د. النور نادر النور يكتب عن "فركة" و عما دار في منبر الجمعة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-27-2024, 09:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-17-2013, 11:27 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. النور نادر النور يكتب عن "فركة" و عما دار في منبر الجمعة

    لا أزعم أني ملمٌ بالنقد الروائي، بل أني لم أقرأ فيه كتاباً واحداً، إذ لم يستهويني البتة. أرى أن معظم النقاد أرادوا أن يكونوا مبدعين، فلما أعياهم ذلك تحولوا إلى نقد الإبداع بدافعٍ من العجز حيناً، و من الحسد حيناً آخر، و من الغيظ أحايين أكثر. أيضاً، هذه الرواية فازت بجائزة الطيب صالح، بعد أن خضعت لتحكيمٍ من قِبَلِ مختصين في النقد الروائي، و لذك تأتي أي قراءة فنية من غير المختصين، أمثالي، في غير موضعها.

    في هذه المقالة، أود الخوض في حيثيات ندوةٍ أعتدنا تنظيمها كل أسبوعين بدار الجالية السودانية بتورونتو بكندا. كان موضوع ندوة الأمس هو كتاب فركة للكاتب طه جعفر. بما أني لا أقدم نقداً فنياً للرواية لعدم معرفتي بأساسيات و أساليب النقد الأدبي، فلا أرى حرجاً أن أكتب بعض انطباعاتي عن الندوة و موضوعها.

    في البدء أشير إلى أنني قد قرأت الرواية، و قد شدتني لدرجة أنني لم استطع تركها إلا بعد ان فرغت منها تماماً. شدني في الرواية أحتواؤها على معلومات و معارف كثيفة لدرجة أنها أثقلت الرواية، و جعلتها أقرب إلى العمل التثقيفي منها إلى العمل الفني. أحاط الكاتب بكل موضوعات روايته، فوصف و شرح مفرداته للقارئ لعلمه بجهل معظم السودانيين لمعانيها، و إن ألِفوها سماعاً دون تفكرٍ فيها. بالرواية وصفُ دقيقُ لمدن ذلك الزمان كشندي حاضرة المك، حتى ليخال إليك أنَك تتمشى بين شوارعها، و تتسوق من دكاكينها. كذلك، هناك وصفُ دقيق لأزياء الرجال و النساء في تلك الحقبة، و أنواع الأطعمة و الأشربة و الأغاني، و غيرها، و وصفٌ أكثر دقةً لقرى جبال النوبة و معتقداتهم و كل صور حياتهم.

    في رأيئ، أضعف الندوة عدم قراءة معظم الحاضرين للرواية، و لذلك انصرفت مداخلاتهم لموضوع الكتاب و هو الرق في السودان. بدأ الأستاذ عدنان زاهر المداخلات بقوله أن ما يضعف من جودة الرواية اعتمادها أسلوب السرد المباشر، و رد عليه الكاتب بأنه يحق له اختيار أسلوب الكتابة الذي يعجبه، و أن هناك روائيين عالميين يتبنون هذا الأسلوب.

    أرى أن الكاتب لم يوفق في الرد على هذه النقطة، و اعتقد أنه كان سيكون أكثر توفيقاً لو قال إن أسلوب السرد المباشر باستخدام لسان الراوي يناسب أحد أهداف الرواية، و هو إحداث صدمة للقارئ للإحساس بمدى بشاعة عملية الرق و ما يرافقها من اضطهاد و انتهاك لإنسانية الرقيق. أيضاً، الأسلوب المباشر أقرب للكاتب الذي يجتهد في تعريف الآخرين بشخصه بشفافيةٍ نادرة. فهو يتحدث كثيراً عن شربه الخمر و حبه لها ليقول لمستمعه أنه إذا لم يخجل من الفعل، فلن يخجل من التكلم عنه، بل يسره أن يعلم الناس أنه يفعله، و هذا الأمر لا يروق الكثيرين. لا يمتنع معظم الناس عن فعل ما هو شائن في عرف و نظر المجتمع، و لكن يغضبون و يثورون إذا عرف الناس ذلك عنهم، و هو نوع من النفاق الاجتماعي الذي يقبله عامة الناس.

    سألت الكاتب عن خلو الرواية من التحليل النفسي العميق، و أنا أعلم أنها ليست كذلك، و إنما أردت إعطاءه الفرصة ليبين لمن لم يقرأها بعض جوانبها. أجابني، بغضب و حدة أدهشت معظم الحضور، بأن هذا هو إنتاجه، و أن على الآخرين إبراز إنتاجهم الخاص. أعتقد، أيضاً، أنه لم يوفق في الإجابة. كنت أعتقد أنه سيقول إن الرواية مليئةٌ بالمقارنات المباشرة و غير المباشرة ذات الإيحاءات النفسية، و أنَه أراد إظهار التناقض بين الأسياد و الرقيق. فمثلاً، عند موت تية، إبن عم فركة، تركوه دون دفن أو مراعاةٍ لحرمة الميت، و لكن حين قتل الثعبان حارسين من حراس القافلة، فقد صلوا عليهما و قبروهم بما يليق من إكرامٍ و إطراقٍ. كذلك المقارنة بين أزياء الرقيق و الأسياد، حيث أسهب في وصف أزياء الحرائر و مدى احتشامها و سترها لصون الحرة من نظر المتطفلين، ثمَ أبان أنَ الرقيق يلبسن الرحط فقط، و هو مجموعة سيور جلدية رقيقة تتدلى من وسط الفتاة، بحيث تكون الفتاة المسترقة مباحةً للناظرين، ثم تحدثه عن تسمية الرقيق نساءً و رجالاً بأسماء حاطةٍ للقدر حتى يتعود الرقيق على الذل و تموت لديهم النخوة و عزة النفس. هذان الشيئان، أعني نوعية الملابس و الأسماء، يهدفان إلى كسر نفس الرقيق، فلا يفكرون في الثورة على أسيادهم، بل، يكونون أكثر ولاءٍ لهم من أولادهم، و لذلك فما يلقاه العبد الآبق من العذاب على يد الرقيق أشد و أنكى مما يلقاه من سيده نفسه، و إذا مات أحد الأسياد، يندبنه رقيقه و رقيق جيرانه أكثر من أمه و زوجه أو أخته. يبدو هذا جلياً في وفاة حسان بن المك، الذي كان خامل الذكر و الهمة، و مات و الأمجاد المنتظرة منه لم تتم، بل لم تبدأ أصلاً. بالرغم من ذلك، بكاه رقيق أمه و أبيه، فكن يندبن و يتحسرن على موت الرجل الذي ألهب ظهورهن بسياطه، و انتهك أجسادهن بسادية و غلظة تركت أثاراً باقيةً على أرواحهن و أجسامهن المثقلات بأعباء الخدمة ليلَ نهار. أيضاً، الإشارة إلى العلاقة بين نوبة الجبال و نوبة الشمال حين رأت فركة رسوماً على الأهرامات تشبه تلك الموشومة على كتف أبيها و رجال قبيلتها، ثم القارنة بين طيبة فركة و قومها، الذين وثقوا بالغريب الذي لم يأتهم منه غير الشر، و بين خبث و مكر و سؤ أخلاق النَهاضة، و هم صائدوا الرقيق، و اغلبهم من العرب.

    كذلك كان يمكن للكاتب لفت النظر إلى إسهابه في وصف الأنادي و العاملات بها، و الخدمات التي تقدم لزائريها من طعام و شراب و جنس و ترفيه، و أهم من ذلك أن هذه الأنادي يملكها علية القوم كالمك و وزراؤه، و أنَ الرقيق يستخدمن فيها كمورد اقتصادي، ليس إلا. بهذا، أراد الكاتب أن يعرف القارئ بأن قنص الرقيق و بيعه و استخدامه كان أمراً فاشياً في المجتمع لدرجة أن الناس ألِفوه، فلم يعودوا يتحرجون أو يتأثمون منه. جاء ذلك في وصفه للزاكي و عوض الكريم، فعلى الرغم من وحشيتهما في قنص الرقيق و قتل من يعترضهما، إلا أنهما يصليان الصلاة لوقتها، و يعرفان كيفية تجهيز الميت و الصلاة عليه و قبره. كذلك، أبان أن الكل شارك فيه، فالنهاضة عرب، و حراسهم من دارفور و كردفان، و أصحاب زرائب الرقيق و ملاك الأنادي من كل بقاع السودان، حتى أنك لتجد في شندي تاجراً من شرق السودان! ضمن هذا الإطار، احتفى الكاتب بنوبة الجبال، فوصف صدقهم و كرمهم و نخوتهم، كما أشار إلى معتقداته في الأسبار و الكجور و قوى ما وراء الطبيعة التي يتمتعون بها، و بساطة حياتهم و بعدها عن الزيف، و احتفالاتهم بكل مناسبةٍ تمر بهم، كالزراعة و الحصاد و الزواج و الموت و غير ذلك، و كأنه أراد أن يشير إلى خواء حياة العرب و انغماسها في الترف المادي و تمحورها حول الزيف و الإدعاء. فالمك رغم هيبته و جلاله، يرغب في فتاةٍ من رقيقه، اشتراها بما يجمعه من الأنادي التي يكسب له فيهن رقيق مثلها.

    أيضاً، سألته عن حقيقة أنه باختياره لموضوع الرق نكأ جراحاً لم تندمل قط دون أن يقدم حلولاً لها، فأجاب بأنه لا يحق للقارئ إملاء رأيه على الكاتب، و بالطبع ما أردت ذلك. توقعت بأن يجيبني بأنه لم يقدم لها الحلول لأنه يريد للمجتمع أن يحلها بنفسه عبر التصالح و الاعتراف بمرارات الماضي و الإعتذار عنها، و أنه ختم الرواية بدون ذكر حلٍ لها ليشير إلى أن المشكلة ما تزال حاضرةً و بارزة للعيان.

    يمكن أن لا تكون للعمل الفني غايةً غير الإبداع، و لكن تزيد قيمته و يخلد عندما يضيف للهدف الإبداعي اهدافاً أخرى كالإصلاح الاجتماعي، و هو ما يحاوله الأستاذ طه جعفر عبر انتقائه لمواضيع رواياته. للقيام بذلك، أرى أنه يلزم الكاتب أن يكون واسع الصدر صبوراً، فلعمري، ما نجح مصلحٌ إلا بصبره على قومه. أيضاً، أرى أنَ الأستاذ طه جعفر ينفق وقتاً كثيراً في الكتابة في سودانيز أون لاين، و إني على يقين من أنه لو وجه هذا الجهد للرواية لأبدع و أجاد أكثر، و ليته يفعل.

    أختم هذه الانطباعات باعتذاري للكاتب إن فهم قصدي بغير ما أردت، و يحق له ذلك و لا تأثيم عليَ، فنحن لا نحتفي بمبدعينا إلا بعد أن يحتفي بهم الآخرون، أو بعد وفاتهم، و إن شاء الله يوم شكرك يا طه ما يجئ.

    د. النور نادر النور
                  

03-17-2013, 11:37 PM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. النور نادر النور يكتب عن andquot;فركةandquot; و عما دار في منبر الج (Re: طه جعفر)

    حفاوة مثقفي تورنتو برواية فركة
    اعجبتني
    رغم النقد اللاذع
    لكنهم اهتموا و هذا ما اشكرهم عليه
    ستصدر طبعة ثانية لفركة هنا في تورنتو
    و ستكون ميسورة لمن أراد عبر اساليب ترويج
    جديدة من شاكلة الكندل و عبر الامازون دوت كم

    دكتور النور لمن لا يعرفه
    فهو استاذ علم المحاسبة في جامعة الخرطوم لسنوات مضين
    و تربطني به علائق و وشائج عميقة
    اهتم برأيه و احترمه
    فهو سليل اسرة مهمة في تاريخ السودان وهم اشراف كركوج
    و هو من تلك الأرومة يرد
    و يوردنا معه مراقي السلوك النبيل و الفكر النبيل المتاسمح
    فله الشكر
    و الشكر لبكري عبد الرحمن الذي تكرم بنشر ما كتبه دكتور النور في مقالات سودانيزاونلاين
    فالرجلين من اهل المكارم و من اصحاب الفضل

    منتدي او منبر الجمعة الذي تنظمه عضوية الجالية السودانية في تورنتو منتدي متنوع المشارب يقدم كل اسبوعين متحدثا عن موضوع
    او عن كتاب و يتبادر الناس الي حوار فكري ثر يغني المعرفة و يرتقي بالشعور
    فلتدم مبادارا ت جالية تورنتو مهمة و جديرة بالتقدير
    استضافني المنتدي في يوم الجمعة 15 مارس 2013
    ودار حوار مدهشعن رواية فركة
    ادار الندوة الاستاذ الغالي الفاضل الهاشمي وامها جمع من مثقفي تورنتو و المهتمين بقضايا الوطن

    طه جعفر
                  

03-18-2013, 03:22 AM

طه جعفر
<aطه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7322

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. النور نادر النور يكتب عن andquot;فركةandquot; و عما دار في منبر (Re: طه جعفر)

    فوق
                  

03-19-2013, 12:26 PM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. النور نادر النور يكتب عن andquot;فركةandquot; و عما دار في منبر (Re: طه جعفر)

    سلام يا طه...

    وشكرا لدكتور النور..



    لكن يا طاه كدي النسعلك .. انت وقت يسعلوك بتحمبك وتتنفخ مالك وتحتد مع الساعلك ؟!
                  

03-20-2013, 08:50 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. النور نادر النور يكتب عن andquot;فركةandquot; و عما دار في منبر (Re: HAIDER ALZAIN)

    Quote: حفاوة مثقفي تورنتو برواية فركة
    اعجبتني
    رغم النقد اللاذع
    لكنهم اهتموا و هذا ما اشكرهم عليه


    والله نحن زاتو قاعديـن نهتم.. ورغم انه نقدنا غيـر لازع وبنستفسر فقط لاغير ..
    لكنك ما بتشكرنا على الاهتمام..

    يكون السبب في كدة شنو يا ربي ؟!
                  

03-24-2013, 11:31 AM

HAIDER ALZAIN
<aHAIDER ALZAIN
تاريخ التسجيل: 12-27-2007
مجموع المشاركات: 22434

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. النور نادر النور يكتب عن andquot;فركةandquot; و عما دار في منبر (Re: HAIDER ALZAIN)

    كالعادة .. الروائي يطلب الاهتمام ثم لا يرد على التساؤل..

    او " يزعل ويحتد من النقد " كما عبر عن ذلك د.النور نادر..

    المهم حتى واعبر عن اهتمامي بالكاتب والرواية.. ولاني - لحسن الحظ - لم اقرأ ولم اسعى ولا اهتم - لقراءة فركة .. لكن عبرت عن اهتمامي بقراءة اراء بعض النقاد فيها..
    وكما قرات لـدكتور النور نادر لنرى ناقد اخر تناولها بالنقد فماذا كتب وقال مع تحياتي للكاتب والذي اتمني ان يستضئ دكتور النور برايه ايضا حيث يعتبر دكتور النور نفسه غير ناقد..
    مع امنيتي ان لا يعتبره منبع حسد وغيرة كما يظن الكاتب والروائي " الحاد الزعلنجي " طه جعفر تلك الخصلة في كل من ينتقده ...



    ا
    ثمة إحساس انتابني وأنا أتابع ندوة روايتي فركة وقونقليز الفائزتان بجائزة الطيب صالح للرواية، والتي يرعاها مركز عبد الكريم مرغني سنوياً ويفتح أبواب التنافس للمتبارين لها، وكانت هذا العام من نصيب الكاتبين طه جعفر وهشام أدم.

    رواية فركة التي منعتها السلطات وأفرجت عنها لاحقاً كانت هي محور الحدث الاحتفالي الذي أتخذ مظهر الندوة النقدية، ولم يكن في رأيي سوي مهرجان صغير عند منحني زائف من من مسارات الصراع السياسي المتنفس عنه ثقافياً. حين عدت (بفركة) للمنزل _(فركة)الرواية وليست فركة الأخري بطلة الرواية وصاحبة العنوان التي صممها الكاتب بموصفات لا تستدعي سوي الرغبات والشبق (للنهاضة) تجار الرقيق والجلابة الدائرة أمانيهم في فلك من الرغبات الجسدية كما تخبرنا الرواية_ بدأت بقراءتها من موقعي كقارئ فقط لا أكثر، ثم رغماً عني لم ينفتح حواري وسؤالي مع النص علي متنه السردي وتقنيات الحكي عند الراوي، والتي كانت وحسب وجهة نظري عادية جداً (ومدفوسة) بعجلة مسافر تهم راحلته بالانطلاق بين ظلال أخيلة السياسي الكثيفة؛ لا في ذلك البعد الجمالي المحض والمتعلق ببنية العمل السردية ولكن في الوصف العادي واليومي لتحديد مفاصل القول السياسي كخطاب ومفرده مغموسة في الأيدلوجيا والتناول المباشر أو إن شئت قل اللون السياسي كممارسة تنتظم في حوار اليومي كنشاط ممارسة وشعار منحازة لموقفها بنفس بساطة أسئلة التصنيف العادية للانحياز والانتماء ( اللون السياسي) .

    يمني العيد الناقدة اللبنانية الكبيرة كانت تقول في أحدي مقالاتها النقدية بمجلة الطريق الأدبية والتي حولتها لاحقاً لكتاب، أن الأدب وفي حقيقته هو إزاحة دلالية للغة من سياق القول العادي الي مستوي الجمالي تضمر فيه الأيدلوجيا إلى أقصى حد داخل سياقاته ولغته الشعرية المزاحة عن موضعها وهي العملية التي تقدمه كنص أو رواية أو قصيدة، محايد ومكتفي بصنعته الجمالية وحدها دون سواها، ولكنها في نفس الوقت تقول بأن فضاء النص هو فضاء العبارة وان فضاء العبارة يحوم في فضاء أيدلوجي لا ينفك من أسرها، حيث أن عملية صناعة الأدب نفسه تقوم علي إزاحة الأيدلوجيا عنه شكلياً لا موضوعياً، لذا بحثت عن موقع الراوي في الشكل وفي تجليات ذاته الكاتبة في النص المختفية خلف النصوص وهو تحديد لا يتم إلا بمنهج؛ باعتبار أن المنهج هو نسق الأدوات المفاهيمية المستثمرة لإنتاج المعرفة بالأدب، واٍن كان خطاب النقد نفسه لا يفلت ربق النوايا فهو دائماً مشروط بظروف الصراع المجتمعي وبإشكال وصور ممارسة هذا الصراع في الحقل الأيدلوجي، ولا يعني ذلك أن النقد يعكس أو يلخص لحظات التناقض والصراع السياسي ولكنه جزء منها فاعل فيها قائم ضمن علاقاتها، ويقرأ مادته من النصوص التي يشتغل عليها وفقاً لموقعه، ويمكن له في ذلك أن يشحذ منهجه بشكل يجنبه مخاطر هذه الانحياز، متى ما تسلح بالموضوعية المطلوبة التي تعطيه هويته المعرفية، المستندة علي حقائق المنهج لا غيرها.

    ومن هنا بدأت افهم معني هذه الاحتفالية العارمة وحماسة ذلك الناقد الفصيح الذي يحاول أن يخفي غبطته بهذا النص الذي صادف هواه وأشواقه، في تراكيب الخطاب السياسي والفكري الجديد الذي أفرزته الأزمة التاريخية في السودان وأسئلتها في السياسة والسلطة والثروة والبعد العرقي لتركيبة النخب الحاكمة وعلاقة ذلك بسيادة وهيمنة الثقافة العربية الإسلامية، وما يدور حول ذلك من جدال، فبدأ الأخ الناقد مثل طالب في ركن نقاش جامعي، يعيد تكرار كلامه حول البنية المهيمنة ومرارة الرق الذي حاولت الرواية أن تعالجه ادبياً، وبين لحظة وأخري يستدرك في غمرة استعراضه (الأنسكلوبيدي) للمراجع والمؤلفين أن يحدثنا عن المفهوم (الأبستيمي) لقوله، والذي يعني به السلطة كموضوع معرفة لا مجال متعين، وتُهنا معه في تلك الفوضى المنهجية خصوصاً وأن الورقة نفسها لم يقم مركز عبد الكريم يمرغني بطباعتها وتوزيعها علي الحضور حتى نعرف مقصده، والناقد الذي كان يتحدث من ورقة أمامه، ولم يكن في كلامه يختلف كثيراً عن نبرات الخطاب السياسي، ألفناه في تعابير القراءات الثقافوية المحتدة والجامحة في التفسير، بفعل الشطط التاريخي السياسي والاجتماعي القائم في مفاصل السلطة، والذي لم يفسح مجالاً للتعدد الثقافي والعدالة في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن يعبر عن نفسه؛ بفعل سياق اجتماعي تاريخي صاحب تكون الدولة السودانية وطبيعة القوي الاجتماعية التي أدارت شؤونها، فشحذ هذا التيار الثقافوي سهامه باتجاه خاطئ للمكون الثقافي العربي في السودان، في تنميط سطحي وساذج دون أن ينتبه الي المواقع المختلفة للأفكار والتيارات في البنية السياسية والاجتماعية ومواقفها (إزاء) ذلك يتاجر بالعرقي والثقافي ، ونسي صاحبنا وهو يتحدث عن البني المهيمنة بماركسية (مشي حالك) تلك أن يُلزم منهجيا وموضعياً المصطلح المفهومي لفكرة البني المهيمنة إطارها المنهجي الضروري لفهمها وهو السياق التاريخي الذي يحمل أللأطر القيمية والأيدلوجية للرق كعلاقة اقتصادية في أسسها المادية، ومستوي آخر أيدلوجي يحمل سمة الزمان التاريخي للحالة في شكلها الاجتماعي. بمعني ان السيد الزبير باشا لم يكن مقدراً له في ذلك الوقت ان يعمل بتجارة (الشنطة) بين دمشق والخرطوم!! أو يفتح مكتباً للعقارات مثلاً بشارع الستين؛ ولكن ماذا نفعل مع الغرض حين يختلط بالمنهج في ضعفه ويصير مرضاً يُسقم حقل إبداعي مهم نراهن أن يضعنا في أفق جمالي وأنساني يجعلنا أكثر ثقة بالقادم ونبحث له عن عافية القراءة.

    أما عن رواية فركة نفسها المحتفي بها أيدلوجيا لا جمالياً للكاتب (طه جعفر) فهي رواية متوسطة الأداء بغض النظر عن موضوعها الذي يحاول أن يسلك مسلكاً أدبياً فكم أضحكني حقاً في فصلها الأول أن تعود بطلة الرواية بعد وقت قليل من اختطاف النهَّاضة لها (تجار الرقيق) بالذاكرة والحنين إلي قريتها والي طفولتها هناك وتسترجع ذكرياتها الحبيبة بين الأهل والأمهات وأترابها؛ مدهش جداً، في خضم هذه الحالة النفسية من الهلع والخوف وأسي الأسر والمصير المجهول وهذه الورطة الحقيقة سيكون كل تفكير الإنسان منصب علي مخرج له،أو معطلاً بالكامل بفعل الفزع من هذه الورطة التي ألمت به ، بينما هذا الحنين إلي الطفولة والأتراب لا يحدث غالباً علي المستوي النفسي إلا إذا استقرت في غربة بعيدة وانفصلت في المسافة والمكان لزمن طويل؛ ثم ينشط حنينها الاسترجاعي للطفولة والذكريات.

    ولكن كاتب الرواية يبدو أنه كان يركض ركضاً للوصول لشندي وملاقاة (مكَّها) وعينه علي أحداث المكان هناك. ثم نجد أنه وفي نفس الطريق تتعرض البطلة المسترقة لمحاولة اغتصاب من الحراس ليلاً؛ وهي وسط هذه المحنة النفسية القاسية كان عليها في خضم محاولة انتهاك جسدها أن تقارن وتفكر! يقول الكاتب علي لسان البطلة (فركة لم تكن تدرك ما يريد لم تعرف من قبل مثل هذه الأمور ثم ضمت فخذيها حينما أحست انه يستهدف عريها)!! وكاتبنا مره أخري يحاول أن يقيس بمقياس من اللامعقول والسذاجة المفرطة معاً في ضبط لحظة انفعالية حساسة في المشاعر الإنسانية تدرك بغريزة اللحظة والحال، فحين يهاجم رجلاً ما فتاة بقصد اغتصابها عنوة؛ في مثل هذا الوضع بالتأكيد لا يكون لهذه المرأة أو الفتاة تفسيراً آخر لهذا الهجوم سوي أنه يريد أن ينال جسدها، فلا يمكن أن يكون مثلاً قاصداً نشلها مبلغاً من المال. ولكن فركة التي لم تعرف هذه الأمور بحسب الراوي ولم تشهد مثلها في بيئتها البريئة والطاهرة، لم يكن أمام القارئ سوي الحل البسيط والسحري هو أن يدمغ هذا السلوك المشين للنهاضة تجار الرقيق، باعتباره سياق ثقافي موروث ومجلوب من قيمهم، بمعني أن الاغتصاب كفعل قبيح مجلوب أيضاً إلي وعيهم من المجال الثقافي والقيمي الذي جاؤوا منه (كجلابة) جبلوا علي الكبت الجنسي وطابوهات التحريم، والمقطع لا يخلو من ظلال سياسية وطرافة أيضا، ومن مراجع أفكار طًرحت من قبل ومازالت تنافح بخيالات أيدلوجية هاربة، قدمتها اتجاهات أدبية حديثة كمدرسة الغابة والصحراء، التي بحثت بشغف في شعريتها عن مكان متوهم في الجمالي لهويتنا الثقافية كانت فيه خلاصاتنا القديمة ترتع في براءة وطهر وتنسجم مع طبيعتها الإنسانية، وبأي حال لم تكن سوي تلفيق حضر بقيمته الأدبية المبدعة والعالية كخيال ونزوع بين نصوصه الشعرية ناضج في الجمالي وفقير الرؤى في حقائق الواقع السياسي.

    ثم في الطريق إلي شندي نرافق (فركة) وأترابها وخاطفيها وسرد الكاتب (البوليودي) حتى تظهر أمامنا أهرامات البجراوية ومره أخري لن يدهشنا إن البطلة المسترقة فركة ستدخل مع هذه الأحجار والمنقوشات المروية القديمة في حوار داخلي يريده الكاتب كي يؤكد من خلال تبني بسيط وغر لأطروحة الأصل والهوية أن يعيدها كمعضلة تاريخية وسياسية إلى جذرها الأفريقي السعيد، وفي هذا الأمر تحضرني بعض مقولات السياسي اليومي الطريفة التي حاولت في جزافيتها وترقيعها لخطاب الأصل العرقي أن تداهم دراسات التاريخ القديم وتسقط علي الماضي بعض أوهامها مثل الحديث عن ان بناة الأهرام كانوا سودانيين وان أنف أبو الهول تم أزالته لأنه كان أفطساً يشبه أنوف أهل الجنوب من السودان وتقاسيم وجوههم؛ وكأن في ذلك التاريخ الغابر عرفنا كسودانيين وعرف المصريين كمصريين بعواصم رسمية وعلم ونشيد وطني وحدود وعملة وفريق قومي!! ففي صفحة (51) تشاهد (فركة) أهرامات البجراوية وتحس أن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية وبدا الاقتراب من هذه البنية لفركة كأنه سفر في الروح سفراً من القلب إلي القلب، حتى أنها نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المر الذي أذاها وألم بجسدها ومزق روحها، هذه الأهرامات الأثرية بصورها ونقوشها ستدخل مع فركة في حوار عجيب داخل صفحات الرواية وتتحدث معها كائناتها المرسومة من قرود وطيور؛ حتي أنها قالت أن صور الناس المنقوشة تشبه صور أهلها في تفاصيل أجسادهم وعضلاتهم المفتولة وراقصي (الكمبلا) تري ماذا لو كان تجار الرقيق من أهل مصر أو أن (فركة) المسترقة أرسلت لأسواق الفسطاط قطعاً ستري في أبو الهول جدها لأمها أو خالها القريب بحسب حيثيات كاتبنا الموغلة في بساطة الوصف وضعف الفكرة التي تشد حبال السياسي أكثر من نسجها علي منوال من الحكي والسرد.

    ثم نأتي (لحسان ود المك ) في شندي الذي يقول عنه الكاتب واصفاً شخصيته أن بها (سفالة الرغبات العارمة نشأ بليدا وكبر بجهله وغباوته يهتم بمظهره وفراشه وركوبته وطريدته من عواهر شندي الأرقاء يبذل المال علي ملذاته ويعتقد أن المال يشتري له كل شي حتى قلوب العذراى) حسان بن المك سيداهم فركة في فراشها (تمدد في الفراش متبذلاً عن ملابسه وعن شرفه الشخصي ومنحطاً كخراء حمار يدردقه ابو درداق في رمال ساقية ) ويبدو أن كاتبنا وهو يوسع حسان بن المك بهذه الشتائم لم يجد مجالاً في دروب التعبير الكثيرة غير هذا البعد وهو ينتحل في مقام الكتابة دور الراوي الذي يقف بين شخصياته مفصلاً لأدوارها في بنية العمل المحكي ، لم يجد سوي هذه الجمل المنتقاة من قاموس الشتائم، لا من تدابير الكتابة الروائية الناضجة والمستبصرة بأدواتها الإبداعية، والمعنية في عملها بتحقيق قيمة جمالية وإبداعية ومتعة يغنمها القارئ لما تقوم به، ويعكس نظرتها للوجود في هذا الحقل بأدواته وتقنياته فقط لا بالرغبة في تسجيل موقف مكشوف علي باحة السياسي الأيدلوجي. وفي هذا الأمر أي المبسوط للقارئ في العمل الفني الراوي القائم علي وصف الشخصيات. وفي البناء الحكائي الروائي لا يمكن أن يختزل في السرد بهذا التبسيط ولا يمكن أن تكون الشخصية في العمل أو في الحياة ملقاة علي بسيط في التوصيف يختزل حالتها الوجودية لهذا الحد . ولكن سعي الكاتب القائم علي الثنائية البسيطة بين الخير والشر، أو الجلابة والعرب، وهم بين محض الخير ومحض الشر ، ولهاثه لتسجيل موقف لنصرة فريق علي فريق ليس إلا!

    ثم أن رمال الساقية! هنا يبدو وصف عجيب ينقل الساقية من الضفة الطينية لصحراء تحوطها الرمال.كان من حظ كاتب هذا المقال أنه وفي طفولته الباكرة قد شاهد ساقية أو ساقيتين في قرية والدي (الجول) بجهة الباوقة ينجزان مهامها في العمل قبل الزوال وطغيان عصر(البوابير والطلمبات) ولم أشاهد أبو الدرداق قريبا من ضفة النهر ولم اسمع بذلك ولم أري رمال بالقرب من السواقي؛ ولكن لا حدود للوصف وصنعة الخيال في اختيارات الكاتب وشخصياً أجدها منسجمة مع الوصف بخراء حمارها الذي يدردقه أبو الدرداق وبالطبع لا نطالب الأدب بأن يمثل الواقع تمثيلاً يكون فيه بدقة كاميرا، ولكن الكتابة عن بيئة محدده يتطلب أن تملك معرفة معقولة علي الأقل بهذه البيئة تمكنك من تجويد صورتك.

    وهنا يحضرني مشهد آخر في رواية قونقليز لهشام أدم التي هي الآن بين يدي .. فحين يتحدث في صفحة (11) علي لسان البطل عن حادثة غرق قديمة شارك فيها في غسل الضحايا ولنا عودة لرواية هشام ادم ولكن لما كانت بيني وبين النهر علاقة قديمة ومسافة مرمي حجر من منازل عشيرتي ورأيتُ الجثث الطافية وهي تجر بكلابات المتطوعين من منتصف النهر الي الشاطئ وغصت مع آخرين لأعماق بعيده في ظلمة النهر مسلحين بالشناكل والهلب بحثاً عن غريق مازال سوائله متشبثة بالقاع ..سيعرف حتماً أن العرقى لا يتم غسلهم حسب ثقافة ساكني الأنهار ومعتقداتهم وسنعود لرواية قنقليز لهشام آدم إن مد الله في أعمارنا.

    ومع راوية فركة نتجول في خيال الراوي، يموت حسان ود المك ويكون موت هذه الشخصية السريع مفاجئاً لنا لكن الكاتب أراد أن يستفيد من هذا الغياب روائياً !! يبكين عليه النادبات من النساء المسترقات وينشدن له المراثي (ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص) وغيرها مثل (يا هو الكريم أجواد ..ألخ)وهنا يتدخل صوت الراوي بوضوح نافياً عن حسان هذه الصفات التي لا يستحقها في المرثيات النادبة له والمسجلة لمآثره قائلاً أنه لا يستحق ذلك؛ وقصة ما هو الفافنوس ما هو الغليظ البوص كما حمل إلينا التراث الشفاهي قالوا أنها قيلت في عماره ود المك نم، وأن صاحبة القصيدة شقيقته بنت المك نمر، حينما مات بالجدري؛ وكثير من المرثيات نظمنها نساء مسترقات في أسيادهن. ويبدو أن الكاتب في وجه هذا التراث الشفاهي من المرثيات الجميلة دخل في حيرة، فكيف يخرج فضاء الرق القاتم هذه الصورة من الانتماء العاطفي الحميم بين المرأة المسترقة وسيدها، فلم يجد سوي تجريد حسان من من مآثره وجريان سؤاله علي لسان البطلة فركة المستغربة لعويل المسترقات علي حسان ودموعهن بأنها متناقضة مع وضعيتهن كمسترقات، وهذا السيد الذي أذل ظهورهن بالقهر وهو سؤال نشكر الكاتب عليه، لا علي تفسيره المتواضع، وهو ينفتح علي الفضاء التاريخي لعلاقة الرق في السودان والبحث العميق في مضامين تلك المرثيات التي نظمنها نساء كن في وضعية الاسترقاق، حول الوظيفة الاجتماعية والثقافية لهن كصوت دعائي تبجيلي معبر عن ملاكهن في الأفراح والأحزان، وبالتالي فأن هذه الوظيفة الاجتماعية، التي تحتاج فعلاً إلي بحث ومعمق، كان يتبعها بالضرورة موقع اجتماعي خطير موازي لها، يحوطه التبجيل والتقدير كصوت معبر ومنافح عن مسترقيها، وبالتالي تصبح مرجعاً في ضبط القيم التي يجب أن يتحلي بها الجميع، من كرم وشجاعة وبذل للمال، وبالتالي تكون جزءاً أصيلا في أنتاج هذه القيم وحارساً أميناً يخشي جانبه بامتلاكه لأدوات النظم والوصف في المدح والمراثي معاً.

    وفي وصف شندي نفسها مكان الحدث الروائي نجد نفسنا في ماخور كبير يعتمد علي تجارة الرقيق، وحتي أن المك كما يطلق عليه الكاتب، والأمر لا يحتاج لذكاء كبير حتى تعرف أنه المك نمر، كان يستخدم جواريه في تجارة الجسد ويرسل عبيده لمراقبتهن وتحصيل ريع أجسادهن، وهنا نذكر طيب الذكر المبدع والدكتور أبكر أدم إسماعيل في أحدي قصائده التي أثارت لغطاً شديداً في بداية التسعينات وسط فضاء سياسي كانت أطروحة الهامش والمركز وتمفصلات العرقي في الطبقي كما في أطروحة أبكر نفسها تعلن عن نفسها، وأبكر أدم إسماعيل روائي وشاعر مجيد وعظيم له روايات غنية قي عمقها ومفرداتها ومادة حكيها؛ ظهرت لأبكر في ذلك الوقت قصيدة تحاول أن تصادم الراسخ في الوعي التاريخي لصور إبطال وطنيين تمت رعاية صورهم بكثير من التبجيل والتعظيم، فكتب أبكر ليعيد صياغة تاريخهم بالصورة التي يراها هو شعرياً، فكتب أن مهيرة بائعة مريسة، والمهدي نخاس غيرها من الأوصاف التي أزعجت أولاد البحر حين نال علي غُرة من تاريخ رعوه بالأغنيات والمآثر. والقصيدة عن حق كانت قصيدة ركيكة ولا تتناسب مع تجربة أبكر الكبيرة وقصائده الأخرى التي لم تتوسل في نظمها رائحة أخري غير رائحة الكتابةِ الشيقة، ولكن يبدو أن قصيدة أبكر أوحت للراوي أن ينصب المك نمر مكاً و########اً في نفس الوقت، بإيحاء من قصيدة أبكر أدم إسماعيل، ولن نقول في تناص لأن التناص أجراء ذهني معقد يتم علي مستوي النصوص المقروءة ثم يعاد تقديمها ضمن أفق الرؤية الخاصة التي يتناولها الكاتب؛ ولو كان هنالك ثمة تناص بهذا المفهوم المعقد فسنجد الكثير من الذي يمكن أن يدلنا علي قراءات كثيفة وجادة ونوعية لكاتبنا؛ فقط إيحاءات قصيدة أبكر ادم إسماعيل وموضوعها الذي قامت عليه وما سبق أن اشرنا أليه من نذُر رشته علي الباحة الواقعة بين سؤال السياسي والأدبي الذي خلفه مسار مدرسة الغابة والصحراء، ثم تأتي مع الخاتمة العجيبة حين تعود البطلة المسترقة فركه لديارها عبر توظيف أسطورة (ابو لمبه) شيطان الصحاري الذي يقود المسافرين إلى التيه والهلاك والموت بتضليلهم بضوئه الذي يتبعونه في الفلوات وحرف مسارهم عن مضاربهم. ويبدو أن (ابولمبه) كان رحيماً بفركة حينما قادها عبر تضاريس ومسافات بعيدة لموطنها كان بوصلتها بدلاً من رحلتها للتيه في الصحاري وتري في مسافتها بين اليقظة والحلم والرؤيا كل طريق الآلام التي قطعته في أسرها تعود وتتزوج من ابن عمها (عجبنا) سيناريو خيالي للعودة يفوق احتمال أي قارئ صبور.

    إذاً؛ فازت الرواية بجائزة الطيب صالح، وكان تناولها لموضوع الرق هو مصدر احتفال لجنة مركز عبد الكريم ميرغني، دون المعاينة التقنية والفنية والحكائية للعمل موضوع التنافس، والتي هي في غاية الضعف، ولكن يبدو أن ثلة نقاد مركز عبد الكريم ميرغني، وسط حالة الشح وفقر المشهد الثقافي من نقاد جادين ومرتكزين علي قدرات معرفية نقدية محترفة، وفي ظل أجوا سياسية أفقرت الوسط الثقافي بعوامل الهجرة والرحيل، وتعليقه كنشاط هامشي في الحياة العامة، كماالنظر إليه بحذر وطغيان فكرة العلاقات العامة علي المجال الثقافي نفسه الذي يعتمد في تقييمه علي المعارف والصداقات بدلاَ من الإنتاجات الفكرية النقدية الجادة، والتي تكاد ان تخلو منها أرفف مكتبات الخرطوم، يجعل كل ذلك جائزة الطيب صالح تعيش أسوأ أوقاتها، وتنداح علي مناقشاتها سطحية كبري بدلا من النقاش العميق والتقييم الجاد للمكتوب، كما ترتبط بأهواء أيدلوجية علنية لا تفصل بين قراءة الأدب كأدب وسهولة السقوط في حبائل اليومي السياسي المرتبط بتحديد المواقف من قضايا فكرية وسياسية عامة كموضوع الهوية الثقافية.

    لن أقول أن الطيب صالح في قبره الآن سيكون حزيناً، لكنه قطعاً سيضحك بسخرية علي اسمه الذي يفصل الأن علي مقاس ضيق الفكرة خفيف القيمة في الكيف والكم والمعني، والطيب صالح وهو الروائي الكبير الذي أمتد بمتعته المحكية والمشهدية في كل أرجاء اللغات، مقدماً المناخ الإنساني لقرية صغيرة عند منحني النيل في السودان بكل حياتها وشخوصها العبقرية حية تسعي بين كل ركن في العالم ، بمتعتها المقروءة وفلسفتها التي تختزل الوجود في حوار أو وصف ينبض حياً بين الصفحات، لا يمكن أن تنتهي جائزته لهذه الصيغ الركيكة من التناول والاحتفاء. لذا وكما كتبت في العنوان اكرر مطلوب تأهيل نقاد سودانيين حتى ننقذ الرواية، وننقذ الطيب صالح نفسه، من شغيلة التدابير اليومية وتكنوقراط النقد. وهي رسالة صادقة أوجهها لنقادنا أن يجعلوا من المعرفة النقدية مسؤولية واهتمام وأن لايبددوها بوهم التواجد في الندرة فقطعاً هو تواجد خادع. بينما اقول عن صدق أن الرواية لا تخلو من إشراقات أدبية، وإن كانت قليلة ومهدره في سعار الكاتب ولهفته في إبراز التناقضات البسيطة بين خيرنا الإفريقي والزنجي العميم وشرورنا العربية المستطيرة المتمثلة في الجلابة. هذه الإشراقات ستفسح له المجال مستقبلاً كي يستوي عوده علي درب الرواية، ويحجز مقعده كراوي سوداني أصيل وخلاق في إبداعه، دون أن يجعله هذا الفوز الذي هو ثمرة أزمة حقيقية وضاربة في الحقل الثقافي بكل إضلاعه، أن يظن أن هذه هي الصورة المطلوبة والوضع الطبيعي لاكتشاف الموهوبين كي يكون الراوي راوياً. وله شكري الخاص علي إهداء كان قد سطّرَه لي في مقدمة روايته ممهوراً بتوقيعه الكريم..ولكن تهادوا تحابوا وأيضاً قيل...... (أكتبوا واختلفوا).


    هوامش
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) يمنى العيد..(مقالات متفرقة بمجلة الطريق اللبنانية)
    (2) محمد الأزدى..مناهج النقد العربى الحديث
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de