|
عن داود الأنطاكي الضرير#
|
كنت مع صديق لديه هووس مقيم بمسائل ما كتب الاعراب في الادب العربي عن العشق وجدت لديه كتاب عن (تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشاق ) وهو للكاتب(داود الأنطاكي) الذي يعرف بالضرير، هذا الطبيب الذي كان علَمًا لدرجة أنه قد أطلق عليه لقب (رئيس أطباء زمنه)، فمن هو داود هذا؟ وأين موطنه؟ وما هي بدايته العلمية وما الذي امتاز على به غيره؟ نحاول هنا أن نكشف بعض معالم شخصية هذا الطبيب العظيم وفق الصورة التالية: أولاً: ولادته ونشأته: أ ـ قبيل أربعة قرون ونيف من عمر الزمن ولد في بلدة (أنطاكية) داود بن عمر الأنطاكي ضريرًا كسيحًا، وذلك في عام (950هـ/1543م) وبعد ذلك عافاه الله من مرض الكساح، ولكنه بقي ضريرًا إلى أن توفاه الله في عام 1008هـ/1599م. وذلك بعد مجاورته بمكة المكرمة لمدة سنة واحدة، فدفن قريبًا من بيت الله الحرام، ولتنتهي بذلك حياته التي قضاها في مجال الطب دراسة وتدريسًا وممارسة وتأليفًا. ب ـ ويَعُدُّه بعض الكتّاب خاتمة عقد الأطباء المسلمين المحققين العظام الذين كانوا أساتذة في علومهم وسلوكهم المهني، بل هو أحد أولئك الذين تركوا إرثًا علميٌّا متنوعًا يبقى برهانًا وشاهدًا على شمولية معلوماتهم وعمق معارفهم، وسلامة مسلكهم، بل إن أحد كُتُبه وهو (التذكرة) يمكن اعتباره موسوعة في الطب. وأما عن سعة علمه فلنتأمل الفقرة التالية يقول الزركلي في ترجمته للأنطاكي: (عالم بالطب والأدب، كان ضريرًا انتهت إليه رئاسة الأطباء في زمانه، ولد في أنطاكية، وحفظ القرآن وقرأ المنطق، والرياضيات، وشيئًا من الطبيعيات، ودرس اللغة اليونانية فأحكمها، وهاجر إلى القاهرة فأقام عدة أشهر بها، ورحل إلى مكة فأقام سنة توفي في آخرها. كان قوي البديهة يُسأل عن الشيء من الفنون فيملي على السائل الكراسة والكراستين، ولقد حصلت له نادرة من نوادر الشفاء.د ـ يروي ابن العماد صاحب شذرات الذهب عنه أنه قد ذكر بخصوص قصة شفائه من مرض الكساح الذي كان قد ابتلى به قوله: (إنه ولد بأنطاكية بهذا العارض. قال: وقد بلغت سيارة النجوم، وأنا لا أستطيع أن أقوم لعارض ريح تحكم في الأعصاب، وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار، واتخذ قرب مزار سيدي حبيب رباطًا للواردين، وبنى فيه حجرات للمجاورين، ورتب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام. وكنت أحمل إلى الرباط فأقيم فيه سحابة يومي، وإذا برجل من أفضل العجم يدعى محمد شريف نزل بالرباط، فلما رآني سأل عني فأخبر، فاصطنع لي دهنًا، ومددني في حر الشمس ولفّني في لفافة من فرقي إلى قدمي حتى كدت أموت، وتكرر منه ذلك الفعل مرارًا من غير فاصل فقمت على قدمي، ثم أقرأني في المنطق والرياضي، والطبيعي، ثم أفادني باليونانية) ثانيًا: دراسته ونشاطه في طلب العلوم ونبوغه في الطب لقد أُثِر عن داود الأنطاكي الجد والنشاط وعلو الهمة في طلب العلم، لذلك - وعلى الرغم من كونه ضريرًا ـ فإن عاهته تلك لم تمنعه من دراسة الطب، بل ولا من التفوق فيه على أقرانه، حيث نراه قد سافر في طلبه إلى حلب ودمشق والقاهرة وآسيا الصغرى، ومعلوم كم في هذه الأسفار من مشقة على رجل ضرير مثل داود، وله كذلك رسالة النزهة المبيحة في تشحيذ الأذهان وتعديل الأمزجة وهذه الرسالة تمتاز بكون موضوعاتها تتعلق بالطب النفسي، وكذلك كتابه السابق (تزيين الأسواق)، ويلاحظ تعلقه بالطب النفسي فكلا الكتابين إذن يمكن تصنيفهما ضمن كتب الطب النفسي، ولا يخفى أن العلاقة بين النفس والجسد علاقة وثيقة، لذلك فالكتب السابقة ما خلت من كونها كتبًا طبية مع أن كتابيه (التذكرة، وتزيين الأسواق) هما اللذان حظيا بالاهتمام أكثر من غيرهما. وكتاب تزيين الأسواق طبع ببولاق في القاهرة، كما أنه طبع في بيروت. وقد أورد محقق كتاب (تزيين الأسواق) أسماء كتب أخرى لداود، لذلك نذكر ما ورد في المقدمة لتمام الفائدة حيث يقول المحقق: (وله (غاية المرام في تحرير المنظوم من الكلام، ونزهة الأذهان في إصلاح الأبدان، وزينة الطروس في أحكام العقول والنفوس، والنية في الطب، ونظم قانون نجك، وشرح عليه، وله تآليف كثيرة لا نطيل بذكرها، ومن أعجب ما يحكى عنه في قوة معرفته بعلامات الأمراض ما أخبرني به من أثق به بالقاهرة المعزية قال: كانت له حجرة بالمدرسة الظاهرية اتخذها لاجتماعه بالناس ومداواة أصحاب البأس، فورد عليه في بعض الأيام رجل من الأجناد جاهرًا بالسلام فلما سمع سلامه عرف مرامه، وقال: اذهب فلا شفى الله لك علة، ولا يرد لك غلة، تشرب الخمر، وتفعل ذلك الأمر، حتى يحدث لك هذا الداء، وتأتي الضرير تروم منه الدواء، ثم استتابه وشفاه من دائه بعدما أشفاه، وما فهم كنه علته إلا من تحرك شفته، وعجائبه في الباب لا تحصى، وغرائب لا تستقصى، وإذا أردت تفاصيل أحواله ومعتقداته وأقواله، فعليك بكاتب خلاصة الأثر المذكورة تجد أوصافه فيها مسطورة) أن الحديث عن داود الانطالكي غاية في المتعة ولكن يضيق هنا المقام .
|
|
|
|
|
|