|  | 
  |  Re: و ليال عشر ... فيها اربع مسائل ... بن العربى (Re: احمد حامد صالح) |  | الفخر الرازى
 التفسير الكبير
 
 ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسري هل في ذلك قسم لذي حجر  )
 
 اعلم أن هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها لا بد وأن يكون فيها إما فائدة دينية مثل كونها دلائل باهرة على التوحيد ، أو فائدة دنيوية توجب بعثا على الشكر ، أو مجموعهما ، ولأجل ما ذكرناه اختلفوا في تفسير هذه الأشياء اختلافا شديدا ، فكل أحد فسره بما رآه أعظم درجة في الدين ، وأكثر منفعة في الدنيا .
 
 أما قوله : ( والفجر  ) فذكروا فيه وجوها :
 
 أحدها : ما روي عن  ابن عباس  أن الفجر هو الصبح المعروف ، فهو انفجار الصبح الصادق والكاذب ، أقسم الله تعالى به لما يحصل به من انقضاء الليل وظهور الضوء وانتشار الناس وسائر الحيوانات من الطير والوحوش في طلب الأرزاق ، وذلك مشاكل لنشور الموتى من قبورهم ، وفيه عبرة لمن تأمل ، وهذا كقوله : ( والصبح إذا أسفر  ) [ المدثر : 34 ] وقال في موضع آخر ، ( والصبح إذا تنفس  ) [ التكوير : 18 ] ويمدح في آية أخرى بكونه خالقا له ، فقال : ( فالق الإصباح  ) [ الأنعام : 96 ] ومنهم من قال المراد به جميع النهار إلا أنه دل بالابتداء على الجميع ، نظيره : ( والضحى  ) [ الضحى : 1 ] وقوله : ( والنهار إذا تجلى  ) [ الليل : 2 ] .
 
 وثانيها : أن المراد نفس صلاة الفجر وإنما أقسم بصلاة الفجر لأنها صلاة في مفتتح النهار وتجتمع لها ملائكة النهار وملائكة الليل كما قال تعالى : ( إن قرآن الفجر كان مشهودا  ) [ الإسراء : 78 ] أي تشهد ملائكة الليل وملائكة النهار القراءة في صلاة الصبح  .
 
 وثالثها : أنه فجر يوم معين ، وعلى هذا القول ذكروا وجوها :
 
 الأول : أنه فجر يوم النحر ، وذلك لأن أمر المناسك من خصائص ملة إبراهيم  ، وكانت العرب لا تدع الحج وهو يوم عظيم يأتي الإنسان فيه بالقربان كأن الحاج يريد أن يتقرب بذبح نفسه ، فلما عجز عن ذلك فدى نفسه بذلك القربان ، كما قال تعالى : ( وفديناه بذبح عظيم  ) [ الصافات : 107 ] .
 
 الثاني : أراد فجر ذي الحجة لأنه قرن به قوله : ( وليال عشر  ) ولأنه أول شهر هذه  [ ص: 148 ] العبادة المعظمة .
 
 الثالث : المراد فجر المحرم ، أقسم به لأنه أول يوم من كل سنة ، وعند ذلك يحدث أمورا كثيرة مما يتكرر بالسنين كالحج والصوم والزكاة واستئناف الحساب بشهور الأهلة ، وفي الخبر أن أعظم الشهور عند الله المحرم ، وعن  ابن عباس  أنه قال : فجر السنة هو المحرم فجعل جملة المحرم فجرا .
 
 ورابعها : أنه عنى بالفجر العيون التي تنفجر منها المياه ، وفيها حياة الخلق ، أما قوله : ( وليال عشر  ) ففيه مسألتان :
 
 المسألة الأولى : إنما جاءت منكرة من بين ما أقسم الله به لأنها ليال مخصوصة بفضائل لا تحصل في غيرها ، والتنكير دال على الفضيلة العظيمة .
 
 المسألة الثانية : ذكروا فيه وجوها :
 
 أحدها : أنها عشر ذي الحجة لأنها أيام الاشتغال بهذا النسك في الجملة ، وفي الخبر : ما من أيام العمل الصالح فيه أفضل من أيام العشر  .
 
 وثانيها : أنها عشر المحرم من أوله إلى آخره ، وهو تنبيه على شرف تلك الأيام ، وفيها يوم عاشوراء ولصومه من الفضل ما ورد به الأخبار .
 
 وثالثها : أنها العشر الأواخر من شهر رمضان ، أقسم الله تعالى بها لشرفها وفيها ليلة القدر ، إذ في الخبر اطلبوها في العشر الأخير من رمضان ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر الأخير من رمضان شد المئزر ، وأيقظ أهله أي : كف عن الجماع وأمر أهله بالتهجد
 |  |  
  |    |  |  |  |