|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
نستطيع أن نستمر في سبر أعماق هذا الشاعر جميل ( حميد ) لا بد من قراءة في ظروف نشأته وبداية تكوينة وطريقة تفكيره المتدرج .. وهذه القصيدة هي بدايات حميد الحقيقية وقد نظمها وهو في المرحلة الثانوية في عطبرة .. ولم يتدرج في التعليم اكثر من ذلك .. والحق يقال ان حميد اذا ذهب في مراحل تعليمية متقدمة ربما .. اننا كنا قد لا نجد حميد الحالي ولوجدنا شخصاً آخر غارق في المصطلحات العلمية والفلسفية تماماً كما كان الحال مع بعض اشعار صلاح احمد ابراهيم وكل اشعار محمد الحي وما ساروا على نهجهم أو من يسمونهم بشعراء النخبة إلا صلاح احمد ابراهيم فقد نبغ في الحالتين فهو شامل وله المقدرة في التطرق الى مختلف الانواع ( الطير المهاجر .. مريا .. ) مع ذلك فإنه احياناً كان يغرق شعره ببعض المصطلحات ( باخوس .. هيلين .. اولمبيا .. الخ ) ثم تراه في بعضه ابن امدرمان المشبع بكل المعاني والكلمات .. وقد ذكرت مرة ان صلاح لم ينس ابداً مقاصر قريته الرابضة في ريفي دنقلا .. وأكد ذلك عندما اتى بالطير المهاجر من الشمال في عبارته ( على نيل بلادنا سلام .. ونخيل بلادنا سلام ) ولكن استاذنا محمد عبدالحي لم يكن له نصيب عند عامة الناس وهكذا كان التيجاني يوسف بشير ولكن لا مقارنة لأن تيجاني ظاهرة لن تتكرر ابداً في مجال الشعر النخبوي اذا جاز التعبير .. وشاعرنا حميد وتحت نظرية ( رب ضارة نافعة ) توقف تعليمه عند خط الثانوية .. ولكن مداركه ومواهبه وكيفية توظيف ادواته هو عالم واسع أرحب من مدرجات الجامعات ومراكز البحث المحدودة الاطار .. واحسب انه اوصل رسالة الى الشعب والوطن كان لا يمكن توصيلها بمئات المحاضر من رسائل الدكتواره والنظريات العقيمة المعقدة التي تموت داخل الاروقة الاكاديمية في الجامعات ومراكز الابحاث .. فالطبقة التي يخطابها حميد هي الغالب الاعم وهي المؤثرة والمحركة لعجلة التاريخ والجغرافيا واهمها في تغيير الحراك السياسي والاجتماعي .. فقد تيقنت أن الغوص في اغوار الاكاديميات والنظريات يحد من مقدرة استخدام بعض الادوات المحلية المؤثرة مثل الامكنة والشخوص والممارسات والحكم والامثال والاسماء ذات الدلالة مما يفقد شعر هؤلاء العمق واللحن والتأثير والموسيقى ولا فائدة لشعر لم يتناقله الجمهور وعامة الناس .. وما كان سوق عكاظ إلا منبر لعامة الناس في ذلك الزمان لنشر الشعر عن طريق الرواية شفاهة جيلاً بعد جيل وإن لم يكن ذلك الشعر مموسق ومقفى ومغنى لما وصل الينا بكامل هيئته وكلماته .. وما امرؤ القيس وابن كلثوم وغيرهم الا من امثال حميد يستخدمون لغة العامة بطريقة مموسقة ومنمقة وبهذه الروح والقيمة تسنموا ذرى المجد وخلدهم التاريخ وذهب شعر غيرهم الى اطار البحث الاكاديمي الضيق .. واذا قرأت القصيدة اعلاه بتمعن تجد ان هذه الحالة كانت تنبطق على معظم ذلك الجيل من مواليد الخمسينات من القرن الماضي وهي كانت حالة دور العلم حتى ظهور السلم التعليمي ايام المرحوم نميري .. كانت المدارس بها المزيد من الضبط و الربط وخاصة في نظام الداخليات وطريقة الخروج والدخول وحرية الحركة مقيدة في مساحات تكاد تكون محدودة جداً لشباب في العنفوان لا تسعهم تلك الامكنة ابداً ولا تتيح لهم لتفجير الطاقات الكامنة فيهم .. كان المنهج الدراسي منضبط وبقساوة لا تعرف لا تفريط .. كحفظ ومراجعة وتقييم واستدعاء لأولياء الامور وانضابط سلوكي في قمة الالتزام .. فقد كان السائد هو التململ الدائم والبحث عن الهروب من هذه البيئة الخانقة .. ومن القراءة الاولى لهذه القصيدة تشعر ان هذا الرائع حميد ولد شاعراً وليس غير ذلك .. والاحظ ان امثال حميد لا يجيدون مسايرة الانضابط في الحياة والعمل .. ومثال ذلك خليل فرح ورغم انه كان على مستوى من تأهيل المهني الرفيع الذي يرقى الى مستوى المهندسين اليوم ودخله المادي المرتفع مقارنة بذلك الزمن كان يتبرم من عمله ويناكف رئيسه الانجليزي بل ووجد ان ملفه مليء بالمخالفات وعدم الانتظام في الحضور والعصيان الوظيفي .. وهكذا النوابع تجدهم لا يهتمون كثيراً بالانضباط حتى لو كان على حساب معيشتهم او متطلبات الحياة الضرورية بالنسبة لهم ، فتجد الكثيرين منهم انتهت حياتهم على ( عنقريب بدون برش في راكوبة ) بعد ان قدموا للوطن الكثير والاغرب ان تكريمهم يأتي بعد مماتهم في الغالب الاعم . ووصف حميد لوضعه ورسالته الى امه وارجو هنا ملاحظة التركيز لماذا خص الام بذلك ؟؟ .. لأن المجتمع في ذلك الوقت كان ابوياً محضاً لا تستطيع ان تتحدث مع الوالد او الاخ الاكبر او لي الامر في مثل هذه الامور والتي تبدو كنوع من ( عدم اللباقة ) او خروج عن النص .. ولم تكن هناك صراحة متبادلة بين الاب والابن بل مجرد اوامر وتعليمات يتلقاها الابن من والده .. فكان الحل هو الام لتلعب دور الوسيطة ما بين الاب والولد .. وعلى هذا القياس جاء معظم شعر اهلنا الشايقية على نسق مخاطبة الام ( يا يمه ) وقد اعتبرها البعض نوعاً من الدعة او خصم من مقومات الرجولة ولكن الامر ليس سطحياً الى هذا الحد الفطير .. فالأم في ديار الشايقية لها شخصيتها المميزة من كما الشاعرات ( مهيرة .. وبت حمد ) وحتى اجمل شعرائهم ا سماعيل حسن تشرف بأن يطلق عليه ( اسماعين ود حد الزين ) وهذه القداسة صفة نوبية موروثة من ايام كنداكات مروي والبجراوية وكان القانون النوبي بأن تؤول ورثة الحكم الى ابناء الاناث لذا نجد أن القبائل العربية التي استوطنت بأرض النوبة ( استنوبت ) شكلاً وموروثاً رغم لغة العربية .. فجاء من رحم امهاتنا النوبيات اخواننا الشوايقة والجعليين بل وتقلد ابنائهم مقاليد الحكم خلال تاريخ الممالك النوبية قبل وبعد دخول العرب .. فهذه هي قداسة الام لدى اهلنا في الشايقية ونحن في النوبة ليس اقل منهم في هذا المجال ولكنهم اشجع منا في اطلاق هذه الدعوة التي كانت تعتبر عندنا من بعض المحرمات
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
زينوبة كل ما افتح كتاب القاك في اول سطر القى الجداول والصحاب القى الجناين والتمر
وعبارة ( زينوبة ) ولو كانت رمزيتها هي اسم الدلع ( لزينب) فمن شوقه لأمه فإن حميد يبلغ هنا اعلى الدرجات الشوق والحنين لأمه .. ويعرف ذلك تماماً من قضى فترات الدراسة في الداخليات في ذلك الزمن .. فهذه العبارات تطلق في الغالب للحبيبة او من تعلق القلب بها على سبيل الغنج والدلال .. وهذا قمة الوفاء للام وهو يوشح اسم امه بلقب ( زينوبة ) ففيه دلال الانثى وقداسة الامومة والحب اللانهائي لهذا الشاعر الجميل لأمه والشاعر يعرف تماماً وقع هذه الكلمة على نفس الام .. وكان الأحرى بشاعرنا حميد ان يدبج القصائد لحبيبته ويغوض في غياهب الغزل المبتذل والوصف المخل لملاح الانثى وخاصة في هذه السن المبكرة وفي مرحلة الاندفاع الغريزي والمراهقة ولكنه فضل عن ذلك ان يخاطب امه وهي الرمزية الابقى والانقى لأن هذا الاحساس لا يتغير الى ان تقوم الساعة وحتى عندما قيامها فسوف تتم مناداة الناس على اسماء امهاتهم .. وهنا يتضح جلياً ان شاعرنا حميد كان صاحب قضية وفكر منذ نشأته ونعومة اظفاره ولا يعبأ بصغائر الامور
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
ورغم ان مرحلة حميد العمرية في ذلك الزمان كانت ايام الانطلاقة والمتجمع المفتوح قبل ارهاصات التوجه الاسلامي الذي بدأه الراحل نميري في منتصف الثمانينات حيث كان منظر الشارع مختلفاً واماكن التهتك والتحرر في كل ركن من اركان الشارع وخاصة في المدن .. وتبعاً لذلك كانت امنيات الشباب مختلفة تماماً عما يفكر فيه حميد .. لأنه ورغم كل مغريات المدينة التي كانت بلا حدود يريد حميد ان يرجع الى واقعه ( الجنائن .. التمر .. الدونكا .. الككر .. والجدوال .. شوك الكتر ) .. ورغم قرب حميد المكاني من دياره وليس هناك اغتراب ما بين عطبرة ونوري ولكن هو الحب والانتماء والفكر والفكرة وحب العطاء وسحر المكان وإذا عقدنا مقارنة ما بين الشعر الذي قيل في الام واخذنا التيجاني حاج موسى مثال نجد ان شعر اهلنا الشايقية فيه تميز راقي ورموز تجسد صورة الام وتصور الواقع وكأنك تتعايش معها والشعر بدون صور ولوحات تبدو انها فانتازيا لا قيمة له .. فأحسب ان قراءة شعر التيجاني رغم بعض العمق الذي فيه إلا انه خالي من أي صور تقرب الواقع وتجعلك تعايش الام من خلال نشاطها وسعيها ، كإثبات عملي وصادق لهذه القيمة التي يمنحها الشاعر لأمه وكأن شعر التيجاني هو قراءة ( التشهد في الصلاة ) عبارة عن دعوات وامنيات لا تحملك الى واقع شعري معايش كما لدى شعراء الشايقية .. وكرمز للتضحية ونكران الذات والحب الحقيقي والذي ترجمه حميد في رموز مثل ( الدونكا .. الككر .. النخيل والتمر ) وكذلك السر عثمان الطيب
بذكرك يا يمة في الدغش النسايمو يهبهبن قايمي الصباح متكفلتي وشايلة الحليلة على المراح جبتي اللبن لي بي انشراح والساعة ديك يا دابو ديكنا بدا الصياح والطير صغارو يغردن
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
وهنا يصور لنا شاعرنا مدى تلك المكابدة عندما تقوم الام في صباح الشتوي البارد لحلب الماعز وهي صورة في غاية الروعة والصدق والوفاء يجعل القلب يهفو لتلك الام التي تمشى بخطى واثقة وفي الصباح البارد نحو المراح ومن الملاحظ لدى اهلنا ان حلب الماعز دائماً من اختصاص النساء لأن الماعز لا تدر لبنها إلا بعد ان تعاملها برفق وحنية وليست كالابقار .. وكأنها تعرف انامل الانثى وتدر لها اللبن .. ثم بعد ذلك تلك الجلسة الحميمية وهي تضع اللبن النار والعائلة حول الموقد .. ورائحة اللبن المقنن وتلك الحلة التي كنا تنسابق في أخذ ما لصق في قعرها من الحليب المقنن .. هذه صورة تجعلك اقرب الى الام وتعايش معها الواقع وهي تكون مؤلمة لمن هم في الاغتراب والبعيدين عن الام .. أما شعر التيجاني حاج موسى : أمى .. الله يسلمك ويديكى لى طول العمر.. وفى الدنيا يوم ما يألمك .. امى .. الله يسلمك .. أمى يا دار السلام يا حصنى لو جار الزمان ، ختيتى فى قلبى اليقين يا مطمنانى .. بطمنك أمى .. الله يسلمك فهي منظومة فيها من الجمال والخيال والامنيات اللفظية كأن ترفع يديك وتردد كلمة (آمين) مع كل بيت من ابيات القصيدة .. بدون صور وتجسيد للواقع والبيئة المحيطة بتلك الام
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
.. على عكس جيل ذلك الزمان ونحن منهم فقد كنا نضجر من حياة القرية ومن كل ما ورد ذكره من رموز حميد لأن تلك الاشياء كانت بالنسبة لنا مسئولية وعمل شاق وتقييد بأوامر الاب الصارمة والقيام بالواجب اليومي في المزرعة على عكس شباب المدن الذي كنا نتمنى ان نكون مثلهم وهم يرتادون دور السينما والحدائق ومخالطة الجنس الاخر الذي كان محرماً وخطاً احمراً غليظاً بالنسبة لجيلنا في القرى النائية .. ورغم كل ذلك كان حميد يتمنى ان يكون وسط هذه المنظومة التي اتاحت له هذا الخيال الواسع اللامحدود وهذا الاسلوب البارع والسلس الذي لن يتكرر مثله اطلاقاً واقول ذلك جازماً أن هذه البيئة التي اخلص لها حميد وهبته كل جميل وسمحت له بإستخدام تلك الرموز التي لا يمكن ان تجد لها تفسيراً احادياً ونهايات حاسمة لمدلولاتها ..لأنها واسعة ورحبة وصالحة أن تكون رمزاً سرمدياً للقيم والجمال ..
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: maman)
|
يا سلام استاذي مامان اشرقت بدراً على البوست .. كلامك جميل وسردك راقي .. هي دي لغة وطريقة سرد اهلي الشايقية .. مامان اهلك ديل فنانين بالفطرة .. أنا جئت منقول من دنقلا الى نوري الغوبية الثانوية العامة في السبيعينات اجزم لك انها اجمل فترة عشتها في حياتي .. مامان استاذي الجليل شخصية عمنا ( الجزار ) الرجل الحاضر البديهة الذي ينظم الحديث المموسق بهذه الطريقة وجدت مثلهم كثيرين في نوري وكانت في البداية مشكلتي في لغة التخطاب .. اخي الجميل واصل في هذا البوست لكي نقدم شيء للقاري .. قبل وقاة المرحوم محمد كرم الله بأشهر قليلة كان في مدينة جدة وفي منزل الدكتور محمد طه وهو يسجل حلقة لقناة النيل الازرق غنى ( طعم الدروس ) بدون مكبر صوت .. لأول مرة اعرف ان المايك يشوه صوت محمد كرم الله .. طربت حتى الثمالية وجرت الدموع في العيوني وأنا استحضر ايام الدراسة والوالدة والوالد لأن كلمات حميد تجسد لك الصورة الحقيقية وكأنك تشاهد فيلماً .. ليك التحياتي وقد تشرفت كثيراً بمشاركتك في هذا البوست .. لكن اضحكني كثيراً تعليق عمنا (( الجزار )) تاني مليون شكر ليك .. وانت قيمة اضافية لهذا البوست ..
معليش لو في اخطاء املائية .. قلت ارد عليك من المكتب .. رغم الرقابة ..
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)
|
الاستاذ سيد احمد شامي .. الشكر كثير كثير .. بالاطنان .. على هذا الطرب .. اخوي سيدا حمد أنا عندي قراءات كثيرة عن حميد .. حميد الله يرحمه ما أخذ حقه لسع .. كان املنا في وزير الثقافة السابق السمؤل يعمل حاجة عن حميد لنقدم اوراقنا الكثيرة هذه ولكن خاب ظننا مع هؤلاء وثقافتهم الجوفاء .. خليك جنبنا .. عشان حميد .. مليون سلام يا رائع
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
استاذنا مجدي .. يا زول يا راقي .. مجدي الحبيب .. يا اخي حميد ده تقريباً في المرحلة العمرية معنا .. بالاضافة الى ذلك شاهدت له جلسة داخل راكوبة في حواشته هناك .. فكاد ان يتطابق وضعنا وطريقة حياتنا وتفكيرنا معه .. أجزم أن حميد هو اعمق وأجمل وأكثر شاعر ذوقيمة في تاريخ السودان الحديث والقديم .. يا مجدي .. في قصيدة واحدة حميد يخطاب الشباب والشيوخ والجد والحبوبة والام .. ده انسان عقبري لأنه عايش الترابلة والرواويس واصل والانتماء .. مجدي اخوي .. سوف ننظم ليلة بإسم محبي حميد في جدة ونكون مع بعض .. محاضرة وعناء والقاء شعري .. سوف بيننا اتصال .. تحياتي مجدي الحبيب اعرف كم ان مهتم بالجانب الثقافي واعرف عمقك في هذه الامور ..
تحياتي يا الحبيب
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
بعض الأسرار عن حميد: بقلم د.فتح العليم عبد الله
أبلغ عبارة تصف هذا الرجل هو ما قاله الرازي، طعامه ما وجد ولباسه ما ستر ومسكنه حيث أدرك، الدنيا سجنه والقبر مسكنه.. وأضيف الى ذلك ان حميد كان يستمد انشراحه من سعادة الآخرين.. وبحكم علاقتي «المزمنة» بحميد، يمكنني أن أسلط على شخصه بعض الإضاءات التي قد لا تكون في متناول الآخرين.. حميد من مواليد النصف الاول من الخمسينيات، درس الأولية والوسطى بقريته نوري، أما الثانوي فقد كان في عطبرة الثانوية التي كره فيها الدراسة والغربة، فجادت حناياه بقصيدته: وريني شن طعم الدروس ما دام بكانا مشي قطر وكيف ذاتا ترتاح النفوس تقبل قرايةً في سفر يا يمه حان الامتحان من وقتو بس فاضل شهر ما أظني من جور الزمان أنجح وأجيب ليكن نمر كيف ذاتي يا نبع الحنان أفلت من آلام السهر عمرك سمعتيلك ج ب ا ن خاض المعارك وانتصر وريني شن طعم الدروس.............. وعمل بهيئة الموانئ البحرية ورُفت للصالح العام لأسباب لا تخفى على أحد.. ذهبت إليه ذات يوم بالحاج يوسف المايقوما ثم سألته: صحي رفدوك للصالح العام؟؟ قال: رفدوني قبل شهرين وتااااني أمس جاني جواب بالرفد!!! فقلت: كيف يُرفد الزول مرتين؟؟قال ضاحكاً وهو يمسك بنظارته السميكة: الطلاق مرتان!!! ولاحظت كثيراً أن حميد دائماً ما يستمع بنصف تركيز وكأنه مهموم بشيء آخر لا نعلمه ولم نعلمه حتى غادرنا سابقاً إلى دار الخلود السرمدي.. وكان حميد يجمع كل المتناقضات، فقير وكريم، هين تستخفه بسمة الطفل قوي يصارع الأجيالا، يسامح كل إنسان إلا الظالمين، شجاع مغوار في دروب الحق لكنه يخشى السرعة، وكان كلما اصطحبه الصديق السر عثمان الطيب في عربته إلى الشمالية يبدأ حميد بالكواريك من سوق ليبيا: يا السر براحة السايقي واصلي لا تكشّها، يرد عليه السر وأصبعه على مؤشر السرعة: يا حميد قول بسم الله انا ماشي بسرعة خمسين كيلو !!! فيقول حميد في استنكار: أربعين مالا؟؟؟يا السر ما تجوط راسنا دا أصلو ملخبت!!!! ذات يوم دعا الأخ عادل إدريس حميد للعشاء بأسماك الموردة، فقد كان حميد يحب أكل الزواحف جداً، وفي الطريق لمحهما الدكتور الشاعر ود بادي فأوقفهما وسلم عليهما بحرارة ملتهبة، ثم حلف عليهما بأن يذهبا معه للعشاء، فاعتذرا بشدة وطلبا منه أن يؤجل الدعوة ليوم آخر، فأخرج ود بادي مليون جنيه ودسها في جيب حميد بعد مقاومة عنيفة... وبعد أن انتهى عادل وحميد من عشائهما قال حميد للأخ عادل: اسمع، تقدر تخت فوق المليون دي نص مليون تاني؟ قال عادل جداً، وأخرج المبلغ وهو لا يصدق ما سمعه، لأن حميد لم يطلب شيئاً من أحد لا قبل ذلك ولا بعده، وعند التحرك طلب حميد من عادل إدريس الذهاب الى مستشفى الخرطوم قسم المسالك البولية، فتوجه الأخ عادل دون أن يستفسر عن الهدف.. ودخلا المستشفى، وفي بوابة عنبر النساء سأل حميد إحدى المرافقات قائلاً: ست النفر راقدي وين؟؟فلما دلوه عليها أخرج من جيبه كل المبلغ أي الـ 1.500 جنيه «بالجديد» ووضعها تحت مخدة ست النفر التي ألجمتها الدهشة.. وعند الخروج سأل عادل حميد: دي منو يا شيخنا؟ قال حميد: واحدة جارة ناس أخوي في الردمية، وقعد تغسل في الكلي، ودايرين يزرعولا كلية، وهي مرة فاضلة ومحمولة خلاس!! وبعد نزول حميد للبلد عام 2009م، اتصلت به تلفونياً فردت عليَّ طفلة في العاشرة أو يزيد من عمرها: انتي منو؟ أنا عشوشة، حميد وين؟ حميد تحت في الجروف، طيب ممكن تناديهو؟؟ نحن يا عمي في الرواكيب فوووووق جنب «الطرابيل» أي الأهرامات!! قابلته في البلد وسألته من هذه التي ترد على التلفون؟ قال بت لقتني في الجرف وقالت لي يا عم حميد جيب لي تلفون زي ده.. قمت اديتا إياهو لأني ما بقدر اشتري واحد تاني ليها... قلت: طيب كان تطلع الشريحة وتديها التلفون!!! فقال: يا شيخنا أنا ضد الفرحة بالأقساط وديل ناس حار حار....الشريحي طايري!!! اصطدمت العربة التي كان بها حميد بلافتة اسمنتية مكتوب عليها «الكيلو 172»، ونجا الجميع ومات حميد و لم يجدوا في جيبه سوى سبحة وتلفون عتيق من طراز 3310 .. بعد هذا المشوار من الشعر والمعاناة وإشاعة الفرحة في نفوس المحبطين، رقد حميد هادئاً بمقابر البنداري تحت الرقم «17858» وعلى شاهدي قبره جريد نخيل، وهو أقرب لحد للمزارع المحيطة بال########ة.. ولم يكن حميد الوحيد الذي دفن خارج قريته، ففي نوري خلف منزل حميد يرقد ترهاقا الذي ترك أسرته ومدافنها بالكرو وجبل البركل وجاء إلى نوري!!
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: مجدي عبدالرحيم فضل)
|
أستاذي مامان .. لك التحية وأنت تنقل إلينا هذه النفحات عن حميد .. والتحية للدكتور صاحب المقالة .. والتحية لك حامل المسك وناثر الدرر اخي مامان .. كلام مؤثر ويلمس شغاف القلب .. صورة رائعة عن حميد الزول ( التربال والرواس ) .. هو ده السودان وديل اهلنا ما بنعرف غيرهم ولا بنعترف لغيرهم .. صدقني يا منان أنا من المغرمين بالشعر ( كل العصور ) .. وحسب قراءاتي وجدت حميد أشعر من قرأت له طوال حياتي .. حميد عميق جداً ولديه لغة لا يفهما احياناً إلا من تعمقوا في التراث الزراعي وأداوته ..
التحية ليك استاذي وأرجوك تواصل معنا .. وأنا سوف انشر باقي قراءاتي عن ( قصيدة طعم الدورس ) وكذلك عم عبدالرحيم والنخلة عند حميد .. مليون تحية يا مامان يا اصيل .. لقد رفعت من شأن البوست
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
أنتقل حميد ليقدم لنا صورة عن والده ..
بذاتو ابوى تلقاهو قاعد فاتح كتابو مع الفجر يقرأ ويرتل في كل ما بفهمو الناس الكفر
وبعد ان افاض في مخاطبة امه .. استحضر حميد والده ووضعه في مكانة القداسة وهي رمزية الاب التقليدي وقد صوره حميد بحضور رائع وعفوية فيها من الجمال والصورة التي تعكس الهيبة والوقار .. فإذا كان نشاط الاب معروفاً في ذلك الوقت من حيث الزراعة والرعي وتربية المواشي .. ولأن العمل والعرق والصير كان من البديهيات ومن المهمات المسلم بها في حياة الرجل في ذلك الزمان .. لم يسهب حميد في وصفه .. بل جاء الى الناحية الاخرى والخاصة في حياة والده فقد كان قاريء قران وممن يقومون الفجر صلاة وقراءة وما اندر مثلا هؤلاء الرجال في ذلك الزمان .. والوضع هنا مشابهة تماماً كل القرى على امتداد النيل فقد كنا نسمع مثل هذه القراءات في ارهاصات الفجر من بعض اعمامنا الذين وهبهم الله حظاً في القراءة .. فلم يكن والده قارئاً فقط بل ويرتل القرآن وهو دلالة على حلاوة الصوت كما يدل على ان حميد نشأ في بيئة صوفية وفي بيت فيه يرتل الاب القرآن ..
أحسب أن حميد ذلك العمر .. أراد ان يميز والده عن هؤلاء الاخرين الذين يراهم في شوارع المدن ويسمع خطابهم ولغتهم وذلك التهتك المسموح به في المدن آنذاك تحت مسميات كانت منتشرة في تلك الايام .. وكذلك النظريات السياسية فكانت ذروة الاشتراكية والناصرية والمد الشيوعي وبقايا حركات التحرر وفيتنام وخاصة في حاضنة مثل مدينة عطبرة التي انطلق منها شرارة الاشتراكية الى باقي انحاء السودان
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
.. ولكن بالطبع حميد لم يكن يقصد تلك الفئة من الناس وهل حميد أتى بهذه القصيدة وهو لم يتكون سياسياً أو لم يكن له العمق السياسي الواضح وإذا أجريت قراءة لواقعنا السياسي في تلك الايام ( في بداية السبعينات) كان الاتجاه العام لشباب هو التوجه الاشتراكي مع ارهاصات انتصارات فيتنام وامتدادات عبدالناصر .. وحتى من لم يكن اشتراكياً كان يتصنع ذلك لأنه وصف اسلامي كان يختصر في لفظ ( الرجعية ) ويحد من انطلاق الشاب نحو ما كان متداولاً في ذلك الزمان من الازياء وكان الانتماء للاشتراكية نوعاً من الحداثة والانجذاب لمن لم يكن لديهم اتجاه سياسي واضح واذكر أننا منذ كنا صغاراً كان اهلنا يحددون سلوك ( الكفر ) لمن يتبول هو واقف وإذا وجدنا احداً في هذا الوضع كنا نهتف بأعلى صوتنا بأنه كافر ولابد من عقاب من الكبار .. ولازلت الى هذه اللحظة أتأمل في لفظ حميد ( الناس الكفر ) ولكن اجزم انه يقصد اهل الجاهلية ( ابوجهل .. الخ ) والذي كانت السيرة النبوية تركز عليهم من خلال المنهج لغرس روح التربية اسلامية في والقيم في الاطفال ..
| |

|
|
|
|
|
|
|
Re: الادب الشايقي علمنا كيف نحب الام وحميد ( زينوبة) مثال (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
ولا اظن .. بل ولا يمكن ان يكون في مجتمع ( نوري ) من يوصفون بتلك الصفة حتى يميز والده عنهم .. ومن الواضح انه في تلك المرحلة من العمر لا لون رمادي لديه اما (ابيض او اسود ) فكان مثله هو والده وهي رمزية كل آباء ذلك الزمان .. أما دون ذلك فيستحق الوصف الذي استجلبه حميد ( الناس الكفر ).. وهذا هو شخص حميد الحقيقي وغير ذلك عبارة عن لحظات عابرة أتت من جراء المعاملات والمكايدات اوضيق المعايش والمعاناة او انهيار القيم .. والنموذج المتدين لدى حميد هو نموذج والده ( فاتح كتابه مع الفجر ) وهذه رمزية تدل على الاخلاص والوفاء لهذا الكتاب دون رياء او سمعة وكأن الجهر بالتدين ومباهاة به شكلاً وموضوعاً مستهجن لدى حميد وهو ما ورد في معظم قصائده .. فطالما نشأ حميد في مثل هذه البيئة وهو يقدس والده لأنه يتلو كتاب الله ويقوم فجراً للصلاة والذكر ويهجو من أراد غير ذلك ( بالناس الكفر) .. وأحسب ان حميد كان لكل السودان ومقياسه هو مدى تمسك الانسان بالاخلاق والقيم سلوكاً ومضموناً ..
| |

|
|
|
|
|
|
|