تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 10:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-09-2014, 11:58 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي

    تفكيك خطاب النماذج: "معركة الأفكار" حول الشرق الأوسط ما بعد الثورة*

    أوهسان قكسال**

    ترجمة: أسامة الخوَّاض

    ______________________

    في السنوات الأخيرة، برزت تركيا و إيران، و هما دولتان غير عربيتين، كفاعلين أساسيّين من خلال نفوذهما المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. كثَّف الربيع العربي النقاشات الدائرة في الأكاديميا و الأدبيات العلمية حول دور تركيا و إيران. و من ثمّ أصبح مفهوما العثمانية الجديدة و الهلال الشيعي، شائعين و مرتبطين بالسياسات الخارجية الاستباقية لهاتين القوتين في المنطقة. انبعثت السجالات حول صلاحية تطبيق النموذج التركي و النموذج الإيراني متوازية مع الأدبيات المذكورة سابقاً، و خاصة بعد أن خرجت الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، مثل النهضة و حزب الحرية و العدالة، منتصرة من الانتخابات العامة و مكوِّنة حكومات في تونس و مصر ما بعد الثورة، و اكتسب ما سمي بالتنافس بين نوعين مختلفين للحكم في تركيا و إيران، اكتسب اهتماماً واسعاً، و أثار اهتمام الميديا و الأكاديميا و صانعي القرار في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا و غيرهما. ستبدأ هذه المقالة تحليلها بمساءلة أهمية النموذج لمجتمعات ما بعد الثورة. هذا نقاش رغم أنه مغفَل، لكنّه مهم و سيساهم في الأدبيات المتسارعة التوسّع. ثم بعد ذلك، سيُحلَّل خطاب النماذج من خلال تعريف نوع الحكم الذي ترتبط به، إذ يبدو أنّ هنالك التباساً في ما يتعلق بمعنى هذين المفهومين. في النهاية ستُفحَص ملائمة و صلاحية تطبيق النموذجين التركي و الإيراني، من خلال تقييم احتياجات و مطالب الجماهير العربية بالإضافة إلى أفكار صانعي السياسة في مجتمعات ما بعد الثورة. سيُجادَل بأن النموذج التركي أكثر صلاحية للتطبيق للديمقراطيات الناشئة في تونس و مصر ،من النموذج الإيراني، ،و له الكثير مما يمكن أن يقدِّمه لتلك المجتمعات كموجِّهات في مجالات مثل علاقة الدولة بالدين و التنمية الاقتصادية و بناء الديمقراطية.

    ضرورة نماذج التنمية

    يشير التحديث إلى نموذج انتقال تطوري من مجتمع تقليدي إلى آخر حديث. كانت الحداثة على مرّ السنين تُقاس بمؤشِّرات عديدة مثل التصنيع و مستوى التعليم و التحضُّر. يبقى قياس و تقييم مفهوم الحداثة موضوعاً مثيراً للجدل في أدبيات التنمية ،ذلك أن مدارس فكرية مثل نظرية التحديث و مدرسة المنظومات العالمية و منظري التبعية، تقدُّم طرقاً و مقاربات عديدة لدراسة هذه الظاهرة. تاريخياً ولج التحديث مجال صانعي السياسة، عندما بدأت الامبراطوريات الاوروبية المتقدمة تكنلوجياً مثل بريطانيا و فرنسا، تواجه أمماً غير غربية خلال فترة الاستعمار.و بما أنَّ الأُمم غير الغربية قد افتقرت إلى الأدوات التكنلوجية، لكي تواجه المطامع الإقليمية و الاقتصادية للإمبراطوريات الاستعمارية الغربية،فقد أصبح التحديث الهدف الرئيس لهذه المجتمعات المتخلِّفة عن الغرب المتسارع النمو. و لأسباب جليَّة، كان الطريق الأسرع لتقصير الفجوة في النمو بالنسبة للمجتمعات غير الغربية، هو التعلُّم من أمثلة الأُمم الأوروبية و الشمالية الأمريكية.

    ضمن خطاب التحديث هنالك جدل دائر عمَّا إذا كانت الدول النامية ستتبع نفس مسارات الحداثة في فتراتها الانتقالية. من الواضح أنّ ظروف كل قطر تختلف بشكل كبير عن الأقطار الأخرى، لذلك لم تتبع كل المجتمعات نفس مسار التنمية، و لكن كل الامم النامية في زمن معين مرّت بخبرات الدول الأكثر نمواً .خلال القرن التاسع عشر أجرت مجتمعات غير غربية ،مثل اليابان و تركيا و إيران و مصر، سلسلة من الإصلاحات استناداً على التنمية العلمية و السياسية للأُمم الغربية.لقد برهنت تجارب تلك الأقطار غير الغربية مع النماذج الغربية، أنّه يمكن لصانعي السياسة التحكُّم في سيرورة التحديث و تسريعها و تشكيلها. أدَّت إدارة البيروقراطيين الإصلاحيين من ذوي التعليم الغربي في اليابان لسيرورة التحديث المنهجي خلال النصف الاخير من القرن التاسع عشر، أدَّت إلى ظهور مجتمع نهض كواحد من أكثر الأقطار في العالم تطوّراً من الناحية التكنلوجية منذ النصف الثاني من القرن العشرين،فقط بعد قرن واحد من تبنِّي النماذج الغربية. علاوةً على ذلك، أثبت تبنِّي النماذج نجاحه ثانيةً، عندما دفعت الإصلاحات الديمقراطية و الاقتصادية المستلهمة من الغرب، تركيا إلى المركز السابع عشر في العالم اقتصادياً، و كان اقتصادها يعتمد على الإنتاج الزراعي حتّى قبل عقود قليلة مضت. لقد مرَّت أقطار عديدة غير غربية مثل كوريا الجنوبية بتحوُّل مماثل من خلال استعمال النماذج، في حين أنّ أُمماً نامية أخرى مثل الصين تحذو حذْوها.

    في تاريخ الحركات الثورية،كانت هنالك أمثلة عديدة على كيفية تأثير النماذج السابقة على الانتقاضات. تتبع موجات من الثورات في أحايين كثيرة ، كلٌّ منها الأخرى في تعاقب قريب، كما وضَح ذلك عندما أثَّرت الثورات الأمريكية و الفرنسية و الهايتية في أواخر القرن التاسع عشر على ثورات أمريكا اللاتينية في بداية القرن التاسع عشر،و مهّدت ثورات 1848 في الأقطار الاوروبية كلّ منها للأُخرى في معظم أرجاء القارة، وحدثت الحركات الثورية في الصين و الامبراطورية العثمانية و إيران في بداية القرن العشرين، واحدةً بعد الأُخرى خلال ثلاث سنوات.و قد وصف هنتغتون تأثير القدوات على الحركات الأخرى ب"تأثير العرض العملي". و أشار كريسكي بناءً على مفهوم هنتغتون إلى أهمية النماذج الإقليمية، و التي ثبت أنّها الأكثر تأثيراً في تشكيل اتجاه الثورات.

    يمكن لأقطار ما بعد الثورة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا، كمجتمعات متخلّفة بشكل واضح عن نظيراتها في أجزاء نامية من العالم مثل شرق آسيا و أمريكا اللاتينية،يمكن لها أن تستفيد من خبرات الأُمم الأكثر نمواً في ما يتعلق بالتنمية الاجتصادية و السياسية. في الحقيقة، إنّ تبنِّي النماذج مهم إذا كان صانعو السياسة ينوون ابتداع نماذجهم المستقلة للتحديث و قصص نجاحهم. كلّ الأقطار مثل اليابان و كوريا الجنوبية و إيران، و التي توصَف الآن كنماذج، قد تعلّمت في البداية من الأقطار الاخرى، و خبرت سيروة تحديث متسارعة تكثفت بإصلاحات مستوحاة من الغرب. أقطار ما بعد الربيع العربي مثل تونس و مصر في حاجة ماسة إلى أن تعيد صياغة بنياتها السياسية، و تزيد وتيرة النمو الاقتصادي، لتلبِّي المطالب المتصاعدة للأعداد الكبيرة من مواطنيها الشباب و الأكثر تعليماً.

    تسبَّبت توليفة من عوامل عديدة في صعود تركيا و إيران كنموذجين محتملين للمنطقة. اقتصادياً، يمتلك كلّ من القطرين مزايا أساسية، فتركيا هي أكبر قطر صناعي في المنطقة، و حالياً يقف في المركز السابع عشر في الاقتصادات العالمية الكبرى، بينما إيران هي المنتج الرابع عالمياً للنفط، و المنتج الثاني عالمياً للغاز الطبيعي. العامل الأكثر تأثيراً هو الصورة الإيجابية للقطرين في مجتمعات الشرق الأوسط و شمال افريقيا. أفرزت عدة استطلاعات للرأي في دول عربية مثل مصر و المغرب و تونس و الامارات العربية المتحدة و السعودية العربية، نتائج مماثلة ملفتة للنظر، واضعةً تركيا و إيران في المقدمة في المركزين الأول و الثاني على التوالي في ما يتعلّق بالعاطفة الجماهيرية. و على سبيل المثال ،إنّ استطلاع جامعة ميريلاند سنة 2011 و استطلاع زغبي الدولي يبيّنان أنّ رئيس الوزراء التركي أردوغان هو القائد الأكثر شعبية في المنطقة بفارق كبير، بينما جاء الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في المركز الثاني.و يُظهر استطلاع منظمة قطرية أنّ 72 في المائة من المستجيبين في الأقطار العربية المذكورة أعلاه، ينظرون إلى تركيا كقدوة مناسبة لاتجاه مجتمعاتهم. و مع ذلك، فاليوم هناك حاجة ملحَّة للتمييز بين السياسة الخارجية لهذين القطرين، و دورهما ك"إلهام" أو "نماذج" للاتجاه المستقبلي للمجتمعات الشرق أوسطية. ينبغي تقييم الخطاب حول النموذجين التركي و الإيراني في استقلال عن السجالات حول النفوذ المتصاعد لتركيا و إيران. كانت هنالك محاولات من جانب صانعي السياسة للانتفاع بالأدبيات حول النماذج لتحسين صورتهم و الوصول إلى أهداف سياسية، و لكن في النهاية، العامل الذي سيكون حاسماً لمصير النماذج في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، هو قرارات صانعي السياسة المحليِّين في مجتمعات ما بعد الثورة و ليس السياسات الخارجية لتركيا و إيران. قبل تحليل مقاربة صانعي السياسة المحليِّين للنموذجين، يجب تعريف معنى هذين المفهومين. و لذا، ماذا يمثِّل هذان النموذجان بالنسبة للحكم؟

    لا بدّ من الإشارة إلى أنّ معنى و مجال النموذج التركي، قد أصبح غامضاً و مجرَّداً، نسبة للاستخدام الممعن في الذاتية للمفهوم من قِبَل المراقبين. مطلوبٌ تعريف إجرائي للنموذج ،و لكن هنالك تباينات كبيرة في الطريقة التي تمّت بها صياغة المفهوم في الخطاب. و نسبة لمحدودية حيز المقالة، لا يمكن حصْر كل فهم للنموذج.و لمقاصد هذه الدراسة، سيُعرَّف النموذج التركي بأنّه الخبرة التركية في التحديث في ما يتعلّق بالتنمية الاقتصادية و بناء الديمقراطية و العلاقات بين الدولة و الدين. تطوّرت سيرورة التحديث التركية على مرّ الزمان، من النموذج الذي تقوده الدولة بناءً على أفكار كمال اتاتورك عن الحداثة بواسطة التغريب الثقافي و العلمانية الراديكالية، إلى نموذج حكم ديمقراطي و الذي ظهر إلى الوجود بصعود الإسلام السياسي. ترافقت سيرورة التحديث المكثّفة التي بدأت في الثمانينيات، مع نمويّن متوازيين، أي التنمية الاقتصادية المتسارعة و تحوُّل الحركة الإسلامية، إذ نجح الإسلاميون الأتراك في أن يطوِّروا بارادايماً إسلاميا للحكم يعترف بالنظامين الديمقراطي و العلماني بينما يشدِّد على التسامح المتبادل. بيد أنّ النموذج الإيراني يُحيل إلى بنية الدولة الثيوقراطية الراديكالية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تشكّلت بعد الثورة الإيرانية في 1979.على النقيض من الطبيعة التعددية للإسلام التركي، بُني النموذج الإيراني على الاستيلاء الثوري على الدولة من قِبل الإسلاميين، و التطبيق الشمولي اللاحق للأحكام الإسلامية و للقانون على السكّان من أعلى. على ضوء التعريف الموجز أعلاه، ستركِّز الدراسة الآن على تقييم صلاحية تطبيق النموذجين التركي و الإيراني على مجتمعات ما بعد الثورة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا.

