|
|
 الأمريكان والكيزان – والرقص على أشلاء "شرق أوسط جديد"
|
هذا المقال سبق لي نشره في الميدان
الأمريكان والكيزان – والرقص على أشلاء "شرق أوسط جديد"
في 18 فبراير 2014 عقد مؤتمراً صحفياً بمركز أبن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة عرضت فيه الأستاذة داليا زيادة، المدير التنفيذي للمركز، بعض المستندات التي تثبت تورط تنظيم الإخوان، في تخطيط وتنفيذ جرائم إرهابية بمصر والعالم منذ 30 يونيو الماضي.
ربما هذا الخبر لا يحمل جديد، حيث أن هناك منبراً نشطاً بالمركز يقود حملة دولية تحت مسمى "الحملة الشعبية لإدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن التنظيمات الإرهابية محلياً ودولياً" ، ويمكن أن تؤخذ المستندات على هذا السياق، لكن الجديد الذي طرحته الأستاذة داليا هو أن المستندات التي بحوزتها تشمل أدلة تورط الإدارة الأمريكية في دعم جماعة الإخوان.
سبب الدهشة من التأييد والدعم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لتيارات الإسلام السياسي الصاعدة خلال ثورات الربيع العربية يكمن في أن الإخوان المسلمين كتنظيم راديكالي، أصولي، من المفترض أنه يقف على النقيض من السياسات والمصالح الأمريكية، ليس فقط من باب المنهج الراديكالي والحريات وموقفه من الديمقراطية الليبرالية، أو لاختلاف في الرؤى والأهداف وطريقة الحكم، لكن بسبب الموقف الأيديولوجي من المشروع الصهيوني، والمسألة العقائدية التي تتعلق باليهود، وأخيراً مسألة دعم المقاومة الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.
فما هي المصالح التي تسامت على الخلافات والجراح التاريخية وجمعت الأمريكان و"الكيزان" في جبهة واحدة ضد كل القوى الوطنية بالمنطقة.
الأهداف الاستراتيجية الأمريكية والشرق الأوسط الجديد
الأهداف أو المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة الأمريكيّةَ بصورة عامة تتمثل في احتفاظها بتفوقها كقطب أحادي وهيمنتها على كافة أقطار الأرض، اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً، وأن تحتفظ كذلك بمستوى معيشتها وطريقتها في الحياة، من حيث نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتقوم سياستها الخارجية على تأمين تلك المصالح، وعلى أساسها تم تقسيم العالم، وتعد منطقة الشرق الأوسط، التي تضم شرق البحر الأبيض المتوسط وبلدانه الساحلية لبنان وسورية وما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وليبيا ومصر والقرن الأفريقي، وشبه الجزيرة العربية والأردن، والخليج والعراق وإيران، وخليج عمان وبحر العرب. ونجد بعد انتهاء الحرب الباردة وميلاد الخصم الجديد للولايات المتحدة "الإرهاب" انضمام "سودان الإنقاذ" إلى نادي تلك الرقعة الحيوية التي تعد من أكثرِ المناطق استراتيجية في العالم للمصالح والأهداف الأمريكية.
ونجد أن من أهم خصائص السياسات الأمريكية لتأمين ديمومة مصالحها، اعتمادها على حلفائها الإقليميين والمحليين، فهي صديق قوي ومهاب، الكل يطلب ودها والكل يسعى لتفادى غضبها، وهي لها مبدأ سياسي كل من تعامل معها يدركه جيداً، وهو أنها في السياسية لا توجد لديها صداقة دائمة، ولا خصومة دائمة، إنما مصالح دائمة، لذا نجدها تتخلى عن أصدقائها وحلفائها حالما يتحولون إلى عبء عليها، أو بعد أن يفقدوا دورهم في تأمين مصالحها الحيوية، أو حين تشير الأحداث إلى أنهم معرضون للسقوط، والولايات المتحدة حينما تتخلى عن حلفائها، فإنها تتحول بآلية ميكانيكية ميكافيليه لصالح بدلائهم الأقوياء الجدد، والعمل على تأمين مصالحها القائمة، فالولايات المتحدة الأمريكية لا تبكي أو تأسف على فقدان حليف مهما كان وزنه، ومهما طالت مدة ونوع خدماته التي قدمها، فهو، حسب ثقافتها ورؤيتها السياسية يصير كالدواء بعد انتهاء الصلاحية يجب التخلص منه.
كما للولايات المتحدة الأمريكية أهداف معلنة، لها كذلك أهداف غير معلنة، أهداف رسمت منذ سنوات بعيدة ربما خارج أسوار الولايات المتحدة، وكانت بداياتها الدعوة لـ "شرق أوسط جديد" رسم له وخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل أكثر من عقد من الزمان، يحتاج تطبيقه إلى نظرية جهنمية أقترحتها وزيرة الخارجية والمستشارة الأمريكية السابقة كونداليزا رايس تحت مسمى " الفوضى الخلاقة".
لماذا شرق أوسط جديد ؟
قبل تعريف "الشرق الأوسط الجديد"، والذي تدور حوله كثير من السياسات والأحداث التي جرت ولا تزال جارية بالمنطقة، سنتطرق لقضية شائكة لم تبتدع فكرة (ش أ ج) إلا كحل وحيد لها، تلك القضية التي أرقت دهاقنة الصهيونية هي مستقبل الوجود الإسرائيلي في المنطقة، فإذا أخذنا في الاعتبار أن أقوى وأغنى دولة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية) تخطط لمستقبلها لحوالي خمسين سنة قادمة، وفي أوروبا والدول المتقدمة نجد أن دولها تخطط لما يتراوح ما بين عشرة سنوات في بعضها وأربعون سنة لأخرى، اما التخطيط للمستقبل للدول العربية فلا نجده يتجاوز العشرة سنوات إلا في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، أما بقية الدول العربية فمعظمها يعمل بنظرية رزق اليوم باليوم، والغد أو المستقبل فعل مبني على المجهول، أما إسرائيل فهي الدولة الوحيدة في العالم الني تخطط لحوالي خمسمائة عام قادمات، فهي تخطط لأجيال قادمة ومستقبل لا يزال في كنف الغيب ثقافياً وسياسياً واقتصاديا. وهي من خلال دراساتها للمستقبل القريب والبعيد، تدرك أن الزمن لا يعمل لصالحها، فهي جسم غريب زرع في المنطقة ومهما طال بها المقام بمقوماتها الآنية من قوة عسكرية وهيمنة اقتصادية ودعم أمريكي وغربي غير محدود، فلا شك أن هذا الجسم (المنطقة) سيلفظها يوما ما، بسبب أن تلك العوامل والمقومات متغيرة وغير ثابتة، وكفة الميزان متأرجحة اليوم لها وغداً عليها، كما أن هناك خطر حتمي يعد المهدد الحقيقي لمستقبلها، هذا الخطر عبارة عن سلاح بيولوجي تمتلكه نساء فلسطين بصفتهن أكثر نساء الأرض خصوبةً، وهو سلاح لا تملك تجاهه إسرائيل أي حماية أو وقاية لذا فهي تخطط لاستمرارها في الوجود في اليوم وغداً وفي المستقبل القريب والبعيد لابد لها من مواجهة هذا السلاح.
إن سلاح النمو السكاني، أو القنبلة السكانية "أو معدل الزيادة الطبيعة" والذي يعني الفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات بين اليهود الإسرائيليين وبين عرب ثمانية وأربعين داخل حدود دولة إسرائيل يمثل الخطر الأكبر الذي يهدد مستقبل اليهود في إسرائيل، وبه سيتحولوا في التاريخ القريب إلى أقلية سكانية، وكان لابد من تمرير اعتراف أمريكي بيهودية الدولة الإسرائيلية، مما يعني لا مستقبل للعرب غير اليهود فيها مهما تكاثروا وتناسلوا فهم وبقوة القانون سيهجرون، ومن يبقى ستنتقص حقوق مواطنته. أما كيف تقبل الولايات المتحدة الأمريكية بيهودية الدولة، أي تحويل اليهودية من مجرد "دين مميز" إلى "عرق بشرى مميز"، أي إلى حركة عنصرية في دولة متعددة الأعراق كإسرائيل، وهو الأمر الذي يتناقض مع كل المفاهيم الأمريكية العلمانية التي يتشدق بها العم سام في كافة أدبياته عن الحرية والمساواة وحقوق الإنسان القائمة على المواطنة، وكان بحاجة لفعل كبير، وهزة عظيمة بحجم تفجيرات برجي التجارة العالميين كي يقنع الشعب الأمريكي الواعي والمتمسك بمعتقداته بالقبول بها، والإسهام وتمويل صنعها، والمشاركة في تنفيذها، كما كان العم سام بحاجة لتوفير معينات أخرى ووجد الملاذ في الفكرة الجهنمية التي تدعو لـ" شرق أوسط جديد".
إن مخطط شرق أوسط جديد يعد الشرط الموضوعي الذي يجب توفره لضمان مستقبل الدولة اليهودية، وهو مخطط يقوم على تقسيم دول المنطقة على أسس عرقية وعقائدية ومذهبية وأثنية، وذلك لن يتم إلا بالقضاء على القوميات القائمة في مصر وسوريا والعراق والسودان وليبيا وتونس والجزائر وإعادة تقسيمها على الأسس الجديدة، وبدأ هذا التقسيم بالسودان بأن فصل الجنوب المسيحي ذوي الأًصول الزنجية عن الشمال الغالب عليه العنصر العربي المسلم، وكان لابد من مسلسل التقسيم بالاستمرار بحيث يتم منح دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق الحكم الذاتي، ومن ثم تقرير المصير، تمهيداً لفصلهم وتأسيس دول جديدة، ويشمل هذا المخطط كذلك شرق السودان، ولا يوجد أفضل من النظام الحاكم لخدمة هذا المخطط بحكم المظالم والحروب التصفوية التي أشعلها. ويشمل المخطط كذلك تقسيم العراق إلى عدة دول كردية وشيعية وسنية، وكذلك سوريا سيتم تقسيمها إلى علويين وسنة ومسيحيين وكان المخطط يشمل مصر بعد الأسلمة بحيث يمنح الأقباط دولة في الجنوب، مع احتمال قيام دولة أصولية في شبه جزيرة سيناء تمهيداً لإعادتها للسيطرة الإسرائيلية، إلا أن عبقرية الشعب المصري وتعلمه مما جري في جنوب الوادي أنقذ وحدته بأن قام بتسديد أقوى ضربة لمخطط الشرق الأوسط الجديد وذلك بإسقاطهم لحكم الإخوان المسلمين الشريك الأساسي في هذا المخطط قبل أن يتمكنوا من مفاصل السلطة.
جماعة الإخوان المسلمين، ومن مبدأ " لا صداقة ولا عداوة دائمة، بل مصالح دائمة "، الذي أدركته قياداتها منذ زمن بعيد. ذكر الهضيبي في لقاء مع صحيفة (الأسوستيدبرس) بتاريخ 4/6/1953 " .. وإني أود أن ألفت الأنظار إلى محاولات خبيثة تقوم بها بعض العناصر الغربية لإعطاء صورة كاذبة عن الإخوان المسلمين. وهذه المحاولات تهدف إلى خلق شعور عدائي بين الإخوان والغرب. وإني أعتقد أن العالم الغربي سيجني أعظم الفوائد بمحاولته فهم مبادئنا فهما جيدا، وبدراستها في ضوء من العدل وعدم التحيز، وإني لمتأكد أن العالم الغربي عند ذلك سيقتنع تمام الاقتناع بعظم الفائدة التي سيجنيها، وسيقلع عن الإخوان وإني لمتأكد أن الغرب سيجد في الإخوان المسلمين أكثر العوامل كفاءة للعمل في سبيل تقدم الإنسانية وتحقيق الرفاهية للشعوب، واستقرار السلام بين الأمم المختلفة" .
وقد ترجموا ذلك الحديث حرفياً خلال سنوات الحرب الباردة ، والأمريكان لن ينسوا الخدمات العظيمة التي قدمها لهم الإخوان المسلمين طوال تلك الفترة، ودورهم المشهود وتعاونهم المثمر خلال الحرب السوفيتية الأفغانية، وكذلك الخدمات الأمنية الكبيرة التي قدمها ومازال يقدمها لهم نظام الخرطوم في إطار الحرب المعلنة ضد الإرهاب، والتي قدرها الأمريكان بأنها لا تقدر بثمن، تلك هي الحقائق التي يتعامل معها الأمريكان أما مسألة "حفدة القردة والخنازير" التي كان يرددها الرئيس المعزول محمد مرسي أو " أمريكا قد دنا عذابها " تلك الأهازيج التي كانت ترددها أبواق الإنقاذ فأمريكا تعلم علم اليقين أنها للاستهلاك المحلي فقط.
ما هو الشرق الأوسط الجديد؟
إن مصطلح (شرق أوسط جديد) دعوة أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز قبل أكثر من أحدى عشر عاماً في كتاب يحمل نفس الاسم (الشرق الأوسط الجديد)، و فحوى الكتاب قيام شرق أوسط قائم على إلغاء جامعة الدول العربية (التي تقوم علي قاعدة قومية) لتحل محلها منظمة تعاون اقليمية تتحرك علي قاعدة تبادل مصالح اقتصادية (فوق قومية).. مصالح يحميها هيكل اقليمي منظم (بدلا من جامعة الدول العربية) بحيث يخلق اطرا جديدة للمنطقة ويوفر القدرة علي النمو الاقتصادي والاجتماعي ويسهم في القضاء على التطرف الذي عزاه بيريز إلى الفقر.
وهذا الشرق الأوسط الجديد، الذي لا مكانة فيه للقضية الفلسطينية، وجد هوى في نفس المحافظين الجدد من الأمريكان الجمهوريين تلامذة "توماس هوبز"، حيث نادى جورج دبليو بوش من قبل بضرورة انشاء منطقة تجارة حرة مع 23 دولة في الشرق الاوسط.
الشرق الأوسط الجديد كان بحاجة إلى قوة أكبر من إرادة أمريكا وإسرائيل لقيامه، ولا بد له من شركاء أقوياء يجب أن يتوفر فيهم أولاً: العداء للقومية وثانياً: عدم الاعتراف بالحدود السياسية القائمة في المنطقة، ووجدوا ضالتهم في تنظيم الإخوان المسلمين حيث أنهم يدعون إلى قيام دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، وتهيمن عليها الشريعة الاسلامية، دولة تقوم على مبدأ الولاء والبراء، أي على أساس إسلامي ديني، وليس شعوبي قومي، بدليل أن كافة الأحزاب السياسية الإسلامية لا تحمل في اسمها مدلول قُطري يدل على هويتها، مثل جماعة أو حزب الإخوان المسلمين السوداني، أو المصري، الكويتي، المغربي، .. إلخ.. وذلك نسبة لأنها ضد القومية، فمن ثوابتهم رفض مفهوم الأرض والوطن والجنس والهوية التي لا تقوم على أسس وحدة العقيدة.
حتى تكتمل الصورة، وتتوحد الإرادة لشرق أوسط جديد يلبي أشواق وطموحات القوى الثلاثية (أمريكا وخلق منطقة تجارة حرة وخالية من تفريخ الإرهاب، وإسرائيل وقيام دولة يهودية "لليهود فقط" دولة على علاقات جيدة ومتينة مع جيرانها، وتيارات دينية إخوانية (بقيادة التنظيم العالمي للإخوان المسلمين) تسعى لتأسيس دول دينية، أو دويلات في العراق وسوريا ولبنان ومصر وليبيا، وتونس والسودان، دويلات يسهل السيطرة عليها والتحكم فيها، وكان لابد من أداة للتنفيذ، ووسيلة يمكنها أن تقود إلى ذلك الشرق الأوسط الجديد، ووجد الفرقاء ضالتهم في نظرية "الفوضى الخلاقة" التي نوهت لها الوزيرة الأمريكية كونداليزا رايس قبل عدة سنوات، وأوكلت الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأبن تنفيذ تلك "المهمة الشيطانية" إلى الصهيوني "جاريد كوهين" مدير الأفكار في شركة جوجل، الذي قام بتأسيس منظمة لهذا الغرض "منظمة موفمنتس" لتدريب وجمع النشطاء الذين على يديهم سيتم نشر الفوضى الخلاقة حول العالم.
تلك الفوضى التي تجري أمام أعيننا الآن من فتن طائفية، وجهوية، ومذهبية، ستقود في النهاية إلى تقسيم الدول، وبالتالي إضعافها، كما أنها تسهل عملية التدخل العسكري الخارجي لإعادة رسم الخارطة حسب مصالح القوى المتنفذة الثلاث، أمريكا وإسرائيل والكيزان. وعفارم عليكم يا شعب مصر الذين أفشلتم هذا المخطط الشيطاني وأبعدتم الخطر عن أرض الكنانة ، لم تهزكم دموع "أردوغان" ولم يخيفكم إعلام "الجزيرة" الضهبان .
عاطف عبدالله - الميدان
|
|
  
|
|
|
|
عاطف عبدالله
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست