كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف
|
نعت الآخرين بالثقالة و تقالة الدم، شائع في العامية السودانية، و "الثقالة و ثقيل" ننطقهما بالثاء ، على خلاف نطقنا بها عند وصفنا الآخرين بتقالة الدم، عندها نعمد الى قلب الثاء تاء، مما يكسب الكلمة صلابة و تقالة. قد نستعمل هذا الوصف أحيانا بشكل إنطباعي بسبب ضيق مساحة التسامح و وقِصرَ فسحة قبول الآخر، وشيوع ثقافة "التكجين" ، دون أسباب، وأحياناً تتشابك عندنا حدود المجاملة وتتداخل مع الثقالة . إنَّ إيقاع حياتنا موسوم بالتمهل و التواكل وطول البال، واقصى ما قد يحركنا تجاه سلطة ما ، شعورنا بثقالة حكامنا لدرجة اننا صنعنا هتافنا الفريد " استقيل يا ثقيل". كنت أبحث في القواميس عن معنى اسم " الفونج" التي هاجرت من غرب بحيرة تشاد، من سلطنة (البرنو) ، فتشت عن تفسير في لغة الهوسا كمرجع إثني وتاريخي لسلطنة مسلمة أقدم ، تتكلم عربية وافدة لها من أقاصي غرب أفريقيا، فوجدت مفردة "فوني" ، التي تعني عند الهوسا لابس العمامة أو الذي يلف العمامة ، فهي قد تكون أقرب من ناحية النطق، ولم أعرف لماذا تطلق الهوسا هذا الاسم على تلك المجموعة؟ و ثم وجدت ما هو أكثر قرباً من (فوني) من ناحية الشكل و النطق (لفونج) في لسان العرب تحت مادة (ثقيل) وهي كما يلي: (الفَنَجُ: إِعْرابُ الفَنَك، وهو دابَّة يُفْتَرى بجلده أَي يُلْبَسُ منه فِراءٌ. ابن الأَعرابي: الفُنُجُ الثقلاء من الرجال.) فهل هنالك علاقة بين " فُنُجُ" والفونج ناسنا؟ وهل الفونج هم الرجال الثقلاء؟ وهل كانوا يحملون معهم هذا الوصف منذ أن غادروا دولة البرنو الى داخل حدود السودان المعروفة الآن، نتيجة لنزاع في الأسرة الحاكمة في برنو، فلربما أطلق عليهم اسم (الفُنُجُ) او الرجال الثُقلاء، كمذمة و سبة لهم ؟ . قاموس لغة الهوسا يذخر بالمفردات العربية من الفصحى القديمة مما يعكس مستوى اللغة المتداولة في تلك الحقبة، حقبة العصور الوسطى حيث انتقلت العربية بكل ثرائها الديني، من الأندلس عبر المغرب العربي الى غرب افريقيا في اقليم ممتد من مورتنانيا حتى تشاد شرقاً. كما أن أدب الحديث عن الثقلاء كان رائجا في تلك الفترة ، فالإمام السيوطي صاحب كتاب " إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء" كانت حياته بين 1445 م الى 1505
نواصل.....
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف (Re: صلاح أبو زيد)
|
تحية
موضوع جدير بالتأمل ونحن نتوق الي بيئة صحية خالية من الثقلاء..
الثقيل هو الرجل او الشخص غير الكيس..غير الفطن الذي لايعبا بمشاعر الأخرين...لا يحسن المجاملة...ينظر الي السالب دون الايجابي من الأمور..يختزن طاقات معتبرة من الحسد...يملك ناصية الادعاء دون علم أو بصيرة..
هناك ثقالات عابرة... مثل التحدث بالهاتف لساعات وساعات...الحديث بصوت عال...اطلاق الشائعات.. عدم رد الدين ليترك الدائن يطارد الاحلام لاسترداد الدين حتي يتحول بقدرة قادر الي ثقيل.
مع الاحترام
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف (Re: صلاح أبو زيد)
|
" بحسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم"
نقل السيوطي في كتابه (إتحاف النبلاء بأخبار الثُّقلاء) عنَ كتاب العقد لابن عبد ربه أنّ عائشة رضي الله عنها قالت: نزلت آية في الثقلاء: (فإذا طعمتم فانتشروا)، (ولا مستأنسين لحديث). وتفسير هذه الآية من نسخة الطبري الالكترونية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) و التفسير هو : قوله تعالى وذكره لأصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تدخلوا بيوت نبي الله إلا أن تدعوا إلى طعام تطعمونه (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه. وكذلك (عن ابن عباس (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يقول: غير ناظرين الطعام أن يصنع)
وربما أن بعض الصحابة كانوا يزورون النبي في بيته ، يستأنس بجلوسهم ، بعد الطعام للنقاش و الحوار، ولا يتحرج النبي من استقبالهم لأنهم خفاف من ذوي الألباب ، يعرفون متى يدخلون ومتى يغادرون لا يحتاجون لتنبيه أو تذكير، فأستغل بعض الثقلاء كرم النبي وحسن ضيافته ، فأكثروا من زيارته واثقلوا على النبي بطول إقامتهم و ثرثرتهم في فارغ القول ، ومن موضع آخر في تفسير هذه الآية أنها نزلت في ضيوف أتوا لدعوة، فأطالوا الجلوس بعد فراغهم من الطعام ، حتى عندما يسلم النبي على أهله ، كان هؤلاء الثقلاء يردون له السلام نيابة عن أهله، (نظام مقابضة) للفت نظر النبي، أو لإظهار قربهم من أهل الدار! ، حتى أن النبي إضطر أن يخرج و يتركهم ، وفي موضع آخر عن سبب نزول الآية قيل عنهم أنهم "كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا , أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج, فاشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى أنزل الله هذه الآية" فكأن الآية نزلت لسد ذريعة تسرب الثقلاء الى بيت النبي، وقيل أيضاً أنّ الصحابي أبو بكرٍ ، قال : (يا رسول الله، ونحن أيضاً لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله{لا جناح عليهنّ في آبائهنّ})*، وما ذلك إلا لأنّ الحرج طال حتى آباء زوجات النبي . من صفات الثقلاء أنهم ملحاحون التي تبدو واضحة في قول المفسرين " وسألوا أزواجه الحوائج" فمثل هذا لا يَبْدُرُ الا من ثقيل ، ولا يمكن ان يأتي من عاقلٍ وذي بصيرة وخلق ، فبسببهم ، حُرِم الأسوياء من مجالسة النبي ، واصبحت مقيدة حتى للذين لا يمكن أن يأذوا النبي في بيته أو في أهله، فسوء استغلال الفرص ، سلوك شائع من الثقلاء، يجيدون إفساد كل ما هو جميل بين الناس، فاللهم لا تعاقبنا بما فعله الثقلاء منا. فهذه الآية، في تقديري أنها في الأدب العام ومخاطب بها الجميع ، و التوجيه فيها عام لكل من يدخل بيتاً من غير دعوة ،وينتظر صنع الطعام ، على عادة أنّ الشخص عنده مناسبة (مأتم أو خلافه) لأن هذا من الثقالة التي نهت عنها الآية . أما إذا كانت هنالك دعوة(إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا) ( فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا)، وتناولتم الطعام (انتشروا / انصرفوا) و لا تطيلوا ،(ولا مستأنسين لحديث) ولا تقعدوا للثرثرة و الونسة بعد الأكل ، فما حدث بصورة خاصة في بيت النبي يعتبر عظة و إعتبار ، فإذا لم يراعي الثقلاء حُرْمة بيوت النبي فما بالك ببيوت الآخرين.؟ لذلك أصبح التوجيه عام ،لأنّ لكل زمان ..... ثقلاء ، يجب الحذر منهم، ففي إطالة الجلوس و تمديد أيام المناسبات الإجتماعية ، ذريعة يغتنمها الثقلاء ، للنميمة ، ونشر الإشاعة، و نقل القوالات، للإفساد بين الناس ، وإستباحة بيوت الآخرين ، وإساءة استغلال قيم المجاملة .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف (Re: صلاح أبو زيد)
|
Quote: ونقَّابون في حِرْزِ الآخرين، لأنّ درجة الفضول لديهم عالية ، وهي هامة جداً لأنها من الصفات الكاشفة ، لا يقوم بهذا العمل إلا ثقيل تام الثقالة، |
مصداقاً لي كلامكـ ده .. تعودت عدم أخذ أي أحد معي وأنا ماشي العمل .. لأني أكون وقتئذ متعكر المزاج .. وربما لا أأمن ردود أفعالي .. أها لقيت (زول معرفه) منشحط في نص الشارع .. قلت النكسب فيهو حسنه وأوصله معاي .. أول ما إتوهط في الكرسي واتحكر .. قعد يقلب نظراته متفرساً تاره في ملامحي .. وتاره في الاشياء الموجوده قربه .. أها زولكـ ده صدمني لمن قال لي ..
إتـــــــا الشيء ( اللافيهو ) في الكيس ده شنو ... فاسقط في يدي .. واحترت بماذا أجيب ..
( فقلت ليهو ده قنبله ) ..
في ناس غايتو .. يخلوكـ تمرق من طوركـ .. وربما من هدومكـ .. ويخلوكـ تقعد أم فكو .. من أي منطق .. ليت الثقلاء يتخففون .. لكني أراها طبع و(سليقه ) .. لا افتكاكـ منها ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف (Re: جمال ود القوز)
|
Quote: قعد يقلب نظراته متفرساً تاره في ملامحي .. وتاره في الاشياء الموجوده قربه .. |
الأخ جمال ودالقوز الظاهر كان منتظرك تغفل وتنشغل بحاجة لانو كان عشمان يمد ايدو يشوف براهو شنو الشئ الانت لافيهو . شكرا للحكاية الطريفة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف (Re: صلاح أبو زيد)
|
في هذا الجزء سأتناول التالي: 1- كتب أخبار الثقلاء وعدم دقة التعريف. 2- الثقيل و إشكال الدلالة اللغوية 3- المجاملة السودانية أو " وظيفة أداء الواجب" و مأزق إلتباس تعريف "الثقيل". 4- سُبُل تحديد تعريف للثقيل في المجتمع السوداني .
كتب أخبار الثقلاء وعدم دقة تعريف من هم (الثقلاء) : اخترت الكتابين السابقين،لأنهما يمثلان فترتين مختلفتين ، الأول كتاب السيوطي (إتحاف النبلاء بأخبار الثُّقلاء) يعكس زمان الحقبة الأخيرة من دولة الأندلس، كما أنّ السيوطي ايضاً قد عاصر سلاطين الممالكيك في مصر ( وُلِدَ في القاهرة 1445 م- تُوفي في القاهرة 1505 م ) ، فهو قد عاش و ألّف في مجتمع مدن، وتوفي بعد سنة من بداية «مملكة الفُنج 1504 م » ، الدولة التي أسست و صاغت كيان السوداني وحيد الهوية، و الثاني هو كتاب الزمزمي (أخبارُ الثقلاءِ والمُسْتثقِلين) ، وهو مغربي معاصر ألّف كتابه عام 1982. (أخبارُ الثقلاءِ والمُسْتثقِلين) تضمن محاولة رصد أكثر من ثلاثين صفة لتحديد من هو الثقيل تحت فصل (صفات الثقيل)، قام فيه المؤلف بجمع هذه الصفات من سياق حياة المغرب العربي، يظل كغيره من كتب التراث التي افردت كتاباً أو باباً عن هذا الموضوع، أقصى ما بلغته لا يخرج عن كونه توثيق و لمحات عن ما كان يدور في زمانهم ، مجموعة أخبار وروايات دارت عن أو حدثت من الثقلاء ، لم تتضمن أو تهتم بتعريف واضح المعالم للثقلاء وتركت الباب مفتوحاً . كل الصفات التي أوردها الزمزمي في (أخبارُ الثقلاءِ والمُسْتثقِلين) ، لا يمكن عدّها معيار نموذجي و " مُكرّب" للتعرف على الثقلاء ، فهي قابلة للزيادة و مرتبطة بحالة كل مجتمع ، كما أنّ الصفة ليست عامل من عوامل تحديد ماهية وجود سلوك اجتماعي حياتي ، فمثلاً عندما نريد تعريف (السارق) ، نقوم بتعريف وظيفة الفعل والإعتداء المعين الذي يكسبه صفة "لسارق" ، فلا نكتفي بتعداد صفات متفرقة كخفة اليد ، كثرة الإلتفات قلة الكلام الخ..... نموذج أول من كتاب السيوطي عن عدم دقة التعريف (ص 21): رُوي عن حماد بن أبي سليمان قال: " مَنْ خاف أنْ يكون ثقيلا فهو خفيف، ومن أَمِن أنْ يثقل ثقُل" قد يظن البعض ً أن هذه الجملة جامعة شاملة و كافية ، في تحديد من هو الثقيل، لكن المنطق خلاف ذلك ، فمثل هذه المقولة ما هي إلا مسكِّن مؤقت ، معظم هذا النوع من المرويات المأثورة لا يعبر إلا عن مأزق التعريف و التحديد ، ، لا يمكن الإعتماد عليها كإجابة معرّفة لهذا النوع من الأشخاص ، ، تتنكب نفس بنية الأحاديث النبوية و المقولات المأثورة ، يُحْمَد لها و جودة الحبكة ،ترابط الشكل و الإيقاع اللغوي ، و جمعها بين النقيضين، كل هذا لا ينفي أنها جملة فضفاضة، رنينها يطغى على محصلة المعنى ، بأي حال من الأحوال لا يمكن القول أنّ الثقيل هو من يأمن أن يكون ثقيلاً !! وكفى؟ و المعنى من أنه يأمن أن يكون ثقيلاً طبعاً في سلوكه وتعامله مع / أو تجاه الآخرين. و بقليل من التمعن فيها تستطيع أن تلاحظ انها يمكن أن تستعمل كقالب يقبل أي صفتين متضادتين: مثال: " مَنْ خاف أنْ يكون ...(.بخيلاً.).... فهو (كريم)...، ومن أَمِن أنْ .....(يبخل.)... (بَخُلَ)......" وهكذا....... فليس سوى إجادة تركيب القالب الشكلي و ليس دقة دلالة المضمون.
__________________________________________________
* (أخبارُ الثقلاءِ والمُسْتثقِلين) لأبي بن محمد الزمزمي الطبعة الأولى 1407هجري.
* (إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء للسيوطي) الطبعة الأولى 1430هجري - 2009 م تحقيق محمد سليمان مال الله مراجعة الشيخ بُوميه محمد عبدالله بن محمد السعيد الشنقيطي
... نواصــــــــــــــــــــــــــل...
| |
|
|
|
|
|
|
|