نقف هكذا في أعلى نقطة من الوادي! لا نعلم شيئاً . بل نجهل وفي اعتدادٍ تحسدنا عليه نجيمات الصباح في براحها! القرية، (صح النوم)، تحتنا، يجرجرها عملاقان يسيطر عليهما نعس غريب. لولا تلاشيهما مثل دخان لقلت إنهما من أعيان القرية في آمادٍ أخرى سحيقة حكى عنها الأجداد لآبائنا. لم يستطع أكثرنا أن يتعرف على الممشى المؤدي لبيته أو على أغراض تخصه. وبعضنا الذين استطاعوا أن يقروا في بيوتهم بفعل أدعية زائفة أو استثناءات يصعب فهمها، ظلوا هناك، يتابعون من نوافذهم المعتمة وبأفواه فاغرة، ما صهلت به جياد الفجيعة في تحدرها من ما بدا وكأنها آفاق السماء، بينما بيوتهم ظلت تتحرك في وهن وتصدعٍ ولوعة. كانوا كركاب محتجزين في قطار سيقطهم في طبيعة لا تعرفهم. لم يستنزف بكاؤنا على الضحايا كثيراً قبل أن ننخرط، نحن كبار (صح النوم)، في تفعيل الوسائل التي تعيننا على رفع أطنان من الأدعية وتجلياتها المعدنية ملتفتين بشكل خاص لغياب نسبي للتوسل وللترحم الملّح. كنت أعتقد أن الوقت نفسه، كما الأوقات اللاحقة له، لم يكن مناسباً للدعاء بخاصة ذلك الذي يعتقد اللاهجون به أن فيه أفكاراً جديدة أو أصيلة! فأحسن الأدعية لا يتخلى عن لا الناهية، وتذهب اللغة إلى الجحيم، كالعادة، هي وأدواتها. كنت قد نصحت بالتوقف عن الدعاء وتحويله إلى أمنية سرية وخافقة. معروف أن خفق القلب لا يحتاج اللغة. قلت لهم: بالمرة دعونا نحتفل بالإحجام عن تكرار الدعاء بعد تخليصه من أدوات النهي والأمر. هكذا يمكن أن نستعيد حياتنا السهلة وبتلبيات، ربما، أسرع. إعتقدت أن السبب وراء تعاساتنا هو افراطنا في الدعاء! كما حدث في الماضي نستطيع تصوّر إله متكدر المزاج بسبب إمطاره بوابل من أدوات النصح والنهي وربما الأمر بترك أشياء وفعل غيرها مما يرى أصحاب الدعاء أنه أحسن (له) وكل ذلك كان على الدوام مصحوباً بهستيريا الإعادة والتكرار. أذكر هذا الصديق. طلب أشياء في تأبين صديقه المتوفي استدعت أن ينتحي به جانباً أحد رجالات (صح النوم) ويعنّفه على قسوة طلباته علينا. كان الصديق قد طلب أن يُغسل الميت بنوع معيّن من البَرَد (الثلج) معروف بندرته في انحائنا وكما لاحظ الحكيم (شبُور)، في استقصاء صوري كلفته به، فهذا البَرَد مستبعد حتى من قائمة اللاموجودات التي أنعمنا عليها بوجود وافر في بيئتنا! وبعد إيداع الميت في بطن قبره، طفا راجعاً فأشرت على صديقه أن يصمت، فصمت! همست في أذنه: لن يحتاج أن يغسله أحد بعد الآن. إنه أوان المسيل يا صديق. ألا ترى؟ كانت الأرض تتصدع تحتنا وتلين. رفات اليوم تلتحق بها رفات الأمس. يكاد عناقٌ يقع بينهما! وعند الرخو من الأرض تدور الرفات جميعها، تنثني خصورها ثم لا تلبث أن تدرك مستقرها في حبورٍ نحو ماءٍ بعيد!
