|
|
كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (9)
|
كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل على الرابط (1) كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (6) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (6) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (7) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل على الرابط (7) كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (8) على الرابط كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (8)
الجزء الثانى: محاولات الحل السياسى
الفصل الاول: التجمع الوطنى الديمقراطى
لم يطرح احد فى السودان سؤال البديل عند مواجهة النظام الانقلابى فقد تجمع كل زعماء الاحزاب السياسية السودانية فى سجن كوبر وفيهم د. حسن الترابى كجزء من استراتيجية اخفاء هويتها السياسية ( عرف فى الادبيات السودانية اذهب الى القصر رئيسا واذهب الى كوبر سجينا). تنادى الزعماء الى طرح اول ميثاق للتجمع كتبه قيادات الاحزاب المعارضة من داخل سجن كوبر العمومي ووقعت علية كافة الاحزاب والقوى الشعبية في 21 اكتوبر 1989م (احد عشر حزبا و51 نقابة). جاء التحليل السياسى للميثاق لازمة الحكم تجريديا اكثر منة واقعيا واسفينا سينحر التوحد (القوى الحديثة التى تفجر الثورات والانتفاضات كانت تفقد السيطرة على دفة الحكم الانتقالى مما يؤدى الى وضع السلطة فى ايدى قوى اخرى تتنكر لقضايا الشعب الاساسية ). القوى الحديثة لم تمتلك فى تاريخها تنظيما خاصا بها او قوة تساندها، لكنها منشرة فى جميع ساحات قوس القزح السودانى وتشارك بافكارها وتياراتها المتعددة عند توفر ظروف الازمة الثورية وتتحد وتستقطب جموع الشعب الذى يفجر الثورة ويسقط الديكتاتوريات. اما المقتل الاخر فاننا اذا حذفنا من الميثاق برنامج النضال اليومى المباشر المأخوذ من التجربة التاريخية المتوفرة انذاك فقد تم طرح برنامج كامل للحكم شبية بالبرامج التى كانت تصاغ وقد اكتملت كل شروط اسقاط النظام الديكتاتورى موضوعيا وذاتيا.
برغم ان هذا القصور سيترتب علية اشكالات ساهمت ضمن عوامل عديدة سنتطرق لها فى فشل التجمع الوطنى الديمقراطى فى تحقيق اهدافة، الا ان هذا يعد تطورا ايجابيا. فالميثاق اول جهد متكامل تتم صياغتة بين كافة القوى كبرنامج اثناء فترة النضال التحضيرى والمجابهات الاولى ، وستزداد قوة الميثاق باستيعاب الحركة الشعبية كفصيل فاعل وقائد لاول مرة فى العمل العام. هذا الجهد الكبير الذى ساهم فية الالاف من بنات وابناء شعبنا سيوصلنا الى احدى اكثر الوثائق الاستراتيجية السودانية مؤتمر القضايا المصيرية 1995 والى اكثر خرائط الطريق وضوحا فى فتح الطريق امام التحول الشامل للدولة السودانية اتفاقية القاهرة بين حكومة جمهورية السودان والتجمع الوطني الديمقراطي في 16 يناير 2005.
في فبراير 1990م اجرى تعديل على الميثاق دخلت اثره الحركة الشعبية للتجمع الوطني الديمقراطي ثم عقد مؤتمر لندن يناير 1992 وتم اقرار الميثاق النهائى (مقررات لندن) وتكون من ديباجة، برنامج للسياسة الخارجية وقوانين فرعية للاحزاب، الاعلام، الصحافة والمطبوعات وقانون لالتزامات شاغلى الوظائف العليا. ربما لم تتوفر فرصة تاريخية مثل سنوات التسعينات لتستعيد دولة السودان مسارها التاريخى الطبيعى و لتتعايش قومياتة و شعوبة ومجموعاتة السكانية فى وطن متكافىء ومتساوى لجميعهم. فالميثاق الذى تداولتة الاحزاب والنخب والنشطاء اتيح لة نقاش وطنى عريض وطويل وساعد علية وجود مجموعات مقدرة من السودانيين فى مختلف ارجاء المعمورة من المغتربين ومطاريد الانقاذ.
عندما وقع الزعماء السودانيين ميثاق التجمع من داخل سجن كوبر العمومي في 21 اكتوبر 1989م، كانوا يستشعرون جميعهم ان من جثم على البلاد سلطة مختلفة وغريبة ووحشية، لذلك جاءت مفردات الميثاق عنيفة ووسائل التعامل مع الانقلاب حاسمة الانتفاضة الشعبية المحمية بالسلاح ولاحقا تبنت العمل العسكرى، الضغط الشعبى، الاقليمى والدولى واخيرا التفاوض. وقد اثبتت الايام صحة نظرهم، فقد كان تيار الدولة الدينية ، الطفل المدلل للاحزاب الطائفية الليبرالية، عالما بكافة محركات الثورات السودانية: النقابات المنظمة، القوات المسلحة، الخدمة المدنية، الاقتصاد والاطروحات الفكرية. وقد عملت منذ يومها الاول لتجريد الشعب السودانى من كافة اسلحتة المجربة والمحتملة بقسوة وحشية وتجرد من اى وازع خلقى او دينى او اجتماعى وبآذان صماء عن صرخات وانين الضحايا. خطها الاخر بعد تفكيك المؤسسات والاستيلاء عليها كان التعامل مع فئات الطلاب والشباب، الخطر المحتمل، بدفعهم الى معسكرات الدفاع الشعبى والخدمة الالزامية وتحويل حرب اهلية عادية الى ساحة الجهاد الاسلامى الاكبر فى العالم. برغم اللغة الحاسمة فى ميثاق التجمع، فقد كانت ردود الفعل الاولى ضعيفة ومشتتة ولكنها تصاعدت تدريجيا الى تحركات من القوات المسلحة السودانية. واتفق هنا مع العميد عصام ميرغنى فى استنتاجة الصائب ان ضعف النظام وفقدانة التاييد الشعبى فى اوائل ايامة وادعاء المسكنة الشديدة ادى الى شيوع حالة من الاستهانة السياسية بالنظام الانقلابى (القوات المسلحة السودانية والسياسة).
التجمع الوطنى الديمقراطى: النجاح النظرى
باستعمال العنف المفرط شق النظام طريقة وباستعلاء البرجوازى الصغير الشديد والاحلام الكبيرة فى انشاء الامبراطورية الاسلامية، بدأ النظام فى ارتكاب الاخطاء القاتلة التى ستعزلة عزلة مجيدة حتى اليوم. اخطاء استراتيجية ادت ليس فقط الى انتهاء اكبر تنظيم اخوانى فى العالم واكثرها تأثيرا الى سلطة فاسدة مستبدة وعاجزة كغيرها من السلطات الاقصائية ولكن الى تقديم اسوأ نموذج لحكم اسلامى واكثرها فشلا فى المنطقة.
اولا: استعمال العنف المفرط سواءا على افراد الشعب والناشطين او اثر تحويل حرب الجنوب الى حرب جهادية وان كان قد حقق اهدافة الانية من شل قدرة الشعب على الحركة والمقاومة فقد بدأ فى تحويل انظار العالم ومنظماتة الحقوقية والانسانية لحملات قاسية وعنيفة ضد النظام الانقلابى وعزلة. وقد بلغت من شدة هذة الحملات السياسية ان قاد هذا ضمن قضايا اخرى لخروج كثير من مثقفى تيار الدولة الدينية على النظام لصحوة ضمائرهم.
ثانيا: اعتمد النظام الانقلابى سياسة الارض الخالية، وهى سياسة استمرت حتى اليوم (فصل الجنوب ليخلوا لها الجو فى الشمال، ثم تصدير المعارضين من جنوب كردفان والنيل الازرق الى الجنوب، عقد صفقة مع احد اطراف دارفور واقتل الباقى ..) وهكذا دواليك. يعود هذا بالاساس لاعتماد مشروعها على التطبيق القهرى والاحادية وفقر المنطق. فقد فضلت اخلاء السودان من نخبة المعارضة لمشروعها وبذلك رفدت التجمعات السودانية بالخارج باكثر نخبها الفاعلة والمجربة والتى استطاعت خنق النظام من اى تأييد اقليمى اودولى.
ثالثا: جاء غزو الكويت فشلا استراتيجيا عويصا وابان كل سيئات تيار الدولة الدينية من غرورها وتحليلها السياسى الفطير وانتهازيتها السياسية القاصرة فى التحالف مع النظام البعثى العراقى بعد غزوة العراق فى 2 أغسطس 1990، وايدى النظام مضرجة بدماء 28 ضابط استغرقت محاكمتهم 60 دقيقة دون محام. وقد ثبت فيما بعد ان ثلاثة منهم لم يشتركوا في المحاولة الانقلابية فى 28 ابريل 1990 واستقدموا لقاعة المحكمة من المعتقلات التي كانت تأويهم عند قيام الانقلاب.
رابعا: فتحت ابواب السودان مشرعة امام كافة اطراف تيار الدولة الدينية فى العالم لحشد القوى حول المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي لبناء الامبراطورية الاسلامية الحديثة ( شاهدت بام عينى منازلا فى الاحياء كان يسكنها رجال ذوى سحنات غير سودانية يخرجون فى الليل اثناء حظر التجوال لجهات غير معروفة) من حماس الى راشد الغنوشى، اسامة بن لادن، كارلوس ...الخ. ليست المشكلة فى ان يحتضن السودان اى مكافح من اجل الحرية فقد فعلتها الانظمة الديمقراطية من قبل ولكن المفارقة ان هؤلاء كانوا يباركون العسف والظلم والقتل فى السودان. ربما كانت تجربة السودان المريرة للغنوشى هى التى قادتة الى الموقف المستنير والتى عبر عنها فى لقاءات عديدة ونود ان نصدق هذا الموقف والايام بيننا.
قادت كل هذة وغيرها الى تمكن التجمع الوطنى الديمقراطى من محاصرة النظام الانقلابى وتوحيد كافة القوى المعارضة لمشروع تيار الدولة الدينية واصبح اكبر واضخم تحالف سودانى فى التاريخ الحديث وضمت الحركة الشعبية والتى قدمت رؤيتها وادخلت الكفاح المسلح كاحد وسائل تصفية النظام. وفعلا تشكلت قوى مسلحة شاركت فيها كافة الاحزاب والمنظمات الجهوية. ورغم اننا نحنى الهامات اجلالا وتقديرا للكوكبة التى حملت رؤؤسها على اك########ا للتصدى للنظام وقدمت من التضحيات والبذل ما يحتاج الى توثيقة وانصاف رجالة، فقد اصبحت التجربة ملكا للتاريخ.
عندما تصدى التجمع للحرب وبرغم قدرته على الاتفاق على افضل ما انتجتة النخبة السياسية من رؤية لمستقبل السودان وتوفر ظروف دولية واقليمية وداخلية مواتية ومؤيدة عجز عن احداث التغيير المطلوب. حبر كثير دلق عن عدم قدرة كل هذة القوى على التصدى لسلطة الانقاذ، وندوات اقيمت وورش عمل عقدت ولكن الباقى منها ان السودانيين ولاول مرة فى تاريخهم بعد التوحد المتسرع لاعلان الاستقلال قد خرجوا برؤية موحدة بعد تحاور اخذ زمنة ونال حظة من التداول الواسع. واذا كانوا قد عجزوا عن وضع تصور تنفيذى – كما هى عادة السودانيين وغلب عليهم ما يراة الدكتور حيدر ابراهيم عن عدم قدرة النخب على العمل الجماعى – فقد خلفوا ورائهم وثيقة جيدة تصلح فى اى وقت لتشكل مسودة اولية لحكم البلاد عند انعتاقها من حكم الفرد.
مؤتمر القضايا المصيرية 1995
تمخض الحوار الممتد بين الاطراف المتعددة الى الوصول الى مؤتمرها التاريخي بمدينة اسمرا عاصمة دولة اريتريا تحت شعار مؤتمر القضايا المصيرية وذلك في الفترة من 15 الى 23 يونيو 1995 وصدر البيان الختامي في يوم الجمعة 23 يونيو 1995م، وقع على البيان الفصائل التالية: الحزب الاتحادي الديمقراطي- حزب الامة- الحركة الشعبية / والقوات المسلحة الشعبي لتحرير السودان- تجمع الاحزاب الافريقية السودانية- الحزب الشيوعي- القيادة الشرعية- النقابات- مؤتمر البجة- قوات التحالف السودانية- الشخصيات الوطنية. تداول المؤتمرون في قضايا الوطن الاساسية: الحرب والسلام ، حق تقرير المصير؛ علاقة الدين بالسياسة؛ شكل الحكم، مقومات سودان المستقبل.
كان ابرز القضايا التى تم الاتفاق عليها ما جاء تحت الدين والسياسة في السودان ونصت على ان تشكل كل المبادئ والمعايير المعنية بحقوق الانسان والمضمنة في المواثيق والعهود الاقليمية والدولية لحقوق الانسان جزءا لا يتجزا من دستور السودان واي قانون او مرسوم او قرار او اجراء مخالف لذلك يعتبر باطلا وغير دستوري. يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات والتقاليد وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الدين او العرق او الجنس او الثقافة ويبطل اي قانون يصدر مخالفا لذلك ويعتبر غير دستوري. لا يجوز لاي حزب سياسي ان يؤسس على اساس ديني. تعترف الدولة وتحترم تعدد الاديان وكريم المعتقدات وتلزم نفسها بالعمـل على تحقيق التعايش والتفاعل السلمي والمسـاواة والتسامح بين الاديان وكريم المعتقدات وتسمح بحرية الدعوة السلمية للاديان وتمنع الاكراه او اي فعل او اجراء يحرض على اثارة النعرات الدينية والكراهية العنصرية في اي مكان او موقع في السودان. كان ثانى ابرز القضايا التى تم الاتفاق عليها ما جاء تحت شكل الحكم اذ نصت على ان يحكم السودان على اساس حكم لامركزي- اى فيدرالية موسعة- يؤسس على توزيع السلطات والصلاحيات المتفق عليها بين المركز والكيانات الشمالية والكيان الجنوبي (انظر وثائق الحل السياسى الشامل http://www.umma.org.
إعلان القاهرة في 16 يناير 2005
مع مجىء الرئيس جورج بوش ممثلا للمحافظين الجدد بدا التغير فى الاستراتيجية الامريكية تجاة الصراع فى السودان الى دعم مسارات التفاوض وصولا الى الاتفاق الاطارى فى مشاكوس في يوليو 2002 والتى وضعت الاساس النظرى للدولة الواحدة بنظامين والغطاء العملى للاتفاقية الثنائية بين الشريكين لاحقا فى واتفاقية السلام الموقعة بين حكومة جمهورية السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان في نيروبي في التاسع من يناير 2005 (اتفاق نيفاشا). الحاقا لنيفاشا عقد التجمع الوطني الديمقراطي اتفاقية مع حكومة جمهورية السودان (إعلان القاهرة). يعد الاتفاق افضل خريطة شبة مكتملة فى بلورة رؤية سودانية قادرة على انتشال السودان من وهدة التسلط، الاحادية وحكم الفرد والسير فى طريق الديمقراطية والتنمية والتقدم (كل هذة الوثائق متوفرة http://www.umma.org)
العمل المشترك:اعادة انتاج الازمة
اضاف حزب الامة القومى الى جهدة التوثيقى الكبير عملا موسوعيا عن انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان بواسطة اللجنة العليا للانتخابات، حزب الأمة القومي. جاء الكتاب فى 1064 صفحة تحليلا دقيقا تناول فية التجربة الانتخابية التاريخية في السودان، الانتخابات إبان النظام المايوي وفى عهد "الانقاذ"، الإطار الدستوري والقانوني لانتخابات 2010م لإطار الدستوري، الإطار القانوني والقوانين الاخرى المؤثرة على العملية الانتخابية مثل التشريعات الخاصة بالإعلام، القانون الجنائي لسنة 1991م، قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1999م ، قانون قوات الأمن الوطني لسنة 2009م)، أضلاع الانتخابات: المفوضية، والأحزاب، والمرشحون. ان قيمة الكتاب ليست فقط فى ماحوى ولكن فى كيفية كتابتة "هذا الكتاب هو نتيجة قرار لجنة الانتخابات العليا في حزب الأمة القومي وقامت به لجنة متخصصة جمعت المعلومات من كل مصادرها وأشركت أجهزة الحزب المركزية والقاعدية، واطلعت على كل المعلومات والتقارير من كافة المصادر المعنية ثم ألفت هذا الكتاب الجامع الذي سوف يكون وثيقة مرجعية لانتخابات أبريل 2010م في السودان. (انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان بواسطة اللجنة العليا للانتخابات، حزب الأمة القومي، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة،2010 ).
ادى الحراك السياسي وقضايا الانتخابات لتكون ما اسمي بقوى الإجماع الوطني أو قوى تحالف جوبا الذى ضم تقريبا كل القوى السياسية ما عدا المؤتمر الوطني والأحزاب التابعة له، عقب مؤتمر جوبا لجميع القوى السياسية الذي دعت له الحركة الشعبية لتحرير السودان في الفترة 26-30 سبتمبر 2009م، وضعت إطارا لعملها عبر إعلان جوبا للحوار والإجماع الوطني الناتج عن ذلك المؤتمر. طرحت قوى تحالف جوبا التوافق حول قانون الانتخابات وضرورة إشاعة الحريات قبل وقت كاف من فترة الاقتراع وفي 30/11/2009م كحد أقصى، كشرط لخوض الانتخابات. وقد وضع هذا الشرط في إعلان جوبا للحوار والإجماع الوطني في 30/9/2009م. بعد ان مرت فترة الاشتراط التي وضعتها الأحزاب في إعلان جوبا (والمنتهية في 30/11/2009م) بدون أية إصلاحات، ظلت الأحزاب متفاوتة فيما بينها في إعلان مقاطعة الانتخابات أم الاستمرار فيها مع مطالبة المفوضية بإجراء الإصلاحات كمزيد فرصة للانتخابات التي انعقدت عليها آمال كثيرة.
وفي 17/1/2010م اجتمعت قوى الإجماع الوطني لاتخاذ قرار بشان خوض الانتخابات أو مقاطعتها، ورأت ان تسمح بتباين المواقف في قرارها الذي أكد بان "المستحقات المطلوبة لقيام انتخابات حرة نزيهة غير متوفرة. وان المؤتمر الوطني لم ينفذ البنود الأساسية في اتفاق السلام الشامل التي تهيئ البيئة القانونية والسياسية لاستدامة السلام في الجنوب، وحل أزمة دارفور، وهيكلة أجهزة الدولة، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات المتعارضة مع الدستور، وفتح المجال لوحدة جاذبة في الاستفتاء على تقرير المصير في يناير 2011م. وتنفيذ اتفاقيات السلام الأخرى". كما أكد ان "المفوضية القومية للانتخابات أظهرت ضعفا إداريا وإعلاميا كبيرا، وتجاوزا لنصوص قانون الانتخابات في كثير من بنوده. ولم تستطع ان تؤكد استقلاليتها مما خلق تشوهات كبيرة في السجل الانتخابي، عجزت المفوضية عن تصحيحها رغم الطعون والاعتراضات". وعدد القرار الأوجه المحتاجة لإصلاح، كما أكد على ضرورة تنسيق المواقف حولها وتكوين آلية عليا لمتابعة تنفيذ خوض الانتخابات. لقد ظلت القوى السياسية ممثلة في قوى الإجماع الوطني مختلفة في تقييم جدوى المشاركة في انتخابات بان انها مزورة، وانه لو أجريت بدون الإصلاحات المطلوبة والتي تتطلب تأجيل الاقتراع حتى نوفمبر 2010م فانها لن تكون حرة ولا نزيهة. (انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان)
بحثت قوى الإجماع الوطني كل التجاوزات ثم قررت مخاطبة مؤسسة الرئاسة بمذكرة في محاولة لحثها على الدفع باتجاه نزاهة الانتخابات. قدمت المذكرة في 15/3 وقد وقع عليها 17 حزبا سياسيا. عددت المذكرة المطالبات المتكررة لتحقيق نزاهة الانتخابات، انتقدت المذكرة المعالجات التي اتخذتها مؤسسة الرئاسة لعيوب الإحصاء السكاني وقالت انها معالجة غير قانونية وغير دستورية ومرفوضة سياسيا. وعددت مخالفات مفوضية الانتخابات القانونية، وتعدي مؤسسة الرئاسة لصلاحياتها مما يدل على عدم استقلاليتها، وعدم تطبيقها للقانون فيما يتعلق بتكافؤ الفرص الإعلامية للمرشحين، وفيما يتعلق بدعم الأحزاب من الدولة، وكذلك عدم تحديدها لسقف الصرف على الانتخابات، وعدم ضبطها لمسألة عدم استخدام موارد الدولة للمرشحين، وعدم تدريبها للمراقبين الذين التزمت بتدريبهم، وهضمها لحقوق السودانيين في المهجر. قالت المذكرة ان القوى السياسية لم تشعر "ان المفوضية تدافع عن حرياتهم في وجه القوانين والأجهزة الشمولية المقيدة للحريات. بل دعمت تلك القيود بمنشورها المنشور بتاريخ 18 فبراير 2010م. وقالت المذكرة في الختام: "ان إجراء انتخابات مختلف على حريتها ونزاهتها سوف يعمق أزمة الحكم في البلاد ويؤدي لمواجهات تعصف باستقرار البلاد".. "نحن نتطلع لنعمل جميعا لسد هذه الثغرات ولكن إذا حال العناد والانفراد دون ذلك فالواجب الوطني ان نميز مواقفنا بسرعة ووضوح وحكم الرأي العام السوداني، والرأي العام العالمي، والتاريخ بيننا".(انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان)
كان المسرح قد أعد للمقاطعة بأشكال مختلفة. ومذكرة القوى السياسية قد وضعت مهلة للاستجابة لمطالباتها أو اتخاذ خطوات معينة إزاء خوض الانتخابات، حينما أعلنت الحركة الشعبية على نحو مفاجئ قرارها بسحب مرشحها الرئاسي فاتحة الباب أمام احاديث ان ذلك تم بصفقة مع المؤتمر الوطني. وفي هذه الأجواء تمت الدعوة لاجتماع عاجل لقوى الإجماع الوطني بدار الأمة بام درمان. الحركة الشعبية بررت موقفها الاستباقي للموقف الجماعي الذي كان يتم الاستعداد له بان ذلك كان قرار مكتبها السياسي. وأعلن مرشحها الرئاسي ذلك الموقف بقوله " ان المكتب السياسي للحركة رأى ان الانتخابات "يتم تزويرها على قدم وساق، ومن ثم فان الحركة لن تشارك في هذه الانتخابات على مستوى رئاسة الجمهورية وإقليم دارفور". و"ان الانتخابات الرئاسية معمولة للمحكمة الجنائية وليست للبشير أو السودان".
الأحزاب السياسية التي اجتمعت لبحث الموقف أصدرت قرارها في الأول من أبريل، والذي قرر "رفض ومقاطعة الانتخابات الجزئية المشوّهة" والمناداة بتأجيلها لنوفمبر القادم. ولكن القرار نص على ان "هناك أحزاب من قوى الإجماع الوطني قررت المضي بالمشاركة في الانتخابات مع اتفاقها التام مع بقية الأحزاب بان الانتخابات غير نزيهة، وبانحياز المفوضية ولكنها تشارك فيها لمواصلة التعبئة وتوثيق الخروقات والقيام بالمقاومة عبر الانتخابات، كما ان هناك أحزاباُ تستكمل مشاوراتها عبر أجهزتها لتعلن موقفها خلال 24 ساعة".
حزب الأمة القومي انطبقت عليه الحالة الأخيرة حيث جلس أعضاء مكتبه السياسي طيلة نهار الخميس 2 أبريل بدار الأمة منذ الثانية عشرة ظهرا وحتى الخامسة والنصف مساء يبحثون أمر مقاطعة الانتخابات أم الاستمرار ولم يصلوا لشيء ورفع الاجتماع لليوم التالي- الجمعة- بينما بمساء الخميس الأول من أبريل صدر بداره ذاتها قرار المقاطعة المشار إليه، ثم جلس المكتب السياسي للحزب طيلة يوم الجمعة – مصليا الجمعة داخل الدار- لبحث القضية الشائكة حتى وصل لقراره بالمواصلة والإمهال حتى السادس من أبريل لمراجعة الموقف، بعد ان وضع ثمانية شروط مخففة للغاية إذا ما قورنت باشتراطات القوى السياسية المذكورة أعلاه. ولهذا السبب، فان التعنت إزاءها وعدم الاستجابة غيرت الموقف داخل المكتب السياسي في أسبوع واحد من غالبية تؤيد المشاركة في الانتخابات، إلى غالبية تؤيد مقاطعتها في كل مراحلها فاتخذ قرار المقاطعة في النهاية بالإجماع.
كذلك ومنذ الأول من أبريل تلاحقت إعلانات الأحزاب حول موقفها من الانتخابات، جزء كبير من الأحزاب المنضوية في قوى الإجماع الوطني أعلنت مقاطعتها منذ الأول من أبريل، بعض الأحزاب، مثل الحزب الشيوعي لم يكتف بذلك بل أصدر بيانات إضافية. أهم حزبين قررا خوض الانتخابات كانا الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، والمؤتمر الشعبي. وقد شاب موقف الاتحادي الأصل بعض التردد إذ شاع انه سيخوض الانتخابات ما عدا الرئاسة التي سحب مرشحه فيها، ثم تراجع عن سحبه لاحقا، ولكن كان قطاع عريض من كوادر الحزب وقياداته تؤيد قرار المقاطعة التي لم يكن رئيس الحزب يؤيدها، حتى ان مسيرة نظمتها كوادر الحزب الطلابية والشبابية توجهت لدار رئيس الحزب منادية بالمقاطعة ولكن السلطات الأمنية قمعتها. أما المؤتمر الشعبي فقد كان قد قاد حملة مقاطعة الانتخابات في وقت مبكر، وكانت فكرة تحديد آخر موعد للاستجابة لشروط المعارضة في إتاحة الحريات وإصلاح بيئة الانتخابات قد جاءت من الأمين العام للحزب الدكتور حسن الترابي إبان مؤتمر جوبا في سبتمبر 2009م. وفي النهاية خاضت الأحزاب مسألة الترشيح للرئاسة بدون أي تنسيق.
رغم تمكن الكيانات السياسية السودانية من الوصول لمشتركات عديدة منذ اول ميثاق للتجمع في 21 اكتوبر 1989م ووقعت علية كافة الاحزاب والقوى الشعبية، مؤتمر القضايا المصيرية 1995 والى إعلان القاهرة في 16 يناير 2005. انجزت تقديم رؤية قابلة للتطوير واحداث تغيير حقيقى فى المسيرة السياسية. تبدا المشاكل عند متابعة كل تنظيم ودورة فى العمل الجماعى. وقد اعطى مثال الانتخابات الاخيرة مثالا سيئا عن استحالة قدرة ورغبة كافة احزابنا ان تنسى ذاتها لمرة واحدة وان تتحد ضد النظام. بديلا عن ذلك دخلت الاحزاب البوربونية المنافسة ببلاهة معتقدة انها ستخوض غمار انتخابات نزيهة، وظنى ان قادة المؤتمر الوطنى كانوا يقهقهون ولم يدهشوا قط من غفلة قادة احزابنا والذين لم يخذلوهم قط فى التصرف الذى يعرفونة عنهم جيدا. وكان الحرى بقادة احزابنا ان تاخذ قول قادة الانقاذ انهم لن يذهبوا الا بالقوة على محمل الجد وتتفق حول مرشحين من كافة الاحزاب فى قائمة موحدة واحدة وعندما تظهر نتائج التزوير المحتمة كانت هذة هى القوة لتدعوا شعبها للاضراب السياسى العام والاحتجاج السلمى. لقد اعطاهم جون قرنق الطريق فما افلحوا وقارعهم ملك عقار فى الدفاع عن حقة فى الفوز كوالى واجبار النظام على مفاوضتة.
مهزلة انتخابات 2010
عندما اقرت اتفاقية السلام لعام 2005م الالتزام بالتحول الديمقراطي، كان المآمول ان تكون الانتخابات تتويجا لعملية شاملة تنتهى بالوطن الى تفكيك الشمولية وحكم الفرد. كما يبرز الكتاب فقد تباينت نظرة الاطراف المهتمة بالانتخابات. " المؤتمر الوطنى اعتبرها درعا للوقاية من المساءلة الجنائية الدولية ولا مناص من الفوز فيها بأية وسائل. والحركة الشعبية اعتبرتها عتبة هامة للاستفتاء تقبل بأية حالة. الغربيون من أمريكان وأوربيين أدركوا العيوب ووثقوا لها ولكن أوصوا غالبا على قبولها لان الشيء من معدنه لا يستغرب فمقاييس منطقتنا في نظرهم متدنية. المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، ومؤتمر الدول الإسلامية، تعاملوا مع "الانتخابات" بما يرضي حكومة عضو معهم في منظماتهم". اما الاحزاب فجميعها " كان حزبنا حريصا جدا على الانتخابات العامة واستعد الانتفاضة انتخابية يقول عبرها الشعب كلمته فيما تعرضت له حياته في عقدين من الزمان. بل حرصنا على خوضها إذا توافرت أدنى درجة من النزاهة. ولكن في نهاية المطاف قاطعنا لا أقول انتخابات بل قاطعنا تزويرات ". ويتابع الكتاب كيفية تلاعب المؤتمر الوطنى فى كل مراحل الانتخابات بدأ من التعداد السكانى، ترسيم الدوائر الانتخابية، تكوين المفوضية القومية للانتخابات، انتهاك حقوق السودانيين المقيمين بالخارج، مجافاة النظام الانتخابي للدستور، قانون الانتخابات، التمويل ، التسجيل، الترشيح، ، رقابة الانتخابات، الاقتراع ، العد والفرز والجدولة و نتائج الانتخابات. (انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان).
انتهت اغرب انتخابات واكثرها تعقيدا جرت فى السودان (يصوت الناخب في الشمال في 8 انتخابات هي: (1) الرئيس- (2) الوالي- (3) الدائرة الجغرافية، و(4) القائمة النسائية، و(5) القائمة الحزبية للمجلس الوطني- و(6) الدائرة الجغرافية، و(7) القائمة النسائية و(8) القائمة الحزبية للمجلس الولائي) الى اغرب نتائج ممكنة وهى فوز المؤتمر الوطنى 95% من اعضاء المجلس الوطنى وفوز رئيس الجمهورية 33% من اصوات السودان " ومهما كان حجم التزوير فانه لا يخفى ان من "صوت" لمرشح المؤتمر الوطني للرئاسة نال أقلية من أصوات المسجلين للتصويت. فإذا جمع عدد الذين لم يصوتوا أصلا، والذين صوتوا لغيره، لصارت نسبة ما نال من الأصوات 33% من عدد المسجلين للتصويت". (انتخابـات السودان: أبريل2010م في الميزان).
جاءت الانتخابات وقد جردتها السلطة من اى مغزى مما كانت من المفترض ان تلعبة وترسخة، كتل من القوانين والاجراءات والتفسيرات والمماطلات والقضايا الانصرافية اصبح النظام استاذا فيها. السلطة الفاسدة المستبدة عازمة الراى ان تفوز بها من الالف للياء وخلفها تاريخ عريق من التزوير و البلطجة. "التزوير خُلق استشرى بغير فقه ولا تقوى في منافسات الحركة الإسلامية مع خصومها في اتحادات الطلاَّب وِنقابات المهن وبرعت فيه الأجهزة الخاصة للمعلومات والأمن، وظلَّت تتحالف لانفاذه وتمام نجاعته عضوية الحركة في الأجهزة الشعبية والرسمية لتكسب به مقاعد الاتحادات والنقابات، ريُثما تستدير بالفوضى على نفسها فتزور إرادة قاعدتها داخل حزبها لصالح أجندة القيادة" (الأستاذ المحبوب عبد السلام: مرجع سابق). النخبة وهى ممثلة فى احزابها تعرف كل هذة الحقائق وتجرعت سمها المرة تلو المرة وتملك فى تاريخها امكانيات واضحة فى العمل التحالفى والجماعى منذ الجبهة الوطنية المتحدة التى تكونت لمعارضة الحكومة الديكتاتورية الاولى. فماذا تمخض عن فأر النخبة:
اولا: تفتقت عبقرية النخبة عن اكثر من 72 حزبا اغلبها ممن اطلق عليها احزاب الشقق المفروشة. برغم ان تعدد الاحزاب هو القاعدة فى البلاد الديمقراطية ولا ارى مانعا ان تتواجد بالمئات منها ولكن بشرط ان تكون اضافة للعمل الديمقراطى لا منابر للبيع (يوجد 6 احزاب فكة من حزب الامة ، و 4 احزاب فكة من الاتحادى الديمقراطى )
ثانيا: لم تستطع الاحزاب الاتفاق حول مرشحين وفاقيين، المعيب ان تدعو الاحزاب السلطة الباطشة الى سلطة انتقالية وهى عاجزة عن الاتفاق على حشد القوى ضد النظام. هذة انتخابات الكل يعلم ان النظام لن يسلمها لهم الا على جثتة وقد كان من روح المسئولية الوطنية الاتفاق على قائمة موحدة فى كل السودان والتكاتف لفضح العملية بشكل افضل ومن ثم الدعوة لخطوات حاسمة ما بعد التزوير.
ثالثا: لقد ابانت التجربة الطويلة حتى الانتخابات ان هناك حاجة للتغيير فى احزابنا الذين يقودها قادة منذ الستينات ورغم ان هناك الكثيرين يعتقدون ان قبضة عواجيز الاحزاب خفت الا ان المشكلة ليست فى الافراد لكن فى النظام المسن المسيطر.
وقد تابعت بكل حزن واسى الشكوى المرة من الاستاذ فاروق ابوعيسى رئيس الهيئة العامة لقوى الإجماع الوطني فى برنامج حصاد التجربة فى قناة ابونى الذى تقدمة المذيعة البارعة رشا عوض بتاريخ 28 يوليو 2011 ، من الخلل المفهومى لدى الاحزاب المنضوية تحت مايسمى قوى الإجماع الوطني التى تتفق فى الاجتماعات حول موضوع معين ثم تخرج وتتخذ قيادتها موقفا مغايرا. لم يكن حزنى على هذا الخلل فهو مرض مزمن فى احزابنا من نقض العهود والمواثيق والاتفاقات ومن فات قديمة تاة، حزنى اننى فى كل مرة الدغ من نفس الجحر واننى كالمستجير من الرمضاء بالنار. لقد حصدت القوى السياسية السودانية نتائج ما زرعت على مر تاريخها ، وترحلت من هزيمة الى اخرى ناظرة فى مراءة ذاتها حتى وضعتها القوى التى رافقتها السفر حينا من الدهر فى موضع الناظر الى ذاتها من موقع الاخر.
الفصل الثانى: الطريق الى الدولة الديمقراطية المدنية
لقد تم عبر تطور الدولة السودانية الربط بشكل لا يمكن تبين فواصلها بين رجال الدين والدولة وتصور الدولة للدين والسياسة بحيث اصبح كلاهما فى خدمة الاخر ولذلك فقد استمرت وظائف رجال الدين تنتقل من احتلال تركى الى المهدية الى الاستعمار الى الحكم الوطنى وكانها سلطة واحدة ممتدة. وفى نفس الوقت تبنت القوى المستنيرة والمثقفين الذين يرون الدين فى خدمة الجمهور وبعيدا عن سلطة الدولة دعاويها واسست قضيتها على التنوع العرقى والثقافى والدينى ووجود اقلية كبيرة غير مسلمة والاحتماء وراء رفض الجنوبيون للشريعة وكل الاطروحات التى دارت فى هذا الفلك وهى الغالبة والمزدهرة والمشهورة. ويؤدى هذا الى الافتراض ان عدم وجود هذة التنوعات فى دول مثل الامارات (الاسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية ) او الاردن (الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية) او تونس (تونس دولة، حرة، مستقلة، ذات سيادة ، الاسلام دينها ، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها) لابد ان يؤدى بالضرورة الى ما يسمى تطبيق شرع اللة على الموديل الانقاذى او الختمى او الصحوى وهو غير حاصل فى كل هذة الدول.
