936 واتفاقيتي 1899 اللتين تأسست بموجبهما الإدارة البريطانية للسودان، ما أفقدها الشرعية، ثم أعلن بمرسوم دستوري بتاريخ 8 اكتوبر1951 الفاروق "المفدى" ملكا على مصر والسودان. كان الحاكم العام يسعى وفقا لسياسته المعلنة تعديل دستور الجمعية التشريعية والمجلس التنفيذي لقيام حكم ذاتي مستقر يفضي لتقرير المصير ويقود لتعايش الشماليين مع الجنوبيين (والمناطق الأخرى الأقل تطورا)، والختمية مع الأنصار، وزعماء العشائر والإدارات الأهلية مع أهل المدن والطبقة المتعلمة التي خصصت لها مسودة الدستور دوائر برلمانية. وقد شارك في عضوية لجنة تعديل الدستور حزب الأمة الذي فاز اقتراحه بالحكم الذاتي في الجمعية التشريعية منتصف ديسمبر الماضي بأغلبية صوت واحد فقط (39 مقابل 38 صوتا) وكان يسعى لتحقيق الاستقلال بالتعاون مع الإدارة البريطانية بأسرع ما يمكن، وحزب زعماء العشائر وكبار الموظفين الشمال/جنوبيين (الجمهوري الاشتراكي) الذي عارض اقتراح حزب الأمة وكان يريد الحفاظ على الوضع الراهن لأطول ما يمكن، كما شارك فيها الاستقلاليون المستقلون ("الفرسان الثلاثة" محجوب وفضل بشير وأحمد يوسف هاشم الذين استقالوا من الجمعية التشريعية) وثلاثي الجبهة الوطنية "الختمية" ( القاضي الدرديري محمد عثمان والبكباشي خلف الله خالد وباشمهندس الأشغال ميرغني حمزة البلة) الذين قاطعوا الجمعية مع جبهة الكفاح لكن دخلوا لجنة تعديل الدستور وطالبوا مع الفرسان الثلاثة باتخاذ التدابير الانتقالية الفورية للاستقلال. وقد كان تأثير الإلغاء الأحادي للمعاهدة الغير ملزم وفق ما أعلن الحاكم العام أن دعا لاستعجال رفع توصيات اللجنة (وقد استقال عدد من أعضائها)، ولاستصدار تصريح من وزير الخارجية إيدن واعدا فيه بتحقيق الحكم الذاتي بنهاية العام 1952، ومؤيدا مساعيه لتمكين السودانيين من تقرير مصيرهم وفق الدستور الذي استعجل صدوره.
|
-نواصل-
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
(2) ونحن نحتفي بالذكرى التاسعة والخمسين لنيل السودان استقلاله في مطلع العام 1956، نواصل استعراض مساهمة البروفسور فاروق محمد إبراهيم التي تكتسب أهمية خاصة بمناسبة عيد الاستقلال، وفيها توثيق نادر.
Quote: من ناحية ثانية فقد جاء إلغاء المعاهدة بينما جبهة الكفاح الوطني تعاني منذ منتصف يوليو انقساما حادا توالت إثره مراسم "إلى من يهمهم الأمر سلام" التي فصل أزهري رئيس حزب الأشقاء بموجبها سكرتير حزبه خضر عمر وأحل محله يحي الفضلي، وحل بوصفه رئيس مؤتمر الخريجين لجنته التنفيذية وأعاد تكوينها عبر الهيئة الستينية لكيما يقصي منسوبي وكيل الحزب محمد نورالدين. وبينما رد الوكيل بقرارات فصل حزبية معاكسة فقد أعلن أحمد خير وحسن أبوجبل وخضر عمر وآخرين من معارضي الأزهري (والأقرب لحستو) تأسيس مؤتمر السودان الذي فتح باب العضوية على مصراعيه لكل السودانيين. وشن أحمد خير، مؤسس مؤتمر الخريجين سنة 1938 ومؤسس اتحاد طلبة الكلية سنة 1941 (وتفسير هذه التواريخ التي يبدو وضعها مقلوبا يأتي لاحقا) هجوما عنيفا بدار الاتحاد على قيادة الأشقاء التي قال أنها استرخت وفسدت وانعزلت، وكان طبيعيا أن تطلعت جماهيرها للشباب والطلاب والقيادات العمالية الجسورة. ثم خاطبنا، وكان بيننا قادة نقابيون، قائلا: "أنتم تهزون شجرة الحرية وهم ينتظرون قطف الثمار". وارتأى نورالدين في تحلل أزهري من شعار وحدة وادي النيل تحت التاج المصري تقربا من الإدارة البريطانية وتمهيدا لمشاركة حزبه في التدرج الدستوري للاستقلال. وأثار حماس الجميع الطالب شيبون الذي ردد السؤال في كل مقطع من قصيدة ألقاها مبشرا بالطوفان الذي لن توقفه السجون: فهل ونى سلام، واستسلم الشفيع؟ والاثنان حكم عليهما بالسجن لاقتحامهما في يونيو الماضي قشلاق بوليس أم درمان لمناصرة جنود الشرطة الذين دخلوا إضرابا عاما لتحسين أوضاعهم والاعتراف باتحادهم العام. وفي كل مرة ردد فيها شيبون هذا المقطع وقف الجميع يصفقون ويرددون الهتاف: عاش سلام، وعاش الشفيع.
