هب انك اللحظة داخل بيتك..و حولك اشياء كثيرة..كراسي.. كبابي.. صحانة.. ترابيز.. ابر..الخ ..اغمض عيونك و قل كم هو العدد الكلي لهذه الأشياء؟..اغمض عيونك..و حاول ان تتذكر هذه الأشياء فردا فردا؟..لماذا الشاي سائل..و في الثقافة السودانية نضعه في اناء معين نسميه كباية..و في نفس الوقت حينما نضع سائل اخر ، المريسة مثلا ، في اناء اخر.. يكون اسم الإناء (العبار)..و حينما يكون السائل لبنا نقول قرعة لبن؟..هل تذكر انه كلما ذكر (العبار) كلما تبادرت الى ذهنك فكرة سلبية ذات محمول اخلاقي و ديني..مع ملاحظة انه اناء لا ينطق..لا يحزن.. لا يفكر حتى لكي يختار أن يكون ايجابيا او سلبيا؟..هل قابلك احد يصنع ملاح الغداء في براد الشاي؟..و لماذا هو براد؟.. مع الإعتبار ان البراد من البرد/التبريد؟..هل تضع سيارتك (ان كنت تملك سيارة) في سريرك الذي تنام عليه؟..لماذا هذه الأشياء الكثيرة؟.. لماذا تصنيفها على اساس الشكل ، الحجم ، اللون ، و الإستخدام؟..و لماذا الحرص على تواجدها باستمرار؟..
كبر
02-26-2013, 08:51 PM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
(1) حينما استمعت اول مرة لأغنية (راجل المرا حلو حلا)..كان اول سؤال خطر ببالي : اين منظمات حماية المستهلك؟..فكان موقفي ان صنفت نفسي في خانة المستهلك الذي تستوجب حمايته..! فالغناء منتج ، و لكنه منتج معنوي ، فالمنتج يمكن ان يقسم الى: معنوي و مادي ، و في كل الحالتين ، الكائن البشري اما منتج أو مستهلك..و يغلب الإستهلاك احيانا على الإنتاج ، فالإنسان ينتج ليستهلك..و يستهلك لينتج..و تستمر الدائرة متناسلة الى ان يرث الرب الأرض و ماعليها..!
عملية الإنتاج و الإستهلاك المستمرة ذات علاقة وثيقة بحال كون الإنسان يكره الفراغ ويقاتله بالإنتاج ثم الإستهلاك ثم الإنتاج ، فالفراغ هو اكبر عدو للإنسان..و في التصور الديني أن الإنسان الأول كان يعيش في الجنة..وقتها كان يستمتع بالخيرات ، دون أن يدق فيها حجر دغش ، و لكنه ارتكب الأخطاء القاتلة فانزل ، بامر الرب ، الى الأرض..و يحكي التأريخ البشري الأول أن الأرض كانت خالية ، و اخذ الإنسان يعمرها..لماذا؟..قد يكون فعل التعمير هو فعل نفسي تعويضي عن الواقع الذي كان يحي فيه الإنسان في الجنة..و غض النظر ان المبرر المعرفي و الديني لفكرة التعمير التي تشغل الإنسان باستمرار ، الإ انها تشي عن حرب مستمرة لقتال ظاهرة الفراغ .. فالإنسان يكره الفراغ. يكره ان يرى مساحة من الفضاء خالية من الأشياء.. فيسعى جهده أن يملأ المساحات الخالية.. هل هو خوف من الوحدة؟ ..هل نوستالجيا نحو الجنة؟..هل هو اصرار العناد أن الإنسان في ذات نفسه يستطيع أن يخلق الجنة ، و بالتالي يعمل ، بمكابرة ، للتماثل مع الرب في ابداعه للخلق و المخلوقات؟.. و لكن..!
ان كانت الجنة هي بيت الإنسان الأول و هو قد خرج منها ملعونا مطرودا ، الإ ان هذه الفكرة لم تختفى ..و ربما هي الفكرة الوحيدة التي ظلت متواجدة في فكر الإنسان..لابد من نوستالجيا الجنة..لابد من مكان يسمى البيت..و لابد من أن يملأ هذا البيت بالأشياء و الأغراض..فحينما ترحل الى بيت جديد..ماهو اول شئ تراه؟.. الفراغ..ثم تقوم بصورة محمومة و محاولة يائسة لملء هذا الفراغ..تحضر الأسرة.. تحضر الكراسي.. تحضر المناضد..تطلي الحائط بطلاء جديد..تحضر الأواني..و هكذا..بمعنى تسعى وسع جهدك أن تملأ الفراغ..تسعى وسع جهدك لإشباع الحنين الغامض..و اللحظة اذا نظرت حولك..و انت جالس في أي مكان كان.. بيت ..مكتب..شارع.. سيارة..الخ.. ستلاحظ ان هناك محاولة يائسة لملء الفراغ.. المباني على الطرقات..عمدان الكهرباء.. المتاجر.. السيارات (متحركة أو ساكنة)..ناهيك عن فراغ الجسد.. فالإنسان لا يحتمل أن يكون عاري الجسد..فالعري هو اللآشئ..و اللاشئ هو الفراغ ، فيستعر الهاجس لملء الفراغ/العري.. فتكون الملابس..هل فكرت كم قطعت تلبسها و انت في داخل غرفتك؟..في الصالة؟.. في استقبال الضيفان؟..في الشارع؟.. في مكان العمل؟..اكيد هناك اختلافات كبيرة..في الشارع مثلا..و انا اعيش في منطقة طقسها بارد للغاية.. ارتدي سروال صغير..ثم فوقه بنطال صوف.. ثم فوقهما بنطال جينز.. فنلة داخلية..ثم فوقها قميص.. ثم فوقهما سترة صوف.. ثم فوقهم جاكت..و قد اضع على راسي طاقية صوفية..على الأرجل ارتدي شراب أو اثنين..ثم حذاء..ثم اضع على معصمي ساعة يد.. و احمل موبايل أو آيبود..ثم سماعات..تفاصيل كثيرة..و كلها تعمل في المحاولة اليائسة الى ملء الفراغ..و لكن الأمر قد يختلف حينما اعود الى البيت..فلماذا؟..في البيت هناك اشياء اخرى تحتل الفراغ..تلفزيون.. ترابيز عديدة.. تربيزة القهوة.. تربيزة العشاء..كراسي صغيرة.. كراسي كبيرة.. ادراج..اواني بمختلف الأشكال و الأحجام و الإستخدام..بمعنى هناك ما يشغل الفراغ..!
كبر
02-26-2013, 09:47 PM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
في تفسير الماعون ، قيل انه الأغراض..مثل الدلو ، الفاس.. القدر ، الإبرة.. المنخل..الخ..!
و هي ادوات يصنعها الإنسان و يستخدمها و قد نجد ما يقابلها في عالم اليوم ، و يخلق المبررات تلو المبررات لإستخدامها..فنكون امام معادلة من ثلاث اضلاع: صناعة ، استخدام ، ثم تبرير..! بيد أن الأمر لا يقف هناك..و انما تتدخل اشياء اخرى مثل التصنيف..تصنيف مرتبط بنوع المصنوع.. شكله ، لونه ، حجمه..و تصنيف مرتبط بنوع الإستخدام و التوظيف..ادوات للنوم عليها مثل السرير.. ادوات للشرب.. مثل الكباية ، الجك ، الكورية..و تصنيف مرتبط بالتبرير لإستخدام هذه الأشياء أو الأدوات..و هنا يأتي إسقاط المفاهيم المجرد مثل قيم الجمال أو الأخلاق أو الدين..أو الأتيكيت..!
من الأدوات التي يستخدمها انسان السودان ، الإبريق سابقا يسمى الركوة (حينما كان يصنع من الطين المحروق/الفخار)و اليوم يصنع من الحديد أو البلاستك..و ندر ان تجد ابريق يصنع من الزجاج أو المعادن النفيسة مثل الذهب..و الإبريق ماعون لحمل الماء لغرض معين..في مكان معين..مثلا قد لا تجد ابريق في صينية الغداء.. أو تربيزة القهوة..او دولاب الهدوم..و اذا صدف اذا وجدت الإبريق في احد هذه المواضع.. اكيد سوف تستهجنه و ترفض تلك الوضعية..و المبرر أن نظام القيم في السودان.. صنف الإبريق تصنيف معين..و بناء على هذا التصنيف خلق له مكان محدد و استخدام محدد.. فحينما تزور بيت في مدينة سودانية.. المتعارف عليه أن مكان الإبريق هو الأدبخانة/المرحاض/المستراح/دورة المياه..و انه يستخدم لغسل السبيلين..اي لغسل قذارة الإنسان..و لأن التصور تم بناءه و غمسه في الذاكرة السودانية.. فاصبح الإبريق اداة معافة..بمعنى اذا وجدها البعض في صينية الغداء بالقرب من صحن الملاح أو السلطة.. قد يستفرغ أو يعاف الأكل لمدة من الزمن..!
كبر
02-26-2013, 10:28 PM
عماد البليك عماد البليك
تاريخ التسجيل: 11-28-2009
مجموع المشاركات: 897
كما سبقني ود البليك فلسفة الفراغ (دايما نحن متواضعين في تسمية تصوراتنا) .. لحد هسه الدائرة في محيط المادة .. ترى هل سوف تتمدد لتغطي الجانب المقابل للمادة ؟ يبدو أنني تعجلت.. . . تحياتي.
02-27-2013, 04:27 AM
صلاح عباس فقير صلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482
هذا منطق البداهة يمدّ يده ليتحسّس الأشياء، منفصلاً عنها عسى أن يعاود الاتصال بها في سياقٍ أروع! شكراً كبر!
Quote: هل قابلك احد يصنع ملاح الغداء في براد الشاي؟.
وهنا أذكر طرفة واقعة، حصلت في مكانٍ ما، من السودان، بطلها واحد من الطلاب (الأجانب) الذين تلقوا تعليمهم الجامعي عندنا، زولك أغرقه جيرانه في الكرم السوداني، فأبت نفسّه إلا أن يرُد عليهم الكرم بمثله، فدعاهم إلى العشاء، فجاءوا، فكانت عاصفة من الضحك الهستيري! لم تُبال بمشاعر المستضيف، ماذا هنالك؟ زولك جاب ليهم العشا في إناء معدني جديد لنج من السوق، لكنه كان عبارة عن (قصريّة)! ههههه
02-27-2013, 08:22 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
عماد..حبابك يا صديق كتر خيرك على المرور من هنا.. هي محاولة لمقاومة التصحر..و فيها شئ من الفلسفة و شئ من السيوسيولوجيا..فهي من ناحية مرتبطة كثيرا بفكرة التشيؤ التي قال بها بعض من المفكرين الفرنسيين في حقبة ما..فلقد تشيأنا كثيرا يا صديقي..و قلنا نقارب الفكرة سودانيا..
كبر
02-27-2013, 08:23 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
صديقي و استاذي محمد علي طه الملك..حبابك كتر خيرك على المرور من هنا..الفكرة في بالي لمدة من الزمن..و لم اجد براح لإجتراحها الإ هذه اللحظة..و في ظرف لا يقل غرابة عنها ..نظام..Sick leave
بالنسبة للمحتوى.. فهو موجود..و سوف يتسرب لماما..و قد ذكرت جزء منه في رواية نشرت بعض من اجزائها هنا..و اسمها (عباس يختار زمن السكوت)..و فيها تأريخ مقتضب لفكرة (التأصيل) التي بدات في تسعينات القرن المنصرم..و اذكر حينها كانت هناك دعاية للطلاء الأخضر..فالبسطاء كانت المسألة لهم من الإيمان ان تستخدم اللون الأخضر في طلاء الأشياء..و متوسطي الفهم..كانت الفكرة بالنسبة لهم سياسة دولة تتوجه نحو الإخضرار..و الأغرب حتى نشطاء البيئة انطلت عليهم الحيلة و صدقوا ان الأمر مرتبط بالخضرة و كده.. اما في تلك الرواية.. فكانت الفكرة أن هناك تاجر بارت سلعته.. و هو نافذ مع السلطات .. فما كان منها الإ ان اصدرت فرمان بالسياسة الخضراء مدعوما بكل المبررات (دينية ، سياسية ، جمالية..الخ)..فتمكن صاحبنا من جني الربح.. هي محاولة للأشتغال على مستوى الإزاحات التي انتابت مستوى الأخلاق في الفرد السوداني..كانت الحاجة الأساسية هي المحرك.. ثم اصبح المحرك عامل اخر..فالأسرة التي تتكون من ثمانية اشخاص كانت تغطي حاجتها بشرب الشاي في اربع كبابي..و اليوم الأسرة التي تتكون من اربع افراد.. قد يكون لديها ثمانية و اربعين كباية شاي بمختلف الألوان و الأحجام و الأشكال..و قس على ذلك بقية الأشياء..و التكالب على اقتنائها..
كبر
02-27-2013, 08:24 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
صديقي صلاح..حبابك كتر خيرك على المرور من هنا.. هي محاولة لمقاربة الذات السودانية في منحي من المناحي العملية.. فلقد شغلنا كثيرا في التهويم في المجردات (ناس تغيير الحكم..بناء دولة المواطنة..الخ)..و غاب علينا تحسس الفرد في اكثر اشيائه حميمية.. قد يتغير نظام الحكم..و لكن الثابت هو تكالب الإنسان على اقتناء المواعين..و توظيفها و تصنيفها..
