|
|
 [red]عطبرة تأتي في قطار الثامنة؟؟؟[/red]
|
أولا لقد اقتبست هذا العنوان (عطبرة تأتي في قطار الثامنة) من القصيدة الموسومة (أم درمان تأتي في قطار الثامنة) للشاعر و الكاتب الأريب , القانوني الضليع الأستاذ كمال الجزولي فله مني التحية و التقدي.
و في بداية هذا المقال هنا أرفع التحية و التقدير لمدينة عطبرة الصامدة التي كانت الدينمو المحرك لذلك المشروع التنموي و الخدمي الضخم يشمل كل السودان و التي كانت مركزا و منطلقا و ملتقى لشبكة السكة حديد و القطارات إلى كل أنحاء السودان. كما أذكر بالفخر و الامتنان (هيئة سكك حديد السودان) كما كانت تسمى في السابق. ثم أعرج لكي أشير بالحسرة و الأسف على ما آلت إليه السكة حديد من ضعف و مهانة و ووهن كما يدرك ذلك الجميع . و ففي عهد نميري جرت محاولات اغتيال عديدة لهذه المدينة الصامدة رمز التنوير و المقاومة و الصمود إلا أنها ظلت صامدة و ظلت مركزا شامخا لإدارة و تسيير قطارات السكة حديد.إلى أن تم قتلها بدم بارد و التمثيل بها و من ثم قبرها في عهد الإنقاذ .
جرّني إلى الحديث عن عطبرة و السكة حديد الاحتفال الذي تم في الأشهر الفائتة بتدشين مصنع للفلنكات الخرسانية للسكة حديد و ذلك على أنغام و ترانيم شعار دعائي ممجوج :(لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد).حيث أن من يرفع هذا الشعار اليوم من داس هذا الشعار قبل أكثر من عقدين .و اليوم يبدو أن الفكرة قد جاءت بعد السكرة.
كما أنه لا جديد أتى به من يرفعون هذا الشعار اليوم فالجميع يعرف من علماء و مهندسين و عاملين و سائقي نقل و مواطنين و كل من لديه بصر و بصيرة أنه لا بديل للسكة حديد إلا السكة حديد.
ففي أول عهد الإنقاذ قامت و هي بعد وليدة بتصفية هيئة السكة حديد و تقطيعها أشلاء و الإطاحة بخبراتها و فصل و تشريد العاملين فيها لمجرد مطالبتهم بتحسين أجورهم. و بطبيعة الحال (لم يكن هناك بديل للسكة حديد إلا هي).
و لكن في ذلك الوقت عميت العيون و أصاب الوقر الآذان و كابر الضمير و عاند المنطق.وتعرض عمال السكة حديد لأقسى أنواع الجور و الظلم و البطش و التشريد سنين عددا و شكوا لله،و رفعوا مظلمتهم إليه. و كظموا الغيظ، و توسدوا الضيم و سكتوا، و لكنهم لم ينسوا، و عين الله لم تنم.
و في بداية الإنقاذ كانت السكة حديد لا زالت رغم التدمير المايوي لها تنقل الركاب لكل أنحاء السودان و كان ضجيج القطارات الرائحة و الغادية يدوي في الآذان صباح مساء و كانت أدخنة القاطرات تكلل هامات الأفق، و تطرب صافراتها آذان ألآفاق و تصل إلى أسماع الإنس في السهوب و الحقول و أسماع الجن في الفلوات.
من المعلوم في كل أقطار الدنيا، و حتى في البلاد النامية تقوم السكة حديد بأدوار إستراتيجية كبيرة في تنمية تلك البلدان، و في نقل صادراتها ووارداتها، و في نقل الركاب.كما تقوم بالإسهام في رعاية السياحة (الأنيقة) و التي يتعرف فيها الزوار و السياح على مختلف بقاع الوطن. كما أن السكة حديد في معظم أنحاء الدنيا مؤسسات خدمية عامة لا ينتظر منها أن تدر الربح .أما الحال في بلادنا فهو يسير في الاتجاه المعاكس. ففي بلدي يضنّ أهل السلطة و التنفيذ بالمال على دعم المشروعات العامة و النافعة و المفيدة. و يشيح وجه الدولة عما ينفع الناس و يضمد جراحهم و يمسح أحزانهم.
في ذلك الزمن الجميل كنا نقضي و نحن صغار يافعين الإجازات في ربوع الوطن و ننتقل بالقطار إلى كسلا أو بور تسودان أو الأبيض أو سنار أو نيالا. و كانت خدماتها سهلة و ميسّرة و أسعارها في متناول المسكين و الفقير، و متاحة لمعظم طبقات المجتمع.
إن السكة حديد لا زالت ذكراها حية في ذاكرة كل إنسان نشأ و عاش في الزمن الجميل.فكم ألهم القطار خيال الشعراء و الفنانين فكتبوا القصائد و تغنى المغنون بأمجاد و ذكريات حبيبة عامة أو خاصة.و حتى (الرومانسيات) كان للسكة حديد لها النصيب الكبير. فقد كان القطار في مرحلة من تاريخ هذا الوطن و في مراحل عمرية لكثير من المواطنين (الذين تربو سنوات عمرهم على عمر الإنقاذ) كان القطار قد أخذ حيزاً كبيرا من ذاكرتهم و هم أطفال و هم صبية و هم كبار. و حفر القطار في وجدانهم ذكريات حبيبة إذ هم مسافرين أو مودعين أو مستقبلين، بل و حتى باعة و عاملين في خدمته. فمن منا لم يسمع أو يذكر أو يدندن ب:(قطار الشوق متين ترحل..) و (القطار المرّة..) و (القطر الشالك انت) و ( يا القطار تدشدش).و غير ذلك من أغاني.
في كل أنحاء الدنيا نرى البلاد تجول فيها القطارات مارة بالمدن و القرى و الحقول و بأمن المسافرون فيها شر الطريق و طول السفر و يسمرون و يقرأون و يأنسون فيها بالصحبة و الرفقة و التعارف.و في السودان عرف الأطفال من خلال السفر بالقطار جغرافية بلادهم على الطبيعة فعلا و قولا، و تعرفوا على القبائل و السحنات و اللكنات و اللهجات من خلال مرورهم على مختلف المناطق و من خلال مطالعتهم للافتات المحطات.كما اكتسبوا من خلال مرورهم على القرى و المدن علما لا ينمحي من الذاكرة ،و انطبعت في شعورهم و أحاسيسهم ووجدانهم الناشئة صورا و مواقف و مشاعر توحي لهم بجمال و تنوع ووحدة الوطن و مواطنيه و ساكنيه. كما عرفوا في سياحتهم بالقطار صحاري الوطن و بواديه و بطاحه و تلاله و وهادها و بحاره و بحيراته وواحاته و حدوده و عرفوا الكثير من مثل ذلك و غيره.
لذا نتساءل في حزن و أسف أي جرم ارتكب في حق الوطن من خلال وأد السكة حديد ؟و أي ذنب جنت يدا من فعل ذلك؟ و من الذي يجرؤ على أن يعترف بهذا الذنب العظيم؟. و كم هي الخسائر التي تكبدها الوطن جراء تلكم الفعلة؟ و أي ثمن سندفعه لنعيدها سيرتها الأولى؟
نسأل الله أن يقيل السكة حديد من بعد عثرتها و أن يحييها من بعد موات و التحية لعطبرة التي عرفت يوماً قولاً و فعلاً بأنها عاصمة الرجال و الحديد و النار و المقاومة.
ملحوظة:هذا الموضوع سبق نشره في مكان آخر.
|
|
 
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: [red]عطبرة تأتي في قطار الثامنة؟؟؟[/red] (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
أخي محمد عبدالله الحسين
تحية لك وتقديرا وشكر على هذا الموضوع الجميل .. الذي يعود بك إلى ماض جميل ,, ويجعلك تفيق على حاضر محزن..
كيف لمؤسسة ضخمة عظيمة مثل سكك حديد السودان أن تؤول إلى ما آل إليه حالها اليوم؟؟
..
أستاذ الإقتصاد بجامعة الخرطوم البريطاني تيم نيبلوك ذكر في كتابه " صراع الثروة والسلطة في السودان" أن البريطانيين لما خرجوا من السودان تركوا للسودان خزينة مليئة بالثروة بحيث أن الحكومة كانت لا تحتاج في موازنتها لفرض أكثر من 18% من جملة هذه الميزانية كضريبة مباشرة أو غير مباشرة على المواطنين، أما باقي موارد الميزانية فكان من ثلاث مشاريع منتجة هي مشروع الجزيرة و سكك حديد السودان وميناء بورتسودان، هذه المؤسسات الثلاث كانت توفر للحكومة 82 % من الميزانية والتي كانت معقولة وكافية.. وأتينا نحن وفي عهدنا تضخمت الميزانية وتشعبت وفاقت كل قدرات المنتجين على تمويلها.. وأيضا ضعف إنتاج تلك المؤسسات.. مشروع الجزيرة وما أدراك ما مشروع الجزيرة.. صار يستجدي التمويل .. وسكك حديد السودان صار السياح يصورون القاطرات ويكتبون عن عطبرة مقبرة القاطرات!!
سؤال جاد يا أخي محمد .. هل سنظل عمرنا كله ملقين باللوم في تدهور هذه المؤسسات على النميري والبشير والصادق ... وننسى أنفسنا.. أ لسنا مشاركين في هذا الخراب؟؟؟
| |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: [red]عطبرة تأتي في قطار الثامنة؟؟؟[/red] (Re: الأمين عبد الرحمن عيسى)
|
إماذا نفعل نحن؟ حيث أن مسئولية كل فرد تكون بحجم الحيز المتاح له في دولاب الدولة .فرئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية هم مسئولون بحكم مناصبهم عن تنسيق الجهود لإدارة الشأن العام من خلال إختيار إدارة مقتدرة و نزيهة و من خلال رصد التمويل و الميزانية اللازمة ثم بعد ذلك من خلال التقييم الدقيق للأداء . و هكذا المؤسسات الضخمة مثل السكة حديد و غيرها مسئولية الفشل أو النجاح فيها تقع بطبيعة الحال على عاتق الدولة بشكل مباشر.و قد تكون مسئوليتنا نحن كأفراد تأتي في مرحلة أقل أو أدنى.
| |
|
|
|
|
|
|
| |
محمد عبد الله الحسين
الأمين عبد الرحمن عيسى
عبد المنعم سيد احمد
منتصرمحمد زكى
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست