شامة الخديرا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 01:45 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-18-2014, 12:09 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
شامة الخديرا

                  

03-18-2014, 12:23 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    شَــــامَة الخِدِيــــرَا*
    عفيف إسماعيل*

    ارتبَكَت صُفُوف الواقفين أمام أبواب بيوت زُّقاق اللذة؛ حين رأوا عبدوش يُهرول مُفسِحاً الطّريقَ أمام عربة التاكسي، وهو يَعْقِص جَلاّبِيّة السَّكَرُوتَة ذات اللون الفاقع تحت إبطه الأيسر، ويَفْدَع يدَه اليُمنى كأنها زعانف رخويّة لا تنتمي إلى بقية جسده، ويُولول مثل مُوتَر النجدة أمام موكبٍ رئاسيّ:
    ـ هُوووي يا رجاااااال هُووووي زِحُّوا من الطريق!.
    تهادَت العربة ببطءٍ بين المطبّات اللزجة. التصَق روّاد زقاق اللذة بالأسوار الطينيّة المتهدِّمة، وصاروا يُحدِّقون بنَهَمٍ شَرِهٍ داخل الرَّوَاكِيب والغرف المفتوحة التي تجلس بداخلها نساءٌ شبه عاريات.
    ـ ما تزِحُّوا يا رجال هُووووي!، الشَّفَقَة تطِير، هو الهِنَاي دا بِكْمَل؟!، ولا في زُول لِحِقْ حَدُّو؟!، ما كلّ يوم واقفين صفوف.. صفوف! هِيييي زِحُّوووا بَلا لَمَّة، يزِح فِيكم قُنْدُرَان!.
    توقَّفت العربة بعد أن أشار لها عبدوش أمام بيت شَامَة الخِدِيرَا؛ أجمل غانيَات زقاق اللذّة، وأكثرهنّ دلالاً وغنجاً. وعندما تتسرَّب، من بين شقوق الشبابيك الخشبيّة، شهقاتها وصرخاتها المتقطِّعة المنغَّمة المبحوحة، متصاعدةً مثل أعالي إعصارٍ عاصف، ينسحب كثيرٌ من المُصطفِّين بهدوءٍ ذليلٍ، بعد أن فقدوا أعزّ ما جاءوا من أجله، مُكتفِين من الغنيمة بحسراتِ الصَّدَى، وبرائحةِ بللٍ كثيف.



    يتبع
                  

03-18-2014, 12:23 PM

ابو جهينة
<aابو جهينة
تاريخ التسجيل: 05-20-2003
مجموع المشاركات: 22499

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    *****
                  

03-18-2014, 12:24 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    شَــــامَة الخِدِيــــرَا*
    عفيف إسماعيل*

    ارتبَكَت صُفُوف الواقفين أمام أبواب بيوت زُّقاق اللذة؛ حين رأوا عبدوش يُهرول مُفسِحاً الطّريقَ أمام عربة التاكسي، وهو يَعْقِص جَلاّبِيّة السَّكَرُوتَة ذات اللون الفاقع تحت إبطه الأيسر، ويَفْدَع يدَه اليُمنى كأنها زعانف رخويّة لا تنتمي إلى بقية جسده، ويُولول مثل مُوتَر النجدة أمام موكبٍ رئاسيّ:
    ـ هُوووي يا رجاااااال هُووووي زِحُّوا من الطريق!.
    تهادَت العربة ببطءٍ بين المطبّات اللزجة. التصَق روّاد زقاق اللذة بالأسوار الطينيّة المتهدِّمة، وصاروا يُحدِّقون بنَهَمٍ شَرِهٍ داخل الرَّوَاكِيب والغرف المفتوحة التي تجلس بداخلها نساءٌ شبه عاريات.
    ـ ما تزِحُّوا يا رجال هُووووي!، الشَّفَقَة تطِير، هو الهِنَاي دا بِكْمَل؟!، ولا في زُول لِحِقْ حَدُّو؟!، ما كلّ يوم واقفين صفوف.. صفوف! هِيييي زِحُّوووا بَلا لَمَّة، يزِح فِيكم قُنْدُرَان!.
    توقَّفت العربة بعد أن أشار لها عبدوش أمام بيت شَامَة الخِدِيرَا؛ أجمل غانيَات زقاق اللذّة، وأكثرهنّ دلالاً وغنجاً. وعندما تتسرَّب، من بين شقوق الشبابيك الخشبيّة، شهقاتها وصرخاتها المتقطِّعة المنغَّمة المبحوحة، متصاعدةً مثل أعالي إعصارٍ عاصف، ينسحب كثيرٌ من المُصطفِّين بهدوءٍ ذليلٍ، بعد أن فقدوا أعزّ ما جاءوا من أجله، مُكتفِين من الغنيمة بحسراتِ الصَّدَى، وبرائحةِ بللٍ كثيف.



    يتبع
                  

03-18-2014, 02:04 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    (*)
                  

03-18-2014, 02:25 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: بله محمد الفاضل)

    كانت شَامَة الخِدِيرَا مشغولةً بتنظيف فخذيها بعريكة عجينة الذُّرَة، التي كانت تتساقط في حلقاتٍ مخروطيّةٍ تُشبه نواة حبّات البلح، عندما رأت عبدوش:
    ـ وين أنتَ من الصباح؟، قَلَبتَ عليكَ الوَاطَة دي كلّها ما لقيتك؟!.
    ـ خَلِّيكِ مِني هَسَّع؛ أنا جَايِب ليكِ سيد الناس!.
    ـ هَي آ عبدوش يا حبيبي، إنتَ الناس كلّهم عندك مَراتبهم عالية، رافعهم السَّما!، مَرَّة دا خَالو العمدة، وداك ود المدير، والضّيف عمّو أكبر تاجر ذُرَة في القضارف، آها.. الليلة جِبتَ سيد الناس مرَّة واحدة!!.
    ـ أقول ليكِ كلام جَد.. جَد يا شامتي، أنا الليلة جايِب ليك ليلة القَدُر عديل كدا!، دا نفَحْنِي ليك بأهيف كامل عشان أوصِّلو بيتك!، ولـمّا طَلَّع جُزْلانُو الفَلَّة الفِيهُو ما بتِتْعَدّ.
    ـ هاهاهاها.. هيها.. هاههايا، يـمْكِن قروش مزوَّرة!.
    ـ مَرْمِي ألله مَا بِتْرَفِع!، أقول ليك سيد الناس، وجاي راكب تاكسي طَلَب، مالِيهُو هَتَش كتير، وقاصْدِك بالاسم.
    ضَحِكت شَامَة الخِدِيرَا وهي تَمسح فخذيها الممتلئين بزيت السّمسم، وتحاذر أن تَخدشهما بأظافر أصابع يدها اليُسرى الطويلة، فصارا يَلمعان تحت شمس الضّحى مثل أبنوسٍ مصقول.
    ـ خَلِّيهُو يدخل.
    ركض عبدوش إلى الباب سريعاً وهو يَفْدَع يديه الاثنتين ويَخبط بثِقَلِ رجليه الأرضَ مثل فرخ بَطٍّ يحاول أن يتعلَّم الطيران قبل أن يتعلَّم الجري:
    ـ إتفَضَّل جُوّة يا سيد الناس.
    نَزَلَ من العربة بحذاءٍ كأنه آتٍ به للتوّ من مصنعه الإيطاليّ، وفاح عطر "وَن مان شُو" الثاقب من بين طيّات جلبابه الـمَكويّ بعناية. نصفُ وجهِه يَختفي خلف نظّارة شمسيّة بيرسول، ظلَّلتها خيوط ُقوسِ قزح فور وقوع ضوء الشّمس عليها. أخْفَت طاقيَّتُه نصفَ شعره الفاحم السّواد. على أحدِ أصابع يده اليُسرى خاتمٌ ذهبيٌّ كبيرُ الحجم يُطلّ منه رأس ثعبان. وساعة سيكو ذهبيّة لامعة خطفت الأبصار، عندما وَضَعَ علبة السجائر البينسون في جيبه، وعمامة التوتيل السويسري على كتفه. أحسّ عبدوش بنفسه مثل قزمٍ صغيرٍ أمام طوله الفارع؛ حين قال له بحزم، وبلهجةٍ مَن تَعوّد أن يُعطي الأوامر:
    ـ دَخِّل الحاجَات دِي كلّها جُوّة.


    يتبع
                  

03-18-2014, 02:25 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: بله محمد الفاضل)

    كانت شَامَة الخِدِيرَا مشغولةً بتنظيف فخذيها بعريكة عجينة الذُّرَة، التي كانت تتساقط في حلقاتٍ مخروطيّةٍ تُشبه نواة حبّات البلح، عندما رأت عبدوش:
    ـ وين أنتَ من الصباح؟، قَلَبتَ عليكَ الوَاطَة دي كلّها ما لقيتك؟!.
    ـ خَلِّيكِ مِني هَسَّع؛ أنا جَايِب ليكِ سيد الناس!.
    ـ هَي آ عبدوش يا حبيبي، إنتَ الناس كلّهم عندك مَراتبهم عالية، رافعهم السَّما!، مَرَّة دا خَالو العمدة، وداك ود المدير، والضّيف عمّو أكبر تاجر ذُرَة في القضارف، آها.. الليلة جِبتَ سيد الناس مرَّة واحدة!!.
    ـ أقول ليكِ كلام جَد.. جَد يا شامتي، أنا الليلة جايِب ليك ليلة القَدُر عديل كدا!، دا نفَحْنِي ليك بأهيف كامل عشان أوصِّلو بيتك!، ولـمّا طَلَّع جُزْلانُو الفَلَّة الفِيهُو ما بتِتْعَدّ.
    ـ هاهاهاها.. هيها.. هاههايا، يـمْكِن قروش مزوَّرة!.
    ـ مَرْمِي ألله مَا بِتْرَفِع!، أقول ليك سيد الناس، وجاي راكب تاكسي طَلَب، مالِيهُو هَتَش كتير، وقاصْدِك بالاسم.
    ضَحِكت شَامَة الخِدِيرَا وهي تَمسح فخذيها الممتلئين بزيت السّمسم، وتحاذر أن تَخدشهما بأظافر أصابع يدها اليُسرى الطويلة، فصارا يَلمعان تحت شمس الضّحى مثل أبنوسٍ مصقول.
    ـ خَلِّيهُو يدخل.
    ركض عبدوش إلى الباب سريعاً وهو يَفْدَع يديه الاثنتين ويَخبط بثِقَلِ رجليه الأرضَ مثل فرخ بَطٍّ يحاول أن يتعلَّم الطيران قبل أن يتعلَّم الجري:
    ـ إتفَضَّل جُوّة يا سيد الناس.
    نَزَلَ من العربة بحذاءٍ كأنه آتٍ به للتوّ من مصنعه الإيطاليّ، وفاح عطر "وَن مان شُو" الثاقب من بين طيّات جلبابه الـمَكويّ بعناية. نصفُ وجهِه يَختفي خلف نظّارة شمسيّة بيرسول، ظلَّلتها خيوط ُقوسِ قزح فور وقوع ضوء الشّمس عليها. أخْفَت طاقيَّتُه نصفَ شعره الفاحم السّواد. على أحدِ أصابع يده اليُسرى خاتمٌ ذهبيٌّ كبيرُ الحجم يُطلّ منه رأس ثعبان. وساعة سيكو ذهبيّة لامعة خطفت الأبصار، عندما وَضَعَ علبة السجائر البينسون في جيبه، وعمامة التوتيل السويسري على كتفه. أحسّ عبدوش بنفسه مثل قزمٍ صغيرٍ أمام طوله الفارع؛ حين قال له بحزم، وبلهجةٍ مَن تَعوّد أن يُعطي الأوامر:
    ـ دَخِّل الحاجَات دِي كلّها جُوّة.


    يتبع
                  

03-19-2014, 08:56 AM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    شَــــامَة الخِدِيــــرَا*
    عفيف إسماعيل*

    ارتبَكَت صُفُوف الواقفين أمام أبواب بيوت زُّقاق اللذة؛ حين رأوا عبدوش يُهرول مُفسِحاً الطّريقَ أمام عربة التاكسي، وهو يَعْقِص جَلاّبِيّة السَّكَرُوتَة ذات اللون الفاقع تحت إبطه الأيسر، ويَفْدَع يدَه اليُمنى كأنها زعانف رخويّة لا تنتمي إلى بقية جسده، ويُولول مثل مُوتَر النجدة أمام موكبٍ رئاسيّ:
    ـ هُوووي يا رجاااااال هُووووي زِحُّوا من الطريق!.
    تهادَت العربة ببطءٍ بين المطبّات اللزجة. التصَق روّاد زقاق اللذة بالأسوار الطينيّة المتهدِّمة، وصاروا يُحدِّقون بنَهَمٍ شَرِهٍ داخل الرَّوَاكِيب والغرف المفتوحة التي تجلس بداخلها نساءٌ شبه عاريات.
    ـ ما تزِحُّوا يا رجال هُووووي!، الشَّفَقَة تطِير، هو الهِنَاي دا بِكْمَل؟!، ولا في زُول لِحِقْ حَدُّو؟!، ما كلّ يوم واقفين صفوف.. صفوف! هِيييي زِحُّوووا بَلا لَمَّة، يزِح فِيكم قُنْدُرَان!.
    توقَّفت العربة بعد أن أشار لها عبدوش أمام بيت شَامَة الخِدِيرَا؛ أجمل غانيَات زقاق اللذّة، وأكثرهنّ دلالاً وغنجاً. وعندما تتسرَّب، من بين شقوق الشبابيك الخشبيّة، شهقاتها وصرخاتها المتقطِّعة المنغَّمة المبحوحة، متصاعدةً مثل أعالي إعصارٍ عاصف، ينسحب كثيرٌ من المُصطفِّين بهدوءٍ ذليلٍ، بعد أن فقدوا أعزّ ما جاءوا من أجله، مُكتفِين من الغنيمة بحسراتِ الصَّدَى، وبرائحةِ بللٍ كثيف.
    كانت شَامَة الخِدِيرَا مشغولةً بتنظيف فخذيها بعريكة عجينة الذُّرَة، التي كانت تتساقط في حلقاتٍ مخروطيّةٍ تُشبه نواة حبّات البلح، عندما رأت عبدوش:
    ـ وين أنتَ من الصباح؟، قَلَبتَ عليكَ الوَاطَة دي كلّها ما لقيتك؟!.
    ـ خَلِّيكِ مِني هَسَّع؛ أنا جَايِب ليكِ سيد الناس!.
    ـ هَي آ عبدوش يا حبيبي، إنتَ الناس كلّهم عندك مَراتبهم عالية، رافعهم السَّما!، مَرَّة دا خَالو العمدة، وداك ود المدير، والضّيف عمّو أكبر تاجر ذُرَة في القضارف، آها.. الليلة جِبتَ سيد الناس مرَّة واحدة!!.
    ـ أقول ليكِ كلام جَد.. جَد يا شامتي، أنا الليلة جايِب ليك ليلة القَدُر عديل كدا!، دا نفَحْنِي ليك بأهيف كامل عشان أوصِّلو بيتك!، ولـمّا طَلَّع جُزْلانُو الفَلَّة الفِيهُو ما بتِتْعَدّ.
    ـ هاهاهاها.. هيها.. هاههايا، يـمْكِن قروش مزوَّرة!.
    ـ مَرْمِي ألله مَا بِتْرَفِع!، أقول ليك سيد الناس، وجاي راكب تاكسي طَلَب، مالِيهُو هَتَش كتير، وقاصْدِك بالاسم.
    ضَحِكت شَامَة الخِدِيرَا وهي تَمسح فخذيها الممتلئين بزيت السّمسم، وتحاذر أن تَخدشهما بأظافر أصابع يدها اليُسرى الطويلة، فصارا يَلمعان تحت شمس الضّحى مثل أبنوسٍ مصقول.
    ـ خَلِّيهُو يدخل.
    ركض عبدوش إلى الباب سريعاً وهو يَفْدَع يديه الاثنتين ويَخبط بثِقَلِ رجليه الأرضَ مثل فرخ بَطٍّ يحاول أن يتعلَّم الطيران قبل أن يتعلَّم الجري:
    ـ إتفَضَّل جُوّة يا سيد الناس.
    نَزَلَ من العربة بحذاءٍ كأنه آتٍ به للتوّ من مصنعه الإيطاليّ، وفاح عطر "وَن مان شُو" الثاقب من بين طيّات جلبابه الـمَكويّ بعناية. نصفُ وجهِه يَختفي خلف نظّارة شمسيّة بيرسول، ظلَّلتها خيوط ُقوسِ قزح فور وقوع ضوء الشّمس عليها. أخْفَت طاقيَّتُه نصفَ شعره الفاحم السّواد. على أحدِ أصابع يده اليُسرى خاتمٌ ذهبيٌّ كبيرُ الحجم يُطلّ منه رأس ثعبان. وساعة سيكو ذهبيّة لامعة خطفت الأبصار، عندما وَضَعَ علبة السجائر البينسون في جيبه، وعمامة التوتيل السويسري على كتفه. أحسّ عبدوش بنفسه مثل قزمٍ صغيرٍ أمام طوله الفارع؛ حين قال له بحزم، وبلهجةٍ مَن تَعوّد أن يُعطي الأوامر:
    ـ دَخِّل الحاجَات دِي كلّها جُوّة.
    بينما هو يَخطو إلى داخل البيت، انحنَى قليلاً لتَعبُر قامتُهُ الفارعةُ من خلال باب الزِّنك المتهالك. تَعاوَن عبدوش وسائق التاكسي لحَمل الكَرَاتين الكثيرة إلى داخل البيت، واحدةً بعد أخرى، من المقعد الخلفيّ للسيارة. وعندما فتَح السائق ضَهريَّة العربة، تعالَى منها صوت خروف مَدُوعَل باع، باع!، لم يستطيعا حَمله أكثر من مسافة مترين، ثم أمسكاه من أذنيه وهما يَجُرّانه إلى أن أحكَمَا ربطه جيداً على إحدى شِعَب الرَّاكُوبَة، وصوته يتعالى باع.. باع.
    ـ بيتنا نَوَّر.
    ـ ماهُو بايِن ما شاء الله، تبارك الله، مِنَوِّر بأهْلُو.
    ـ أهلو وجيرانهم وناس الزُّقاق تحت أمرك، ولا أقول ليك كلّ طلباتك أوامر.