غير أن إلغاء المعاهدة قرب الفرقاء الذين ارتأوا فيه إنهاءا لشرعية الحكم الثنائي. وقد كان لحستو والقادة النقابيين الدور الأكبر في التقارب الذي انتهى بتوقيع أزهري ونورالدين وحماد توفيق والدرديري أحمد إسمعيل وحسن الطاهر زروق نداء جبهة الكفاح الذي دعا جميع السودانيين للالتقاء لأجل إنهاء الحكم الثنائي وجلاء الإنجليز وقيام جمعية تأسيسية منتخبة انتخابا حرا تكفل لها جميع الضمانات، وأن يكون للأحزاب جميعها أن تخوض معركة انتخابات الجمعية التأسيسية، كل على أساس مبادئه. ودخلت الإدارة الأمريكية أخيرا في الخط بمقترح ربط جلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان بدخولهما في حلف للدفاع عن الشرق الأوسط (ممن؟)، ولو تطلب الأمر حرمان الشعب السوداني من حقه في تقرير مصيره، ما قبلته مبدئيا الخارجية البريطانية ثم تراجعت عنه تحت ضغط حكومة السودان التي كانت على قدر من الاستقلال جعل منها لاعبا "وطنيا أبويا" في الشأن السوداني. ذلك بينما أبدى السفير الأمريكي بالقاهرة كافري اندهاشه من اهتمام أولئك البريطانيين الزائد عن اللزوم بمصير 10 million bloody niggers لدرجة تعوق قيام حلف الدفاع عن "العالم الحر".
كان الطوفان الذي عبر عنه أحمد خير وشيبون، كل بطريقته، حقيقة كرسها إضراب البوليس وجسدتها جسارة سلام والشفيع. "الوادي ضجت، حنتوب احتجت".. وسكرت خورطقت. تلك لم تكن "أغاني بنات" خاوية وإنما كانت تعبيرا عن التعاطف الشعبي مع الحراك السياسي الطلابي المتصل. ولم يكن العمال والطلاب وحدهم في الميدان. أخبار حراك المزارعين من الجزيرة والشمالية (جوزيف راشد وتسعيرة مياه الري) إلى جبال النوبة والقضارف (الحالة صعبة، والحالة كعبة، والعيش كله، ما بغطي الجعبة) كانت على صفحات "الصراحة" وفي عناوين كل الصحف. حمزة الجاك يتولى قيادة اتحاد العمال بحنكة في غياب سلام والشفيع، وأزهري يقود بنفسه الهتاف بصوته الجهوري العميق في ليلة اتحاد العمال السياسية عقب إلغاء المعاهدة بدار العمال أمام محطة الترماي الوسطى بالخرطوم: عاش سلام وعاش الشفيع. الأمين حاج الشيخ أبًو يشق صفوف الجمعية العمومية بمبنى اتحاد طلبة الكلية وهو يهتف محرضا للتظاهر: عري وجوع ففيم الخضوع، وعلي التوم يخطب محمولا على الأعناق، "الحرية شجرة تروى بالدماء". قادة حركة أنصار السلام يقدمون للمحاكمة تحت طائلة قانون الجمعيات غير المشروعة، فتدافع عنهم هيئة محامون برئاسة أحمد خير، ويتطوع لمساندتهم محامون من مصر وبريطانيا. الأندية الرياضية دخلت إضرابا عن الدوري لمطالب خاصة باتحاد كرة القدم، والفنانون في إضراب مماثل لمطالب تتعلق بتصنيف هيئة الإذاعة للفنانين وتحديد مكافئاتهم، وتوليت شخصيا تنظيم ندوات ومؤتمرات لمناصرتهم من موقعي كرئيس لجمعية الزمالة الثقافية بالاتحاد. قاسم أمين يشد قراء الصراحة بمقالاته الرشيقة "عد إلى بلادك يا ديفيد نيومان"، مستشار النقابات الذي استدعته حكومة السودان إبان حكومة أتلي للترويج لمجالس "هوايتلي" التي رأى فيها قاسم تدجينا للحركة النقابية. وفي بيوت "اللعبات" العرسان يرقصون/يرقصن على أنغام "كنا ف أمان ..أيوة ..جوه ف بستان ..أيوة..يا وسيلة تعال اسمعنا نغم النضال ..سافر" و "حمزة الجاك ثار.. نحن أنصاره..وبشرى بي سلام ...عاد لعماله...والشفيع باكر.. يحطم اغلاله". و "الله لي كوريا..يا شباب كوريا". لحن برعي محمد دفع الله "يا جنا الماوماو بحبك" يشق عنان سماء السودان. وحسن عطية يلهب الجمهور:
دقات الطبول، هتفت ليك تنادي حرر السهول وامشي للبوادي انت يا سعاد، وانت يا ثريا نعلن الجهاد، ننشد الحرية وهبي يا عديلة، قبلي سلاحي طرزي العلم، ضمدي جراحي
وسعاد وثريا لسن من نسج الخيال، بل معلمات من طلائع الحركة النسوية، بنات عمنا محمد عمر "قلع الريد"، حفيدات عمدة توتي، ، وهن من حيشان أهلنا في أبروف وسوق الشجرة. والكل يتابعون استبسال الفدائيين في مدن قناة السويس ومآثر أمهات الشهداء، "أم جمال" و "أم صابر"، وأشعار كمال حليم الملتهبة:
ثورة في كوريه وجحيم وقتال في بلاد نائيه ليتها حول القنال
|
-نواصل-
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
. (4) ونحن نحتفي بالذكرى التاسعة والخمسين لنيل السودان استقلاله في مطلع العام 1956، نواصل استعراض مساهمة البروفسور فاروق محمد إبراهيم التي تكتسب أهمية خاصة بمناسبة عيد الاستقلال، وفيها توثيق نادر.
الزعيم إسمعيل الأزهري رمى آخر طبشيرة في حياته صباح الأربعاء 20 مارس:
Quote: ولا زال محفورا بذاكرتي اللقاء الأول بالأستاذ أحمد سعد الذي ارتبط بأحد أهم أحداث وشخصيات تاريخنا الوطني. ففي صباح الجمعة 22 مارس 1946 تجمعنا نحن طلبة الثانوية الحكومية الوحيدة التي "خرجت من جرابها وادي سيدنا وانبرت من عرينها حنتوب"، وهي شمس العلم التي عمرت نصف قرن ترعى الشباب وهي تشيب كما وصفها أستاذنا أحمد محمد صالح في قصيدته بمناسبة افتتاح قبة المهدي التي جدد بناؤها سنة 1948، خرجنا لوداع وفد السودان للمفاوضات المصرية البريطانية المتعلقة بالاتفاقية التي حضرنا للأستاذ أحمد سعد بصدد إلغائها. الزعيم إسمعيل الأزهري رمى آخر طبشيرة في حياته صباح الأربعاء 20 مارس وطفق يحدثنا عن مهمة الوفد، وفي رد على سؤال أبو بكر عثمان محمد صالح عن الموقف لو فشلت المفاوضات أجاب بذات الصوت الجهوري العميق:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم خطب في تجمعنا الوداعي طالب الأحفاد محمد أحمد قاسم بحماس، وألهب الجميع شاكر مرسال بعصمائه :
"إذا الشعب يوما أراد الحياة" فلا خلاص ولا مردا وإذا الشعب أراد أبراج السماء لما استردا وصديقي الأديب أبوبكر عثمان أطلعني في الطريق إلى التجمع على نونية عصماء من ذوات "الفلقتين"، بولولة نائح الطلح "أشباه عوادينا" ورقرقة النيل " يرويهم ويروينا"، وكدت أحمله على كتفي، لكنه عدل عن إلقائها، ولا أظنه تعاطى الشعر جهرا بعد ذلك. وقد كشف لي لاحقا أنه أوشك على التورط في مخطط داعشي مع الحضري ومحمد أحمد قاسم ويوسف علي جادالله، من صنف التجربة التي راودت كامل محجوب وحكاها في تلك الأيام وهو طالب بالأحفاد قبيل التحاقه بحستو، لكن الله سلم. المهم، بعد الخطب والأشعار سار الجمع لمحطة سكة حديد الخرطوم، البعض على الترماي راكبا أو متشعبطا، والبعض الآخر سيرا على الأقدام. والمهم أيضا أن الأستاذ الأسود كمون الربع القامة ذي التقاطيع الغليظة والشلوخ الشايقية العريضة الذي يرتدي القميص والشورت والباتا والشراب الناصعة البياض، ذلك الذي حل محل الزعيم الأزهري مدرسا للرياضيات، لم يكن سوى أحمد سعد، الرجل الجميل الذي ما أن يبدأ المحاضرة أو يسترسل في الحديث إلا ويأسر كل العقول والقلوب. حقا إن الجمال، كما يقول المثل الإنجليزي، في أعين ناظره. ولم تكن لنا حصة رياضيات بعدها مع الأستاذ، لأننا أضربنا في الأسبوع التالي