|
أحــلام مِنْ أقـبـيــة المنــافي - الحلم الأول
|
أحلام من أقبية المنافي
الحلم الأول
وقفت زينب في وسط الطريق فجأةً وهي تحمل سلة محشوة ببعض خضرواتٍ خجلى لا تكاد تملأها، وقد لمحت سيارة الأجرة تقف عند باب الدار، وعلى سقفها عدد كبير من حقائب السفر تعرفت بينهن على واحدة لم يكن من الممكن نسيانها. ونزل من السيارة شاب في مقتبل العمرِ. جرت زينب فرحةً مرتاعة، وكلفت ساقيها من العدو فوق ما تطيقان، وأطلقت من فمها صرخةً عظيمة: • محمد أخي! ثم لم تستطع أن تقاوم نفسها أو تمنعها من الإرتماء في أحضانه وهي لا تزال تصرخ: • حمداً لله على سلامتك .. حمداً لله على سلامتك .. أخي محمد .. وتحدرت دموع حارة تصور ما يملأ نفسيهما من الحب والوفاء والشوقِ معاً. أفاقت الأم الملتاعة من غفوتها مذعورةَ أشد الذعر، وقد سمعت صرخة ابنتها وهي تردد اسم أخيها، فامتلأ قلبها روعاً، واستأثر بها الهلع والرجاء معاً، حتى تصبب جسمها كُله عرقاً، وقد كان أول خاطرٍ لها حين انجلت عنها غيمة الذعر صورة ابنها محمد تبدو كأحلام اليقظة تُلِحُ عليها كما تُلِحُ الأحلام على النائم. تحاول أن ترد الأمن إلى نفسها رويداً رويداً، ولكنه لا يعود إلا ليزول، وهي تحوقل وتبسمل، والأصوات من حولها تعلو وتعلو، واسم ابنها لا يزال يتردد ويتردد، ولكنها لم تعد قادرة على الوقوف، كأنما هناك شيء ما يشدها إلى "العنقريب"، تحادث نفسها: "أيعقل أن يكون هذا محمد، هل عاد؟ آهٍ .. بُنَيَ ما أشد شوقي إليك، أود لو أن أطير إليك لأضمك بين ذراعي، لأقبلك قبلات الأم الملتاعة، حتى ينتقل إلى قلبك بعض ما يعتمر في قلبي من رضائي عليك، ولأرضعك دموع الكِبر حتى تصور لك مقدار حُزني لفراقك وفرحتي بلقائك، والأسى الذي احتملته وأنت بعيدٌ عني، وقد أصابني منه ما أصابني فما عدت أطيق له احتمالاً .." دخلت عليها ابنتها زينب صارخة وقد رمت بسلتها بعيداً: • وا فرحتاه .. وافرحتاه لقد عاد محمد إليك شعرت الأم كأن قلبها قد فارق موضعه إلى حيث لا تعلم له مكاناً، حاولت أن تقف مستندة على حافة "العنقريب" وقد أحست بالأرض تدور، فأسرع محمد يسندها ويمنعها من السقوط، وإذا عينا أمه مخضلتان بالدموع، تحاول أن تبثه من ورائهما خبيئة نفسها الملتاعة. قال محمد وهو يحاول أن يمسك بين أهدابِ عينيه دموعاً كادت تنحدر: • هويني عليك يا أماه، لقد عدت، وبإذن الله لن أبتعد عنك أبداً .. فتطلق وجه أمه وأضاء وقالت: • حمداً لله على سلامتك .. صمتت برهة لتمسح بعض دموعها ثم أردفت: • الحمد لله على سلامتك يا بُني، الحمد لله كثيراً أن رأتك عيناي قبل أن أذهب عن هذه الحياة إلى غير رجعة، فحسبي منك وقد بلغ الكِبر مني مبلغاً أن أراك بجانبي ساعة أن أفارق هذه الدنيا الفانية، لأقبلك قبلة الوداع وأعهد إليك بزيارة مرقدي مطلع كل يوم حتى تنير بوجهك الوضاء ظلماته الحالكة. ... فانحشر في وسادته يبكي ظلمة المنافي.
وتتواصل الأحلام ..
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: أحــلام مِنْ أقـبـيــة المنــافي - الحلم الأول (Re: أبوذر بابكر)
|
Quote: تحياتى يا دكتور
وكامل التقدير الجزيل
واحييك على "مجاوزة" الواقع مع الحلم أو ربما الآستعانة بماء التمنى على ظمأ الحقيقة
وحتما لابد من حلم أول وثانى يتوكأ اليقظان عليه ويهش به صلابة الدرب
وتحياتى مجددا |
الأخ العزيز الأستاذ أبوذر بابكر التحايا النواضر أحلام لا تنتهي بإذن الله .. شكراً لكلماتك الطيبات المشجعات .. تابع معنا فكلنا شركاء في الحلم مع خالص تحياتي
| |
|
|
|
|
|
|
|