|
Re: فرز الكيمان والمشاعر تجاه حادثة اليرموك (حديث عن الوطن و الوطنية (Re: محمد جمال الدين)
|
لا وطنية بلا وطن... ولا وطن بلا شعب... ولا شعب بلا أرض!
ما هي "الوطنية"؟
مثل هذا السؤال لا يطرح ولا يمثل مشكلة في الوقت الراهن لكثير من البشر على كوكب الأرض ما عدا "نحن" ... ليه؟.
لأن السودان لم يتأسس ابدآ برضى أهله منذ لحظه ميلاده عام 1821 وحتى اليوم. لذا كثير من المجموعات العرقية والأقليمية لم تشعر ولا لحظة واحدة بأنها جزءآ من "وطن" موحد. هناك شعوب تعيش فوق الرقعة الجغرافية المسماة سودان ، شعوب مختلفة، لا يجمعها أي شعور مشترك من أي نوع بل الضد: عداء، عداء مستحكم وعنده إرثه الثقافي والفلكلوري في الأساطير الشعبية والحجاوي والحكاوي والنكات التي تتحدث عن العبيد والحلب والغرابة والجلابة والأدروبات وآكلي لحوم البشر وكل ضروب البشاعة والتبشيع والتشنيع.
هذه الثقافة "ضروب البشاعة والتبشيع والتشنيع" ليست عملآ ترفيهيآ كدا ساي ولكنها التشكيلة الفوقية للإقصاء والإستبعاد الفعلي أي تعبيرآ رمزيآ صارمآ عن الصراع الذي يجري في العلن والخفاء بين شعوب قدر لها أن تعيش فصولآ من الكراهية والحرب والبؤس فوق رقعة جغرافية موحدة وجدت قسرآ وأستمر وجودها قسرآ منذ العام1821 وحتى الآن ولو أنها بدأت تتفكك بشكل فعلي بإنفصال الجنوب والآفاق تنذر بمزيد من الإنفصالات الحتمية يعضد ذلك إفلاس السلطة الشمولية الحاكمة ووقوفها عقبة كؤود في طريق أي مشروع للوفاق بين شعوب السودان "المتبقية" كي يتشكل وطن بالمعنى الفعلي للكلمة... ذاك الوطن ليس بعد!. بقيعة!.
وعليه (إن صح ذاك الكلام) فأي حديث عن الوطن والوطنية هو حرث في البحر كون لا شعب موحد عنده إحساس موحد بمصيره فوق قطعة أرض يشعرها أرضه من أقصاها إلى أدناها. وذاك هو الشرط الحاسم للشعور بالوطنية كما تأسست (برز المفهوم) في أوروبا ما بعد الثورة الفرنسية. فالمفهوم حديث جدآ بمقاييس التاريخ وعلى وجه الإطلاق. وأما عندنا في السودان فأن الشعور التام بالوطن لم يتحقق ابدآ وحتى اليوم بين بنيه وبناته الذين يقاتلون و يقتلون بعضهم البعض كل يوم في سبيل التمسك بالرقعة الجغرافية قسرآ دون أن يستطيعوا أن يجدوا سبيلآ للوفاق فيما بينهم كقبائل وشعوب مختلفة... فلا وطن بعد... لا وطن وفق الوفاق!.
ذاك هو الأمر... وفي تلك الحالة فمن المحتمل أن يتحالف أي شعب من شعوب السودان مع دولة/دول أجنبية ضد الآخر في سبيل الإنتصار او البقاء (ضد الفناء) ويرى ذاك أمرآ منطقيآ ومشروعآ وقد حدث في الجنوب (تحالف مع يوغندا/كينيا/أثيوبيا/أمريكا) ويحدث في دارفور (تشاد/ليبيا وعدد غير محدود من الأحلاف) وحدث في الشرق إذ تحالف البجا مع أرتيريا وتحالف الميرغني مع مصر وتحالف الصادق المهدي مع ليبيا ضد نميري وذاك على سبيل المثال وهناك الأفدح إذ تحالف الأخوان المسلمين "الكيزان" في لحظات تاريخية مختلفة مع السعودية وماليزيا وقطر وتركيا وأمريكا وإيران ومازالوا يفعلون الأحلاف الأجنبية الفادحة... جماعة ضد أخرى في تحالف مع قوة خارجية "أجنبية"... ذاك من الإرث "الوطني"!.
وهناك حلف أسبق مع الإنجليز ضد الغرابة (التعايشة) لخصه الحردلو في قصيدة يقول فيها: سووا التصفيه من البيوت مرقونا اولاد ناسا عزاز متل الكلاب سوونا يابا النقز يا النكليز الفونا.
فالسودان لم يكن أبدآ وطن لبنيه وبناته بالمعنى الفعلي للأوطان ولو أن البعض حلم في الماضي (على عبد اللطيف وصحبه) ومازال الحلم ساري المفعول لكن دون أن تجري أي خطوة فعلية لتنزيله على أرض الواقع بل حدث العكس. وبالتالي تكون المناداة ب" الوطنية" في هذه الحالة مجرد آيدولوجيا تستعين بها مجموعة ضد الأخرى. ويظل الوطن مشروع قيد الأحلام وإلى حين إشعار آخر. وفي خضمه تتحالف الناس في السودان مع من تشاء من الأعداء في الخارج ضد من تشاء من الأعداء في الداخل ( العداوة هنا موقف نسبي ومتحول مثله والحلفاء) وذاك هو الواقع العملي والموضوعي حتى هذه اللحظة!.
إذ لا دولة لنا بعد!. الدولة القائمة ليست دولتنا... الوطن ليس وطننا!. مع أننا وطنيون حتى النخاع!... ولكن وطنيون في عالم دولتنا المشروع (غير المتحققة بعد في عين الوجود) تلك التي نسعى إلى تحقيقها بالعمل والهم والكتابة والقراية والرسم والهجرة والكر والفر والبندقية وبكل خلجات النفس وما تخفي الصدور. مهمة الجيش السوداني (هل هو جيش؟!) دائمآ الحفاظ على الدولة "الشائهة" المتحققة في عين الوجود. الحفاظ عليها عبر "القتل" قتل الآخرين من الساعين إلى دولة المشروع الدولة الحلم... الدولة "الوطن" الذي نكون عنده وطنيون في الحقيقة. ذاك الجيش يحارب شعوب السودان منذ الأزل... من قال لكم أن الجيش السوداني لم يقاتل أممآ أخرى فهو مخطي!. الجيش السوداني يحارب شعوب ودول "أجنبية" هي شعوب السودان ... يفتك بدول الأحلام في سبيل بقاء دولة لا تمثل إلا من يجلسون على عرشها فوق سنام دبابة.
الدولة القائمة تسعى إلى فنائنا المادي والمعنوي من الوجود. هي ليست دولتنا وهي تعلم أننا لسنا منها. قلت مرة أن أجمل خبر يقع على مسامع الدولة هو خبر أن أحدهم قد مات. ... إنها "دولة الفناء".
تلك الدولة ... دولة المشروع كل زول عندو ليها تصور وعندو ليها وصف وعندو ليها إسم وعنوان... مثلا: كنا في قوات التحالف نسميها: الدولة المدنية الديمقراطية الموحدة ومرة نقول: السودان الجديد والصادق المهدي يسميها "الدولة المدنية" ونقد أيضآ كتب مرة مقالة يبشر فيها بالدولة المدنية وآخرون يقولون "الدولة العلمانية" و "الديمقراطية" وإلخ ... وللتيارات المسلحة الجديدة تصوراتها المختلف للدولة التي تريد هي في الغالب "دولة المهمشين" بتفاسيرها ومبرراتها المختلفة. والوهابيون السودانيون قطع شك يحلمون ب"الدولة السلفية".
وأنا أقول: "دولة الوفاق". (ح أقول كيف "؟")
فرز الكيمان والمشاعر (حديث في الوطن و "الوطنية")!
محمد جمال
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فرز الكيمان والمشاعر تجاه حادثة اليرموك (حديث عن الوطن و الوطنية (Re: محمد جمال الدين)
|
Quote: هنا قصة سجينة "عشائرية" تنفي إمكانية إغتصابها "باي ديفولت": روت لي إحدى الفتيات السودانيات المعارضات الثائرات مرة قصة مليئة بالعبر. إذ حكت لي بالتفصيل قصة إعتقالها بواسطة جهاز الأمن السوداني وقالت أنهم عذبوها معنويآ وجسديآ (هي صادقة) وعندما سألتها هل هموا بإغتصابك "؟" إذ سمعنا مؤخرآ قصص بشعة (لا نعلم صحتها على وجه الدقة!) بأن جهاز الأمن السوداني يستخدم الإغتصاب وسيلة لكسر الإرادة وتثبيط العزائم الثائرة. فردت تلك الشابة: بلا كبيرة!. وقالت أنها واثقة منذ البدء أنهم لا يستطيعون فعل ذلك بها نسبة لإنتمائها "العشائري" بمعنى أن النوع الواحد من الكائنات لا يأكل بعضه وإلا سينقرض لكنه يأكل الكائنات الأخرى كي يبقى ويعيش غير أن ذلك لا يمنع أن تشتعل الحرب أحيانآ ويحتدم التنافس داخل محيط النوع الواحد... لكن ذاك لن يصل في المعتاد إلى مس مكان الشرف ذاته وهو مكان"التناسل" أي مكان إعادة إنتاج القبيلة في صيغة أجساد جديدة نقية وفق الوعي الآنثربولوجي... وإلا فأنت لا تعتدي على الفتاة بل تعتدي على جسد القبيلة!. كما تكون إسطورة مقتل الصحفي محمد طه محمد أحمد ليست ببعيدة عن هذه المخيلة.
هذه الحكاية تحتاج مني شغل إضافي "زيادة" لموضعتها في مسار الصراع السياسي والآيديولوجي في السودان... وتركيزي سيكون عكس ما هو متوقع لأول وهلة: سيكون على "الفتاة" بالدرجة الأولى لا على جهاز الأمن ... إذ أن تلك المخيلة الإنثربولوجية "العشائرية" أقدم من النظام الحالي وأكثر رسوخآ بل هو واقع إجتماعي عمره مئات السنين. (ح أقول كيف لاحقآ) مع تثبيت ملاحظة هامة بأنني لا أتحدث هنا من الناحية القانونية ولا الإنسانية بل الإنثربولوجية تلك المستويات القانونية والإنسانية يتم تأجيلها مؤقتآ لمصلحة إضاءة الفكرة.
|
سأحاول لاحقآ تسليط مزيدآ من الضوء على مصدر ثقة الفتاة في أن جهاز الأمن لا يستطيع إغتصابها (لماذا الإغتصاب تحديدآ؟) في الوقت الذي قالت فيه أنهم عذبوها معنويآ وجسديآ بطرق أخرى لكن لم يخطر على خلدهم إغتصابها كما فعلوا مع الأخريات من القبائل وهي معارضة للسلطة السياسية مثلهن تمامآ وربما أشد!. هي كانت واثقة من البداية!. هذه الثقة ستكون محل بحثي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فرز الكيمان والمشاعر تجاه حادثة اليرموك (حديث عن الوطن و الوطنية (Re: محمد جمال الدين)
|
الوطنية ليست بشيء "إستاتك" وإنما دينامية سيرورة وصيرورة... هنا تصوري الخاص لمنشأ ومعنى ومركبات وتجليات الشيء الذي نسميه الوطنية ( مقطع من المقال الرابع من سلسلة: سؤال الهوية) اللنك نهاية المقطع:
شنو يعني: وطنية؟ هو من السؤال، شنو يعني: هوية؟
Quote: (الهوية عندي بمعناها السوسيولوجي تكون هي شعور الفرد الذاتي المحض بالإنتماء العضوي لجماعة ما ايآ كانت تلك الجماعة في إطار "زمكان" ما، أيآ كان ذاك الزمكان. بنفس القدر هي تصور الآخر للآخر في إطار جماعته الحقيقية أو المتصورة وزمكانه المحدد.
ونستطيع بشكل عملي أن نقول أن هناك ثلاث إشراقات يمكن أن يعبرها الناس في الواقع وعلينا الوعي بها موضوعيآ، وهي: حالة الإنتماء للبنية المدنية التحتية "الأصيلة" المفردة، حالة الإنتماء للبنية المدنية الفوقية المفردة وحالة الإنتماء للدولة = إتحاد البنيات المدنية مجتمعة في "زمكان" محدد. وهي بدورها تعتمل ثلاث حالات للهوية أو تمثل ثلاث مستويات للهوية: 1- هوية قيمية من قبيل "أنا جعلي أو دينكاوي (قيمية جسدانية أو فروسية) أو صوفي تجاني أو عضوء كنيسة أنجيلكانية (قيمية غيبية أو روحانية) أو عضوء نقابة أطباء السودان أو عضوء الجمعية السودانية لحماية البيئة (قيمية موضوعية أو عقلانية) وهي هوية غالبآ ما تكون بالإصالة.
2- هوية رؤيوية من قبيل " أنا شيوعي أو إتحادي ديمقراطي أو بعثي أو ناصري أو حزب أمة أي أنا أنتمى إلى رؤية ذاتية للعيش المشترك" وهي هوية غالبآ ما تكون بالإكتساب.
3- هوية "زمكانية" أي وطنية من قبيل "أنا سوداني أي أنا أنتمي إلى رؤية موحدة للعيش المشترك وهي هوية تاريخية غالبآ ما تكون أصيلة ومكتسبة في ذات الأوان.!.
ويمكن للفرد أن يشعر بشكل تلقائي أو يحدد لنفسه بشكل واعي قدر لا حد له من الهويات "القيمية" إضافة إلى إحتمالية إنتمائه إلى رؤية ذاتية للعيش المشترك في مقابل الهوية الكلية الزمكانية "الدولة" أي الوطن.
والشعور بالهوية الوطنية قد يتأتى تامآ أو ناقصآ أو منعدمآ بحسب الفاعلية الموجبة أو السالبة للدولة على هوية/هويات الفرد الذاتية. وبلغة أخرى فإن شعور الفرد بإنتمائه للدولة "الرؤية الموحدة للعيش المشترك" ينبني بشكل جوهري على طبيعة تأثير الدولة على إنتماءات الفرد للبنيات المدنية محل هويتيه القيمية والرؤيوية. وعلى قدر طبيعة تأثير الدولة من حيث السلب أو الإيجاب يأتي شعور الفرد أو الجماعة بإنتماء تام أو ناقص أو منعدم للدولة "الوطن".
إذن عندما أقول "مثلآ" أنا جعلي أو دينكاوي* تلك هوية قيمية وعندما أقول أنا إتحادي ديمقراطي تلك هوية رؤيوية ذاتية وعندما أقول أنا سوداني تلك هوية زمكانية. وتلك عندي جميع المستويات الممكنة للهوية في حدود ما يسمى ب "الوطن". والمستويان الأولان يشكلان المستوى الآخير وهو المستوى الشامل "الزمكان" أي الرؤية الموحدة "الكلية" للعيش المشترك "الوطنية". وعليه تكون الهوية عملية دينامية لا حدود لسيرورتها ولا صيرورتها. )
يعني شنو "هوية" (صراع القيم والرؤى والمصالح) ووجه...ي كلام الباقر العفيف
محمد جمال
--- * هذا المثال "جعلي/دينكاوي" تم وفق تاريخ المقالة... إذ كتبت قبل إنفصال البلاد إلى شطرين متناحرين (أكثر مما مضى)... بعد، عندي، فهو مثال ساري المفعول من الناحية النظرية والتوضيحية إذ يمكن إستبدال "القبيلة المحددة" بأي واحدة أخرى ويظل المحتوى هو ذاته!. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: فرز الكيمان والمشاعر تجاه حادثة اليرموك (حديث عن الوطن و الوطنية (Re: محمد جمال الدين)
|
أرفع البوست من جديد تمشيآ مع الموجة التي تلف السؤال هذه الأيام "سؤال الوطنية"؟.
دون أن يخبرنا أحدهم على وجه الدقة... شنو يعني: وطنية"؟! ... وبالنسبة لمنو؟. وهل يكون الإنسان وطنيآ فقط تجاه العدوان الخارجي؟. ما هو موقف الزول الوطني من عدوان أهله؟ (هنا في ربكة كبيرة)!... لذا نحن نحتاج تعريف الكلمة "العظيمة"وطنية في حد ذاتها حتى لا تصبح نهبآ للمماحكات والصراعات السياسية!.
| |
|
|
|
|
|
|
|