|
جحيم الاغتراب.. قصة قصيرة / فاطمة الإمام..
|
Quote: جحيم الاغتراب
أرسل نظراته خلال زوج من عينين كانتا أشبه بنصفي بيضة مسلوقة نصف ناضجة وضعت على صحن خشبي مثقوب تحت وسطه قليلاً لتبرز أسنانه من خلال تلك الفتحة الافتراضية. إنه جحيم الاغتراب الذي رفد الجانب الآخر لشخصيته وجعل من حركته أشبه بزحف صحراوي عنيد.. يحاول الوصول لنقاط جديدة مخلفاً مساحات من الجدب والجفاف المريع. تنفس بعمق وهو يتناول سيجارة ناحلة أراد لدخانها أن يطغى على سحائب التفكير التي كانت تلتف حول رأسه في طريقها إلى غير وجهة محددة. ابتسم الوجه الخشبي، فتمايل الجسد الوهمي تيهاً.. انجذبت إليه جميع الفراشات المقيمة في تلك المنطقة بعد أن جعلت منه تلك الابتسامة وردة مصنوعة تضاهي الورد الطبيعي جمالاً وألقاً وتنقصها نضرة وتورداً. تقاطرت الفراشات وبدأت محاولاتها اليائسة لجمع أكبر كمية من الرحيق. عبأ الوجه الخشبي روحه بصبر جميل مستسلماً للاختبار الروتيني. جثمت الفراشات على كل مسام في جسده، تمتص الرحيق حتى أصيبت باسوداد الدم وهو مرض قد ينتج بسبب التغذي على دم يضخه قلب أسود. فالدم الأسود في اليوم الأسود، على ما يبدو. أصيبت الفراشات بأعراض حال دون تشخيصها محدودية الإمكانات. تكومت الفراشات الواحدة بعد الأخرى على الأرض، طلبت منه ممثلتها التي كانت قد فوضت قبل وقوع الأزمة –وحسب اتفاق سابق- أن يحكي نكتة ما حتى يضحك فيخف دمه، لتقل حدة الأعراض التي داهمت الفراشات. عندما حاول أن يفلت من مداره النفسي المعطوب، فوجيء بأرتال من الفراشات وهي تفترش الأرض ميتة لا حراك فيها. انحنى ليتقطها الواحدة تلو الأخرى. امتلأت سلة الأوساخ الأولى، ثم الثانية الأكبر حجماً، ولم تزل الفراشات تتزايد في أعدادها وهي ميتة كميتة الجاهلية الأولى.. واصل انحناءه ليلتقط المزيد من الفراشات المنتحرة دون قصد، إلا أن وجهه اصطدم بنتوء لأحد السرائر الحديدية الصلبة.
اهتز الصحن الخشبي وانشق، فجرى ناحية المخرج الكبير ليتخلص من حرج عدم امتلاك وجه آخر. تحول الصحن الخشبي إلى قطع صغيرة، ووقعت العينان اللتان كانتا أشبه ما تكونان بنصفي بيضة مسلوقة نصف ناضجة ففقدت على الأرض عند وقوعها شكلها نصف الدائري. سقط الفم وتناثرت أسنانه كحبات مسبحة انفرط عقدها، وتلوى اللسان كذيل ثعبات ضخم بتره صياد "أشتر" واستمر في التلوي زحفاً وكأنما كان يملك سبعة أرواح زهقت الواحدة تلو الأخرى، حتى استقر كقطعة فراء داهمتها الماء ففقدت صلابتها والتصقت بأي سطح وجدته. وقعت السيجارة على نشارة الخشب التي كانت قد تناثرت لتوها فالتصقت شرارة السيجارة بالنشارة. شيئاً فشيئاً، تصاعدت سحائب الدخان كثيفة بعد أن احترق كل ما على الأرض من فراشات وعيون وأسنان كحبات المسبحة وشفاه فاغرة وأنف كبير وأفكار كادت أن تتشكل كجنين جاء مبتسراً في غير موعده، وكان ذلك أشبه بعودة من اغتراب في زمن أعقب تخشب الوجه أثناء تحديقه في الخيل والليل، وبات السيف والرمح والقرطاس والقلم تعرفها بيداء الآخرين. L · [/QUOT
|
|
|
|
|
|
|