محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد ....

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 02:58 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-30-2014, 11:15 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد ....

    كنت قلقا جدا على صحة وحياة وحرية الصديق الاديب الأريب والباحث اللماع محسن خالد؛ بعد تواتر المعلومات عن تقييد حريته وتعرضه لعلاج اجباري يرفضه من قبل من ليسوا هم بمؤهلين .. استعادت ذاكرتي موقف مماثل حيث قضي المبدع السابق معاوية محمد نور عبقري الادب السوداني والمتجاوز لعصره تحت وقع سياط العنج التي كانت تسلط على جسده الضعيف بغية اخراج "الجن" و "الشياطين" من رأسه؛ ولا جن ولا شيطان الا الانسان في تمثلات روحه الدنيا والمبدعون يحلقون في سماوات الروح العليا .

    كنت اخشى هذا واكثر من هذا وانا اتابع في صمت العاجز كل ما رشحت اخباره من معاناة ؛ ولكني كنت في قرارة نفسي واثقا من محسن : واثق من متانة عقله ومن قوة شكيمته ومن بعيد بصيرته؛ وهي كلها ملكات وصفات كفيلة ببعثه ليس فقط من محنة العقل اذا تجاوز حدود المألوف وظلم المجتع المتخلف اذ يرغب في قتل التمايز؛ بل وفي بعثه من الموت نفسه اذا اراد ؛ معنويا كان او جسمانيا.. فما الموت الا ضعف للجسد تجاه عوادي الزمن؛ وما الحياة الا حياة الفكر والشعور التي لا تنقضي ولا تموت.

    اسعدتني رسالتك يا محسن عبر الفيسبوك ؛ واسعدني عزمك الاعتمار الى بيت ربك فربما وجدت هناك راحة بدن وروح وعقل يصعد ذراري الجبال وحده ثم لما يهبط للناس لا يجد الا التحقير والسخرية ؛ جفاء من لا يقدر ولا يفكر تجاه من هو امضي عقلا واوسع خيالا واسرع خطوا ؛ لكنها هي الحياة يا صديقي فلا تبتئس وكن من ومع الصابرين المصابرين والمثابرين، فنتاج هؤلاء يبقى في الارض ويذهب زبد الكلام وغثائه جفاءا منثورا.

    ساتابع بوستك يا صديق .......
                  

05-30-2014, 11:45 AM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    هدية الى محسن :


    المتفردة
    أو في سر العنقاء

    -حكاية أخرى للإسطورة -

    :: الي وصال::

    قيل انها من ابهى الطيور واجملها .. جمالها ساطع وبريقها لامع .. قوية من غير حاجة للقوة ، لا تعرف الشر. لها جناحان كبيران وتحتهما جناحان صغيران، يجعلاها من القدرة بحيث تحلق لنهاية الدنيا لو ارادت، ولا تريد. ولدت من ذاتها او من بيضة حمراء، او من أول وردة حمراء نبتت تحت شجرة المعرفة في جنات عدن، فخرجت منها اسطورة البشر وملكة الطيور: العنقاء.

    طويلة العنق هي وجميلته، لذا قالوا عنها عنقاء . تأتي من المشرق الى المغرب، لذا قالوا عنها "عنقاء مُغرب". بهية حد الجلال، وجميلة حد الكمال. فريدة هي في العالم ونسيج وحدها. صوتها لا يضارعه صوت في العذوبة والبهاء، والوانها تجاوزت كل الوان الدنيا في الجمال والضياء .

    لون قدميها ارجواني مثل النار، لون عينيها أزرق مثل عقيق البحر ، لون اجنحتها الاربعة قزحية التكوين، جمعت كل الوان الطيف السبعة. لون الرأس والصدر منها يتراوح ما بين القرمزي والاحمر، ذيلها لازوردي، وظهرها قرمزي. على رأسها ريشتان او خصلة من الشعر ذهبية اللون، متهدلة نحو الخلف في لطف وبراءة ودلال.

    خُلقت العنقاء عند بداية العالم. كان عشها في جنات عدن. عندما خدع الشيطان الانسان وغرر به ليأكل من شجرة المعرفة، أكلت كل الحيوانات بعد الإنسان، ما عدا العنقاء. جاءفي شرح سفر التكوين في كتاب ميدراش بيرشيت ربا (( وأعطت حواء الماشية والوحوش والطيور من الثمرة المحرمة لتأكل منها، فأطاعتها كلها وأكلت منها، الا طائرا وحيدا إسمه العنقاء (هول). ذلك كما كُتب من بعد " فقلت اني في عشي اسلم الروح و مثل العنقاء (هول) أضاعف أيامي )).

    لا تموت العنقاءاذن، لأنها لم ترتكب الخطيئة الأولى، والتي كان عقابها الموت. لم تأكل من الشجرة المحرمة، ولم تعرف الخير ولا الشر. ذلك أن معرفة الخير والشر، اقتضت معرفة اللذة والألم، واقتضت معرفة الحياة والموت. جاءفي سفر التكوين ((اوصى الرب الإله آدم قائلاً: من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً. و اما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت)).

    إن خلت العنقاء اذن من الخطيئة الأولى، فتم لها الخلود، إلا انها لم تسلم من قانون الموت، الذي يشمل كل شي في الوجود ((كل نفس ذائقة الموت)). لهذا سقطت – في لحظة الخطيئة الأولى - شرارة من سيف اللهب عند ملاك الجزاء على عش العنقاء فاحرقته. إحترق الطائر مع العش ولكنه ولد من الرماد او من بيضة حمراءجديدة، ليجدد حياته في مسيرة ازلية من الموت والولادة، لا تكاد تنتهي حتى تبدأ من جديد.

    طُرد الانسان والحيوانات معه من الجنة، ولم تطرد العنقاء. قيل من بعد انها تسكن جنات عدن، وقيل انها تسكن في طرف الدنيا، أو كما قال هيرودتس ((هناك بعيداُ في بلاد الشرق السعيد البعيد، تـفـتـح بـوابــة الســمــاء الضخـمــة وتسكب الشمـس نورهـا من خلالها، وتوجد خلف البوابة شجـرة دائمة الخضرة. مكان كله جمال لا تسكنه أمـراض ولا شيخوخة، ولا موت، ولا أعمال رديئة، و لا خوف، و لاحـزن. وفـى هـذا البستان يسكن طائر واحد فقط، العنقاء ذات المنقار الطويل المستقيم، والرأس التي تزينها ريشتان ممتدتان إلى الخلف، وعندمـا تستيقظ العنقاء تبدأ في ترديد أغنية بصوت رائع.))

    العنقاءفي سكناها في ذلك البستان الفريد، على قمة تلك الشجرة المقدسة (النخلة)، لا هم لها سوى الغناء والتحليق بالهواء والتحديق في الشمس، وكأنها تستلهم مصادر حياتها الأولى، او مكامن موتها المتجدد كل ألف عام . هي لا تعرف الخوف ولا تخيف الأخرين، لأنها لا تفترس غيرها من الطيور ولا المخلوقات، ولا تخاف الإفتراس. إنها ببساطة لا تعرف ما هو الخير أو الشر، لأنها فوق الخير والشر.

    لا تفترس العنقاء غيرها من المخلوقات، ولا تسبب الأذى، فكيف تعيش ومم تتغذي؟؟ تقول الروايات ان العنقاء تتغذى كل صباح على قطر الندى، بينما تقول روايات اخرى ان لا ، انها تعيش على أكل العنبر والمر واللبان، وغيرها من عطور الشجر. لذا كانت رائحتها طيبة، عندما تمارس حرقها الطقوسي عند موتها الألفي؛ حيث تفوح منها تلك الروائح بألطف الصور.

    قيل أن العنقاء مصدر سعد للناس. فمن يراها يصبح ملكاُ، اذ بطرفها يتصل الملكوت. ومن يسقط عليه ظلها يصبح ثريا، اذ هو يتحرر من فقر الروح والرهبوت. جسدها طاهر كما روحها، لانها لا تعتدي ولا تأكل لحما، لذا كانت قطرات دمائها شفاء للناس، او اكسيرا للحياة الأبدية، لمن كان من المحظوظين، وهيهات.

    تحيا العنقاء في تفردها بعيدة عن البشر، بعيدة عن خطيئتهم وموتهم وخوفهم وجشعهم، ولكنها مع ذلك تحبهم. عندما يقترب اوان موتها تهاجر الى فينيقيا او الى مصر، لتمارس موتها الطقوسي هناك. تطير العنقاءالمسافات الطوال، مصحوبة ومودعة من قبل الطيور، عابرة لكل العالم القديم، لتقدم نفسها قربانا في مذبح الشمس، وتجدد نفسها من الرماد.

    في كل هذا ، تريد العنقاء ان تشترك مع البشر في آلام موتهم، وفي ترقية حياتهم. تريد ان تقدم نفسها قربانا، وهي التي تعيش بلا خطيئة. تريد ان تعيدهم لوحدتهم الأولى مع العالم، حينما يتوحدوا مع ذاتهم، وحينما يقهعروا خوفهم. تريد العنقاء ان تربط الناس؛ حين تطير بين مراكزهم المختلفة، وتريهم ذاتها المختفية، وتظهر صفاتها المتفردة، عسى أن توحدهم في الرمز، وأن تشجعهم أمام الموت، وتعلمهم معنى الحياة.

    في موتها الاختياري، تريد العنقاء أن تعلم بني البشر معني الحرية، ومعنى الولادة، ومعنى الموت. تريد ان تقول لهم – بغير كلمات- ان الموت ليس هو موت الجسد البالي،، وانما هو موت الروح والضمير؛ وان الحياة لا تكمن في استمرار الجسد؛ وانما في حياة الفكر والشعور. تريد ان توضح لهم ان هناك حياة اقوى من الموت، وموت يخلق الحياة. تريد ان ترسل رسالة لطيفة لبني البشر، عبر المخفي والمُضمر، علهم يفهموأ سر الممات والمعاد، وطبيعة نفسهم والعالم، وحقيقة الذات والصفات، وهيهات.

    31/8/2008
                  

05-30-2014, 12:12 PM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    سلام وتحايا

    يا عادل

    وكل حينٍ أنتَ في بواح، بكل الخير، أيها الصديق، والصديقُ إن يكُن، أديب أريب، خيرٌ من أن يضحى سياسي قِــلــِّيب سَرج..! بين تارةٍ وآخرى؛ يستنهض الــ " عَـنقاوات" ..

    وللأسى، فقد ولّى، ليس المساء فحسب، بل زمان نهوض ال " فينيق" من رمادِه..

    فالرماد، ومهما طالَ مكوثِه راكداً بالدّور، مصيره أن تذروه الرياح ..! وما أدرانا أنها رياحُ العــَنقاء، الغول، الخِــلّ الوفيِّ أم لعلها رياح الــفينيق..


    التفاتة نبيلة منّك. مثيلة لما قلِقتَ به على الأخ مُحسن الـ عــ نجاوي! ولّا ال عنقاوي ما عارف!

    مُحسِن في عُمرتِه النِّيّة، والنَّيّة زاملة سيدا، استكتبك للدرجة التي خِلتُني فيها، أراك متوسِّماً نصيحة الأخ " محمد المسلّمي" ... وأنّك مُنتَصِح! فكلامك "السمح ده" كلو جنة ونار وعصافير وإحياء علوم العنقاوات!!

    ولولا أنه نثيثُ قلمك من 2008 لقلنا: يا ويلنا ...! لقد صبأ عادل ..! ولاّ الحكايات كلها عنقاوية..



    .................
    لا أمنع نفسي من الإشارة إليك، أنّ الطائر "الخُرافي" الذي ينهض من الرماد، تواضعتْ المكتوبات على أنه الـــ" الفينيق" ... وما العنقاء إلّا ثالثة ثلاثة، هُم الغول والخــِلّ الوفي ..
                  

05-30-2014, 12:30 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: محمد أبوجودة)

    محمد ابو جودة يا صديق ؛ والصديق من الصدق .. اتمناك صادقا دائما مع ذاتك؛ ثم مع الاخرين

    اعجبتني كتابتك كالعادة ؛ وانا اشنف بها اذني ؛ واكحل بها عيني ؛ وامتع بها قلبي ؛ ذلك ان من بيان بعض البورداب؛ والنت منهم ؛ لسحرا .


    نصيحة محمد المسلمي ما بناباها؛ كما قال الرجل لصديقه العائد من الحج ؛ لكن الفيهو والفيك اتعرفت .. عموما لا تكون الليبرالية ولا العلمانية الا من اجل الانسان؛ وبالانسان ... كذلك الدين الحق اذا اريد له ان يكون حياة للشعور؛ وطريقا لمكارم الاخلاق؛لا سوط عذاب على البشر ؛ او تجارة رابحة يبيعون فيه ويشترون .

    قال الشاعر فيما قال :
    "لما رأيت بني الزمان وما بهم -- خل وفيٌّ للشدائد أصطفي
    فعلمت أن المستحيل ثلاثة ---- الغول والعنقاء والخل الوفي"

    وهؤلاء كلهم موجودون؛ خيالا او واقعا؛ فلا مستحيل على الارض وتحت الشمس ...

    بالنسبة للعنقاء فهذا اسم اخر لطائر الفينيق؛ بل هو الاسم الدارج اكثر في التراث العربي؛ ولقد ألف ابن عربي كتابا بعنوان : عنقاء مغرب في ختم الأولياء وشمس المغرب .. وقبل نصي اعلاه كنت قد كتبت نصا اخر - توثيقيا - اهديته ايضا الى وصال :



    المستوحد/ة او ما قالوا عن العنقاء
    August 26, 2008 at 6:09am

    (1)
    قال الشاعر:
    "لما رأيت بني الزمان وما بهم -- خل وفيٌّ للشدائد أصطفي
    فعلمت أن المستحيل ثلاثة ---- الغول والعنقاء والخل الوفي"

    (2)
    والعنقاء او الفينيكس او طائر الفينيق، طائر مستفرد بنفسه، مستوحد بذاته، لا هو بانثي ولا ذكر. أو قل هو جماع أنثى وذكر، وحياته اغرب من حياة الجن والبشر. في الاساطير هو طائر يعيش دهورا ويجدد نفسه من خلال الموت الاختياري، ويعيش حياة الابدية عبر الموت في النار والولادة من الرماد. هو اذن مخلوق اسطوري لحد الاغراب، وووجود متميز لدرجة ان يثير فينا الاعجاب، فماذا قال الاقدمون عنه، وماذا سيقول الاحدثون؟؟

    (3)
    تتوزع سيرة العنقاء على ثلاثة قارات وثلاث مراكز للثقافة القديمة، وهي افريقيا (مصر) واوروبا (بلاد اليونان ) وآسيا (ارض سوريا والجزيرة العربية واليمن وإيران) . في كل منطقة من مناطق ذلك العالم القديم كان للعنقاء حكاية، وكان لها طواف، وكان لها اسم مختلف، مع تشابه المُسمى. فلنبحث في سيرة العنقاء في تلك الثقافات، قبل ان ندخل سيرة العنقاء في المعنى والصفات.


    (4)
    ربما كانت كتابة هيرودتس المؤرخ اليوناني المسمى بأبي التاريخ ، من أجمل ما كُتب عن العنقاء، فلنأتى بها في البداية:
    "هناك بعيداُ في بلاد الشرق السعيد البعيد تـفـتـح بـوابــة الســمــاء الضخـمــة وتسكب الشمـس نورهـا من خلالها، وتوجد خلف البوابة شجـرة دائمة الخضرة. مكان كله جمال لا تسكنه أمـراض ولا شيخوخة، ولا موت، ولا أعمال رديئة، و لا خوف، و لاحـزن. وفـى هـذا البستان يسكن طائر واحد فقط، العنقاء ذو المنقار الطويل المستقيم، والرأس التي تزينها ريشتان ممتدتان إلى الخلف، وعندمـا تستيقظ العنقاء تبدأ في ترديد أغنية بصوت رائع.
    وبعد ألف عام، أرادت العنقاء أن تولـد ثانيـة، فتركت مـوطـنها وسـعـت صـوب هـذا العالم واتجهت إلى فينيقيا واختارت نخلة شاهقة العلو لها قمة تصل إلى السمـاء، وبنت لـهـا عـشاً. بعـد ذلك تمـوت في النار، ومن رمادها يخرج مخلوق جديد. دودة لهـا لـون كـاللبـن تتحـول إلـى شـرنقـة، وتخـرج مـن هـذه الشـرنقـة عـنقاء جـديدة تطـير عـائدة إلـى موطـنها الأصلي، وتحمل كل بقايا جسدها القديم إلى مذبح الشمس في هليوبوليس بمـصــر، ويحيـي شـعـب مصـر هـذا الطـائر الـعـجـيب، قبل أن يعـود لبلده في الشـرق" .

    (5)
    كما يُظن أن المصريين القدامى قد اشاروا الى الى العنقاء، في "كتاب الموت"، وهو اهم وثائق الديانات المصرية القديمة، في اشارتهم لطائر النار المسمى عندهم بال" بينو"، وهو طائر مقدس عندهم، مشابه للعنقاء، وقيل انه روح الاله رع، إله الشمس، تجلت في طائر. وعُرف بينو هناك بأنه " هو ذاك الذي أتى للوجود بنفسه"، في اشارة لخلق بينو لذاته من النار المشعلة في شجرة مقدسة في احد معابد رع . كما وصف البينو نفسه بقوله " انا طائر البينو، قلب وروح رع، ودليل الالهة الى العالم الارضي (عالم الاموات)".
    لكن ربما كانت اقرب اشارة الى العنقاء في الثقافة المصرية القديمة، مشابهة لصورتها كما تتجلي في غيرها من الاساطير، هي في الصلاة التالية في نشيد الأله رع ، والتييمكن ان تكون رمزا لمجيئ العنقاء:
    "المجد له في الهيكل عندما ينهض من بيت النار. الآلهة كلُّها تحبُّ أريجه عندما يقترب من بلاد العرب. هو ربُّ الندى عندما يأتي من ماتان. ها هو يدنو بجماله اللامع من فينيقيا محفوفا بالآلهة"


    (6)
    الأدب اليهودي أيضا يشتبه في اشارته للعنقاء. ففي تبرير المسيحيون الاوائل لاستخدامهم لصورة العنقاء، قالوا انها مأخوذة من المزامير، وخصوصا المزمور الذي يقول " الصديق كالعنقاء (النخلة) يزهو كالارز في لبنان وينمو"، رغم ان الترجمات كلها تشير لأن المقصود هنا النخلة وليس العنقاء.
    إلا ان إصحاح ايوب هو ما يشتبه فعلا في احتواءه على صورة العنقاء، حين يقول في الاصحاح 29: " فقلت اني في عشي اسلم الروح و مثل العنقاء (هول) أضاعف أيامي" . ورغم ان كلمة "هول" العبرية المستخدمة يمكن ان تعني الرمل، فقد قال مفسرو الكتب اليهودية من القرون الوسطى انها تعني العنقاء، أو هي اشارة الى العنقاء.

    (7)
    وأهتم المسيحيون الاوائل بالعنقاء، كرمز للمسيح وقيامته من الممات، واكتست صورتها المرسومة والمكتوبة مكانا عظيما في الفن والرمز المسيحي الاول، حيث يقول النص المنسوب للقديس كلمنص من ادب المسيحية الأولى ( رسالة كلمنص الأولى / اصحاح 25):
    "دعونا ننظر في امر رائع وهو علامة القيامة التي تجري في الاراضي الشرقية ، اي في بلاد العربيا وما حولها من بلاد. هناك نوع من الطيور وهو التي تسمى بالعنقاء، وهو طائر متفرد في نوعه، وهو يعيش خمسمائة عام . وعندما يرتسم وقت قضائه، يعلم انه يجب ان يموت . وعند اقتراب الوقت يبني لنفسه عشاً من اللبان، ومن نبات المر، ومن غيرها من التوابل . حتى اذا ما ما تحقق ذلك الوقت ، يدخل فيه ويموت. ولكن مع اضمحلال الجسم فان دودة معينة (شرنقة ) يتم انتاجها منه، تتغذي من عصائر الطائر الميت ، حتى ينبت فيها الريش، وتتحول الى طائر جديد. لما يكتسب هذا الطائر قوته، يحمل عشه بما فيه من عظام الأم ، ويرحل من ارض العربيا الى مصر، الى المدينة المسماة هليوبولوس، حيث يضعها هناك، طائرا امام عيون كل الرجال ، في يوم مشهود، على مذبح الشمس. وبعد أن يفعل هذا، يعجل بالعدوة الى مقام سكنه السابق. لقد فحص الكهنة كل سجلات التواريخ ليجدوا انه يعود دائما، كلما تم اكتمال الخمسائة عام."

    (8)
    أهتم المسلمون أيضا بالعنقاء، وأن كانت صورتهم لها أقل رومانسية، او على الاقل في مرحلتها المتأخرة. جاء في كتاب ربيع الأبرار للزمخشري نقلا عن ابن عباس:
    "إن الله تعالى خلق في زمن موسى عليه السلام طائرة اسمها العنقاء لها أربعة أجنحة من كل جانب ووجهها كوجه الإنسان وأعطاها من كل حسن قسطاً وخلق لها ذكراً مثلها. ثم أوحى (إلى موسى) أنني خلقت طائرين عجيبين، وجعلت رزقهما في (أكل) الوحوش التي حول بيت المقدس، فتناسلا وكثر نسلهما، فلما توفي موسى انتقلت إلى نجد والحجاز. ولم تزل تأكل الوحوش والصبيان.."
    أما ابن ال######ي فقد قال :
    "كان لأهل الرس نبي يقال له: حَنْظَلة بن صَفْوَان، وكان بأرضهم جبل يقال له دَمْخ مَصْعَدُه في السماء مِيل، وكانت تَنْتَابُه طائرة كأعظم ما يكون لها عنق طويل، من أحسن الطير، فيها من كل لون، وكانت تَقَعُ منتصبة، فكانت تكون على ذلك الجبل تنقَضُّ على الطير فتأكله، فجاعت ذاتَ يوم وأَعْوَزَتِ الطير فانقضَّتْ على صبي فذهبت به، فسميت: ”عَنْقَاء مُغْرِب” بأنها تغرب كل ما أخذته ثم إنها انقضَّتْ على جارية فضَمَّتها إلى جناحين لها صغيرين ثم طارت بها، فشكَوْا ذلك إلى نبيهم، فقال: اللهم خُذْهَا، واقْطَعْ نَسْلَها، وسَلطْ عليها آفة، فأصابتها صاعقة فاحترقت، فضربتها العربُ مَثَلاً في أشعارها."


    (9)
    تظل مع ذلك، صورة العنقاء، مرتبطة في الذهن العام مع الفينيقيين، والذين يشتركون معه في الاسم المعرب عن الفينكس (طائر الفينيق) ، حيث يربطه القديس هيرونيم ، مترجم الكتاب المقدس ومفسره، بلبنان وسوريا، أي بفينيقيا. فيقول إن الطائر أصله هندي، حيث يولد هناك ويعيش 50 عاما ، ثم يأتي الى (فينيقيا) ويبقى فيها ثلاثة أيام، ليموت ويولد من جديد فيها، ثم يعود الى الهند. وفي الأيام الثلاثة يحصل له ما يلي:
    "في اليوم الأول يجمع الأعشاب الطبية الموجودة في فينيقيا ليصنع منها عشا يضعه على هيكل الأسرار في بعلبك، حيث يضمخ طائر الفينيق هذا العش برائحة العنبر التي تخرج منه وينام فيه الليل كله. وفي اليوم الثاني تمس أشعة الشمس الأعشاب والعطور فتحترق ويحترق معها الطائر، وتبقى في العش دودة. وفي اليوم الثالث
    تمس أشعة الشمس الدودة فينبت لها جناحان وتعود هيئة طائر الفينيق إليه فيطير ويعود للهند ."
    ومن المعروف ان السومريون (والفينيقون) قد قدسوا شجرة النخيل ، وكانت هي ايضا تسمى بفينيق، وهذا ما يفسر لنا الخلط في ترجمة المزامير، وفي بعض ترجمات سفر ايوب، اذ تترجم "هول" بالنخلة أيضاً. والنخلة اذ تطرح بنتها من نفسها، لتعود وتنمو بعد موت أمها ، انما تتطابق مع سلوك طائر الفينيق، الذي ينبعث من عظام ورماد سلفه، وهذا مظهر للشبه ثان، في الرمز للبعث المستمر وتجدد الحياة .

