الحنكشة ونوعية الحياة في السودان...د.حيدر ابراهيم على

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 09:57 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-16-2013, 08:13 PM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الحنكشة ونوعية الحياة في السودان...د.حيدر ابراهيم على


    الحنكشة ونوعية الحياة في السودان
    د.حيدر ابراهيم على

    ترددت كثيراً قبل أن اصل الى صياغة هذا العنوان ولكن السيد الصادق المهدي شجعني حين استخدم كلمة السحسة وأدخلها ـ بحصافته وحسه اللغوي العالي ـ الى قاموس السياسة والكتابة في الشأن العام. لذلك وجدت كلمة الحنكشة طريقها الى عنوان يصف حالة وطريقة تفكير وحياة. ومن المعروف ان كل حقبة تاريخية سياسية تنتج لغتها وألفاظها وبالتالي تعكس تطور وتغيير الحياة.
    تحمل كلمة حنكشة معانِ ودلالات عديدة ولكنها لاتخرج عن: التنعم في الحياة وعدم القدرة على تحمل الصعاب والميل الى الترف وذلك مقابل الخشونة والشظف والزهد والتحمل. ومن الملاحظ ان الكلمة تطلق على الذكر والأنثى رغم ان الاخيرة لها بعض الحق في النعومة والترف. وتعكس هذه الكلمة قدراً من الشعور بالتفاوت الطبقي يتراوح من الحقد حتى السخرية والمرارة. ويحظى القادمون من الخارج والمغتربون بنصيب كبير من إطلاق هذه الصفة. واصبحت الكلمة تخدم ـ بطريقة مباشرة وغير مباشرة ـ ايديولوجية رسمية تتجسد في تخلي الدولة عن تحسين نوعية الحياة والتي تدنت كثيراً خلال سنوات الانقاذ، ليس بسبب الافقار بل بتبنى نمط حياة هو في الواقع ضد الحياة كما يجب ان تكون . لأن الحنكشة امتدت لكى تصف أي مطالبة بالحق في حياة محترمة ونظيفة وممتعة. وبالتالي وجدت الدولة ثقافة كئيبة تساعدها في تكريس الحرمان. وهذه سلطة ثقافية تدعم الدولة حين تتخلى عن تحسين نوعية وهذا مطلب تنموي له أولوية لأنه يكفي أن تحسب مستوى معيشة شعب ما من خلال أرقام قد لا تعني شيئاً في الواقع الملموس في إتجاه حياة جديدة. اذ تتحدث أدبيات التنمية في نوعية الحياة Quality of life فقد تجاوز العالم السعرات الحرارية التي يستهلكها الفرد في قطر الى الحق في المعلومات والكتب والموسيقى والمسرح والترفيه أي الحق في وقت فراغ ممتع.
    تحاول ثقافة الحنكشة إجبار الفرد على التنازل عن حقوق أولية. فاذا وجدت الماء يشبه الطين وقلت بأن هذا الماء ملوث أو طلبت ماءً معدنياً أو استخدمت فلتر للمياه. يكون الرد جاهز: شنو الحنكشة دي أو بطل الحنشكة. ويحاول الطرف أن يظهر لك أنهم ابناء الرعد ويشربون الطين والوحل ويكرر لك فلسفة أصغر منك دوسو. ولأن الدولة يهمها كثيراً ألا يزيد عدد الحناكيش الذين يدلعون في شرب المياه خاصة وأن هناك من لا يعرف ماهو الماء أصلاً. ويبدو الأمر منطقياً ومريحاً طالما هناك من يموتون عطشاً، فلا يحق لأي شخص الاحتجاج. اذ يوضع المعيار أو المقياس المتدني: هل وجود الماء أصلاً أم الماء الصحي النظيف؟ أيهما البداية؟ نفس الأمر ينطبق على كل أمور الحياة والحاجات الأساسية المطلوبة لبقاء الانسان. لو تحدثت عن الخبز ونوعه وحجمه يجئ الرد سريعاً: يا أخي ما تحمد الله في ناس ماشافوا الرغيف اصلاً. ولو قلت المواصلات صعبة أو مواقف البصات صارت بعيدة، قد يتهكم عليك مسؤول لديه أكثر من سيارة مظللة ومكندشة ويتهمك بالحنكشة ويعطيك درساً كيف أن اهلنا في الريف يمشون من قرية الى أخرى بالأقدام لحضور عزاء مثلاً.
    يتساءل المرء هل الحياة المريحة أو النظيفة عيب وحنكشة ودلع؟ من أىن أتت هذه الفكرة؟ المجتمع السوداني لم يغادر بداوته وريفيته بصورة كاملة أي لم يدخل عصر المدينة والحضر. ومن يرجع الى ابن خلدون يجد تمجيد البدو لأنهم قادرون على تحمل شظف الحياة، لذلك أقاموا الدول ولكنهم أى البدو في نفس الوقت خربوا العمران حين وجوده وبالتأكيد لم يصنعوا العمران لأنهم غير مستقرين. ودولة الانقاذ السودانية بدوية في تصورها للعمران والارتقاء بنوعية الحياة، وهى قادرة على الهدم وتجد صعوبة في البناء. وتذكرت ابن خلدون أيضاً هذا الأسبوع بعد جولة جاءت بالصدفة مررت خلالها بقشلاق البوليس الغربي وبوستة بحري وسينما الخرطوم غرب. فقد أورد ابن خلدون في المقدمة عن المسعودي في أخبار الفرس عن الموبذان في انكار ما كان عليه من الظلم والغفلة عن عائداته في الدول بضرب المثال في ذلك على لسان البوم حين سمع الملك أصواتها وسأله عن فهم كلامها فقال له ان بوماً ذكراً يروم نكاح بوم أنثى وأنها شرطت عليه عشرين قرية من الخراب فقبل شرطها وقال لها: إن دامت ايام الملك هذا، إقطعتك الف قرية وهذا أسهل مرام».
    كان الملك آنذاك هو بهرام بن بهرام ويمكن أن يحول الاسم الى اسماء ولاة نعرفهم. وكان يمكن يرد البوم الآن على خطيبته انه قادر على ان يقتطع لها الاف الأحياء والقرى والاكشاك ثم يبيع الاراضي الزراعية الجيدة للسكن وغابات الاسمنت وصناديق الزجاج. ويقال في القصة ان الملك تنبه وسأل الموبذان (صاحب الدين)، عن مراده، فقال باختصار ـ بأن «لا عز للملك الا بالرجال ولا قوام الا بالمال ولا سبيل بالمال الا بالعمارة ولا سبيل للعمارة الا بالعدل، والعدل الميزان المنصوب بين الخليقة، نصبه الرب وجعل له قيّماً وهو الملك وأنت أيها الملك عمدت الى الضياع فانتزعتها من أربابها وعمارها وهم أرباب الخراج ومن تؤخذ منهم الأموال، واقطعتها الحاشية والخدم وأرباب البطالة، فتركوا العمارة والنظر في العواقب وما يصلح الضياع، وسومحوا في الخراج لقربهم من الملك ووقع الحيف على من بقى من أرباب الخراج» «المقدمة الطبعة التونسية 1984م ـ ص 348»
    علينا الا نلوم الدولة الانقاذية فهى وجدت المجتمع والثقافة في السودان مستعدة لقبول هذا التدني في الحياة والعمران غير المزدهر. ففي مجال الحياة الصعبة كان المجتمع السوداني الذكوري الذي يمجد العنف وتعتبر الرجالة قيمة عليا وقد تعني الرجالة العدوان والتعدي. فالهمباتة أو النّهاضة لم تدنهم الاخلاقية السودانية في حينها، ثم أخذت هذه القيمة: الرجالة أشكالاً لاتبعد كثيراً من المعنى القديم. ويلاحظ أن الشجاعة الجسمانية ذات وضعية أحسن من الشجاعة الأدبية. وهذا خلل واضح في الشخصية السودانية رغم فضائلها العديدة، فالسوداني لا يواجهك بالحديث عن عيوبك امامك كنوع من الأدب والكياسة والمجاملة ولكن يعطي نفسه حق النقد ـ وهنا يأخذ تسمية أخرى مختلفة في غيابك. هذه الرجالة والشجاعة الجسمانية تفرض على الشخص أن يبتعد عن الحياة العادية. وهنا أيضاً يذكر بأن الخشونة مطلوبة فإن النعمة لا تدوم. كما أن الشاعرة تمدح الرجل المثال بأن: فوق ضهرو الخبوب «ممكن أىضاً الكبوب» والطين! ومثل هذا الشخص اذا اراد الاستحمام بصابون لوكس أو لايفبوي سيكون في عداد الحناكيش المعتبرين.
    ظلت مثل هذه القيم مستمرة لفترات طويلة وكانت في صدام مع عمليات التحديث والتغيير الاجتماعي. واذكر ان الواحد منّا حين كان يذهب الى القرير بالشمالية في العطلة وقد قرر الا يحلق صلعة بل «كاري» ستحوم حوله الظنون وعليه أن يدافع عن رجولته. كذلك اذا صار يتحدث بدون الكسرات التي تزين لهجة الشايقية، ويستقبل باستهجان. وي ! فلان قلب حسو! وحين ظهر ابراهيم عوض لم يكن صوته فقط هو الجديد في مرحلة جديدة بل كان شكله وملبسه تحدياً كلفه الكثير. وفي بلدان أخرى يدخل امثاله في التاريخ الثقافي من أوسع أبوابه: ظاهرة البيتلز والفيس بريسلي وابناء الزهور...الخ كل ما سبق هى مظاهر حنكشة أو سحسحة كانت ضرورية في مواجهة قديم لم تعد لديه وظيفة يؤديها في المجتمع.
    هذا موضوع شديد التشعب، لايكفية مقال في صحيفة يومية، فالبعض قد يرد بسرعة بأن السودانيين زهاد ومتصوفة ومتقشفون. هذا صحيح جزئياً، ولكن في الزهد والتصوف تكون لديك إمكانية التمتع بشئ ما وتقوم بتأديب نفسك قصداً بعدم التمتع بهذا الشئ. ولكن أن تكون عاجزاً بسبب الفقر والعوز عن التمتع بشئ ما وترجع ذلك الى الزهد والتصوف مثلاً. وهناك أمثلة للعديد من الذين أدعوا عيش الزهد ولكنهم غرقوا في الترف والملذات. فعلى سبيل المثال، كثير من حكامنا من أسر رقيقة الحال وحين وصلوا الى السلطة لم يحاربوا الفقر بل ركزوا على نصيبهم أو حظهم من الدنيا.
    ظهرت طبقة جديدة تبعد نفسها عن الحنكشة ومع ذلك تعيش ترفاً لايسمى بهذا الاسم. فالأثرياء الجدد أو nouvea riche تنقصهم مواهب التمتع الحقيقي بالحياة لذلك يربطون بين السعر العالي أو الغالي وبين الجمال مثلاً ولهم قيم جمالية هى التي توصف بالـ (kitsch) فالفخامة مثلاً من الاثاث وحتى المرأة فحين تدخل مكاتب بعض المسؤولين تجد الكراسي والارائك والطاولات الضخمة المكتنزة خشباً وقطناً، ولا تنم عن أى جمال راقٍ. فهذا ترف لايسمى حنكشة لأنه خشن وقوى، لذلك القضية ليست مجرد الترف أو النعمة. فهل صاحب اللاندكروزر حنكوشاً رغم سعر السيارة؟
    أخيراً، الحنكشة ليست مجرد مزحة أو سخرية بل ايديولوجيا متكاملة تجعل من الحقوق الأساسية في حياة كريمة ونظيفة وممتعة عيباً واثماً. فالمطالبة بالماء النظيف يحرج الدولة التي لاتستفيد من الانهار التي تجري في السودان، أو الحق في الاستحمام مرتين في بلد تصل درجة الحرارة فيه الى 45 لأن المياه والكهرباء غائبتان في الصيف. كل هذه حقوق ويجب عدم ابتزاز الشباب والشابات وتخويفهم من الاستمتاع بحياة عادية ومحترمة.


    _______________
    نُشر قبل عدة سنوات في جريدة الصحافة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de