|
بشراك أخى الحبيب...الديزل الألمانى الأحمر يعود للحياه...!ه
|
1 ونحن صغار كان إرتباطنا بوسائل السفر-خصوصاً القطارات- لجد عظيم.... إنقسم ثلاثتنا-كما العاده فى كل شئ- حول أنواع الديزل.... فكنتُ اشجع الديزل الأمريكى- الظهرى-... وكان أخى الأوسط يشجع الديزل اليابانى -الأزرق ذو الخطوط الصفراء-... وكان أخى الحبيب أبوبكر يشجع الديزل الألمانى-الأحمر-...... تميز الديزل الأمريكى –الظهرى- بصهيل ماكيناته وصافرته المجلجله....ه وتميز اليابانى-الأزرق ذو الخطوط الصفراء- بطواعيته الشديده كما أقر بذلك السائقين (عمال المسير)....ه وتميز الديزل الألمانى-الأحمر- بهدوء ماكيناته عندما يكون واقفاً...وبزمجره مميزه عند تحركه متصدراً عربات القطار...ه كنا نقضى الساعات الطوال فى جدل بيزنطى...كل منا يدافع-ببساله- عن ديزله المفضل...وكثيراً ما كنا نحتكم- فى صراعنا (الفكرى) هذا- إلى جدنا عند زياراته الخاطفه لنا...فيرد بصوته المبحوح: الألمانى الهينشل...المُلك لله....ه كل يوم كنتُ أمتطى صهوة دراجتى- التى إشتراها لى أبى بمبلغ 88 جنيهاً- متوجهاً إلى القشّاشّه...وكنت أحرص –دائماً- أن تتزامن زيارتى-تلك- مع مواعيد خروج العمال...فأتصيد أحدهم: - السلامو عليكم...!ه - وعليكم السلام...!ه -إنتو أحسن ديزل عندكم شنو؟؟؟!! فيبدأ العامل فى سرد مآثر ديازلهم...فأقاطعه سريعاً: لكن الديزل الأمريكى-الظهرى- رهيب شديد...!!..ولم أكن أترك فريستى إلا بعد أن يعترف لى- إعترافاً صريحاً- بأن الديزل الأمريكى –الظهرى- هو أفضل ديازلهم..!..وعند وصولى المنزل كنت أفضى إلى إخوتى...بحصيلتى المعرفيه (الثره)....لكنهم –بعد أن تعلموا ركوب الدراجه- صرنا نتناوب الذهاب للقشّاشّه...وكل يوم كان هناك ديزل فائز..حسب (سندباد) الرحله.....!ه كانت السكه حديد فى تلك الأزمان تترنح تحت ضربات الديكتاتوريه المايويه الموجعه...حتى جاءت العصابه الأخيره وأطلقت عليها رصاصة الرحمه....فسكت صهيل الديزل الأمريكى-الظهرى-....وتلاشى اليابانى- الأزرق ذو الخطوط الصفراء-.....وسكنت زمجرة الديزل الألمانى- الأحمر-....ه
2 الذين أدمنوا السفر بالقاطرات-فى تلكم الأزمان- لابد وأنهم قد عانوا معاناه عظيمه من الباكم *...ه عند سقوط الباكم يضرب القطار صفاره سريعه متقطعه: توت توت....توت توت...توت توت...صفّاره يعرفها-جيداً- الركاب المتمرسون-من أمثالنا- فينظرون إلى بعضهم بكل حسره..ويصيح أحدهم بيأس: الله ينعلو..الباكم لسه ما جا...ه كل أنواع الديزل كانت تكابد أيما مكابده فى مسألة الباكم تلك...عدا الألمانى-الأحمر-....فعند تعثر الباكم تزمجر ماكيناته بشده..وسرعان ما تعود الى هدوئها المميز...وصفاره طويله معلنه وصول الباكم...فيتدافع الركاب بعد أن كانوا متحلقين فى حلقاتٍ للثرثره..فيُفتح الصنَفور **...ثم يرن جرس ناظر المحطه..ليبدأ القطار فى أنسيابه الهادى... بعد برهه تزمجر الماكينات...فتترنح عربات القطار وهى مسرعه: تَك تَك..تَك تَك.. تَك تَك..تَك تَك..وصفاره تأتى من بعيد...ثم تعود محطة عطبره- مرةً أخرى- الى هدوئها المشوب بالحذر....ه كان أبى يعمل صرافاً بالسكه حديد...وكثيراً ما كان يسافر فى رحل لصرف مرتبات عاملى السكه حديد فى أصقاع السودان المختلفه...وكنا -كأسره – نرافقه فى أسفاره تلك فى عربات صوالين جهزت خصيصاً لهذا الغرض... وكان حبنا لهذه الرحل بدرجه لا يمكن وصفها....ه ذات رحله ونحن على كبرى الحريه متوجهين إلى المحطه....أعلنت لأخوتى –بفرحٍ غامر- أن قطارنا يقوده الديزل الأمريكى-الظهرى-....لكن فرحتى لم تدم طويلاً..إذ تبخر إنتصارى-سريعاً- كما يتبخر الزبرتو...فما أن بدأ القطار بالتحرك –بعد الصفاره المجلجله- حتى سقط الباكم..ولم تنفع كل المحاولات...فبُدِّل الرأس بآخر..ولكن لحسن حظى كان البديل-أيضاً- أمريكى ظهرى...لكن فرحتى المرتبكه لم تدم طويلاً...فلم يكن حظ الثانى بأحسن –كثيراً- من حظ الأول...إذ تعطل بنا فى محطة الدامر( أول محطه بعد عطبره)...!ه فجئ لنا ببديل ألمانى أحمر ..فزمجرت ماكيناته تشق الظلام بكل تحدٍ ...وتمخر عباب الصحراء بثقه واضحه...وفى الصباح الباكر كان الديزل الألمانى- الأحمر- يعبر كبرى الخرطوم بحرى وافياً بعهوده التى قطعها مع الركاب...ورجعت ماكيناته إلى هدوئها الآسر ..وكأن شيئاً لم يكن:
فعادى عداءً بين ثورٍ ونعجةٍ...دراكاً لم ينضح بماءٍ فيغسلِ
فى تلك اللحظات كنت أتحاشى إبتسامات أخى الحبيب المنتصره...فكبريائى-كأخ أكبر- كان يحتم علىَّ عدم الإعتراف بتلك الهزيمه الماحقه...!ه
3 الجمعه الماضى آخر جمعه فى شهر سبعه...14 عاماً بالتمام والكمال إنقضت منذ أن إنطفأت شمعة أخى الحبيب ..وسكن ذهنه المُتقد عن التوهج ....كانت الحافله تمخر بنا بمحاذاة الخط الحديدي...الخط الذى ما زال يشق بطن الصحراء متحديا السنين ال15 كالحة الإصفرار...والمناسبه-أيضاً –زواج...وإذا بصوت زمجرة ليست بغريبه على أذنى...قشعريره سرت فى كل أنحاء بدنى...ذكريات لا تفارقنى للحظه واحده ...عيناى لا تخدعانى رغم غشاوتها بالدموع... هَتَفت كل دواخلى: إنه-أخى الحبيب- الديزل الألمانى-الأحمر -بشحمه ودمه- قد عاد الى الحياه.....!ه
* الباكم هى سودنة كلمة Vacuum الأنجليزيه وهو نظام فرملة القطار ويعتمد على تفريغ الهواء ** الصنَفور هى سودنة لكلمة Semaphore الإنجليزيه
(عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 04:38 AM) (عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 04:47 AM) (عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 04:50 AM) (عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 05:01 AM) (عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 05:12 AM) (عدل بواسطة mekki on 08-01-2004, 05:22 AM)
|
|
 
|
|
|
|
|
|
Re: بشراك أخى الحبيب...الديزل الألمانى الأحمر يعود للحياه...!ه (Re: mekki)
|
انها مشاعر ..... فيها الامان.... العوده للماضي .... شعور بالامان لشي نعرفه .... والجديد هو عودة الماضي (الديزل الالماني) .... وهل يعود الماضي ويعود الامان ... في عصر سرعة القطارت حتي الالمان عندهم من فتره طويله ال IC في لمح البصر يعبر المحطات الصغيره من ميونخ الي كولن في 3 ساعات والفئه اعلي من تذكرة طائره .... وهذا عادي لتك البشريه وهناك شي احدث وفي تطور متطرد اسمه ايه ما عارف سرعه فوق كم ما عارف بس المره دي ما ديزل كهربائي وسكه ثابت لكن طائره تنافس رهيب فعلا ما بين اليابان والالمان ..... اين نحن من هذا يالحبيب ..... ولك مني مساحات من التقدير للسرد الجميل
| |

|
|
|
|
|
|
Re: بشراك أخى الحبيب...الديزل الألمانى الأحمر يعود للحياه...!ه (Re: mekki)
|
Quote: 1 الجمعه الماضى آخر جمعه فى شهر سبعه...14 عاماً بالتمام والكمال إنقضت منذ أن إنطفأت شمعة أخى الحبيب ..وسكن ذهنه المُتقد عن التوهج ....كانت الحافله تمخر بنا بمحاذاة الخط الحديدي...الخط الذى ما زال يشق بطن الصحراء متحديا السنين ال15 كالحة الإصفرار...والمناسبه-أيضاً –زواج...وإذا بصوت زمجرة ليست بغريبه على أذنى...قشعريره سرت فى كل أنحاء بدنى...ذكريات لا تفارقنى للحظه واحده ...عيناى لا تخدعانى رغم غشاوتها بالدموع... هَتَفت كل دواخلى: إنه-أخى الحبيب- الديزل الألمانى-الأحمر -بشحمه ودمه- قد عاد الى الحياه.....!ه
|
| |

|
|
|
|
|
|
Re: بشراك أخى الحبيب...الديزل الألمانى الأحمر يعود للحياه...!ه (Re: mekki)
|
الأخ المحترم وليام اندريا لك كل الشكر على المشاركه ودفء المشاعر..وأتمنى ان تكون من جنوبنا الحبيب (كما يدل أسمك) :Quote: انا متاسف شديد يا مكي .. الله يرحمه... معليش لاني قراءة اول السطور ورحته معلق بفهم سطحي. بعتزر وبشده ... |
حاشاك- ايها المحترم- عن الفهم السطحى فالبوست فى رأيى لا ينحصر فى نعى حبيب فقط...الم تر تلك الورده التى تزين رأس البوست؟!ه
المحترم طيفور لك كل الحب على دفء المشاعر...ه
المحترم رضا لك منى التحايا العطره
أما أنت يا الجندريه...فيكفى وجودك فى هذا البوست عن اى حديث
المحترم عثمان م صالح الواد الذى مر من عطبره..لك فائق ودى
أما أنت يا عادل عبد العاطى فأعرف أنك مدرسه قائمه بذاتها...ويكفى أننى تعلمت منك طريقتك فى ترقيم المقالات (حقوقك محفوظه)...وفى إنتظارك
| |
 
|
|
|
|
|
|
بشراك اخى الحبيب ... الديزل الالمانى الاحمر يعود للحياة ...!ه (Re: mekki)
|
الاخ مكى
رائع هذا السرد الجميل الملىء بالحنية والذكريات الحميمة لتلك المدينة وعصب حياتها السكة حديد ... سافرت كثيرا يالقطارات .. قبل طريق التحدى وكنت اهتم كثيرا بنوعية القاطرة ايضا ولكنى كنت افضل الديزل اليابانى _ الازرق ذو الخطوط الصفراء ... ربما لحبى لهؤلاء الاقزام العمالقة.
ذكريات جميلة تحويها عطبرة ... الصفارة ... خروج جموع العمال بدراجاتهم .... المظاهرات الهادرة .. النقابة .. حتى انتهى بهم الامر الى محمد الحسن الامين الذى احالهم الى الصالح العام وممارسات مديرها الحالى عمر محمد نور ....
اللهم ارحم ابو بكر وانزله منزلة صدق عندك .
لك التحايا والود
احمد داود NZ
| |

|
|
|
|
|
|
|