المدرسة العربية.. وبراءة التلقين

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 06:13 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-23-2013, 09:08 PM

احمد سيد احمد
<aاحمد سيد احمد
تاريخ التسجيل: 01-23-2013
مجموع المشاركات: 1257

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
المدرسة العربية.. وبراءة التلقين

    المدرسة العربية.. وبراءة التلقين

    غازي عبد العزيز عبد الرحمن(*)

    المصدر مجلة البيان العدد 256




    إن صـنعة التـعلـيم - كـما سـمَّاها ابـن خلدون - قـد نالـها من التغيــير في عصـرنا ما نال كثيراً من المهن والصنعات الأخـرى، ولكن التغيير هنا غالباً ما يكون في الشكل وليس في المضمون؛ حيث إن المدرسة العربية في كثير من البلدان لم تعـد مقـتصرة على شيخ واحد، أو معلِّم واحد، ولم تعـد مقتصرة على البنين دون البنات، ولم تعد مقتصرة - أيضاً - على غرفـة واحـدة يتــجمَّع فيها صبيان الحيِّ، إنما تغيرت فيها كثير من المعالم؛ فالأبنية تعدَّدت وتطوَّرت من حيث التهوية فيها والإضـاءة والساحات والمخابر والمعامل، وبعضها زُوِّد بتقنيات حديثة ومتــطورة، وكذلك شمل التغيير بعض النُّظم من حيث أعداد الطــلاب في الفصول وأعمارهم، وإلزامية التعليم، والعناصر المشرفة على العملية التعليمية وغير ذلك من الأمور التــي لا تخفى على أحد، حتى إن التغيير شمل أيضاً أدبيات النُّظم التعليمية؛ فقد أصبح أغلبها يتوخَّى - نظــرياً - الارتقاء بمستوى الطلاب الإدراكي، وتمكينهم من محــاكاة القضايا، وحلِّها حلاً منطقياً ينسجم مع معطيات الواقع وإمكانات المتعلِّم الذهنية والمهارية.
    أما واقع الحال داخل الحجرة الصفِّية فمختلف تماماً؛ حيث إن النتاج الذي تمخَّض عن هذا الواقع لا يلبِّي حاجات المجتمع من حيث الكيف، وإن كان يلبِّيها - أحياناً - من حيث الكم، ومن مؤشرات ذلك: حصول بعض الدول العربية مؤخراً على ترتيبات متأخرة تعليمياً، وكذلك عدم رضى بعض الجامعات العربية عن مستوى خريجي الثانوية العامة ممن ينتسبون إليها، وليس هذا بسبب قصور في عقل الطالب العربي، إنما ثبات الجوهر في أساليب التعليم وآلياته حال دون انفتاح هذا العقل في سنِّ الدراسة وعدم إتاحة فرص الإبداع والابتكار له؛ فاستسهل السير على خطى أساتذته ونهج نهجهم؛ فتعالت الصيحات نحو شمَّاعة التلقين لتعلِّقَ عليها أسباب قصور هذه النتاجات من جهة، ولتصرف النظر عن الاهتمام بالعلوم النقلية والشرعية القائمة على الفهم والمشافهة من جهة أخرى، لكنهم لو وقفوا قليلاً مع التلقين وعادوا إلى مفهومه الحقيقي من خلال التجربة الإسلامية لوجدوا أن المسألة ليست في التلقين؛ فالتلقين يكفيه فخراً أنه الأسلوب العملي الأمثل لتناقل القرآن الكريم بين صدور الحافظين؛ نصَّاً وحُكْماً وتطبيقاً.
    جاء في لسان العرب: لَقِنَ الشيءَ يَلْقَنُه لَقنْاً، وكذلك الكلامَ، وتلقَّنه فهمه، ولقَّنه إياه: فهَّمه، وقد لقَّنني فلان كلاماً تلقيناً أي: فهَّمني منه ما لم أفهم، وغلامٌ لَقِنٌ: سريع الفـهم، وفي حـديث الهجرة: «ويبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو شاب ثَقِفٌ لَقِنٌ»؛ أي: فَهِمٌ حسنُ التلقين لما يسمعه، وفي حديث الأخدود: «انظروا لي غلاماً فَطِناً لَقِنَاً»[1]، فالتلقين يعني: التفهيم، ولا يعني: الحشو والحقن.
    وها هم صحابة رسول الله # وتابعوهم يتناقلون كتاب الله بالتلقين القائم على الفهم والتُّؤَدة والتطبيق العملي؛ فقد رُوي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: كان الرجل منّا إذا تعلَّم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن، وقال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين يُقْرِئوننا أنهم كانوا يستقرئون من النبي #، وكانوا إذا تعلَّموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً[2].
    ورُوي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: تعلَّم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة[3]، فطول هذه المدة - كما يذكر أهل العلم - ليســت لضعف مَلَكة الحفظ لديه وإنما للتدبُّر والتــفقُّه ولترجمــة مضمون الآيات إلى سلوكيات عملية يطبِّقها في حياته اليومية، وهذا هو سرُّ نجاح المدرسة النبوية وأساتذتها من صحابة رسول الله # وتابعيهم.
    أما عبد الرحمن بن خلدون المتوفَّى سنة 1406م فقد وضَّح في مقـدمـته أن وجـه التـلقين المفيد إنما يكون بالتدريج، واستعداد المتعلِّم لفهم المعلومة، وذكْرِ أوجه الخلاف في المسائل، وتقريب المعلومة بالأمثلة الحسية. واهتمَّ ابن خلدون - أيضاً - بالجوانب العملية في تعلُّم اللغة دون الاقتصار على القواعد والقوانين والاصطلاحات، وقد مثَّل لهذا بالشخص الذي يتقن النجارة أو الخياطة وغيرها من الصنعات نظرياً ولا يكون له أيُّ دراية بهذه الصناعة عملياً[4].
    فمن هنا نقول: إن المسألة ليست في التلقين الحق، إنما في مسائل متعددة، ومنها:
    1 - الحقن والحشو:
    إن الطالب العربي في سنِّ الدراسة يقع تحت تأثير شيئين:
    الأول: عدم اكتساب المعلومة بالممارسة، أي: لا تُتاح له فرص البحث والتجريب ليكتسب المعلومة بنفسه ويتلذذ بمتعة الاكتشاف، إنما تأتيه جاهزة؛ فهو مجرد مستهلك وليس منتجاً للمعلومة.
    الثاني: عدم ممارسة المهارة المكتسبة وتحويلها إلى سلوك يعتاده في حياته اليومية، إنما تبقى المعلومات مجرد شحنة طازجة على أبواب الذاكرة لتفرغ بعجالة في ورقة الاختبار.
    ثم إن الحقن والحشو أخذا شكلاً أكثر سلبية ليس في العلوم النقلية المستندة إلى الخبر عن الواضع الشرعي لها؛ كما صنَّفها ابن خلدون، وإنما في العلوم التطبيقية التي ينبغي أن يصل إليها الإنسان ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها، فاليوم لا غرابة إن قلت: إن حلَّ مسألة الرياضيات يُحْفَظ عن ظهر قلب، وكذلك تجربة الفيزياء، أما التدريبات فباتت تُحَلُّ بطريقة الكلمات المتقاطعة، فالإجابة تأتي جاهزة من المعلِّم بوضع الكلمة الفلانية في الفراغ الفلاني، أو وضع خط تحت هذه وخطين تحت تلك، أو صِلْ كذا بكذا، أو ضعْ علامة (and#8730;) هنا وعلامة (×) هناك، دون أن تترك أية فسحة للطالب للتفكير في حلِّ هذه التدريبات؛ لاكتشاف الفروق الفردية بين الطلاب على الأقل، أما الحجة في ذلك فهي ضيق الوقت وكثافة المنهج.
    ويأتي في سياق الحشو والحقن التعليم المعلَّب الذي بدأ يهدِّد بإلغاء دور الكتاب باقتصاره على رؤوس أقلام في ملخصات أُعدَّت من مدرِّسٍ ما أو ابتيعت من مكتبة تجارية، وكذلك الوَجْبَات التعليمية السريعة التي يتناولها الطالب مع مدرِّسٍ ما ليلة الاختبار.
    2 - الإرسال من جهة واحدة:
    كون المعلم في المدرسة العربية هو المصدر الوحيد للمعلومة، وكون المعلم قد يمتلك مصير الطالب في أغلب الأحيان، وكون أحد معايير نجاح المعلم هو ضبطه للفصل وهيمنته عليه؛ فإن الطالب بات يزهد في البحث عن المعلومة من مصادر أخرى حتى إن توفرت هذه المصادر، وبات يتقبَّل المعلومة وإن كان لا يثق بها أحياناً؛ لأنه لا يملك حق المناقشة والردِّ عليها؛ فهذا يقودنا إلى القول: إن قنوات الحوار بين الطالب والمعلم مغلقة؛ فثمَّة إرسال من المعلم فقط وفي أحسن الأحوال استماع من الطالب، ما لم يكن هذا الطالب قد انصرف بذهنه عن الاستماع وظلَّ جسداً مُسْنداً إلى خشبة الدرس.
    3 - اللاءات (لا، لا، لا):
    لم تنجح المدرسة العربية في استهواء الطالب واستقطابه إليها؛ فما أكثر اللاءات التي تشنِّف أذنيه من أول يوم يدخل فيه المدرسة.. لا تتكلم، لا تتحرك، لا، لا... حتى بات يعدُّ المدرسة نظاماً قسرياً مفروضاً عليه، ومن ثم كادت دافعيته تجاهها أن تنعدم؛ فهو لم يفرح للإجازة فحسب إنما يفرح إذا غاب معلـمه، أو قد يستـثير أبويـه إذا غـضب لسبـبٍ ما؛ بأنه لن يكتــب الواجب، أو لن يـذهب إلى المدرسة غـداً؛ لأنـه لا يجد فيها ما يستهويه ويريحه ويمارس فيها هواياته العلمية والعملية ويروِّح عن نفسه ويجد فيها شخصيته وحريته واستقلاليته؛ من خلال الحوار والمناقشة مع معلِّميه وزملائه بدلاً مــن أن يقضــي جــلَّ وقتــه ساكناً مستمعاً لا يتحرك.
    وكــذلك فإن المــدرسة لم تُقنــع طالبــها بأهميتها بالنسبة له ولمستقبله؛ فهو - مثلاً - لا يؤدِّي الواجب لأنه وسيلة للتحصيل العلمــي أو لقياس الناتج التعليمي، إنما يؤدِّيـه ليفــلت من العـقاب أو ليخرج عن دائرة المخالفة للنظام، وقــد يصل الأمر إلى أن يحقد الطالب على المدرسة، أو على الكتاب؛ إذ كثيراً ما نجد بعض الطلاب يحاول تخريب بعض ممتلكات المدرسة، أو يمزِّق كتبه في نهاية الاختبارات.
    4 - ضعف معايير القياس:
    في أحسن الأحوال يحدَّد مستوى الطالب من خلال ما يفرِّغه من معلومات على ورقة الاختبار أو من خلال الكــمِّ الــذي يستظهره في المواد الشفوية أو التطبيقية أيضاً، فالمعلومة أو حتى المهــارة العمليـــة تُقاس من الناحية النظــرية فقــط ولا تُقــاس من خلال ممارسة الطــالب لهــا أو من خــلال تأثُّـــر سلوكه بهــا، وقد ينتقــل الطــالب إلى سنــة دراسيــة تاليــة بانتهــاء المنهــج الــذي كان يلقيــه المعلِّـــم علــى مسامعه خــلال فتــرة زمنيــة معــينــة، بمعنــى: أوتــوماتيكيـة النجـاح وخاصة في المرحلة الابتدائية، وكأننا حكمنا على مستوى الطالب من خلال أداء المعلِّم لا من خلال أثر هذا الأداء في سلوك الطالب وفي تحصيله.
    5 - التجرُّؤ على مهنة التعليم:
    أصبحــت المدرسة العربية اليــوم مجالَ عــملٍ لمــن لا عمــل له؛ فالكثير من خــريجــي الجامعات وحــملة الثــانوية العامة في بعض البلدان العربية عندما تضيق بهم السُّبل ولا يجدون وظائف؛ يلجؤون إلى مهنة التعليم دون قناعة أو إمكانات، بــل إن بعضهــم يتقدَّم للعمــل في وزارات مختلــفة لكــنه يتجــرَّأ فيشــغل نفسه بالتعلــيم - ويُتاح له هذا - ريثما تتهيَّأ له الوظيفة الأساسية التي ينتظرها، وبعضهم يمارس عمله الأساسي موظَّفاً في المساء ويقضي صباحه معلِّماً في مدرسة خاصة أو أهلية؛ فأنَّى لهذين الصنفين أن يكون مخلصاً لمهنة التعليم في الوقت الذي ينبغي فيه أن يُعَدَّ الشخص إعداداً جيداً ويؤهَّل نفسياً وتربوياً وتعليمياً ومادياً؛ لكي يصل إلى المرتبة التي تؤهله لأن يكون معلِّماً؟! فأية وزارة أو مؤسسة تسمح لأيِّ مهندس أن يشيد بناء دون خبرة كافية وتجارب ميدانية تشهد بكفاءته؟ وأيُّ مشفى يسمح لطبيب أن يجري عملية جراحية مهما كانت بسيطة دون كفاءة أو خبرة كافية؟ فإذا كان المهندس يتعامل مع الحجارة، والطبيب يتعامل مع الجسد؛ فالمعلم يتفاعل مع عقل الإنسان وتفكيره، وهما أسمى من الحجارة والجسد؛ ناهيك عن أن المعلم هو الذي شقَّ الدرب لهذا المهندس أو ذاك الطبيب.
    وختاماً أقول: إن المدرسة العربية قد تمحو الأمية في القراءة والكتابة؛ لكنها لا تمحو أمية التفكير، وقد تخرِّج حملة شهادات؛ لكنها لا تخرِّج حملة علم في كثير من الأحيان.



    --------------------------------------------------------------------------
    (*) مشرف تربوي وتعليمي في مدارس الأرقم في الرياض - السعودية.
    [1] لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، 13/390.
    [2] تفسير القرآن العظيم، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي: 1/4.
    [3] الدر المنثور، عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، 1993م، 1/54.
    [4] مقدمة ابن خلدون، الطبعة الخامسة، 1984م، دار القلم، بيروت - لبنان، ص 533، فصل: وجه الصواب في تعليم العلوم، وص 554، فصل: اللغة ملكة صناعية.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de