الدولة المدنية
ربما كان افضل تعريف للدولة المدنية ما اوردة المناضل علي محمود حسنين: نحن نتحدث عن الدولة المدنية في مواجهة الدولة الدينية، والحديث عن الدولة المدنية يعني ان الدولة غير دينية لان الدولة الدينية غير موجودة حتى في الاسلام والذين يتاجرون بالدين والذين يستخدمون الاسلام السياسي ليست هناك دولة دينية،... الشعب السوداني الان يريد دولة مدنية ديمقراطية تقوم الحقوق والواجبات فيها على اساس المواطنة وليس اي نوع من التمييز والجميع تحكمهم المواطنة ويطبق عليهم قانون واحد، وعليه لا يستطيع اي انسان ان يستغل الدين للعمل السياسي كما يجري الان، لذلك نشدد على ضرورة عدم استغلال الدين في العمل السياسي". (علي محمود حسنين في حوار عاصف الجزء الثالث : جريدة الاحداث: 04/12/)2010 )
الحزب الاتحادى الديمقراطى والدولة المدنية
ربما كان الحزب الوطنى الاتحادى رائد الدولة المدنية واول من طبقها عقب الاستقلال. لكن هذا الحزب الذى ضم غالبية النخبة السودانية وافضلها وقف بالتجربة عند الانتخابات الوسمنسترية واجراءاتها ولم يخض غمار ان يؤسس لرؤية واضحة حول كافة قضايا الوطن. الكارثة ان هذا كان فى متناول اليد فقد انشغلت بها النخبة وكتبت عنها مرارا وتكرارا فى مختلف تنظيماتهم. قاد خواء الفكر وغياب آليات الحوار وفقدان مراكز البحث والدراسات الى سيادة تداعيات الليالى السياسية، الندوات الجماهيرية، المسيرات السياسية وكلها هامة وضرورية للاقتراب من نبض الشارع، الى ان اصبحت هى وسيلة اتخاذ القرارات المفصلية.
هذا الاهتمام الفائق باليات الصراع السياسى والاستوزار والبقاء فى السلطة حرم السودان من تكرار تجربة الهند الديمقراطية عبر حزب المؤتمر الذى صاغ بجهد ابنائة الليبرالين الاوفياء تاريخا ودولة عبرت الى افاق التقدم والتطور. بديلا عن ذلك شارك الحزب التراجع التدريجى للحياة السياسية الى براثن الطائفية ودهاليز الخلافات العرقية، الدينية والعنصرية. عند انفجار الانتفاضة التى عمل لها المغفور لة الشريف الهندى طوال سنوات مايو حتى وفاتة، وقف حزب الديمقراطية، المثقل بالسدنة الذين عملوا فى المايوية ضد كافة اطروحات الانتفاضة وخاصة قوانين سبتمبر واعطى العذر لحزب الامة ان يتلكأ ايضا. عند العودة بعد اتفاق القاهرة ، وكان لازال تحت تأثير الليبراليين الذين قادوا المعركة مع نظام الانقاذ طرح الحزب الاتحادى الديمقراطى، الوريث الطائفى لحزب الليبرالية، الدولة المدنية فى البرنامج العام للحزب وعالج فية مسائل الهوية السودانية " ان الهوية السودانية تتداخل فيها العروبة والافريقانية بكل مكوناتها الثقافية والعرقية والدينية والاجتماعية. ان التعدد والتنوع من ابرز مكونات الشخصية السودانية ولا بد من احترام ذلك التعدد ليعبر عن نفسه دون استعلاء اوسيطرة ثقافية اوعرقية او دينية. والتعدد يعتبرعاملا مهما للوحدة والتفاهم بين المجموعات لتعبرعن الشخصية السودانية. تهدف الاديان السماوية والوضعية الى صياغة الانسان المنسجم مع نفسه روحيا ولديه الواعز الاخلاقى الذى يجعل منه انسانا سويا مستقيما. والتدين من سمات الشخصية السودانية وعلى الدولة ان ترعى كل الاديان والموروثات وتعمل على التعبير عن قيمها". ويضيف حول الديمقراطية: " هى التعبير الانسب عن التعدد والتنوع وخلق الغايات الموحدة وهى الاطار الذى يحتوى التنوع والتعدد. وتقوم الديمقراطية على اساس المساواة الكاملة بين الناس وتعتمد المواطنة اساسا للحقوق والواجبات.
وطرح نظريتة حول دوائر الانتماء الحضاري: السودان بموقعه الجغرافي وبتكوينه البشري وثقافاته ودياناته هو تجسيد لحقائق جغرافية وتاريخية وثقافية شكلت من خلال امتزاجها في المكان هوية شعب السودان وسماته المعروفة فالسودان بلد عربي افريقي لا انفصام في تراكيبه بين مكونات هويته هذه ولا مجال لعزل خصائصه وسماته الحضارية عن بعضها البعض او العمل علي فهم وادراك اي منها بمعزل عن الاخري لذلك كان علي شعب السودان ان يتفاعل في محيطه وباتساع قارته ومع العالم من حوله من خلال دوائر تنداح متسعه تفسح امامه افاقا عظيمة الاتساع يمكن ان يبدع فيها تجربة حضارية عامرة بالاخذ والعطاء من اجل مستقبل واعد للسودان وهذه الدوائر المتواصلة ابعادها هي الدائرة العربية والدائرة الافريقية والبعد الاسلامي بتاثيره القوي والبعد الدولي بكل واقعة ."
رغم ما جاء فى البرنامج الانتخابى للحزب الاتحادى الديمقراطى من افكار معقولة، الا ان التجربة المريرة ارتنا ان اسهل ما فى ادبيات الحياة السياسية هو الانشاء والتدبيج والتراجع عنها، ومع الحزب الاتحادى الديمقراطى فهذا من اهين اشيائة. وقد تابعنا عبر الصفحات كيف ان انحياز حزب الليبرالية الاكبر لدعاوى الدولة الدينية هو الذى ادخلنا فى كل هذة المتاهات. ان هناك هوة ضخمة من الثقة فى مواقف الحزب عبر عنها الاستاذ محمد ابراهيم نقد " طبعا اذا انفصل الجنوب لا بد من عمل دستور جديد للشمال، ومفهوم ان الحكومه تريد ان تطرح دستورا اسلاميا، ويمكن حزب الامة بقيادة الصادق المهدي مع الدستور الاسلامي، و محمد عثمان المرغني زعيم الحزب الاتحادي الدمقراطي الاصل مع الدستور الاسلامي و حزب المؤتمر الشعبي بقيادة الدكتور حسن الترابي سيطرح الدستور الاسلامي لكنهم لا يمكن ان يتجاوزوا ما تراكم في السودان حول الحقوق الاساسية للمواطن و الحريات الاساسية والتعددية.( اجراس الحرية، 2 يوليو 2011 )
حزب الامة
يرجع التراث الديمقراطى فى التعامل مع الدين وعلاقتة بالسياسة الى التراث الذاخر للامام الراحل عبد الرحمن المهدى والذى كانت سيرة حياتة مزاوجة متوازنة بين الموروث المهدوى والاسلام والحياة المعاصرة من خلال مواجهة عملية للتحديات التى طرحها العصر. وقد قارب هذة التحديات مزودا بثقافة عالية اكتسبها من خلال علاقات ممتدة مع مثقفى عصرة ومعايشة وتداخل فى نسيج الحياة الشعبية سواء بشكل مباشر او عن طريق شبكة الوكلاء الممتدة فى انحاء القطر. تواصل هذا عبر الراحل الامام الصديق والذى طور من اطروحات والدة الراحل ومتن علاقة الحزب بالديمقراطية و العمل التحالفى وكان لرحيلة المفاجىء اثرا كبيرا فى تراجع العمل الجبهوى.
هذا التراث الثر والديناميكية الثقافية والسياسية للامامين الراحلين قادها الامام الصادق المهدى الى متاهات ادخلت الوطن الى النفق الذى يتية فية. فمع تبنى اطروحات الاخوان المسلمين بعد اكتوبر ( مجموعة حديثة منظمة مع ثقل حزبى) ادخل البلاد فى مآزق الاسلمة وشارك فى حل الحزب الشيوعى وتضييق الحريات. هذا الجو ادى لتسعير حرب الجنوب وادخل انقلاب القوميين العرب الى الساحة. حتى عندما جاءت جحافل الجبهة الوطنية لتحرير السودان، كانت تحمل برنامج الاسلمة فى جيبها. مع قوانين سبتمبر كان حلفائة فى المشروع الاسلامى قد قويت شوكتة و اشتد ساعدة فمضوا مؤيدين لامام القرن العشرين. كان العمل الدستورى والقانونى الذى استنة نظام النميرى مراد بة محاصرة الاحزاب الليبرالية الاسلامية و استباق وتفريغ شعارات تيار الدولة الدينية وقمع حركة الشارع الشعبية. مع هذا الموقف لم يكن امام الامام غير ان يبدأ فى مراجعة كل المشروع الذى تبناة سنينا. ورغم ان البديل كان غامضا ويحمل مدلولات الستينات، الا ان الحزب كان عريقا فى تمسكة بالديمقراطية والمشورة والاتفاقات السياسية العريضة. وقد نشط زعيمة فى نقد وتعرية كافة جوانب وعيوب التجربة فى عدد مقدر من الكتب و البيانات والخطب ( يمكن الرجوع الى موقع حزب الامة القومى _ http://www.umma.org – واهم هذة المطبوعات: مستقبل الاسلام في السودان (1982) النظام السوداني وتجربته الاسلامية (اصدار الحركة الاسلامية السودانية- يونيو 1984م) الاسلام والتجربة السودانية (منشورات الامة- ا/11/1985م واحدثها ميزان المصير الوطني). تطورت اطروحات الحزب مع تطور تجربتة السياسية والقانونية الى صيغة توفيقية بين الدين والحياة السياسية فيما سمى نهج الصحوة.
بدا نهج الصحوة بتعريف حدود الديمقراطية فى علاقتها مع الاسلام " لا يجوز ان تتعدى الاغلبية الديمقراطية على الشرعية الالهية التي نزل بها الوحي، ولا ان تتعدى على الشرعية الانسانية، ولا على الشرعية الطبيعية، هذه الاصول تضع مبادئ ينبغي ان ترعاها الاغلبيات الديمقراطية. تراعي الديمقراطية واجبات التوازن لكيلا تشعر الاقليات بالحرمان، كذلك التوازن الذي يمنح القوى الاجتماعية ذات الكفاءة الاعلى دورا يلائم طاقاتها حتى لا ينصرف ولاءها الى خارج النظام السياسي. ومن باب التوازن يراعي النظام الديمقراطي خصوصيات لها وزنها في الواقع مثل: خصوصية جنوب السودان ، تنوع السودان وترمي اطرافه يوجب لا مركزية اقليمية لا يجوز ابتلاعها في الاغلبية العامة و .... دورا قوميا للقوات المسلحة دورا ينبغي ايجاد تحققه ونحافظ على هيمنته قرار الاغلبية من ناحية وعلى الضبط والربط العسكري من الناحية الاخرى"( برنامج نهج الصحوة: البرنامج الانتخابي لحزب الامة)
واوضح نهج الصحوة الاسلامية: "اولا: الاسلام لم يضع نظاما معينا للحكم والاقتصاد بل وضع مبادئ عامة واحكام وكل نظام سياسي او اقتصادي يلتزم بتلك المبادئ ويطبق تلك الاحكام هو نظام اسلامي. ثانيا: تطبيق الاحكام الاسلامية لا يعني بالضرورة الاحكام المذهبية الحالية، فاحكام المذهب هذه استنباطات وافية باغراض زمانها البعيد ولكنها بعيدة عن ظروفنا المعاصرة. لذلك فان التشريع الاسلامي في زماننا يقوم على النصوص الثابتة في الكتاب والسنة وعلى اجتهاد جديد مؤهل مستنير باجتهادات السلف ومتجاوز لها. ثالثا: الاستنباط الاجتهادي للاحكام لا يصبح قانونا ملزما الا عن طريق اداة تشريع صحيحة النيابة عن الشعب. رابعا: اننا نعيش مع جماعات غير مسلمة تشاركنا الوطن وتخشى ان يودي النظام الاسلامي بحقوقها المدنية والانسانية والدينية. والخيارات المتاحة للتعامل معها هي:اما عقد اتفاق معها يكفل حقوقها المذكورة على نحو ما فعل النبي (ص) في صحيفة المدنية. واما الاتفاق معها على صيغة للتنوع القانوني في ظل الدولة الواحدة.
خامسا: ان نصوص ومقاصد الشريعة الاسلامية تتسع لاقامة علاقات دولية قائمة على السلام العادل والتعاون الدولي كاساسين دائمين للعلاقات الدولية.سادسا: ان النهج الاسلامي يمقت المفاجات والاجراءات التعسفية المجردة من التمهيد والتدرج فالتمهيد والتخطيط والتدرج من وسائل النهج الاسلامي الصحيح. "( برنامج نهج الصحوة: البرنامج الانتخابي لحزب الامة) بعد الانتفاضة كان المأمول ان نصل مع نهج الصحوة الى موقف جامع مانع حول الدولة الدينية. وبدلا من ان يطرح الامام – وكانت شهور الشرعية الدستورية – الحاجة الى الغاء قوانين سبتمبر التى سنها شخص واحد تلكأ وبرر واطول. وجدنا انفسنا – ذات صباح- محكومين بتحالف الامة والجبهة الامر الذى لقى معارضة شرسة من اقطاب حزبة وقاد الى مذكرة القوات المسلحة. جاء الانقاذ وكان لابد للامام ان يمر بكل معاناة الشعب السودانى عامة وحزب الامة خاصة وهو يتمزق شذر مذر ومواقع حزبة الحصينة تهندس اجتماعيا واقتصاديا وحربيا واموالة تصادر. ووصلنا مع الامام الى اكثر المواقف وضوحا حول نظام الحكم " كثير من المسلمين يعتقدون أن للإسلام نظاما معينا للحكم. الحقيقة هي ليس للإسلام نظام معين للحكم، بل هناك مبادئ سياسية جاء بها الإسلام ويوجب الالتزام بها. إذا كان هناك نظام معين للحكم جاء به الإسلام فإن ذلك يقتضي إن الإسلام يدعو إلى دولة دينية أي ثيوقراطية. الدولة في الإسلام دولة مدنية لأن رئيسها يختاره الناس وهم الذين يحاسبونه. يجب التخلي بوضوح عن الدولة الدينية أولا لأنها مؤسسة غير إسلامية وثانيا لأنها تعزل المواطنين غير المسلمين". ". ( الصادق المهدى: رؤى في الديمقراطية والعروبة والإسلام على طريق الهجرة الثانية، موقع حزب الامة القومى)
جاء فى كتاب فى ميزان المصير الوطني فى السودان للامام الصادق المهدى "مرافعة من اجل شرعية قومية جديدة يحققها اهل السودان فيصنعون من الازمة فرصة" فجاء كما قال كاتبة وثيقة تاريخية ومرجعا مهما حوت تناولا مفصلا عن القضايا التى واجهت الشعب السودانى منذ الاستقلال وقد خلا مع ذلك من التراكم الخبيث الذى كان لحزب الامة ادوارا فيها وقد لا يكون الكتاب هو المناسب لانة يركز نقطة الانتقاد على الهم الاكبر للشعب السودانى، حكومتة الحالية، ولكن تظل هناك حاجة ماسة لمثل هذا المراجعة واستنباط الدروس المستفادة. فى صفحة 371 جاء حول دور الدين فى الدولة: " الصحيح الدعوة لدولة مدنية تساوى المواطنين فى الحقوق والواجبات الدستورية. دولة حظها من الاسلام هو: تماهى مبادىء الاسلام السياسية ومبادىء حقوق الانسان العالمية باعتبار انها جميعا تعود لخمسة اسس هى: الكرامة الانسانية، الحرية، العدالة، المساواة والسلام. دولة تقدس حرية العقيدة الدينية وتكفل للكافة الالتزام بواجبات دينهم. بالنسبة للمسلمين نحن نولد بالشريعة ونتزاوج بالشريعة وبها نصلى ونصوم ونزكى ونحج فهذا كلة تطبيق للشريعة وما يلزم من سعة تطبيق احكامها ينبغى ان يستثنى منة غير المسلمين بحيث تكون التشريعات ذات التطبيق لكافة المواطنين خالية من المحتوى الدينى". " وفى هذا الصدد لا يجوز الزام غير المسلمين او غير المسيحيين باية واجبات تفرضها عقائدهم عليهم. كما لايجوز اصدار اى تشريعات تحد من حرية العقيدة. وينبغى النص بوضوح ان الحرية لا تعنى حرية الاساءة للمقدسات".
الحزب الشيوعى السودانى
تميزت مقاربة الحزب الشيوعى السودانى من علاقة الدين بالدولة من واقع وجودة فى مجتمع مسلم فى اغلبة ووجود احزاب طائفية تقوم على اساس دينى والالتباس الذى ووجه بة فى موقفة من الاديان عموما قد دفعة هذا الى النظر المعمق فى دور الدين فى المجتمعات الاسلامية وقد ساعد هذا على ان الاحزاب التقليدية والتى تنهض على تراث دينى عميق فى تاريخها سواء المهدية او الختمية لم تجد اى تناقض بين تدينها واشباع الحاجات الروحية فى حياتها او فى مجتمعها. " هكذا ظل الحزب منذ التكوين الجنينى لحلقاته الاولى اواسط اربعينات القرن الماضى، يراكم تدريجيا عناصر المقاربة المطلوبة لمسالة الدين والسياسة باتجاه الوضوح النظرى حولها، حتى امكن وضع الاقدام على اول الطريق الصحيح، وبصورة تحويلية حاسمة لاول مرة، من خلال مداولات ومقررات المؤتمر الرابع فى اكتوبر عام 1967م". (مسالة الدين والدولة: دراسة فى اطار التحضير للمؤتمر الخامس الحزب للشيوعي السوداني: الحوار المتمدن - العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 http://www.ahewar.org/) طرح الحزب الشيوعى السودانى مفهوم الدولة المدنية لاول مرة فى مناقشات الدستور بعد انتفاضة 1985 ويورد المغفور لة الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني اثناء سنوات الاختفاء في قيادة العمل السري للحزب فى التسعينات وهى ورقة حول موقف الحزب من مفهوم العلمانية، اضافة الى تصوره لمفهوم الدولة المدنية ـ المجتمع المدني ومنظماته. " طرحنا مصطلح وتصور «الدولة المدنية» لاول مرة عام 1988م خلال المشاورات التي اجراها مجلس راس الدولة مع الكتل البرلمانية بعد ان اقال الصادق المهدي حكومته الثانىة، تمهيدا لتوسيع الائتلاف باشراك الجبهة الاسلامية في الوزارة وفق شروطها باجازة قوانين الشريعة خلال شهرين. " استقبل هيئتنا البرلمانية باسفيكو لادو، عضو مجلس راس الدولة، انذاك، بمكتبه بالقصر الجمهوري، وخلال المناقشة حول مصطلحات «دولة دينية، دولة علمانية، دستور اسلامي، دستور علماني» اكدنا للادو الحقائق التالية، لينقلها لمجلس راس الدولة: ـ اننا لا نتقيد بحرفية المصطلحات، او بما اذا كان مصطلح «علمانية» بكسر العين ام بفتحها، واننا نعطي الاسبقية للديمقراطية كحقوق وحريات وكنظام حكم ومؤسسات، واننا نعارض الدولة العلمانية عندما تصادر الديمقراطية، مثل معارضتنا لدكتاتورية عبود، من جانب، ودخولنا، من الجانب الاخر، في صراع وصدام مع نظام مايو، سواء عندما بدا يساريا وعلمانيا، او عندما اعلن نميري قوانين سبتمبر عام 1983م ونصب نفسه اماما منذ ذلك الحين حتى اطاحت به االانتفاضة الشعبية في ابريل عام 1985م".
ويوضح الاستاذ نقد تطور مفهوم الحزب للدولة المدنية: " في مايو 1999م اصدر مندوبو الحزب في التجمع في الخارج ورقة بعنوان «قضايا استراتيجية» عالجت عدة قضايا، من بينها فصل الدين عن السياسة، وذلك على النحو الاتي ـ مباديء النظام السياسي المدني الديمقراطي التعددي هي: المساواة في المواطنة وحرية العقيدة والضمير بصرف النظر عن المعتقد الديني. المساواة في الاديان. الشعب مصدر السلطات، ويستمد الحكم شرعيته من الدستور. سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء، ومساواة المواطنين امام القانون بصرف النظر عن المعتقد او العنصر او الجنس. كفالة حرية البحث العلمي والفلسفي وحق الاجتهاد الديني. ضمان الحقوق والحريات الاساسية، السياسية، المدنية، الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية، وضمان حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية. هكذا اكتمل تصورنا لمفهوم الدولة المدنية ومحتواه من خلال الجهد الجماعي المشترك للحركة السياسية السودانية، ومعاناتها للانعتاق من الاستقطاب العقيم المغلق «دولة دينية ـ دولة علمانية»". (محمد ابراهيم نقد: حل ازمة السودان يتمثل في دولة مدنية: الحوار المتمدن - العدد: 425 - 2003 / 3 / ).
اورد الحزب الشيوعي السوداني موقفة فى برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م فى الفصل العاشر: الفصل العاشر: الدين والسياسة: لا نؤسس لموقف جديد، بشان مسالة الدين والدولة، بقدر ما نسعى لتطوير رؤيتنا التي تبلورت مع الارهاصات الاولى لنشاة حزبنا... تتأسس هذه الرؤية على احترام حزبنا لمقدسات شعبنا واديانه. فوق ذلك يستلهم حزبنا ارفع القيم والمقاصد لنصرة المستضعفين وشحذ هممهم وحشد قواهم من اجل الديمقراطية والتغيير الاجتماعي وذلك على قاعدة الاحترام والتسامح الديني في بلادنا متعددة الاديان والمعتقدات، كنزوع فطري يتوجب علينا الاعلاء من شانه، وتطويره، وتخليصه من علل الاستعلاء به، كما وبالثقافة او اللغة او العرق، وما يتولد عن ذلك من مرارات متبادلة بين مكونات شعبنا. يرفض حزبنا ان يصبح الدين اداة نزاع في سياق الصراع الاجتماعي، وان نتخذ لهذا السبب بالذات، موقف المعارضة الفكرية والسياسية الحازمة ضد اي مسعى، من اي قوة اجتماعية، لاستغلاله في تحقيق اي مصالح اقتصادية وسياسية . (الحزب الشيوعي السوداني موقفة فى برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م: الحوار المتمدن - العدد: 2619 - 2009 / 4 / 17)
تيار الدولة الدينية
لم يتوقف النقاش حول الدولة الدينية والمدنية داخل هذان الحزبان وتتعايش داخلة متناقضات كثفها الانقسام الكبير داخل تيار الدولة الدينية والفشل البائن للانقاذ فى ادارة الوطن وزادها استعارا الثورات العربية والحوار الموسع التى فرضتة. ليس هناك اى طريق غير ان يزاح تيار الدولة الدينية من السلطة وتفرض القوى الاخرى رؤية واضحة حول التعايش فى السودان ويترك تيار الدولة الدينية للتآكل الايديولوجى كما حدث فى كلها. ربما عبر تيار الدولة الدينية عن مصير شعاراتة الخاوية (رغم تحفظاتنا مما يقولة سادة فقة الضرورة ويفعلوة ) بايراد ماجاء فى الرؤية ضمن الاستراتيجية الربع قرنية: امة موحدة: بتعزيز الاجماع الوطني حول القيم العليا للامة والمصالح الكبري للبلاد وبتحويل التعدد والتنوع الي مصدر قوة وعنصر اخصاب للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وذلك وصولا الي درجات متقدمة من العيش المشترك بين الاديان والتلاقح الفاعل بين الثقافات والتمازج الحي بين الاعراق، مما يتجلي لدي المشاركة العادلة الكاملة في ظل الولاء الوطني الصادق المتجدد.
المؤتمر الوطنى
برغم تجاوزات عديدة فى الاتفاق على دستور جمهورية السودان لسنة 2005م فقد قبل الحزب مؤقتا ان تكون المواطنة اساس الحقوق المتساوية والواجبات لكل السودانيين واسسها على المبادىء ويسترشد بها: تُؤسس وحدة السودان على الارادة الحُرة لشعبه وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللامركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة؛ الاديان والمعتقدات والتقاليد والاعراف هي مصدر القوة المعنوية والالهام للشعب السوداني؛ التنوع الثقافي والاجتماعي للشعب السوداني هو اساس التماسك القومي، ولا يجوز استغلاله لاحداث الفرقة ؛ تُستمد سلطة الحكم وصلاحياته من سيادة الشعب وارادته التي تُمارس عن طريق الاستفتاء والانتخابات الحُرة المباشرة والدورية التي تُجرى في اقتراع سري عام لمن بلغ السن التي يحددها القانون.
هذة المفاهيم النبيلة والتى تم الاتفاق عليها للعبور من مهددات حرب الجنوب عبر الفترة الانتقالية تحولت لاداة تكتيكية حتى الفراغ من فصل الجنوب. وقد عبر عن ذلك الرئيس السوداني في كلمة القاها في مدينة القضارف، شرق السودان فى ديسمبر : اذا اختار الجنوب الانفصال سيعدل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوع عرقي وثقافي، وسيكون الاسلام والشريعة هما المصدر الرئيسى للتشريع. واكد ايضا في هذه الكلمة التي نقلها التلفزيون ان اللغة الرسمية للدولة ستكون العربية. ولعمرى فقد تحول الدين من عقيدة غالبية الامة ومحددها الاخلاقى الى مهدد للعيش المشترك بين الاديان والتلاقح الفاعل بين الثقافات والتمازج الحي بين الاعراق، مما يتجلي لدي المشاركة العادلة الكاملة في ظل الولاء الوطني الصادق المتجدد.
وقبل ان يحدث الانفصال بايام عاد المؤتمر الوطنى الى التكتيكات المجربة لتجاوز تداعيات الانفصال وتجمع نذر الثورات العربية من حولة. ولمواجة العزلة الخانقة التى يعيش فيها النظام فقد سارع الى عقد اتفاق الدوحة فى اكثر حوارات العلاقات العامة طولا. ثم سارع فى ظروف غامضة الى عقد اتفاق مع الجنوب الجديد لشمال السودان في جنوب كردفان والنيل الازرق. ووقع بالعاصمة الاثيوبية «اديس ابابا» اتفاقا اطاريا مع الحركة الشعبية (الشمال) لتاسيس (شراكة) سياسية جديدة خلال المرحلة المقبلة. واكد الاتفاق على حق الحركة الشعبيّة في العمل بشمال السودان كحزب معتمد وقانوني ؟؟. وتعهد «نافع» و«عقار» في اتفاقهما - المكون من (13) بندا - على الالتزام بمبادئ اتفاقية «نيفاشا» ووثيقة الحقوق المدنية الواردة في دستور السودان الانتقالي، واحترام التنوع السياسي، والثقافي، والاجتماعي، وحقوق الانسان وقواعد القانون. والتزم الطرفان بتحقيق التنمية المتوازنة في ولايات السودان المختلفة، مع اعطاء خصوصية لولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان. ونوه الاتفاق الاطاري الى ان عملية (المشورة الشعبية) حق ديمقراطي ودستوري لمواطني جنوب كردفان والنيل الازرق ولا بد من اكمال خطواته. الاهرام اليوم، 29 يونيو 2011 ). قبل ان يجف حبر الاتفاق تراجع عنة وعدنا للمسلسل الطويل من نقض العهود ودفعنا للنقيق فى اجواء التوتر.
فى نهاية الامر فان نظاما استبداديا استمر لفترة طويلة جدا، وسيطر على السلطة لاكثر من عشرين عاما وسياساتها العملية ادت الى فصل الجنوب وقد تاتي معه انفصالات وتمزقات اخرى في دارفور وفي النيل الازرق وفي جنوب كردفان وربما حتى في شرق السودان، وهناك الازمة الاقتصادية التي يعاني منها السودان ولا يوجد لها حل. بعض اهل الانقاذ يريدون تغييرا في اطار المحافظة على سيطرتهم على الدولة وهذا لا يمكن لان التغيير المطلوب تغيير ديموقراطي شامل.
ان هذا ليس وقفا علينا فقد نصت وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر " دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة، يفصل بين سلطات الدولة ومؤسساتها القانونية الحاكمة. ويحدد إطار الحكم، ويضمن الحقوق والواجبات لكل أفرادها على قدم المساواة، بحيث تكون سلطة التشريع فيها لنواب الشعب؛ بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح، حيث لم يعرف الإسلام لا في تشريعاته ولا حضارته ولا تاريخه ما يعرف في الثقافات الأخرى بالدولة الدينية الكهنوتية التي تسلطت على الناس، وعانت منها البشرية في بعض مراحل التاريخ، بل ترك للناس إدارة مجتمعاتهم واختيار الآليات والمؤسسات المحققة لمصالحهم، شريطة ان تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي المصدر الأساس للتشريع، وبما يضمن لأتباع الديانات السماوية الأخرى الاحتكام إلى شرائعهم الدينية في قضايا الأحوال الشخصية".
وشارك الرئيس التركى رجب طيب اردوغان فى هذا الجدال المستعر فقد اوضح في حديثه لبرنامج العاشرة مساء للإعلامية المعروفة منى الشاذلي في اسطنبول قبل سفره إلى القاهرة قال أردوغان ان الدستور التركي يعرف العلمانية بانها تتعامل مع أفراد الشعب على مسافة متساوية من جميع الأديان، وان الدولة العلمانية لا تنشر اللا دينية. رجب طيب أردوغان ليس علمانيا فهو مسلم لكنه رئيس وزراء دولة علمانية مضيفا: أقول للشعب المصري إلا يكون قلقا من العلمانية، وأظن انه سيفهما بشكل مختلف بعد تصريحي هذا. وأكد ان الدولة العلمانية لا تعنى دولة اللا دين، متمنيا وجود دولة مدنية تقوم على احترام جميع الأديان والشرائح في المجتمع في مصر. وموضحاً ان العلمانية الحديثة لا تتعارض مع الدين بل يجب عليها ان تتعايش معه. ودعا إلى وضع دستور مصر يقوم علي المبادئ التي من شانها ان ترسي قواعد دولة مدنية حديثة تتيح للجميع ان يدين بالدين الذي يريد، حيث ضرب مثلاً عن نفسه بقوله انا لست علمانيا بل مسلم و رئيس وزراء لدولة علمانية مؤكّداً انه لا تعارض بين الإسلام والعلمانية بمفهومها الحديث. (http://www.alarabiya.net/articles/2011/09/14/166779.html
واخيرا
لم يعط شعب الدولة التى يريد او يطمح من اى قوى اجتماعية او احزاب او حكومات مجانا او بالتمنى، هذا صراع طويل امامنا سوف يحددة توازن القوى الفعلى على الارض. الدولة المدنية الديمقراطية يصنعها من ينادون بها وتحتاج لحشد الجهود والتكاتف وخلق تيار عريض يدفع بها الى السطح، يفرضها ويقننها. ان قوى الثورة القادمة ومن خبرات الثورات السابقة والثورات المعاصرة تطمح لوطن ديمقراطى، علمانى متطور وهذا هو التحدى.
الفصل الثالث : سؤال البديل
قضايا البديل اشكالية لاتنبرى تطرح فى كل التغييرات السياسية فى كل مكان. والسؤال ليس امرا عابرا او ثانويا ولكنها مخزن التشابكات المحلية والاقليمية والدولية المحيطة بنظام قائم، فالنظام الدولى قائم على الامرالواقع ومهما كانت نظرتة العامة لدولة او نظام. ومع ان طرح المسالة من ناحية منطقية يستدعى اجابات سهلة وبسيطة، فالحكم القائم جاء اثر انقلاب نفذتة مجموعة لم تصل للالف كباقى كافة الانقلابات من تعداد جيوش بعشرات الالاف تمور بتيارات ايديولوجية وتنوعات عرقية، دينية وثقافية متنوعة. جاء الحكم الجديد انقلابا على انظمة ديمقراطية منتخبة يتمتع فيها الشعب بالسيادة والحرية وتقودها النخبة المثقفة والخبراء ومن يتمتعون بالسيرة المستقيمة. تصادر الانظمة الجديدة كافة الحريات ويتصدرها حكام من اطراف النخبة، قليلى التعليم والخبرة السياسية والعلمية ولا نعرف عن سيرتهم الكثير، ويدفعون الى سدة الحكم افرادا وجماعات مجهولة الهوية والسيرة متخذة من الثقة وسيلة اختيار بديلا عن الكفاءة.
طرحت مسالة البديل بحدة فى سنوات حكم النميرى، فبعد تأرجحات فى اوائل العهد استقر فى حضن الغرب ونسج حول نظام الحكم علاقات سياسية واقتصادية وشخصية تكيفت مع متطلبات الراعى الجديد. كان العهد قمة الحرب الباردة والتى تدخل فيها الاوطان بيوت الطاعة الشرقية او الغربية. الفزاعة الوحيدة فى ذلك العهد هو التأرجح بين المعسكرين ومن يضمن مكانا فى احدى المعسكرين يصبح المعسكر الاخر هو الفزاعة. طرحت مسالة البديل على كل القوى السياسية ولكتها طرحت بشكل اقسى على الحزب الشيوعى السودانى، الذى كان محاصرا بين القوى الديمقراطية الاخرى التى عزلتة من صفوفها حتى انها غزت العاصمة فى يوليو 1976 وفى نواياها ان تبترة من الحياة السياسية بعد نجاحها، وبين عداء المعسكر الغربى لها ككعب اخيل للمعسكر الشرقى. هذة الظروف الضاغطة هى التى دفعت الحزب الشيوعى السودانى لاصدار احد التوجهات الاستراتيجية الفارقة فى تاريخة فى وثيقة مفتاح الحل للازمة السياسية: جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن.
مع الهجمات القاسية على الحركة النقابية، فشل الغزو من ليبيا وفشلت المصالحة من بعدها فى اصلاح النظام ومن ثم ادخال الدين بعنف فى الحياة السياسية، اصبح سؤال البديل شانا اكثر داخلية ومعقدا ومرهقا للقوى السياسية، اذ انتقل الحوار من الميدان السياسى الى الميدان الفقهى والى الحيرة المربكة فى اروقة الاحزاب الطائفية الليبرالية، وانتهى الامر باحد اكثر الجرائم المأساوية فى التاريخ المعروف للسودان والتاريخ العربى بعد قتل الحلاج، باعدام الشهيد المفكر محمود محمد طة. انتقل حوار البديل من الساحة السودانية البائسة فكرا وموضوعا الى الساحة الدولية، ومع اشاراتة بانزال الستار على حكم النميرى انطلقت قوى التغيير وانهت النظام بانتفاضة وانقلاب قصر فى ابريل 1985.
تميزت الثورات والانتفاضات السودانية بعدة سمات اثرت بشكل عميق فى نتائجها ومخرجاتها، تختلف البدايات لكنها اتخذت سيناريوا موحدا فى الانتهاء. جماهير المدن الكبرى تتدفق الى الشارع وتعلن الاضراب السياسى العام، اثنائها يتحرك صغار الضباط والجنود ويضغطون على القيادة ويساندون الاضراب السياسى العام. بعد انجاز الاسقاط يركن الشعب الى منازلهم ويتركون امورهم فى ايدى جبهة الهيئات فى اكتوبر 1964 و المجلس العسكرى الانتقالى والتجمع الوطني لانقاذ الوطن 1985.
اولا: تميزت الثورات السودانية بالقصر الشديد. فى اكتوبر 1964 دامت الثورة حوالى الاسبوع ( 21 حتى 28 اكتوبر). فى انتفاضة مارس – ابريل 1985 تحركت مظاهرة طلاب جامعة امدرمان الاسلامية في يوم الثلاثاء 26 مارس 1985 وتم تنفيذ الاضراب السياسي من صبيحة الخميس 4 ابريل ونفذت قيادة القوات المسلحة انقلاب قصر فى 6 ابريل 1985. قصر زمن الثورات وعدم توحد القوى الثورية حول مطالب محددة والتاخير فى تكوين المؤسسة القائدة (تم تكوين قيادة نقابية وحزبية موحدة للانتفاضة في ليلة الجمعة 5 ابريل وتم التوقيع على ميثاق تجمع القوى الوطنية لانقاذ الوطن)، التعجل فى تكوين حكومة فى غياب ما برع فية خبراء الطبقة الوسطى من رؤية واضحة وخريطة طريق مفصلة وجدول زمنى منضبط لتحقيق الاهداف، كل هذا يتركنا امام بناء سياسى شائة من حكومة بلا اهداف (تحاشت اتقاقية نيفاشا هذة المزالق واستطاعت وضع خريطة طريق مفصلة وجدول زمنى منضبط لتفكيك دولة السودان لانشاء نظامين).
ثانيا: القوى التى لعبت دورا فى الثورات السودانية هى القوى المدينية المنظمة خاصة العاصمة ولا تؤثر الاقاليم والمدن الاخرى سواء بشكل هامشى. هذة القوى مشكلة فى غالبها الاعم من طلائع الطبقة الوسطى والعمال المنظمين فى نقابات، ولاتشكل هاتان الفئتان الا عددا ضئيلا وضعيفا من مجموع الشعب. ورغم قدرة هاتين الفئتين على قيادة الثورة وانجازها فقد عجزت تماما عن جر مجموعات الشعب الاخرى الى النطاق السياسى الفاعل. رفع هذا من سقف مطالب الجماهير المهمشة والفقيرة وجعلها فى موضع الانتظار كى تتحقق المطالب التى رفعتها المجموعات المدينية.
ثالثا: عندما تنجز جموع المدن ثورتها وتعود الى مضاجعها، تتولى مجموعة مختارة - جبهة الهيئات فى اكتوبر 1964 و والتجمع الوطني لانقاذ الوطن 1985، كافة الحوارات والاتفاقات والاختلافات فى اماكن مغلقة ( نادى العمال فى اكتوبر ونادى المهندسين فى ابريل) بعيدا عن الثوار انفسهم. حتى عندما تتعرض مكاسب الثورة الى التعطيل والتاجيل لايتم استدعاء الثوار للضغط على القوى المحافظة بل يتم العودة الى سياسة الكواليس.
يطرح سؤال البديل الان عن كيفية تغيير النظام، ويتبنى بعض اطراف النظام البعيدة عن التحالف الامنى الراسمالى القبلى الحاكم التغيير من الداخل ويراود بعض قادة الاحزاب الليبرالية بعض الامال عن التفكيك الناعم. وقد اثبتت الثورات العربية وغيرها من الثورات استحالة اى تغيير من الداخل، كما يتحفنا اتفاق جنوب افريقيا واتفاق نيفاشا بدروس قيمة عن ارتباط التغيير بالقوة. الجديد فى سؤال البديل اختفاء الفزاعات بشكل كامل والشعور الكامن وسط افراد النظام بدنو التغيير. الملمح البارز عن النظام الانقلابى قدرتة الفائقة على البقاء وبراعتة فى استغلال كافة الظروف لصالحة والاهم من ذلك عدم التورع عن اى فعل خارج كل المنظومات.
ربما استفادت الثورات العربية من تجارب السودان التى ادت لنتائج مريرة وفاشلة فى انجاز اهداف الثورة وربما توصلت اليها من معارفها السياسية والثقافية، لكن قطعا فان ما تراة اليوم من امتداد الثورات العربية فى ليبيا واليمن وسورية الى شهور هى بالقطع فى صالح هذة الثورات. وفى تونس ومصر فقد ترجمت قوى الثورة مطالب الامة بوضوح شديد وواصلت قوى الثورة احتشادها وراء مطالبها والتمسك بها عن طريق الضغط الشعبى المستمر. ان الهتاف المستمر والدائم لهذة الجماهير هى مش حنروح انت تروح فى وجة كل القوى المتربصة بها. تعالج كافة القضايا والاتفاق حولها فى الميادين العامة باشتراك مجموع الشعب ويلتف الشعب حول المطالب الواضحة والمطلوبة حتى عندما تتعرض مكاسب الثورة الى التعطيل والتاجيل يتم استدعاء الثوار للضغط على القوى المحافظة.
دعاة الشعب يريد تغيير النظام
القوى التى لعبت دورا فى الثورات العربية هى القوى المدينية سواء فى العاصمة، الاقاليم والمدن الاخرى ولكن استطاعت جر كافة القطاعات فى الوطن. ان مشهد التجمعات فى كافة ميادين مدن مصر، تونس، سوريا، اليمن وليبيا يعنى ان الثورة باتت قضية كل الشعب بشكل حقيقى. هذة القوى التى تشكلت فى بداياتها من طلائع الطبقة الوسطى والعمال المنظمين وتشكل هاتين الفئتين عددا مقدرا وفاعلا لكنها استطاعت الوصول لكل مجموع الشعب. الوضع فى السودان مختلف تماما فرغم ان القوى المدينية سواء فى العاصمة، الاقاليم لها دور حيوى فى حسم انتصار الثورة اذا تصاعدت، فالذى يحدث ان السودان يشهد ثورات عدة مستمرة فى اطرافة المختلفة. احدى هذة التحركات فشلت استراتيجيا بتحقيق الوحدة ولكن حققت انتصارا تكتيكيا بفصل الجنوب. رسم السيد الامام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة صورة واضحة عن الوضع الحالى ان الانتفاضة في السودان سبقت وقائمة فى الاطراف عن طريق قوى الهامش المسلحة في بعض أطراف السودان. المدهش انة استعمل فزاعة حركات الهامش " مؤكداً انه إذا حدث تغيير بالسودان فان الأطراف ستملي على المركز، مما يؤدي لتشظي البلاد." ( http://www.alsahafa.sd)
لقد ظهر الجديد فى الفضاء السياسى سريعا عقب انفصال الشعب الجنوبى بدولتة، هذا شجع الهوامش الاخرى على التوحد فى تحالف الجبهة الثورية السودانية من مقاتلى دارفور (حركة/جيش تحرير السودان قيادة مني مناوي و حركة/جيش تحرير السودان قيادة عبدالواحد محمد نور وحركة العدل والمساواة) و جنوب كردفان والنيل الازرق (الحركة الشعبية-الشمال) فى منطقة كاودا بجبال النوبة في الفترة ما بين 1/8/ 2011 الى 7/8/2011 الاتفاق حتى الان يتحدث عن دولة واحدة للتعايش داخلها ولكن يدعو الى إقرار الوحدة الطوعية لجميع اقاليم السودان. تعمل اطراف متعددة على التغيير الشامل، من الشباب الذى تأثر بالثورات العربية، الاحزاب فى اشكال تنسيقها المختلفة، مقاتلى الهوامش والاطراف حتى الشيخ الترابى بالثورة التى تأتى بغتة كيوم القيامة. الغائب الوحيد هو الذى سيصنع الثورة اذا حدثت او اردنا لها الحدوث، الجموع التى تدافعت فى شارع القصر فى اكتوبر واالانتفاضة. الملايين التى خرجت فى كل الشوارع والميادين العربية وهتفت الشعب يريد اسقاط النظام هى صانعة الثورات، وستظل كل الدعوات التى ترد من كل منبر امنيات اذا لم ترتبط هذة الدعوات بهذا الشعب وتقنعة بان القادم افضل.
تحضرنا تجارب الثورات السودانية السابقة، تجارب التجمع الوطنى الديمقراطى، اتفاقية تيفاشا والثورات العربية ان مربط الفرس هو غياب المشروع القومى الشامل الذى يغير وجة الحياة فى بلادنا، واهم من ذلك الارادة السياسية لتنفيذ هذا المشروع. الذين يتابعون مسارات الثورات العربية يرونها تفتقد هذا المشروع ويسائلون النفس عن جدوى التضحية اذا كانت ستضيع فى صخب النخب وانشقاقاتها او تسليمها لدعاة الدولة الدينية التى لاتطمئن ماضيها ولا حاضرها. لا يجد الكاتب ان من مهماتة وضع المشروع الوطنى الشامل، هذا تحددة القوى الطامحة للتغيير ولكن احاول فى الفصل الاخير الاشارة بعموميات المجالات التى تستحق الاتفاق والبلورة لسودان المستقبل.
اذا تقبلنا تصريحات قادة الانقاذ، كجزء معتاد فى كافة الثورات العربية، كمرحلة ضرورية بين الانكار والغضب فقد صرح السيد الامام الصادق المهدى اخر التوافقين المعاصرين بتصريح لنوازع لم يستطع زرعها كثقافة عامة يتراضى عليها الجميع " دعا حزب الامة القومي السوداني المعارض لاتخاذ اجراءات استباقية لتحقيق التغيير المطلوب في السودان دون قيام ثورة شعبية شبيهة بالثورات العربية. وقال رئيس الحزب الصادق المهدي ندعو الي اجراء استباقي يهدف لتحقيق اهداف الثورة دون ثورة. واكد الحزب ان نتيجة الحوار ستكون قومية فيما يتعلق ببناء دولة الشمال واقامة العلاقات الخاصة مع دولة الجنوب المرتقبة. بجانب حل ازمة دارفور علي اساس الاستجابة للمطالب المشروعة وكفالة الحريات والتصدي للمسالة الاقتصادية. اضافة الي التعامل الواقعي مع ما اسماه مطالب العدالة الدولية. ( http://albashir.sd )
طرحت الثورات العربية ثلاثة سيناريوهات يمكن ان تنجز التحول الديمقراطى، الاول الطريق السلمى على غرار التونسية والمصرية وحدثت فى دول الانظمة العسكرية المتحولة الى البرقراطية المستبدة فى صيغتها العلمانية الاقصائية. الثانى النموذج اليمنى والثالث النموذج الليبي والسورى وهو الطريق العنيف مع تدخل خارجى مساعد وحدثت فى دول الانظمة العسكرية المتحولة من احزاب ايديولوجية مستبدة فى صيغتها العلمانية الاقصائية ومثيلتهما النموذج السودانى والمحتمل حدوثها فى دولة نظام عسكري متحول من حزب ايديولوجي مستبد فى صيغته الاسلامية الاقصائية.
ان تيار الدولة الدينية عند ورودها السلطة نظرت للمجتمع كلة باحزابة ومنظماتة وتقاليدة ومثقفية كاعداء وكان شعارها اختفاء كل ما هو غيرهم. نحن لا ننظر للحكومة العسكرية كعدو ولكن نعارض هذا النظام سياسيا وفكريا ونريد بناء سودان المستقبل اما بتغييرة او اسقاطة وانهائة. تغيير النظام هو المدخل ليبرء الشعب السودانى افرادا وجماعات من اثر الجروح المتقرحة فى جسد الوطن. هذا مهم فى التعامل والترتيبات فالهدف الاساسى من التغيير هو اشتراك الجميع فى العيش فى الوطن – بديلا من الجوازات الاجنبية المختلفة وورطة الاباء فى نشاة ابناء بعيدا من الاوطان وحب الحبوبات وحنان العمات والخالات، ومساهمة الجميع فى تشكيل ملامح الحاضر واحلام المستقبل وتمتع السودانيين جميعا بكافة الحقوق والفرص. هذا لايعنى اغماض العين عن محاسبة المفسدين والمجرمين تحت اى دعاوى ومهمة الدولة وكل فرد التقدم للقانون والاخذ بحقة.
النموذج السودانى
تعبر روايات غابريل جارسيا ماركيز ليس لدى الكولونيل من يكاتبه وخريف البطريرك عن مصائر الرؤساء السابقين فهم فى بداياتهم يحملون التصورات المثالية عن الاصلاح والزهد والبساطة، ثم ينتهى الامر بتحولهم الى ايقونات تسيرها طغمة لاتشبع. المشكلة ان هذا لم يكن ديدن فخامة الرئيس عمر البشير اذ انة كان اسير تصورات تنظيم جاء مصمما على استعمال نظرية الترويع بالصدمة النفسية وهى نظرية حربية امريكية تقول بضرورة توجيه ضربات قاصمة وهائلة القوة ومفاجئة للعدو من اجل دفعه للاستسلام السريع وقد نجحت هذه النظرية في غزو العراق. ذهل الشعب السودانى لفترة وعاش فترة طويلة من الذهول من منظومة قيمية احتقرت كافة تقاليدة السوية والمتسامحة والبسيطة ولكن قاوم بكل جسارة وفرض على النظام ان يعيد النظر فى كافة اوجة تعاليمة.
النموذج السودانى خليط من كل السيناريوهات فهو يفترض ان الدولة تنظر بعناية للثورات العربية وتداعياتها، ربما هى تفترض ان الاحداث لن تصلها او ان الثورات فى طريق انظمة تحكمها احزاب اسلامية وهلما جرا من نوع هذا التحليل. عناصر النموذج تتمثل فى عدة سيناريوهات عاشها السودان. الطريق السلمى على غرار التونسية والمصرية حدث فى اكتوبر 1964 ولكن سارت الثورة حتى النهاية ووجدت النظام المؤسسى قائما وحولتة الى نظام ديمقراطى. الطريق السلمى جرب ايضا فى انتفاضة 1985 واستطاعت اقتلاع النظام العسكري المتحول الى البرقراطية المستبدة فى صيغتها العلمانية الاقصائية على غرار التونسية والمصرية وجاء المجلس العسكرى الانتقالى وحكومة انتقالية مدنية. السيناريو الليبيى متحقق اساسا فى السودان فهو غارق فى التدويل وقد انجزت المحكمة الجنائية الدولية عملها ورئيس الدولة واخرون مطلوبون للمحاكمة، وربما العالم الخارجى مشغول الان فى ترتيب الدول الاخرى لكنة بالمرصاد والحرب الاهلية مشتعلة منذ سنوات واستحقاق انفصال الجنوب يقترب.
مثلما تتعلم الشعوب من تجاربها نفترض ان حكامها يتعلمون، المشكلة ان الحكام دوما تنفصل عن شعوبها وتصبح اسيرة مصالح منحصرة فى شبكتها. قد تطول المدة وقد تقصر وسيقف الحاكم امام شعبة متحيرا ومتسائلا عما حدث. فى عشية التغيير يتشابة المؤتمر الوطنى مع الحزب الوطنى المصرى. هناك طريقان لا ثالث لهما وطرح فى كل الثورات العربية الاصلاح كما حاول كبار قومنا ورموزنا المناضلة والتاريخية فى الدعوات المتكررة اليها و تغيير النظام الذى ظهر فى كل الميادين العربية. متاح ان ينهى الرئيس الوضع الى خيارين سرعة التعلم من المصائر الماثلة او الضرب للقتل ولكل منهما حساب. ويقول عنها د. مصطفى عثمان اسماعيل " اولا اود ان اقول ان عملية الاصلاح طرحت منذ وقت مبكر للقادة العرب، والذي طرحها عمرو موسى بعد توليه منصب الامين العام للجامعة العربية، فالرجل طرح الاصلاح بقوة في كل القمم العربية في عهده، بدءا من تونس حتى الدوحة، وكان يدعوا للاصلاح بجدية، ولو كان القادة العرب اخذوا هذا الحديث ماخذ الجد لما وصلنا الى ما وصلنا اليه الان ( د. مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية فى لقاء مطول فى جريدة الاهرام اليومية السودانية يوم 27 مايو 2011 ).
فتح التوقيع على اتفاق تاريخي للسلام الشامل في يناير 2005 اطارا لم يسبق له مثيل وفرصة لتحويل الدمار لسنوات من الحرب والتشرد والتخلف الى عصر جديد من التحول الديمقراطى، السلام والازدهار. كانت هذة فرصة تاريخية للسودان فاجندة التغيير السياسى اصبحت واضحة وتمت مناقشتها عشرات المرات ووثقتها اتفاقات دولية والتزامات محلية. لكن الحزب الذى قد حقق السلام اعتبر هذا تفويضا بالاستمرار فى نفس طريقة الحكم الاقصائية. وسننظر عن بعض مقومات الاصلاح السياسى. ممكنات النظام للتغيير
تطرح بعض الجهات فى السودان ان يقود عملية الاصلاح رئيس الجمهورية اشفاقا على السودان من الفوضى، كما يعبرون. وتطرح هذة الجهات سيناريو شبية مع اكثر التجارب المقنعة لهذا الطريق سيناريو انتفاضة 1985 . حل الحكومة والبرلمان واطلاق الحريات العامة والاعلام وفك الارتباط بين حزب المؤتمر الوطنى والنظام السياسى واخضاع التنظيمات المسلحة من الدفاع الشعبى والمليشيات والاجهزة الامنية المتعددة والمختلفة والمتناقضة لرقابة الشرطة والنظام القضائى. تدعى القوى الفاعلة فى المجتمع ومحاربى دارفور لتكوين حكومة انتقالية من التكنوقراط لمدة ثلاثة اعوام لتحقيق السلام الوطنى، التحول الديمقراطى وتضع الدستور..الخ. توجة الدعوة لحكومة الجنوب للنظر فى مالات الانفصال والارتباط الكونفيدرالى مع الشمال.
يمكن اعتبار الاستاذ محجوب عروة افضل المعبرين عن الذين يريدون تغييرا لايطيح بالحركة الاسلامية كلها فى عمودة اليومى بجريدة السودانى قولوا حسنا 3 يوليو 2011 " لقد اصبح التغيير والاصلاح السياسي واجبا ومطلوبا بشكل عاجل. ان مصالح الوطن تقتضي من السلطة القائمة ان تبادر بقيادة التغيير والاصلاح السياسي. خارطة الطريق تبدا بان يعلن السيد الرئيس انة رئيس قومي لكل السودانيين متجاوزا حزب المؤتمر الوطني ويعلق الدستور الحالي. ويحل المجلس الوطني ويعلن عن تكوين مجلس انتقالي برئاسته لمدة عامان على اساس الكفاءة. ثم هناك التشاركية السياسية للمعارضة ويمثلها الرموز المعروفة كواقع سياسي وامراة وشخصيات قومية يختص هذا المجلس بالسيادة والتشريع خلال فترة الانتقال والامن القومي والتاكد من التوزيع العادل للسلطة والثروة وفق الميزانية العامة ويتزامن مع ذلك تكوين الحكومة التى يجب ان تتكون على اساس الكفاءة والامانة والحيدة والخبرة والتوجه القومي والقبول. يتم خلال فترة الانتقال وضع دستور انتقالي وقانون للاحزاب وقانون للصحافة خلال شهرين ثم قانون للانتخابات على ان تطلق الحريات العامة خاصة حرية التعبير وتكون الندوات والليالي السياسية بالاخطار فقط وليمتنع الجميع عن الاضرابات والتظاهرات حتى لا نكرر تجارب واخطاء ما بعد ثورتي اكتوبر وابريل وتنتهي الفترة الانتقالية بانتخابات حرة ونزيهة ليقرر الشعب من يحكمه بعد ان وضعنا بالدستور الانتقالي كيف يحكم ثم يضع البرلمان الجديد الدستور الدائم.
واورد د. الترابى في ندوة بمركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية شروطا ستة لتحقيق الصلح مع المؤتمر الوطني مستبقا بذلك لقائه مع جماعة الاخوان المسلمين بمصر الذين أبدوا رغبتهم في اصلاح ذات البين بين المؤتمرين الوطني والشعبي، وقال الترابي: لابد ان يعترفوا انهم أخطاؤا وان يعتذروا للمعتقلين والمسجونين ويردوا أموال الناس ويعتذروا للجنوبيين وان يعترفوا بأخطائهم في دارفور ثم بعد ذلك يتركوا الحكم ومن الممكن ان نعفو بعد ذلك.( القاهرة: صباح موسى وطلال اسماعيل: الترابي يضع ستة شروط للصلح مع حزب البشير http://www.sudaneseonline.com )
اطلق النار للقتل ((Shoot to Kill
دخل هذا التعبير الحياة السياسية السودانية اثناء وبعد انتفاضة 1985 حيث اورد د. منصور خالد "...إن اللجنة الفنية التي كانت توالي الاجتماعات خلال هبة الشارع العاصفة (انتفاضة أبريل) قد ضمت -من بين من ضمت- السادة عثمان السيد (نائب رئيس الجهاز)، الفاتح الجيلي ،عثمان عبدالله (مدير العمليات الحربية بالقوات المسلحة)، كمال الطاهر،عباس مدني (مدير البوليس) ،أحمد وداي(مدير السجون)، فارس حسني (رئيس الاستخبارات العسكرية). من بين كل هؤلاء الرجال لم يناد باستخدام القوة إلا عثمان عبد الله وهو يقرع الشرطة لعدم استخدامها لها بل يطالبها بالضرب في "المليان" أو علي حد تعبيره بالانجليزية""shoot to kill . لكن ما أن سقط النميري حتي أصبح اللواء (الضارب) وزيرا للدفاع و صاحب أعلي الأصوات في التنديد بعهد النميري. و في السودان ضعيف الذاكرة لم يذكر الناس رجالا مثل، أحمد وداي (مدير السجون) الذي قال ردا علي اللواء"نحن لا نضرب أولادنا" أو عباس مدني (مدير البوليس)ا لذي أبان للواء (الضارب) بأن دور البوليس لا يمكن أن يكون هو (إطلاق النار علي الشعب في المليان) ....." (د. منصور خالد: النخبة السودانية و ادمان الفشل -الجزء الثاني-صفحة 18، 19 ). عاد التعبير الى التداول مؤخرا عندما اعلن نائب رئيس الجمهورية (بالتعيين) علي عثمان محمد طه يوم 23 ابريل بالمجلس الوطني عن تهديدات للذين يكسرون الحظر الاقتصادي قائلاً : (نقول لجنودنا أوامرنا واضحة Shoot to kill ) .
سيناريو تغيير النظام غير مجد ولم يثمر طوال الاعوام الاثنان والعشرين وكافة الحوارات الهدف منها تفتيت وحدة القوى المعارضة وجذب بعض الاحزاب للتعامل مع المؤتمر الوطني. اذا ارادت اى قوى ان يستجيب المؤتمر الوطنى لما يشبة تفكيك الدولة العنصرية فى جنوب افريقيا فعليها حشد وسائل ضغطها الجماهيرية، لا المذكرات او اعلان المواقف والندوات العامة ..الخ مفيدة. فقد حددت السلطة خيارات اجبارها على التنازل، البندقية كما حدث مع الحركة الشعبية او التحركات الشعبية السلمية العارمة. لقد تعدى الشعب اصلاح النظام من الداخل او عن طريق اوكسجين من قوى داخلية او خارجية، ان الذين خرجوا يهتفون الشعب يريد اسقاط النظام لن يتراجعوا الا بعد اسقاطة تماما.
الفصل الرابع: دعاة الشعب يريد اسقاط النظام
نظرية الثورة
اشتغلت كثير من الايديولوجيات بصياغة نظرية للثورة سوف نهتم بنظريتين، الاولى هى نظرية قديمة منذ الثورة الفرنسية وطرحها ماركس فى رأس المال من مفهوم حتمية الثورة وانها موقف نتاج ثوري وعرفت بالنظرية اللينينية وذلك لانها وجدت تطبيقا فى ثورة اكتوبر والتى من نتاج تحليلها طرح شعار الاضراب السياسى العام لاسقاط النظام فى اكتوبر 1964. وينتج هذا الموقف من تفاعل عدة عوامل وهي :تذمر مزمن لدى طبقات المجتمع تجاه الوضع القائم، انقسام بين أعضاء الطبقة الحاكمة وهو انفصال قطاعات مهمة عن بعضها، تكرار الأزمات وبشكل متزايد و حدوث اضطرابات وشغب ومظاهرات. وتحتاج الثورة لتنجح لاقتناع الجمهور بها وانها تريد تغير النظام القائم ويثبت الحكام عجزهم عن تسيير البلاد وعندها تأتي الثورة بشكل قوي وعنيف ودور القوة هنا هو استئصال النظام وتمهيد السبيل لنظام جديد .
الثانية هى نظرية الثورة عند المسلمين ومن الممكن تصنيف نظريات المذاهب الإسلاميّة إلى نظرية الثورة عند المعتزلة. وفي هذا يقول المعتزلة ان الإمام يشترط فيه العدالة التي تعني: أداء الواجبات والابتعاد عن المحرمات في الشريعة. ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجباً وجبت الثورة على الظالمين: إذا أمكننا ان نزيل بالسيف أهل البغي ونقيم الحق. وبهذا يقف المعتزلة إلى جانب حركة الإمام الحسين - عليه السلام - كما يقول القاضي عبد الجبار: (لما كان في صبره على ما صبر إعزاز لدين الله عز وجل، ولهذا نباهي به سائر الأمم، فنقول: لم يبق من ولد الرسول - صلى الله عليه وآله - إلاّ سبط واحد فلم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتّى قتل في ذلك) .
اما نظرية الثورة عند الاشاعرة ( ينتسب المذهب الأشعري إلى أبي الحسن الأشعري، المولود سنة ٢٦٠ هـ للهجرة في البصرة، والمتوفى سنة ٣٢٤ للهجرة أيضاً. وقد أضحى هذا المذهب يمثل الاتجاه السائد لعموم أبناء السنة والجماعة بعد انهيار الوجود المعتزلي والى يومنا المعاصر). يعتقد الأشاعرة - وفقاً لمذهب أهل الحديث قبله ويتبعهم في ذلك عموم أهل السنة - ان الإمامة هي حق من حقوق الأمّة، وان الإمام وكيل عنها، ومفوض من قبلها في ممارسة شؤون الإمامة.
ان نقطة الافتراق الكبرى في الرؤية السياسية عند الأشاعرة عن المعتزلة والشيعة وغيرهم هي: الموقف من "الثورة" على الإمام الفاجر، فرغم ان الأشاعرة أبقوا للأمة حق عزل الإمام إذا فسق أو ظلم أو أخل بنظام المسلمين إلاّ انهم لم يسمحوا بطريق الثورة المسلحة ضده؛ لما في ذلك من إراقة الدماء وإحداث الفتنة في صفوف المسلمين، حيث يرى الأشعري: (ان السيف باطل ولو قتلت الرجال وسبيت الذرية، وان الإمام يكون عادلاً ويكون غير عادلٍ، وليس لنا إزالته وان كان فاسقاً). ويستند الأشاعرة في هذا الرأي إلى مجموعة أحاديث نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: منها: ما جاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - : "من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فانه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية" . ان الأشاعرة لم يحددوا طريقاً لكيفية عزل الحاكم حينما ينحرف، رغم انهم اعتبروا ذلك حقاً للأمة، وهذه نقطة فراغ تبقى قائمة في الرؤية السياسية عند الأشاعرة. (السيد صدر الدين القبانچي : نظرية الثورة عند المذاهب الإسلاميّة، http://www.iranarab.com/Default.asp?Page=ViewArticle&ArticleID=91
كل الثورات العربية جاءت من الطريق الاول لانها جزء من الثورة البرجوازية المتاخرة فى بلادنا وقادتها طلائع الطبقة الوسطى المدينية فى الاغلب، لكنها، وبتوفر وسائل الاعلام الهائلة، استطاعت ان تجتذب لها كافة قطاعات الشعب. تيارات الدولة الدينية لاتمتلك تراثا تستطيع ان تطرحة لان نظرية الثورة عند المسلمين كانت فى تطبيقاتها تتراوح بين القبول بالحاكم والتغيير عن طريق العنف المسلح.
قوى اسقاط النظام
قوى عديدة تنادى باسقاط النظام سواء عن طريق الحرب المسلحة او الطريق السلمى علمتنا التجربة السودانية وغيرها من التجارب (الاثيوبية- الاريترية) ان التحركات المسلحة، ومهما وجدت تعاطفا من قطاع مقدر من الشعب الا انها غير قادرة على قيادة الشارع السياسى بشكل مباشر لاسقاط النظام. قد تعجل بخلق الظروف الضاغطة على الشعب للتحرك لكنها دائما تعطى السلطة كروتا اضافية فى تغبيش الرؤية. خلافا لحرب الجنوب الطويلة (1955-2011 ) فحرب دارفور، جنوب كردفان والنيل الازرق تطرح قضايا معقدة مختلفة. هذة الحرب دخلت الحوش الامامى للمستعربة واقتربت من مضاجعهم. ان هذة القوى – وبينها مجموعات واسعة لها قناعات قوية بعدالة هذة الحروب ومعادية لنظام الانقاذ- تعلم ان هوامش عدة تتواجد داخل هذا الحوش الا انها تشتشعر خطورة ان تتحول حلول الوطن للحسم بالسلاح. ايضا تجربة مشاكوس – نيفاشا والانفصال لازال علقما يتجرعونة يوميا ويتخوفون ان تنتهى هذة الحروب بنهايات مماثلة رغم التطمينات من قادة الحركة بعكس ذلك، فهذا فيلم شاهدوة من قبل. اكثر من هذا كلة ان الحروب تلقى على النشطاء اعباءا كثيرة وجهدا مضاعفا فى تبرير تحركهم امام هذة المشاعر والمواقف السلبية. .
لان العنف المسلح لة آليات مختلفة اتناول هنا اسقاط النظام على طريقة الربيع العربى. القوى التى تتبنى هذا الشعار وتحاول بناء الممهدات التى تقود اليها تتكون من احزاب رئيسية، منظمات مجتمع مدنى، قوى اجتماعية متنوعة وقوى شبابية وقوى نسائية. ان الناظر لخريطة التحركات الاجتماعية فى ارجاء الوطن يدهش لتنوع هذة التحركات، تشعبها وامتداد انشطتها. ففضلا عن التحركات الشبابية والطلابية المعتادة تفاعلا مع قضايا الانتهاكات المتعددة، هناك تحركات مدن باكملها، قرى ومناطق وكلها تستهدف رموز النظام الحاكم ومقارة ومراكز سلطتة، تحرك قطاعات منظمة وغير منظمة فى ارجاء كثيرة من الوطن، انشطة حزبية وغير حزبية متنوعة، اعتصامات و مظاهرات واغلاق طرق وغيرها مما تذخر بة الصحف والبوابات الاسفيرية.
الحركات الشبابية
مع بدء الربيع العربى اتجهت كل الشعب اليها ولكن انظار الشباب كانت مشدودة اكثر اليها، تتعلم منها وتستلهم عبرها. يلعب الشباب المتأثر بهذة الثورات دورين مختلفين فى دفع شعار اسقاط النظام الى الاجندة السياسية.
الدور الاول الضغط الشديد الذى تواجهة الاحزاب جميعها من قطاعاتها الشبابية وبالتالى تبنيها لهذا الشعار. حدث هذا على جانبى الصراع. المعارضة فى قوى الاجماع السياسى ترزح تحت هذا الضغط، بعضها استجاب من واقع موقفها السياسى (الشيوعى والشعبى واخرين)، حاول حزب الامة ايجاد مخارج عن طريق حل سياسى مرضى لكن كان كمن يحرس فى البحر وكان تغيير الامين العام هو الثمن وسيحاول الحزب محاولة ايجاد مخرج وسيصطدم بصخرة الانقاذ حتى يجد نفسو مضطرا لتبنى الشعار. الحزب الاتحادى تحت ضغط اشد قوة واكثر اتساعا وقد تصدى لها السيد بنفسة ضاربا عرض الحائط بكل الاشكال التنظيمية داخل الحزب وقبل بدور هامشى وديكورى فى آلة الانقاذ. لقد رضى السيد بتحمل هذة المخاطرة التى قد تكلفة انفكاك الحزب من ربقة الطائفية لانة يعلم ان التغيير سيقود لنفس النتائج. حزب السلطة – المؤتمر الوطنى- ليس بعيدا عن هذا الحراك ولكن آليات سرية التحركات تحجب الصراعات التى تتفشى بين اطرافة ولم يظهر للعلن سوى مذكرة الالف اخ.
الدور الثاني: لم يكن الشباب السودانى منفتحا على تونس ولغياب اى اشكال سابقة للثورة فى التجربة الليبية فقد كان النموذج المصرى هو الاقرب لوجدانهم وتجاربهم. وهذا متكرر فى تجاربنا السابقة من صورة 1919 المصرية التى الهمت ثوار 1924 والضباط الاحرار وانقلاب مايو. وهكذا كان التاثير الاضخم – كما نرى- لتجربة كفاية المصرية احد اكثر التنظيمات الفاعلة فى ثورة يناير المصرية واستعمال وسائل التواصل الاجتماعى. على هذا النسق نشأت حركتا قرفنا وشباب من اجل التغيير –شرارة. صاغت قرفنا مطالب الشعب لإستعادة الديمقراطية ودولة الوطن بدلاً عن دولة الحزب:" نطالب بإستقالة حكومة المؤتمر الوطني و تغييرها بحكومة انتقالية، ترأسها شخصيات وطنية و قيادات شبابية، نسوية ومجتمع مدني تمثل مختلف انحاء السودان. (http://www.girifna.com ). وطرحت حركة وشباب من اجل التغيير –شرارة تصورها " للذين يسألون عن من هو شراره . شراره هى فكره لطالما جالت بخواطر وعقول كل السودانيين من اقصاهم الى اقصاهم وهى كيف انهم صامتون على هذا الذل وهذا الامتهان وهذا الهوان من نظام نهبهم واذلهم ومزق بلادهم بإسم الدين، بل واحدث شرخا عميقا فى نسيجهم الإجتماعى بان اثار بينهم روح القبيله وجعلهم يكفرون بعضهم فى المنابر ..نظام شوه عقول الشباب وزور تعريف القيم والوطنيه والحريه واوهم الناس إذ ربط اسمه بإسم الوطن، حتى يفتكر كل من يعارض الوطنى الحاكم بانه يعارض الوطن، ولكن نضج الوعى وعرف الناس اليوم جهرا ما تم إخفاءه عنهم سرا حتى لا يدركوا معنى الوطن .. شراره هى انتفاضة كل السودانيون ضد القهر والظلم والإستبداد .. هى ثورة شباب هذا البلد بكل اطيافهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم. (http://www.facebook.com/sharat.30.
لقد تراكمت خبرات طويلة ومتعددة فى العمل الثورى سواء فى تاريخ الشعب السودانى الذى انجز ثورتين كبريين فى تاريخة المعاصر او فى المحيط القريب منا. ولكن هناك عدة اعتبارات لابد ان تؤخذ فى الحسبان عند تعاملنا مع هذة الحركات النبيلة والصادقة.
اولا: ان تجاربنا كانت ناجحة جدا فى اسقاط الانظمة سواء كانت كلية كما فى اكتوبر 1964 او جزئيا فى ابريل 1985 ، المشكلة انها كانت عملية ناجحة ولكن توفى المريض. لم تقد هذة الثورات العظيمة الى نتائج ملموسة، فكل القضايا التى كانت تطرح فى الشعارات لم يتم تنفيذها وعاشت فقط فى الاناشيد والاغانى. ومهما حاولنا ان نتناول من انجازاتها فقد كانت فى المحصلة النهائية كارثية ادت بنا من نظام سىء الى الاسوأ. ان الثورات دلت بشكل واضح ان السودانيين عاجزين من التعلم من دروس تاريخهم قبل ان يتعلموا من تاريخ غيرهم. ان هذا الوضع يفاقمة المشهد العبثى الذى تراة ماثلا امامها من نظام يستهين بكل عناصر مشروعها الوطنى ويمزق اطرافة ويشرد ابنائة ومن معارضة غير قادرة على الاتفاق على مشروعها القومى واهم منها كيف تعبر الى هذا المستقبل. وبتاثير ذلك تراجع ابناء الوطن اما لرفع السلاح او التقوقع فى الذات والبتحركات الجزئية المنهكة. هذا سيكون تحديا ضخما امام الحركات الشبابية التى تستلهم النماذج العربية.
ثانيا: كانت لهذة الثورات ادوات ساعدت على انجاز الثورة من اهمها النقابات -التى كانت تسيطر على اقتصاد البلاد (اتحاد نقابات العمال واتحاد المزارعين)، والاتحادات، صغر حجم الفئات المدينية، خدمة مدنية غير مسيسة ،اجهزة جيش وشرطة قومية، وقوف كل الاحزاب فى صف المعارضة وحرب اهلية فى الجنوب معالمها واضحة. هذا هو التحدى الاخر من كيفية صنع تغيير بادوات اخرى.
الوضع الحالى بسيط فى ان كافة طوائف ومكونات الشعب السودانى قد وصلت حد القطيعة مع النظام وهناك سخط غير معتاد يعبر عن نفسة يوميا فى عشرات المواجهات فى كافة ارجاء الوطن وينشر فى وسائل الاعلام ويشمل تنظيمات، ومدن ومجموعات سكانية وغيرها. قضايا الفساد المنشورة اصبحت راتبة وتوثق يوميا فى الشبكة العنكبوتية وتنتشر. القيادة عاجزة عن الحكم لذلك تلجأ الى القبضة الامنية المتشددة حتى فى تعطيل الصحف، تطلق الوعود عن اكتشافات بترولية جديدة والهروب للامام بتفجير الحروب الاهلية.
الوضع الحالى ايضا معقد ويثير الخيال فمن ناحية هناك حرب مشتعلة بين الهامش (جنوب كردفان، دارفور، النيل الازرق والبحر الاحمر) والمركز، الهامش هنا افتراضى لان داخل المركز هناك هامش ممتد من شمالة الاقصى الى مناصيرة وغيرهم. الاشكالية هنا ان الهامش الاول ينظر للمهمشين داخل المركز كمركز (اى جلابة، اولاد بحر او مندكرو). ليس هناك تواصل مكتمل بين هذين العالمين خاصة بين الحركات الشبابية. اسباب هذا التفاصل متعددة ولكن اخطرها اثر الآلة الاعلامية الانقاذية فى الترويج للقبلية والجهوية والمناطقية و"تخويف" المجموعات السكانية الاسلاموعربية من هجمة الزرقة. الالية الاخرى هى التكتيكات الامنية من تخويف وارهاب المتقاطعين من المنطقتين بالعمالة والطابور الخامس واخيرا قوانين التجسس وكذلك المفاضلة فى المعاملة فهى تعتقل ابناء وبنات الجلابة لمدد تآديبية قليلة ولكنها تعتقل ابناء الهوامش وتعذبهم لمدد طويلة.
حالة محمد ادريس جدو نموذجية فمنذ 31/12/2011 تم اعتقال محمد ادريس جدو رئيس رابطة دارفور جامعة الخرطوم وهو احد طلاب جامعة الخرطوم وعضو مؤتمر الطلاب المستقلين ورئيس رابطة دارفور في الجامعة وكان من قادة عمليات الاعتصام بجامعة الخرطوم حتي تم اغلاقها وشارك في اعتصامات المناصير باسم الرابطة وأطلق سراحه في نفس اليوم وهو مصاب بكدمات في مفصل الركبة. وبعدها فى الأول من يناير الماضي اعتقل مرة اخرى بعد مشاركته في مؤتمر صحفي لطلاب الجامعة يخص قرار إخلاء الداخليات، وكان يستغل مركبه مواصلات عامة قطعت عليها الطريق عربتا (بوكس ) بهما 17 فرد من جهاز الأمن يحملون أسلحة كلاشنكوف، وقاموا بضرب ( الكمساري ) وتهديد بقية الركاب، واقتادوا محمد ادريس (جدو). ومنذ اعتقاله منعت عنه الزيارة، ويكتنف الغموض حالته الصحية ومكان اعتقاله حتى بعد اكثر من عام. لقد تساءلت والدة جدو عن عدم اطلاق سراحة بعد اكثر من عام وقد اطلق سراح كل من اعتقلوا معة. ربما يفسر هذا ان والدة جدو نزيلة معسكر زمزم- معسكر لايواء النازحين بالقرب من مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور من بين اكثر من مائة معسكر تضم حوالى المليونين- لكنها مناضلة بطريقتها فهى "بناءة" لكى تعول نفسها. وقد قام وفد من حزب المؤتمر السوداني وممثلين لـ موتمر الطلاب المستقلين بزيارة أسرة المعتقل الماجد/ محمد إدريس جدو في معسكر زمزم .
لقد بدأت الحركات الشبابية وضع الحلول لمحاولات النظام منع تشبيك هوامش المركز داخلها وخارجة. ان الحملة التى بدأتها مجموعات الشباب المختلفة من اجل التضامن مع محمد ادريس جدو وادت فعلا لاطلا ق سراحة، ترسل الرسائل المفيدة لوحدة الحركة السودانية للتغيير وان الشعب يرفض ان يعامل ابناء الهوامش ككم مهمل لا احد يعتنى بهم. ان هذة اول الطريق نحو مشروع قومى على هدى المناضل على عبد اللطيف. فلا خيار لها سوى ان تبتدع مشروعها القومى اى الذى يتعامل مع امال واحلام اقوام السودان المتباينة والمتنوعة والشريكة فى هذا الوطن لان المشروع الوطنى يعنى لدى كافة "الاخرين" مشروع الجلابة فى وطن الجلابة ولايتسع لهم.
لا نريد ان نكرر دروس ثورة 1924 مرة اخرى من كسب او على الاقل تحييد الجزء الاكبر من الحلفاء المحتملين، فالطريق الى انتصار الثورة طويل ويستدعى دراسة المصالح التى تحرك كافة الفئات ( ما يسمى فى علوم التخطيط تحليل اصحاب المصلحة)، من المهم التفرقة بين التناقضات الاساسية (النظام) والتناقضات الثانوية (الاحزاب السياسية والمواقف الثقافية للجلابة وساخطى الاحزاب وحتى شباب الحزب الحاكم ) . المطلوب رسائل تطمين وخلق علاقة عملية من مراعاة المصالح المستقبلية. ان الحركات الشبابية ليست تنظيمات سياسية سرية لكنها تجمعات تدخل العملية السياسية الجماهيرية من مختلف الانشطة والهوايات والصداقات تلتقى حول مشروع قومى . انها منفتحة وجماهيرية تجذب اطرافها. ان الطامة الكبرى ان تدخل –كما فى التجربة المصرية بتاثير احزابها العقائدية – فى التخوين والامنجية التى تغذيها الاجهزة الامنية لان هذا عملها. ان تحليلا جيدا لاصحاب المصلحة وخطابا حكيما يجب ان يستميل كافة القوى حتى القوى الحزبيه والجهويه و الطائفيه لانها من واقع هذا الوطن لا استعدائها.
بدات مع ثورة اكتوبر 1964 ظاهرة البناء التحالفى للجماهير المدينية التى قامت بالثورة و كانت جبهة الهيئات اول تمثيل سياسى لما سيسمى لاحقا بالقوى الحديثة وهى قوى نقابية وفئوية لعبت الدور الاساسى فى الحراك السياسى الذى ادى لانهيار النظام. وقد استاثرت بالنصيب الاكبر فى تكوين الحكومة انذاك فى موازاة الاحزاب والتى كان لكل منها وزير واحد. ولكن هذا الوضع سريعا ما تبدل بتكوين حكومة اكتوبر الثانية والتى ضمت الاحزاب فحسب. تكررت نفس الظاهرة بعد االانتفاضة فقد تكون التجمع الوطنى لانقاذ البلاد وكون الحكومة الانتقالية. وفى الحالتين لم تستطع القوى التى تصدرت الميادين والشوارع وطرحت شعاراتها واسقطت النظام من ان تحقق اى من شعاراتها لسببين رئيسيين.
اولا: لاسباب موضوعية غلب اليسار بكافة تياراتة على التكوينات التحالفية، وهذا شىء مفهوم ومبرر لانة الاكثر تنظيما والاعلى صوتا لان هذة التحالفات جاءت من النقابات التى تنشط فيها، كما انهم دفعوا الضريبة الاعلى فى النضال ضد هذة الديكتاتوريات، ادى هذا بشكل واضح الى تكتل القوى الاخرى فى اكتوبر ليس ضد اليسار فقط ولكن ضد شعارات الثورة نفسها. اما فى الانتفاضة فقد تدخل المحلس العسكرى الانتقالى فى اختيار الحكومة وفرملة تنفيذ كل شعارات الثورة وتاجيلها.
ثانيا: فان استوزار ممثلى هذة القوى يضعهم تحت نيران مقاييس الانجاز الحقيقى الذى يقدمة هولاء. واذا علمنا القيود التى يفرضها الوضع الانتقالى داخليا وخارجيا فى امكانية اتخاذ القرارات فان الفهم الرائج فى بلادنا ان المهنى او الاكاديمى الناجح، بدون اى تاهيل اوتدريب او حتى تمهيد، يمكن ان يصبح وزيرا او اداريا ناجحا. افرز لنا هذا الفهم القاصر مئات الوزراء والاداريين الفاشلين والذين عانت بلادنا من قراراتهم العشوائية ( من اول المهام التى تقوم بها منظمة الصحة العالمية عند تعيين وزير صحة جديد فى اى دولة، دعوتة لزيارة المنظمة فى القاهرة واعطائة صورة كاملة عن النظام الصحى ومناقشتة فى كافة تحدياتة. وهناك تفكير جدى فى تصميم كورس تعليمى وتدريبى للوزراء الجدد فى كافة مناحى انشطة وزارتة . ويمكن بلا مواربة ان نقول ان وزراء وانجازات الحكومات الانتقالية لم يحالفها التوفيق فى كثير من قراراتها.
حروب المذكرات
ظاهرة رفع المذكرات تراث سودانى عريق – اظنة من موروث الحكم الاستعمارى- ومستمر. وقد اشتهرت مذكرات عديدة فى تاريخ السودان بدأ من مذكرة الخريجين في 3 أبريل 1942م، مذكرة قرنق لرئيس وزراء حكومة االانتفاضة 1985، مذكرة القوات المسلحة السودانية ــــ 20 فبراير 1989 وغيرها والتى عادة كانت احد اسلحة النقابات فى تعاملها مع المخدم. بعد الانقاذ بدات ظاهرة المذكرات التى ترفع الى قيادة الاحزاب ولعلنى اعتبر ورقة الخاتم "ان أوان التغيير" احد اول المذكرات المرفوعة للاحزاب والتى ادت لانشقاق واسع فى الحزب الشيوعى سواء بالاستقالة او الابتعاد واجبرت الحزب الى اعادة النظر فى استراتيجياتة ولو بعد حين. تلتها مذكرة العشرة 1999 الشهيرة والتى ادت لتمزيق احدى المسلمات السياسية فى منعة تيار الدولة الدينية على الانشطار والتى قادت لما عرف بالمفاصلة (تناولناها بالتفصيل من قبل). دار الحديث فى الاسابيع الاولى من عام 2012 بمذكرتين احداهما عرفت " بمذكرة الالف اخ" الى المؤتمر الوطنى والاخرى بمذكرة نداء التغيير الى حزب الامة واخيرا مذكرة الأتحاديين لرئيس الحزب محمد عثمان الميرغني. كما ان هناك حديث حول مذكرة فى المؤتمر الشعبى لم تتاكد حقيقتها.
هناك قوانين تحكم مسيرة الاحزاب الطائفية جميعها، انها فى اى لحظة من صيرورتها هى نتاج تفاعل بين فريقين: الاول فئات الراسمالية والتكوينات القبلية والدينية من جهة وهى التى تدفع الحزبين الى المصالحات والتعاون مع الديكتاتوريات وتطرح مصطلحات الحكومة الموسعة والوحدة الوطنية وغالبا تشجع الانقسامات والانشقاقات وغيرها من الشعارات. هذة الفئات مؤثرة وتتواجد دائما بجوار مولانا او الامام (تسمى البطانة او الحواريين وغيرها) وهى اقرب لعقليتة وتكتيكاتة ومؤامراتة ورغم ذلك فهى لاتسعى الى الاستوزار ولاتجدها فى قائمة التكوينات القيادية لكنها تدفع بالمحسوبين عليها الى الوزارات. الفريق الثانى هم النخبة المثقفة والقادة الجماهيريين والتى عادة ما تكون الفئة المستهدفة من الانظمة العسكرية سواء اعتقالا، تعذيبا او ابعادا للصالح العام او شراءا بالوزارات الديكورية والمناصب الشرقية اما الجزء الكبر منهم فهم الذين يتحملون كافة التبعات النضالية. هذة هى اغلبية القيادة ولكنهم ليسوا على صلة دائمة بالزعامة الطائفية وتاثيرهم ياتى من الراى العام الذى يشكلونة والذى يضغط على الزعامة لاتخاذ توجهات سياسية تقرب او تبعدعن التيار العام داخل الحزب. ربما يقرب الصورة اكثر اذا تتبعنا مواقف قيادة الحزب الاتحادى سواء فيما بعد االانتفاضة او بعد الانقاذ من قيادة العمل المعارض الى اقصى درجاتة حين كانت القيادة تحت تاثير النخبة المثقفة فى الخارج والمواقف المتذبذبة من الانقاذ بعد العودة الى الوطن.
الجو العام التى تتحرك فية المذكرات فى السودان مرتبطة بشكل عام بمكونات المجتمع الذى تلعب فية العقلية الابوية المسيطرة الدور الحاسم. لكن تخضع المذكرات كغيرها من التحركات لقوانين توازن القوى داخل النظام الذى تعمل فية، وديمقراطيتة، المواقيت التى تم فيها رفع المذكرة، الظرف التاريخى المحيط وغيرها من العوامل المؤثرة. وكما ذكرت من قبل فقد كان كان تساؤلى الاكبر ورقتى بعنوان " ديمقراطيات السودان منذ الاستقلال وحتى اعلان نيروبى" عن الديقراطية داخل الاحزاب ودورها فى تخريب الديمقراطية فى السودان وان البدء بالاصلاح يبدا من دمقرطة الحياة السياسية السودانية وفى مقدمتها الاحزاب. لازلت مؤمنا ان الدعوة للديمقراطية داخل الاحزاب والتنظيمات والمؤسسات حتى الاسر اول مقدمات تجاوز مقعدات التغيير فى حياتنا السياسية. كل احاديث المرحلة والظرف التاريخى ولملمة الصفوف لمنازلة الانقاذ اثبتت فشلها الذريع وقادت السودان لهذا المنعرج الدقيق. ففى غياب الديمقراطية اقتعد قادة الاحزاب والتنظيمات سدة الرئاسة لعقود، اجهضت كافة مشاريع الاصلاح وتوقف التطور الطبيعى للنمو فى المجتمع. وتحولت احزاب الليبرالية الى قيادة الطائفة الممسكة بكل عناصر الحياة داخل الحزب والاحزاب العقائدية الى قيادات تأريخية. طالت الانشطارات والانشقاقات كافة هذة المنظمات ومع قبولنا بالقول المرسل ان هذا من التدخلات الفظة لنظام الانقاذ – الذى هو المتوقع والطبيعى- الا ان هذا التدخل مثل التدويل لابد ان يجد حاضنة داخلية من الاستياء والتذمر وانسداد الافق.
ان الناظر للمذكرات فى عمومها يجد انها المدخل لحوار عندما تصل الامور بين جمهور الجماعة (المستعمرون، النقابة او اقلية فى تنظيم ما وغيرها) واصحاب الشأن ( المستعمر، صاحب العمل، قيادة تنظيم وغيرها) الى انسداد فى التواصل، اى انها الانتقال من حالة الصدام، الابتعاد او الانعزال الى حالة قبول الحوار لحلحلة الامور وفى وجود بدائل اخرى مثل الاضراب، الاعتصام، الانقسامات وحتى الحرب. وقد كانت كذلك مهما كانت حدة رد الفعل حسب نية المختلفين فى ايصال الامور. لم تخرج مذكرة العشرة عن ذلك وان انتهت بالانشقاق الاكبر فى الحركة الاسلامية ولكن بعد حوار داخل الجسم التنظيمى . والمشترك فى كافة المذكرات الحزبية تأكيد رافعى المذكرات انهم ينتهجون السبيل الديمقراطى (ونحن نقوم بهذه المبادرة نؤكد اننا لن نسعى لشق صف أو تكوين جسم جديد مهما حدث وسنتعاهد على ذلك، بل سنظل داخل البيت ننافح ونبشِّر بهذه الرؤية بكل الوسائل المشروعة وبكل قوة مهما كلفنا ذلك من زمن أو جهد عبر الطرق المشروعة حتى يستقيم الأمر وسنظل في حالة رباط دائم إلى حين تحقيقها والله من وراء القصد - مذكرة الالف اخ.) ومذكرة حزب الامة (وفقاً للمادة «10/1» من النظام الاساسي، نلجأ الى مجلسكم الموقر حمايةً لقيم الديمقراطية ومبادئ الحزب وإرادة جماهيرنا. ونحن إذ نرفع هذه المذكرة لمجلسكم الموقر تحت المادة «10/2» من قانون الاحزاب السياسية لسنة 2007م).
نعالج مسالة المذكرات من مدخلين الاول مفهوم روغان التسمية عند تيار الدولة الدينية. عندما اطلت مذكرة الالف اخ تفاوتت ردود الافعال حولها فى داخل حزب الانقاذ من انكار بعض القيادات وقبول البعض الاخر وتصريح الرئيس بمحاكمة من رفعوها. وتتابعت ردود الفعل خارج الانقاذ ولكن الاتجاة العام كان التشكك فى مصدرها وتوقيتها والقائمين عليها كابلغ رد فعل عن الفقدان الكامل للثقة فى اى شىء يصدر من الانقاذ حتى من شباب ساخط من المهمَّشين داخل المؤتمر الوطني ، شيوخ محبطين او مجموعة المؤمنين بتواصل الأجيال. لست من المشككين فى صحة المذكرة ولكن اعتقد انها امتداد لمواقف المفاصلة. فكتاب المذكرة الذين دفعوا بها لا تعبر عن اى تغير جدى فى مواقفهم فقد دبجوا مذكرة هى كل الفكر التمكينى، التسلطى الاسلاموعروبى ( مواصلة برنامج الأسلمة وتطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع ، تنفيذًا لبرنامجنا الفكري القائم على بسط الشورى والحرية، جعل الجهاز القضائي مؤسسة مستقلة تماماً عن الجهاز التنفيذي على ان يبدأ التنفيذ عبر تعيين شخصيات مستقلة وذات كفاية، الاجتهاد في وضع برامج مكثفة فكرياً وتربوياً وسياسياً للقطاع الطلابي وقطاع الشباب). رد فعلى ليس المحاكمة الاخلاقية للمذكرة التى ارى فيها تطورا ايجابيا وان كان لازال يعبر عن داخل الصندوق التمكينى، غرضى هو محاولة تقديم تحليل منطقى لطبائع الامور.
جاء معظم منتسبى تيار الدولة الدينية من الطبقة الوسطى والفقيرة. وهذة المجموعات لها قيم ومثل معينة ترجع لها وتحاسب نفسها على هديها. وقد هال هؤلاء الذين انحازوا الى المؤتمر الوطنى، انة لم يعد تنظيمهم العقائدي الذي انتموا الية بل تنظيم " العبرة بمن صدق لا بمن سبق". وهؤلاء القادمون الجدد جلبتهم السلطة ولاشك هم مناصرون لمن يعطى ولا ولاء لهم لشيخ الحركة الاسلامية او غيره. (الدكتور احمد عثمان انقسام الجبهة الاسلامية الحاكمة بالسودان ومقالات اخرى فى موقعة الفرعي في الحوار المتمدن: http://www.ahewar.org ). هؤلاء هم الذين كتبوا المذكرة اى انهم يريدون الجبهة الاسلامية فى السلطة بدون الانقاذ. اميل فى تحليل اخر الى ان هذة النخبة الذكية استطاعت فى زخم تاثير الثورات العربية ان تستشعر عزلة المؤتمر الوطنى فتاملت فى الخروج من الدائرة، خاصة وقد فشل المؤتمر الشعبى فى توفير ملاذ امن لهم اذا اسقط النظام، فعادت لمعتادها من روغان التسمية – الحركة الاسلامية – لتلجأ الية.
ويلخص د. الطيب زين العابدين ) والحقيقة ان مذكراتٍ عديدة سبق ان رفعت لقيادة الحركة الإسلامية والدولة منذ مطلع التسعينيات، لكنها أهملت جميعاً من قبل المسئولين عدا مذكرة واحدة هي ( مذكرة العشرة) الشهيرة... وأدنى درجات الإصلاح المطلوب داخلياً ان تخرج الحركة الإسلامية من القمقم الذي حبست فيه طويلاً للعلن كتنظيم مسجل ومعلن ومستقل لا يسيطر عليه التنفيذيون في الحكومة، ويعمل في كل مجالات الحياة العامة بما فيها السياسة، وله الحق عبر أجهزته المؤسسية والشورية المنتخبة ان يتخذ من المواقف السياسية ما يشاء، وان يعتمد على موارده الذاتية، وان لا تكون له أدنى صلة بالأجهزة الأمنية! وتلك معركة شرسة دونها شوك القتاد سيخوضها المتنفذون بكل أسلحتهم المشروعة وغير المشروعة! فهل بقي في الحركة الإسلامية نبض حي يتصدى للمعركة؟ وعلى الحركة الإسلامية ان تكفر عن خطئها التاريخي في حق الشعب السوداني الذي جاءته بنظام قهري استبدادي ظالم. (د. الطيب زين العابدين: الحركة الإسلامية الموءودة ( وخازوق) الانقاذ جريدة ( التيار) يوم الأربعاء ( 11/ 1/ 2012)
المدخل الاخر الذى سنحاول بة تحليل مذكرة الالف الاخ ومذكرة نداء التغيير هو مفهوم تجاور وتحاور وتجاوز الاجيال. نبدأ تحليلنا من ان بداية تكون الطبقة الوسطى وتنظيماتها بدأت بعد ثورة 1924 وعلية فان اول الاجيال التى سنعتبرها داخل العصر هى التى كانت فى شبابها فى نهاية الثلاثينيات. يعرف الجيل انة مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليديا على انه "متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائه " ومدة الجيل 33 سنة وهى قاعدة خلدونية و هي بالطبع قاعدة حسابية تقريبية. جاء جيل الرواد من خضم الكفاح ضد الاستعمار وبنوا الاحزاب والتنظيمات النقابية والصحف ومنظمات المجتمع المدنى..الخ. هذا الجيل امتد فى الزمان الى نهاية الستينات وكجزء من تقاليد الخدمة المدنية والعسكرية كان هناك تجاور وتحاور جيلى، اى ان هناك فرص للتدريب على العمل العام فى الاتحادات الطلابية ومن ثم التنظيمات النقابية والاحزاب وانتقال للخبرات فى العمل الوظيفى. برغم التقاليد الابوية فقد تم الانتقال الجيلى بسلاسة وببداية السبعينات فقد تم التجاوز ومن ثم الاحلال الكامل لكافة الاحزاب (السيد الصادق بديلا عن الشهيد الهادى المهدى، المغفور لة الشريف الهندى بديلا عن الشهيد اسماعيل الازهرى، السيد محمد عثمان الميرغنى بديلا عن المغفور لة على الميرغنى و الاستاذ محمد ابراهيم نقد بديلا عن الشهيد عبد الخالق محجوب).
فقد التجاور والتحاور الجيلى فعلة بفعل ظروف عديدة طوال الفترة المايوية اذ فقدت الاجيال المتتابعة ساحات التعلم العام من الاتحادات الطلابية والتنظيمات النقابية والاحزاب، واثر التشريد والصالح العام والهجرات الكثيفة على انتقال الخبرات فى العمل الوظيفى. كانت مابعد انتفاضة 1985 الفرصة الضائعة فى الحوار الجيلى عن طريق نشر الديمقراطية فى الاحزاب وتغيير تركيبتها بما فيها القيادات من الجيل الثالث الى الجيل الرابع. لابد ان نشير ان جميعنا كنا نعمل كأن هذة الديمقراطية ستعيش ابدا واجلنا كل ما هو ضرورى وحاسم فى استدامتها. بعد اكثر من العشرين عاما امتدت اعمار القيادات الحزبية جميعها من 35 الى 45 عاما ومضت السنون وتأجل ما كان ضروريا فى الثمانينات حتى صار لامفر منة فى القرن الحادى والعشرين والجيل الرابع قد هرم وبرز الجيل الخامس على المشهد. هذا يصدق على كل الاحزاب والمنظمات والخدمة المدنية. هذا هو احد مكونات المذكرتين (مذكرة الالف الاخ ومذكرة حزب الامة)، وهو ايضا مكون فى خلافات وانشقاقات الاتحادى الديمقراطى.
لحزب الامة اشكالية ضخمة وفرصة تاريخية لابد ان تعييها القيادة وتحاول معالجتها (لا ادرى صحة الموقعون على المذكرة حتى الان وق قيل انة بلغ عددهم: 735 منهم 18 من اعضاء مكتب سياسي، 34 اعضاء هيئة مركزية، عشرات القيادات في تنظيمات المهجر وهيئات كاملة لفرعيات وقيادات سابقة في مكاتب العمل الخارجي، كوادر ناشطة وقيادات طلابية وقيادات في العمل الخارجي والداخلي ونساء وشباب وطلاب). ولن نعيد راينا فى الحزب وقائدة فهو احد صروح الديمقراطية الراسخة وقد اعطتة الجماهير ثقتها فى اخر انتخابات ديمقراطية 1986 وشيكا على بياض لتحقيق طموحاتها. الاشكالية التى وجدتها مجموعات من قياداتة وقواعدة هى نفس الاشكالية التى خيبت امل الشعب فى الفترة الديمقراطية، التطويل فى اتخاذ القرار والبحث عن التوافقات المستحيلة. ان هذة الصفات اذا كانت مطلوبة عند زعماء القبائل فهى مهلكة للسياسى. الاشكالية ان هذة الصفات تؤثر الان على الحزب بشكل حاسم. فاز حزب الامة فى انتخابات 1986 بمائة نائب (61% من دارفور، 75% كردفان، 58% الاقليم الاوسط) وهذة تحديدا مراكز ثقلة والتى تدور بها الصراعات الدامية وتتهدد شعبيتة المواقف المتذبذبة من التغيير الناعم ، المشاركة وغيرها. ان كتاب المذكرة فى ذهنهم ان حزبهم قد ينتهى من الحياة السياسية اذا لم يلتق فى منتصف طريق ما مع هذة الجماهير التى تتعرض للهوان والذل فى معسكرات اللجوء. وافضل هنا ان اختم بما سطرة أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم " كنت اتوقع من رئيس حزبنا ان يكوّن لجنة لدراسة المذكرة وتحليل محتوياتها والموقعين عليها وحتى لو كانوا مجانين فهو كان يمكن ان يكون العاقل الوحيد ويعقلنهم بالحوار لا بالاستخفاف والرفض باستلام المذكرة كما جاء في البيان، فرئيس حزبنا يحاور الانقاذ التي انقلبت على حكمه وحكم حزب الأمة وأذاقته وحزبنا وأهلنا الأمرين ولا يحاور كوادر وقيادات في الداخل والخارج لها وجهة نظر مختلفة في مسار ومسيرة الحزب ومآلات الوطن والحزب وتطالب بتغيير شرعي وحتى لو كانت هناك جهات حاولت اختطاف المذكرة فلن يستطيعوا ان يفعلوا شيئا غير شرعي ويجب ان نطمئن. (أبوهريرة زين العابدين عبد الحليم :(الامين العام لحزب الأمة القومي الولايات المتحدة الأمريكية) قراءة في مذكرة "نداء التغيير" لرئيس حزب الأمة القومي، السودانى 3 مارس 2012 ).
شعارات التغيير فى السودان
عندما اسقط التونسيون والمصريون انظمتهم خرجوا من اجل حياة افضل ولكن الشعوب لاتأكل سياسة ولايدرس ابنائها فى الشعارات ولاتتعالج فى مستشفيات الديمقراطية. الشعب يحتاج فى النهاية الى ما وصفة الرئيس الامريكى الاسبق فى مناظرتة مع جورج بوش الاب الفترة الانتقالية ” انة الاقتصاد يا غبى” . اهم ثلاثة قضايا فى حياة الافراد والتى ستصنع او تكسر اى نظام: هى سبل كسب العيش، التعليم والصحة. كل القضايا لاحقة لهذة المطالب الاساسية وخاصة مسائل التحول الديمقراطى، السلام والوحدة. المشكلة انة لتحقيق القضايا الثلاث نحتاج الى التحول الديمقراطى وحل مشكلة السلطة. ولكن المهم هو التوجة الاساسى وفلسفة الدولة والسياسات التى تعتبر المهام الاساسية توفير الحياة الكريمة وليس السلطة. ربما مثل مؤتمر القضايا المصيرية 1995 اتفاقية القاهرة بين حكومة جمهورية السودان والتجمع الوطني الديمقراطي في 16 يناير 2005 اقرب النقاط فى تاريخ السودان المعاصر الى الرؤية المشتركة التى كانت تعبر عن غالبية اهل السودان شملت ( المبادئ العامة، التحول الديمقراطي، الانتخابات، القضايا الدستورية واستقلال القضاة، الحكم اللامركزي، قومية الخدمة المدنية، القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى وجهاز الأمن، رفع المظالم ودفع الضرر والاتفاق على ان الاستقرار الاقتصادي والتنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية تشكل القاعدة الأساسية للاستقرار السياسي والسلام الشامل والدائم في السودان).
اتفقت الوان الطيف السودانى على مسار واضح حول انجاز هذا التحول. القضية كيف نصل الى بلورتها فى نصوص وقوانين واضحة المعالم. كانت العقود الماضية مدرسة سياسية كاملة، ورغم ان الشعب السودانى بكافة طوائفة وتياراتة قد دفع فيها الثمن الغالى والمر الا انها اوضحت كثيرا من اوجة الفشل العام للنخبة فى وضع رؤية واضحة ومقنعة ومفهومة من كافة اطراف المجتمع السودانى. ولانجاز هذا وقبل ان تخط حرفا واحدا فلابد ان نقترب من مبادىء اساسية. من المهم الاتفاق على كامل بنية الدستور الديمقراطى المدنى، واقتلاعة من ايدى الخبراء والتقنيين ترزية كل الانظمة. ان الدستور يهم كل فرد فى الشعب ولابد ان يناقش فى كل تجمعات الشعب عن طريق الاعلام من صحف وتلفزيون وندوات ومظاهرات والليالى السياسية ويطبع ويوزع بعيدا عن اللغة المغتغتة والمبهرجة والمزخرفة والخمج. ويتم التوقيع على الالتزام بة من كافة القوى على ان يحدد اما طرحة فى استفتاء او الانتظار للانتخابات واجازتة من الجمعية التاسيسية فى اول اجتماع لها باذن اللة.
طرحت الثورة المصرية شعارات عيش، حرية، كرامة وعدالة اجتماعية وهى مجملها اعادة تاسيس لصعود الطبقة الوسطى الى الواجهة بعد عقود من الاتفاقات الضمنية للنظم الاقصائية فى توفير الحياة الكريمة مقابل التنازل عن الحرية. ثار المصريون من أجل لقمة العيش، من أجل الحرية في مواجهة الظلم والاعتقالات والتعذيب والإهانة وإذلال الشرطة لهم ، ثاروا من أجل العدالة الاجتماعية و ثاروا من أجل الكرامة . لقد عبرت الثورة المصرية عن رتق الثقوب فى الحياة المصرية. فما هى الشعارات الموضوعية للتغيير فى السودان. ان واقع البلاد يدعو بنا للعودة الى جزء من شعارات الثورة الفرنسية: عدالة، اخاء ومساواة. لقد ثار الفرنسيون من اجل ان تتحقق هذة الشعارات فى وجة السلطة الارستقراطية الاقطاعية. ان ما نقترحة شعار حرية، عدالة، اخاء فلماذا نرى انها تتناسب مع السودان الحالى؟
الحرية
ان الحريات عميقة الجذور فى السودان وراسخة وقد لخصها دستور 1985 الانتقالى تحت بند: الحقوق والحريات الأساسية: جميع الأشخاص في جمهورية السودان سواسية أمام القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات وفي فرص العمل والكسب وذلك دون تمييز بسبب المولد أو العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي، حرية تكوين الأحزاب السياسية، حرية العقيدة وممارسة الشعائر، حرية الرأي و التعبير، تكوين النقابات والجمعيات والاتحادات والهيئات ، حرية الأمن الشخصي، حرية الاجتماع وتسيير المواكب، حرية الإقامة والتنقل داخل البلاد وخارجها ، حرية المراسلات وسريتها ، حق الملكية، حق التقاضي أمام المحاكم ذات الاختصاص، عدالة العقوبة و لا يعرض أي متهم للإغراء أو التخويف أو التعذيب ولا توقع عليه أية عقوبة وحشية أو محطة لكرامة الانسان، حرمة المسكن فلا يجوز تفتيشها ولا دخولها إلا برضاء ساكنيها وطبقا للشروط ووفقا للإجراءات التي يحددها القانون، حق المشاركة في الشئون العامة والحق في التصويت والترشيح، استقلال الجامعات وحرية الفكر والبحث العلمي واستقلال الخدمة العامة وحيدتها.
الاخاء
منذ الاستقلال ارتبط الصراع السياسى فى بلادنا بالهوية وصراعاتها المدمرة، وادى بنا الحال من الحرب الاهلية الطويلة من الجنوب الى الانفصال، مأزق دارفور، جنوب كردفان، النيل الازرق ويمكن ان نضيف انة بدون استثناء هناك استنفار جهوى حاد ومحتقن، ويرتبط بالهوية السلطة المركزية الوسطية الشمالية وهيمنة الجلابة. لقد تابعنا تطورالدولة المدنية طوال العقود الماضية واذا كان لاى رؤية ان تصمد امام التفكك الاقليمى للسودان فلابد ان نصل لحل حاسم حول هذة القضية المركزية. الحوار الثقافى لم يتوقف فى هذة المسالة وقد شهدت صفحات الاسفير مناقشات حامية ومتنوعة فى العقد الاخير من القرن الماضى والغقد الحالى بعد تمكن الانقاذ من قسر الثقافة العربية الإسلامية بكامل عدتها وعتادها. ورغم اهمية الحوار الثقافى واستجلاء مكوناتة ومحاولة فهمها لفهم السلوكيات المصاحبة لاسقاطاتها، الا ان قضية الهوية ترتبط اكثر من ناحية الرؤية بسلطة اتخاذ القرار فى الدول النامية وتوزيعها بين المجموعات السكانية والجهوية لانها هي المتحكمة بتوزيع الثروة فى نفس الوقت.
ان الشعور السائد فى سودان اليوم معقد وتعلو فية رايات العنصرية والقبلية والجهوية اكثر من قيم المواطنة والاخاء. لقد خرجنا من منعطف حل المواطنة، اذ انها اصبحت تعنى للاخرين حقوق الجلابة وتسلط نخبها الحاكمة. هناك حاجة حقيقية لرفع شعار الاخوة فى الوطن كقيمة اساسية تبنى عليها كافة قرارات الدولة. هذة ليست تهويمات فى الهواء، لكنها خطر ماثل فالحركات المقاتلة قد بدات تفتح ملفاتها والنقاش حولها وهى تنظر لتجربة جنوب السودان وتتابعها وربما اذا وجدت نجاحا فى تجربتها تتبناها. النظام يسوق هذا الخطر ليحشد السودانيين الشماليين (مثلث حمدى) على انة حاميهم وان فى زوالة الفوضى. رؤية حل اشكلات الهوية مدخلها شامل وقد تمكنت نيفاشا من ملامستها كاملة ولكن وقعت فى المحظور - التنصل منها- والذى قد نجد انفسنا فية مهما كانت الرؤية صائبة.
قدم الملازم على عبد اللطيف الى المحكمة وكانت المحاكمة الشهيرة حيث سأله القاضي عن قبيلته: قال لا يهمني ان كنت منتمياً لهذه القبيلة أو تلك فكلنا سودانيون، نعمل يداً واحدة من أجل تحرير بلادنا من سيطرتكم. تطور التنظيم فى سنوات 1918 من تكوين اندية الخريجين التى ارتادها اعضاء الجمعية الى جمعية القبائل السودانية المتحدة 1921 الى جمعية الاتحاد السوداني والذى اختلفت معها جمعية اللواء الابيض اذ انها كانت ترى انها حركة قومية" كان سليمان كشة ، محرر جريدة مرآة السودان ورئيس جمعية الاتحاد السوداني يخاطب جموع الحاضرين دائماً بـايها الشعب العربي الكريم وكان الملازم أول علي عبد اللطيف يرى ان الشعب السوداني أحقّ بالمخاطبة لان السودان نسيج يشكل العرب جزء منه فقط. استعملت جمعية اللواء الابيض تعبير الامة السودانية بمعنى الشعب السودانى لاول مرة وأدخلتها قاموسنا السياسى كمفهوم يدل على تعددية تشمل الجميع.
العدالة
"لا نسمع كلمة العدل إلا وتقفز إلى مخيلتنا سيرة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، شئنا أم أبينا، فلا يوجد غيره، وأى شيخ أو واعظ أو داعية تليفزيونى حين يحدثك عن عدل الإسلام وعدالة الدولة الإسلامية لا يجد اسما لأى حاكم على مدى ألف وأربعمئة سنة إلا عمر بن الخطاب، والعشر سنوات وشوية التى حكم فيها، بينما يخلو التاريخ الإسلامى على مدى هذه القرون الطويلة البعيدة من نموذج ومثال إلا عمر (ومعه عمر بن عبد العزيز الذى تمثَّل سياسة جده الفاروق واستمر حوالى عامين أو أكثر قليلا فى الحكم). لم يجلب تطبيق الشريعة فى السودان فى إقامة العدل. وقد جزم العلَّامة ابن القيم بأن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد. وهى عدلٌ كلها ورحمة كلها ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، ليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل. فالحاصل أن العالم الإسلامى على مدى تاريخه يعيش بدينين وليس بدين واحد، الدين الحق من ناحية والدين السلطانى أو الملكى أو الرئاسى من ناحية أخرى، وهو الدين الذى يتم تفصيل شريعته ومفاهيمه وأهدافه، بل وشعائره لخدمة المستبدين الفسقة، بينما الدين الحق الذى خرج من قلب وجوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو محفور فى قلوب البعض ومردوم عليه بسنوات القمع والطغيان". (ابراهيم عيسى يكتب: شريعة بلا عدل ، الدستور، 24 ابريل 2012 ). عندما يذكرون عدل عمر لايذكرون انة الذى اوقف العمل بحد من حدود اللة لداعى العدل نفسة، وانة ترك الأراضي التي فتحت في عهدة فى العراق في أيدي أهلها وعليهم فيها الخراج وسميت أراضي السواد وبقيت ملكاً لأهلها بدون منازع، يملكونها ويتصرفون فيها حسب مصالحهم، كما وانة الذى صلى خارج الكنيسة لداعى حرية الاديان لئلا يحولة المسلمون الى جامع وانة ادخل النظام الادارى الكسروى لصلاحيتة وغيرها كثير.
عندما طرح المصريون شعار العدالة الاجتماعية كانوا يعبرون عن مجتمع عدد العاملين فية بالاجر يصل لاكثر من 50% من السكان ولذلك فقد ارتبط الشعار بالحد الادنى والاقصى وتقليصة للمعدلات المناسبة وتوفير فرص التعليم والصحة. السودان تدرج فى تطورة من قطر يعتمد على محصول نقدى واحد وبعض المنتوجات والماشية، ضعيف صناعيا، تسودة ثنائية القطاع الانتاجى الحديث والتقليدى وقادر على اطعام اهلة بشكل معقول ومقبول. انتهى القطر الى اهمال زراعتة ورعية وصناعاتة التقليدية وعاجزا عن توفير الحد الادنى من الحياة المتفق عليها. الافكار كثيرة فى المؤتمرات الاقتصادية وبرامج الاحزاب ولكن رؤية السودان الاقتصادية تحتاج لاكثر من ذلك، ارادة و جهدا سياسيا وخبرة عملية. فى وطننا لا يطرح شعار العدالة الاجتماعية لحل قضايا الخلل بين الافراد (شعار الحد الادنى والاقصى للاجور)، لكنها اعمق من ذلك لانها تشمل مجموعات سكانية، جهات و اقاليما بحالها. لن نبدأ باختراع العجلة مرة اخرى فقد سبقتنا دول عديدة فى تشكيل رؤاها وهناك قصص نجاح متعددة ندرسها وناخذ المفيد منها لرؤيتنا.
|
|

|
|
|
|