|
اقرأ في الميدليست اللندنية اليوم
|
http://middle-east-online.com/?id=170423
أخوان الجنوب والشمال في السودان
تعلم 'الأخوان' المسيحيون في الجنوب كل عادات الحكم السيئة من اقرانهم أخوان الشمال. تفكيك البلاد والصراعات الداخلية واهمال الأساسيات مرايا شمالية تعكس صورة مشابهة في الجنوب.
ميدل ايست أونلاين
بقلم: عبدالدين سلامه
لم يخيّب قادة جنوب السودان (أو جمهورية الموز كما درج مثقفو الشمال على تسمية الجنوب المنفصل)، مختلف القراءات التي جاءت بأقلام سودانية بعد الانفصال. فبناء دولة مستقرة جديدة في الجنوب كان المراقبون ينظرون له بعين الشك والريبة خاصة مع القيادات الانفصالية التي سجّل تاريخها الكثير من عدم التوافق والانسجام. فمنذ أن كانت الحركة الشعبية تقاتل في أحراش الجنوب قبل اتفاقية نيفاشا بقيادة الراحل جون قرنق، كانت الخلافات بين فصائلها كثيرا ما تخرج عن السيطرة لتحوّل لغة الحوار العادي إلى حوار مسلح، وهو ما مكّن الحكومات الشمالية على المراهنة دائما على نجاح سياسة احتضان فصيل ضد آخر. حتى الرئيس الحالي سلفاكير ميارديت كان على خلاف مع الراحل قرنق قبل اغتياله، ما جعل أصابع الاتهام الشعبي وقتها تشير إلى ضلوعه في مقتله.
سبق أيضا لطرف الحرب الآخر رياك مشار أن اختلف كثيرا مع المجموعات القتالية، ودخل مع حكومة الشمال في معاهدة ضمن خلالها مزيدا من السلاح والمال قبل أن يعود أدراجه إلى الغابة، ويلتحق مرة أخرى بالجيش الشعبي للقتال ضدها. فالمعاهدات بين قادة الجنوب والشمال السوداني لا تمثّل سوى كسب الوقت، ولا تعدو كونها قرارات إنفعالية، خاصة وأن الجيش الشعبي لتحرير السودان، لم يكن جيشا نظاميا بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه تشكّل من مجموعة قبائل جنوبية تدين كل مجموعة قبلية لقائدها فقط، ولا تنصاع لأوامر بقية القادة مهما علت رتبهم، وهو ما اضطر الجيش الشعبي لتوزيع الرتب الكبيرة لقادة الفصائل، ومن ثم بعد ذلك تدريبهم للقيام بمهامهم القيادية.
ذات الحال استمر بعد اتفاقية نيفاشا، وأيضا بعد انفصال دولة الجنوب. فالحكم المركزي في الجنوب كان حكما قبليا عاطفيا لا سياسيا، فقد وجد القادة الجنوبيون أنفسهم في لحظة انفعال وغضب من مناوشات المؤتمر الوطني الذي كانوا يشاركونه مشاركة إسمية في حكم الشمال، أن الانفراد بدولة مستقلة هو الحل الأمثل، خاصة بعدما وجدوا تشجيعا كبيرا من بعض القوى الغربية ومن إسرائيل التي استماتت في دفعهم للانفصال، وزرع كل بذور الشقاق بينهم وبين أشقاء الشمال، لتتمكن من السيطرة على مياه النيل، وكان لها ما أرادت.
قادة الجنوب رغم مسيحيتهم، إلا أنهم يشبهون الاخوان المتأسلمين في الشمال، بل يشكلون نسخة حيّة من التنظيم الاخواني المسيحي الذي ورث من الاخوان المتأسلمين كل شيء، إلا الشهادتين، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فما أن استلموا مقاليد الحكم في دولتهم الجديدة، حتى بدأوا في ممارسة ما تعلموه من فترة تحالفهم في حكم الشمال مع حكومة المؤتمر الوطني، وكانت الدولة هي آخر ما أرادوا التفكير فيه، وتجلّت إختلافاتهم الشخصية في العديد من المواقف، ولم تكن الأحداث الأخيرة سوى نتيجة طبيعية لتراكمات ظلت تكبر يوما بعد يوم حتى وصلت حدّ الانفجار. ويكفي أن العاصمة جوبا لم تشهد أيّة عملية إعمار حقيقية، ولم يفكر مسؤوليها في تأسيس بنية تحتية، ولا في توفير شيء يجعل المواطن الجنوبي الذي تم ترحيله قسرا من الشمال بعد الانفصال، يشعر بأيّ تغيير إيجابي في تبديل الأوطان. وتحولت الدولة الجديدة إلى مجموعة كانتونات يحكم كل منها واحد من أمراء الحرب القبليين الذين يرفض كل واحد منهم سيطرة الآخر على قبيلته في ظل الدولة الواحدة التي لا تحمل من معالم الدولة سوى الاسم. وعلى العكس من ذلك، ظل قادة الجنوب يحكمون بلادهم دون التخلّص من عقدة معارضة النظام الحاكم في الشمال، ناسين أن الشمال أصبح بالنسبة لهم دولة أخرى لاعلاقة لهم بما يدور فيها.
ولم يكن قادة الشمال أفضل حالا من قادة الجنوب، فلكل قائد فصيله الصامت الذي يدين له بالولاء والطاعة العمياء، ومن إنحدر من قبائل تبعد عن العاصمة الخرطوم، عمد إلى تهجير مناصريه إلى العاصمة مما جعلها تتكدس بأعداد غفيرة من المواطنين للدرجة التي فاق فيها عدد سكان العاصمة السودانية المثلثة، سكان كامل القطر، وتركزت كل الخدمات الضرورية من علاج وتعليم وفرص عمل في العاصمة، بينما أضحت الولايات الأخرى مجرد مصدّر للهجرة اليومية، فهجر معظم السكان الزراعة والرعي وغيرها من عوامل الأمن الغذائي التي أبقت السودان الشمالي يتخبط في مجموعة من الأزمات كأزمة الخبز والدواء وغيرها، لأن خطة التهجير كانت تعني لقادة النظام الحاكم الكثير، فبقاء معظم السكان بالعاصمة يعني أنهم يكونون تحت سيطرتها وبصرها، وتكدّس مؤيدي القادة في الخرطوم يضمن إخماد أية احتجاجات بطريقة ذاتية بحتة.
غير أن تكدُّس مؤيدي القادة بالعاصمة أرهق الخزينة العامة، فالانفاق على هؤلاء المهجّرين، ومحاولة خلق وظائف لهم، أصاب الوظائف الرسمية بالتضخم والترهل، وخلق نوعا من الارتباك، لتتجلى مشكلة القبلية بوجه أكثر قبحا، وتتفشى بعد ذلك البطالة التي مهّدت الطريق أمام بروز عدد كبير من الجرائم غير المعتادة، وبدأ الفساد الاخلاقي يضرب مختلف خلايا المجتمع.
وبعد أكثر من ربع قرن من الحكم، وجد النظام الاخواني الحاكم في الشمال نفسه قد حوّل البلاد إلى مجموعة معسكرات متحاربة، وفقد السيطرة على أجزاء كبيرة من القطر، بينما نظام الاخوان المسيحي في الجنوب وجد نفسه بعد أقل من خمس سنوات من الحكم، يلحق بركاب الشمال، ويحوّل الدولة إلى كتل متصارعة، وفي القطرين تنعدم الحلول، فجنوب السودان اتفق القائدان على وقف إطلاق النار لالتقاط الانفاس، وهو وقف لم ولن يصمد أبدا، خاصة في ظل الغبن القبلي الذي يؤمن بثقافة الثأر للقتلى الذين لم يتحدد عددهم حتى الآن، وهو وقف هش جعل الجنوب عمليا ينقسم لعدة دول تقع واحدة منها تحت سيطرة سلفاكير، وأخرى تحت سيطرة رياك، ودولتان تخضع كل واحدة منهما لسيطرة فصيل متمرد عن قائده، وهو حال لا يختلف كثيرا عن الجار الشمالي الذي تسيطر فيه عدد من الحركات المسلحة على عدد من المناطق التي لم تتمكن الحكومة من إستعادتها بعدما أرهقتها الحروب المتواصلة التي أكلت الأخضر واليابس.
وأزاء كل ما يحدث فإن بقاء حكومتي الشمال والجنوب ارتبط ارتباطا وثيقا بالتأييدات القبلية المختلفة الأغراض، والتي تنظر لكل احتجاج ضد مسؤول على أنه اعتداء على فرد من أفراد القبيلة، وهو ما جعل الحكومتين لاتلقيان بالا لموجة التغييرات التي طالت المنطقة، ولا تتخوفان منها، خاصة بعدما قامت الحكومتان بتسليح الكثير من المؤيدين ماينذر باندلاع حرب أهلية شرسة وشاملة في المستقبل القريب.