    ـ تَسْلَمِي يا الأميرة، أنا ما دَايِر منهم كلّهم إلا إنتي بس!.
    ـ وأنا جاااهزة ليك مُوَية ونُور!.
    اضطجَعت شَامَة الخِدِيرَا على السرير الوحيد في الغرفة الطينيّة مُبتسمةً بدلال، ورفَعَت ملابسها الداخليّة الصفراء الشفّافة القصيرة إلى ما فوق سُرّتها.
    ـ لا.. لا.. ما هَسَّع!.
    ـ ما عَجبتَك ولا شنُو؟.
    ـ إنتِ عِزّ الطّلَب وزيادة، وزي ما وَصَفوك لي.
    ـ طيِّب مالَك؟!.
    ـ اعتَبريني راجْلِك وجاي من السَّفر بعد غيبة طويلة، بتِتجَهَّزي لي كيف؟.
    ـ بَقُشّ البيت وبَرشُّو، وبَفْرُشُو زي يوم العيد، وبَطبُخ ليك الأكل البِتحِبُّو وبعد داك، بَتْحَنَّن، وبَتدَخَّن، وبَنْتَظْرَك.
    ـ ودا كُلُّو بيَاخُدْ منِّك كم سَاعة كِدَا؟!.
    ـ تلات، ولا أربع ساعات.
    ـ حَ أمشي أقضي شَغِلتي في السُّوق، وبَجِي بعد السّاعة تلاتة، خَلِّيهم يضْبَحُوا الخروف، عايز شَيَّةْ جَمُر وشُوْرَبَة وسَلَطة خضار بس في الغَدَا، أعملي حسابك ح أبَيِّت معاكي الليلة. هاكِي الخمسين جنيه دي جَيِّهِي بيهن رقَبْتِك لحَدِّ ما أرجع، و...
    ـ خَمْـ.. خَمْـ.. خَمْسـ.. خَمْسِيييـ.. خَمْـ.. خَمْ كَمْ؟.
    ـ خمسين جنيه، شويَّة ولا شنو؟!.
    ـ لا.. لا دِي تَجَيِّه الزُّقاق كلُّو.
    ـ طيِّب لحَدِّ بعدين.
    ـ منتظرَاك يا سيد الناس.
    أعادت شَامَة الخِدِيرَا عَدَّ الجنيهات الخمسين مرّتين وهي غير مُصدِّقة، أخْفَت أربعين منها في مكانٍ أمين، ثم نادَت بصوت مبتهج:
    ـ عبدوووووووش، يا عبدووووووووش.
    ـ هُووووووي حبيبة عبدوش.
    ـ واللهِ صَحِي زُولَك دا سيد الناس، كَدِي شُوفْ في واحد من الناس الواقفين في الصّف دِيل يضْبَح لينا الخروف دا ويسلَخُو سريع، ولا أقول ليك حاجة، أطرُدْهم كلّهم وقُولْ ليهُم الليلة مَافِي ليكم، أمْشُوا بطَرَّادَاتكم المعَفِّنة دِي بعيد، وهاك الجنيه دا أمشي جِيب ضَبَّاح من الجِزَارة.
    وَضَع عبدوش الجنيه في جيبه، وهمهم ضاحكاً:
    ـ واللهِ يَاهُو!، ضَبَّاح من الجِزَارة!، وجنيه كمان؟، وأنا بَعمل في شنو؟!.
    ـ نادِي لَيْ فَطُّومَة الحِمِيرَا، وبت الجَاك، ومَرْيُومَة، وقُولْ ليهِن يخَلَّن أيّ حاجَة بِعْمِلَن فيها، ويجَنِّي سريع يسَاعْدَنِّي، وحَقَّهِن بَرَّة دَبُل. وهاك الخمسة جنيه دِيل اشتري خضار وحاجَات نطبُخ بيها الخروف دَا من السوق. وما تنسَى الفواكه والباسطة.
    وَضَع عبدوش الجنيهات الخمسة في جيبه وصارَ يغنّي:
    ـ "ليلة القَدُر.. يا ليلة القَدُر". شايْفَة الكَرَاتِين البَرَّة دِي؟، سيد الناس ما خِلَّى حاجَة ما جَابَا، مليانات لي الطِّيْش، شِيلَةْ عريس بَسْ!، حتى البيرَة والشَّرِي والويسكي فيهن. والشطّة الحَمْرَا والخَدْرَا والملح والبهارات والخضار مفرهِد التَّقُول جايْبُو من جَرْفُو هَسَّع!.
    ـ طيّب مسْتَنِّي شنو؟!، الراجل جَاي بعد تلات أربع ساعات.
    أخرَجَ عبدوش ثروته الصغيرة غير مُصدِّق، وصار يُعيد ويُكرّر عدّها بصوتٍ راقص مع إيقاع خطواته المُتثنِّيَة المتّجِهة نحو الباب:
    ـ"ليله القَدُر.. يا ليلة القَدُر"، واحد الله، اتنينْ حَلُّوا الدَّين، تلاتة جَنْ بنات الفَلاَّتَة، سِيْهْ، دُوْسِهْ، بُلاَطَة، أربعة كَبْ شَالُو الجَمَلْ بما حَمَلْ، خمسة وخميسة في عين العَدُو، سِتة صَعَايْدَة، آحَّييي يا اللُّوري تَشِيل مِنُو؟!، حِكَمْ!!، لِيه تَشِيل السَّيْدَة وتَخَلِّي الحَرَم؟!، مالها حَرَم دِي عِيبها لي؛ عَويرة؟، ولا عَوْرَا؟، ولا أَبَتْ ليك؟، هاهاهاها هِيْ عِندَها لكن أَبَتْ تَدِّيك!، آحَّييي يا اللُّوري تَشِيل مِنُو!!.
    ***
    ـ إنتِ اسمِك مِنُو؟.
    ـ الناس هِنَا بنَادُوني شَامَة الخِدِيرَا.
    ـ عاشَت الأسامي يا الخِدِيرَا، أنا الخُدْرَة الدُّقَاقَة كاسْرَة فيني ضُلْعَة، ورَامْيَانِي مِن طُولِي، ومَاذْيَانِي أَذِيَّة؟!، تَوَدِّيني البَحَر وتجِيبْنِي عطشان، كان مَفروضْ يسَمُّوك شَامَة البَرِقْ بَسَّامَا.
    ـ هاهاآآآها، هاآآآيا.. هيي.. هيي.. هيه هييا.. دَا بَس مِن ذُوقَك، إنتَ اسمَك مِنُو؟.
    ـ عبدوش ما قال ليك اسمِي منو؟.
    ـ سيد الناس، واللهِ لايِقْ عليك أكتَر من أيّ اسِم تاني.
    ـ طيِّب، سيد الناس.. سيد الناس، ومالُو؟، هو الأسامي بقروش.
    ـ مَالَك بِتْنَقِّد في الأكل كدا؟ ما عَجَبك ولا شنو؟!.
    ـ يا سلام عليك يا الخِدِيِرا؛ دا الطَّبيخ ولا بلاش، إيدِك طاعمة زَيِّك.
    ـ الرسُّووول عليك ما تغَسِّل إيدَك، كَمِّل الشُّورْبَة دِي بَس!.
    ـ شِبِعْتَ خلاص.
    ـ حِتَّة اللحمة الفِيها الشَّحمة دي عليك الله.
    ـ عشان خاطرِك بَس، تاني ما تَدِّينِي.
    ـ لكن بَس...
    ـ واللهِ ما بختَشِي، مُش اتَّفقنا إنُّو البيت بيتي؟.
    ـ النَّبِي فُوقَك كانْ تَقُوم، بَس العَضُم دا.
    ـ كان أكلتَ حِتَّة تاني بَطَرْشِق عديل، يا سلام عليك يا الخِدِيرَا!، أنا نفسي اتفتَحَت ليك ومعاك، واللهِ وما طالْبَانِي حَلِيفَة؛ أنا لَيْ زمن طويل جداً ما أكلتَ قَدُر دا!.
    ـ بِالهنا والشّفا، ومحل ما يسري يمري.
    ـ بتحِبِّي السينما يا الخِدِيرَا؟.
    ـ آيْوَه بحِبَّها موووووت، خاصة أفلام عماد حمدي وأحمد رمزي وشويكار وسعاد حسني وشامي كابور وسبنة. أفلام الكابويات تيشن، تشين دي بتعمل لي وجع راس. لكن بحبّ السمين ترنتي، أُم دَلْدُوم حَقَّتُو الصَّامُوتِيَّة بتضَحِّكني ضحك. وإسماعيل ياسين دا بِكْتُلني بالضحك لامِن آقَررررِّب أبول في لباسي!.
    ـ خَلِّي عبدوش ينزِّل الحاجَات الفِي العربيّة، ويقول لبتاع التاكسي يجيني بُكرة بَدري الساعة خمسة صباحاً، حَ أنُوم شويّة، بعد ما تجَهِّزِي شاي المغرب صَحِّيني. بعد داك حَ نمشي السينما، فيها فيلم هندي كارب اسمو «جانوار» حَ يعحبك.
    رَكَضَ عبدوش نحوها وحَمَل منها الصينيّة التي ما زالت مُمتلئة بكل ما لذّ وطاب.
    ـ أرجعي إنتِ جُوَّة حبيبتي، حَ أجيب ليكُم التحلية والشاي بعد شويّة.
    ـ زُولَك نام.
    غمَزَ لها بعينِهِ اليُسرَى وهو يمَصمِص شفتيه، ثمّ أصدَرَ صوتاً متواصلاً باحتكاك لسانه وشفته السّفلى:
    ـ ما بَسألك، لكن.. إنتُو عمَلتُو دُوْرْ قبل الغَدَا ولا شنو؟!، عَافِي مِنِّك، عارْفِك ما بتِتْوَصِّي يا الخِدِيرَا.
    ـ لا.. وَحَاتَك، زُولَك دا ما قِدِرتَ أعرف مُوْيْتُو أصلو!.
    ـ كيف؟.
    ـ أوّل مَرَّة يجِينِي راجل ويقعُد معاي يتوَنَّس سَايْ!.
    ـ ها يَا الغَبْيَانَة التَّغْيَانَة، دِي ما ليله القَدُر ذاااتا.
    ـ يتكلَّم بحساب، ومَمْهُووووول، كأنُّو ما لاحِقْ حاجَة!.
    ـ كلّ البَعَرْفُو عنُّو إنو سيد الناس، قِيَافة، وفَايت الناس مَسافة، وكرييييييم بَحَر!.
    ـ لكن هُو...
    ـ عُمْرك كُلو تعَزِّلِي في الناس، دا قصيِّر ما دايْرَاهُو، ودا رِيحْتُو.. كيف.. كيف!، وداك عيونو شَر.. شَر، وداك تِفَّتُو مقَمِّلَة!. ما بتدَخِّلِي عليكِ إلا البِعْجِبِكِ، آها الليلة جَاكْ السِّمّ القَدُرْ عَشَاك. وحيَّر حَنانِك ذَاتُو.
    ـ يكونْ ما عِندُو شِي؟!، كِيسُو فَاضِي؟!، أكُون ادَّخَّنْتَ واتْحَنَّنْتَ واتْعَرَكْتَ مرّتين على الفاضي سَاي!.
    ـ هِيي آ شَامَة شُوفِي، الزُّول مِن مَشْيَتُو بِتْعَرِف الشَّايْلُو قَدُر شنُو، أنا مِن ما شُفتُو اتمَنِّيتُو لِي رَقَبْتِي دي، قلتَ أرِيْتُو لَيْ يَا يُمَّة. واللهِ كان أَدِّيتِيني فرصة، هَسَّع أجِيب ليك خَبَرُو. قِسَمْ لكن!، رزقاً تَفَتِّش ليهو، ورزقاً مَكْتُول في غيرك.
    ـ أقولْ ليك قاعدة قِدَّامُو مِشَتِّتَة، وما لابسة أيّ حاجَة غير قِنِيلَّتِي الصّفرا الجديدة، أيّ حاجَة بَرَّة، بَس يعايِن لعيوني ويسبِّل عيونو الكُبَار السَّمحَات ديل ويقول لَي: شَامَة البَرِقْ بَسَّامَا!، دا راجل شنو دا البيبدأ من الوَش دا؟، وقبل ما يكمِّل كلمة حَ أنُومْ شويِّة كويّس، غِرِقْ في سابِعْ نُومَة زي الجَاهل الصغير!، أشارْطَك عديييل زُولَك دا كان ما طَلَع تاجر بَنْقُو وبِلِفَّها، بِكون نَبي الله الخِدِر. واللهِ صَحِي!.
    أحلامٌ كثيرةٌ طافت في فضاء الغرفة التي نام بها سيد الناس، لكن أكثرها وضوحاً، تلك الرّؤية المُستبدّة التي لا تَغيب من أمام عينيه وتُطارده في صحوِهِ ومنامِهِ، يَرَى وُجُوهاً كثيرةً مُتحلِّقةً في دائرةٍ طَرُوبةٍ تَرقصُ في حفلةِ عرس صبيَّةٍ فائقةِ الوسامة، تُشبِه شَامَة الخِدِيرَا، إلا أنها أقلّ امتلاءً، وأكثر نضاراً منها، وهو يَقِفُ بوجهٍ حَزينٍ خلفَ جَمهرة المُصفِّقين، والمَبسوطين، والمَطَامِيس الذين يَنُوبُون عن العريس الغائب في بلادٍ خلف البحر الأحمر، وهو يَنظر إلى العروس بعينين مذهولتين، ويَمسح بين حينٍ وآخر بعُمامته دموعه.
    ***
    ـ ديل تُوبِين، واحد منهن مارْكَتُو لِسَّة ما نَزَلت السوق!، ألبَسِي البعجبك منهن.
    ـ آحَّييييي اَنا من السَّماوِي دا!، يجَنِّن.. يجَنِّن.. يجَنِّن عديل كدا!، كان عايز تَظهَر البَس أصْفَر، واااي اَنا من أبْ قِجِيْجَة دا!، كَمَانْ أصفر منَقَّط بي بُنِّي محروق!، يا ريت لو أقْدَر ألبَسْهُم الاتنين في وقت واحد!.
    ـ مَافِي مُشكلة يا سِتِّي، ألبَسِي واحد الليلة والتاني بُكرة.
    ـ هييي!، يَعني هُم لَي؟.
    ـ أيْوَه، يستاهَلُوك.
    ـ يا أخي إنتَ سيد الناس لِي حَدَّهم، ما تخَلِّيك من السينما، وخَلِّيني أبسطك بَسطة تمام، عُمرك كلّو ما تَنساها!.
    ـ يَلاَّ سَريع، كلّها تِلِتْ ساعة والفيلم يبدأ. ما دَايِر المَناظر تَفُوتنا.
    ***
    ـ عبدوووووووش، يا عبدووووووووش.
    ـ صباحيَّة مباركة يا عروسة.
    ـ وِينُو زُولَك دا؟.
    ـ مِن بدري فات، قبل الشمس تَطْلَع كويّس، بعد ما نَفَحْنِي بعشرة جنيه جُدَاااد من الورقة، جنيه ينطح جنيه. الوصيّة في الذِّمَّة يا حبيبتي، واللهْ بِسْأل منها يوم القيامة، وقال لَيْ أوّل ما تَصْحِي أدِّيك الخمسين دي.
    ـ خمسين جنيه تاني!، تحت المَخَدَّة لِقِيتُو خَاتِّي خاتم الدَّهَب حَقُّو، وخمسين برضو!.
    ـ ما قلتَ ليك يا الخِدِيرَا! يعني ليلة القَدُر إلا يكتبوا عليها ليلة القَدُر؟!.
    ـ الساعة كم هَسَّع؟.
    غَمَزَ بعينه اليُسرَى:
    ـ تسعة يا عروسة، هُوْ كانْ مَبسوط منك، وقال لَيْ يا الخِديِرا ولا بلاش. أنا جيت متأخِّر، قريب الصباح، ورأسي تَقِيل، نُمْتَ في الرَّاكُوبَة، استَغْرَبتَ بابَكُم مقفول، ونوركم موَلِّع، ما سمعتَ ليكم أيّ حركة!، لكن مُسجِّلكم شَغَّااااال تَشْ، غُنَا صَاح، قلتَ يا رَبِّي الحاصل عندكم شنُو؟!.
    ـ يا عبدوش الحاصل لا بِتْحَكِي ولا بِتْوَصِف، إلا تشوفُو بعينك حتى تصدِّقو، هَسَّع أنا شايْفَاهُو حِلِمْ حِلِمْ، كَدِي تعال تَكِّلني لحَدِّ الحمَّام، حاولتَ أقوم وأمشي بَرَاي ماقِدِرْتَ.
    ـ حاضر يا حبيبتي، يا حَولاااا!، عَمَل فيك شنُو الرَّاجِل دا؟!، والمِلايَة دِي مليانَة شنُو؟!.
    أسنَدَت يدَها على كتف عبدوش، وأمسكها من خصرها كمن يتعلَّم المشي، وصارت تسير بتعسُّر وتتأوَّه بين كل خطوةٍ وأخرى، فما كان من عبدوش إلا أن حَمَلَها إلى الحمّام:
    ـ خَلِّينِي أساعدِك.
    ـ إنتَ عارف أنا ما قاعدة أخجل مِنّك، لكن ما دَايراك تَشُوفْنِي كِدَا. سَخِّن لَي مُويَة وكُبْ فيها شوَيَّة ملح وقَرَض.
    ـ برَاحْتَكِ يا حبيبتي، لكن ما قَطَعْتِ قلبي عَدِييييل يا الخِدِيرَا.
    ـ بَنَادِيك بعد ما انتهي.
    أعَدَّ عبدوش قهوة وشَاياً سريعاً، وأخرَجَ ملايَة جديدة من إحدى الكَرَاتِين الكثيرة التي أحضرها سيد الناس. عندما نادَته شَامَة، حملها مرةً أخرى إلى غرفتها، ورَمَى بحبَّاتٍ من اللُّبَان الدَّكَر، وسبعَ خَرَزاتٍ حمراء من عين الشيطان، في المُبْخَر، وطاف به حولها عدّة مرّات.
    ـ طَقُّوكِ عِين، ما قلتَ ليكِ ما تدَخِّلِيهِن بيتك؟!، دِيل حاسدات وقَلِبِن أسْوَد، وعيونِن زي السّم، واللهِ دِي عين!!، خاصّةً فَطُّومَة الحِمِيرَا، عِينها اللهُ أكبر عليها!.
    ـ هَيْ آ عبدوش عَينْ شنُو كَمَان!.
    ـ لازِم تَوَرِّينِي الحصل شنُو؟ إمْكِن سيد الناس دا يِجِي تاني.
    ـ شُفتَ كانْ فَرَش قروش الدّنيا دِي كلّها تاني ما يقَرِّب منّي.
    ـ أنا كان عارف ما كُنْتَ مَشيت خَلِّيتِك بَرَاكِ معاهو، أذَاكِ ألله يَاذَاهُو.
    ـ ما تدَعِّيهُو، هُو ما قَاصِد، ألله خَلَقُوا كِدَا!.
    ـ كَمَانْ بِتْحَامِي ليهو بعد ما عمل فيكِ كِدَا؟، واللهِ إنْتِ قلبِك أبيض من القطن.
    ـ أنا عُمري دا كُلّو مَافِي زُولْ حَسَّسْنِي إنّي بَنِي آدميّة غيرو، سَاقْنِي السينما، وقَدَلْ بَي الحِجِل بالرِّجِل كأنِّي خطيبتو.
    ـ لكن..
    ـ آهَا.. بعد ما جِينا من السينما، أنا قلتَ آهَا.. الـمُويَة تكَضِّب الغَتَّاس، تَانِي حَ يتحَجَّج بشنُو الرَّاجِل دا؟، وجِيتُو ليك زَي النِّمْرَة الهايجة، أنْقُر عَمَل شنُو؟.
    ـ طبعاً مَلاكْ صَمُغ، وخَلَّى رِيحتِك طِير، طِير!.
    ـ لا.. وَحَاتَك، الزُّول دا رُوحُو سَلَبَة، مَمْهُول التَّقُول شَغَّال قَصَّاص أَتَر؛ أتَارِيهُو كانْ رَاقِدْلُو فُوقْ رأي، قال لي اتدَخَّنِي لحَدِّ ما استَحمّ، بقلبي قلتَ ألله يطَوِّلِك يا رُوح، دَا اليوم المِقْدَارُو ألف عام البِقُولو عليهو ذاتو، آها.. النَّشُوف، بعد الدُّخان والحمَّام الفي أنصاص اللَّيالي دا كَمَان، في شنُو تاني!، والله ما فَاضِل ليهو إلا يقول لَي دايِر يصلِّي الصُّبح حاضر. قلتَ أتدَاغَل وأتغَاتَت وأتَّاقَل عليهو شوَيَّة. بعد ما مَرَق من الحمّام، قعَدتَ ليك في حُفرَتي ديك يمكِن قريب نُصّ ساعة، وَحَاتَك ولا هَبَّبُوا لَي، خُفْتَ يكونْ نام، سَريع سَريع قُمتَ شِلْتَ شَمْلَتِي وخَشِّيت عَليهو خَشَّتِي البِتَعْرِفَا ديك، لِقِيتو مطلِّع جَلاَّبِيتو وراقِدْ بالسّروال الدّاخلي ومِشَغِّل المسجِّل ومغمِّض عيونو، وعامِلْ فيها رايِح مع أغنية "السنين" بتاعة الطيب عبد الله. رَقَدتَ ليك جَنْبُو. عضلاتُو مفَتَّلات، وصدرو دا مربَّط قُولم.. قُولم.. التَّقُول بَطَل مُصارعة ولا بشِيل حَدِيد، ومليان شَعَر زي رشدي أباظة، قلتَ بقلبي دِي ما ليلة االقَدُر حَقَّت عبدوش ذاااتا!. قام على حِيلُو بنفس مَهَلْتُو ديك البِتْسِلّ الرُّوح، وجاب صحن زيت السمسم ومسَّحنِي ليك قَلَبَة وعَدَلة، أصابْعِيهو ناعمات لكن لـمَّن يِجَنْ هناك بِبْقَن خشنات، وقويّات، وحنينات، يمين وَصَلتَ السَّما السابع مرَّتين بأصابعيهو بس!. آها.. بعد داك قام جاب عِمَّتو وربَطني من نُصِّي على السرير، لحَدِّ ما حَسِّيت ليك مَصَاريني اتطَبَقَن على ضهري، ورَفَع رِجْلَي ورَبَط كل واحدة في كُرَاع من كِرْعِين السرير، رَبَط يَدي اليمين وخَلى الشمال، بيني وبينك قلتَ الزول دا بتاع مزاج قاطعو من رأسو، تاني خُفتَ ليك خُوفَة؟، قلتَ الزول البارد دا يمكن يكون كَتَّال كُتَلا زي بتاعين الأفلام دِيلَك، لكن طَلَّع سروالو، أشُوف ليك الشِي حَقُّو أسود طوييييل وتخيييين مدَلْدَل دَلْقُون ساكت!، يقرِّب يحصِّل رُكبَتُو!، زي المُصْرَان البِجدَعُوه في عيد الضحية داك، قُلتَ بقلبي بعد القُومَة والقَعْدَة دي كلّها هُو طَلَع بتاع فُرْشَة بَس، مَسَكتو ليك وبَدِيت أمَسِّح، قال لي ما كِدَا، تَكْتِكِيو برَّاحَة جُوَّاك حَبَّة.. حَبَّة!. ها.. حِلِيل أبوُي داك!، دا يتَكْتِكُوه كِيف؟، إلا أجِيب لَي حَنْقُوقَة!، لكن وَرَّانِي طَريقة، قال لي بَسْ حاوْلِي بَرَّاحة بَرَّاحة، وحَبَّة حَبَّة، والباقي بِدْخُل بَرَاهُو، وأنا شَغَّالا ليك زي صَبِي التَّرْزِي البِتْعَلَّم يدَخِّل ليهو تِكَّة في حزَّة سروال لأول مرَّة، لـمَّن وَصَلتَ قَريب نُصَّو، فجأة شعرتَ بالشِّي بدأ يتْحَنْفَش ويكبَر لامِن بِقَى زي وِتِد رابطين فيهو فيل!، الساعة المَرَقُو وغَزَّا تانِي، التَّقُول سِيف قَسَمْنِي النُّص، وحَسِّيت بِيهُو في نُص رأسي؛ جِسمِي كُلُّو قال شَحّ التَّقُول ضَرَبَتْنِي كهرَبا ولاّ صاقعة!، وبِقِيتْ لا في السَّما لا في الوَاطَة!، زي الكَبُّو فِيني مُويَة مَغْلِيَّة، وبعدها طوّالي مُويَة باااردة، خَرْبَشْتُو ليك بأضافر يَدي الشمال الطُّواال ديل، بَرْضُو ما نَفَع، حاولتَ أصرخ لكن لساني ذَاتُو راح مني، اتلَصَّق في نُص حلقي، بِقِيت أقابِض في نَفَسي زي الغَرْقَان في نُص البَحَر، غِمِرْتَ، ولـمّا صحيتْ بَعَدْ كَم ما عارفة!، لِقِيتُو دَفَّق مُوْيتُو، بَسْ شَلاَّل، مِطَنْبِج الحِتَّة كلّها، لحَدِّ ما تخيَّلتَ ممكن تَغَرِّقني وتَطْلَع بي نِخْرَي، وهُو راقد بِسْمَع في نفس الأغنية بتاعة الطيب عبدالله، مما شَعَر بَي صحيت قامْ تاني زي الجِنْ متْحَنْفِش نَاطِّي في نُصِّي بمصيبتُو ديك، وكانت زي العَتلة، أسمَع ليك ضَهري كُلُّو يسَوِّي طَقْ.. طَقْ.. طَرَقْ، وضلوُعيِ ديل أسكُتْ سَاي!، اتْهَرَسَن هَرِس، وقلبي دَقْ.. دَقْ.. دَقْ، زي الحَرَامِي السَّاكِّنُّو، قَرَّب يطير، بَسْ وَحَاتَك يا عبدوش، تلات ولا أربع مَرَّات أنا ما فاهمة أيّ حاجَة، كل مرّة أغْمَر لِيكَ، أَصْحَى أحِسّ ليك بالمَخْتُوم بخِتِمْ رَبُّو دَا يبَقْبِق، بَقْ.. بَقْ سَايْ بَرَاااهُو، ويسَوِّي التَّاحْ، ينْتَح ويرْطُن ويهَلْوِس ويبَرْطِم تَحْ.. تَحْ، تَفْ.. تَفْ، زي شَلالِيف الزُّول التَّمتَام.
    ـ واااي، واااي.. خَلاَّنِي بَرَاااي.. دا الشُّغُل.. دا الشُّغُل ولا بلاش!، يَخْسِي عليك يا الخِدِيرَا، ما كُنْتِ تنادِيني أساعدك وأتَكْتِك ولا أتَكِّك معاك شوية!، يَخْسِي عليك يالخِدِيرَا، أنا قايْلِك بِتْعِزِّينِي زَي ما بَعِزِّك!، ليه ما نادِيتِينِي أَلْمَسُو، أَشُوفُو بَسْ، دا حَقُّو كان تَنَادِي أيّ زُول يجِي يشُوفُوا ويتبرَّك فيهو. يَخْسِي عليك، ما قايْلِك كدا. حرَام عليكِ، ما قايْلِك خاينَة كدا!، هييي يا قلبي عَادْ زَيْ دَا، تانِي ويييين نَلْقَا؟!، دا زَي النَّجمة أم ضَنَب، بِظْهَر بَسْ مَرَّة وَاحدة في العُمر.
    ـ أقول لِيك أنا لِسَانِي ما لقِيتُو، هَسَّع أنا مَتْفُوفَة تَف، زَي الدَّاقِّنِّي بِيَدْ فُنْدُك!.
    ـ أَوَدِّيكِ الدكتور؟.
    ـ حَ أقول لِيهو شنُو يَعني؟، وِلِدتَ امْبَارِح؟، ولا طَهَّرُوني الليلة بعد العُمر دا؟!. هاك الجنيه دا أمشي الصيدلية جِيبْ لَي مُضاد حيَوي أو أيّ مصيبة زمان.
    ـ ليله القَدُر.. يا ليلة القَدُر.




    بيرث،13 يناير 2012م
    * من كتاب مِثـلمَا يَنـامُ الضَّـوءُ بَعِيـدَاً ، "مُنمْنَمَات حِكائيَّة"دار النسيم للنشر والتوزيع، القاهرة مارس 2014م

                  

03-19-2014, 02:48 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    الكــاتــب*

    عفيف إسماعيل
    شاعر وكاتب مسرحيّ.
    * من مواليد مدينة الحصاحيصا ــ السودان ـــ 1962م.
    مقيم بمدينة «بيرث» بغرب استراليا منذ العام 2003م.
    صَدَر له باللّغة العربيّة:
    * فِخَاخٌ.. وثَمَّة أَثَر «شعر» مكتبة الشريف الأكاديميّة ــ الخرطوم ــ السودان 2001م.
    * رِهَانُ الصّلصَال «شعر» كتاب مجلة شعر المصرية ــ القاهرة ــ مصر 2003م.
    * مَمَرٌّ إلى رَائِحَةِ الخَفَاء «شعر» الهيئة المصرية العامة للكتاب ــ القاهرة 2006م.
    * إنَّه طائرُك «شعر» دار الحضارة للنشر ــ القاهرة 2007م.
    * مُسامَرةٌ من وراء المحيط «نثر صحفي» دار النسيم للنشر والتوزيع ــ القاهرة 2013م.
    * من كتاب مِثـلمَا يَنـامُ الضَّـوءُ بَعِيـدَاً ، "« مُنمْنَمَات حِكائيَّة» دار النسيم للنشر والتوزيع ــ القاهرة 2014م.
    * الأعمال الشعرية، دار الحضارة للنشر، القاهرة 2014 م
    صَدَر له باللّغة الإنجليزيّة:
    * رِهانُ الصّلصَال «شعر» ترجمة د.عايدة سيف الدولة ــ دار سامنثا العالمية للنشر ــ أستراليا 2005م.
    * هذا العالَـمُ يَكذبُ علينا يا أمّي «شعر» عربي، إنجليزي ــ دار سامنثا العالمية للنشر ــ أستراليا 2009م
    * السَّاحرُ الإفريقيّ «مسرحية للأطفال» عربي، إنجليزي ــ بريكلي بيير للنشر ــ أستراليا 2010م.
    * طيورٌ يَتيمَة، «شعر» عربي، إنجليزي ــ بريكلي بيير للنشر ــ أستراليا 2011م.
    * ابنُ النِّيل «مسرحية للأطفال» عربي، إنجليزي ــ بريكلي بيير للنشر ــ أستراليا 2012م.
    تُرْجِمَت نصوصه الشعريّة والمسرحيّة ومُنمْنَمَاته حِكائيَّة إلى عدة لغات.
                  

03-19-2014, 06:27 PM

محمد على طه الملك
<aمحمد على طه الملك
تاريخ التسجيل: 03-14-2007
مجموع المشاركات: 10624

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: Ishraga Mustafa)

    ..A most explicit and realist narration i had read
    ..The writer captivate the mind among his words until the end
    .Thanks Ishraga for the tale and the biography of the writer

                  

03-19-2014, 07:46 PM

صديق الموج
<aصديق الموج
تاريخ التسجيل: 03-17-2004
مجموع المشاركات: 19433

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: محمد على طه الملك)

    كتابة صادقة بما يكفى....
    بوح بصوت عالى جداً لما كان يدور فى ديوم المدينة
    يهمنى جداً ان احاسب الكاتب على ادبه وليست على قلة ادبه
    شكراً اشراقة،،،
                  

03-19-2014, 11:28 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: شامة الخديرا (Re: صديق الموج)

    .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de