09-11-2013, 09:10 PM
mustafa mudathir mustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553
لتحفيز نقاش مرتجى أولاً كيف أصبحتوا؟ من أغرب وأطرف قراءاتي في مظاهر السحر والعين والأدعية هو أن العين عند أن تجد هدفها تتحول من صفاتها المعروفة كإنعكاس للضوء تتحول إلى سهم من أحتزام الضوء وتكتله يكتسب شكلاً مادياً خارقاً في صلابته بأقوى من المعدن وإلى ذلك فهو تتخلق بداخله رسائل كيميائية تختص بتجهيز مستقبلات مستهدفة في جسد الضحية فتبطلها أو تحولّها الى فوضى أداء! فظيع أليس كذلك! الأدعية التي لا تقرأ أو تُكتب بعناية تحتوي على أدوات لغوية غير لائق استخدامها في مخاطبة الودود المتعال مثل لا الناهية وأفعال الأمر والكلام ال كوندسندينج ويمكن هنا سبب رفضها الذي يحوّلها لأي شيئ مُرتد في غضب وبالتالي ضار بشكل أو آخر. القصة ترمي للتحذير من مغبة صياغة أدعية أو ابتهالات تأتي بأثر مرتد أو في شكل سلاح يتم إطلاقه بغضب من لدن الخالق الكريم وتحض الناس على تجريب عدم الدعاء وبالعدم منع تكرار الدعاء لأكثر مرتين باعتبار أن المرة الأولى ولأسباب متعلقة بانتقال الصوت والنية عبر الأثير لم تحقق أهداف الوصول مباشرة أو عبر وسائط مختصة في السماء. وتعلمون أن الحليم الخبير هو أيضاً شديد الغضب والعقاب. ولا تظنّ في حديثي هذا تجديف ولكن إتباع المعرفة العلمية في رأيي سيخلق لنا سماءاً أكثر رحمة ورحابة! وسيفتح أفقاً جديداً في القضايا الايمانية! بقي أن تعرف أن الجزء الثاني الخاص بالأدعية هو غالباً في مرحلة تجريبية أعمل عليها للتقليل على الأقل من آثار الأدعية الفاسدة لغةً فهناك تقارير عن أن بعضها ارتد في تجليات معدنية تسببت في كوارث سواء على مستوى فردي أو لجماعات! النص هو ممثل لتجريب أقوم به بدعم من جهة من أهل الخير. شكراً للقراءة والتأمل.
.
09-12-2013, 02:57 PM
ibrahim fadlalla ibrahim fadlalla
تاريخ التسجيل: 06-09-2007
مجموع المشاركات: 2585
كتابة رشيقة كالعادة ومليانة بالسخرية اللاذعة والتفاصيل الدقيقة ولماحة...ده من حيث الشكلانيات ( أو الشكليات -- اللهي مش منسوبة للدواس ) ...
أما من حيث المحتوى ...فالدعاء من حيث الموقف الإيماني الإسلامي تحديداً ..هو جزء من العملية التعبدية ...بل هو " مخ العبادة " في حديث للمصطفى عليه أفضل السلام إذن المنطلق في النظر إلى عملية الدعاء من حيث هي منطلق إيماني عقدي ويدخل في الغيبيات ...
لاكن يبقى ما تطرقت إليه من مضامين الدعاء من حيث المفاهيم والقيم ..فأظن والله أعلم ، بأن كثير من الناس يرددون الأدعية الدارجة على ألسنة الأئمة والخطباء ...ولا أعلم يقيناً إن كانت كل تلك الأدعية منقولة عن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أو على الأقل موزونة على نهجه وهديه أم أنها إجتهادات شيوخ وأئمة ..ربما عاش بعضهم قبل زماننا هذا بمئات السنين ..وفي ذلك طرفة تحكي أنه في بعض بلاد المسلمين التي انقطعت عن العالم الإسلامي بسبب السياسة والجغرافيا ...كان هنالك كتب متوارثة من أيام الدولة العثمانية ..وبها خطب جمعة كانت تستخدم إلى وقت قريب وتختتم بالدعوة للسلطان عبد الحميد ( رحمه الله ) ...بطول العمر ... هذا مثال على الترديد غير الواعي للأدعية ...وقد يكون طرفة مختلقة ..لا أعلم يقيناً . أما المصطفى عليه السلام في حديث له قال فيما معناه بأن أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ...أرأيت هذا المختصر المفيد ... أظننا نحتاج كمسلمين إلى دراسات جادة وورش عمل وكتابات فقهية جديدة في ما يمكن تسميته بفقه الدعاء ...( ربما تكون موجودة ؟؟)
تخريمة تانية ... كثيرا ما سمعت خطباء يدعون بالموت والهلاك لليهود والنصارى ولثكل نسائهم وتيتيم أطفالهم وتدمير ديارهم ...ومن عجب أن بعضهم يردد هذه الأدعية وهو يعيش في بلاد النصارى آمناً منعماً ...بخيرات الدعم الإجتماعي وفضائل الدولة للتعليم والصحة والخدمات وما إليه ....!!! مش عجيب ...
وفي عهد الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه ، إن لم أنسى ، كان أحد البدو جالس يدعو لناقته بالشفاء من الجرب ...ورآه عمر ، فقال له هلا مزجت دعاءك ببعض القطران ....وهنا نقطة مفاهيمية فارقة في معنى الدعاء ....
أما المصطفى على الصلاة والسلام عندما قابله أهل الطائف بالرجم بالحجارة حتى سالت دمائه الشريفة ...وأرسل الله إليه ملكاً يسأله التفويض ليطبق عليهم الأخشبين ..وهما جبلان ...كان رده عليه السلام بالرفض ...عسى أن يخرج من أصلابهم من يخشى الله ويعبده ...أرأيت المسافة الكونية بين مضامين ومآلات الدعاءين ؟؟
وأحسب أن الموقف من الدعاء كفكرة وممارسة تعبدية ... يتوقف بالضرورة إبتداءا على الموقف الإعتقادي تجاه الغيبيات .
لست بفقيه ولا دارس فقه .. إنما هي مجرد تأملات وليدة اللحظة في مضامين سردك ... أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك بما يشبه الوعظ ...ولست من أهله ولا أملك أدواته ... وإن كان ذلك ...كذلك ...فلك العتبى ...
09-13-2013, 01:18 PM
mustafa mudathir mustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553
شكراً يا ابراهيم في مجتمعات زي شمال أمريكا لا زال الناس يكتبون حتى مجرد الخواطر والجرائد لم تهزمها مواقع التواصل والأفلام تُصنع بضراوة يجد مثلك وظيفته المرموقة بمنتهى السهولة فلك قدرة وشهية للتعليق المختصر الشامل وبنكهة الأديب التي تفوح من كتابتك. أراك تناولت الدعاء أو الابتهال بشكله الصحيح، كما أرى، وأن خيره مما علمنا الرسول (ص) في بساطة صيغته واختصاره ولعلك رأيت التفنن الغير لائق الذي يمارسه البعض من جلب نصوص دعاء غريبة ينتجها المهووسون كسلعة يبيعونها للصحف الصفراء الكالحة وتحتاج لغربلة وحتى نصح بعدم الاستعمال. وخيراً فعلت في دعم الاعتماد على صيغ نبوية محكمة وفي الاختصار وخلاص النية. لكن فكرة تحول المفردات لتشكيلات لها ثقلها وقوتها ومرتدة لم يحظ منك بتفكّر ولم تقل رأيك في الوصف الخيالي-علمي لكيفية تحوّل النظرة إلى جهاز مدعوم برسائل للأماكن من جسم المسحور الضحية. رسائل بها أكواد تعطيل وكيماويات تعكس نشاط المستقبلات (الرسيبتورس) وتضمن نفاذ فعلها في الضحية هكذا يشرح الأئمة العين وبلا مساءلة. النص يحاول أن يستثمر الطبيعة الارتدادية للدعاء في صيغته المرفوضة وتجليات ذلك. فنحن لا نحمد الله ونتحمل نتائج أخطائنا بل نظل نلهج دون معرفة بامكانية الباك فاير من ذلك الذي نظن أنه خير! والنص كذلك يتحدث عن مشارف معرفة روحية مختلفة ومزيد من الأتونومي للعقل والوعي الانساني على طريق التوحد في الله! أشكر حضورك! يا ربي أدعي ليك ولا يمكن ينزل عليك روبوت ولا حاجة!
09-14-2013, 09:27 AM
بله محمد الفاضل بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
بلة يا حبيب شكراً على الإطلالة وانت بالذات معفي من أي تعليق لأنك في مجتمع محافظ. بس حتة التطور الروحي المفضي لصلاحيات اضافية للبشر دي رأيك فيها شنو؟ أو الناس العندهم طابعة بها عشرات الدعوات الغريبة يلصقها لك في أقرب بوست نعي. الود خلاص جاب أكتر كلام بيصل للذات العلية! مرة واحدة اتكلم عن الثعبان. موش في ثعبان كدا قالوا بيجيك قبل المَلكين ويقول يديك كدا يوصلك سابع أرض؟ قال الثعبان دا ما يجي لزوله المنعي. والثعبان دا قد يكون تدابير خاصة إنت مالك ياخ!
09-14-2013, 03:04 PM
بله محمد الفاضل بله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617
واو يا درش وإني من هؤلاء لا مراء يحضني مثلهم الواجب الذي لا نقدر على تركه والانتماء الروحي الذي لا نتململ من قيده وإن كنت في غيابة نفسي تتناوشني الأفكارُ في الابتكار فالدعاء للذات وللأخر شيءٌ خالِصٌ بين المرء وربه وليس من الضروي أن يكون علناً أو مما يلصق ذا على الرغم من أني لست ضد المتواتر من الأدعية الوارد منها في القرآن أو الأحاديث القدسية أو عن النبي صلى الله عليه وسلم من المهم جدًّا أن يكون الدعاء نابعاً من القلب للقلب والدعاء يا صاحب يرد القدر لذا فإنه من الجيد ألا يكف المرء عما يرد عنه القدر
"بس حتة التطور الروحي المفضي لصلاحيات اضافية للبشر دي رأيك فيها شنو؟" ليس من رأي محدد ومباشر حولها وأرى أنها تتفاوت بين واحد وثان فالتطور الروحي شأنه شأن كل التطورات يحدث فالروح أحسبها ليست بالواقفة في موقف واحد مثل العقل تماماً مثل الجسد مثل سائر الأشياء تأخذ طريقها إلى تطور فتطور فتطور إن لم تقعد بها والروح في الأصل مرتبطة بخالقها فهي سره الأعظم في هذا الكون
الحديث ذو شجون يا درش
محبتي
09-15-2013, 08:47 PM
mustafa mudathir mustafa mudathir
تاريخ التسجيل: 10-11-2002
مجموع المشاركات: 3553
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة