|
الشيخ عدود...ذاكرة الصحراء التي لا تندثر
|
ليس بدعا أن تنجب الصحراء عظيما، فكثبانها التي ارتوت بماء المكرمات كثيرا ما اهتزت و ربت و أنبتت من العلماء و الشعراء، من البناة و المفكرين، حدائق غناء يحور فيها البصر و تحار منها البصيرة. في أرجائها تلفي الورود و قد اختلفت ألوانها و أشكالها و الزهور و قد تباين أريجها فزادها الإختلاف و التباين رونقا و بهاء و طيب شذى. غير أنه من شبه المستحيل أن يستأثر المرء من كل وردة بلونها و من كل زهرة برياها، فيصبح دون سواه روضة تفيض جمالا و عطرا. لعل تلك كانت من السمات المميزة للقطب الراحل محمد سالم ولد محمد عالي ولد عبد الودود الشهير بالشيخ عدود. العلامة القاضي و الأديب الأريب الشيخ عدود ولد سنة 1929 بشهلات في منطقة اترارزة، و قد نشأ في محيط علمي بامتياز، فوالده الشيخ محمد عالي ولد عدود كان عالما معروفا و شيخ محظرة، أما والدته فهي النجاح منت محمذن فال و هي سليلة بيت علم أيضا. و نهل الشيخ عدود من علم هذه الأسرة التي حبته إياها الأقدار بادئا بحفظ كتاب الله تعالى و إتقان علومه، لتشرع أمامه أبواب المعرفة على مصاريعها، فيرخي العنان لنفسه المولعة بالعلم متنقلا بين واحات الكتب و مستغلا ذاكرته الفذة في تخزين كم قياسي من متون الحديث و الفقه و اللغة و دواوين الشعر. تعطش الشيخ عدود إلى استيعاب كل ما يدخل في دائرة الإنتاج العلمي، دفعه إلى أن يلج مجال الدراسة بأسلوبها العصري، و هكذا اتجه سنة 1961 إلى تونس لدراسة القانون المعاصر ليعود بشهادة ليصانص، و لتشكل عودته بداية مساره الوظيفي و يتقلد مناصب سامية كان من أهمها توليه نيابة رئيس المحكمة الابتدائية فرئاسة المحكمة العليا ثم عين وزيرا للثقافة و التوجيه الإسلامي ثم رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، و قد مارس التدريس سنوات بكلية القانون في جامعة انواكشوط. إنتشر صيت العلامة ليتجاوز المحلية إلى العالمية فتلقى الكثير من الدعوات لحضور ندوات و مؤتمرات في مختلف أنحاء العالم، فكان ممن ساهموا في كتابة إسم بلاد شنقيط في سجلات التاريخ كما كانت تآليفه و أنظامه و محاضراته نبراسا أضاء سبيل العديد من طلبة العلم في موريتانيا و في شتى اصقاع الأرض اجتمع للعلامة عدود من الميزات ما نجعله شخصا استثنائيا بكل المقاييس، فقد أوتي ملكة الخطابة، هذا مع بساطة الأسلوب و سلاسته و روح الدعابة التي كثيراما كانت تلمس في محاضراته، و هو ما يؤهله لجذب انتباه السامع و الأخذ بمجامع قلبه، ليس هذا فقط، بل إن المسار الذي ارتآه لنفسه حيث جنبها تجاذبات السياسة و دهاليزها، جعله موضع إجماع كل أطياف بني وطنه بالإضافة إلى مدنيته التي خولته التنقل في أنحاء العالم شرقا و غربا دونما صعوبات، مما منحه احترام جميع من تعاملوا معه. أما الشيخ عدود الشاعر، فعنه حدث ولا حرجا، إذ كانت قريحته المتوهجة و سرعة بديهته سجايا ملازمة له أينما حل و ارتحل، فاشتهر بمساجلاته الشعرية مع أقرانه من أكابر العلماء، و كان لتلك التي جمعته بالعلامة و الأديب حمدا ولد التاه –و كان من أعز أصدقائه- النصيب الأوفر من الشهرة ك (الزنكلونيات و الجراديات...).
|
|
|
|
|
|