عن الدراسة تضامنا مع الطلبة المصريين الذين أطلقت عليهم حكومة صدقي باشا الرصاص في كوبري عباس بالقاهرة، تلك الحادثة الشهيرة التي كانت معلما لحركة اللجان الثورية للطلبة والعمال المصريين وكان من ضحاياها أحد الطلبة السودانيين، فسيرنا أول مظاهرة سياسية في مدينة أم درمان منذ ثورة 1924. الشعور بالكفاح المشترك مع الشعب المصري كان حقيقيا عطرته ذكرى المأمور المصري عبدالخالق العالقة بأذهان الأمدرمانيين، وجًسده تلاحم طلائع الطلاب السودانيين مع رصفائهم المصريين، والحقيقة التي لا مراء فيها أن السودان الحديث أشرف على بنائه البريطانيون من مال وكدح المصريين، ثم بعثة السنهوري السخية لمئات الطلاب الجامعيين السودانيين، والأساتذة المصريين في مختلف مراحل التعليم، كالنويهي وعبدالعزيز إسحق الذين تفاعلوا تفاعلا فكريا عميقا مع الطلبة الجامعيين وغير الجامعيين، فحيا الله مستودع الثقافة مصرا. دلفنا بالمظاهرة إلى نادي العمال في بداية شارع أبروف بالمحطة الوسطى، وحمل المستقبلون محجوب محمد عبدالرحمن على الأكتاف ليلهب المتظاهرين بكلمات كمال حليم:
أيها الشعب تحرك أفلا تبصر قبرك ها هو الحفار أوشك أن ينهي أمرك هاهو الخنجر في قبضة من مزق صدرك موكب الأحرار أنصارك للسجن تحرك فتحرك أنت يا شعب تحرك ثم التحمنا في داخلية مفي، المنزل المستأجر من السيد داوود الخليفة بحي العباسية لإيواء بعض طلبة الكلية، مع مظاهرة طلبة وادي سيدنا الذين جاءوا سيرا على الأقدام، فألقى قادتها أحمد محمد خير وعبد القيوم محمد سعد (شقيق الأستاذ الأصغر سنا) وآدم علي آدم أبوسنينة خطبا حماسية. هؤلاء أبرز الذين أسسوا الحركة السودانية للتحرر الوطني في النصف الثاني من ذلك العام وصاروا نواة مكتبها السياسي، التقفهم بعد الفصل من الدراسة "للصالح العام" الأستاذ عثمان أحمد عمر (عفان) معلمين في مدرسة الخرطوم الأهلية الوسطى التي كان ناظرها، وفي مجلته الشباب التي صارت أول منبر صحفي للحركة الوليدة. آسف للاسترسال، فلازلت مع قريب الله بمنزل الأستاذ أحمد سعد. المنزل من تصاميم مهندس الأشغال ميرغني حمزة البلة الشهيرة، type C، فعرفنا طريقنا في تراتب بيولوجي إلى المطبخ أولا، والمكتبة ثانيا. انغمست في كتاب اسمه Soviet Agro-biology يبسط نظريات الزراعي السوفيتي المثير للجدل ليسنكو التي كانت سبب التحاقي بكلية الزراعة، وكتبت عنها مقالا عنوانه "الجدل العلمي حول الوراثة" بطلب من عبدالخالق محجوب في مجلة حستو النظرية "الوعي" التي كان يحررها، وكان المقال محل اهتمام وحوار نظري كثيف (خروج جزئي من السياق الزمني: دار الحوار التالي بيني وبين ابن الدفعة الكروي الشعبوي جعفر محمد نميري في إحدى المقابلات النادرة أيام مايو الأولى: "أصدرنا قرارا من مجلس الوزراء بتعيينك وكيلا لوزارة الزراعة لكنك ذهبت لفاروق أبوعيسى في رئاسة مجلس الوزراء واعتذرت، ماذا تريد أن تفعل؟ قلت، أصدر مجلة فكرية سياسية شهرية، قال، ماذا تسميها؟ قلت: الوعي. قال، الوعي وبس؟ الوعي الاشتراكي أفضل. قلت، الوعي وبس. انتهى الحوار. ترى هل ومض شيء من هذا في ذهن ابن الدفعة عند مجابهته الشهيرة مع محرر "الوعي"؟). أعود لصلب الموضوع. رحبنا بالأستاذ الذي عاد بعد يوم عمل مضن، فرطبنا له بعصير الليمون المثلج، ورحب هو بدوره بالمشاركة برفقة أساتذة آخرين في الجمعية العمومية للآباء، وفي لقاء قادة الحركة الوطنية بالدويم.
هل أعتذر لهذه الاسترسالات التي ما انفكت تبعدني من قريب الله وصلب الموضوع إلا لتقربني إليه، فتنقلني من بيد من الذكريات إلى بيد أخرى، كنوق العباسي، "المدنياتي من رهطي ومن نفري، المبعداتي من أسري وتقييدي"؟ المهم أن الخيوط اكتملت لقريب الله، فنظم بنجاح كبير الاجتماع الذي انعقد في حوش مبارك الحاج وحضره إلى جانب الطلاب والآباء عدد من المدرسين كان على رأسهم الأساتيذ أحمد محمد سعد وأبوالمعالي عبدالرحمن الأمين الضرير (من مؤسسي الحزب الشيوعي أيضا) فكان حدثا كبيرا. وسهل هذا النجاح مهمة المهندس عبدالقادر الذي نظم بدوره اجتماعا للقوى الوطنية بمنزل الخليفة الحسن ( وابنه سر الختم) الذي، عاشت الاسامي، كان من زعماء الطائفة الختمية بالتحديد، لا الأنصار بالتأكيد (برغم أن "السر"، كما كان يدعوه الجيلي الأنصاري ومكاوي خوجلي ومحمد عمر بشير وبقية أصدقائه ومحبيه الكثر الميامين، صار عديلا للسيد الصادق المهدي لاحقا). كان الخليفة الحسن من كبار تجار الدويم، وكان يعمل تحت راية "الجبهة الوطنية" السابق ذكرها. وبرغم تحفظ قيادة الجبهة الوطنية في الخرطوم على مراسم حكومة النحاس فقد أصدر اجتماعنا في الأسبوع الأول من نوفمبر بيانا تجاوز تلك التحفظات، معبرا عن رؤية الناشطين السياسيين بمدينة الدويم الداعية لخط جبهة الكفاح المشار إليه سابقا، وكان الخليفة الحسن على رأس الموقعين عليه.
|
- نواصل-
(عدل بواسطة عدلان أحمد عبدالعزيز on 01-01-2015, 06:05 PM)
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
. (6) الحلقة الأخيرة في سلسلة إستعراض مقال د. فاروق محمد إبراهيم (والأخيرة في هذا المقام أيضاً، فعسى أن تتحصلوا على كامل الكتاب بعد طباعته)، بعنوان "نحو حركة إنسانية جديدة" وقد ألقاها د. فاروق بنفسه في فعالية الذكرى الأولى لرحيل د. قريب الله المقامة في جامعة الأحفاد، يوم الاحد الموافق 21 ديسمبر 2014. والورقة عبارة عن مخطط لمشروع بديل، يسميه د. فاروق، "مشروع الهوية الإنسانية والحركة الإنسانية الجديدة":
Quote: نحو حركة إنسانية جديدة كان قريب الله، يرحمه الله، خبيرا اقتصاديا دوليا مرموقا وأكاديميا متميزا ومناضلا جسورا وإنسانا خلوقا، خلف أسرة كريمة تخلد ذكراه، وأصدقاء كثر هم بأمرهم وهموا بأمره، وكان على استعداد دائما لأن يضحى كثيرا لأجل وطنه ولأجل ما ارتأى أنه الحق. إن هذا النجاح على المستوى الشخصي يفي ويزيد تقديرا لحياة أي عزيز رحل عن دنيانا لكنه لا يفي بالنسبة لقريب الله، وذلك لأن المشروع الإنساني الذي كان في طليعة من كرسوا أنفسهم له في الحزب الشيوعي فشل محليا وعالميا، وما كان صعود الإنقاذ للسلطة إلا نتيجة هذا الفشل، ولا استمراره واستمرار معاناة شعبنا لأكثر من ربع قرن إلا بسبب غياب المشروع البديل. وليست هنالك مهمة أمامنا تعادل صياغة هذا المشروع البديل اهمية. وبهذا الصدد فإنني أتقدم هنا، تأبينا له ووفاءُ لذكراه، بما أراه مخططا لمشروع بديل، أسميه مشروع الهوية الإنسانية والحركة الإنسانية الجديدة: أولا، إن مرجعية هذا المشروع، والأهداف التي يرمي إليها، هي التحول الديمقراطي والإعلاء من شأن حكم القانون واستقلال القضاء وكفالة الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواثيق المكملة له لكل المواطنين والأشخاص المتواجدين في السودان، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للرجال والنساء والأطفال، وللنازحين واللاجئين وذوي الحاجات الخاصة والعمال المهاجرين وغيرهم، دون تمييز بينهم لأي سبب من الأسباب. ويرى المشروع أن مرجعية هذه الحقوق القائمة على الهوية الإنسانية دينية أصلا، كرستها المرجعية العلمانية، وأن تحققها يستدعي، وبالضرورة، نظاما اشتراكيا عالميا. ذلك أن نقد ماركس للطبيعة الاستغلالية للنظام الرأسمالي صادقة اليوم كما كانت صادقة حينما صدر البيان الشيوعي فبل 166عاما (انظر الورقة المرفقة، عن المرجعية الدينية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
ثانيا، يستدعي تحقق هذا المشروع توحدنا لتأسيس حركة إنسانية جديدة تتسق فيها المرجعيتان الدينية والعلمانية، ما يستدعي ثورة فكرية وحركة إصلاح ديني تحدث تغييرا فكريا وروحيا لتأهيل الطلائع التي تقود هذا التغيير، تغييرهم أنفسهم قبل غيرهم. ويطرح المشروع تجنيد transformative core مشكلة من 1% من الطلاب الثانويين والجامعيين وشباب الخريجين الذين بفوق عددهم الآن المليونين ونصف، أي حوالي 000 25 مبادر من محليات السودان ال 134 خلال السنوات الخمس القادمة، باعتبار أن هذا العدد يشكل الكتلة الحرجة لانطلاق الحركة ولنموها الذاتي المتصل. وتقوم هذه الحركة بمواصلة صياغة المشروع خلال العمل اليومي، داخل السودان وخارجه.
ثالثا، الحركة الإنسانية الجديدة (وهي جديدة لتميزها بالموقف الإيجابي من الدين، عوضا عن موقف الحركة الإنسانية القديمة الملتبس منه) مستقلة عن الأحزاب والحكومات، ينضم إليها المواطنون كأفراد دون أي اعتبار لاختلافهم الاثني أو الديني أو الجهوي أو الجندري أو السياسي. والحركة تنداح أفقيا في الأحياء السكنية ومجالات العمل وليس لها تنظيم مركزي وإنما فقط لجان تنسيق في المستويات المختلفة يكون أعضاؤها مستقلون عن الأحزاب والحكومات بأكبر قدر ممكن لتوخي استقلالية الحركة. والحركة تعمل لتوعية المواطنين والمواطنات بحقوقهم المنصوص عليها بعاليه ولحثهم للحراك للدفاع عنها بالوسائل الديمقراطية السلمية والعمل الجماهيري في كل محليات ومحافظات وولايات السودان. ولضمان استمرارية الحركة فهي لا تشترك في تشكيل الحكومات الانتقالية أوغير الانتقالية ولا ترفع شعار إسقاطها أو تكوينها، على نقيض تجربتي أكتوبر وأبريل. إن الحركة تهدف للتغيير التراكمي المتصل في توازن القوى الشعبية لصالح التحول الديمقراطي بما يتيح للشعب أن يفرض على القوى السياسية، سواء كانت دينية أو علمانية، عروبية أو أفريقانية، في السلطة أو خارجها، محلية أو ولائية أو اتحادية، الطريقة الديمقراطية الإنسانية التي تتيح مشاركتهم في إدارة شئونهم، محليا وخارجيا. أما السلطة السياسية، تشكيلها أو إسقاطها، فهي مهمة الأحزاب السياسية. وأما منظمات المجتمع المدني فهي تتبنى نفس البرنامج الحقوقي، وتعمل لدعم الحركة الإنسانية وتقويتها (أنظر الورقة الثانية تحت شعار: فلنجعل من حركة السلم والحقوق والحريات مشروعنا الوطني وهمنا المصيري، بتاريخ 18 ديسمبر 2013 بعنوان: وظيفة منظمات المجتمع المدني وحركة الدفاع عن الحقوق والحريات والأحزاب السياسية في ضوء أحداث سبتمبر 2013، المنشورة بالأيام وبموقع سودانيز اونلاين).
رابعا، أشير إلى أنني استعرت نعت منهجية هذه الحركة بالديمقراطية المباشرة والانتفاضة المستدامة من خطاب رئيس الجمعية العمومية لسكان مدينة نيويورك إبان حركة "احتلوا وول ستريت" التي كانت بدورها استجابة لحراك ميدان التحرير، وذلك تنويها للنسب العالمي المشترك لحراك ال 99% ضد الليبرالية الجديدة وهيمنة الجشع الرأسمالي عابر القارات. كان قريب الله، الله يرحمه، يقول لي مداعبا كلما تداولنا في حالة وطننا التعيسة الراهنة والنفق المظلم الذي لا يبدو بعد الضوء الأخضر في آخره، الله يجازيك يا فاروق. إنت السبب. زي ما دخلتنا تطلعنا من هذه الورطة. لكن القلوب شواهد. فحينما قلت للأستاذة رقية الفادني حينما ذهبت لعزائها بالعيلفون في والدتها السيدة عائشة رحمة الله عليها في أبريل العام الماضي: كفاكم غربة العيال كبروا، حترجعوا متين؟ ردت قائلة إنها وقريب الله دائما يتناولون أمر العودة بجدية، لكن مع الغضروف وآلام الظهر قريب الله صار لا يغادر البيت إلا لأداء فريضة صلاة الجمعة، وبجهد جهيد. وقريب الله الذي أعرفه لا يفعل ذلك للمواءمة أو العادة وتقدم السن، وإنما لأنه قام بمراجعة عميقة للمشروع الماركسي بكليته. وكما ذكرت في كتاب التأبين، بكلمات ماركس، فحينما تنتهي بنهاية الضرورة حقبة ما قبل التاريخ، ويبدأ الإنسان في صنع تاريخه الحقيقي، فإن الروح تحل محل الإنتاج، والتطور الروحي محل التطور المادي، ويصبح وعي الإنسان هو الذي يحدد وجوده المادي، لا العكس. وقريب الذي يميز جيدا الرمز بوصفه لغة النص الديني، يقول بلا شك مع إقبال أن الجنة والنار حالتان إنسانيتان، وليستا موقعان في الزمان أو المكان. "أما الجنة والنار فهما حالتان لا مكانان. ووصفهما في القرآن تصوير حسي لأمر نفساني. أي لصفة أو حال. فالنار في تعبير القرآن هي *نار الله الموقدة (6) التي تطلع على الأفئدة* الهمزة 6-7، هي إدراك أليم لإخفاق الإنسان بوصفه إنسانا. أما الجنة فهي سعادة الفوز على قوى الانحلال. (محمد إقبال، تجديد التفكير الديني في الإسلام، ترجمة عباس محمود، ص 170). هكذا بدأ قريب الله الثورة الفكرية التي عاجله الموت قبل إكمالها. وقريب الله العلمي أيضا حتى النخاع يقول مع المفكر الإسلامي العالم الفيزيائي الراحل محجوب عبيد طه، أن القوانين الطبيعية هي سنن الله في الكون، ولا تستثني من العلم الطبيعي شيئا، بما في ذلك أصل الحياة في الأرض والأصل التطوري للوعي وللإنسان. أخيرا، وعلى ذكر المفكر الراحل محجوب عبيد الذي تشكل رؤاه في تقديري الأساس المتين لرؤية كونية مقنعة عقليا ومشبعة روحيا، أذكر أنه بينما قمت في الدويم بتشكيل فرع رابطة الطلبة الشيوعيين في نوفمبر سنة 1951 كان طالبان من حنتوب هما (الدكتور) عبدالعال عبدالله، رحمه الله، و(الدكتور) ناصر السيد، مد الله في أيامه، يشكلان "أسرة" من الإخوان المسلمين وسط تلاميذ المدرسة الوسطى، كان على رأسهم التلميذان محجوب عبيد طه وعلي أحمد على الفادني، صهر قريب الله فيما بعد. كنا جميعا نبحث عن الحقيقة بسبل مختلفة. وللأسف فقد قاد الصراع غير المجدي الذي طال واستطال إلى تمزيق أواصر وطننا. وقد آن الوقت للرؤية الكونية التوحيدية والموحدة التي تشاء الظروف أن يكون محجوب عبيد على رأس واضعيها، رحمه الله وجعل الجنة مثواه. ليس لنا الآن خيار، إما صياغة رؤية إنسانية جديدة ومشروع إنساني بديل مقنع فكريا ومشبع روحيا والشروع الفوري في تنفيذه أو الطوفان، ولا عاصم حينئذ من أمر الله. كانت ذكرى صلاح بشرى والنشيد الذي ينعيه " ليت من يبكي عليه، ويواسي الثائرين، مد للحزب يديه، كي نبيد الغاصبين" على لسان قريب الله وهو يخطو خطاه الأولى في حستو. ونفس النشيد كان على لسان الشهيد هاشم العطا في طريق الدروة. وأردد أنا الآن في تذكر قريب الله: ليت من يبكي عليه، ويواسي .....المتحيرين، مد لمشروع الهوية الإنسانية والحركة الإنسانية الجديدة، مشروع الديمقراطية المباشرة والانتفاضة المستدامة، قلبه وفكره قبل يديه، كي نعيد صياغة مشروعنا الوطني والعالمي الذي يتسق مع التجربة ومقتضيات العصر.
|
شكراً بكري أبوبكر على هذه النافذة، وشكراً القراء على المتابعة، وشكراً لكل من ساهم في هذا الجهد، وتبقى ذكرى الراحل قريب الله حية وملهمة.
عدلان
| |
   
|
|
|
|
|
|
Re: واشنطن: مراسم الذكرى السنوية الأولى للراحل المقيم د. قريب الله الانصارى (Re: عدلان أحمد عبدالعزيز)
|
Quote: بسم الله الرحمن الرحيم الأحد 2014 /12/ 21 الحضور الكريم . مساء الخير (كانوا يتساقطون واحداً إثر واحد دراكاً، بعد حياة كرست لمحبة الناس، وإسعاد الناس، وكف الأذى عن الناس، في صمت وإنكار ذات. فعملهم اليومي وطنية وعبادة، وحياتهم العادية بطولة وتضحية، ومصائرهم موصولة بمصير الشعب) هكذا نعي الشاعر الفحل صلاح أحمد أبراهيم من سبقوه، و بذاك نعى نفسه، و من لحق و من سيلحق به من الرفاق. ثم دلف يقول:(آخرُ العمر، قصيراً أم طويلْ .كفنٌ من طرف السوق وشبرٌ في المقابر) لقد كانوا حقاً و ما زالوا مشاعل التنوير، على أيديهم تكونت النقابات العمالية و المهنية و الإتحادات الطلابية و منظمات المجتمع المدني.و من خلالهم ناضلت المرأة لكسب حقوقها في العمل و التنظيم. و كان لهم القدح المعلى في معارك الإستقلال ومقاومة الدكتاتوريات. في مثل هذا اليوم من العام الماضي رحل عنا العزيز/ قريب الله الأنصاري مخلفاً حزناً عميقاً في الأسرة و الأهل و الأصدقاء و الزملاء و الوطن. و بفقده فقد السودان إبناً باراً من أبنائه المخلصين. حمل قريب الله معه هموم و آمال الوطن في كل مكان و كل زمان. كل من عرفه، في مختلف المجالات، وجد فيه الوفاء والصفاء، الصدق و النبل، الود و طيب المعشر، سعة الأفق و رجاحة العقل.كان الفقيد، عالماً فذاً، و مفكراً واعياً، و أستاذاً متمكناً، و إداريا مقتدراً، و قارئاً نهماً، و كاتباً مجيداً، و مناضلاً جسوراً، و أباً حنوناً.نحن في أسرة الفادني، تعرفنا أكثر على الفقيد من خلال المصاهرة، حيث تزوج في بداية التسعينات شقيقتنا / رقية. ورغم إنه كان خارج الوطن، إلا إنه كان عضواً فاعلاً في الأسرة ومشاركاً في كل ما يطرأ علينا من أمر، فنجد عنده المشاعر الصادقة، و الرأي الصائب، و النصح الخالص، و الكرم الفياض. وعند زياراته للوطن دخل قلب الكبير و الصغير بمقدراته الفائقة في التعامل مع كل المسويات والأعمار، و بروحه المرحة اللطيفة، و تواضعه الجم، مما أكسبه حب الجميع. نأمل أن تحافظ الأخت رقية على تماسك أسرة قريب الله يداً واحدةً. و أن يواصل أبنائة و بناته على نفس النهج من الجدية و الجودة في الأداء، و في الإرتباط المتواصل بالوطن و الأهل و الأصدقاء. نسأل الله أن يتقبل الفقيد قبولاً حسناً، و نأمل ألا يكون هذا التأبين مدعاة حزن، بقدر ما يكون ترسيخاً للمبادئ والقيم التي آمن بها قريب الله. الشكر لجامعة الأحفاد منارة العلم والحداثة التي فتحت عقلها ودارها للتأبين. الشكر لأصدقاء الفقيد في داخل وخارج الوطن، على كل المجهودات المقدرة، آملين أن نتشارك في الفرح الكبير. ولكم جزيل الشكر والتقدير. المقداد أحمد الفادني |
| |
   
|
|
|
|
|
|
|