"الحوت" خارج سياقاته المثيولوجية (1)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-01-2024, 02:19 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-01-2013, 10:36 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
"الحوت" خارج سياقاته المثيولوجية (1)

    "الحوت" خارج سياقاته المثيولوجية (1)

    عزالدين صغيرون

    في حالة محمود عبد العزيز تبدو المسألة مختلفة وغريبة جداً !!..
    ففي التاريخ وُجد كثير من الفنانين الذين كانوا صوتا لشعوبهم ،كانوا رموزاً وطنية ،لأنهم بطريقة ما كانوا يعبرون عن آمال وطموحات وأحلام شعوبهم عبر ما كانوا يصدحون به من أشعار تنطق وتعبِّر عن ما يجيش في وجدان شعوبهم في مرحلة ما من تاريخ نضالها .وفي تاريخنا الحديث ،في المراحل المتأخرة من عهد الاستعمار الانجليزي المصري للسودان كانت قصائد مثل (يا أم ضفائر قودي الرسن) للتني تُتَخذ هتافاً لثوار 24 ،وتصبح (عازة) و(الشرف الباذخ) لخليل فرح أهازيج وطنية تتغنى بها المقاومة وتطلقها سلاحاً معنوياً في وجه المستعمر ،ولذا تستطيع أن تفهم وتبرر خلود أغان مثل وطنيات العطبراوي والكاشف والشفيع واكتوبريات وردي ومحمد الأمين وغيرهم ممن تغنوا بوطنيات استقرت في وجدان الناس جيلا بعد جيل.
    كما وتستطيع أن تبرر وتفهم خلود أعمال فنية غنائية لفنانين عبروا عن الوجدان الشعبي للناس البسطاء من خلال كشفهم لتناقضات النظام الاجتماعي والسياسي الذي يكرس الطبقية والظلم واللامساواة والقهر والفقر ،ويكاد الفن عند هؤلاء يكون رسالياً ،بمعنى أنه وسيلة لرسالة إنسانية ذات طابع اجتماعي/سياسي .
    ولا يعني هذا بالضرورة تجريد الفن الذي يقدمه أولئك من أي طابع رسالي ما ،لأن "رسالية" الفن عند الأوائل تكمن فيه هو . ولذا فإن اهتمامهم في المقام الأول ينصب على "جمالية" ما ينتجون من أعمال
    بينما ينصب تركيز الرساليون على "مضمون" ما يقدمون من أعمال فنية ، ولذا يبدو مجمل ما يقدمه الرساليون من إنتاج غنائي وكأنه أغنية واحدة متنوعة الإيقاع .
    ويستطيع الناقد الفني أو المتذوق المتابع أن يجد تفسيراً من هذا المنظور لما تركه مصطفى سيد أحمد من تراث غنائي يتجاوز في كمه ما تركه فنانون تاريخيون في الفن الغنائي السوداني ،وبعضه لم يذاع وينشر بين الناس حتى يومنا هذا بعد ، وتجد أمثالا لهؤلاء بين كل الشعوب ،ولكن أقربهم إلى ذاكرة السودانيين الغنائية تجده متمثلا في الجامايكي بوب مارلي والمصريان سيد إمام مُستصحباً بأشعار أحمد فؤاد نجم ،وسيد درويش مُستصحبا بمناخات بيرم التونسي الشعرية ، وأمثال هؤلاء يبدون على عجلة في حياتهم الفنية ،يتفجرون غناءً كثيفاً في زمن قياسي ،ومثل البرق يومضون لوهلة ،ثم ينطفئون ،مخلفين وراءهم حزناً عاصفاً وفاجعاً.
    ومن هذا المنظور تبدو المسألة في حالة محمود عبد العزيز غريبة ومختلفة ،لأنك لا تستطيع أن تصنفه بين هؤلاء أو أولئك ، فهو خارج سياق هذا التصنيف إذن ، ولكنك مطالب بتفسير هذه الصدمة الفاجعة ،وهذا الحزن العاصف الذي اجتاح العاصمة التي خرجت بكل شبابها من الجنسين لتستقبل جثمانه في مطار الخرطوم وتصاحبه باكية إلى مثواه الأخير .فالمشهد من المنظور العقلي والمنطقي التقليدي يبدو جنونياً ولا عقلانياً بالمرة .
    ففي نهاية الأمر لا يرقى مستوى ما قدمه من فن إلى مستوى ما قدمه محمد الأمين على سبيل المثال أو وردي ،لا من حيث كم أو نوع المنجز الغنائي ،ولم يضف جديداً نوعياً يُذكر في القالب (form) الموسيقي لأغنية وسط السودان التي تناسل منها ما يسمى في أدبيات الدراسات الغنائية بالأغنية الحديثة ،الخارجة لتوها من رحم أغنية الحقيبة وفن المدائح النبوية الديني بسلالمها الخمسة ،الشئ الذي فعله الكاشف من قبل بصورة عفوية وفعله محمد الأمين بعده بصورة أوسع وبوعي أكبر .
    هذا على مستوى القالب الموسيقي ،أما من حيث مضمون وجماليات النص الغنائي فلا احد يستطيع أن يعقد مقارنة بين ما قدمه محمود عبد العزيز من نصوص وما قدمه مصطفى سيد أحمد أو الكابلي على سبيل المثال ،أو فناني مرحلة كلاسيكيات الأغنية الحديثة ،حيث عبرت متدفقة على جسر أصوات أحمد المصطفى وسيد خليفة وعبد العزيز محمد داؤود وعثمان حسين والتاج مصطفى وغيرهم ، قصائد من عيون الشعر العربي الفصيح والدارجي والتراثي الشعبي ،لشعراء من طبقة المتنبي وشوقي وايليا أبي ماضي والتجاني يوسف بشير وحميد ومحجوب شريف والصادق الرضي وحسين عثمان منصور وبازرعة وحاردلو البطانة وإدريس جماع وعبد المنعم عبد الحي وحسن عوض أبو العلا وغيرهم .بينما اختار محمود اتجاه المفردة المتداولة اليومية ،والقريبة من نبض ولسان الشارع المتحرك وبلاغته الرمزية .
    وبتقييم فني موضوعي يعتبر الفنان الراحل من الطبقة الوسط بين الفنانين في خارطة الغناء السوداني ،تميز بصوت قوي عريض ومرن ،يستطيع أن يتنقل بسهولة بين الدرجات الصوتية ،ولكنه حتماً ليس من طبقة (البريتون ) التي يتميز بها صوت محمد الأمين ، ويستطيع بصوته هذا كان أن يدخل في مغامرات لحنية أكثر تعقيداً ،وأعمال تدخل دائرة المرجعيات الغنائية ، إلا أنه ،سواء لأسباب موضوعية تتمثل في طبيعة المرحلة التي لمع فيها نجمه ،أو لأسباب ذاتية تتعلق بمستوي وعيه وقدراته الفكرية والثقافية ،أو حتى طموحاته الفنية اكتفى بأداء ذلك النمط من الأغاني السهلة البسيطة في كلماتها .أغانٍ بسيطة وبعيدة عن التعقيد والتركيب الميلودي والإيقاعي ،وقد أجاد فيها .
    وحتى عندما قارب أداء أغاني من سبقه من الفنانين في مرحلة الحقيبة أو من كلاسيكيات الأغنية الحديثة أو من الموروث الشعبي ،فإنه كان يختار منها ما يتناسب ونمطه الغنائي الخاص السهل القريب من ذائقة جمهوره ،ويؤديها بطريقته السهلة تلك ،وبانفعال وحساسية ،فتبدو وكأنها جديدة أو من إبداعه الخاص ،وهذا شي تسهل ملاحظته في أدائه لأغاني الحقيبة ،وفي أغان هي أقرب إلى (الكولاج) مثل أغنية (هودنا) التي تتركب من مقاطع تراثية من أهازيج هدهدة (الحبوبات) للأطفال وألعاب الطفولة القديمة ،أو في أغنية مثل (العجب حبيبي) التي يجهل الكثيرون بأنها للفنان عبد العزيز محمد داؤود ، أو أغاني تستلهم إنسان المناطق المهمشة مثل الجنوب قبل الانفصال وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق ،حيث يقدمها بحب وعاطفة فنية صادقة يتفاعل معها الجمهور ،الذي اعتاد عبد العزيز إشراكه في الغناء معه ،ولعل هذا النمط من الغناء التفاعلي هو من أبرز سماته التي يتميز بها بين الفنانين ،وهي من أقوى عوامل تألقه "كفنان جماهيري" من الطراز الأول بمعنى الكلمة.
    وإذن فعبثاً إذا ما حاولت ان تجد تفسيراً لعملية "أسطرة " محمود عبد العزيز التي كانت واضحة في حياته بتحوله إلى أيقونة للشباب ،وتكرست وتأكدت بشكل قاطع في مشهد مرضه الذي لم يستمر طويلا ووفاته ومراسم الاستقبال الشعبي الحاشد لجثمانه ودفنه ،في منجزه الفني وما قدمه في حياته القصيرة ،رغم أنه كان إجمالا فناً جميلا ، استطاع به وبالكم الكبير من انجازه أن يحتل مكانة في قلوب عاشقيه ،إلا أن هذا المنجز وحده لا يستطيع أن يفسر ذاك المشهد المهيب وذاك الالتفاف الحميم حول جثمان الراحل ،والهتافات الداوية " حكومة تفوت يعيش الحوت" " كتلتوا الجان يا كيزان" ،التي كانت تنطلق بين عويل المشيعين من الجنسين ،ما بين المطار والمزاد ومقابر حلة حمد ،والذين تجاوزوا حسب التقديرات المليون .
    ولعل هذا ما دفع كثير من الكتاب إلى الاتجاه لمسارات أخرى غير الفن بحثاً عن إجابة على هذا السؤال ،أو لتفسير هذه الظاهرة الفنية من ناحية ، وتفسير انعكاساتها الاجتماعية والسياسية من ناحية أخرى ، ولكن خارج فضاءها الفني .
    فتجد من لا يتوانى عن إلقاء تهمة قتله على نظام الإنقاذ بشكل مباشر وبصورة متعمدة ومقصودة وبنيِّة جنائية مسبقة مستنداً على أدلة ووقائع ظرفية لا تخلو من وجاهة ،أيَّاً كانت درجتها . وقد كتب أحدهم في موقع معارض "سبب موت محمود هم عصابة البشير وأعوانه كما قتلوا والي الدين الآن يقتلوا محمود ادخلوه مستشفى رويال كير وكان فقط يعاني من قرحة في المعدة ،أطباء في جهة والطب في جهة قاموا بإجراء العملية وخرج بعدها من المستشفى ،وبعدها بشهر ذهب الى مدني لإحياء حفل ولم يستطيع لمرضه فأحرق الجمهور المسرح ،فأدخل السجن من قبل العصابة الحاكمة لمدة 3 أيام وتم جلده ،فأشتد مرضه فأدخل الى نفس المستشفى المملوكة للعصابة الحاكمة ،لا أدري لماذا لم يعالج البشير نفسه فيها عندما حصل له التهاب البلعوم ،أجريت له عملية أخرى وعن طريق الخطأ المقصود حصل تسرب في الأمعاء الدقيقة الى المعدة ومن ثم تسمم ،فحصل التهاب الدم ومن ثم نزيف المخ، تم نقله متأخرا إلى الأردن عن طريق زوجته السابقة الفاضلة نفيسة العشي وللأسف وافته المنية عندها والطبيب المعالج له يقول لو تم إحضاره قبل أسبوع لكان يمكن إنقاذه".
    ورغم اختلاف الزاوية التي أطل منها أغلب ، إن لم أقول كل ، الكُتَّاب ، على هذه الظاهرة المحمودية ، إلا أن كل هذه المقاربات لم تنظر إليه من الزاوية النقدية الفنية التي تأتي مدخلاً في العادة لدراسة وتفسير المصائر المأساوية للفنانين موضوع النظر والدراسة ، والذين عادة ما يكون لفنهم دور مؤثر وحاسم في مأساوية مصائرهم .
    إلا في حالة محمود عبد العزيز حيث اتجهت كل أدوات البحث والتنقيب إلى الحقل السياسي ، ولها في ذلك كل الحق . فقد لعب العامل السياسي بواقعه الإسلاموي الإنقاذي دوراً ، لدى إمعان النظر يمكن التكهن به وفهمه ، نظراً لفلسفة السلطة الثيوقراطية القمعية التسلطية ، المعادية للحرية والتنوع والاختلاف ، وساهم بشكل ملحوظ وواضح في نسج هذه النهاية المأسوية للمطرب الشاب . تماماً مثلما هيأ المناخ والظروف الاجتماعية والثقافية والأسباب قبل ذلك لنمو وازدهار أسطورته .
    وتلك علاقة ملتبسة ومتناقضة بشكل غريب.
    فالفنان الذي حاربه "النظام العام" بضراوة وترصده وعامله بقسوة ولؤم ، لم تُعرف له مواقف سياسية واضحة أو غير واضحة ، ورغم هذا احتاج إليه النظام عندما أراد أن يحشد جماهير شباب الهامش لاحتفاله بما أسماه ملحمة " استرداد هجليج " ، مثلما غنى في حملة ياسر عرمان الانتخابية وهو المعارض العتيد للنظام .
    وتبلغ انتهازية الاسلامويين قمتها عند وفاة الفنان ، حيث لاحظت الكاتبة حليمة عبد الرحمن " تدافع الحكومة المستميت لسرقة مشاعر الشعب بإظهار أن الفنان ينتمي لها وتأطيره بإطار المؤتمر الوطني ولو أدى ذلك إلى إرسال طائرة خاصة لجلب جثمانه من الأردن، في حين أنها لم تكلف نفسها مشقة دفع فواتير مستشفى بن الهيثم، والتي تكفل بدفعها صديقه احمد الصاوي وتبرعت زوجته بأجرة الطائرة(الراكوبة01-14-2013) " (1).
    وهي ترى بأن جلب الحكومة جثمان قتيلها بطائرة خاصة ، إنما هو مشي في جنازته يحقق لها هدفين ، أولهما هو الاستفادة من التغطيات الإقليمية والعالمية من صحافة ورقية والكترونية ، وقنوات فضائية والتي حظيت بها وفاة محمود، لتبيض من خلالها وجهها الكالح بأنها تدعم الثقافة والآداب والفنون. كما أنها أرادت بهذا الإجراء التحكم في زمن وصول الطائرة وبالتالي في مواعيد الدفن ، وبذلك يسهل فض التجمع الذي ربما يسبب لها الحمى والأرق ويجلب لها (الهواء( من حيث لا تحتسب" (2) .
    ولم يذهب الصحفي والكاتب عبد الله رزق بعيداً عن هذا المنظور في مقاربته " محمود عبد العزيز متمرد بطريقته " ، فهو يلاحظ أيضاً أن الحكومة أبدت " اهتماما غير مسبوق، وربما بأثر رجعى أيضا ، بالفنان محمود عبد العزيز، في اللحظات الأخيرة من حياته ، بما يضفى على الفنان الشاب ورحيله مغزى سياسيا،من جهة ، ويضع دوافع الحكومة لمثل هذا الاهتمام المتعدد الأوجه ، في محل التساؤل ، من الجهة الأخرى.
    فمما له مغزى فى هذا السياق ،انه وفى وقت قريب ، أقدم إمام في احد مساجد العاصمة، على منع فنان مشهور، من الوقوف في الصف الأول، لأداء الصلاة خلفه، بحيثيات، قد لا تخرج بعيدا عن إطار رؤية الحكومة للفن والفنانين.
    وقد فسرت بي بي سي هذا الاهتمام الرسمي ، بالحوت أو الجان ،كما يحلو لمعجبيه أن يلقبوه ، بـ"خشية السلطات السودانية أن يتحول استقبال جثمان المطرب السوداني وتشييع جنازته إلى مظاهرة سياسية" (3).
    وكما ترى فإن التركيز في تفسير أسطرة ومأساة وفاة الفنان تمحور حول العامل السياسي ، وعلى دور النظام السياسي ومؤسساته فيما يشبه الحرب على الفنان الشاب ، ورغم موضوعية هذا الربط ، إلا أنه يبدو غير كافٍ لتفسير أسطرة الفنان في حياته ، ما دعا إمام الأنصار رئيس حزب الأمة الصادق المهدي إلى تناول ما أسماه الظاهرة (الحوتية) التي فسرها ، بالطبع من منظوره الطائفي ،بأنها حالة احتجاج شابة أفضت لتنصيب محمود عبد العزيز شيخاً على معجبيه ، وقال إن جموع المشيعين للراحل دلت على عدم سماعهم بالمشروع الحضاري الذي حاولت الإنقاذ تأسيسه طيلة ربع قرن.
    وكما ترى فإنه حتى باحث ومفكر بحصافة الدكتور حيدر إبراهيم اتخذ من العامل السياسي الآني مدخلاً لمقاربته السسيولوجية العميقة لظاهرة "الحوت" ومأساته مؤكداً بأنه "يمكن اتخاذ الفنان محمود عبد العزيز كرمز أو أيقونة للدلالة والإشارة لتجسيد وقائع الشمولية لنفسها في إنسان. فمحمود عبد العزيز الذي كان عند محبيه قبل زمن قليل " ريحانة شباب السودان " ظهر قبل أيام في برنامج السر قدور الرمضاني وكأنه "طينة البؤس" الذي ذكرها الشاعر إدريس جماع لقد تجمع كل قهر ورعب وذل وقمع وتشويه وحيونة العقدين السابقين ، في إنسان واحد ،لأن ممارسات النظام – بالصدفة؟ - وقعت عليه دفعة واحدة " (4).


    [email protected]


    مراجع
    1) حليمة عبد الرحمن " رحيل الحوت يفضح المشروع الحضاري " موقع الراكوبة ( 01-19-2013 ) .
    (2) حليمة :السابق.
    (3) صحيفة الشرق الأوسط " رحل الحوت فأبكى الخرطوم وجوبا! " ، بتاريخ 01-18-2013 ) ) .

    (4) د. حيدر إبراهيم علي ، "محمود عبد العزيز ونظرية الهدر الإنساني" الراكوبة ،الخميس, 23 أيلول/سبتمبر 2010.



                  

02-01-2013, 10:58 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

    جميل جداً يا أستاذ

    راجع الإيميل
                  

02-02-2013, 09:51 AM

الزنجي
<aالزنجي
تاريخ التسجيل: 09-05-2003
مجموع المشاركات: 4141

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: حبيب نورة)

    رائع


    سياق المثيولوجية
                  

02-02-2013, 11:17 AM

Mubarak kunna
<aMubarak kunna
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 499

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: الزنجي)

    انا لله وانا اليه راجعون
    اللهم اغفروارحم للقفيد محمود عبدالعزيز
                  

02-02-2013, 11:58 AM

محمود بكر
<aمحمود بكر
تاريخ التسجيل: 10-25-2005
مجموع المشاركات: 763

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: Mubarak kunna)

    الحبيب صغيرون

    هذا اروع مقالة تقيمي لمسيرة الراحل

    لك التحية






    ـــــــــــــــــ

    هل انت عزالدين عوض صغيرون
    مدرسة الجمهورية الوسطى امدرمان
                  

02-03-2013, 11:16 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: محمود بكر)

    الأخ العزيز الكريم محمود بكر
    لك خالص الود والتقدير
    أشكرك كثيراً يا أخي

    وياني عزالدين عوض صغيرون ذاتو الطالب بمدرسة الجمهورية لعامين
    تحت رعاية أستاذنا ومفخرتنا التربوية الصالح / عبد الحفيظ هاشم
    تلك سيرة عطرة ومرحلة ثرية
                  

02-07-2013, 01:04 AM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: Mubarak kunna)

    أخي كُنه
    نسأل الله للفقيد الشاب الرحمة والمغفرة بقدر ما كان طيباً وسمحاً ..
    وقدر ما كان معطاءً ..
    ولك الشكر على المرور
                  

02-02-2013, 10:21 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: الزنجي)


    شكراً على مرورك الكريم يا زنجي
                  

02-02-2013, 11:28 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: الزنجي)


    شكراً على مرورك الكريم يا زنجي
                  

02-02-2013, 06:22 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: حبيب نورة)

    أخي حبيب نوره
    تقبل تحياتي
    قرأت الايميل وقد سرني للغاية ما انت بصدده الآن
    (ربما كان سراً ما تنسجه الآن في مغزلك الإبداعي وتريد له أن يكون مفاجأة)
    لكنه أعجبني .. وأهنئك مقدما عليه .. واتفضل أأمر
                  

02-03-2013, 11:48 PM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

                  

02-06-2013, 01:13 AM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: حبيب نورة)

    ............
    ......................
                  

02-09-2013, 05:02 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

    وووو
                  

02-09-2013, 05:02 PM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

    وووو
                  

02-09-2013, 10:24 PM

ياسر احمد محمود
<aياسر احمد محمود
تاريخ التسجيل: 07-19-2006
مجموع المشاركات: 2545

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

    Quote: الموت أو الفناء هو الخروج من هذه الدنيا، وهو ضد الخلود والدوام. ورغم أن الانسان يعلم علم اليقين أنه ميت ولو بعد حين، إلا أنه يحاول دائماً الهرب من هذا المصير، سواء باقناع نفسه بوهم أنه قد يختلف عن بقية البشر، أو بمحاولة اطالة العمر دون أن يقضي على الموت ذاته. فرغم أن الموت حق معلوم، إلا أنه مكروه من كل أحد، وفي ذلك يُذكر أن أحدهم قال: \" أنا أصلي بلا وضوء، وأهرب من رحمة الله، وأكره الحق \"، فعوتب في ذلك إلا أن علي بن أبي طالب حل اللغز كما يُقال، فقال: \" نعم، أصلي على النبي بدون وضوء، وأهرب من المطر وهو رحمة الله، وأكره الحق وهو الموت \". ويقال أن السبب في كراهة الموت يعود إلى بدء الخلق. فحين أمر الله الروح الحية أن تدخل جسد ادم الطيني الميت، رفضت وقالت: \"وكيف ادخل مكاناً مظلماً وموحشاً كهذا المكان ؟ \". فأرغمها الله تعالى على ذلك وقال ما معناه أنه كما دخلت كرهاً، فستخرجين كرهاً. بطبيعة الحال ليس من الضروري أن تكون هذه القصة حقيقية، فليس لها سند شرعي أو تاريخي محدد، ولكنها نوع من التعبير الرمزي ربما عن كراهة الموت رغم أنه حق، ورغم أن الحياة الحقيقية هي ما بعد الموت.
    ولكن في كثير من الأحيان يكون الموت في هذه الدنيا سبباً للخلود فيها. والمقصود بذلك خلود الأسم وليس خلود الجسد. وليس من الضروري أن يكون الميت صاحب معجزات وخوارق، او اعمال تفوق ما قام به غيره، بل قد يكون أقل من غيره في مجال الانجاز، ومع ذلك يخلد هذا وينطفيء ذكر ذاك واسمه مع اخر نسمات من الهواء تنفسها. والموت المؤدي إلى الخلود بهذا المعنى، ليس كل موت او اي موت، بل لا بد أن يكون متصفاً بصفات معينة. يجب أن يكون الموت المؤدي إلى الخلود موتاً يتصف بالدراماتيكية والتراجيدية والمفاجأة، بحيث يتحول صاحبه نتيجة ذلك إلى اسطورة حية وإن مات جسده. بل لا بد من موت الجسد كي يخلد الاسم وتعيش الاسطورة. ويمكن القول أنه كلما كان الميت اصغر سناً، كلما كتب له خلود الاسم اكثر، وكلما كانت اسطورته اقوى، فموت الفرعون المصري توت عنخ آمون صغيراً خلده في التاريخ مثلاً، رغم أنه لم يكن صاحب انجاز يُذكر، وفي موت الأميرة ديانا دليل أوضح على ذلك. فكل يوم يموت، وبالالآف، من هو اجمل منها، واذكى منها، وانبل هدف منها، واقدر منها. فديانا لم تكن اجمل امرأة في العالم، ولم تكن صاحبة انجاز يخلدها فيه التاريخ. لم تكن بذكاء اينشتاين، أو قوام افروديت، أو تقوى رابعة العدوية والأم تيريزا، أو صبر أيوب، ولم تقم بفتوحات الاسكندر، أو خوارق موسى والمسيح، أو، أو، أو. ولكنها كانت نموذجاً لانسان فطري يريد الأنطلاق دون قيود. ماتت ديانا صغيرة وبسيناريو تراجيدي اغريقي، ولذلك تحولت إلى اسطورة. وقد قيل في هذا المعنى أن الأساطير تموت صغيرة.
    الأمثلة كثيرة في هذا المجال، سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية أو الفنية او غير ذلك. ففي مجال الحب مثلاً، لم يكن انطونيو وكليوباترا، أو قيس وليلى، أو روميو وجولييت، الوحيدين الذين ينطبق عليه المثل الشعبي المصري: \" يا عيني على اللي حب ولا طالش \"، أو الوحيدين الذين ماتوا نتيجة حب يائس، أو فرقت بينهم الظروف وصروف الزمن فجعلت هذا مجنوناً وذاك مكموداً. ملايين من البشر قديماً وحديثاً احبت ولم تحصد ثمار حبها، ولكننا لم نسمع عنهم وبقيت الحياة سائرة في طريقها لا تلوي على شيء. وقد يكون هناك من مات أو جن أو غير ذلك من تلك الملايين، ولكنهم درسوا مع غيرهم، وغابت منهم الاجساد والذكر والاسماء. اما هذا الرهط من المحبين الخالدين، فقد انتهت علاقتهم بموت تراجيدي مفاجيء، أو حياة هي مثل الموت، مليئة بكل تراجيديا ممكنة. وليس ذلك هو كل شيء، ولكن قيض الله لهم من تغنى بحبهم و \"اسطره \" على مر التاريخ. أو كانوا هم ذاتهم من علية القوم بحيث لا يمكن تجاهل المأساوية في علاقة الحب ونهايتها، رغم قدرتهم على فعل ما يحلو لهم.
    وفي المجال السياسي، نجد أن جزءاً كبيراً من خلود اسماء بعض اصحاب الحركات السياسية، إنما يعود إلى موتهم التراجيدي، المترافق مع صغر في السن احياناً، وهدف نبيل يسعون إليه، قبل أن يكون راجعاً إلى قوة الفكر، أو الانجاز المبهر، أو مجرد الهدف. فاسم ثائر مثل ارنستو تشي غيفارا مثلاً، قد تحول إلى اسطورة سياسية معاصرة تفوق الانجاز الفعلي والتاريخي للرجل. كان غيفارا ثائراً ضد الظلم، وساعياً للعدل والمساوة كما يعتقدهما، ومحباً للناس البسطاء، ولذلك ترك المهنة المريحة في الارجنتين، والسلطة في كوبا بعد انتصار ثورتها، وحاول أن يحرر الكل بعد أن تحرر الجزء، وفق مفاهيمه بطبيعة الحال. كل هذا قد يكون صحيحاً، وهو صحيح، ولكن غيفارا لم يكن الوحيد صاحب الهدف النبيل، ولم ينجح في تحقيق ما سعى إليه، بل أن ذات الفلاحين الذين ثار من اجلهم، وشوا به ورفاقه لدى السلطات البوليفية، مما ادى إلى القبض عليه وقتله كما هو معروف. اسطورة غيفارا لا تقوم إذن على نبل الهدف مجرداً، ولا على ضخامة الانجاز، كما هو الحال مع اساطير سياسية اخرى، ولكنها تقوم على دراماتيكية الموت، ومأساوية القصة. هذا لا يعنى التقليل من شأن غيفارا، ولكنه يعني القاء الضوء على المسبب الأساسي لقيام ونشوء اسطورة سياسية من هذا الفرد بالذات وليس غيره.
    وغيفارا ليس إلا مثلاً، وإلا فإن اشخاصاً مثل جان دارك، وجون وروبرت كينيدي، وجمال عبدالناصر، وحسن البنا، وسيد قطب، وشهدي عطية الشافعي، وعبدالسلام عارف في حينه، وكذلك غازي وفيصل الثاني في حينهما، وغيرهم في الشرق والغرب كثير، امثلة على كيفية تحول الفرد إلى اسطورة سياسية. واكاد اجزم أنه لو أن شخصاً مثل جميلة بوحريد أو احمد بن بلا، مات في وهو يجاهد الاستعمار، أو بعد الانقلاب عليه، كما حدث مع بن بلا، لتحولا إلى اسطورة سياسية من اساطير العرب المعاصرين. بل أني اكاد أجزم أنه لو أن شخصاً مثل صدام حسين قتل أو انتحر في اعقاب حرب الخليج الثانية، أو في أعقاب القبض عليه في الحفرة المشهورة، لتحول إلى اسطورة سياسية بدوره، مثل اسطورة هتلر وموسوليني، وإن اختلفت الأساطير ووظائفها. فليس من الضروري أن تكون الأسطورة ممثلة للخير والسمو. فكما أن هناك أرض وسماء، ملاك وشيطان، قابيل وهابيل، نعيم وجحيم، خير وشر، فإن الأسطورة تعبر عن كلا الشقين، وفق الوظيفة المرادة.
    ليس معنى هذا الحديث أن تحول الفرد إلى اسطورة سياسية أو غير سياسية لا بد أن يكون مترافقاً مع نهاية حياة دراماتيكية. المراد هنا هو القول أن الموت الدراماتيكي ضروري عندما لا يتوفر الانجاز الأسطوري. وإلا فإن اشخاصاً مثل نابليون وكليمنصو وديغول في فرنسا، أو دزرائيلي وتشرشل في انجلترا، أو بسمارك وايمانويل الثاني في المانيا، أو ميترنيخ في النمسا، أو كافور ومازيني في ايطاليا، أو عبدالعزيز آل سعود في الجزيرة، أو محمد الخامس في المغرب، أو محمد المهدي في السودان، أو بطرس الأكبر وكاثرين الثانية ولينين في روسيا، أو غاندي في الهند، أو سيمون بوليفار في امريكا الجنوبية، أو ابراهام لينكولن في الولايات المتحدة، أو نيلسون مانديلا في جنوب افريقيا، أو غيرهم كثير على مر التاريخ، كانوا اصحاب انجاز خارق للعادة جعلهم اساطير سياسية على مر الأيام، بقوة الانجاز، لا بقوة الموت. ولكن، ليس هذا هو موضوعنا هنا. الحديث هنا هو عن اولئك الذين حولهم الموت الدراماتيكي بصفة خاصة، إلى اساطير حية تعيش بيننا.
    وفي مجال الفن، تبرز اسماء مثل ولفغانغ موزارت، ومارلين مونرو، وغريس كيلي، وجيمس دين، والفيس برسلي، ومايكل جاكسون، وكاميليا، وأسمهان، وعبدالحليم حافظ، وغيرهم. كل هؤلاء كان الموت الدراماتيكي جزءاً من خلود اسمائهم وتحولهم إلى اساطير فنية. ونكرر هنا القول، أن ذلك لا يعني أن هذه الأسماء هي لنكرات بلا انجاز، ولكن المقصود هو أن خلود الاسم اكبر من ذات الانجاز. فلو عاش جيمس دين، أو مارلين مونرو أو الفيس برسلي مثلاً، حتى بلغوا من العمر عتياً، فلربما لم يحققوا كل هذا الأشعاع الذي نراه حول اسمائهم حتى اليوم. وربما العكس، أي أنهم قد يصلوا بأنجازاتهم إلى قمم جديدة، ويأسطرون أنفسه بالانجاز، ولكن ذاك شيء بظهر الغيب، وليس لنا إلا التوقف بالحكم عند لحظة انتهاء الحياة، وبداية الموت، وما بعد ذلك ليس لنا.
    وفي مجال الأدب والفكر، تبرز اسماء مثل سقراط وارنست همنغواي وفيرجينيا وولف وجورج حاوي، واروى صالح، التي عرفناها بانتحارها اكثر من كتاباتها، وربما تتحول إلى اسطورة بين جيل رافض، وإن لم يكن على اسسها الأيديولوجية. سقراط يبتلع السم، ويرفض الهرب، ويموت مخلداً نفسه عن طريق تلميذه افلاطون. وتبتلع فرجينيا حبوب الفيرونال اختياراً، وهي تعيش أفضل حالاتها ظاهراً. ويطلق همنجواي رصاص بندقية الصيد على رأسه، وهو صاحب نوبل وبوليتزر، والثري والشهير والمحبوب. ويقضي حاوي على نفسه احتجاجا على أمور سياسية ظاهراً، ولكنها في اعماق وجود الانسان باطناً. وأروى صالح تغلف انتحارها بالسياسة وتحولات المجتمع، ولكن المشكلة ربما تكون اعمق من ذلك بكثير. لو لم يمت سقراط في مشهد دراماتيكي، كالذي صوره لنا افلاطون، لربما ما عرفنا سقراط. فسقراط لم يكتب شيئاً، وكل ما نعرفه عنه قادم من تلميذه افلاطون. ولا ندري على وجه اليقين مدى الصدق في حديث افلاطون عن استاذه. وحقق همنغواي من الخلود بانتحاره ما لم يمكن أن يحققه برواياته، رغم نوبل وبوليتزر، والقياس ممكن على الجميع. لم يكن سقراط اعظم الفلاسفة، ولكنه اصبح كذلك بماساته. ولم يكن همنغواي اعظم من كتب الرواية، ولكنه اصبح من اعظمهم عندما صوب البندقية إلى رأسه، وجعل من حياته ذاتها رواية ملحمية اغريقية. فهل يجب أن ينتحر المفكر كي يصبح عظيماً؟..
    وفي مجال المذاهب الدينية، لا يمكن إلا أن يذكر الحسين بن علي، رضي الله عنهما، والحلاج والسهروردي المقتول، وغيلان الدمشقي، والنفس الزكية، وهم ليسوا إلا مثالاً من تاريخنا الخاص، وإلا فإن الأمثلة كثيرة شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، ماضياً وحاضراً. مقتل السهروردي، وصلب الحلاج مثلاً، لم يجعلهما اكبر المتصوفة في تاريخنا وحسب، رغم أنهما ليسا كذلك، ولكنه حولهما إلى اسطورة تجري على الألسن وتتلظى بها الأفئدة، ويرفعها ماسينون إلى مصاف صلب المسيح في العقيدة المسيحية، ويتغنى بها إبن عبدالصبور شعراً خلد فيه نفسه، قبل أن يخلد الحلاج.
    والذين يتحولون إلى اساطير من البشر، يعيشون في الغالب حياة بائسة. فقد سئل بسمارك ذات يوم عن ايام السعادة في حياته، وهو محقق الوحدة الألمانية وسيد الرايخ الثاني، فحددها بخمسة ايام من عمره كله. ورغم كل الثراء والشهرة التي كان يتمتع بها همنجواي، كان احساسه بالسعادة معدوماً. وكذلك الفيس بريسلي ومونرو وغيفارا نفسه، كما يتضح جلياً من مذكراته. ويبدو أن الأساطير الحية تقدم السعادة للآخرين، ولكنها عاجزة عن اسعاد نفسها. أو قل، أنها تدفع سعادتها ثمناً لسعادة الآخرين، وهنا يكمن سر سعادتها ربما.
    هذ من ناحية، ومن ناحية اخرى، فيبدو أن الانسان غاير قادر على العيش بدون اسطورة، شراً كانت أو خيراً كانت تلك الأسطورة. الاسطورة تعطي الأحساس بالمعنى، حتى عندما يغيب المعنى، وبما يجب أو لا يجب. لا تخرج الأشياء من رحم الغيب عبثاً، إذ لا بد أن تكون مليئة بالمعنى، الذي هو سر الحياة. ملاحم هوميروس، ومحاورات افلاطون، وانتحار كليوباترا وولف وهمنغواي، وطواسين الحلاج، وقمصان غيفارا، وشباب جيمس دين، وأنوثة مارلين مونرو، وموسيقى موزارت، وصلابة قطب، ورومانسية العندليب، وغيرهم. كل ذلك ليس عبثاً، ولا يمكن أن ينتهي إلى العبث. إنه تعبير عن السامي في اعماقنا، ذاك الذي افتقدناه، بحثنا عنه في أي شيء وكل شيء. قد تفرقنا الطبقات والصراعات والحزازات والانتماءات الفكرية هنا أو هناك، الآن أو انذاك، ولكن جوهرنا واحد في النهاية، وهذه هي القضية..هذه هي القضية..

    تركي الحمد
                  

02-12-2013, 00:11 AM

عزالدين صغيرون

تاريخ التسجيل: 11-20-2009
مجموع المشاركات: 459

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: ياسر احمد محمود)

    العزيز ياسر
    شكرا على هذه الاضافة القبمة بقلم تركي
    وبالفعل فإن أسطرة الناس قضية معقدة للغاية ، ولكنها باختصار (أرجو أن لا يكون مخلاً ) محاولة من الأحياء لإضفاء بعد ماورائي /خالد/ على ما يتناثر من نثر حياتهم اليومية
    أو هي محاولة لإضفاء شئ من (المعنى) على هذه الثرثرة التي لا تقول شيئاً عن عذاب الانسان ..
    ولكنها من الناحية الأخرى محاولة لإزالة الالتباس عن أسئلة لا يملك أحد ما إجابة لها ، أسئلة من نوع (ما هي السعادة) ..
    ومن هذه الزاوية فإن الموت المبكر يبدو كما لو كان نوع من الاجابات المقترحة .. وهو من نوع الاجابات التي تؤكد مفهوم (العبث) عبث الوجود و (اللاجدوى) ..
    إلا أن الانسان يميل (ربما بدافع غريزي) إلى تأكيد الخلود والمعنى والجدوى على وجوده ..
    ومن هذه الزاوية يبدو لي أن (الأسطرة) سواء كانت بدوافع النهايات الدراماتيكية أو غيرها مما أشار إليه تركي الحمد إنما هي عملية (تجسيد رمزي) لرغبات تضرب في عمق الوجود البشري
    ذلك أن البشر هم المخلوقات الوحيدة التي تتساءل حول وجودها ومدى تجذره .. وهي المخلوقات الوحيدة التي تملك وعياً مسبقاً بالموت.
    ولذا فإنني (كما ستلاحظ في الحلقة الثانية والثالثة) من قضية الحوت لم أكتفي بالرؤية من الخارج فقط ، أو من الداخل فقط ، وربما يكون الحمد أشار إلى ضرورة الجمع بين الرؤيتين
    ولكنه فعل ذلك بصورة غير واضحة ، وبطريقة تشي بأن الرؤية عنده لم تكن بالوضوح الكافي ..
    فأنت لا تقف بنظرك على الظروف الخارجية (سياسية أو اجتماعية) .. كما لن تقدم لك الرؤية الداخلية (النفسية ) والنفس مجتمعية وحدها إجابة شافية تفسر لك الظاهرتين : الأسطرة والانتحار
    ويبدو لي أن المسألة تحتاج إلى معالجة أكثر عمقاً وتفصيلا
    ولكني أشكرك لأنك فتحت باباً تأتي منه رياح الأسئلة
    ودمت
                  

02-12-2013, 00:31 AM

حبيب نورة
<aحبيب نورة
تاريخ التسجيل: 03-02-2004
مجموع المشاركات: 18581

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: andquot;الحوتandquot; خارج سياقاته المثيولوجية (1) (Re: عزالدين صغيرون)

    Quote: محاولة من الأحياء لإضفاء بعد ماورائي /خالد/ على ما يتناثر من نثر حياتهم اليومية
    أو هي محاولة لإضفاء شئ من (المعنى) على هذه الثرثرة التي لا تقول شيئاً عن عذاب الانسان ..


    الماورائيات دي كلها وإنت قاعد في مكة ؟؟؟

    أمّال لو قعدت في موسكو تكتب شنو ؟ :)



    ــــــــــــــ

    just kidden

    مشكور يا أستاذ
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de