    صلاحية تطبيق النموذجين التركي و الإيراني على الشرق الأوسط و شمال افريقيا ما بعد الثورة

    لم تَحدث السجالات حول النموذجين التركي و الإيراني في مجالات الميديا والأكاديميا فقط. تمدّنا التصريحات العلنية التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون، بإشارات عن الفهم الإيراني للصراع الأيدلوجي بين النموذجين. توضّح أحاديث آية الله هاشمي شهرودي و الرئيس أحمدي نجاد، الاعتقاد الإيراني الشائع بأنّ النموذج التركي مدعوم من القوى الغربية ليضعف جاذبية الإسلام الإيراني. منذ البداية فسّر صانعو السياسة الإيرانية، انتفاضات الربيع العربي بأنها "استمرار لثورة 1979،سيرورة سينتج عنها إقامة حكومات ثيوقراطية على النمط الإيراني. و على هذا النحو، دعا المرجع الأعلى خامنئي إلى إقامة أنظمة على أساس الطريق الإيراني عندما حثَّ صراحةً رجال الدين المصريين على التبشير بثورة إسلامية في صلوات الجمعة. لكن يبدو أنَّ هذه الدعوات لم تجد استجابة ،إذ أنّ معظم الأحزاب الإسلامية في أقطار ما بعد الثورة، تشدِّد على فكرة الدولة المدنية كاتجاه لأقطارهم، و ليس النموذج الإيراني.

    يمكن تعريف الدولة المدنية بأنها مزيج من التعددية،و احترام المبادئ الديمقراطية و الاعتراف بحق كلّ المواطنين في ممارسة معتقداتهم الدينية. تعكس الدعوة إلى الدولة المدنية رغبة الحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين و مشايعيهم السياسيين، في تشكيل بنية دولة تستلهم القيم الإسلامية، و لكن على أساس التسامح المتبادل و حقوق الأقليات، بدلاً من التطبيق الديكتاتوري ل"إرادة الأغلبية" كما هو منظور في النموذج الإيراني. يبدو أن النظامين الناشئين في تونس و مصر يشيران إلى صعود الإسلام المعتدل، و الذي تبنّاه زعيم النهضة الغنوشي في تونس و زعماء حزب العدالة و الحرية مثل سعد الكتاتني، إذ يشير كل منهما دائماً إلى الدولة المدنية في أحاديثهما. بالرغم من أنّ العديد من صانعي السياسة في إيران يبدون مقتنعين أنّ ربيع 2011 العربي له تماثلات مع ثورة 1979 الإيرانية، لكن هنالك أسباباً عديدة للاعتقاد بخلاف ذلك. أولاً، تمتلك الانتفاضات التي حدثت في مصر و ليبيا و تونس خصائص تختلف من واحدة إلى أخرى، بالرغم من أنّ كل الحركات تسبَّبت في الإطاحة بأنظمة استبدادية. و من ثمَّ يكون من التبسيط المبالغ، المجادلة بأنّ كل الانتفاضات استلهمت القيم الإسلامية المتماثلة مع ثورة 1979.و أكثر من ذلك، فإنَّ هنالك فرقاً جليَّاً بين طبيعة الحياة الاجتماعية في إيران، و في أقطار الشرق الأوسط و شمال افريقيا التي خبرت الربيع العربي. كل تلك الأقطار العربية (باستثناء البحرين التي كانت بها محاولة غير موفَّقة للثورة) أغلبية سكانها من السنة، على خلاف إيران التي أغلبية مواطنيها من الشيعة، الذين تتجذَّر معتقداتهم الدينية في خلفية ثيولوجية و اجتسياسية مختلفة تماماً.

    اختلاف رئيس بين انتفاضات 2011 و ثورة 1979،الأكثر تشديداً عليه في الأدبيات، هو غياب القيادة الكاريزمية بين الشعوب الثورية. خلافاً للربيع العربي، أصبحت ثورة 1979 الإيرانية تدريجياً، تحت سيطرة رجال الدين،الذين كان لهم تحت قيادة آية الله الخميني المهدوية، أجندة محدَّدة بوضوح لتحويل الدولة في ما بعد الثورة.يمكن أن يكون راشد الغنوشي هو الاستثناء الوحيد في الربيع العربي،و الذي بدا في المستهلّ أنَّ بإمكانه القيام بدور الزعيم الكاريزمي،لكنه في النهاية لم يظهر كالزعيم الوحيد لنظام شمولي جديد. و بالإضافة إلى غياب القيادة الكاريزمية خلال الربيع العربي،لم تكن هنالك أية إشارات إلى مفاهيم شمولية مثل "دور الفقيه"، الذي صاغه الخميني و الذي شكَّل أساس النظام الاستبدادي الجديد في إيران بعد 1979.كما مذكور أعلاه، فإنّ المفهوم الوحيد الجدير بالإشارة و الذي نشأ مع الربيع العربي هو الدولة المدنية، التي هي في تناقض بيِّن مع ولاية الفقيه الاستبدادية، برسائلها عن التسامح و الحريات المدنية. على النقيض من ذلك، فإنّ مفهوم الدولة المدنية يتوافق مع النموذج التركي.يعترف النموذج التركي و مفهوم الدولة المدنية بحقوق كلّ من المؤمنين و غير المؤمنين في المجتمع، حيث تمتنع الدولة عن محاولة ضبط الحريات الشخصية. متماثلاً مع النموذج التركي الذي نشأ مع حكم حزب العدالة و التنمية المحافظ بعد 2002،يتضمّن مفهوم الدولة المدنية، أنّ الإسلام السياسي المعتدل الذي يحترم الديمقراطية،يمكنه أن يوجد في مجتمع مفتوح و تعدّدي.

    لم تكن الانتفاضات في أقطار الشرق الأوسط و شمال افريقيا خاليةً فقط من قيادة كاريزمية معترف بها على نطاق واسع،و إنّما اتسمت الحركات الثورية بغياب الوحدة الأيدلوجية. تكوّنت الحركات من مجموعات متعدِّدة أيدلوجياً، و توحّدت فقط حول صراعها المشترك ضد الأنظمة الاستبدادية. و علاوة على ذلك، فعلى النقيض من ثورة 1979،و التي كان فيها عدد من المجموعات الراديكالية مثل حزب تودة الماركسي اللينيني و مجموعة حرب عصابات المدن "مجاهدي خلق"، على النقيض من تلك الثورة كانت القتالية غائبة خلال الربيع العربي. كلّ تلك العوامل أدَّت بنا إلى أن نعرِّف حركات الربيع العربي كظاهرة ما بعد أيدلوجية، تشترك بسمات أكبر مع "الحركات البرتقالية" التي انتشرت في عدد من الدول ما بعد السوفيتية مثل أوكرانيا و جورجيا في 2004 و 2005،أكبر من اشتراكها مع ثورة ذات أسلوب قديم مثل ثورة 1979،و التي حدثت في بيئة الحرب الباردة الأيدلوجية ثنائية القطب.

    بالرغم من أن الربيع العربي يعتبر حدثاً راهناً، و لذلك علينا ألا نفترض أنّنا نعرف تماماً الأسباب التي أدّت إلى حدوثه، إلا أنّ الأدبيات الراهنة تسلِّط بعضاً من الضوء على هذه الظاهرة المركّبة.يشدَّد كول على القيم الليبرالية مثل حرية التعبير و تساوي الفرص كأهداف اعتنقها الشباب الثوري الذين قادوا الحركات في 2011.و بالرغم مما يبدو من إجماع في الخطاب حول الدور الرئيس الذي لعبته المطالبة بالحرية السياسية،إلا أن هنالك باحثين مثل بوزهيرت الذي يجادل بأنّ هذا التشديد على العوامل السياسية يمكن أن يكون مبالغاً فيه، إذ ربما أنّ الاقتصاد قد لعب دوراً أكبر.أشار مالك و عوض الله إلى أنّ المشاكل الاقتصادية مثل الفقر و العطالة و انعدام الحراك الاجتماعي و محدودية الفرص الاقتصادية، قد كانت إلى حد كبير السبب في انتفاضات 2011.و ركَّز سيف و رومان على العوامل الاقتصادية مثل الإنتاجية الضئيلة و المستوى المتدني للتكامل مع الاقتصاد العولمي،مجادلين بأنّ أوْجه القصور الحالية هذي، قد حرمت الأنظمة الاستبدادية من زيادة معايير المعيشة لمواطنيها. يحلِّل دالاكورا طقماً عريضاً من القضايا، و يجادل بأنّ توليفة من المطالب الاجتصادية و السياسية كانت القوى المحركة للحركات الثورية، مؤكِّدا على أنّ الفقر وحده لا يمكن أن يوضِّح الأسباب وراء الانتفاضات، لأنّ متوسط معايير المعيشة في تونس و ليبيا عالٍ جداً، مقارنة ببعض الدول العربية الأُخرى التي لم تخبر أية معارضة حتى الآن.في تحليلها لاحتياجات و مطالب الشعب في مجتمعات ما بعد الثورة، تبيِّن هذه الدراسة أنّ مطالب سياسية مثل الحكم الخاضع للمساءلة و مجتمع مفتوح، يجب أنْ تصاحبها عومل اقتصادية مثل معدَّلات العطالة العالية (خاصة وسط الشباب الأكثر تعليماً) و الفساد ،حتى نورد الأسباب وراء الأحداث الراهنة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا.

    يتناقض مجتمعا تونس ومصر ما بعد الثورة ،في ما يتعلق بالبنى و الظروف الاقتصادية، مع إيران بشكل ملحوظ. بينما أنّ لإيران اقتصاداً يعتمد على واحد من أكبر الاحتياطيات الطبيعية في النفط و الغاز الطبيعي، و الذي ينتج إيرادات كافية تمدُّها بالبقاء حتى تحت العقوبات و المقاطعة التجارية الغربية،تفتقر تونس و مصر إلى قدرة فريدة كهذي للبقاء مستقلة عن الاقتصاد العولمي.فالسياحة هي القطاع الأساسي للاقتصاد التونسي،مما يقتضي صورة إيجابية و مجتمعاً مفتوحاً نوعاً ما، لجذب السياح الأجانب، في حين أنّ مصر معتمدة بشكل كبير على المساعدة المالية و إيرادات قناة السويس،و هما عاملان يشكِّلان ثلثي كل إيرادات التبادل الأجنبي. علاوةً على ذلك، فإنّ 80 في المائة من التجارة التونسية تجري مع أقطار الاتحاد الأوروبي، و معظم السياح الذين تستقبلهم من أوروبا.و بالتالي فصانعو السياسة في تونس و مصر لا يريدون استعداء البلدان المتقدمة ،و يبدو أن الحكومتين الجديدتين في تونس و مصر على دراية بهذا الوضع.واضحة هي براغماتية الحكومات الإسلامية ،إذ أشار واحد من زعماء النهضة هو حميد الجبالي" الذي كان أيضاً رئيساً لوزراء تونس بين ديسمبر 2011 و فبراير 2013"، أشار إلى أنّ النهضة لا تنوي منع البكيني و النبيذ. أعلن زعماء النهضة مراراً دعمهم لمبادئ السوق الحر، و شدّدوا على أهمية روابطهم الاقتصادية مع أوربا للاقتصاد التونسي. و مشابهاً للجبالي ،أشار قائد أساسي آخر و رئيس الحزب الغنوشي أيضا إلى أنّ النهضة لن تُجبر النساء على ارتداء الحجاب و تطبيق قوانين الشريعة و منع الخمور. نفس المستوى من البراغماتية، يمكن أن يُرى في السياسات الاقتصادية التي صاغها حزب النهضة في تونس و حزب الحرية و العدالة في مصر. بدلاً عن تفكيك النظام لتطوير اقتصاد إسلامي أيدلوجي، فإنّ السياسات التي قدّمها الحزبان تركِّز على تحسين إدارة الاقتصاد من خلال سلسلة من الإجراءات مثل التعاون مع القطاع الخاص،و ضمان الحكم الرشيد،و محاربة الفساد و دعم الشركات الصغيرة و المتوسطة الحجم. بالإضافة إلى ذلك، تنصُّ سياسات الحزب على أنه لن يُفرض الاقتصاد الإسلامي، و سيتعايش فقط جنباً إلى جنب مع الاقتصاد العرفي ،بينما سيكون التركيز الأكثر على طمأنة السياح الغربيين على سلامتهم و حريتهم.مطالب مثل الحرية السياسية و معايير المعيشة المرتفعة و إنهاء الفساد، كانت في طليعة النقاشات منذ الربيع العربي، و أظهر الإسلاميون السياسيون حتى الآن، مستوى عالٍ من الوعي و الاستجابة إلى احتياجات الشعب في هذه المسائل.

    تشير أفعال الأحزاب الإسلامية الرئيسة في تونس و ليبيا و مصر بوضوح، إلى الأهمية المعطاة للنموذج التركي في عقول صانعي السياسة. شدَّد زعيم النهضة الغنوشي مراراً على التشابه بين حكومة حزب العدالة و التنمية المحافظ الحاكم في تركيا و النهضة في تونس، بالنصِّ على أن كلتا الحركتين تمثِّلان "نوعاً جديداً" من الإسلام السياسي، الذي يوالف بين الإسلام و الحداثة في نفس الوقت.و رفض حزب الحرية و العدالة صراحةً، أنْ يشكِّل حكومة تحالف مع حزب النور الإسلامي الراديكالي، بالرغم من أنّه تجب ملاحظة أن ذلك لم يسكِّن مخاوف المعارضة التي غالبيتها من العلمانيين و الليبراليين، حول التزام حزب الحرية و العدالة بالديمقراطية. أسّس فرع الإخوان المحلي في ليبيا حزبه السياسي، بنفس اسم الحزب التركي "حزب العدالة و التنمية"، معلناً أن الحزب يستلهم مبادئ الإسلام، لكنه سيقود إعادة بناء ليبيا على أساس النظام الديمقراطي. ازدادت منذ الربيع العربي شعبية و جاذبية النموذج التركي بشكل متسارع، بينما يبدو أنّ النموذج الإيراني قد فقد شعبيته و جاذبيته.تعود الجاذبية المتناقصة للنموذج الإيراني بالمقارنة مع النموذج التركي، إلى تصوُّرات و سياسات الحكومات الجديدة في أقطار ما بعد الثورة، و التي تقودها أحزاب إسلامية معتدلة. لقد أعرب زعماء تلك الحركات عن دعمهم للنموذج التركي،و لا تقتصر هذه النزعة على السياسيين فقط،إذ أن الرأي العام يميل أيضاً إلى النموذج التركي. فعلي سبيل المثال، يُظهر استطلاع "TESEV" الذي أُجري في أقطار الشرق الأوسط و شمال افريقيا ما بعد الثورة، أنّ 61 في المائة من المستجيبين يرون تركيا كنموذج لأنها " مسلمة ،و ديمقراطية و مفتوحة و مزدهرة في آنٍ واحد".

    تطبيق النموذج التركي في الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ما بعد الثورة، أكثر جلاءً في حقل التنمية الاقتصادية ،في حين يفشل النموذج الإيراني في تقديم حلول لمشاكل هذه المجتمعات.لقد كان يُجادَل بأن الأحزاب الإسلامية فازت بالانتخابات، ليس بسبب مطلب الشعب واسع النطاق لنظام ثيوقراطي، و إنما لأنّ برامج الأحزاب سالفة الذكر، تستند على الرفاه الاجتماعي، و محاربة الفساد، و زيادة الازدهار الاقتصادي، و كلها تشير إلى مسائل اجتصادية. فالنموذج التركي مقارنةً بالنموذج الإيراني، أفضل ملائمةً ليقدِّم حلولاً للحكومات الجديدة ،كي تلبِّي هذه المطالب الشعبية.بالرغم من احتياطياته الطبيعية الضخمة، فللاقتصاد الإيراني مشاكل خطيرة مثل المستويات العالية للعطالة و التضخم، مشكِّلةً فشلاً في التنمية الاقتصادية. في ما يتعلق بتقديم حياة أفضل و معايير معيشة عالية، يُنظر إلى النظام الإيراني كفشل، لأنّ النظام الثيوقراطي الراديكالي تسبّب في أكبر هجرة للعقول في التاريخ، بالإضافة إلى هروب كبير لرأس المال منذ الثورة الإسلامية في 1979.طبقاً لصندوق النقد الدولي فإيران تأتي في المرتبة الأولى بالنسبة لنزوح المواطنين ذوي التعليم العالي و الدراية التقنية. علاوةً على ذلك، يُظهر نفس التحليل أن إجمالي ثروة الدياسبورا الإيرانية تقدَّر بحوالي 400 بليون دولار امريكي، أصول كان يمكن أن تُستثمر في الاقتصاد الإيراني، لو لم تَقم ثورة 1979 الإسلامية. تمثِّل نسبة القطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي حوالي 5 في المائة، بينما لا تزال تمثِّل 10 في المائة في الاقتصاد الإيراني اليوم. مؤشِّر آخر رئيس للتنمية هو حصة قطاع الخدمات في إجمالي الناتج المحلي ،ففي إيران هو 46.8 في المائة بينما هو في تركيا أكثر من 60 في المائة، مما يوضّح بجلاء أن الأخير هو في حالة تنموية أفضل،قريبة من الاقتصادات الغربية في مؤشراتها الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يجب ملاحظة أنّ دخل الفرد في تركيا ارتفع من 1300 دولار امريكي في 1985 إلى 11.000 دولار امريكي في 2008،بينما أنّ دخل الفرد في إيران تجمّد حوالي 4500 دولار أمريكي لمعظم العقد الأخير، إلى درجة ما، بسبب العقوبات الاقتصادية الثقيلة المفروضة على صادرات القطر من جانب الولايات المتحدة و حلفائها الغربيين.

    يشير فواز جرجس، الخبير البارز في المنطقة إلى أنّ إيران هي نموذج فاشل، لعدم قدرة نظامها على بناء اقتصاد فعّال و مزدهر،بينما نجحت تركيا نجاحاً معقولاً في ذلك الحقل. يقلّل عامل آخر من صلاحية تطبيق النموذج الإيراني في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، و هو الموقف الدولي و بنية الدولة في إيران، إذ أنّها ما تزال دولة معزولة بشكل كبير تحت عقوبات اقتصادية ثقيلة، و ميكانزماتها لصنع السياسة شديدة التعقيد، و مبنية على تطور تاريخي معين للفكر الشيعي و المؤسسات السياسية، و الذي هو حصْر على إيران و تنفرد به. تحملنا كل تلك العوامل إلى استنتاج أنّ تنمية إيران الاقتصادية، ليست ملائمة لتونس و مصر كقطرين من الشرق الأوسط و شمال افريقيا ما بعد الثورة .

    وعلى النقيض من ذلك، يقدِّم النموذج التركي بعض الاستبصارات المفيدة في مجال التنمية الاقتصادية، و التي يمكن أن تستفيد منها مجتمعات ما بعد الثورة لتطوير حلول لمشاكلها الاقتصادية. المشكلة الرئيسة التي يمكن أن يساعد النموذج التركي في حلّها، هي كيفية إلغاء رأسمالية المحاسيب الراهنة، و تحسين أداء القطاعات العامة غير الفعّالة في تونس و مصر. تبقى الدولة هي الفاعل الاقتصادي الأكثر أهمية في مصر و تونس، و لكن نسبة لاستشراء الفساد و شبكات المحسوبية، أضحت القطاع الذي يعمل لصالح نخبة صغيرة جداً، و ليس أغلبية المواطنين. حتى الآن لم تنجح الإصلاحات النيوليبرالية التي بدأت في سبعينيات و ثمانينيات القرن العشرين، في تقليل تلك المشاكل. يوضِّح مالك و عوض الحالة الراهنة للاقتصاد في الشرق الأوسط و شمال افريقيا ما بعد الثورة "تقدم الأحداث الراهنة في المنطقة تذكيراً مناسباً بأن نموذج التنمية السائد قد فقد فائدته. تحتاج المنطقة إلى باراديام اجتصادي جديد يعتمد على قطاع خاص تنافسي و رائدٍ للأعمال و شامل".

    تقع تلك المسائل في قلب نجاح النموذج التركي. أنتجت التجربة النيوليبرالية التركية التي انطلقت في بداية الثمانينيات من القرن العشرين،تنمية اقتصادية متسارعة، و التي تمثِّل الآن الدعامة الأساسية للنموذج التركي. أدّى تشجيع التصدير و موجات الخصخصة و تكامل تركيا مع الإنتاج العولمي و شبكة السوق، إلى نشوء طبقة وسطى واسعة، و رائدي أعمال جدد حتى في المناطق الريفية سابقا في وسط تركيا ،حين مرت البلاد بتحضُّر و تصنيع متسارعين. تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة في المنطقة التي نجحت في خلق اقتصاد ذاتي الاستدامة و حرّ الأسواق، و الذي لا يعتمد على الاحتياطات الطبيعية مقارنة بالدول الريعية مثل العربية السعودية و إيران، و إنما يعتمد على قطاعات إنتاج حديثة مثل السيارات و النسيج و "البضائع البيضاء" .يقدم النموذج التركي دروساً قيِّمة في الانتقال إلى اقتصاد سوق متكامل مع السوق العولمي ،و بمعدَّل نمو اقتصادي أعلى من نمو السكان، مقلصاً للعطالة و ضامناً للحكم الفعّال.

    خلاصة

    تجادل هذه الدراسة بأن أقطار ما بعد الثورة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا، مثل تونس و مصر، يجب أن تتعلّم من خبرات الأقطار الأخرى، بتحليل نماذجها للتحديث ،حتي يستطيع صانعو سياستها أن يطوِّروا سياسات يمكن أن تستجيب إلى مطالب مواطنيها في عصر ما بعد الربيع العربي. خلال هذه الدراسة، تمَّ تحليل المفهوم الناشئ للدولة المدنية و أفكار الأحزاب الإسلامية في تونس و مصر و مطالب الشعب، لتقييم صلاحية تطبيق نموذجي الحكم للشرق الأوسط و شمال افريقيا ما بعد الثورة.في الختام،النموذج التركي مقارنة بالنموذج الإيراني هو الأكثر صلاحية للتطبيق لتلك المجتمعات، إذ أنّ التجربة الخاصة لتركيا في مجال التنمية الاقتصادية و طبيعة حركاتها الإسلامية أكثر ملائمة للظروف الحالية لمجتمعات ما بعد الثورة. و لكن من المهم ملاحظة أن هذا العمل لا يحاول أن يقترح أنه من خلال الاتّباع الكامل لمثال تركيا، سيكون باستطاعة تونس و مصر تحقيق النجاح في كل الحقول المرتبطة بالتحديث. إنّ النموذج التركي هو مجرد نموذج واحد ضمن استراتيجيات تنمية عديدة يمكن الاستفادة منها لحل المشاكل. بالإضافة إلى النموذج التركي، سيكون من المفيد لصانعي السياسة في الشرق الأوسط و شمال افريقيا أن يطّلعوا على نماذج أخرى مثل النموذج الماليزي.لا يمكن نعت النموذج التركي ب"الصيغة المثلى" للتنمية،إذ ليس بإمكان أي نموذج أن يكون صالحاً للتطبيق تماماً لكل زمان و مكان. و لكن بالتأكيد ،إن النموذج التركي هو أكثر إفادة من خبرة إيران، البلد الذي به مسار اجتماعي و سياسي و اقتصادي مختلف جدا مقارنة بتونس و مصر كمجتمعين من الشرق الأوسط و شمال افريقيا، ذلك المسار الذي لم يُظهر بعد نجاحاً كبيراً في التنمية.

    من المهم ملاحظة أن دور النموذج التركي في مصر، سيتأثَّر مباشرة بمحصلة الأحداث السياسية المفاجئة التي بدأت تتجلّى للعيان في مصر وقت كتابة هذا العمل.في ما بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس مرسي، يبدو الاستقرار السياسي أكثر تداعياً للسقوط من أيِّ وقت آخر ،إذ أن أنصار الرئيس مرسي و كثير من أعضاء الإخوان يشتبكون مع أجهزة الأمن مما تسبّب في وفاة الكثير من المصريين. مستقبل مصر هو مسألة تكهُّنات و محاكيات ،ممّا يجعل في غاية الصعوبة تقييم الدور الأساسي الذي يمكن أن يلعبه النموذج التركي في تشكيل تجربة التحديث المصرية. لاحقاً يمكن للانقلاب ضد مرسي أن يكون نقطة تحوُّل في تطور الحركة الإسلامية المصرية. و كما موضَّح أعلاه، قبل الانقلاب، كان للرئيس مرسي و حزب الحرية و العدالة نظرة إيجابية بشكل كبير للنموذج التركي، و الذي كان يُعتبر "برهاناً"، على أنّ الإسلام و الديمقراطية يمكن أن يتعايشا.إذا أصبح الإخوان و مشايعوهم، موضوعاً لموجة جديدة من القمع تماثل سياسة نظام مبارك الاستبدادي قبل الربيع العربي،يمكن أن تواجه مصر حركة إسلامية مسلحة و مهمشة و راديكالية، و التي ليس من الضروري أنْ تهتمَّ بمثال حزب العدالة و التنمية التركي، بل بمثالٍ آخر في مكان ما،و من الممكِّن أن يكون ذلك خبرة الثورة الإيرانية. من الواضح أنّ موضوع النماذج سيواصل في المرحلة القادمة ، جذْب اهتمام العديد من المراقبين، وأنّ الصراع السياسي في مصر سيشكِّل طبيعة هذا الخطاب.
    _________________________________________________________________________
    *Goksel, Oguzhan, Deconstructing the Discourse of Models: The Battle of Ideas over the Post-Revolutionary Middle East, Insight Turkey, Volume 15, Issue:3, Summer 2013.
    ** School of Government and International Affairs, Durham University.
                  

03-10-2014, 02:14 AM

سيف النصر محي الدين
<aسيف النصر محي الدين
تاريخ التسجيل: 04-12-2011
مجموع المشاركات: 8995

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: osama elkhawad)

    شكرا يا خواض
    ترجمة مسبكة و رصينة تناسب رصانة المقال/الدراسة و تنبئ عن مترجم متمكن من الحرفة .
    ارى أن هناك مستجدات ربما أنها حدثت بعد ظهور الدراسة الا و هي انهيار النظام الثوري في مصر و عودتها لحظيرة الديكتاتورية مرة أخرى.
    و في رأيي ايضا أن الكاتب اغفل مسألة الاختلاف المذهبي بين تركيا السنية و ايران الشيعية و تأثير ذلك على موقف مصر و تونس
    من كلا النموذجين - التركي و الايراني - تبعا للعوامل المذهبية اضافة طبعا لما ذكره من عوامل أخرى.
                  

03-10-2014, 10:12 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: سيف النصر محي الدين)

    عزيزي الدكتور سيف:
    شكرا على كلماتك الطيِّبات.

    ذكرت عزيزي الآتي:

    و في رأيي ايضا أن الكاتب اغفل مسألة الاختلاف المذهبي بين تركيا السنية و ايران الشيعية و تأثير ذلك على موقف مصر و تونس
    من كلا النموذجين - التركي و الايراني - تبعا للعوامل المذهبية اضافة طبعا لما ذكره من عوامل أخرى.

    أعتقد أن الباحث التركي قد أشار إلى نقطة الاختلاف المذهبي حين قال:

    "و أكثر من ذلك، فإنَّ هنالك فرقاً جليَّاً بين طبيعة الحياة الاجتماعية في إيران، و في أقطار الشرق الأوسط و شمال افريقيا التي خبرت الربيع العربي. كل تلك الأقطار العربية (باستثناء البحرين التي كانت بها محاولة غير موفَّقة للثورة) أغلبية سكانها من السنة، على خلاف إيران التي أغلبية مواطنيها من الشيعة، الذين تتجذَّر معتقداتهم الدينية في خلفية ثيولوجية و اجتسياسية مختلفة تماماً".

    مع كامل تقديري .
                  

03-10-2014, 01:47 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: osama elkhawad)

    على سبيل التحية والمتابعة..

    ويطيب لي الإشارة هنا إلى أهمية هذه الترجمة. لا من حيث تبصيرنا بواقع المنطقة خلال "ما بعد الربيع العربي". بل كذلك من حيث قدرتها ضمنا وصراحة على استدعاء تلك التساؤلات المتعلقة بإشكالية التنمية والتحديث. وهنا وفق تصوري الخاص تستحضر هذه الترجمة وبقوة مدى الفعالية التي لا تزال قائمة للجهاز المفاهيمي المتكون داخل "مدرسة التبعية". إن مفاهيم من شاكلة "اللحاق/ المركز/ الأطراف/ الاستقطاب/ وما إلى ذلك من شأنها إضاءة مآلات ذكك "الربيع" على نحو بالغ الدلالة.
                  

03-10-2014, 09:13 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي البرنس
    شكرا على تشديدك على إشكالية التنمية و التحديث،و التنبيه على إمكانات مدرسة التبعية حين تحدثت عن " استدعاء تلك التساؤلات المتعلقة بإشكالية التنمية والتحديث. وهنا وفق تصوري الخاص تستحضر هذه الترجمة وبقوة مدى الفعالية التي لا تزال قائمة للجهاز المفاهيمي المتكون داخل "مدرسة التبعية". إن مفاهيم من شاكلة "اللحاق/ المركز/ الأطراف/ الاستقطاب/ وما إلى ذلك من شأنها إضاءة مآلات ذلك "الربيع".

    لاحظْ ان الباحث التركي لم يشر إلى نموذج "طالبان" أو "السودان"،و أيضا أشار الى الدول النفطية باعتبارها دولا "ريعية"،مثل السعودية و قطر،و لكن خطورتهما تتمثل في تمويل الحركات السلفية،و هي حركات تمثل ارتدادا عن نماذج التحديث و محاولات تعايش الاسلام و الحداثة.

    كن بخير.
                  

03-11-2014, 09:59 AM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: osama elkhawad)

    إلى حين عودة:

    Quote: في السنوات الأخيرة، برزت تركيا و إيران، و هما دولتان غير عربيتين، كفاعلين أساسيّين من خلال نفوذهما المتصاعد في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا. كثَّف الربيع العربي النقاشات الدائرة في الأكاديميا و الأدبيات العلمية حول دور تركيا و إيران. و من ثمّ أصبح مفهوما العثمانية الجديدة و الهلال الشيعي، شائعين و مرتبطين بالسياسات الخارجية الاستباقية لهاتين القوتين في المنطقة. انبعثت السجالات حول صلاحية تطبيق النموذج التركي و النموذج الإيراني متوازية مع الأدبيات المذكورة سابقاً، و خاصة بعد أن خرجت الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية، مثل النهضة و حزب الحرية و العدالة، منتصرة من الانتخابات العامة و مكوِّنة حكومات في تونس و مصر ما بعد الثورة، و اكتسب ما سمي بالتنافس بين نوعين مختلفين للحكم في تركيا و إيران، اكتسب اهتماماً واسعاً، و أثار اهتمام الميديا و الأكاديميا و صانعي القرار في منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا و غيرهما. ستبدأ هذه المقالة تحليلها بمساءلة أهمية النموذج لمجتمعات ما بعد الثورة. هذا نقاش رغم أنه مغفَل، لكنّه مهم و سيساهم في الأدبيات المتسارعة التوسّع. ثم بعد ذلك، سيُحلَّل خطاب النماذج من خلال تعريف نوع الحكم الذي ترتبط به، إذ يبدو أنّ هنالك التباساً في ما يتعلق بمعنى هذين المفهومين. في النهاية ستُفحَص ملائمة و صلاحية تطبيق النموذجين التركي و الإيراني، من خلال تقييم احتياجات و مطالب الجماهير العربية بالإضافة إلى أفكار صانعي السياسة في مجتمعات ما بعد الثورة. سيُجادَل بأن النموذج التركي أكثر صلاحية للتطبيق للديمقراطيات الناشئة في تونس و مصر ،من النموذج الإيراني، ،و له الكثير مما يمكن أن يقدِّمه لتلك المجتمعات كموجِّهات في مجالات مثل علاقة الدولة بالدين و التنمية الاقتصادية و بناء الديمقراطية.

    (عدل بواسطة عبد الحميد البرنس on 03-11-2014, 12:53 PM)

                  

03-11-2014, 02:47 PM

عبد الحميد البرنس
<aعبد الحميد البرنس
تاريخ التسجيل: 02-14-2005
مجموع المشاركات: 7114

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: عبد الحميد البرنس)

    حياك الله يا أسامة:

    وبعد..

    أولا:
    بدت لي, رؤية أوهسان قكسال هنا, وإلى حد بعيد غريبة ومغتربة عن الواقع الحي والعصب الفاعل الموجه لتطورات الحياة السياسية في حدود ما أسماه بلاد الربيع العربي مثل مصر وتونس. فنحن, أوعلى الأقل أنا, ندرك جيدا, ليس لواقع التطور التاريخي والبنيوي لدول مثل مصر وتونس فحسب, أوحتى لجهة موازين علاقات القوى الخارجية (سمها العالمية), أنه ما كان لدولتين مثل تركيا وإيران أن يكونا بمثابة "فاعلين أساسيّين".


    ثانيا:
    النموذج التركي. إذا تأملته قليلا, أجد أن العامل الخارجي, أوالدور الأمريكي تحديدا, ساهم ولا يزال في درجة استقراره وبقائه, بأكثر منها عوامل داخلية مستقلة للتطور. فالموقع الاستراتيجي المتميز جعل منها حليفة متجددة لأمريكا, سواء خلال حربها الباردة ضد المرحوم السوفيتي كموقع متقدم لهجوم محتمل أوحائط ردع, أوورقة ضغط يتم استخدامها أحيانا ضد حلفاء أمريكا الأوربيين, أوحتى قواعد لتسوية أمور أخرى مثلما حدث خلال تطورات الشأن العراقي. ناهيك عن تلك المكاسب العائدة عليها في ظل تأثيرات الثورة العلمية الثالثة وسياسات العولمة. وهنا أشير إلى ملاحظة لسمير أمين أن بعض الصناعات أخذت تشكل عبئا على الدول الكبرى كصناعة السيارات. وقد قضت الحاجة لنقلها إلى دول حليفة حققت بالفعل تقدما على صعيد البنى الأساسية. حتى تتفرغ الدول الكبرى لعلوم الفضاء والصناعات الدقيقة. وثمة سبب آخر هنا, يتمثل في تنكر الرأسمالية المضطرد لجذورها الليبرالية والقيم الغربية الأساسية المتعلقة بالنظر إلى الإنسان لصالح ما يمكن تسميته "جنون الربح". إذ يتم تصدير الكثير من الصناعات لدول مثل الهند أوتركيا, ليس لرخص العمالة والتسهيلات الضريبية وحسب, بل كذلك غياب سياسات قوية راسخة مثلما هو عليه الحال في الغرب مثل شروط السلامة الخاصة بمحيط العمل وحماية البيئة وعمالة الأطفال وجودة المنتج. ما أريد قوله هنا, يتمثل في كون النموذج التركي وتطوره محكوم في تصوري بطبيعة العلاقة بين النخبة العسكرية التركية المهيمنة على نظام صوري في التحليل الأخير للديمقراطة وبين المعيار المزدوج المميز للسياسة الخارجية الأمريكية. والسؤال هنا (على سبيل المثال), هل تلتقط النخبة العسكرية في مصر هذا الخيط مرة أخرى وتكون أكثر ذكاء من نخبة مبارك.
                  

03-12-2014, 03:38 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: عبد الحميد البرنس)

    عزيزي البرنس

    لقد أثرت قضايا مهمة تتعلق بالنموذج التركي و هل أتت جاذبيته نتيجة لموقعه في تقسيم العمل الدولي الجديد ،كما أشرت الى ملاحظة سمير أمين،أم الى السياسات النيوليبرالية كما اشار الى ذلك الباحث التركي ،و ما هو دور اردوغان في ذلك؟أي ما هي الاضافة التي قدمها؟سبق للباحث ان نوّه الى الضبابية التي تكتنف فهم النموذج التركي.

    عموما النموذج التركي قد يكون اقرب الى تونس تاريخيا،من حيث ان كلا من اتاتورك و بورقيبة هما نموذجان للتحديث العلماني الاستبدادي.

    و مسالة مصر نجدها مرتبطة بكونها من الدول التي اتبعت نهجا غربيا للتحديث قبل اليابان،لكن اين مصر الان من اليابان؟

    كما ان الاسم ليس بكاف لاستلهام النموذج التركي.فكيف يمكن لجماعة عمادها الطاعة العمياء مثل الاخوان المسلمين ان تدخل افق الحداثة السياسية دون أن يبدا تطبيق تلك الحداثة داخل الجماعة نفسها؟

    كن بخير.
                  

03-13-2014, 00:23 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: تفكيك خطاب النماذج في ما بعد الربيع العربي (Re: osama elkhawad)



    سمير امين من ابرز رموز مدرسة التبعية،
    هنا مقال له يوضح فيه اسباب صعود الاسلام السياسي و امكانية الخروج من الازمة الاقتصادية المصرية عبر ما يسميه كسر سلاسل التبعية الاقتصادية و السياسية:

    التحدى الذى يواجه مصر فى اللحظة الراهنة

    إن تاريخ مصر الحديثة هو تاريخ الموجات المتتالية لمحاولة الصعود (تجربة محمد على، تجربة عبدالناصر) من خلال تبنى النموذج الرأسمالى أساسا. وبثورة 25 يناير 2011 دخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها، والتحليل الذى أقدمه هنا يخص من جانب الحركة الديمقراطية الوطنية الشعبية ومن جانب آخر استراتيجيات العدو الرجعى المحلى وحلفائه بالخارج. ويسمح لى هذا التحليل بتصور وجود طرق متعددة للخروج من الأزمة الراهنة فى مصر. إلا أنه بالنظر إلى المستقبل القريب يبدو أن مصر ستغرق فى مزيج من التنمية الرثة، والخضوع لسيطرة النظام الإمبريالى العالمى. ومع ذلك سيتواصل النضال وربما يسمح بإيجاد مخارج من هذا الطريق المسدود.

    •••

    أرست مصر فى عصر عبدالناصر نظاما اقتصاديا واجتماعيا وجهت إليه انتقادات كثيرة، لكنه كان نظاما متسقا، راهن على التصنيع باعتباره السبيل للخروج من تقسيم العمل الاستعمارى الدولى، الذى كان يحصر مصر فى دور البلد المصدر للقطن. واتسم نظامه بتوزيع للدخول يعمل لصالح توسيع الطبقات المتوسطة دون إفقار للطبقات الشعبية. ولكن كل من السادات ومبارك قام بتنفيذ مشروع العولمة الليبرالية الفجة القائم على تفكيك المنظومة الإنتاجية المصرية، وأحلا محلها نظاما غير مترابط، مبنى بشكل مطلق على ربحية الشركات التى أصبح معظمها مجرد مقاولين من الباطن للاحتكارات الإمبريالية. أما معدلات النمو الاقتصادى المرتفعة التى امتدحها البنك الدولى على مدى 30 عاما فلم يكن لها معنى على الإطلاق. ذلك لأنه كان نموا هشا، معرضا لمخاطر التراجع إلى أقصى حد. وفوق ذلك صاحب هذا النمو ارتفاع مذهل فى مستويات البطالة واللامساواة، وهو الموقف الذى ظل قابلا للانفجار، ثم انفجر بالفعل.

    كانت النتيجة الحتمية، حدوث تدهور سريع فى كل الشروط الاجتماعية وفى غضون سنوات قلائل تبدد كل ما أنجز فى الدولة الشعبية الوطنية، وأصبح الفقر والبطالة الواسعة النتيجة المنطقية للسياسات النيوليبرالية وهو ما أوجد الشروط الموضوعية للتمرد والثورة. استغرقت فترة الردة نصف قرن تقريبا. فمصر التى استسلمت لمتطلبات الليبرالية المعولمة والاستراتيجية الأمريكية، توقفت ببساطة عن الحضور كعامل نشط فى السياسة الإقليمية والعالمية. واحتل مكانها حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيون (السعودية، إسرائيل). وبالتالى تمكنت إسرائيل من الاستمرار فى نهج التوسع فى الاستيطان بفلسطين المحتلة بتواطؤ ضمنى من جانب مصر ودول الخليج.

    وقد تسببت عملية نزع السياسة من المجتمع (نتيجة للنهج الفعلى للنظام الناصرى) فى صعود الإسلام السياسى. ومن ثم كان المَعْلم السائد هو إلغاء الممارسة الديمقراطية. ولا تعنى الديمقراطية هنا مجرد إجراء الانتخابات التعددية. وإنما تعنى ممارسة الديمقراطية بالمعنى الصحيح للكلمة، أى احترام تعددية الآراء والمشروعات السياسية وحق التنظيم السياسى. ولما كان التسييس يتطلب الديمقراطية، فإن الديمقراطية لا توجد إلا عندما يتمتع أصحاب الرأى المختلفون مع السلطة بحرية التعبير. وقد أدى طمس الحق فى التنظيم حول آراء ومشروعات سياسية مختلفة إلى القضاء على التسييس. وقد أعلنت هذه الكارثة عن نفسها فى العودة إلى الآراء القديمة (دينية وغير دينية)، وهو ما انعكس أيضا فى القبول بمشروع «المجتمع الاستهلاكى»، وهو الاتجاه الذى ينتشر ليس فقط وسط الطبقة المتوسطة المستفيدة من نمط التنمية هذا، وإنما ينتشر أيضا وسط الجماهير الشعبية التى تطالب بالاشتراك فى الحد الأدنى من الرفاه، خاصة فى ظل غياب بديل واقعى وذى مصداقية.

    •••

    اتخذت عملية نزع السياسة فى المجتمعات الإسلامية شكلا سائدا وهو «العودة» الواضحة أو الظاهرية «للإسلام». فقد أصبح خطاب المسجد مع خطاب السلطة هما الخطابان الوحيدان المسموح بهما فى الفترة الناصرية، وازداد الأمر كثافة فى عهدى السادات ومبارك. واستُخدِم هذا الخطاب لإيقاف صعود أى بديل قائم على إرساء طموح اشتراكى. وقد شجع السادات ومن بعده مبارك الخطاب «الدينى» ليصاحب ويتمشى مع تدهور الظروف المعيشية الناجمة عن إخضاع مصر لمقتضيات العولمة الإمبريالية. ويتطلب فهم نجاح الإسلام السياسى المزيد من التوضيح للعلاقة بين نجاح العولمة الإمبريالية من ناحية وصعود شعارات جماعة الإخوان من ناحية أخرى.

    أدى التدهور الذى صاحب العولمة إلى انتشار أنشطة القطاع غير المنظم فى الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والتى تعتبر المصدر الرئيسى لدخل أغلبية السكان فى مصر (تقدرها الإحصائيات بـ60%). وتملك تنظيمات الإخوان المسلمين قدرة حقيقية على العمل فى هذه الظروف، وبدوره أدى نجاح الإخوان فى هذه المجالات إلى المزيد من تضخم تلك الأنشطة، ومن ثم ضمان إعادة إنتاجها على نطاق أوسع. وتتصف الثقافة السياسية التى يضطلع الإخوان المسلمون بنشرها بتبسيط شديد. إذ تضفى هذه الثقافة فى مضمونها «المشروعية» على مبدأ الملكية الخاصة وعلاقات السوق «الحرة»، دون اعتبار لطبيعة الأنشطة المعنية، والتى تتمثل فى أنشطة بدائية غير قادرة على تحقيق التنمية. يُضاف إلى هذا أن الوفرة المالية الهائلة فى بلدان الخليج قد سمحت بطفرة كبيرة فى تلك الأنشطة، حيث تضخ تلك الدول الأموال المطلوبة لهذه الأنشطة من خلال القروض والمنح الصغيرة.

    لا تهدف دول الخليج إلى المساهمة فى تنمية القدرة الإنتاجية للاقتصاد المصرى وإنما ترمى فقط إلى تنمية هذا الشكل من «التنمية الرثة»، لإدراكها أن إحياء مصر كدولة تنموية سوف يهدد نظم دول الخليج، التى ترفع شعار أسلمة المجتمع لتتفادى مواجهة متطلبات الشعب الحقيقية، وتخضع للسيطرة الأمريكية (التى تريد مصر دولة تابعة يضربها الفقر المتزايد)، وتسمح بالسيطرة الإسرائيلية (التى تدرك وزن مصر فى مواجهة التوسع الصهيونى). لقد كان «الاستقرار» الظاهرى للنظام المصرى موضع مديح متواصل من جانب المسئولين الأمريكيين المتلاحقين وآخرهم هيلارى كلينتون، وقد قام هذا الاستقرار على عاتق جهاز أمنى مهول وأطلقت أيدى هذا الجهاز فى ارتكاب الانتهاكات اليومية. وزعمت القوى الإمبريالية أن ذلك النظام قد «حمى» مصر من تهديد الإسلام السياسى. وهو زعم لا يتعدى أن يكون كذبة خرقاء. ففى واقع الحال أدمج النظام الإسلام السياسى الرجعى فى بنية السلطة، بمنحه السيطرة على التعليم والقضاء ووسائل الإعلام الرئيسية. فكانت الخطب العامة الوحيدة المسموح بها هى خطب السلفيين فى المساجد، بما سمح للإسلاميين بالظهور بمظهر «المعارضة». وقد توافقت خطابات المؤسسة الحاكمة فى الولايات المتحدة ــ بازدواجيتها المثيرة للسخرية ــ مع تلك الأهداف.

    أدى الدعم الفعلى للإسلام السياسى إلى تدمير قدرة المجتمع المصرى على مواجهة تحديات العالم الحديث (مثل التدهور الكارثى فى التعليم والبحث العلمى). ولجأت واشنطن إلى إدانات عَرضية لانتهاكات الإسلام السياسى (مثل الاعتداء على الأقباط) كى تضفى شرعية على تدخلاتها العسكرية فى إطار «الحرب على الإرهاب». وكان بإمكان النظام أن يبدو بمظهر «المتسامح» مادام لديه صمام الأمان الذى توفره هجرة أعداد كبيرة من الفقراء والطبقة المتوسطة إلى الخليج. غير أن استنفاد هذا الترتيب (بسبب حلول المهاجرين الآسيويين محل العمالة الوافدة من البلدان العربية) أدى إلى بعث الحركات المعارضة. فكانت الإضرابات العمالية عام 2007 (أقوى إضرابات فى القارة الأفريقية على مدى الخمسين عاما الماضية)، وحركات المقاومة لصغار الفلاحين، وتَشكُّل جماعات الاحتجاج الديمقراطية (مثل حركتى «كفاية» و«6 أبريل»)..وهو ما أنذر بالانفجار الحتمى الذى توقعه المصريون، بينما شكل مفاجأة «للمراقبين الأجانب».

    •••

    وفى تصورنا أن أى مخرج لهذه الأزمة المجتمعية لو لم يستطع ترجمة مطالب هذه الجماهير الثائرة، فى مشروع وطنى ديمقراطى وشعبى، فلن يكتب له النجاح. وأقدم هنا العناصر الأساسية لهذا المشروع:

    أولا: لا يمكن أن يتحقق الخروج من الأزمة الراهنة دون وجود سياسة ثابتة للدولة تستند إلى كتلة اجتماعية مريحة، تمنح المشروعية والقدرة على بناء مشروع متماسك يتطلع إلى توجيه منظومة الإنتاج الوطنى نحو الداخل، بمعنى إخضاع العلاقات مع المنظومة الرأسمالية العالمية لمنطق واحتياجات التقدم الداخلى. كما يجب أن يضمن هذا مشروع مشاركة الغالبية من الطبقات والفئات الاجتماعية فى الحصول على ثمار التنمية. ويتحدد الإطار العام لهذا التحدى، فى كيفية تحقيق السيادة الوطنية على جميع جوانب الحياة الاقتصادية، التى تقتضى تدعيم وتطبيق سياسات تحمى السيادة الغذائية، وتحقيق السيادة الوطنية على الموارد الطبيعية، وإدخال إصلاحات أساسية على القواعد التى تحكم توزيع الدخل، وتشكيل الاستهلاك، واتخاذ القرار فى مجال الاستثمارات. وهو ما يتناقض بطبيعة الحال مع سياسات رأسمالية المحاسيب التى تخضع لمتطلبات المنظومة العالمية السائدة، من الخصخصة، وتحرير الأسعار والأجور، وتخفيض الإنفاق العام ولاسيما على الخدمات الاجتماعية، وإلغاء دعم الاستهلاك الشعبى.

    نعنى بذلك أن هذا التحدى لا ينحصر فى الجانب الاقتصادى فقط، وإنما هو مشروع سياسى شامل يتوجه إلى الحد من الوسائل التى تتمكن من خلالها المراكز الرأسمالية المسيطرة من إدامة سيطرتها من خلال تحكمها فى مجالات التطور التكنولوجى، والسيطرة على الموارد الطبيعية، والهيمنة على المنظومة المالية العالمية، وكذلك السيطرة على توزيع المعلومات، وأخيرا احتكار أسلحة الدمار الشامل، بما يتيح لها الهيمنة الاقتصادية والسياسية. وبالإمكان ملاحظة أننى لا أصنف هذا المشروع الوطنى للتنمية باعتباره رأسماليا أو اشتراكيا، ذلك لأن عملية التنمية التى أطرحها تتسم بالتكامل والصراع فى الوقت نفسه، بين منطق الإدارة الرأسمالية للاقتصاد، ومنطق الإدارة غير الرأسمالية ــ ربما الاشتراكية ــ للمجتمع والسياسة. فهو مشروع يسمح بالتقدم فى طريق طويل نحو الاشتراكية.

    ثانيا: يتطلب ذلك كسر سلاسل التبعية الاقتصادية والسياسية، سواء التى تربطنا بدرجة أولى بالولايات المتحدة الأمريكية، ومحاولة الاستغناء عن المعونة الأمريكية. وإيجاد علاقات بديلة مع دول مثل الصين والهند والبرازيل، وتجديد روح باندونج. فالبديل لانحباس مصر فى إطار ديكتاتورية ثلاثية (أمريكا، الخليج، إسرائيل) يدعو إلى تدعيم علاقات تعاون مع الدول البازغة القادرة على الاشتراك معنا فى إعادة بناء منظومتنا الانتاجية الوطنية.

    ثالثا: يجب ألا يقتصر فهمنا لفكرة الديمقراطية على صندوق الاقتراع (وإن كان إحدى آليات الديمقراطية). ولكن بإبراز مضمونها الاجتماعى بجانب المضمون السياسى من تكريس لحقوق المواطنة، والمساواة بين المواطنين، واحترام الحريات الخاصة والعامة، والحرص على إيجاد أجواء من التوافق العام تتيح لكل القوى الحية فى المجتمع المشاركة فى العملية السياسية.

    •••

    أين تقف الحكومة الحالية من هذا؟ للأسف لم تخرج بعد عن إطار الليبرالية الفجة المناهضة للنهضة. وكأنها لا تدرك أن هناك بديلا. إن تحقيق أهداف الثورة (العدالة الاجتماعية، الكرامة الوطنية، احترام حقوق المواطنين الديمقراطية) يقتضى إدراك وجوب الخروج من المأزق المزدوج الوجه، أى مأزق الليبرالية الاقتصادية المنفلتة والخضوع للإملاءات الأمريكية. علما بأن وجهى التحدى لا ينفصلان. فعلى العناصر الفاعلة فى حركة الثورة أن تدرك ذلك وأن تجعل الحكومة والمؤسسة العسكرية تعمل طبقا لما يقتضيه ذلك البرنامج.

    (عدل بواسطة osama elkhawad on 03-13-2014, 00:26 AM)

                  

03-13-2014, 05:37 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رأسمالية المحاسيب (Re: osama elkhawad)

    رأسمالية "المحاسيب"

    تحدث الباحث التركي عن رأسمالية "المحاسيب" حين قال:

    "المشكلة الرئيسة التي يمكن أن يساعد النموذج التركي في حلّها، هي كيفية إلغاء رأسمالية المحاسيب الراهنة، و تحسين أداء القطاعات العامة غير الفعّالة في تونس و مصر".