    (10)
    أختم هذا الفصل من التوثيق، بصورة وجدت انها عبرت بأكثر الاشكال رومانيكية عن صورة العنقاء، رغم اختلافها عن بقية الحكايات، واسقاطها لثيمة التنقل، وقد اعدت صياغتها في التالي:
    " كان الفينيق طائرا ومخلوقا رائعا ونبيلا، عاش ما بين 500 إلى 1000 سنة، وعندما أحس باالموت بنى لنفسه محرقة جنائزية و غنى مرة واحدة في حياته بشكل رائع، كما لم يغنى أحد مثله من قبل على هذه الأرض.
    هذه الأغنية الرائعة سُمعت في كل ارجاء الأرض، و جعلت العالم يهدأ بأكمله ويصيخ للأستماع، كما جعلت الآلهة تبتسم. وعندما بدأت أغنية الفينيق بالأضمحلال شيئاً فشيئاً، كان جسد الطائر قد بدأ يتبدد بمحرقته .
    وجود الطائر متوحدا و برائته، كان ثمنه تلك الأغنية الوداعية الرائعة، مما جعل العالم والالهة يقفوا منتظرين، آملين أنه عندما يبرد الرماد، فسيرتفع جسد هذا الطائرالأسطوري من هبابه، و يتجدد ثانية لبدء دورة جديدة من الحياة.
    تم ذلك فعلا، ومنذ ذلك الحين أصبح طائر الفينينق رمزاً للخلود و الأنبعاث و التحولات الروحية."

    (11)
    ونواصل

    عادل عبد العاطي
    26/8/2008




    * ترجمات النصوص اليهودية والمسيحية من طرفي، بقية المواد المرجعية وصياغة الاسطورة الفينقية من مراجع مختلفة.

    (عدل بواسطة Abdel Aati on 05-30-2014, 12:31 PM)

                  

05-30-2014, 01:04 PM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: محمد أبوجودة)

    وهنا هدية، برضو


    ---

    Quote:



    ------

    */*
    كاسحة ألغاز *

    أدام حمدان الجلوس على تلك التلّة ، ينحدر أحد طَرفَيْها نحو حفافي طريق ممشيٍّ. يمرّ به الرّاجلة والراكبة؛ كما ينسدل طرفها الآخر، متكئا على ضهر الجدول "أب عشرين"، ماسكاً بكتف التُّرعة الورَّانية؛ أن يقع طميُّها فيُغلق الطريق. طمَيٌّ ولا ماء. طرابيلٌ ولا مومياء؛ وبالظّنِّ كثير أشياءٍ تُبهِر. يختلي حمدان بقُرفصائه مستدبراً قريته الوادعة. تهوي في ضياعها السرمدي. في جيبه على الدوام، تربضُ آلة كشط الأغوار ..! تلك التي تعمل عند أوان المغيب.

    يرمي بطرفه حمدان، ناظراً الى أقفية بيوت القرية، وفي عُرفِه أنّ القفا أبلغُ من وجوه! يُرسلُ خفيض ضـوئه حيناً نحو شمسٍ آفلة. آن أوان تغييبها. انتظارٌ شوّاق يلتهمُ حمدان التهاما. يُريد أن يُعمِل آلته في أعماق الخلق. سحلاً لآمالهم أو قدحاً لآلامهم. إنه الآن متأكِّد تماماً، أنّ خرير "أب عشرين" الجاري، قد غام إلى غير رجعة؛ بل لا سبيل أن يعُبَّ مرّة أخرى من هذه الترعة. بعد أن تخرّمت بواطنها بالظمأ. تصحَّرتْ وملاعبو حُسن الصدف، في غَيِّهم يتفاسلون. الأمن مُسْتَتَبْ. ذاك هو المُهِم.

    لقد مضى زمانٌ لم يكُ غابراً، خلوَّاً من الارتجالات. تلك التي أتتنا تخطُر مؤخَّراً بغير روَيّة. كانت التُّرَع تتيه ريّانة مُترَعاً كأسُها يا وطن. هاهيَ الآن باتت تكركِر بعِظَم الجفاف المِتلاف، بعد خريرٍ مزراف ليس للحاقٍ به من سبيل. لقد مضى حثيثاً لما وراء الظنون؛ ومع ذلك فما يزالوا يقولون:

    - أولوياتُنا أرفعُ من أن تتلكَّك في طين الانتاج.
    يتزيَّدون:
    - لم يبقَ لنا إلا بقايا أصيل، فدعونا نعيش بسلام ..!
    ها هيَ المُنيرة تترجّل. تتهيــّــــأ القرية لوداعها كالمعتاد؛ تخُبُّ الشمس بأركانها ترحالاً إلى حيث آخرين. في مداراتٍ تدور بلا توقّف، يتهيأون لاستقبالها. بضعُ لحظاتٍ ويحدث التلاشي في زمن الكاشط حمدان. إلاّ من ذكرياتٍ بواقٍ. بذهنِه تطوف، تجرُّ خلفها ذكريات أقدم. تتسربل على إثرها أخريات في تسلسل لانهائي. قطع أحدُهم عليه حبلَ ذكرياته البالي، وخبطه بالسلام. تلكأ أن يجيبه؛ كأنما يعلن إليه أنّ السلامَ كلامٌ يُقال. لا يجلب نفعاً ولا يطرد فزعا. آلةُ الكشف قالت ذلك! فقد صوّبها نحو المُسالِم، ودون أن يقصد، أحس لسانه "يبرطمُ" بما يشبه ردّ السلام. ابتلع آخر تموُّجاته سريعاً. حانقاً على ما فرّط من سلام مجّاني. تقبّل مُسالِمُه "البرطمة" وقد عنَتْ له الكثير. غير أنّ حماره قد فوّت عليه ما نوى أن يُضَمِّد به سلامه من توضيحات. يمسحُ حمدان عن وجه آلة الكشفِ ما علِق فيها من غُبار. يطوِّبها ويمنِّيها الأماني. مرآةٌ عتيقة، مُكَدَّرة، أخنت على وجهها القتامة، ونالت صفحتها من التّشقُّق مزيد. وذاك ممّا لا يعني حمدان ولا رهطه. إنه واثقٌ من خياراته؛ وآلاتِه التأصيلية تعمل في كفاءةٍ يعرفها وحده، يقول:

    - آهـٍ منهم، ثم آهٍـ وآه..! وويلٌ لهم بما يكنِّون من عدواة يغلِّفونها بالسلام.
    وإذن، لم يحظَ المُسَلِّم من وراء سلامه بطائل. سوى قليلٍ من غُبار أثفاه الحمار على وجه الجالس فوق التلّة. تقبّله حمدان راضياً وتمتم داخل نفسه:
    - لَغُبارٌ تُثيره حمرانهم خيرٌ من سلامٍ تفحّه أفواههم ..! ما أكثر ما يتحدّثون عن السلام بمثل هذا الإرجام. ما أجرأهم على القيل والقال وطلبِ المِحال.

    لتأخذه غفوة أشبه بِسِنةٍ لا نوم. يبدو أنّه قد أُتخِم بعَبَلٍ ما، ونَوْسُ الهوامّ يُضاعِف من وحشة المكان. يزيد التُّخمة مزيد إشباع. المغيبُ يهتاجُ طوايا ذاكرة طاعنة تندلقُ معيناً ناضبا. يفتُل منه حمدان حبلاً من جديد. جالت في نفسه عبارة أثيرة لديه:

    - اسألوا الظروف!
    دون أن يتذكر أي ركنٍ سوِّدت به ..! لعلّه قرأها على بابٍ للوريٍّ يسرع في البطء. أو رآها مخطوطةً في "دِنقل" كارو يتيه به عربجيٌّ صبور. لربما قرأها من كُراسة مهترئة، أسفتِ الرِّيحُ من مراياها صفحات لا تثور. مع ذلك فإنه لا يستبعد أن يكون قد قرأها على أديم قريته، ذي الكتابات المتعددة؛ يخطُّها بعضُهم بيدِه ويتناكرون..! أم تُراها قد سُطِّرت على مرآة السماء تُظلِّل مقعَد قريته الخالي؟ إنه واثق جداً، وحمدانُ دوماً ما يثِقُ في عَبَلِه ووشَلِه، بأنه قد تملاّها أكثر من مرّة. لربما تميّزت هذه العبارة بشيء من الحيوية التي تجعلها تظهر في أكثر من مكان في نفس الزمان. إنه متأكد تماماً، ليس فقط من قراءتها أكثر من مرّة، بل لكّانّه قد أكلها أكلاً أو كاد. كيف لا وقد نكأت في نفسه جراحات غائرة، وآمال مقبورة؛ كان إلى وقتٍ قريب، يحسِنُ الظنَّ بأنّه قد تجاوزها مَرةً وللأبد؛ فإذا بها حيّة تسعى.

    حُسن الظنِّ في الغالب، هو الذي يوردنا الحتوف. حُسنِ الظنِّ ورطة.
    - إنّ بعضَ الظنِّ ظَرْفٌ.
    - سألوا الظروف.
    - وأيّ ظروف؟

    ما أغرب السؤال، بل ما أقربه. طال ترديده للعبارة، وقبل ذلك فقد طال مكوثه على التلةّ مارِقاً للرِّبا والتَّلَف ينتظرُ الخُلاّن. وبحسب ظنّه، فهناك مقاتلٌ أخير، فهل يأتي بعدما...! بل ها هو قد جاء. تتلبّك مشيته وتتعثَّر أفكاره. كلماته تتوكأ ويحسب كأنه هو.

    - ما ضرّنا إنْ حسِب خطأ أنه هوَ. فآلة الكشف الأخيرة بجَيْبِنا.

    بادره القادم:

    - لَشدّما شكتْ منك هذه التلّة المسكينة؛ إنّ ثِقَلَك قد ماج بها وتنمّلت أطرافك بما تعلَف. فرِفقاً بالمحاذير، رِفقاً بالقوارير، بل رِفقاً بالمواسير. يا هذا، لا رعاك الإله، إنّك تتوهّط هذا الظلام حتى انتفاك القيام ..! أهوَ حالُكْ على الدّوام؟ وكيفه الحال سلامات.
    تتسلَّل يدُ حمدان لجيبِه. يتلمّس سطح المرآة المحدَّرة. قائلاً في دخيلتِه:

    - قاتلهم الله، من أين يأتون بهذا الوصف الدَّقيق، وليس معهم مثلُ مرآتي؟
    لقد كاد أن يبيعه من عبارته الربيحة: اسألوا الظروف؛ مثنى وثلاث ورباع؛ لكنه ضنّ بها عليه. أو كَرِه أن يوطّئ له هذا المولَج السّهل، ولَهاتِه بهذا الثراء المتحدِّر سيلا. أراده لغيرها قائلاً:
    - الأرضُ تشكو منِّي أنا ..! وهل شُكاتي إلاّ من حَمئكم وصلصالكم؟ ثم كيفها تستقيم شكاتها وهيَ مِنِّي، وأنا طينة الصبر على المعوَجِّ. بل لُحمة الفتقِ على المُرتَج. ســَداة التعمُّل وعيار التجمُّل ولو بالتأمُّل. أكثرُ من ذلك، نواةً لما يمنع التبذُل، وكوىً تتوجّس التمهُّل. بل أكبر من ذلك وبكثير! فإننا ترياق الأفكار الهدّامة، والأنفس اللوّامة والحوَّامة.

    ثم اتّكأ على نفسه مخذولاً حتى تماسس يده يدَ الآخَر الممدودة في الهواء، متمتماً بأنفِه كُليمات مماحيق، كأنما يكتريهنّ بثمنٍ غال. ثمّ تحفّز لممارسة هوايته المفضّلة في حوار الطرشان. فاجأه الآخَر:

    - حسبتك قد مللتَ تكرار الوداع لهذه الشمس التي لا تكلُّ عن غروب، وكذلك أنتَ ما تزال. تكلّ وتغمَقُ معها كل حين ولا تغرُب عن وجوهنا.
    حدّر حمدان، نظرَ وبَسَر فمالَ ثُمَّ جال وقال:

    - لن أمَلّ من أن أمارسَ طقوس وداعي للشمس كل يوم. حتى لا أنساني. لستُ أنا بالمودِّع، أكثر منِّي بالمودَّع. أعرفُ ذلك من آلة الكشف، كما تعلم! وإنْ خِلتني قد مللتُ، فقد جافيتَ الصواب كعادتكم. إنما رأيتُني في اليومين المقصودَين كأنَّني جديرٌ بأن تأتيني الشمس في مخدعي. لا أن آتيها. ولكنها أخلفت الميعاد. كعادةِ أشياء كثيرة نستوعدها وتخلف، ننتظرها فتتلِف، ولا جدال في أنّ الشمس لن تأتِ لمِثلي وأشيائكم في ثُلَّتي؛ لكننا لا نملُّ وداعها عند كل أصيل، فربما حملت وداعنا في يومٍ قريب نحو تلك الغروب اللاهية، إخباراً جارحاً عن شروقنا الواهية بأفعالنا وأفعالهم. ساعتها سيعانق وداعنا رحابة أهل الغروب، حيث الشعاع جديد والنظام حديد ومحوَر الشَّرِّ نضيد، وللتاريخ قد وجدوا نهاية.

    برهةٌ يسكنها الصمت المتطاول. يتناول القادم طرف الحديث قائلاً:
    - لا أتواني أن أبيع نصف عُمري مقابل أن أدري ما تتمسَّك من مكوس!
    يتلقف حمدان العبارة في عُجالة:
    - نصف عُمرك، يا عزيزي إنك لم تغادر محطة الشُّحِّ التي أنتم فيها منذ أزمان! أعي تماماً أنّكم تسمُّونها "دَبَارة" فكلِّ أعماركم بأحزانها ومسروق افراحها، لا تسوى شيئاً عندنا.

    وبُرهةٍ أخرى بقـَدر الدّهر الذاهب تتمدَّد؛ يواصل حمدان:
    - سأريحك، فإنّ الذي أقوله لا تأخذه بنصف العُمر، بل ولا بالعُمر كلَّه..! فقط عليكم أن
    تـُذعِنوا بأنَّ آلتنا الكاشفة، صادقةَ فيما تروي؛ هذا هو! أمينة في قوّة إخبارها وآثارها، رجالها ونسائها؛ وغيرُ ذلك. أو آخرُ ما عندي، هو لا ، و لا. بل وألف لا.

    تسلَّل آخرُ شعاع من الشمس لواذا. عَلَتْ حُمرة الشّفَق القانية. صَوّحت دوحة الأصيل المار. تسربلت دنيانا بما تتسربل بها دنياوات المِحاق. ثم يَهُبُّ عليلٌ يشعل فتيل الذواكر الزواخر، تتحشرج رئة الهواء. كأنما الكون يلفظ أنفاسِه الأخيرة. وفي استسلام خنوع، تنداح ظلمة الليل واثقة الخطو ..! تهيمُ النـَّــفـــْس في أوّل الحَلَكة، ومن بين ثنايا الظلام الأثيم تخمدُ أصواتٌ وتنشط أخرى. أوراق القطن تذوي، قناديل الذرة بأعينها المتسائلة تتوارى خجلاً في خفوت، ونفوسٌ هائمة، تجمع ألبابها العائدة تواً إلى مراصدها الكسيرة، يخلو المكان رويداً رويداً بتناوم الزمان وحلوك الظلمة، وبالنفس شيءٌ من حتى، ووراء الأكْمَة ما ورائها.













    ----- --
    * القاهرة.. يوليو 1995


    -----

                  

05-30-2014, 12:19 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    وقال ابن عربي في الفتوحات المكية وهو يصف احواله مع الكعبة التي تنوى زيارتها؛ اتمنى ان توفق في مسعاك؛ التالي:

    Quote: ولقد نظرت يوما إلى الكعبة وهي تسألني الطواف بها وزمزم يسألني التضلع من مائه رغبة في الاتصال بالمؤمن سؤال نطق مسموع بالأذن فخفنا من الحجاب بهما لعظيم مكانتهما من الحق عما نحن عليه في أحوالنا من القرب الإلهي الذي يليق بذلك الموطن في معرفتنا فأنشدتهما مخاطبا ومعرفا بما هو الأمر عليه مترجما عن المؤمن الكامل:
    يا كعبة الله ويا زمزمه * كم تسألاني الوصل صه ثم مه
    إن كان وصلي بكما واقعا * فرحمة لا رغبة فيكمه
    ما كعبة الله سوى ذاتنا * ذات ستارات التقى المعلمه
    ما وسع الحق سماء ولا * أرض ولا كلم من كلمه
    ولاح للقلب فقال اصطبر * فإنه قبلتنا المحكمة
    منكم إلينا وإلى قلبكم * منافيا بيتي ما أعظمه
    فرض على كعبتنا حبكم * وحبنا فرض عليكم ومه
    ما عظم البيت على غيره * سواك يا عبدي بأن تلزمه
    قد نور الكعبة تطوافكم * بها وأبيات الورى مظلمة
    ما أصبر البيت على شركهم * لولاكمو كان لهم مشأمه
    لكنكم في تواصيتموا * بالصبر تحقيقا وبالمرحمة
    ما أعشق القلب بذاتي وما * أشده حبا وما أعلمه

    وكانت بيني وبين الكعبة في زمان مجاورتي بها مراسلة وتوسلات ومعاتبة دائمة وقد ذكرت بعض ما كان بيني وبينها من المخاطبات في جزء سميناه تاج الرسائل ومنهاج الوسائل يحتوي فيما أظن على سبع رسائل أو ثمان من أجل السبعة الأشواط لكل شوط رسالة مني إلى الصفة الإلهية التي تجلت لي في ذلك الشوط ولكن ما عملت تلك الرسائل ولا خاطبتها بها إلا لسبب حادث وذلك أني كنت أفضل عليها نشأتي واجعل مكانتها في مجلي الحقائق دون مكانتي واذكرها من حيث ما هي نشأة جمادية في أول درجة من المولدات وأعرض عما خصها الله به من علو الدرجات وذلك لا رقى همتها ولا تحجب بطواف الرسل والأكابر بذاتها وتقبيل حجرها فإني على بينة من ترقي العالم علوه وسفله مع الأنفاس لاستحالة ثبوت الأعيان على حالة واحدة فإن الأصل الذي يرجع إليه جميع الموجودات وهو الله وصف نفسه إنه كل يوم هو في شأن فمن المحال أن يبقى شئ في العالم على حالة واحدة زمانين فتختلف الأحوال عليه لاختلاف التجليات بالشئون الإلهية.