عبدالدين سلامه
صحفي سوداني
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: اقرأ في الميدليست اللندنية اليوم (Re: عبدالدين سلامه)
|
Quote: (أو جمهورية الموز كما درج مثقفو الشمال على تسمية الجنوب المنفصل) |
تحياتي اخي عبد الدين، اسمح لى بتعليق قصير على قولك اعلاه لانه غير صحيح فى ما اري. مثقفو الشمال لم يدرجوا على تسمية الجنوب بجمهورية الموز ابداً. شخص واحد فى ما اعلم هو الذى يصم الجنوب بهذا الاسم و هو من اظرط جهلاء الشمال و ليس مثقفية.
مع تحياتي Abubakr Salih
| |
|
|
|
|
|
|
Re: اقرأ في الميدليست اللندنية اليوم (Re: عبدالدين سلامه)
|
الأخ "عبدالدين"
سلام وعساك عافيه.
دعني أختلف معك أولآ في تسمية مثقفي الشمال "بجمهورية الموز" لجمهورية جنوب السودان...فإذا وضعنا في الإعتبار وجودها الجديد نسبيآ في منظومة الدول ...سوف نجد أن المثقف السوداني بما قدمه من عطاء أكبر بكثير من عطاءات دوله لا زالت تبحث عن البوصله التي تحدد لها مسارها الصحيح ...في حين أن الثقافه السودانيه أو المثقف السوداني قد تجاوز هذا الإرتباك منذ أمد بعيد ...فوطن لثقافته بالصوره التي يجيدها أدبآ كانت أم قصه أم مقالات ...إلخ. لذلك أعتقد أن وصف المثقف السوداني بأنه من أطلق هذا الوصف فيه قدر من التجني على أجيال من المثقفين والمثقفاتيه على حد سواء من أقصى اليسار إلى اقاصي اليمين ...فبالرغم من معرفتي المتواضعه ببعض مخطوطات وندوات المثقفين السودانيين إلا أنني لم أجد احدهم قد تعرض بهذا الوصف للدوله الوليده....ولكنك ربما كتبت هذا المقال وقد كان في خاطرك أحونا العزيز "فرانكلي"...وبالرغم من أن وجه الشبه مقبول للحد البعيد بين "سودانيز اون لاين" وما يعيشه الشارع السوداني إلا أنني أعتقد الإنتقاء للوصف كان الأولى أن يخضع لقدر أكبر من التمحيص خصوصآ إذا كانت الحروف سوف تسافر ويتم عرضها في فضاء الإسفير الذي يحوي بين جنباته الكثير من القراء من مختلف الجنسيات "أقصد بالإسفير هنا إسفير الصحف المتخصصه في الشأن السياسي" .....هذا مع عدم إغفالنا للبعض الذي يضمر الكراهية والعداء للسوادن .
Quote: وأزاء كل ما يحدث فإن بقاء حكومتي الشمال والجنوب ارتبط ارتباطا وثيقا بالتأييدات القبلية المختلفة الأغراض، والتي تنظر لكل احتجاج ضد مسؤول على أنه اعتداء على فرد من أفراد القبيلة، وهو ما جعل الحكومتين لاتلقيان بالا لموجة التغييرات التي طالت المنطقة، ولا تتخوفان منها، خاصة بعدما قامت الحكومتان بتسليح الكثير من المؤيدين ماينذر باندلاع حرب أهلية شرسة وشاملة في المستقبل القريب. |
نقطة خلاف أخرى آملآ ألا تفسد ما بيننا من الود....فلنتخذ من المؤتمر الوطني مثال....ففيه تتضج الكثير من السحنات من الوسط والشمال والغرب والشرق من مختلف القبائل ....بغض النظر عن خلافنا أو وفاقنا معه....لكنه يشكل في هيكله العديد من القبائل ...ولا يقتصر الأمر على المؤتمر الوطني فحسب بل يتعداه إلى كل الأحزاب السياسيه ففي جعبتها العديد من القبائل ..لذلك أعتقد أن التقييم للأمر من هذا المنظور غير صحيح .
تحياتي.
| |
|
|
|
|
|
|
|