السرورية

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-20-2024, 05:32 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-29-2013, 01:49 AM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السرورية



    السرورية
    محمد سرور زين العابدين


    صفحات من الماضي :
    ارتبطت بالعمل الإسلامي الجماعي وكان عمري لا يتجاوز خمسة عشر عاماً، وأعطيت هذا العمل كافة إمكاناتي وقدراتي، وكان لهذا الارتباط إيجابيات وسلبيات:
    فمن إيجابياته التي لا أنساها أن هذه الجماعة كانت الجماعة الوحيدة التي تدعو إلى الله جل وعلا في المنطقة التي نشأت وترعرعت فيها، فلم يكن هناك مدارس شرعية، ولا موجهون علماء يجمعون الشباب حولهم، ويفقهونهم في دين الله، ولا جماعات إسلامية تتنافس فيما يرضي الله سبحانه وتعالى.
    وعدم الارتباط مع هذه الجماعة يعني الارتباط بأحزاب جاهلية مرتدة، لأن الشباب في بلاد الشام - وخاصة في تلك المرحلة - كانوا يهتمون بالسياسة أشد الاهتمام، ويشعرون أنه لابد من الانتماء الحزبي، وكان العمل الحزبي يجذب الغالبية العظمى من الشباب... وإذا سلم الشاب من الانتماء إلى الأحزاب الجاهلية المرتدة، فقد لا يسلم من الفساد، لأن أجواء الطلبة كانت موبوءة، لاسيما وأن المدارس الإعدادية والثانوية كان وجودها قاصراً على المدن المهمة، وكان أكثر الطلبة يضطرون إلى مغادرة قراهم، وكانت كل مجموعة تشترك بسكن جماعي.
    لقد هيأت لنا هذه الجماعة أجواء طيبة، وربطتنا بأهداف نبيلة، وأبعدتنا عن الشذوذ والانحراف، فجزى الله الأساتذة والمربين الذين تعهدونا بالرعاية والتوجيه كل خير، وأسأله تعالى أن يجعل هذا العمل في صحائف أعمالهم يوم لا ينفع مال ولا بنون... ولن أنسى لهم هذا الجميل.
    أما السلبيات فمن أهمها ما يلي:
    1- بعد رحلة في هذه الجماعة استمرت عشرة أعوام، هيأ الله لي أجواء علمت من خلالها أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون من خلال عقيدة ومنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولم تكن الجماعة التي انتسبت إليها كذلك، وكنت أحاول التوفيق بين قناعتي الجديدة ووضعي في هذه الجماعة، ولكن هيهات، فالمسافة بعيدة، والخرق يتسع.
    صحيح أن الجماعة في المنطقة التي أقيم فيها ليس فيها أشاعرة أو متصوفة أو معتزلة، ولكن هذا الصنف موجود في مناطق أخرى، وبينهم مسؤولون من كبار أهل الحل والعقد في إطار بلاد الشام، أو في إطار البلدان العربية، وهؤلاء عند منتسبي الجماعة ثقات، وغير مسموح بنقدهم أو تجريحهم، لأن الأصل في توثيقهم انتماؤهم لهذه الجماعة، وليس الأصل مناهجهم وتصوراتهم التي يدعون إليها.
    وهذا العمل الحزبي يجعل الفرد المنتمي إلى هذه الجماعة يشعر بأن فلاناً الصوفي أقرب إليه مرات ومرات من فلان السلفي لسبب بسيط جداً، فالأول من الجماعة، والثاني مستقل، ولا ينتمي لأية جماعة.
    لقد سئمت من سياسة التجميع على أساس غير سليم، وصرت أعتقد فشل سياسة وتخطيط هذا الخليط من الخلائق، وإن زعموا أنهم من النصر قاب قوسين أو أدنى، ومللت من ترداد من حولي: "ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"... كيف يعذر بعضنا بعضاً في اختلاف التضاد؟!، وهذا الإعذار يعني أنه لا فرق يستحق الذكر بين السلفيين وأهل الاعتزال وغيرهم من أهل البدع والخرافات.
    إن الغوغائية هي التي تجعل هؤلاء الناس يرددون هذه المقولة، وعندما يتحررون من الغوغائية والسطحية، سوف يشعرون بخطر هذا الشعار... وفضلاً عن هذا وذاك لم أجد مسوغاً لتقديم قول قادة هذه الجماعة على كل قول، وإن كان هذا القول شرعياً وعليه أدلة واضحة من الكتاب والسنة حاولوا تأويل هذه النصوص حتى لا تتعارض مع أقوال القادة، والقادة رحمهم الله لا يرون لأنفسهم مثل هذا الحق... وهذه هي مشكلة الأتباع، يغالون في حب قادتهم، ويزداد هذا الغلو مع مرور الزمن، وقلة العلماء العاملين، واندراس العلم.
    2 - كنت صغيراً عندما انتسبت إلى هذه الجماعة، وكنت أفتقد الحد الأدنى من العلوم الشرعية التي تمكنني من معرفة حدود الطاعة، ولهذا فقد كنا نخضع لمزاجية المسؤول عنا... كان يأمرنا أن نقاطع فلاناً لأنه انحرف عن خط الجماعة، وكنا نستجيب له لأننا نعتقد أن طاعة هذا المسؤول طاعة لله ولرسوله، وهو - أي المسؤول - الذي علمنا هذا الاعتقاد.
    كنا نعلم بطريقة أو بأخرى أن هذا الأخ الذي قاطعناه: لم ينحرف عن خط الجماعة، ولم يتخلَّ عنها أو يناصبها العداء، ولكنه اختلف خلافاً شخصياً مع صاحبنا الذي أمرنا بمقاطعته، وكنا في هذه الحال نبحث عن أعذار للمسؤول عنا، فإن لم نجد أوهمنا أنفسنا بأن الجماعة على خير ما يرام، ويجب ألا نشتغل بما لا يعنينا، ولابد في الجماعة من مثل هذه الأخطاء.
    وأحياناً كان الأخ الذي قاطعناه، يسوي خلافاته مع المسؤول عنا، ويعودان كما كانا أخوين متحابين... والعجيب تسويفات وأعذار المسؤول عنا في الحالين، فالحق معه دائماً، وأخيراً فقد قبل اعتذار الأخ المذنب لأن صدره واسع، وقلبه لا يعرف الحقد ولا الضغينة، والدعوة عنده مقدمة على كل اعتبار!
    وإنني في هذا المقام أعتذر لكل من قاطعته وخاصمته خلال تلك الفترة، وأعترف بأنني كنت مخطئاً، وعذري في ذلك: قلة علمي، وانبهاري بقيادتي وعصبيتي الحزبية، واعتقادي بأن الحق يدور مع جماعتي حيثما دارت.
    وطالما سمعنا من المسؤولين عنا إسرافاً في الثناء على أشخاص يقتسمون معهم المسؤولية، ونعود وبشكل مفاجئ فنسمع هجوماً عنيفاً عليهم، وإلصاق تهم خطيرة بهم، والمسافة بين المدح والقدح واسعة جداً... فنسأل: ولماذا كنتم تزكون أشخاصاً هذه هي صفاتهم وأخلاقهم، وكيف وصل هؤلاء إلى قيادة الجماعة؟!.
    فيرددون علينا ردوداً غير مقنعة.. ثم تنقسم الجماعة إلى جماعتين أو إلى ثلاث، وبعد حين من الزمن تنقسم كل جماعة إلى جماعات ويشتغل معظم الأفراد بهذه الخلافات بدلاً من اشتغالهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ويتسع الخرق على الراقع، ويبرز دور الوسطاء والمصلحين، ثم يتحول المصلحون إلى جماعة جديدة، ويخوضون غمار هذه المعارك ويقعون بما كانوا يستنكرونه، والملفت للنظر أن الجميع يرددون شعارات واحدة، ويطبقون مناهج واحدة، ويتعصبون لجماعة واحدة.
    وحتى لا نظلم هذه الجماعة، ونحملها أكثر مما تحتمل فإننا نؤكد بأن الجماعات الإسلامية لا تزال تعاني من مشكلة في القيادة، ولا تزال هذه المشكلة تحتاج إلى حل جذري.
    فبعض هذه الجماعات تعتقد بأنها جماعة المسلمين، وترى لقيادتها الحقوق نفسها التي تتمتع بها قيادة جماعة المسلمين... وهذه المفاهيم المعوجة وغيرها تجعل من الرجل الأول »ديكتاتوراً« مستبداً، يعزل من يشاء، ويعين من يشاء، ويؤدب من يشاء، وتراه يرسخ هذه المعاني في نفوس أتباعه، فالشورى عنده معلمة وليست ملزمة، والأحاديث المقررة في المناهج هي الأحاديث التي تنص على وجوب السمع والطاعة للأمير في المنشط والمكره، وهي نفسها الأحاديث التي تنص على وجوب طاعة خليفة المسلمين، وزيادة على ذلك فقائد هذه الجماعة يأخذ بيعة من كل فرد من أفراد جماعته.. ولا نجد أي فارق بين شروط وكيفية إعطاء هذه البيعة له، وبين البيعة الشرعية لخليفة المسلمين... ومن بين هذه الجماعات الآنفة الذكر من يدعي أن جماعته ليست جماعة المسلمين، ولكن أعمالهم وتصرفاتهم تخالف ادعاءهم.
    والبعض الآخر من الجماعات الإسلامية فُتِنَت بمفهوم النظام الديمقراطي الغربي في الانتخابات، وألبست هذا المفهوم لباس الإسلام وسمته (الشورى)، ومن أجل هذا يعمد قادة هذه الجماعات إلى وضع أسس ومواصفات لا تسمح لغيرهم بالوصول إلى سدة القيادة... إن أساليبهم لا تختلف عن أساليب الحكام في بلادنا الذين يضطرون إلى إجراء انتخابات.. ويبرز من خلال هذه الانتخابات داخل الجماعة الإسلامية دور الرجل "الديمقراطي" المتسلط أو دور التحالف بين المتسلطين، وبقية أعضاء القيادة أو مجلس الشورى، وظيفتهم أن يرفعوا أيديهم بالموافقة على كل مسألة يطرحها الرجل المتسلط أو تحالف المتسلطين.
    وقد يحدث خلاف بين تحالف المتسلطين، وهذا هو شأنهم.... ويشتد الصراع بينهم، وكل طرف يحارب الطرف الآخر بما يسميه "الشرعية"، والشرعية تعني أن الفائز في الانتخابات حصل على الأكثرية وقد تكون هذه الأكثرية 51%، والنسبة التي حصل عليها الخاسر قد تكون 49%... وهكذا يرفع الأول شعار الشرعية في حين يرفع الآخر شعار تزوير الانتخابات.
    والمشكلة هنا هي تعصب أعضاء مجلس الشورى للأشخاص والمناطق، وليس للمواقف والمناهج، وقد يقحم موضوع المناهج في هذه المعركة التي لا يراد من ورائها وجه الله تعالى... وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد تنقسم الجماعة إلى جماعتين، وتحل العداوة والشحناء محل الود والمحبة، وتكثر المكائد والمؤامرات، وتصبح الأجواء محمومة لا تطاق ولا تحتمل.
    ومن أجل أن تستقيم أمور الجماعات الإسلامية لابد من مراعاة الأمور التالية:
    - أن يكون عند العضو في الجماعة حد أدنى من العلوم الشرعية تمكنه من معرفة الحلال من الحرام، والطاعة الشرعية من الطاعة البدعية.
    - أن تراعى شروط أهل الحل والعقد في اختيار قادة الجماعة، ومراعاة هذه الشروط تعني أن يختار الرجل: لعلمه، وفضله وصدقه، وأمانته، وليس لكونه يحمل دكتوراه في الفيزياء أو الهندسة، أو الكيمياء أو الطب.
    - لا ينبغي أن يتحول المسؤول إلى رجل ديكتاتور مستبد، كما أنه لا ينبغي الاحتكام إلى نظام الديمقراطية الغربية.. ويجب أن تنتبه الجماعات إلى أهمية نظام المؤسسات، ومن التصورات المتخلفة الاعتقاد أن زيداً من الناس يفهم في كل شيء، ويتفوق في فهمه وعلمه على المتخصصين الأفذاذ.
    - أن يكف الأعضاء عن التناجي بالإثم والعدوان، ويحذر العاملون إلى الله من تحالف بعض الإخوة ضد بعضهم الآخر.
    - من الخطورة بمكان أن يتولى المسؤولية من يتطلع إليها بنهم وشراهة، ويجامل الناس ويقول مايرضيهم ولو كان مخالفاً لقناعاته من أجل أن يضمن وقوفهم إلى جانبه في معركة الانتخابات. وطالما رأيت أشخاصاً يختارهم كافة الأطراف لأنهم يخاطبون كل طرف بما يرضيه... ألا تباً لمسؤولية تجعل الرجل يعيش من غير قناعات.
    3- هناك فارق كبير بين البداية والنهاية. بين صحبة الطيبين، وبين العمل من أجل أن يكون الدين كل لله... كنت في بداية الطريق متحمساً أشد الحماسة، أواصل الليل مع النهار، والسر مع الإعلان... كنت أعتقد أن الجماعة تسير نحو أهدافها بخطى ثابتة، وعزيمة لاتفل.
    وبعد عشرة أعوام عرفت أشياء كثيرة عن هذه الجماعة تمنيت أنني ماعرفتها، وأدركت أن الغايات والأهداف التي كانوا يحدثوننا عنها سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء... مرت فرص ذهبية من أجل الوصول إلى الحكم لكنها لم تستغل لأن القادة كانوا قد فتنوا بالديمقراطية... جاء غيرنا من أعداء الله واستغل هذه الفرص... أصبح كل واحد يتصرف وكأنه ليس في جماعة... كنا نلتقي في ديار الغربة، ولا عمل لنا إلا الإصلاح بين زيد وعمرو، أو بين المسؤول عن هذه المنطقة والمسؤول عن منطقة أخرى.. وكنا نسافر وننشط لا من أجل تحقيق أهداف الجماعة، ولكن من أجل إقناع الأصحاب والأصدقاء بأن فلاناً أفضل من فلان، وبعد انتهاء هذه المعركة نستنفر مرة أخرى لمعركة أخرى، والمسؤول هو الذي يحرك هذه المعارك، والإنسان إذا لم تشغله الإيجابيات شغلته السلبيات.
    أدركت بأنني وصلت إلى طريق مسدود، والاستمرار في هذا الطريق لم يعد مجدياً، لأن منهج الجماعة يصطدم مع المنهج الذي بت أعتقد بأنه الحق، والغايات والأهداف أصبحت كلاماً فارغاً لا معنى لها، ولا أمل في الوصول إليها، والقادة عندي ليسوا كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... لقد عرفتهم جيداً، فعرفت أنهم سبب هذه المشكلات، وقامت الأدلة عندي أن أساليبهم في المكر والخداع لا تختلف عن أساليب السياسيين العلمانيين في بلدي، والفارق الوحيد أن هؤلاء إسلاميون وأولئك علمانيون.
    وأيقنت أنه لا يجوز لمثلي الاستمرار في هذه الجماعة، وهذا لا يعني أن عدم الجواز ينسحب على كل فرد من أفراد الجماعة، فربما كانت ظروف غيري أحسن من ظروفي، وربما كان غيري مبتدئاً، ولم يطلع على ما اطلعت عليه.
    ونظلم هذه الجماعة إذا قلنا: إن الانحراف عن الغايات والأهداف قاصر عليها وحدها، فهناك جماعات غير هذه الجماعة ترسم أهدافاً ثابتة في بداية سيرها، وبعد أن تستقر أحوال القادة، وتتحسن ظروفهم المادية، وتتوثق صلاتهم بالظالمين من خلال وظائفهم المهمة، تهتز قناعاتهم بأهدافهم السابقة، ولا يجرؤون على مصارحة قواعدهم بحقيقة ما يفكرون به، بل يعيشون في ازدواجية نكدة، ويتثاقلون إلى الأرض، ويكثرون من الحديث عن الواقعية والواقعية عندهم تعني الاستسلام، والخنوع للأنظمة الفاسدة المجرمة.
    ويزعم هؤلاء الواقعيون أن الأهداف والغايات السابقة فضفاضة، ولم تؤصل شرعياً، وهكذا يستخدمون التأصيل الشرعي لخدمة ما يخفون في نفوسهم من أهواء وانحراف عن الخط الأصيل، ليت هؤلاء يريحون غيرهم، ويكشفون عما تكنه أنفسهم من قناعات بالعمل الجماعي... إنهم لو فعلوا لصدق فيهم قول الشاعر:
    دع المكارم لاترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
    وبعد هذا الاستطراد نعود إلى السياق فنقول:
    جرت عادة الأصدقاء والمحبين من أعضاء الجماعة أن يقولوا لمن حاله مثل حالي: اتق الله، ولا تشق الجماعة، واحرص على أن تصلح من الداخل !!.
    ومما لاشك فيه أن الإصلاح من الداخل مطلب مهم، وغاية محمودة، ولكن من سبقني حاول الإصلاح من الداخل، ولم يحقق أي مكسب من وراء هذه المحاولة، ولابد مع ذلك من بذل الجهد فلعلي أحقق شيئاً، وبعد مدة غير قليلة من الزمن أدركت أن الإصلاح من الداخل مهمة مستحيل نجاحها، لأن المصلح يتحدث عن مُثل، وأدلة شرعية، وتصورات ثابتة، والقادة يتحدثون بأسلوب آخر، فهم يلقون المصلح بوجه، وفي غيابه يعاملونه بوجه آخر، ويستنفرون في مثل هذه الظروف، ويكثرون من عقد الجلسات السرية، ولكل مجموعة يقولون: هذا الحديث خاص لا نريد انتشاره، وأقل ما يقولون عنك: إن فلاناً أصبح مغروراً، ويتحدث عن الإصلاح وهو يريد المسؤولية. فيقول بعض الإخوة بعد تردد خشية غضب المسؤول: ولكنكم كنتم تبالغون في الثناء عليه، وتبالغون في ذلك فما الذي حدث؟! فيتصنع المسؤول الورع والتقوى، ويبلع ريقه ثم يقول: أردنا تشجيعه، وماكنا ندري أن هذا التشجيع سيقتله.
    كنت أعرف جيداً ماذا حدث للذين اتخذوا موقفاً مثل موقفي، وكنت أعرف أن إخوة أحبهم من سويداء قلبي سوف يناصبونني العداء، ولا ذنب لهم إلا طاعة القيادة في كل ما يقولون، وهذا بحد ذاته معصية...
    وأخيراً قررت اختيار ما يرضي الله، فانفصلت عن هذه الجماعة، وقبلت ظلم ذوي القربى وعداوتهم، ولا أعتقد أن أحداً في العالم الإسلامي ظلم من إخوانه ورفاق دربه السابقين كما ظلمت... كنت عندهم مثل عصا موسى، والذين كانوا يبالغون في الثناء علي وتعداد مآثري وقدراتي في الإقناع صاروا يبالغون في شتمي وإلصاق التهم بي، وأتعجب من مقدرة هؤلاء على اختلاق الأكاذيب وترويجها، كما وأنني أتعجب كيف تسمح لهم ضمائرهم وأخلاقهم باستخدام مثل هذه الأساليب... وكنت أتساءل: كيف تنتصر جماعة يتزعمها مثل هؤلاء القادة؟!.
    ويعلم الله أنني صبرت على هذا الظلم وكنت أعلم أموراً لو كتبتها لزادت من مصائبهم، لكنني لم أكتبها، ولم أسجلها في شريط، بل كنت لا أجيب على الأسئلة التي توجه إلي عن هذه الجماعة، ومازلت أحب الإخوة الذين أعرفهم من أعضاء هذه الجماعة، وأتابع أخبارهم، وأسأل عنهم، وأفرح لفرحهم، وأحزن لحزنهم. أما القادة فلي منهم موقف آخر، وأسأل الله أن يصلحهم ويبعدهم عن قيادة هذه الجماعة، وكم أتمنى أن تكون مقدرتهم في الدعوة إلى الله مساوية لمقدرتهم على ظلم إخوانهم وإلصاق التهم بهم، وتدبير المؤامرات ضدهم.
    وبعد انفصالي عن هذه الجماعة استمروا يدورون في حلقة مفرغة، ففي كل يوم نسمع أخبار انشقاق جديد، كما نسمع ونقرأ تبادل الاتهامات بينهم، وإصدار البيانات... ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
    ثوابت ومنطلقات :
    بعد انفصالي عن الجماعة الأولى، وضعت لنفسي ثوابت ومنطلقات محددة لا أحيد عنها، ولا أستبدلها بغيرها، وها قد مضى على مسيرتي في الطريق الجديد أكثر من عشرين عاماً، ومرور هذه الأيام زادني قناعة واستمساكاً بهذه الثوابت والمنطلقات، فالتطبيق أثبت أصالتها، والتجارب أثبتت صحتها، ومن أهم هذه الثوابت والمنطلقات مايلي:
    أولاً : أصبح الأصل عندي الالتزام بعقيدة ومنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وهذه مسألة لا مجال للمساومة عليها، فمن كان هذا هو اعتقاده في أصول الدين وفروعه، فهو أخي، ومن أقرب الناس إلي، ولا يهمنا بعد ذلك لون بشرته، أو اسم الجماعة التي ينتسب إليها، أو بعد الديار بيننا وبينه.
    ولم يعد العمل الإسلامي عندي : "دعوة سلفية، وحقيقة صوفية "، لأن مثل هذا الخليط لا يصلح أساساً لوحدة العمل الإسلامي، ولا يؤدي إلا إلى الخصومة والفرقة والتناحر، لأن الصوفية شذوذ وانحراف عن المنهج الحق الذي آمنا به وعضضنا عليه بنواجذنا.
    كما أن العمل الإسلامي لم يعد شعاراً يردده البعض دون تدبر معناه، ومن ذلك قول القائلين: "... ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، وكما قلت سابقاً من هذا البحث فإنني لا أعذر من كان اختلافي معه اختلاف تضاد، وكيف أعذره وأنا أعتقد أن الحق معي، والدليل إلى جانبي.
    ولم يعد عقلي يتصور وجود جماعة واحدة، فيها: السلفي، والصوفي، والأشعري، والخارجي، ودعاة الاعتزال والعقلانية، وغير ذلك من العقائد والاتجاهات المختلفة المتباينة... وأدركت بأن الكم الكبير ليس دليلاً على نجاح العمل الإسلامي، وأن سياسة التجميع سياسة فاشلة إذا أهمل الدعاة سلامة التصورات، ووحدة الثوابت والمنطلقات.
    وعندما نقول: إن الأصل عندنا الالتزام بعقيدة ومنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم فإنما نقصد رجال خير القرون المفضلة، وليست السلفية عندنا تقليد رجل من الرجال المعاصرين في كل ما يقوله ويفتي به، فمثل هذا النوع من التقليد نعتبره لوناً من ألوان الحزبية الضيقة، أو شكلاً من أشكال التعصب المذهبي المذموم، والعالم مهما علا شأنه، وعم فضله وعلمه لابد أن نأخذ من قوله ونرد.
    ثانياً : رفضت منذ الخطوة الأولى في الطريق الجديد أن أكون مسؤولاً، وذلك للأسباب التالية:
    السبب الأول: قناعتي بأن المسؤول عن جماعة إسلامية لابد أن يكون عالماً مجتهداً في العلوم الشرعية، وهذا الشرط غير متوفر فيّ، وأنا لا أقول هذا القول تواضعاً، ولكن هذه هي الحقيقة، ورحم الله رجلاً عرف قدر نفسه.
    السبب الثاني: أردت ألا أحمل هذا العمل الإصلاحي التجديدي مسؤولية أخطائي السابقة، ومهما كانت أعذاري، فأنا وحدي مسؤول عن هذه الأخطاء التي قد تسيء إلى طبيعة العمل الجديد.
    السبب الثالث: نظرت في واقع الجماعات الإسلامية المعاصر... ثم نظرت في تاريخنا القديم والحديث، فوجدت أن التنافس على مراكز القيادة من أكبر مصائب الأمة الإسلامية ونكباتها ومشكلاتها، وحل هذه المشكلة يقتضي الزهد في المراكز القيادية، والابتعاد عنها، وخدمة العمل الإسلامي وتقديم كل ما يملكه الداعية من خبرات ومواهب دون أن يقترب من المسؤولية، وهذا الذي حرصت عليه طوال سيري في الطريق الجديد.
    ولا أعدو الحقيقة عندما أقول: إن قيادات الجماعات الإسلامية المعاصرة ليس فيها مجتهدون أو مؤسسات فعالة في مختلف الاختصاصات التي يحتاجها العمل الإسلامي... والغالبية العظمى من هؤلاء القادة يفتقدون الحد الأدنى من العلوم الشرعية، وقد وصلوا إلى هذه المراكز بتخطيطهم ودهائهم ومكرهم، ويستغلون نفوذهم وطاقاتهم من أجل استمرارهم في هذه المسؤولية التي لا يحسدون عليها... يمرض أحدهم، ويشتد مرضه، ويصبح عاجزاً عن القيام بأي جهد مهم، ومع ذلك يستمر في المسؤولية ولا يتنازل عنها، وتكثر أخطاء بعضهم، وتنعكس هذه الأخطاء المهلكة
    على الجماعة والعمل الإسلامي، ومع ذلك يصر صاحبنا على مركزه القيادي... والذي أراه أنه لابد من مراعاة هذه السلبيات ووضع حلول
    لها، وأحسن هذه الحلول أن يبدأ الإنسان بنفسه.

    ثالثاً - ليس لعملي هذا تسمية معينة وذلك لسببين:
    السبب الأول : نحن جزء من أهل السنة والجماعة، ونعمل من أجل عودة الجميع إلى هذا الكيان الكبير... وكلما ذكرنا أهل السنة والجماعة فإننا نقصد ماكان عليه سلف هذه الأمة الأخيار، فلينتبه إلى هذا القصد الذين يتصيدون الأخطاء، ولا يتقون الله فيما يقولون.
    روى ابن عبد البر قال: "جاء رجل إلى مالك فقال: يا أبا عبد الله أسألك عن مسألة أجعلك حجة فيما بيني وبين الله عز وجل. قال مالك: ماشاء الله لا قوة إلا بالله، سل. قال: من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي" .
    السبب الثاني: رأيت كثيراً من الأحزاب والجماعات الإسلامية يتعصبون للاسم الذي أطلقوه على أنفسهم، ويصبح هذا الاسم شعاراً يميزهم عن غيرهم، ويبلغ هذا التعصب حداً لا يطاق عندما يرفضون الوحدة الإسلامية شريطة حذف هذا الاسم، بل يرون هذا الاسم أفضل من اسم "أهل السنة والجماعة"، ولهذا وفرّت على الجماعات الإسلامية المخلصة عقبة تحول بينهم وبين الوحدة الإسلامية.
    وإذا كان الأمر كذلك فمن أين جاء الظالمون باسم "السرورية"؟!، وفي أي مصنع من مصانع كذبهم لفقّوا هذا الاسم؟! أين هؤلاء الظالمون من قوله تعالى: ((ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان، ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون)) [الحجرات: 11]. ((ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين)) [الحجرات: 6].
    وأنا لا أعرف أحداً في مشارق الأرض ومغاربها يقول عن نفسه "سروري"، ولو وجدتم من يزعم ذلك فقولوا له : إنني بريء منه... وأستغرب كيف قبل الطيبون هذا الخبر الملفق الذي لا أصل له.
    أما لماذا اخترع الظالمون هذه التسمية وروجوها؟!، فسببه أن الدعاة الأحرار من السلفيين يرفضون أن ينسبوا لمذهب من المذاهب، فكيف يقبلون بالانتساب إلى شخص لايستحق أن يذكر اسمه أمام العلماء الأعلام في القديم والحديث... وإذن فالمقصود من وراء هذه التسمية : التنفير من الرجل الذي نسبوا إليه هذه الجماعة. والعجيب في هذا الأمر أن بعض رفاق دربي القدامى - من الجماعة الأولى - هم الذين اخترعوا هذه التسمية، ثم نقلها عنهم أعداء لدودون لهم.
    الخلاصة :
    - لم يعد لي أي صلة مع جماعة كنت عضواً من أعضائها، وانفصالي عنها مضى عليه أكثر من عشرين سنة.
    - لا أعرف أن هناك جماعة اسمها "السرورية"، ولم أكن في يوم من الأيام مسؤولاً عن جماعة.
    - إذا وجدتم في مشارق الأرض ومغاربها رجلاً يقول إنه سروري، فقولوا له بأنني بريء منه.
    - لا أمثل فيما أكتبه إلا نفسي، وأنا مع كل من يعمل من أجل أن يكون الدين كله لله، ويتبع المنهج الحق في الأصول والفروع.

    _________
    نقلا عن مجلة السنة عدد سنة 1413 هـ
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de