    وكان ذلك مني في حقها لغلبة حال غلب علي فلا شك أن الحق أراد أن ينبهني على ما أنا فيه من سكر الحال فأقامني من مضجعي في ليلة باردة مقمرة فيها رش مطر فتوضأت وخرجت إلى الطواف بانزعاج شديد وليس في الطواف أحد سوى شخص واحد فيما أظن

    (وصل) فيما جرى من الكعبة في حقي في تلك الليلة:
    وذلك أني لما نزلت قبلت الحجر وشرعت في الطواف فلما كنت في مقابلة الميزاب من وراء الحجر نظرت إلى الكعبة فرأيتها فيما تخيل لي قد شمرت أذيالها واستعدت مرتفعة عن قواعدها وفي نفسها إذا وصلت بالطوال إلى الركن الشامي إن تدفعني بنفسها وترمي بي عن الطواف بها وهي تتوعدني بكلام أسمعه بإذني فجزعت جزعا شديدا وأظهر الله لي منها حرجا وغيظا بحيث لم أقدر على إن أبرح من موضعي ذلك وتسترت بالحجر ليقع الضرب منها عليه جعلته كالمجن الحائل بيني وبينها وأسمعها والله وهي تقول لي تقدم حتى ترى ما أصنع بك كم تضع من قدري وترفع من قدر بني آدم وتفضل العارفين علي وعزة من له العزة لا تركتك تطوف بي.

    فرجعت مع نفسي وعلمت إن الله يريد تأديبي فشكرت الله على ذلك وزال جزعي الذي كنت أجده وهي والله فيما يخيل لي قد ارتفعت عن الأرض بقواعدها مشمرة الأذيال كما يتشمر الإنسان إذا أراد أن يثب من مكانه يجمع عليه ثيابه هكذا خيلت لي قد جمعت ستورها عليها لتثب علي وهي في صورة جارية لم أر صورة أحسن منها ولا يتخيل أحسن منها فارتجلت أبياتا في الحال أخاطبها بها وأستنزلها عن ذلك الحرج الذي عاينته منها فما زلت أثنى عليها في تلك الأبيات وهي تتسع وتنزل بقواعدها على مكانها وتظهر السرور بما أسمعها إلى أن عادت إلى حالها كما كانت وأمنتني وأشارت إلي بالطواف فرميت بنفسي على المستجار وما في مفصل إلا وهو يضطرب من قوة الحال إلى أن سرى عني وصالحتها وأودعتها شهادة التوحيد عند تقبيل الحجر فخرجت الشهادة عند تلفظي بها وأنا أنظر إليها بعيني في صورة سلك وانفتح في الحجر الأسود مثل الطاق حتى نظرت إلى قعر طول الحجر فرأيته نحو ذراع فسألت عنه بعد ذلك من رآه من المجاورين حين احترق البيت فعمل بالفضة وأصلح شأنه فقال لي رأيته كما ذكرت في طول الذراع ورأيت الشهادة قد صارت مثل الكبة واستقرت في قعر الحجر وأنطبق الحجر عليها وانسد ذلك الطاق وأنا أنظر إليه فقالت لي هذه أمانة عندي أرفعها لك إلى يوم القيامة أشهد لك بها عند الله هذا قول الحجر لي وأنا أسمع فشكرت الله ثم شكرتها على ذلك.

    ومن ذلك الوقت وقع الصلح بيني وبينها وخاطبتها بتلك الرسائل السبعة فزادت بي فرحا وابتهاجا حتى جاءتني منها بشرى على لسان رجل صالح من أهل الكشف ما عنده خبر بما كان بيني وبينها مما ذكرته فقال لي رأيت البارحة فيما يرى النائم هذه الكعبة وهي تقول لي يا عبد الواحد سبحان الله ما في هذا الحرم من يطوف بي إلا فلان وسمتك لي باسمك ما أدري أين مضى الناس ثم أقمت لي في النوم وأنت طائف بها وحدك لم أرى معك في الطواف أحدا قال الرائي فقالت لي انظر إليه هل ترى بي طائفا آخر لا والله ولا أراه أنا فشكرت الله على هذه البشرى من مثل ذلك الرجل وتذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا الصالحة يراها الرجل المسلم أو ترى له.

    وأما الأبيات التي استنزلت بها الكعبة فهي هذه:
    بالمستجار استجار قلبي * لما أتاه سهم الأعادي
    يا رحمة الله للعباد * أودعك الله في الجماد
    يا بيت ربي يا نور قلبي * يا قرة العين يا فؤادي
    يا سر قلب الوجود حقا * يا حرمتي يا صفا ودادي
    يا قبلة أقبلت إليها * من كل ربع وكل وادي
    ومن بقاء فمن سماء * ومن فناء فمن مهاد
    يا كعبة الله يا حياتي * يا منهج السعد يا رشادي
    أودعك الله كل أمن * من فزع الهول في المعاد
    فيك المقام الكريم يزهو * فيك السعادات للعباد
    فيك اليمين التي كستها * خطيئتي جدة السواد
    ملتزم فيك من يلازم * هواه يسعد يوم التناد
    ماتت نفوس شوقا إليها * من ألم الشوق والبعاد
    من حزن ما نالها عليهم * قد لبست حلة الحداد
    لله نور على ذراها * من نوره للفؤاد
    بادي وما يراه سوى حزين * قد كحل العين بالسهاد
    يطوف سبعا في أثر سبع * من أول الليل للمنادي
    بعبرة ما لها انقطاع * رهين وجد حلف اجتهاد
    سمعته قال مستغيثا * من جانب الحجر آه فؤادي
    قد انقضى ليلنا حثيثا * وما انقضى في الهوى مرادي



    الخ الخ الخ
                  

05-31-2014, 12:21 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    شكرا اب جودة على جمال الهدية

    والتحية لمحسن كيفما يكون ...
                  

06-06-2014, 03:19 PM

Abdel Aati
<aAbdel Aati
تاريخ التسجيل: 06-13-2002
مجموع المشاركات: 33072

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    فوق .. من اجل محسن ..
                  

06-06-2014, 09:41 PM

محمد عكاشة
<aمحمد عكاشة
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 8273

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: Abdel Aati)

    عادل..محسن ..ابوجوده...تحياتي..تسجيل حضور ومتابعه
                  

06-06-2014, 10:16 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: محسن خالد - كما العنقاء - ينهض من الرماد .... (Re: محمد عكاشة)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de