|
الخــــدر (قصة قصيرة)
|
ليست قصة بالمعنى الحرفي بقدر ما هي ظروف عشتها بحذافيرها، كثيرون غيري مروا بتجارب مماثلة ولكن لا ينتبهون لتفاصيلها والمحزن أكثر لا يدونوها كتبتها أواخر العام 2005، نشرتها في عدد من المنتديات المجاورة بعنوان (نبي الله الخدر) ثم نسيتها، الآن وجدتها مختبئة في كمبيوتري ثم أردت أن أشارككم بها لعلي استحث بعض منكم على سرد جزء من عبق الحياة في ريفنا الحبيب (حسب طلب الصديق: عبدالعزيز عثمان)
و
تحياتي مثنى وثلاث ورباع
|
|

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
في ذلك اليوم وصلنا باكراً فأشار أبي إلى بيت منفرد في الجانب الشرقي من النهر وأمرني بالذهاب إليه ريثما ينتهي من بعض الأعمال الإضافية مثل تمييز حدود الديار، وهي عملية تحتاج إلى حنكة وفراسة إذ عليك أن تحدد أرضك وتترك للآخرين أراضيهم دون أن تمس سنتميتراً واحداً فيها... وللعجب تتم هذه العملية بسلاسة ويسر ويتفق الجميع بوجود عمنا إبراهيم أكبرهم سناً الذي يعرف جيداً أن فلان يحادد فلان وأن علان أرضه عودين ونص وذاك أرضه تبلغ ثلاثة عيدان... بدون أن أسأله ذهبت إلى حيث أشار، ووجدت باباً مفتوحاً فدخلت وجلست على عنقريب أُوقدت بجانبه نار عليها إبريق شاي، فأيقنت أن صاحبه قريباً جداً من المكان، استمتعت بهذا الدفء لدقائق، جاءت بعدها امرأة مسنة ذات وجه ودود، عذبة الملامح رغم كبرها... ما أن رأتني حتى أسرعت إلى وقبّلت رأسي بحنان بالغ وأمرتني بالجلوس دون أن تسألني من أنا، ألقت علي أحد ثيابها البيضاء القديمة تفوح منه رائحة العشب، ولا يخلو من الخيوط الخضراء هنا وهناك جراء تعثره بلوبيا الجروف... أسرعت خارجة ثم أتتني بكورة مليئة بالروب الطازج الثقيل القوام دون أن تستخلص منه (الفرصة) وهي الزبدة الناتجة من خش الحليب أو من الترويب، فازدرتها مرة واحدة، رغم أنها كانت أكثر من طاقتي، وجلست فترة طويلة دون أن أتكلم، بعد ذلك مدت يدها مرة أخرى لتقدم إلي كأساً من الشاي الساخن وهي جالسة على بنبرها، (أشرب يا وليدي) ، طيلة هذه الفترة لم تسألني من أنا ولم أقدم لها نفسي، وليس لي أي معرفة بشئون الأيتيكيت واللياقة لأعرفها بنفسي، أُمرت أن آتي إلى هنا وأتيت وهذا كل ما في الأمر... أحببت هذه المرأة (الربذية) التي تصارع الحياة في هذه البقعة المعزولة، استغربت لحيويتها رغم كبر سنها، واعتقد إن المرء إذا ارتاح من الخلايق ومشاكلهم ربما يجد السعادة التي تجدها هذه العجوز، فهاهي تدير أمورها دون مساعدة من أحد وربما رفضت عروضاً للمساعدة بإباء وشمم ، فقد وجدتها مرتاحة وسعيدة لا ينقصها شيء، عرفت من أبي فيما بعد إن ثمة قرابة تجمعنا ما، وأهلها هم ناس البيرة لكنها آثرت أن تكون بقرب أرضها وبهائمها ودون أن تحمل هماً آخراً وآثرت أن تتابع أحوالهم عن بعد... أتى والدي بعد فترة، سمعت صوته من خارج بيتها ذي الغرفة الواحدة، يصيح عمتي بت المنى ... كيف حالك؟ ... فترد ببشاشة أهلاً أهلاً حبابك ود أُكد بعد أن تميز صوته بسهولة... فيدخل ويسلم عليها وتقالده، فتدرك هذه اللحظة إنني ابنه وتسأله ضاحكة : دا ولدك؟ ... وحات الله أنا قايلاه نبي الله الخدر... فيضحك أبي كثيراً ويستمر في ضحكه حتى جلوسه بجانبي على طرف العنقريب... وأُصاب أنا بشيء من الحسرة لأني خيبت ظن هذه المرأة الطيبة، وتمنيت لو أن الأمر كان بيدي فحققت أحلام هذه المرأة البسيطة التي قطعاً لن تزيد عن مزيد من الزرع والضرع، ولم يكن باستطاعتي أن أتخيل تعاملها معي لو أنها أدركت منذ البدء إنني ابن بابكر ود أكد، ولكن حسن ظني بها وحبي لها يجعلني افترض أنها لن تضن علي بهذه الكورة الدسمة من الروب البِكري، ولن تضن علي بهذه القبلة الحانية والضمة الدافئة... هذه ضمن المواقف التي حفرت بذاكرتي حفراً ولن استطيع أن أنساها، مدى ما حييت، فالبلد رغم قسوتها علينا أحياناً، ورغم ضنك العيش وصعوبته هناك ... تخصّب خيالاتنا دوماً بذكريات عذبة. وأنا في هذا العيد (عيدي أنا) الذي لم أر منه شيئاً سوى الضجيج وجبال مكة وشعابها، التي لا أدري منها (التكتح)، وبين زحمة الحجيج في الأرض المقدسة، ليتني كنت حاجاً فأصيب ديناً بعد أن فرّت مني الدنيا، وأنا مداوم في أول أيام عيد الأضحى على أحد مداخل مكة، مرابطاً هناك، مرت أشرطة عديدة بذهني، وتذكرت العيد عندنا بالبلدة، فحنيني إليها لا ينفك يدعوني، رغم إني خرجت منها ساخطاً، عازماً على الرحيل عنها إلى أبعد ما استطعت، ضاقت بي الأرض بما رحبت أو هكذا تخيلت.. فـ قدلة يا مولاي حافي حالق، بالطريق الشاقيه جاموس الخلا... بدرالدين بابكر مصطفى 2005
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
ماتت بت المنى قبل سنين عديدة رغم إنني قد رأيتها وتعاملت معها في مواقف معدودة، فقد آلمني موتها، كانت امرأة تحبها لوجه الله لمجرد رؤيتها لحديثها، لعطفها، لحيويتها، لعينيها العميقتين لوقارها، وقوة شخصيتها كانت من ضمن الأشياء التي تشجعني للذهاب لتلك المنطقة
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
وكذلك الجضع البفكفك محكر الباسور خليناه فى العُقَد الحُمُر مكسور
يقف جاموس الخلاء عاجزاً عن السير بعد أن أصابته نوائب الدهر وأهمله المفسدون فقد هرم وعجز أن ينافس البكاسي والحافلات التي ملأت الأرض في تلك البلاد ومات شامخاً ليس في جسده موضع شبر إلا وقد أصابته صدمة
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
التحية لبدر الدين وهو يرسم لوحة للحياة هناك،، دافئة رغم البؤس والعنت،، شيقة تجدد نفسها في ذات الافق المكرور.. وهل بت المني الا القلب الكبير المملؤ بالحنين لحياة الاسلاف الضارب بعمق في الارض الطيبة الروؤم.. وهل هم الا هم،،،نفس البيوت الكاكية الحزنانة تشكي ظلام الحال والزمن العبوس،،تجلدها الريح،،وتلهب جنباتها ريح السموم،،ولا تحققت احلام بنيها في كهربا وموية ومدرسة في كل قرية،، ما استصلحت الارض البور الحدادي مدادي مدت لها اسباب المياه والحياة،،ليصيب بنات المني جميعا ان نبي الله الخدر قد جاء،،غسل تعب السنين،،ملا ضروع الانعام،،انبت الارض فوما وعدسا،، وحرك دولاب الحياة الراكد المتكرر في تلك الفجاج منذ ان رمي نوح بتيرابه من الابناء ساعة اشرقت الارض بالحياة،،،بعد طوفانه العظيم. التحية بدر الدين،، اتمني ان يمضي ركب هذا المركب حتي يتاح لي في ساعة ما،،الحديث عن خدرنا الاخضر الحبيب،،اذا شرفنا ذات يوم بافقنا بالجزيرة.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: عبدالعزيز عثمان)
|
Quote:
وهل بت المني الا القلب الكبير المملؤ بالحنين لحياة الاسلاف الضارب بعمق في الارض الطيبة الروؤم.. وهل هم الا هم،،،نفس البيوت الكاكية الحزنانة تشكي ظلام الحال والزمن العبوس،،تجلدها الريح،،وتلهب جنباتها ريح السموم،،ولا تحققت احلام بنيها في كهربا وموية ومدرسة في كل قرية،، ما استصلحت الارض البور الحدادي مدادي مدت لها اسباب المياه والحياة،،ليصيب بنات المني جميعا ان نبي الله الخدر قد جاء،،غسل تعب السنين،،ملا ضروع الانعام،،انبت الارض فوما وعدسا،، وحرك دولاب الحياة الراكد المتكرر في تلك الفجاج منذ ان رمي نوح بتيرابه من الابناء ساعة اشرقت الارض بالحياة،،،بعد طوفانه العظيم. التحية بدر الدين،، اتمني ان يمضي ركب هذا المركب حتي يتاح لي في ساعة ما،،الحديث عن خدرنا الاخضر الحبيب،،اذا شرفنا ذات يوم بافقنا بالجزيرة. |
شكراً يا عزيز لبلاغتك وأسلوبك العجيب دا .. نعم الحياة قاسية هناك، في حين إن المنطقة تعتبر غنية، قليل من المجهود يحولها لجنان وارفة نهر عطبرة أخصب منطقة على ظهر الأرض، فـ مياهه تحمل 3 ك من الطمي في المتر المكعب (في فيضانه) وأخصب الأنهار في العالم تحمل ما بين 1- 2 ك تخيل إن الأراضي المحيطة به رويت بماءه الخصيب، والأراضي نفسها ما ناقصة غير الموية تخيل إن هذه القطعة التي نزرعها أنا وأبي في ضحوية واحدة ونأتيها للحصاد فقط تكفينا مؤونة العام كله من الذرة (العابجارو) القندول قدر البتيخة بيضاء تسر الناظرين لا سماد ولا مبيدات ولا مواد مسرطنة ولا حتى نحصدها بالماكينات، ننتظرها حتى تجف ثم نهوي عليها بعصينا (دق العيش) وفي ساعات تكون معبأة ومحملة على ظهور الجمال أو الحمير
هذه الأرض كانت تمنحنا العافية والطمأنينة
تحياتي مثنى وثلاث ورباع
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
Quote: أحببت هذه المرأة (الربذية) التي تصارع الحياة في هذه البقعة المعزولة، استغربت لحيويتها رغم كبر سنها، واعتقد إن المرء إذا ارتاح من الخلايق ومشاكلهم ربما يجد السعادة التي تجدها هذه العجوز، فهاهي تدير أمورها دون مساعدة من أحد وربما رفضت عروضاً للمساعدة بإباء وشمم ، فقد وجدتها مرتاحة وسعيدة لا ينقصها شيء |
الشاعر والشيخ الراحل محمد سعيد العباسي وهو مع اصحابه البدو في بوادي الكبابيش إستشف سعادة هؤلاء البسطاء يابدر الدين عندما رأي الريح تعبث بخيامهم وتسقطها ورآهم يعيدونها ويحكومون طنائبها مرة أُخري وهم يقهقهون من أعماقهم ونظر إليهم وهم يتنالون الشاي وبدون سُكر وهم يتآنسون بلا ضيق وزجر فقال: قتل الله الطموح وليت لنا قناعة هؤلاء البدووجمال روحهم.........................
Quote: أنا في هذا العيد (عيدي أنا) الذي لم أر منه شيئاً سوى الضجيج وجبال مكة وشعابها، التي لا أدري منها (التكتح)، وبين زحمة الحجيج في الأرض المقدسة، ليتني كنت حاجاً فأصيب ديناً بعد أن فرّت مني الدنيا، وأنا مداوم في أول أيام عيد الأضحى على أحد مداخل مكة، مرابطاً هناك، مرت أشرطة عديدة بذهني، وتذكرت العيد عندنا بالبلدة، فحنيني إليها لا ينفك يدعوني، رغم إني خرجت منها ساخطاً، عازماً على الرحيل عنها إلى أبعد ما استطعت، ضاقت بي الأرض بما رحبت أو هكذا تخيلت.. |
شكرا نديد الشّبه ....... بدر البوادي هنا تحديدا ذكرتني الصديق الرَّاحل الجميل علي محمد مالك ذات شوقٍ مُشابه: البارح النوّم من عيوني إتعدَّا محجوز كبري بين مكَّة وعتامير جدَّة إتُّو ليه يا أهلنا خالطين الضهب بي الفضَّة زيد ياقيس جنون باب المحنِّي إنسدَّا
Quote: فـ قدلة يا مولاي حافي حالق، بالطريق الشاقيه جاموس الخلا......
|
هذه القدلة وبطريق جاموس الخلا إلاَّ....بنشوق الرُّوح يابدرالدين وقد فعلناها كثيرا ولكنها عذااااااااااب ومصجوبة بالتوهااااان
Quote: هذه ضمن المواقف التي حفرت بذاكرتي حفراً ولن استطيع أن أنساها، مدى ما حييت، فالبلد رغم قسوتها علينا أحياناً، ورغم ضنك العيش وصعوبته هناك ... تخصّب خيالاتنا دوماً بذكريات عذبة |
ليتك لا تنساها وليتك لا تنساها........ فيا بدرالدين لم يتبق لنا من أيَّامنا البيض إلاَّ هذه الذكريات الجميلة والناس السمحين بياض النيَّة ......
محبتي والتحيَّات الزاكيات عبرك لعبد العزيز وسلمي
| |

|
|
|
|
|
|
Re: الخــــدر (قصة قصيرة) (Re: بدرالدين بابكر مصطفى)
|
العزيزة سلمى سلامة إليك بعض التفسيرات النجامة هي أداة صغيرة تستخدم في تنظيف الأرض الزراعية من الأعشاب (النجيلة والسعدة والضريسة)، الزراعة عندنا تختلف عن مناطق السودان الأخرى فالنجامة يستخدمها المزارع وهو يزحف (جالس) في حين أدوات التنظيف في مناطق السودان الأخرى يستخدمها المزارع وهو واقف.. المنجل معروف طبعاً التواريب: هي جمع تيراب وهي التقاوي عادة الواطة النصيحة (أي الخصبة جداً) يكون إنتاجها عالياً وذلك يعني إن الحبة مكتملة النمو وأكبر من غيرها نأخذ القنقر (القناديل) من إنتاج أخصب الأراضي ونعلقها في (مرق البيت) بحبل، لا نأخذ الحب فقط ، بل القندول كاملاً، لا نغطيها بشي، ونحرص ألا تصلها أي سوائل وبالذات مياه الأمطار، وهكذا يكون لدينا تيراب السنة الجاية هذه الطريقة في تخزين التقاوي اعتقد إنها من أكثر الطرق بدائية، ولكنها من أكثر الطرق فعالية
الكادان: عندما يغطي النهر الجرف، ينحسر بعد فترة نحن لا نزرعه مباشرة عشان الحفر (ما تعمى) وزراعة (السلوكة) المستخدمة في الجروف عبارة عن حفر مخروطية الشكل ننثر فيها التقاوي ونغطيها بطبقة صغيرة من التربة والحفر تعمى إذا كانت التربة التي نغطي بها الزراعة لينة أكثر من اللازم ويحدث ذلك عندما تتكون طبقة أصلب من اللازم لا تسمح بنمو البادرات
طبعاً المنجل معروف لكن السلوكة المستخدمة عندنا مختلفة قليلاً عن تلك المستخدمة في الجزيرة، سلوكتنا نشتغل عليها بإيدينا وأرجلنا
وتحياتي مثنى وثلاث ورباع
| |

|
|
|
|
|
|
|