|
|
 نعيب بشيرنا والعيب فينا
|
خمسة سنوات أخرى سيتربع فيها حاكما علينا فرعون السودان الذي تصب نفسه ربا أعلى، ليستمر ظلام عصر الإنحطاط السوداني الذي دام ربع قرن بلا أمل في نهاية له. ربع قرن شهد تحول دول آسيا من دول زراعية فقيرة إلى معجزات اقتصادية وانتقلت شعوبها من الفقر إلى الثروة وإلى أقصى آفاق التقدم العلمي والتطور الإنساني فيما ظل السودان يتراجع يوما بعد يوم وينحط انحطاطا مستمرا اقتصاديا ودينيا وروحيا وأخلاقيا وإنسانيا.
لا تكاد تخلو المجموعات البشرية من مجرمين ذوي عقول ونفوس مريضة وأخطر هؤلاء هم من يسعون نحو السلطة المطلقة التي تكفل لهم ارتكاب جرائمهم وإشباع شهوة عقولهم المريضة في القتل والتعذيب دون خوف من عقاب، وإذا كان تاريخ العالم القديم شهد بعضا من هؤلاء ممن أصبحت حكاياتهم مثارا للرعب عبر الأجيال، مما جعل الشعوب تضغط منذ عصور النهضة لتقليص صلاحيات الحكام حتى لا تصببح الشعوب أسيرة لمثل هؤلاء المرضى العقليين حتى أصبحت سلطات الحاكم في الدولة الديمقراطية الحديثة متقلصة جدا وفي رقابة دائمة من شعبه الذي يستطيع إزاحته عن السلطة بكل سهولة ويسر إن أخطأ، فبلا شك لايخلو مجتمعنا السوداني من أمثال هؤلاء المجرمين لكن المصيبة هي كيف وصل بنا الانحطاط لأن نكون من الضعف والهوان بحيث يحكمنا أحدهم ربع قرن، ليس هذا فحسب بل أننا وصلنا لمرحلة من العجز لدرجة الاستسلام الكامل ولم يبق فينا من أحد يرغب في أن يتصدر ليقودنا نحو الخلاص، حتى موغابي وجد من يتحداه وينازعه السلطة أما نحن فقد عقمت بلادنا عن أن تنجب قائدا عبقري العقل صافي القلب سامي الروح! إذا كان بعض المرتزقة العالميين المجرمين قد حاول غزو جزيرة صغيرة لحكمها وفشلوا في ذلك، فنحن الآن في حالة من الضعف بحيث أنه لو أراد بعض كبار مجرمي العالم أن يستولى على بلادنا لأمكنه ذلك بكل سهولة ويسر فحالة العجز والهوان التي جعلتنا مستسلمين لحكم الطاغوت ربع قرن تجعل من السهل لكل مجرم أن يحكمنا مستقبلا، ولكن كيف وصلنا لهذا الحال من العجز والهوان؟
المصيبة الأولى التي أصابتنا ليس لنا يد فيها وهي قربنا الجغرافي والثقافي من دول الخليج الثرية التي جعلت الحل الفردي الأناني الاغتراب هو الخيار الشخصي الأفضل وهكذا فقدت بلادنا في البداية خيرة العقول التي يمكنها إصلاح حالها،وامتد هذا الخيار للهجرة النهائية لدول ما وراء البحار. والمصيبة الثانية هي تكون شعبنا من أعراق مختلفة تعرض بعضها للظلم من جانب آخرين عبر التاريخ فتخلقت فيه بذرة الكراهية العرقية التي رعاها فرعون وحزبه حتى نمت وأصبحت نبتا شيطانيا مخيفا ثم شجرة خبيثة تطرح ثمارها الآثمة في أرجاء البلاد، والمصيبة الأخرى هي أن من حولوا مظالم المضطهدين من أهل البلاد لمعركة عسكرية عجزوا عن التسامي والوصول للقيم الإنسانية العظمى مثلما فعل نلسون مانديلا فقادتهم غريزة الثأر والغضب، وأتوا بخطاب نفر منه أهل الهامش قبل غيرهم، وأمثال هؤلاء بكل تأكيد لن يمكنهم الوصول لأفضل استخدام لعقولهم، أصبح النظام في خطابهم يمثل الأغلبية الظالمة ونصبوا أنفسهم قادة لأهل الهامش فانقسم الشعب لفئات تكره بعضها بعضا وتخشى بعضها بعضا، وحين انتبهوا بعد فوات الأوان فأسسوا الجبهة الثورية في محاولة لصنع وعاء جديد جامع لأهل السودان كان مصيرهم أيضا الفشل الذريع.
المصيبة الثالثة كانت هي مشاركة العائلتين اللتين تقودان الحزبين الديمقراطيين الأعرق والأكبر واللذان كانا يجمعا أعراق السودان المختلفة في وعاء ديمقراطي يشكل بذرة جيدة للتطور، مشاركتهما لفرعون السودان في جرائمه وأنهار دماء الأطفال والنساء التي أسالها في حروبه العبثية فانهدم بذلك ركنا الديمقراطية في السودان ولن تقوم لهما قائمة بعد مشاركة الطاغية في جرائمه. وحيث أن العائلتين كانتا تمثلان الثقل الروحي والديني للبلاد فبتلك المشاركة انهار الدين في البلاد وخلا جوها لمبشري الشيطان وعبدة الإله المجسم الذي يتصورونه مقيما فوق طبقات الغلاف الجوي والذي يطلب سيلا لاحد له من القرابين البشرية وأنهارا من دماء المذبوحين مقطوعي الرؤوس.
نعيب بشيرنا والعيب فينا، وها نحن في نفق مظلم لانرى ضوءا في نهايته، لن يعيش البشير للأبد ولكن بما فينا من عيوب لن يأتينا إلا بشير آخر، ومادمنا نكره بعضنا بعضا ونننفر من بعضنا البعض ولايجتمع منا محفل إلا استسلم أفراده لأحط ما في أنفسهم فيسودهم التنافر والجدل العقيم ويتفرقون وقد ازدادوا بغضا وحقدا على بعضهم البعض، ما دمنا كذلك فسيستمر هذا حالنا ليس ربع قرن فحسب بل قرون أخرى، فمتى نستيقظ ونبدأ بإصلاح أنفسنا داخليا لكي نعود شعبا متجانسا يحب بعضه بعضا ويسند بعضه بعضا ويتحد لا من أجل الخلاص من الطاغية فحسب بل من أجل اللحاق ببقية العالم الذي فاتنا بمراحل بعيدة في طريق التطور الإنساني؟
|
|
 
|
|
|
|
د.يوسف محمد طاهر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست