|  | 
  |  عودة إلى موضوع جالية واشنطن |  | عــــودة إلى موضــوع جالية واشنطن
 ( 2 )
 هاشـــم الإمــام
 
 أثار مقالي الأخير عن استغلال جالية واشنطن سياسياً ، حفيظة بعض أعضاء اللجنة التنفيذيّة للجالية ،  المنقسمة على نفسها ، وظنوا أنّ المقال كُتب انتصاراً لخصومهم ، ونكاية بهم ، وليس ذلك بصحيح ، فلا علاقة لي  بأيّ من الخصوم فأُشايعه، كما أنّ بين جنبي  نفساً تأبى التبعية ، وتأنف عن الانقياد .آرائي تصدر عنّي ، وأنا المسؤول عنها ، ولكنّي لا أرى الرجوع عنها عيباً ،  فإنْ بان لي خطؤها ، ووضح لي أن الحق في غيرها ، تركتها  غير مكابر، أسرَّ ذلك صاحب السّمادير ، ونسوة المنظمة  ، وجهلول نيويورك ، أم ساءهم .
 جاءني الأخ الكريم (  وليد ) سكرتير الجالية في بيتي معاتباً ومصححاً لي في بعض ما يرى أنّي أخطأت فيه ، فجالسني  ثلاث ساعات أو أكثر ،  يجادلني في موضوع المقال ، وما فيه من تجاوزات في حقهم  ، وأشهد أنه كان في منتهى الموضوعيّة والهدوء والأدب ، فما رفع عليّ صوتاً ، ولا أصرّ على رأي تعنتاً  ، ولكنها المحاورة التي أرجو أن يتخذها أعضاء الجالية  ، ولجنتهم التنفيذيّة ،  أسلوباً لحل النزاع ودرء الخلاف .
 لقد تبيّن لي من الحوار الذي جرى بيني وبين سكرتير الجالية أنه يعتب عليّ في بعض ما ذهبت إليه من رأي  ، وأنّي غمطت ،  بقصد  أو بلا قصد ، حق بعض من ذكرتهم في المقال ، وضخّمت قضايا هي من الضآلة بمكان ، وأصاب قلمي بعض النشطين في العمل العام فبدا الأمر وكأني أتهمهم في نيّاتهم ، وما شققت والله  صدورهم ، ولا أعلم نيّاتهم .
 كذلك كنت أحسب أنّ لجنة الجالية قد انقسمت على نفسها بسبب خلاف أيدلوجي بين أعضاء لجنتها ،  أو تحالفات سياسيّة، وفاتني أنّ هذه اللجنة  ، بما فيها من يساريين ، كانوا قائمة واحدة في انتخابات الجالية فلما كتب الله لهم الغلبة ، فإذا هم فريقان يختصمون ، بسبب الاختلاف على منصب الرئيس ، الذي فازت به الأخت الأستاذة إيمان قريب الله ، حسب الإجراء الديمقراطي المتعارف عليه في حسم الخلافات  ، وهو التصويت .
 هذا وقد أُتيحت لي فرصة الحديث مع  واحد من الطرف المعارض للرئيسة الحالية ، فما وجدت عنده حجة  مقنعة ، ولا سند قانوني يستمسك به ، فهو يرى أنّ المرأة ــ أيّة امرأة ــ لا تصلح لرئاسة الجالية ! ويحتج لرأيه هذا بأنّ بعض المواقف قد تقتضي حضور رئيسة الجالية  ، أو الاتّصال بها في ليل بهيم  ، مما لا يناسب  خصوصيّة المرأة .
 وهذا الكلام بقايا ثقافة سودانية عفا عليها الدهر في موطنها فما بالك ببلاد الفرنجة ! أو إن شئت فقل ـــ إرضاءً لنسوة المنظمة ـــ استعلاء  ذكوري ، ثم لا أدري أيّ ليل دجوجيّ هذا الذي يمنع المرأة من الخروج  ، و ليل واشنطن  كنهارها  ! ولو حدث للرئيسة طاريء ــ والطواريء قليلة ــ  يمنعها من المشاركة في نشاط ما   فيمكن لنائب رئيس الجالية  أن يقوم مقامها ، أضف إلى ذلك  أنّ الرئيسة الحالية ليس عندها  ما يشغلها عن العمل العام ، فأولادها  ، ولله الحمد والمنّة ، قد بلغوا الرشد .
 كذلك ممّا يؤخذ على رئيسة الجالية أنّ لها في رئاسة الجالية منافع شخصيّة ، وأجندة خاصة ، تتعلق بمنحها منحة دراسية من قبل جهات اشترطت عليها أن يكون لها موقع قيادي في مجتمعها ، ولو صحّ الكلام أو بطل ، فما يضيرها ذلك  بشيء ، ولا يقدح فيها  ، فإذا أدّى الشخص العمل العام بكفاءة ثم جرّ عليه هذا العمل  من حيث لا يدري منافع ، فمن باب " وليشهدوا منافع ".
 وإذا كانت هناك أشياء تتعلّق بحياتها الخاصة ، فذلك باب موصد لا ينبغي لأحد اقتحامه .
 وأشدّ ما يعاب على الرئيسة أنها واقعة تحت تأثير شرذمة قليلة من الشيوعيين في اللجنة ، وآخر خارجها ، ترى الحق عغندهم ، ويرونه هم عند اللجنة المركزية لحزبهم ، ولعل غمط الآخرين لها حقّها في  الرئاسة ساقها قسراً إلى مثل هذه التحالفات  الصوفية الشيوعيّة  ، و لها في أزرق طيبة أُسوة حسنة ! .
 ليس بيني وبين شيوعيي واشنطن عداوة شخصيّة تدعوني إلى مناكفتهم بل بيني وبين بعضهم مودة وعلاقة اجتماعية طيبة ، وما الذي بيني وبينهم إلا التباين الفكري الحاد .
 إذا صحّ لي أن أنتقد تحالف رئيسة الجالية مع الشيوعيين في لجنة الجالية ؛  بسبب خلافي العقدي والسياسي معهم  ، فلا يجوز ذلك للطرف المخالف للرئيسة ؛ لأنهم فازوا معهم في  قائمة واحدة ، ومن صلُح لعضويّة اللجنة صلُح لرئاستها .
 خلاف لجنة الجالية خلاف على رئاسة الجالية ، وهو من الخطورة بمكان ؛ لأنه ينسف آلية الاحتكام للتصويت ،  والقبول بنتيجته ، فمتى ما تمرد أعضاء اللجنة على هذا الإجراء  ، داروا في حلقة مفرغة  لايُدرى أين طرفاها  ، وهدروا قيمة مهمة من قيم الديمقراطية ، فهل يسرع سراة القوم وحكماؤهم إلى تدارك هذا الأمر قبل أن ىيستعصي على الحل ؟
 كان لي حديث طويل على الهاتف مع الدكتور محمد الفاتح ، نائب رئيس الجالية ــ وهو معدود من ( المكاجرين)  للرئيسة ، مع أنه يتخذ موقفاً وسطاً ، وهو رجل خلوق وله خبرة طويلة في العمل العام ، وأشد ما يخافه على الجالية  ، الانقسام بسبب قلة خبرة الرئيسة في إدارة المنظمات الطوعيّة ، ووقوعها في فخ الأجندة السياسية لبعض الأحزاب .
 أسلوب الطفرة أو قُل ( الوثبة !) الذي كتب به المقال ربما أفقده وحدة الموضوع  ، كما يقول النقاد ، فبدت قضاياه مشتتة ، فقُدِّم أحياناً ما حقه التأخير ، وأُخِّر ما حقه التقديم ، فالموضوع الأساسيّ الذي كُتِب من أجله المقال  ، هو تسييس الجالية  ، وعداوتها غير المبررة مع  السفارة ، وتورّط لجان الجالية في العمل السياسي  من لدن إنشائها ، وإن اختلفت درجات هذا التورّط باختلاف اللجان ، إلا أنه بدا لمن لم يمعن النظر أنّ الأمر مقصود به اللجنة الحالية على وجه التحديد ، وليس كذلك ، فقد سبق لي أن كتبت في هذا الموضوع تحت عنوان :" الجالية بين التسييس والتتييس "، وكانت لجنة  هذه الجالية آنذاك في رحم الغيب . ولازلت عند رأيي بإقامة علاقة متوازنة بين لجنة الجالية و السفارة السودانية تخدم بها الجالية أعضاءها ، فقد ملّ الناس هذه العنتريات التي لم تقتل ذبابة ، وما نضال جهلول نيويورك على الشابكة ، وادعاءات هرّاطها ( كضّاب الميّة ) ، وتصاوير صاحب السّمادير ، ابن كوستي ( البار ) ، بمغنين عنّا شيئاً ،  فنقطع علاقاتنا مع سفارة بلادنا ، وأبواب النضال السياسي مشرعة وكثيرة فليلجها من يشاء ، وليحجم عنها من يشاء ( بس أختو الجالية دي ) .
 هذا وإنْ  لم تناقش الجالية هذا الأمر ،  وتضع ضوابط لهذا العلاقة ، فإني أرى في الأفق بوادر قيام جمعيات تقوم مقام الجالية في أداء هذه المهمة وغيرها ، وإذا حدث هذا فعلى الجالية السلام .
 ومن هذا المنبر أدعو الأخ الكريم الأستاذ  عبد المنعم الأمين أن يكوّن لجنة من سراة القوم وحكمائهم ؛ للصلح ، ورتق الفتق ، فإنْ لم يفعل فالشقاق ، والشرذمة ، والتشظي في مجتمع الجالية ، واقع  ضحى الغد لا محالة .
 |  |  
  |    |  |  |  |