بالنسبة للطرفة..فهي تشئ عن تقاطع الثقافات..و لقد كنت اتحسس كثيرا في ايامي الأولي في كندا.. لأن معظم حلل الملاح تشبه القصرية..يعني من ناحية اسقاط باطني لم اتكيف الإ بعد برهة..
ايام الجامعة.. كنت كلما اذهب الى الإجازة..اكلف الوالدة (و هي فنانة مبدعة خلاص).. بان تصنع لي بخس صغيرة و تشفيها..و اقوم بتوزيعها على صديقاتي و اصدقائي..و في مرة اعطيت احد الصديقات بخسة طويلة الشكل و عادة في ثقافتنا المحلية نستخدمها للمياه (نظام زمزمية صغيرة)..و اندهشت حينما وجدت الصديقة جعلتها مقلمة.. تضع فيها الأقلام المختلفة..و الفكة (نقود)..و صباع مرتبط شفاه..و احمر شفاه.. الخ.. نحاول ان نخلق كتابة امينة مع اشيائها..من مبدأ ان اصدق الإثنوغرافيا.. هي تلك التي تنطلق من داخل الظاهرة الثقافية بواسطة عناصر تلك الثقافة و بصورة مباشرة.. يعني لمتين ننتظر الآخر الثقافي يجي يكتشف حاجاتنا و يكتب عنها.. ثم يعيد لينا الإنتاج لكي نؤمن بجمال اشيائنا..
كبر
02-27-2013, 08:31 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
فكرة البيت.. في مجتمع المدينة السودانية، مفهوميا تقوم على ايدولوجيا البطرياركية/البرجوازية الإسلامية.. فهي تفوم على مبدأ تعمير الأرض..و هذا التعمير يقوم على الإستهلاك المستمر..و بالطبع الإستهلاك يقوم على فكرة ان هناك طرف يبحث عن الربح...و كثيرا ما نسمع ان البيت هو جنة الفرد الخاصة..و ايضا هناك فكرة الستر و حماية الخصوصية التي تقوم على مبادئ الدين و التدين..و ماديا تقوم تقوم فكرة البيت على ثلاث اضلاع..المبنى نفسه..العفش (الأثاث)..ثم الأواني المنزلية..و الإنسان لا يعدم حيلة من تخريج تصنيفات و اسماء يلصقها على الأشياء..و قد يستغرب المرء كيف تحتمل اللغة كل هذا الإستهلاك و عمليات الترميز المستمرة..و ان كان الأساس الديني يحدثنا بان الأصل في تسمية الإنسان انسان هو خصلة النسيان..فان التسميات العديدة للأشياء و الأدوات و تصنيفها و تصينف استخداماتها.. هي مكابرة لنفي فكرة النسيان تلك (الإنسان في دواخله دوما انه اله بطريقة أو باخرى)..و بالطبع تقوم فكرة البيت على نوستالجيا تتشكل في ظاهرة القتال المستمر للفراغ..!
فكرة العمارة السودانية نفسها ، ترتبط بوجدان الإنسان السوداني و تصوره للكون و الأشياء..و من عجب ان اهم شكل معماري منتشر في السودان هو الشكل المخروطي الذي يشبه الهرم..اضافة لفكرة الهرم نفسها التي بدأت في الوجود مع الحضارات السودانية القديمة..وتجدر الإشارة الى انه في خارج المدن السودانية يلاحظ وجود الشكل المعماري المخروطي..و الذي يسمى في الثقافة الشعبية (القطية)..و لا ادرى هل لهذه التسمية علاقة بفن العمارة القوطي الأوربي أم لأ.. مع ملاحظة أن ان فن المعماري القوطي يتميز بثلاث عناصر: الأقواس..العقود المعمارية الحرة و الأكتاف أو الدعائم..و القطية السودانية فيها بعض من هذه العناصر..ماعدا غياب الأكتاف..و لكن الشاهد أن فن العمارة السودانية.. على الأقل حينما اصبحت المدينة ظاهرة اجتماعية سودانية.. لم يهتم كثيرا لفكرة القطية..و يندر ان تجد في المدن مباني تشبه القطية..و الأقرب هو المساجد و القباب..و هذه تسمى فن العمارة الإسلامي..و هو فن معروف عالميا..و التخلي عن القطية هو ثمة البرجوازية التي قلنا عنها قبل قليل.. لأن القطية كانت من اجل سد حاجة الإنسان من ناحية توفير المسكن..اما البيت السوداني الحديث اصبح يرتبط باشياء اخرى اضافة لسد الحاجة للمسكن.. لأنه اصبح يتطلب مواد بناء و عمالة و ديكور و حدادين..و سباكين.. يعني اصبح نقاطة للربح..استغربت و ان اقرأ في الألفية الثالثة عن مشروع لمنظمة براكتكل آكشن ، و هي تعمل في مخيمات اللاجئين/النازحين في دارفور..و هي تكتب مرشد للأهالي لكيفية بناء القطية..المدهش ان الإنسان السوداني يأتي من يعلمه كيف يبني المعمار الذي قام و شب عليه منذ الاف السنين..و قد يكون هذا بسبب التغريب الحضاري لأسباب عديدة..
كبر
02-27-2013, 08:44 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
يبدأ التقسيم بالسور..و يسمى الحوش..يبني بصورة مربعة أو مستطيلة ، و هي اشكال جمالية/هندسية مستلفة من ثقافات اخرى ليس من بينها الثقافات السودانية القديمة..و لكن حين الإنتهاء من بناء الحوش.. تظهر مشكلة الفراغ ، فيتم بناء الغرف..و تقسيمها و ترتيبها بصورة معينة..المرافق (حمام + مرحاض) في زاوية معينة..ثم على مسافة يكون الصالون.. ثم الغرف الداخلية..و يلاحظ تدخل الدولة التنظيمي في فرض شكل محدد ساد لحقبة من الزمن غرفتين على خلاف (اوضتين خلف خلاف)و بينهما صالة او برندة..على الأجزاء الخارجية تكون الأبواب..و دوما هناك باب كبير (باب الرجال) يشي عن محتوى البطرياركية التي قلنا عنها هنا قبل قليل..و لكن الإحالة الدينية تظهر في شكل اسقاط نفسي مرجعه القرآن..و لكي نوضح تلك الإحالة نتساءل من اين جاءت في الثقافة السودانية في المدينة فكرة أن باب الرجال لابد أن يكون كبير.. اكبر من باب النساء؟..في فقه الميراث.. يحدثنا القرآن ان للذكر مثل حظ الأنثيين.. أي ان نصيبه الأكبر.. اضافة لأية القوامة (الرجال قوامون على النساء)..و كذلك اية الشهادة في المعاملات (قانون) و ان شهادة الرجل تعدلها شهادة امرأتين.. فالأصل في الشهادة أن يكونا رجلين عدليين..و في غياب احدهما يمكن قبول شهادة امرأتين..هذه الأمور تشكلت كأسقاط نفسي لتبرير البطرياركية في الثقافة السودانية..و حينما يأتي الأمر الى فكرة البيت..تتجلي بصورة قد لا يعيها الكثيرون و الكثيرات.. فيكون باب الرجال اكبر من باب النساء..!
و الباب ظاهرة من ظواهر الحداثة الأوربية..و لكن في مجمل فكرته هو الحماية ، فالإنسان يقاتل الفراغ و في دواخله خوف عظيم..يحاول ان يداريه بالإختباء و الإختفاء في مكان ما..في الثقافات السودانية القديمة..و حتى الآن في بعض البلدات الصغيرة و القرى.. لا توجد فكرة الباب المصنوع من الحديد او الخشب مثلا..و انما تكون الحيشان من غير ابواب..و هذه الفكرة ، هي الأخرى لا تخلو من محمول ثقافي يمتثل نظام القيم..فكانت الفكرة أن المجتمعات امنة..و اهلها يعرفون بعضهم البعض..ولا حاجة للإختفاء خلف الأبواب..و في نفس الوقت هي فكرة مربوطة بقيم الكرم و الجود..بمعنى ان الأبواب الفاتحة أو الحيشان من غير ابواب.. كناية عن كرم اهل البيت المعني ..و انهم لا يتحرجون من استقبال الضيفان في أي وقت كان.. بيد أن تعقيدات المجتمع المديني افرزت محاذير جديدة.. فالمدينة لا يسكنها اناس يعرفون بعضهم البعض بصورة جيدة..و انما هم في الأساس ينحدرون من مجموعات مختلفة..و هذه التشكيلة افرزت ظواهر مثل الجريمة..فكان لابد من وجود الأبواب..!
كبر
02-27-2013, 01:09 PM
أبوذر بابكر أبوذر بابكر
تاريخ التسجيل: 07-15-2005
مجموع المشاركات: 8610
Quote: كبر يا كبر.. خريف العينة.. وصاحب الأواني الساحرة.. أواني تبدو فارغة أمام عيوننا الفارغة.. ولكننا نعلم أنها أواني مستطرقة، ومملؤة عن آخرها بماء المعرفة يضع يده عليها فإذا هي تتأنسن.. وإذا هي حية تسعى ..
الصادق الحسن..حبابك يا صديق كتر خيرك على هذه المطايبة.. اهو بنحاول نفهم جانب من جوانب الذات السودانية..و عسانا نوفق في تقديم الإضاءات..
كبر
02-28-2013, 03:12 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
و حينما ينتهى امر بناء الغرف (في محاولة لملء فراغ الحوش)..و هي الأخرى تكون عليها ابواب..و الفكرة هنا هي الستر أو حماية الخصوصية.. يجابه الفرد فراغ الغرف نفسها..و بالتالي يبدأ رحلة اخرى في معركته مع الفراغ.. فتكون الأسرة..و الدولايب..و الترابيز..و في التأريخ السوداني أن فكرة السرير تقوم على فكرة العنقريب..و العنقريب (خصوصا في المدينة) لا يستخدم عاريا/فارغا.. الإ في حالة نادرة..فلابد ان يكون هناك فراش عليها ..و في السابق كان يفرش البرش..اما اليوم ، بعد التطور و الدخول في عهود الطفيلية البرجوازية.. اصبح العنقريب سرير..و عليه مرتبة..و على المرتبة ملاءات..ثم مخدات ..عليها اكياس مخدات..و هكذا..!
في ثقافة الغرب الأوربي.. ليس لديهم ابواب للرجال و اخرى للنساء (على الأقل في العصر الحالي)..و انما لديهم اساس للتمييز البطرياركي..و يقوم على اساس ان اشياء الرجل اكبر..بمعنى يوجد سرير كبير (كنج سايز) في منتصف الغرفة..ثم يتم ملء الفراغ بادوات اخرى.. في المجتمع السوداني..تجلت هذه الظاهرة في تقسيم العنقريب/السرير..و اصبح هناك سرير نوم.. يكون في غرفة النوم الرئيسية..و يكون حجمه اكبر من الأسرة الأخرى كتلك التي في غرف الأطفال أو الصالون..و الأحجام و التصنيفات تقوم على ثقافة الإستهلاك في المجتمعات الغربية.. مثلا سرير سنقل.. سرير دبل.. سرير كنج سايز.. سرير كوين سايز..!
كبر
02-28-2013, 09:12 AM
تيسير عووضة تيسير عووضة
تاريخ التسجيل: 12-20-2005
مجموع المشاركات: 7136
و ان كان دور الرجل (نحو انسنة الفراغ) يتركز في اختيار قطعة الأرض ثم بناء الحوش و الغرف..فيكون دور المرأة في داخل البيت أن تملأ الفراغ الداخلي (انسنة الماعون)..فالأثاث/العفش.. و الأواني..تكون هذه مسئولية المرأة..و التي بدورها تبدأ معاركها الخاصة مع الفراغ.. فتملأ البيت بالأواني و الأثاث..و هنا قد تتدخل عناصر اخرى.. مثل الديكور..و كيفية ترتيب الأشياء في البيت..مثلا لا يمكن ان يوضع سرير النوم الكبير في المرحاض..صحيح قد يقول قائل بان المشكلة هي مشكلة حجم السرير و مساحة المرحاض و عدم التناسب بينهما..و لكن هب ان لديك مرحاض بمساحة كبيرة ..هل تضع السرير الكبير في المرحاض؟.. بالطبع لأ..
كنا مرة مجموعة شباب من مدينة الدلنج..و ذهبنا لزيارة منطقة الفرشاية في شمال الدلنج..و قدمت لنا وجبة الإفطار و التي كانت تحتوى على عصيدة بملاح رووب رهيب..ولاحظت أن صديقي عادل اسماعيل رفض ان يتناول الوجبة معنا..و حينما استفسرته.. كانت فكرته عبارة عن احتجاج.. ليس على نوع الطعام أو جودته و انما على الآواني المستخدمة..فكانت العصيدة في صحن زجاجي (بايركس)..و كان عادل هذا ، يرى ان هذه اساءة ما بعدها اساءة للتراث.. لأن العصيدة يجب ان تكون في قدح مصنوع من خشب الحميض أو الزان..!!!
المرأة السودانية ، خصوصا في المدينة ، تسقط تصوراتها الجمالية و الإيمانية على الأواني التي تختارها لملء الفراغ.. فمثلا.. تحرص المرأة على اقتناء الأواني باشكال مختلفة.. الوان مختلفة.. احجام مختلفة.. ثم تخريج استخدامات مختلفة.. مثلا.. لا يمكن لسوداني ان يشرب عصير ليمون على انية حلة الملاح..و لا يمكن أن يستخدم صحن سيرويس لغسل الملابس عليه..هذا بالطبع في حالة كونه من الطبقة الوسطى أو الدنيا ولا يملك غسالة ملابس..! فكرة ملء المرأة السودانية في مجتمع المدينة للفراغ البيتي..قد تكون هي الأخرى اداة لمقاومة البطرياركية..فهنا يلاحظ ازاحة في الأدوار..و اعتراف ضمني بالوجود..و يندر ان تجد رجل مدينة سوداني يشترى الأواني.. أو يختار شكل الصواني و الصحانة و كبابي الشاي..او دولاب العدة.. أو تربيزة العدة..ولا يجرؤ رجل سوداني ان يحدد اين توضع مثل تلك الأشياء..فهل قابلكم رجل سوداني يقول بان فضية العدة مثلا يمكن ان توضع في الحوش ..بمعنى او ما تدخل البيت تجدها امامك؟..هذه لا يحدث لأن نظام القيم فرض مسبقا الأدوار و طريقة تقسيمها..!
هناك مبدأ ديني يقول (النظافة من الإيمان).. يعني فعل النظافة هو ممارسة ايمانية..و هذا المبدأ تستفيد منه المرأة في مجتمع المدينة السودانية في قتالها مع الفراغ.. فالأواني كما قلنا عديدة..ولا توضع هكذا جزافا لملء الفراغ..و انما تتم مراجعتها بصورة دورية و غسلها و تنظيفها..وهنا تأتي قيم الإتيكيت و الزوق و اللباقة..فمثلا.. ماذا يحدث لو شرب ضيف بكباية شاي ..ثم تم صب الشاي عليها دون غسلها و تقديمها لك؟.. اكيد سوف تستهجن هذا السلوك..!
كبر
03-01-2013, 08:09 PM
عبد الله فقير عبد الله فقير
تاريخ التسجيل: 01-31-2013
مجموع المشاركات: 453
و الفراغ نفسه .. في آخر المطاف .. ليس فارغا أبدا بل ماعون لكل لبنات الكون و طاقته الغريبة !!
العزيز / كبر تحاياي يا صديق لا أزال أذكر حتى الآن جلستي على ضفة النيل تحت عمود الإنارة عام 1992 و أنا أقرأ بحماس و إثارة فصلا في كتاب "الفيزياء المسلية" بعنوان غريب (الفراغ ليس فارغا) .. كانت صدمة لي أن أرى ما حسبته تلاعبا لفظيا حقيقة أحسستها جميلة !! .. العادة فقط هي ما يجعل من الأشياء مألوفات بحسنا رغم غرابتها البائنة .. أحب العلوم لأنها كالخيال قادرة على خلق إحساس الدهشة الأولى بهذا العالم العجيب
و شكرا على الكتابة الماتعة محبتي
03-03-2013, 00:51 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
في الثقافات السودانية القديمة.. كانت هناك انية تسمى الطبق..و تصنع من السعف (جريد النخل أو الدوم أو الدليب)..و لكن حينما دخلت المدينة (كأختراع اوربي يمتثل قيم الحداثة الأوربية).. تم استبدال الطبق بالصينية..المصنوعة من الحديد.. ثم الألمونيوم لاحقا..الى اندثارها البطئ في مجتمع اليوم..في نفس الوقت كانت اواني الشرب تصنع من القرع المر (كاسات)..و لكن تم استبدالها بادوات بنفس الشكل و اصبحت تسمى الواحدة منها (كورية/سلطانية..)..و هذا التحول بالتأكيد مرتبطة بالحداثة التي تسعى لإنتزاع الربح من عيون الشيطان نفسه..لأن الأواني المعدنية تقتضي الصناعة..و الصناعة تقتضي مواد خام و مصانع و عمال و ادارات .. لغاية مرحلة الربح الصافي..!
و المرأة السودانية في مجتمع المدينة..هي التي تخلق قوانين استخدام الأواني.. فهي التي تحدد كباية العصير.. كباية الشاي.. فنجان القهوة..و يندر ان تجد امرأة سودانية تصنع ملاح في براد شاي مثلا..و هذه المسألة هي الأخرى مستلفة من الثقافة الغربية الأوربية..و قد تمت الإستفادة منها في صناعة الإعلان..فدوما تجد أن رسالة الإعلانات هي موجهة بالأساس للمرأة..و اذكر مرة ذكر صديقي ابكر ادم اسماعيل ملاحظة في هذا الخصوص..فكنا نشاهد التلفاز و كانت هناك دعاية امواس حلاقة الذقن..و ان المرأة تتواجد في الإعلان بنسبة اكبر من تواجد الرجل.. و كان تحليل ابكر أن المرأة يمكن أن تفرض على زوجها شراء هذه السلعة و ذلك بانها مسئولة عن ديكور البيت..و بالتالي ديكور زوجها هو جزء من هذا الديكور العام..!!!
كبر
03-28-2013, 11:08 AM
Kabar Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18537
(4) في زمن الأواني المنزلية المصنوعة من الحديد..خصوصا الصحانة و الكوريات.. كان يلاحظ في الوانها غياب اللون الأسود..فيندر ان ترى صينية طلس سوداء اللون أو بنية اللون..و كذا الأمر بالنسبة للكوريات السلطانية..وكان اللون الأبيض هو الغالب..و جينما تتأمل نفس الأواني حينما كانت تصنع من الخشب.. تلاحظ ظهور اللون الأسود أو البني الغامق..و حينما تتأمل المرأة السودانية في مجتمع المدينة تلاحظ التهجس باستخدام الكريمات لفتح البشرة و التي يكون اقصى غاياتها أن تكون بيضاء.. فهل المرأة السودانية في المدينة متماهية مع اوانيها المنزلية (المواعين) الى هذا الحد؟.. هل في دواخلها فكرة اتساق الديكور لدرجة ان يكون لون بشرتها مثل لون اوانيها؟..هنا تظهر اشكالية مرتبطة بوعي الهوية..و البعض يظن خطأ ان فتح لون البشرة في المرأة السودانية هو محاولة التشبه بلون العرب و الذي يعتقد انه ابيض..!
قد يكون ذلك التبرير صحيح جزئيا..و لكن السؤال من يصنع هذه الأواني؟..بالطبع فكرة الصناعة معظمها مرتبطة بالمجتمعات الأوربية و الأسيوية..و مؤكد أن الحضارات السودانية القديمة هي من الحضارات الأولى في صناعة الحديد (مثل حضارة مروي)..و تلك الحضارة لم يكن اللون الأبيض هو اللون الغالب فيها..و انما اللون الأبيض يشي عن محمول ترميزي مرتبط بالإستعمار و حملاته..و معروف ان تلك الحملات كانت تستهدف الإنسان في نظام قيمه (بصورة معنوية) و في مكتبساته و مقدراته الإقتصادية (بصورة مادية)..فالصانع دوما هو افضل من المستهلك..و لكن الصانع لا يرمي بصناعته و يذهب في حاله..و انما لابد أن من خلق تصورات و تهيؤوات تدفع المستهلك لإستهلاك المصنوع و بكثافة..! و هذا الأمر مرتبط ايضا بالحنين الى الماضي.. فواقعة صديقي عادل عن تخريب التراث بوضع العصيدة في صحن البايركس..هي محاولة يائسة للمقاومة..!
يندر ان تجد امرأة سودانية في المدينة تضع من ضمن اسرتها عنقريب (بكل معناه التقليدي)..لأنه اصبح من ادوات الماضي..و لكن لأن الإنسان بطبعه تتملكه نوستالجيا نحو الجنة (و هي ماضي بالنسبة للإنسان اليوم).. فدوما تتملكه نوستالجيا نحو الأشياء القديمة..و اليوم نجد العنقريب اصبح مرتبط بطقس الزواج.. خصوصا حنة العريس..و حينما نتعمق في هذه الممارسة.. نجد انها نزوع خفى نحو الطبيعة.ز فالعنقريب التقليدى.. يصنع من خشب الأشجار و يجلد بالحبال (سعف/كناف/سيور جلد الحيوان..)..بينما سرير الحديد اصبح يصنع من الحديد لحقبة من الزمان..ثم لاحقا عاد الأمر للخشب مرة اخرى..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Kabar
عماد البليك
محمد على طه الملك
أبوذر بابكر
تيسير عووضة
عبد الله فقير
فردوس جامع
محمد قرشي عباس
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست