الثّورة و العُنف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 00:49 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-01-2014, 06:30 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الثّورة و العُنف

    للباحث يوسف هريمة
    باحث مغربي حاصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في الدراسات الإسلامية تخصص مقارنة الأديان بوحدة البحث والتكوين " مستقبل الأديان والمذاهب الدينية في حوض البحر الأبيض المتوسط ". مهتم بقضايا نقد وتجديد الفكر الديني وإشكاليات الموروث الثقافي الإسلامي. نشرت له العديد من الدراسات والأبحاث والحوارات بمواقع إلكترونية مختلفة. له مساهمات أدبية عديدة ( ديوان شعري_ قصص قصيرة ). صدر له كتاب عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود والمركز الثقافي العربي بعنوان:" ولادة المسيح وإشكالية التثاقف اليهودي المسيحي ".
    -----------------------------------------------------------------------------------------------
    الثّورة السياسية وإيديولوجيّة العُنف: موسى عليه السّلام أنموذجاً

    إنّ النّاظر في تسلسل الأحداث العالمية، وكلّ ما يجري من وقائع هذا الصّراع الدّامي الذي يفوق كلّ التوقّعات والتكهّنات، ليرى حجم البنيات المؤسِّسة للعنف في ثقافتنا، واختلاف المنابع والمرجعيات التّي ينهل منها كلّ طرف لتبرير إيديولوجيته، سواء في شقِّها الفكري أو النفسي أو الثقافي أو الاجتماعي. وما دامت ثقافة العنف مثَّلت دعامة مجموعة من الإيديولوجيات الدّينية، فإنّ ثقافة السّلام تقف في الوجه المقابل، لتؤسِّس أيضا معالم نظرية إنسانية، تستفيد من هذا التّراكم الإنساني في مختلف جوانب الحياة.

    لا يندرج حديثنا هنا عن ثقافة العنف أو السّلام في إطار الخطاب التعبوي والدِّعائي، كما يقول عبد الوهاب المسيري: "حيث ظهرت مؤخرا مصطلحات تعبوية أخلاقية، مثل ثقافة السّلام وثقافة الحرب" ليست لها قيمة تحليلية أو تفسيرية كبيرة؛ فهي مصطلحات تخلق الوهم بوجود شيء عملي أخلاقي مطلق اسمه "السّلام"، مقابل شيء آخر غير عملي لا أخلاقي مطلق يسمّى "الحرب"... ".[2]

    ففي الخطاب الدّعائي التعبوي حقيقة واحدة وهي الإيهام والتّضليل، حيث تشحن المفاهيم بحمولات مناقضة للواقع الموضوعي، يضيع معها الباحث في أفق من قلْب الحقائق والمفاهيم؛ فحديثنا هنا كما أشرنا سابقا، يتطلّع إلى مقاربة الموضوع من زاوية معرفية بعيدا عن الشّعارات، في محاولة لخلق فضاء ينعم فيه الإنسان بالحقِّ في العيش بسلام، وخروجا من نسق الثّقافة والفكر الدّيني والسياسي المشحون بالصّراع والصّدام، كما تتنبّأ له الفلسفات المعاصرة، خاصة تلك الفلسفات الموسومة بالنّهايات، كمشاريع موت الإنسان، والأخلاق، ونهاية التّاريخ والإيديولوجيا.
                  

07-01-2014, 06:38 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)

    فالسّلام ليس نقاشًا أكاديميًا فحسب، تتزيّن به أروقة السّاسة والمثقَّفين، ولكنّه موضوع يلامس الحقَّ الإنساني في العيش والوجود والاختيار والإرادة. وما الإسلام في أبعاده إلاّ أحد تجليات هذا الواقع، حيث حصر القرآن الكريم الإنسان بين فئتين، إمّا مسلمين أو مجرمين، حينما قال: "أَفنجعلُ المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون"[4]، ليجعل بذلك الحدّ الفاصل بين بني الإنسان، هو هذا الفارق بين الإسلام والإجرام. وما الإسلام إلاّ ذلك البعد الذي يعطي الانطباع بالسّلام، كما جاء في بعض الرّوايات: "المسلم من سلم النّاس من لسانه ويده"
    تتجلّى أهمّية هذا الموضوع في كونه قضية وجودية يرتبط بها الوجود الإنساني ذاته، يتوقّف عليها بقاؤه واستمرار حياته. فلا يمكن أنْ نتحدَّث عن تواصل ثقافي وحضاري، ولا عن أفق إنساني ينعم فيه هذا الأخير بالكرامة والحرية والعدالة والأمن الاجتماعي، إلاّ في ظلّ ثقافة يكون السّلم ركيزتها الأساس؛ فالنّاظر في هرَم ماسلو Maslou للاحتياجات الإنسانية، يرى بأنَّ الأمن جانب من الجوانب في هذه الاحتياجات[8]، وليس مجرّد قضية هامشية يمكن التّلاعب بها أو الاستغناء عنها؛ فالذّي يميز رؤية الدِّين للأمن الاجتماعي، هو أنّه خالف تلك الرؤى الاختزالية للأمن الاجتماعي التي اقتصرت على العوامل المادية، مثل الفلسفات الوضعية والمادية والنّفعية. فكانت بذلك رؤية جامعة لمقوِّمات الأمن الاجتماعي الدّيني منها، والفكري والمادي والإنساني، كعوامل مستقلّة ومتفاعلة لتحقيق ضرورات العمران والأمن الاجتماعي.[9]
    يرتبط أيضا موضوع السّلام والأمن بمنظومة التّنمية البشرية المستدامة، إذ لا يمكنُ الحديث عن أيّة تنمية دون إدراج هذا العنصر الأساس؛ فهي تحتاج كما هو متعارف عليه إلى مناخ من الاستقرار والأمن، من أجل تعبئة الموارد لتحقيق الهدف المنشود. فمن هذا المنطلق، كانت جهود الأمم المتّحدة تنصبُّ حول حفظ السّلام العالمي، وضمان جوٍّ ملائم يحقّق بالحدّ الأدنى ما تصبو إليه المجتمعات في مسيراتها التّنموية؛ فتحقيق هذا المبتغى، ظلّ رهين مجموعة من الاعتبارات، لعلّ أهمّها صيانة الحريات الثّقافية، بما في ذلك الحرية الدّينية. فأيُّ تصوّر يريد قمع الحريات، وقوْلبة الإنسان في قالب واحد دون احترام مكوِّنات هويّته، يكون مآله الفشل في تحقيق نهضة الأمم؛ فالتّنمية البشرية إلى جانب تحقيق الشّروط الأساسية لإنسانية الإنسان، تعترف بحرية النّاس وحقِّهم في الانتماء الديني، وتضع حدًّا لكثير من الاضطرابات السّياسية التي يكون فيها الجانب الثّقافي والديني عاملاً سلبياً، يعرقل عملية التنمية البشرية.[10]
                  

07-01-2014, 06:42 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)

    يحتلُّ موضوع السّلام، وكلّ ما يرتبط به من إشكاليات، مكانة كبيرة في النِّقاش العالمي الدّائر بين كل القوى السّياسية والثقافية والإعلامية، بما في ذلك المستوى الشّعبي، باعتباره قضية رأي عام عالمي تجاوز في أبعاده ما هو محلّي. والمتتبّع لمجريات الأحداث التي يشهدها العالم المعاصر، يرى أنّ بؤرة الصّراع الدائر بين مختلف القوى يديرها الجانب الإيديولوجي في شقَّيه السّياسي والدّيني. كما أنّ التّاريخ الإنساني وذاكرته تختزن الكثير من الأحداث المأساوية التّي كانت شاهدة على هذا الصّراع. فقضية السّلام لم تكن وليدة اليوم أو الأمس، وإنمّا هي نتاج تراكم التجارب الإنسانية التي يرتبط بها الوجود الإنساني ذاته، ويتوقّف عليها بقاؤه واستمرار حياته. فلا يمكن أنْ نتحدّث عن تواصل ثقافي وحضاري، ونتطلّع إلى مجتمع إنساني ينعم فيه هذا الأخير بالكرامة والعدالة الاجتماعية، إلاّ في ظلّ ثقافة يكون السّلم والسّلام ركيزتيهما الأساسيتين. من أجل ذلك تتالت الجهود البشرية في ترسيخ هذه المبادئ العالمية، ووضع اللّبِنات الأساسية في هذا الصّرح المتعالي، وصولاً إلى العالم المعاصر، حيث تتبلور هذه القيم بشكل ظاهر عبْر منظَّمات حقوقية، وسياسات دولية، ومجتمعات مدنية.
                  

07-01-2014, 06:46 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)

    1-ثورة موسى عليه السلام وإشكالية العنف:

    في مجتمع يسودُه الاستبداد، ونموذج سياسي شمولي، كما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: "قال فرعون ما أريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم إلاّ سبيل الرّشاد"[11].تتّضح معالم ثورة سياسية يقودها النّبي موسى عليه السلام، من أجل تحرير الإنسان، ووضع حدّ نهائي لنظام طائفي ظالم. لم يكن موسى بدعًا من الرّسل أو المصلحين أو من يقود ثورات بأسماء مختلفة، سواء كانت دينية أو سياسية أو ثقافية؛ فالثّورة التي قادها موسى سياسية بامتياز، لكنْ مساراتها عرفت استراتيجيات تأرجحَت بين تبنّي العنف والسّلم لقلب الأسُس التي بنى عليها فرعون فكره ونموذجه في الحُكم. فكما ذكر غوستاف لوبون، فإنّ الثورة مهما كان مصدرها، لا تصبح ذات نتائج إلاّ بعد هبوطها إلى روح الجماعات؛ فالجماعة تُتِمُّ الثّورة، ولا تكُون مصدرها، وهي لا تقدِر على شيء ولا تريد شيئا، إنْ لم يكن عليها رئيس يقودها.[12]

    إنّ مثال موسى في القرآن الكريم هو مثال القائد الثّوري الذي يستند على أطروحة التّحرير في مجابهة نظام يستند على إيديولوجية شمولية لا تترك مجالا للمعارضة السياسية. فقد حصرت الصّواب والحقَّ المطلق في إيديولوجيتها القمعية، فلم تعد ترى الصّواب إلاّ في ما تراه أو تخطّط له: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".[13]ففي ظلّ هذا النّظام الطّائفي التّقسيمي ينشأ موسى، وفي قلْب هذه البيئة ينفذ إلى عمق المجتمع، ويرى كيف حوّلت الإيديولوجية الشّمولية النّاس إلى قطيع وعبيد، ليس لهم من إنسانيتهم إلاّ اتّخاذ الفرعون والمستبدّ ربّاً وإلهاً، ووسيلته في ذلك الآلة القمعية أو الجهاز القمعي والإيديولوجي للدّولة، بتعبير لويس ألتوسير. كلّ هذه الظّروف والملابسات، تجعل من موسى الرّجل الّذي يتشكّل لديه الموقف الصّريح من كلّ من شايع النّظام الحاكم، أو ناصر أطروحاته القمعية، ليجد نفسه أمام تجربة نقرأ فيها رحلة البحث عن التحرّر.

    يجد موسى في قلْب التحوّلات ومخاطر الثّورة التي يمكنُ أنْ يصادفها، منْ يحمل لواء التّغيير رجلين يقتتلان؛ فيبدأ المشهد الإنساني الّذي يرويه القرآن الكريم "ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الّذي من شيعته على الّذي من عدوه فوكَزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشّيطان إنّه عدوٌّ مضلٌّ مبين قال رب إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم قال ربِّ بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين"[14].فلعل التأمّل في هذا السّرد القَصصي يعطينا انطباعاً واضحاً على خطورة التعصّب الحزبي أو الطَّائفي أو المذهبي. فكلّ إنسان يحمل عقائدية سياسية أو دينية، ولم يرتقِ ليستحضر البعد الأخلاقي والإنساني، لا بدّ له أنْ يصطدم بهول الهوّة التي يمكن أنْ ينحدر إليها؛ فهكذا دخل موسى عليه السّلام في نفق الانتصار الحزبي والطّائفي، فأراد مناصرة الذي من شيعته، والحقد على المخالف له، إلى درجة القضاء عليه والبطش به.

    قد يظنّ الإنسان، في لحظة من لحظات مسيرته، أنّ القتل مبرّر في حالة الاستعصاء التاريخي، أو المراحل الحسّاسة التي تمرّ منها المجتمعات، خاصّة إذا ما اقترن هذا القتل بالانتقام من السّلطة الحاكمة القمعية أو السّلطوية. لكنّ الأمر يأخذ مساراً آخر، حين يدرك موسى عليه السّلام خطورة منهج القتل. كما سينتبه له أيّ إنسان بعده، يريد أنْ يتّخذ مسلك موسى طريقاً للإصلاح والحوار؛ فأقرّ على نفسه بأنّ هذا العمل لا يمكن أنْ يكون إلاّ وهمًا شيطانيًا، وليس عملًا منبعثًا من قناعات نفسية: "قال هذا من عمل الشيطان إنّه عدو مضلٌّ مبين "، بل ويزيد الأمر توضيحا أنّ ما قام به من قتل لتلك النّفس، ولو كانت مخالفة له في الفكر والرّأي، هو جريمة بكلّ المقاييس الإنسانية، ويردع نفسه أن يكون من صنَّاع ثقافة الموت:" قال ربِّ بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين".

    بالرّغم من هذا الاعتراف الحاسم لموسى بجريمته، يكرّر الأمر نفسه في الظروف نفسها مع رجلين آخرين: "فأصبح في المدينة خائفا يترقّب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنّك لغويٌّ مبين فلمّا أنْ أراد أنْ يبطش بالذي هو عدوٌّ لهما قال يا موسى أتريد أنْ تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إنْ تريد إلاّ أنْ تكون جبّارا في الأرض وما تريد أنْ تكون من المصلحين"[15]. إنّها النّفس إذا اتخذت طريق القتل مسلكًا لها في حلّ مشاكلها وقضاياها. وموسى وإنْ أقرَّ بجريمته يسقط فيها مجدّدا، لولا أنْ تنبَّه إلى حجم الهوّة التي قد تسقطه فيها عصبيته، أو تصوّره لحل مثل هذه القضايا: "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إنْ تريد إلا أنْ تكون جبارا في الأرض وما تريد أنْ تكون من المصلحين".

    فعلى من يسلك نهج موسى في تعاطيه مع حلّ القضايا بعصبية، أن يتذكَّر أنّه اعترف إلى ربّه بأنَّ هذا مسلك المجرمين وليس مسلك المصلحين، مهمَا حاولوا أنْ يُلْبِسُوهُ من تبريرات، أو أوهام صنعتْها الثَّقافة الاحتكارية لهم.
                  

07-01-2014, 06:49 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)

    إنَّ ما نحمله في ثقافتنا، ونكرِّسه عبْر ممارساتنا لمفهوم الثّورة بأبعادها الرّاديكالية، لا يمكنُ أنْ يكون منهجًا للإصلاح، بعيدا عن الثَّورة الثَّقافية المتزامنة مع أيّة حركة إصلاحية؛ فثقافتنا مليئة بالأحداث والبنيات والوقائع التي تؤكِّد حضور العنف بوصفه بنية متأصِّلة، وليست عرضية في بعض المشاريع الدّينية، خاصّة حركات الإسلام السّياسي، إنْ على مستوى الخطاب أو على مستوى الممارسة والتنزيل الفعلي؛ فيكفي أنْ نقف سويًّا على حجم ما تحويه هذه البنيات المؤسِّسة للخطاب الإسلامي في شقِّه الحركي، لندرك خطورة مآلات هذا الفكر من خلال رواية مروية في كتب الحديث.

    لكن قبل ذلك، لا بدّ من التّذكير بقاعدة نقد المتن، إلى جانب نقد الإسناد؛ ففي هذا الصّدد يقول ابن الصلاح في المقدمة، كما نقله عنه ابن كثير: "أَمَّا اَلْحَدِيثُ اَلصَّحِيحُ، فَهُوَ اَلْحَدِيثُ اَلْمُسْنَدُ اَلَّذِي يَتَّصِلُ إِسْنَادُهُ بِنَقْلِ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ إِلَى مُنْتَهَاهُ، وَلَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا"، وقال: "والحكم بالصحة أو الحسن على الإسناد لا يلزم منه بذلك على المتن، إذ قد يكون شاذا أو معللا ".[16]

    إذن؛ فالمستفاد هو أنّ نقد متن الأحاديث يستلزم أنْ تكون حصيلة معانيها ومقاصدها موافقة موازين القرآن الكريم، والعقل والمنطق، بعدم تعارضها مع مضمون آيات الله في القرآن الكريم، أو مقاصد الخلق والقيم الإنسانية، أو ما توصَّل إليه العلم، وصار حقيقة علمية في الكون والمجتمع والتاريخ.

    *- عن رسول الله: "كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ".[17]

    إذا أردنا تطبيق القواعد المتعلّقة بنقد المتن على هذه الرّواية، نجدها تحمل مجموعة من المخالفات، لعلّ أهمَّها هو أنّ حصر حرمة الدّم والمال والعرض متعلِّق بالأُخوَّة في الدّين أو العقيدة، وليست الحرمة متعلِّقة بالجانب الإنساني فينا؛ فكان أولى أنْ تكون الرِّواية بهذه الصّيغة: "كلّ الإنسان على الإنسان حرام، دمه وماله وعرضه"، لأنّ القرآن الكريم نفسه حرّم قتل النّفس بهذا العموم: "ولا تقتلوا النّفس التي حرّم الله إلا بالحقّ"، دون تحديد ماهية هذه النّفس أو جنسها أو عقيدتها. ولكنّ الرواية تنشئ خطًّا مباينًا للقرآن الكريم، حيث تقرِّر بمفهوم النّص بأنّ الدّم والعرض والمال حلال، ما دام الأمر متعلِّق بالمخالف دينيا وعقديا.
                  

07-01-2014, 07:07 PM

mwahib idriss

تاريخ التسجيل: 09-13-2008
مجموع المشاركات: 2802

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الثّورة و العُنف (Re: mwahib idriss)

    الكاتب التونسى محمد ادريس فى مقال يقول

    العنف وانتهاك المقدس لكسب السّلطة:

    ذكرت كتب التاريخ[45] أخباراً عديدة سُفكت فيها دماء المسلمين بسبب اختلاف الرؤى السياسية، ففي القلاقل والفتن التي عاشها المسلمون في القرن الأول للهجرة وُظّفت أساليب متنوّعة لقمع الخصوم، وفي خضم تلك الأحداث تمّ انتهاك المقدّسات، فتمّ رجم البيت العتيق وقطعت رؤوس أبناء الصحابة والتابعين (عبد الله بن الزبير،...)، ونُكب آل البيت يوم الطفّ (61 هـ) في الحسين حفيد الرسول محمّد .إنّ الممارسات السياسية بدءاً من العقد الرابع (مهلك عثمان بن عفّان) وصولاً إلى العقد السّابع من القرن الأوّل للهجرة (واقعة الطّفّ/مهلك الحسين بن علي بن أبي طالب)اتّخذت أبعاداً مغايرة، إذ تمّ اعتماد العنف المسلّط على الأجساد للتّخلّص من الخصوم، وهي ممارسات كشفت عن عمق التّحولات الّتي عرفها الفكر السّياسي العربي الإسلامي، فلم يعد الدّين الجامع بين المسلمين باعتبارهم "أمّة" يشترك أفرادها في جملة من المبادئ الرّوحية، وإنّما أصبح الدين أداة يوظّفها المُنتصب على سدّة الحكم، لمنح نفسه شرعية إلهية تبرّر العنف الّذي يمارسه على الخصوم.[46] وفي هذا السياق ننزّل توظيف السياسيين للمتكلِّمَين، باعتبار علم الكلام علماً "يتضمّن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلّة العقليّة والردّ على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات من مذاهب السلف وأهل السنّة."[47] حدّد ابن خلدون (ت808هـ) في هذا التعريف ماهية علم الكلام بالنظر في آلياته (الحجاج) ومجالاته (العقائد الإيمانية) ومقوّماته (الأدلّة العقليّة) وغاياته (الرّدّ على المبتدعة المنحرفين)، على أنّ العقائد الإيمانية في الثقافة العربية الإسلامية مبحث مترامي الأطراف، تختلف حدوده من مذهب كلامي إلى آخر، فمن العقائد الإيمانية لدى الشّيعة وأهل السّنة "الإمامة" الّتي يجب إقامتها شرعاً،[48] في حين رأى الأصمّ[49] غير ذلك، فالإمامة عنده ليست من العقائد الإيمانية الّتي أوجبها الشّرع أو العقل.[50] من هذا المنظور فإنّ "العقائد الإيمانية" تطول لدى أغلب المسلمين الإشكاليات السياسية (الإمامة/الخلافة)، يضاف إلى ذلك أنّ مفهوم "البدعة" الّذي تحدّث عنه ابن خلدون مفهوم غامض بالنظر إلى اختلاف المسلمين في تحديد "العقائد الإيمانية"، فالبدعة والضلالة والفتنة....، في تقديرنا، مفاهيم دينية وظّفها السياسي للمحافظة على السلطة، وفي المقابل كان القول بـ "الجبر" وبأنّ الإرادة الإلهية هي التي تسيّر البشر صكّ براءة أصحاب السلطان. إنّ توظيف السّياسي للدّين اتّخذ أشكالاً مختلفة، تمّ في بعضها استدعاء الدين بعد ممارسة العنف على الخصوم، وفي بعضها الآخر تمّ الجمع بين ممارسة العنف على الخصوم واعتماد حججهم الدّينية للردّ عليهم، من ذلك أنّ عبد الله بن محمّد (95هـ/158 هـ) ثاني الخلفاء العباسيين سمّى نفسه بـ "المنصور".[51] أمّا ابنه أبو عبد الله محمّد (127هـ/ 169هـ) ثالث الخلفاء فسمّى نفسه "المهدي"،[52]اقتداءً بمحمّد ذي النّفس الزكية الّذي سمّاه الشيعة بالمهدي. محا المهدي العباسي ذكر المهدي الشيعي، وقطع الطريق على المهدي المنتظر، ذلك أنّ الأوّل موجود معلوم فاعل في حيوات المسلمين، في حين كان الثاني غائباً مجهولاً عاجزاً عن الفعل.

    لقد قامت علاقة أصحاب السّلطة بالخصوم خلال فترات القوّة على ممارسة العنف على الأجساد للقضاء على كل معاند طامع في السلطة من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ هذا العنف اتّخذ بعداً مقدّساً عندما تمّ الزّج بالدين في الصراعات السياسية، فإذا بالعنف ضرورة فرضها الله حماية للأمة ونصرة للدّين القويم، وبهذا المعنى فإنّ الإرادة الإلهية هي الّتي سيّرت السيوف على الرقاب، وما كان بالإمكان ردّ حكم الله. ولا يفوتنا في هذا المقام الإشارة إلى أنّ اعتماد الخطاب الدّيني (الفقه، علم الكلام) لتبرير عنف المؤسسة السياسية القائمة لم يقتصر على فترة دون غيرها، بيد أنّ ما تغيّر هو طرق توظيف الخطاب الدّيني، ولعلّ أهم اللحظات التي عرفت تحوّلاً واضحاً في هذا المجال القرن الخامس للهجرة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de