    و أدناه حوار مع سمير أمين عن تلك الرأسمالية:

    سمير أمين: مصر تعيش «رأسمالية المحاسيب»

    حوار- بيسان كساب

    «لا شىء تَغيَّر فى مصر»، هو الوصف الإجمالى لسياسات وتوجهات نظام الرئيس محمد مرسى الاقتصادية، كما يرى سمير أمين أحد أبرز مفكرى الاقتصاد فى تاريخ مصر. هو يردّ فى حواره معنا، خلال زيارة قصيرة لمصر تتخلل إقامته الدائمة فى فرنسا منذ عقود، على اتهامات متكررة وُجهت إليه بتجاوز ماركسيته، التى يشدد طوال الوقت على التزامه بها، حين يدعو إلى إصلاحات يراها منتقدوه تُبقِى على النظام الرأسمالى ولا تلغيه، خصوصا أن الرجل أيّد حمدين صباحى فى السباق الرئاسى، على الرغم من انتقاداته الحادة لتجربة جمال عبد الناصر، التى تبقى التجربة التى ينحدر منها صباحى. حواره مع «التحرير» يتضمن أيضا تفسيرا للفارق الذى يراه فى تجربة الرجلين، كما يتضمن رؤيته للوضع فى مصر، وللمستقبل.

    and#9632; قلتَ فى كلمتك خلال حفل تسليم أحمد النجار (الباحث الاقتصادى البارز) جائزةً باسمك قبل أيام إنك ترى دولة الرئيس محمد مرسى دولة تقبل التخلى عن المشروع الوطنى التنموى، هل فسرت ذلك أكثر؟

    - سآتى على ذكر ذلك بالتفصيل، لكن دعينا نصل إليه بعدما نبدأ الحديث من مقدماته التى تفضى إلى هذا الاستنتاج، فخلاصة القول أن ثمة نموذجين أو خيارين بصدد النظام الاقتصادى أمام مصر، وربما العدد الأكبر من دول العالم، ومصر إذن فى هذا السياق ليست استثناء فى الوقت الحاضر، لكنه ليس خيارا بين النظامين الرأسمالى والاشتراكى، ولا يعنى ذلك أنى أقلل من قيمة الجدل والنقاش التقليدى بين النموذجين بما يتضمنه من سرد عيوب ومميزات كل منهما على حدة وفى مواجهة الآخر بما فى ذلك الشعارات العامة، فالجدل فى هذا السياق صحيح تماما ومنطقى وعميق، كل ما هنالك أنى أستعرض ما هو مطروح فى المستقبل القريب فقط بغضّ النظر عما هو أبعد من ذلك.

    الخيار الأول هو الدولة الوطنية التنموية، وهى دولة بالضرورة لا بد أن تبدأ شق طريقها الطويل نحو الديمقراطية ولو لم تصل فورا إلى ما قد نسميه النماذج الديمقراطية الأسمى إذا جاز التعبير، ولكن يجب أن لا يعنى ذلك فقط طبعا صندوق الانتخابات، بل ما أقصده هو دمقرطة المجتمع كله.

    and#9632; وماذا عن الإجراءات الاقتصادية الواجبة للوصول إلى هذه الدولة الوطنية التنموية كما تسميها؟

    - هناك عدة أمثلة على هذه الإجراءات، فأولا لا بد من إعادة النظر فى عقود الخصخصة، فإذا كانت الأثمان بخسة للغاية ولا تتناسب مع التقييم الحقيقى للأصول الإنتاجية المنقولة فيمكن ببساطة إعادة تأسيس الشركة بنمط الملكية المساهمة على أن يحتفظ المستثمر بجانب من الأسهم يساوى قيمة ما دفعه للدولة إلى إجمالى القيمة الحقيقية فقط وتحتفظ الدولة ببقية الأسهم، وثانيا لا بد كذلك من تخفيض أو إلغاء أنماط الدعم المختلفة الموجهة للقطاعات الطفيلية، ودعم الطاقة كمثال، وإعادة توجيه الائتمان المصرفى الذى يمنح الآن مبالغ ضخمة للقطاعات الطفيلية نحو تلك القطاعات المنتجة خصوصا صغار المنتجين والحرفيين، وإقرار حد أدنى للأجور.

    وأحب أن أنوه هنا بأن المطالب بأن يقر فى حدود 1200 جنيه تبدو معقولة جدا، أما ما يقال من أن الدولة لن تستطيع توفير قيمة الحد الأدنى الجديد للموظفين العموميين فى الحكومة فالحل البسيط هو تلك الوفورات المالية التى ستتحقق من رفع الدعم الموجه للقطاعات الطفيلية، طبعا بخلاف مكافحة الفساد. وقد يقال طبعا إن كل تلك الإجراءات ستفضى إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية… لكن هذا غير صحيح، وإلا فلننظر إلى كثير من الأمثلة فى الدول الإفريقية التى اكتفت بفتح الأبواب على مصاريعها أمام رؤوس الأموال الأجنبية. الأمر لم يكن كما نتوقع، فرأس المال الأجنبى لم يتدفق ليؤدى الدور الذى ربما كان منتظرا منه، فالأمر تحول إلى ما يشبه الغزو تحت مظلة الخصخصة. بينما تدفقت تلك الاستثمارات على الصين مثلا فى المقابل لسبب بسيط هو أن الصين تحتفظ لنفسها بنموذج مشروع وطنى تنموى ومن ثم فرأس المال الأجنبى سيفضل المشاركة فى هذا المشروع. فيجب أن لا نجلس لننتظر القطاع الخاص الأجنبى أو حتى المصرى ليقوم هو بتلك المهمة… هذا أشبه بانتظار المعجزة.

    and#9632; بصراحة كل ما قلت قد لا يخرج كثيرا عن إطار الكينزية (توجه اقتصادى نسبة إلى البريطانى جون ماينارد كينز الذى دعا إلى إصلاحات فى النظام الرأسمالى تتضمن دورا أوسع للدولة وإنفاق أوسع يضمن مستوى من المعيشة يسمح بتحفيز الاستهلاك).. وقد يعيد إثارة الانتقادات التى وجهت إليك بتجاوز الماركسية حين تطالب فقط ببناء ما يسمى «البديل» دون الحديث على نحو واضح عن الاشتراكية.

    -هذه الانتقادات لا تنم إلا عن طفولية، فهذه الإجراءات ضرورية جدا لبناء بديل يعد تمهيدا لفتح الباب نحو التطور نحو الاشتراكية، لهذا السبب تقف القوى العالمية المهيمنة طوال الوقت فى مواجهة مثل هذه الإجراءات أو الإصلاحات، كونها ببساطة تعلم أنها إجراءات قادرة على تمهيد الطريق لإقامة الاشتراكية، كما أن تلك الانتقادات قد تكون بعيدة عن الروح العلمية لكارل ماركس. فماركس وإنجلز ما كان لهما أن يفسرا المجتمع على نفس النحو الآن ولا أن يتحدثا عن دور الطبقة العاملة بنفس الشكل الذى تعلمناه جميعا منهما… كان لزاما عليهما أن يبحثا أكثر فى دور المعدمين ووالموظفين والباعة الجائلين مثلا.

    and#9632; بين هذه الإجراءات المقترحة والإجراءات الناصرية تشابه، خصوصا أنك أيدت حمدين صباحى فى السباق الرئاسى الذى ينحدر من نفس التجربة التى انتقدتها مرارا بحدة.. ألا ترى فى حديثك ازدواجا؟

    - ما زلت أنتقد التجربة الناصرية بنفس الحدة، لكن لا بد من سرد عدد من الحقائق على هامش هذه الانتقادات، مثلا أن الأمر يصور فى الإعلام وفى الفضاء العام كما لو أن «مصر قد عاشت ستين عاما فى قبضة الحكم العسكرى»، وكما لو أن كل تلك الفترة بعد يوليو من عام 1952 إلى اندلاع ثورة يناير، ليست إلا مساحة ممتدة من الزمن بحيث يجرى وضع عهد عبد الناصر فى سلة واحدة مع عهدَى السادات ومبارك. لكن هذا ليس صحيحا من وجهة نظرى، فتجربة عبد الناصر هى تجربة تنموية ويجب أن لا ننسى أن أسرة مرسى نفسه استفادت مثلا من أراضى الإصلاح الزراعى والتعليم المجانى الذى استفاد منه الرجل نفسه بشكل مباشر، لكنها تجربة وصلت إلى ذروة حدودها الممكنة فى عام 1965/1966 ولم تستطع تخطى حد معين من التنمية ورفع مستوى المعيشة فى ظل هذا الحد الذى كان مسموحا به من مشاركة الجماهير، فالأمر كان يحتاج إلى حدود أوسع من مشاركة الجماهير بدلا من هذه القرارات الفوقية وحصر دور الجماهير فى مساندة السياسات دون مشاركة فى صياغتها على نحو ديمقراطى، خصوصا فى ما يتعلق بدور النقابات مثلا. كل هذا الإرث غير الديمقراطى أعتقد أن حمدين صباحى كان ليتجاوزه إذا قُدر له أن يصل إلى رئاسة الدولة ولو مضطرا، لكونه ينطلق من تجربة ثورية هى تجربة ثورة يناير، فتكرار التجربة الناصرية بحذافيرها مستحيل. بخلاف ذلك فحمدين كان أفضل ما هو مطروح كخيار فى الانتخابات الرئاسية بغضّ النظر عن الأجل الطويل.

    and#9632; نعود إلى الخيار الثانى.. فما هو؟

    - الخيار الثانى هو القبول بأن تستمر الرأسمالية فى طريقها الحالى بنفس قواعد الرأسمالية الليبرالية، التى تتلخص فى احتكار القطاع الخاص والملكية الخاصة للنشاط الاقتصادى واستبعاد أى شكل من أشكال الملكية الأخرى، وهو طبعا ما يعنى ضمنيا السير قدما مجددا فى طريق الخصخصة كوسيلة للوصول إلى هذا النمط من الاقتصاد (لاستبعاد نمط ملكية القطاع العام من النشاط الاقتصادى) بخلاف الحرية المطلقة للأسواق بما فيها سوق العمل ومن ثم التخلى عن فكرة إقرار حد أدنى للأجور وتفكيك قوة النقابات العمالية بصورة خاصة والحد من سلطاتها واختصاصاتها. وبجانب الانفتاح فى استقبال رؤوس الأموال الأجنبية وفى الحالة المصرية طبعا أعتقد أنه ستكون لرأس المال الخليجى أولوية فى هذا السياق. هذا هو النمط الذى يروج له البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وروج له أنور السادات وحسنى مبارك، وما أعتقد أن محمد مرسى كذلك يروِّج له.

    والسؤال البديهى هنا هو: ماذا ترتب على اتباع هذا النمط فعليا؟ فما حدث فى الحالة المصرية فعليا هو تحويل مصر لدولة كومبرادورية (مصطلح يطلق على الطبقة الطفيلية غير المنتجة التى تنشأ بالأخص فى المجتمعات فى مرحلة التحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر وتقوم بدور الوكيل المحلى لتنفيذ أجندة المؤسسات الدولية الرأسمالية فى مقابل منحها التوكيلات والتمثيل التجارى على سبيل المثال)، دولة تقبل التبعية من جهة، كما تقبل الإفقار من جهة أخرى، وهو ما أدى إلى نمو ما يسمى «رأسمالية المحاسيب»، وهو تعريف أدق للفساد كاصطلاح أخلاقى لا معنى دقيق له. فما أقصده أن التجربة أثبتت أن هذا النموذج الاقتصادى لم يفرز إلا تكوين ثروات لا تشكيل طبقة برجوازية وطنية، لنتذكر مثلا هنا التوكيلات التى وزعها السادات والأسعار البخسة لبيع أصول الدولة والأراضى القريبة من المدن التى بيعت بأثمان غير واقعية، أما ما يقال فى هذا السياق بشأن فرص العمل فمردود عليه بأن التوظيف لم يكن مرتبطا برفع الإنتاجية، والمثال الواضح فى هذا السياق مجددا هو صفقات بيع شركات وأصول القطاع العام التى لم تتضمن أى إضافة بل كانت نقلا للملكية فقط. والأمر يختلف تماما عن بناء منظومة إنتاجية متماسكة قادرة علية التطور من تلقاء نفسها والترقى فى السيادة على التكنولوجيا وبالطبع تخليق الوظائف.

    and#9632; قلتَ لتوك إنك ترى أن مرسى أيضا يسير على نفس المنوال، لكن الخصخصة مثلا متوقفة منذ قبل الثورة ولا دليل واضح على نيته استئنافها، اللهم إلا تصريح عابر من وزير المالية عن ضرورة استئنافها كحل وحيد للوضع الخرب لمؤسسات القطاع العام.. فكيف ترى ذلك؟

    - أولا الخصخصة توقفت بسبب نتائجها الكارثية على الميزان التجارى بصورة خاصة، وثانيا الأمر لا يتطلب مهارة لاستنتاج سياسات محمد مرسى من البداية فى هذا السياق، فدائما ما روجت جماعة الإخوان المسلمين لأنها غير معادية لليبرالية الاقتصادية بشرط فرض بعض الخيارات الإصلاحية الأخلاقية عليها، كل هذا لغو لا تعريف له، فكل ما يقال بصراحة عن الاقتصاد الإسلامى وما شابه ليس إلا ترهات، فما اطلعت عليه من أدبيات فى هذا السياق كلام مضحك لا يرقى إلى مستوى مقررات أى كلية لإدارة الأعمال من الدرجة الرابعة، لذلك فحين سُئلت عما تغير فى مصر قلت: لا شىء.
                  

03-15-2014, 01:50 PM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
هل هناك فرصة للنموذج التركي في العالم العربي؟ بقلم راشد الغنوشي (Re: osama elkhawad)

    هل هناك فرصة للنموذج التركي في العالم العربي؟ بقلم راشد الغنوشي

    في الناس ميل طبيعي إلى الإعجاب بالناجحين، غير أنهم قد يخطؤون الوقوف على الأسباب الحقيقية لنجاحهم، وهو ما لاحظه العلامة ابن خلدون من أن المغلوب يميل إلى تقليد غالبه فيما يحسبه سبب غلبه، متعلقا بمظاهر من حياة الغالب، مثل زيه وأنماط حياته. شيء من ذلك يشهده السجال الدائر حول الانتصار المدوّي الذي حققه الإسلاميون الأتراك، فلم تدخر عدة أقلام علمانية جهدا لصرف الأنظار عن إسلامية الحزب، لصالح التركيز على علمانيته في تجاهل للمدرسة الفكرية التي نشأ فيها محازبوه وما عرفوا به ولا يزالون. " لم يؤسس العلمانيون العرب إعجابهم بالتجربة الاسلامية التركية على التنويه بديمقراطيتها دعما للتوجه الديمقراطي المتوقف في منطقتنا، أو تسليط الأضواء على خلفيته الاسلامية المعتدلة، لأن ذلك لا يهمهم، المهم هو خدمة الاستراتيجية الامريكوصهيونية المستهدفة لمقاومة يعد الاسلام وقودها" يقول أولئك إنه ليس للإسلام فضل في نجاح هؤلاء، لأنهم علمانيون، وإن جوهر إبداع الحزب ومصدر نجاحه علمنته للإسلام وفصله الدين عن شؤون المجتمع والدولة في حين أن الإسلام شأن خاص.

    والنتيجة:ـ

    أ- ليس للإسلاميين العرب المطحونين بالاستبداد أن يبتهجوا وتنتعش آمالهم بما تحقق لـ"إخوانهم" الأتراك، وبأن خيوط الشمس ستصل ربوعهم يوما أيضا، وإنما الأحرى بالابتهاج هم العلمانيون والليبراليون.

    ب- وكذلك إذا كانت العلمانية هي المنتصرة، فلماذا الأحزاب العلمانية التركية التي لا شبهة في علمانيتها تستصرخ محذرة من خطر الأصولية؟ هلا تطوع علمانيونا بإقناعها أن جماعة العدالة والتنمية، منهم وإليهم؟

    ج- إن أهم ما يستظهر به المدافعون عن علمانية "العدالة والتنمية" هي اعتراف زعماء الحزب بذلك وترديدهم له، دون أن ينالوا نجاحا في إقناع العسكر ولا المدنيين، فقط نجحوا في إقناع العلمانيين العرب المتمسكين بحجة الاعتراف، وبعضه لا يعتد به في الجنايات، إذ قد يعترف الإنسان على نفسه بجريمة لم يقترفها لتجنب مصيبة أعظم، أو تحت الإكراه، أو لجلب مصلحة ودرءا لمفسدة، فيعقد زيجة أو شراكة لا يرغب فيها.ـ

    وإلى ضرب من ذلك انتهت علاقة الإسلاميين الأتراك والعسكر حراس المعبد العلماني، الذين بمعاولهم على كل محاولة للإحياء الإسلامي، لا يعودون إلى ثكناتهم حتى يستوي قطار الديمقراطية على سكة العلمانية الصلدة فيأذنوا بانطلاقه. فهل يريدون من الإسلاميين الأتراك وأمثالهم، وقد حلت أحزابهم الواحد بعد الآخر ونكل بزعمائهم أن يكشفوا صدورهم عارية للخناجر والسيوف المتربصة بهم حتى يشهدوا لهم بالإسلامية؟ أم أنهم يبغون دفعهم إلى الصدام والعنف حتى يعلّقوا على جباههم لافتة الإرهاب؟ أوليس الإسلاميون بشرا ذوي عقول تقدر المصلحة وتتعلم من التجارب، كيف تتوقى الضربات وتتجنب كوارث الصدام؟ وهل من بديل غير السياسة، ومن مقتضياتها القبول بضرورات الواقع وإكراهاته.

    ولذلك لم تقم خلال زهاء قرن من الصراع بين الإسلام والعلمانية في تركيا جماعة إسلامية تدعو إلى تطبيق الشريعة، بله إعادة الخلافة، ومقابل ذلك لم يبرز مع توالي الأحزاب الإسلامية العاملة في ظل العلمانية أي تنظير "لإسلام علماني" فهل يعني ذلك أن خمسة قرون من المجد التركي في ظل الخلافة انمحى أثرها من العقل التركي المعروف بصلابته؟

    ولأن هذا التنظير غير موجود فما يبقى من تفسير مقبول لما صدر عن زعماء الحركة الإسلامية في تركيا من تصرفات مثل، وقوف أربكان على قبر أتاتورك، متعهدا بمواصلة السير على نهجه، وتصريح خلفائه المتكرر أن حزبهم محافظ علماني، دون وضعها في سياق الصراع بين الإسلام العائد والعلمانية الأصولية الغاربة، بما يخرّجها مخرج الضرورة السياسة التي لا تخلو حياة الأفراد والجماعات من اللجوء إليها.

    وقديما قال حكيم العرب: ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم، لأن البديل أسوأ: العنف والصدام وزرع بذور التطرف والإرهاب، وهل من عاقل يطالب أردوغان أن يتمسك بمشروع أستاذه: الدول الثماني، واتخاذه محورا لسياسته، والإصرار على إقرار قانون حظر الزنا بعد الضجة التي أثيرت حوله، والتمسك بموضوع الحجاب حتى وإن قاد البلد إلى صدام مدمر، أو أن يقدم على رفض وإلغاء الدستور العلماني، ولم لا إعلان الخلافة؟، حتى يحظى لدى العلمانيين العرب بالوصف الإسلامي يعلق على جثته مشنوقا: المشهد الأمثل للإسلامي معلقا على أعواد المشانق أو معتقلا أو مشردا أو يموت كل يوم كمدا. أما أن يكون حاكما فلا بد أن يكون قد تعلمن قبل ذلك! بل تأسرل. ليس عجبا أن ينوه العلمانيون العرب بالفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية، فالناس مفطورون كما سبق على الإعجاب بالناجحين، على غرار قول الشاعر: والناس، من يلق خيرا، قائلون له ما يشتهي، ويلام المخطئ الهبل . إلا أنه كان أنسب أن يؤسسوا إعجابهم على أسس أخرى غير ما ذهبوا إليه من الإصرار على علمنته، من مثل التنويه بديمقراطيته دعما للتوجه الديمقراطي، المتوقف في منطقتنا، أو تسليط الأضواء على خلفيته الإسلامية المعتدلة، بما يشجع تيار الاعتدال عندنا، أو لفت الأنظار إلى المصلحة القومية للعرب في أن يكون الإسلام حاكما في كل مكان وبالخصوص في محيطهم الجغرافي.

    " إدمان بعض الاقلام على تسويق الفكرة الخاطئة المتمثلة في الربط بين الديمقراطية والعلمانية أمعان في تضليل الرأي العام تشهد على فجاجته أنظمة دكتاتورية شيوعية ونازية وعربية هي علمانية أصولية، مقابل وجود انظمة ديمقراطية عديدة غير علمانية"

    فالإسلام حظهم ورصيدهم ومجدهم "وإنه لذكر لك ولقومك، وسوف تسألون". ألم ينقل إسلاميو تركيا العلاقة مع محيطهم العربي من طور كانت فيه على شفا الحرب مع سوريا ومع العراق لأسباب منها المياه، إلى طور التعاون، نقلا بلغ حد قبول تركيا عضوا مراقبا في الجامعة العربية، وبلغ رفضها التورط في غزو العراق ورفض السماح للجيش الأميركي بعبور أراضيها بينما تورطت في ذلك كل الدول العربية؟

    كلا لم يؤسس هذا الفريق من العلمانيين العرب إعجابه بالتجربة الإسلامية التركية على شيء من ذلك لأن شيئا منه لا يهمهم، المهم هو خدمة الإستراتيجية الأميركوصهيونية المستهدفة لمقاومة يعد الإسلام وقودها.

    سؤالان مهمان: الأول: هل هناك فرصة لأردوغان عربي؟ وهل في ذلك مصلحة؟

    الأول: نوافق الأقلام العلمانية في تأكيدها أن التجربة التركية غير قابلة للنقل إلى العالم العربي، ولكن ليس لنفس الأسباب، وإنما لأسباب أخرى، لا تتمحور حول ما ادعته من موانع داخل الحركة الإسلامية العربية تحول بينها وبين توفير الشروط التي قبل بها الإسلاميون الأتراك ثمنا للتمتع بالديمقراطية والوصول إلى السلطة ومنها القبول بالعلمانية: علمنة الإسلام، أي بتجريده من الشريعة وفصله عن الدولة، كالقبول بالرأسمالية نهجا اقتصاديا، والاعتراف بالكيان الصهيوني.

    ـ1- قد يغدو في ظل الهيمنة الدولية دفع ذلك الثمن لا محيد عنه لكل حزب يطمح إلى الحكم بأي ثمن سواء كان قوميا أم إسلاميا، ولكن الدنيا لا تزال بخير بل الخير في ازدياد بتعاظم تيار المقاومة في الأمة والعالم. غير أن الواقع يشهد أن هناك دولا عربية وإسلامية مختلفة التوجهات ذات توجهات فكرية وسياسية قومية لا تزال قائمة دون أن تضطر لدفع ذلك الثمن كاملا، كالاعتراف بالكيان الصهيوني، أو الخضوع لشروط الاقتصاد الرأسمالي أو تبني النهج العلماني، بما يدل على أن ما انتهجه الإسلاميون الأتراك هو ثمرة لقراءة لهم خاصة بتوازنات القوة التي تحكم بلدهم، ولتجارب المواجهة خلال أزيد من 80 سنة صراعا بين الإسلام والعلمانية. وليس من دليل يشهد أن هذه السياسة التي انتهجوها، هي ثمرة لقراءة جديدة في الإسلام، جردته من شريعته وما يدعو إليه أتباعه من نهج في الحياة.

    ـ2- ليس هناك ما "يضطر" الحركات الإسلامية العربية إلى الاعتراف بالعلمانية، بمثل ما فعل إسلاميو تركيا، لأن الدول العربية القائمة هي حسب ما تنص عليه دساتيرها إسلامية، وهو ما يعطي للحركات الإسلامية مشروعية دستورية لوجودها، وحتى مطالبتها بتطبيق الإسلام، بما ينقل الحرج إلى الجانب الآخر: الجماعات العلمانية، فيفرض عليها مراجعة توجهاتها حتى تنسجم مع فهم للإسلام مقبول تأويله.

    ـ3- إن إدمان بعض الأقلام على تسويق الفكرة الخاطئة المتمثلة في الربط اللازب بين الديمقراطية والعلمانية إمعان في تضليل الرأي العام تشهد على فجاجته أنظمة دكتاتورية شيوعية ونازية وعربية، هي علمانية أصولية، مقابل وجود أنظمة ديمقراطية عديدة غير علمانية مثل النظام البريطاني حيث يجتمع في شخص الملكة الرئاستان الدينية والسياسية، وأنظمة أخرى أوروبية وغير أوروبية.

    ـ4- الأمر الأساسي الذي حاولت الأقلام العلمانية أن تسدل عليه الستار، والذي يلقي ضوءا كاشفا على الفارق بين الحركة الإسلامية في العالم العربي ومثيلتها في تركيا لا يتمثل بالتأكيد في الخلفية الأيديولوجية لأنها واحدة، وإنما في شروط الواقع خاصة المتعلق بالاختلاف بين طبيعة النظام التركي والنظام العربي ثم بدور وارتباطات كل منهما.ـ

    أ- النظام التركي هو في المحصلة جزء من النظام الأوروبي، من حيث حكم المؤسسة مقابل حكم الفرد والعائلة في النظام العربي. صحيح أن المؤسسة العليا في هذا النظام التركي هي الجيش الحارس لقيم الجمهورية ومنها العلمانية، ولكنه ليس مثل جيوش العرب، هو لا يحكم وإنما يقوم بدور الرقابة على الحكم، ليضمن مضي آليات الحكم الديمقراطي سائرة على سكة دستورية علمانية، عبر انتخابات تنافسية نزيهة لا شبهة فيها ولا مجال لغش ولا إقصاء، لكنه يرفع هراوته كلما رأى القطار يخرج عن سكة العلمانية. ويحاول إسلاميو تركيا تجريده من تلك الهراوة بوسائل منها دفع بلادهم للاندماج الأوروبي.

    " تجربة الحركة الإسلامية في تركيا مهمة جدا في تليين صخرتي الدولة القومية والعلمانية، بما يستعيد اللحمة الوطنية المتشظية، وبما يتيح للمجتمع المدني أن يتنفس تمركزا حول قيمة الحرية والتنمية سبيلا للتطبيق الإسلامي المعاصر "

    في تركيا اليوم نصف ديمقراطية هي غائبة في النظام العربي، فلم تتمكن أي حركة سياسية مهما اختلف فكرها من خوض انتخابات نزيهة تحقق جوهر الديمقراطية: التداول، المشكل هاهنا على غرار تركيا.

    ب- العامل الآخر الذي يعتمدون عليه هو العامل الدولي وقيامه على حراسة مصالح إستراتيجية في منطقتنا: إسرائيل والبترول والموقع. وكلما جرب الغرب تشجيع التحول الديمقراطي واجهه اتجاه المنطقة صوب التحرر من هيمنته، بما يهدد مصالحه الهيمنية، فيتراجع، كما تراجع بوش سريعا عما مارسته إدارته لفترة من دفع للأنظمة صوب الانفتاح السياسي، بمجرد أن جاءت صناديق الاقتراع في فلسطين ومصر تفصح عن توجه سافر للرأي العام صوب الإسلاميين، بما يعنيه ذلك من دعم للمقاومة ورفض للكيان الصهيوني وتوجه نحو توحيد المنطقة. وكل ذلك يعتبر تهديدا للنفوذ الغربي في هذه المنطقة الحيوية، بينما الوضع التركي لا تدخل في معادلاته الحالية هذه العناصر التي هي وليس غيرها المسؤولة عن رفض نظام الهيمنة للحركات الإسلامية العربية، لا لتمسكها بالشريعة، وبعضها لم يدرج ذلك في برنامجه. فالغرب وخاصة الأميركان لا يعنيهم ذلك كثيرا وإنما الذي يعنيهم مصالحهم: البترول وإسرائيل، ولا تزال الحركات الوطنية الحقيقية قومية كانت أم إسلامية منظورا إليها أنها تهديد لتلك المصالح، وهي إستراتيجية غربية مستقرة رسخها النفوذ اليهودي في الإدارات الأميركية والغربية. إلا أن ذلك ليس مؤبدا بل قابل للتحول، فهيمنة الغرب ليست قدرا وإنما دورة في طريقها إلى الزوال "وتلك الأيام نداولها بين الناس".وخلاصة ذلك أن ليس من فرصة في ظل أوضاع الهيمنة الدولية القائمة والاستبداد الخادم لها لظهور أردوغان عربي، فليطمئن البعض، ولا يحاول البعض الآخر. إن التجربة التركية وليدة ظروف خاصة، فلا تصلح نموذجا، فقد أنتجتها ضرورات قاهرة والضرورات تقدر بقدرها، ضرورات حملت الإسلاميين بعد تجارب مريرة على أن يعلنوا تمسكهم بعكس ما تمليه عليهم عقيدتهم القاضية بأن الإسلام ليس عقيدة وحسب وإنما منهاج حياة. إن السلطة إذا كانت في كل الأحوال مفسدة، فهي في ظل وضع مثل هذا أدعى إلى الفساد، ثم إنه إذا أمكن أن يروج قدر من العلمنة في شعوب إسلامية غير عربية فالطريق مسدود هنا بفعل اللغة العربية التي لم تتعلمن وهي غير قابلة لذلك. ومع ذلك تظل تجربة الحركة الإسلامية في تركيا مهمة جدا في تليين صخرتي: الدولة القومية والعلمانية، بما يستعيد اللحمة الوطنية المتشظية، وبما يتيح للمجتمع المدني أن يتنفس تمركزا حول قيمة الحرية والتنمية سبيلا للتطبيق الإسلامي المعاصر. وفي ظل الحرية لن يلبث "الإسلام التركي" في زمن تصاعد الصحوة، أن يلتحم بالموج الإسلامي المتلاطم ويندمج الجميع في نهر الإسلام العظيم الذي ينهل من نبع صاف غير قابل للتشويه ولا التحريف.أما العرب الذين يصرون على نهج الإقصاء والقمع فلن يجنوا غير الخيبات. فمن يزرع إرهاب الدولة لن يجني غير ارهاب الجماعات المسلحة، ولا سبيل بين القرنين غير جبهات شعبية واسعة تقود غضب الشارع وتسلكه في طريق فرض التغيير
                  

04-16-2014, 05:27 AM

osama elkhawad
<aosama elkhawad
تاريخ التسجيل: 12-31-2002
مجموع المشاركات: 20554

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
رأسمالية المحاسيب .. في الإقتصاد الإجتماعي لمصر المعاصرة (Re: osama elkhawad)

    رأسمالية المحاسيب .. في الإقتصاد الإجتماعي لمصر المعاصرة



    مجدى عبد الهادى
    الحوار المتمدن-العدد: 3856 - 2012 / 9 / 20 - 19:43




    من السطر الأول لكتابه حدد الدكتور محمود عبد الفضيل هدفه بكشف التناقضات التي يحياها المجتمع المصري وما يعانيه من أوضاع إقتصادية وإجتماعية مثلت الأرضية التي تصاعدت عليها الإحتجاجات الإجتماعية التي قادت لثورة 25 يناير 2011 م ، والتي يراها تركيبة مُشتبكة من أزمات الطبقات الوسطى والشعبية الناتجة عن رأسمالية جديدة تعتاش على أوضاعها الإحتكاية وتزاوجها الفاسد بالسلطة ، كما يعرض لبعض أعراضها المُتمثلة في سياسات الأجور والطبقية التعليمية السائدة في مصر الآن .

    ويبدأ الفصل الأول بعرض بانورامي لحالة المجتمع المصري في مطالع القرن الحادي والعشرين ، من خلال مجموعة من الإحصاءات خرج منها بمجموعة من النتائج التي تتلخص في الزيادة السكانية الهائلة في البضعة عقود الماضية والتغير الكبير في الأنماط الإستهلاكية وتميع الحدود ما بين الحضر والريف وغلبة الإنتاج السلعي الصغير على الإقتصاد المصري والإقتصاد العرفي الهامشي وسيادة القطاع اللانظامي في سوق العمل ، كذا العشوائيات السكنية التي جعلت من مصر ثلاث مدن !!

    وإنتقل الكاتب بعدها للفصل الثاني ليناقش الطبقة الوسطى في مصر وما أسماه بظاهرة "الصرع الطبقي" ، بما تعنيه من سعي محموم من الشرائح العليا لهذه الطبقة والشرائح الوسطى بدرجة أقل لتقليد الأنماط الإستهلاكية الترفية للطبقات العليا في محاولة لإرتداء أرديتها الطبقية ، وذلك بالمبالغة في الإستهلاك المظهري التفاخري الذي تحدث عنه الإقتصادي الأمريكي ثورشتين فبلن في كتابه "نظرية الطبقة المُترفة" ، ورصد في سياق إثباته لهذه الظاهرة الأنماط الإستهلاكية الجديدة للشرائح الأعلى من الطبقة الوسطى عبر عدد من الأمثلة الإحصائية ، المُتمثلة في نوعيات السيارات والسلع المُعمرة ورفاهات التكنولوجيا الحديثة إلخ .

    ولم ينس في سياق بحثه للطبقة الوسطى الحديث عن ظاهرة ميوعة الحدود الطبقية في مصر ، الناتجة عن الإختلالات الإقتصادية والإجتماعية العديدة ، وما ينتج عنها من لا معيارية إجتماعية وإقتصادية للدخول والمهن المختلفة ، كذا الدخول الموسمية المرتبطة بكثير من الانشطة الطارئة للطبقات الأدنى ، وقدم كحل إجرائي لهذه المسألة تعريفين أو تحديدين مختلفين للطبقة الوسطى ، ما بين تعريف ضيق يختزل الطبقة الوسطى في شريحتها الوسطى من مهنيين وإخصائيين وإداريين كبار في الجهاز الحكومي والقطاعين العام والخاص ، وتعريف واسع يتسع بحدود الطبقة الوسطى شمالاً وجنوباً ، ليشمل شريحة عليا تتكون من كبار الضباط والمسئولين والمديرين في شركات القطاع العام والخاص والمصرفي وبعض أساتذة الجامعات وأرباب المهن الحرة ، كذا شريحة دنيا معروفة بالبرجوازية الصغيرة تشمل صغار الموظفين والكتبة والحرفيين وأصحاب المحلات التجارية الصغيرة .

    وأشار في نهاية بحثه للطبقة الوسطى المصرية للتناقض ما بين الرخاوة السياسية الظاهرة لهذه الطبقة وتفككها إجتماعياً كنتيجة للتفكك الإقتصادي والإجتماعي الذي عانته مصر منذ بداية الإنفتاح الإقتصادي والطفرة النفطية الخليجية وتوغل العولمة منذ أوائل التسعينات من ناحية ، وما لعبه شباب هذه الطبقة من دور فعال في قيادة ثورة 25 يناير من ناحية أخرى .

    وانتقل الكاتب بعدها للفصل الثالث ليقدم عرضاً سريعاً لظاهرة مجتمعات الصفوة في مصر ضارباً العديد من الأمثلة عن مجتمعات الكمباوندات المُغلقة والمنتجعات السياحية الفاخرة ونوادي العضويات المحدودة ، وما يرتبط بها جميعها من نمط إستثماري ترفي لا يتناسب مع دولة فقيرة وفي أشد الحاجة لإستثمارات فعالة تزيد الثروة الإنتاجية وتفتح مجالات العمل للعاطلين .

    بينما خصص الفصل الرابع لإحدى أكثر الظواهر وضوحاً وتأثيراً في حياة المصريين ، وهى الإحتكار الذي تمارسه الرأسمالية الجديدة على العديد من القطاعات الحيوية في الإقتصاد المصري ، مستعيداً تفرقة الدكتور إبراهيم شحاته أستاذ القانون للرأسمالية لأنواع ، ما بين رأسمالية مستنيرة كرأسمالية طلعت حرب تسعى للصالح العام سعيها للصالح الخاص ، ورأسمالية نصابين تقوم بالنهب السريع والتهريب للخارج ، ورأسمالية محاسيب تستفيد من أوضاع وفرص فساد سياسي وعلاقات مع السلطة ، مٌشيراً لسيادة هذا النمط الاخير في الإقتصاد المصري ، وما رتبه من أوضاع إحتكارية في معظم المواقع والمفاصل الهامة للإقتصاد الوطني .

    وبشكل منطقي ناقش في الفصل التالي قضية الفساد ، التي هى إحدى المسائل الرئيسية التي حفزت الثورة على نظام مُبارك ، مُشيراً لبعض أوجه الفساد السائدة في مصر على المستويين السياسي والإقتصادي ، بدءاً من تفصيل القوانين وتزوير الإنتخابات ، مروراً بالفساد الإقتصادي المتعدد الوجوه من تخصيص إداري لأراضي الدولة ومحاباة ومحسوبية في التعيينات والوظائف الهامة والإقراض بالمجاملة دون ضمانات وعمولات عقود الدولة وصفقات السلاح والمعونات الأجنبية وإتاوات المناصب كذا مضاربات البورصة والتهرب الضريبي وصولاً إلى الرشوة والسمسرة التي أصبحت عرف يومي مُتبع على نطاق قومي !!

    وفي الفصل السادس ، عبر سريعاً على قضية توزيع الدخل وسياسات الأجور في مصر ، مشيراً للاعدالة توزيع الدخول ما بين أعلى عشرة في المائة من السكان الذين يحوزون على 28% من الدخل القومي وأقل 10% الذي يعيشون على 4% فقط من الدخل القومي ، ومُنتقلاً لقضية غياب الإتساق في هياكل الاجور في مصر ما بين القطاع الحكومي والقطاعين العام والخاص في مصر ، وما نتج عنه من تشويه كبير في مستويات الدخول ؛ بما أدى لتجزء أسواق السلع والخدمات بين ما أسماه محظوظي الدخل ومعدومي الدخل !!

    ثم إنتقل لمناقشة ما أسمها بالشمال والجنوب في التعليم في مصر ، مُشيراً بالنسب للقطاع الخاص الجديد من التعليم المُخصص للأثرياء الذين لا يتجاوزن نسبة 8% من مُجمل الطلاب في المرحلة الثانوية و2% منهم في المرحلة الجامعية !! مُشيراً لسوء الحالة المالية واللوجستية والمهنية للتعليم الحكومي في مصر والذي يستفيد منه القطاع الغالب من المتعلمين ، والتي قادت كنتيجة لظاهرة الدروس الخصوصية ، التي أصبحت تقريباً السوق الأساسية للتعليم في مصر ، سواءاً بالنسبة للطالب أو المعلم !!

    وأنهى كختام لدراسته للتعليم بأرقام ذات دلالة فيما يتعلق بالجدلية ما بين الحالة الإجتماعية والتعليم الجامعي ، حيث أن 4.3% فقط من الجامعيين يجيئون من خلفيات فقيرة ، بينما 52% ممن أنهوا تعليمهم الجامعي هم من الخُمس الأعلى دخلاً من السكان .

    ويمثل الكتاب مسحاً سريعاً مُتميزاً لكثير من الأوضاع الإجتماعية الهامة ، كانت تمهيداً لثورة يناير ، وتمثل بذاتها وبنتائجها السلبية على الفرد والمجتمع قضايا عاجلة على جدول أعمال أي حكومة قادمة .

    —————————————————

    الكتاب: رأسمالية المحاسيب .. دراسة في الإقتصاد الإجتماعي

    تأليف: د . محمود عبد الفضيل

    جهة النشر: مكتبة الأسرة - الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة.

    سنة النشر: 2012 م .

    عدد الصفحات: 136 صفحة من القطع المتوسط .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de