|
|
د. حسن موسى يكتب عن أمنا آمنة لطفي
|
Quote: آمنة
التاريخ السياسي لـ " الفكرة الجمهورية " منحنا صورة للأستاذ محمود كرجل عام يتحرك في فضاء العمل العام السياسي و الفكري تحيط به هالة من التقدير الشعبي تبهر الأبصار و تمنعها من رؤية نسيج العلاقات الأسرية و العشائرية التي خرج منها الرجل، وأظن أن بنات الأستاذ محمود: أسماء و سمية، بل و معظم أفراد الأسرة المنخرطة في عمل الفكرة الجمهورية، يمثلون في الخاطر،في صورة أقرب للأيقونات العامة التي تتحرك في فضاء العمل العام السياسي بدون خصوصية سوى خصوصية أسلوب الفكر و العمل العام. لكن آمنة لطفي، رفيقة حياة محمود منذ مطلع الأربعينات،قبل أن تصبح الفكرة فكرة تستقطب افئدة الشباب، كانت تلتفع بعتمة اعلامية تصون خصوصيتها بعيدا عن دائرة الضوء في مسرح المنازعة السياسية السودانية. أذكر أنني، في نهاية الستينات،أبان مهزلة " محكمة الردة" الأولى ، اكتشفت أن هناك حد للردة عقوبته القتل!و قد رّوعتني مجموعة التدابير العقابية ، التي نشرتها الصحف في حينها ،و أكدت لدي شعورا عميقا بالغربة من هذا الشيئ الذي كنا نسميه بالدين و نقبله بفطرة متوارثة بغير فحص أو توجس.في ذلك الزمان لم أكن قد رأيت الأستاذ محمود لكن كتبه و مواقفه لم تكن غريبة على فضولي اليافع. أذكر ان خصوم محمود في" محكمة الردة"[ 1968] كانوا يطالبون بقتله بعد حل حزبه و تطليق زوجته المسلمة .. و قد استرعت انتباهي عبارة " تطليق زوجته المسلمة" ،بما تنطوي عليه من تطفل ###### ، باسم الإسلام، من هذه المحكمة العاجزة التي لا تملك سلطة تنفيذ أحكامها، مثلما لا تملك سلطة تمثيل المواطنين،على شأن خصوصي مثل الزواج. جالت بخاطري صورة المرأة الموصوفة بـ " زوجته المسلمة " و رأيتها في خاطري كما أرى خالاتي و عماتي . أي سلطة في الدنيا لم تكن لتتجاسر على تطليقهن من أزواجهن المسلمين و ذلك ببساطة لأن زيجاتهن لم ينعقدن ضمن مقتضيات الشريعة المعرفة في كتب الفقه ، و إنما انعقدن ضمن مقتضيات الأعراف و الأحلاف بين الأسر و العشائر التي هي، في الغالب، أقدم و أقوى من مقتضيات التربية الدينية.إنها ببساطة مقتضيات " العادة " الشعبية السودانية، و لو شئت قل مقتضيات الأنثروبولوجيا الفالتة من تخريجات الأفندية الملتحين الذين تعلمواأمور دينهم في "مدرسة كتشنر" . انقضت مهزلة " محكمة الردّة" برفض الأستاذ محمود الإمتثال لأحكامها التي صار الناس في السودان يتذكرونها كمسخرة سودانية لإستغلال الدين في إرهاب الخصوم السياسيين. لكن صورة آمنة لطفي ، في آليغوريا الزوجة المسلمة الواقعة تحت طوائل شريعة الذكور القوّامين بذرائع فقه مصنوع من أنثروبولوجيا البادية البائدة، سكنت ثنايا الخاطر منذ ذلك العهد الغابر.و حين كنا نزور الأستاذ و نحضر ندوات الجمهوريين في النصف الأول من السبعينات لم أر آمنة لطفي و لم أسمع عنها، ولابد أنها كانت حاضرة في مكان ما بين رهط النساء الجمهوريات. ثم دار الزمان النيوكولونيالي الغاشم دورة خرقاء و عاد الإسلاميون للسلطة بفضل" قوانين سبتمبر" التي غيرت وجه الحياة السياسية في السودان بشكل دموي غير مسبوق.و قد كان بين الأولويات السياسية للإسلاميين الصاعدين التخلص من الأستاذ محمود، الذي كان يمثل أحد أميز الأصوات المسلمة التي كانت تقول لا للغوغائية السياسية التي تتوسل للسلطة بوسيلة الدين. هذه المرّة عاد الساسة المتأسلمون و في يدهم قوانين سبتمبر المفبركة خصيصا لإرهاب الخصوم ، و دبروا للاستاذ محمود مهزلة " محكمة الردة الثانية" و اغتالوه تحت بصر و سمع الرأي العام المحلي ، و تحت بصر و سمع الرأي العام العربي الإفريقي، و تحت بصر و سمع الرأي العام الأوروأمريكي، و تحت بصر و سمع منظمات الأمم المتحدات على تجاهل الفقراء في كل مكان. هذه المرة أهمل جلادو المهزلة تفاصيل حكم الردة التي وردت في دعوى المدعيين [ الأمين داؤود وحسين محمد زكي ] أمام المحكمة الشرعية العليا في 1968. .. وقد طلب المدعيان من المحكمة الآتي:- أ- اعلان ردة محمود محمد طه عن الاسلام، بما يثبت عليه من الادلة. ب- حل حزبه لخطورته على المجتمع الاسلامي. ج- مصادرة كتبه، واغلاق دار حزبه. د- اصدار بيان للجمهور يوضح رأي العلماء في معتقدات المدعى عليه. هـ- تطليق زوجته المسلمة منه. و- لا يسمح له أو لأي من أتباعه بالتحدث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن. ز- مؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الاعلان، وفصله ان كان موظفا، ومحاربته ان كان غير موظف وتطليق زوجته المسلمة منه. ي- الصفح عمن تاب واناب وعاد الى حظيرة الاسلام من متبعيه أو من يعتنقون مبدأه.. ولقد استمعت المحكمة لخطابي المدعيين، ولأقوال شهودهما، لمدة ثلاث ساعات، ثم رفعت جلستها لمدة ثلث ساعة، وعند انعقادها للمرة الثانية قرأ القاضي حيثيات الحكم التي جاء فيها أن المحكمة، بعد السماع لادعاء المدعيين، وسماع الشهود، تأكد لديها أن المدعى عليه قد ارتد عن الاسلام، وعليه فان المحكمة تحكم بردة محمود محمد طه عن الاسلام غيابيا. " أنظر الرابط: الرابط http://www.alfikra.org/chapter_view_a.php?book_id=16andchapter_id=2
و إهمال الجلادين الإسلاميين الجدد لتفاصيل حكم الردة ربما يجد تفسيره في أن القوم، هذه المرة، كانوا يبطشون بيد النظام الإستبدادي الذي كسبوا ودّه وانتفعوا ببأسه. فشجعهم هذا الواقع المستجد على إستعجال نهاية الدعوى بقتل الرجل الذي عارضهم و هزمهم في ساحة الفكر و سخر من جهلهم الديني و السياسي لسنين طويلة. و ربما أهمل الجلادون الإسلاميون المسلحون بجاه السلطان الجاهل تفصيل حكم الردة، لأنهم حصلوا على مطلبهم الرئيسي: التخلص من محمود محمد طه و السلام. المشكلة هي أن محمود محمد طه صار مؤسسة فكرية يصعب التخلص منها بقرار سياسي لأنها مؤسسة تلبي حاجة ملحة في مشهد الإصلاح الديني في السودان المعاصر و في غيره. لقد كان من الطبيعي أن تطغى حادثة إغتيال محمود و ملاحقة تلاميذه و أفكاره إعلاميا على حضور البُعد الأسري لمحمود زوج السيدة آمنة لطفي.ذلك أن إغتيال محمود و ملاحقة أفكاره و تلاميذه تمثل أمامنا كأحد تجليات السياسة السودانية في زمن الإسلام المعولم. لكن رحيل آمنة لطفي يبدو لي بمثابة الحدث الأكثر أهمية اليوم لأنه يردنا لحقيقة محمود كرجل لم تشغله مسؤولياته السياسية الفادحة عن العناية بمسؤولياته العائلية. و آمنة لطفي تذكرنا بهذا المحمود الخاص الذي كان زوجها و رفيق دربها العامر بالمشقات الظاهرة و الخفية. لها الإجلال كله و لبناتها أسماء و سمية حار العزاء .عزائي يتوجه لكافة "الابناء" و"البنات" من العائلة الجمهورية الكبيرة الذين اختاروا أمومة آمنة لطفي فقبلتهم و تبنتهم و دمجتهم في وجودها الكريم.
|
http://##################/forum/viewtopic.php?t=8032andsid=f4229...ce21f591535fb1502fa6
|
|
 
|
|
|
|