مقال ضحايا دارفور ليسوا من -بني جلدتنا-رجاء بن سلامة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 11:12 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-21-2012, 07:24 PM

عبدالمجيد صالح
<aعبدالمجيد صالح
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 2904

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مقال ضحايا دارفور ليسوا من -بني جلدتنا-رجاء بن سلامة

    ضحايا دارفور ليسوا من -بني جلدتنا-

    رجاء بن سلامة
    العدد: 1885 - 2007 / 4 / 14 - 12:26
    المحور: حقوق الانسان


    فعلا، ما قيمة دم الأفارقة عند المثقّفين والإعلاميّين والحكماء والنّجوم العرب، بمن فيهم أصحاب المشاعر الرّقيقة الذين دمعت أعينهم لمرأى إعدام الدّكتاتور صدّام حسين، وربّما صلّوا صلاة الغائب عليه، وينتظرون استتباب الأمن في العراق حتّى يزوروا قبره؟ لماذا لا ترقّ قلوب هؤلاء لملايين المشرّدين والقتلى والمغتصبين والمجوّعين ولمجزرة بدأت شتاء 2003 وتتواصل إلى اليوم؟ أم أنّ حقوق الزّعماء في عرفنا أهمّ من حقوق الشّعوب، والشّعوب يجب أن تكون في خدمة زعمائها لا العكس؟ ما هي الشّروط التي يجب توفّرها في القضايا الإنسانيّة حتّى تنال اهتمام المهتمّين بالشّأن العامّ والإعلاميّين، أم أنّ الشّأن العامّ لا يتّسع عندنا لكلّ القضايا؟ أم أنّ القضيّة لا تكون قضيّة إلاّ إذا كان الخصم المباشر فيها هو العدوّ الصّهيونيّ الأمريكيّ؟ أم أنّ قيمة إنسان القارّة السّوداء دون قيمة إنسان الشّرق الأوسط؟ أم أنّ كلّ قضيّة تثار في العالم غايتها الإلهاء عن القضيّة الفلسطينيّة، وعن قضايا العرب والمسلمين عامّة كما يفهم من مقال السّيّد فهمي الهويدي الذي كتبه تحت عنوان "شكوك وراء تفجير قضية دارفور وتدويله" وكان ربّما بمثابة المانيفاستو بالنّسبة إلى الكثيرين؟ (نشر هذا المقال في صحيفة الشّرق الأوسط بتاريخ 21/07/ 2004).
    إذا استثنينا بعض المقالات التي نشرت على الأنترنيت خاصّة، وفي موقع شفّاف الشّرق الأوسط على وجه أخصّ، وبيانا يتيما وقّعه بعض المثقّفين من العالم العربيّ وقد صيغ بمبادرة من جمعيّة "بيان الحرّيّات" بفرنسا، ولم تتفضّل أيّ صحيفة ورقيّة عربيّة بنشره على حدّ علمي، بل نشرت نسخته الفرنسيّة صحيفة اللّيباراسيون الفرنسيّة، إذا استثنينا صيحات الفزع المعزولة هذه، فإنّ صمت المثقّفين وكتّاب الرّأي مطبق على هذه المأساة. بل الأدهى والأمرّ أنّ الكثير من "المثقّفين" الإسلاميّين والقوميّين وصل بهم استخفافهم المعهود بالضّحايا وبالحقّ في الحياة إلى حدّ التّشكيك والطّعن في صحّة الأخبار والمشاهد والتّقارير التي تفيد بمقتل قرابة 400 ألف شخص وتشريد مليونين ونصف، وحرق 80 بالمائة من القرى، إضافة إلى اغتصاب النّساء وتجنيد الأطفال وقطع المؤونة عن اللاّجئين... لم تتغلّب فحسب "المعالجة" السّياسيّة على المعالجة الإنسانيّة، بل إنّ النّعرة الإسلامويّة والقوميّة أدّت إلى إنكار أقلّ ما يقال عنه أنّه لامسؤول ولاأخلاقيّ. فمثقّفونا الإسلاميّون والقوميّون ومن لفّ لفّهم ينتصرون للنّظام العسكريّ الدّينيّ، ولميليشيات الجنوجيد العربيّة المتحالفة معه ضدّ المدنيّين العزّل، وضدّ أيّ تدخّل أمميّ لحمايتهم. وبعبارة أخرى فإنّ ضمائرهم تحرّكت للمطالبة بحقّ القائد الإسلاميّ وحقّ ميليشيات المجاهدين بالانفراد بمدنيّي دارفور لإبادتهم وتشريدهم، دون منغّص خارجيّ من شأنه عرقلة عمليّة التّطهير العرقيّ. كان يمكن لهؤلاء أن يدافعوا عن خيار الإسلام السّياسيّ وخيار مقاومة العدوّ دون إنكار الكارثة الإنسانيّة، وكان يمكن أن لا يضعوا قضايا الشّرق الأوسط وقضيّة دارفور في الميزان، وكأنّ علينا أن نختار بين قضيّة حقيقيّة وقضايا زائفة ومختلقة من شأنها أن تلهينا عنها. ولكنّ نظريّة المؤامرة أصبحت في ربوعنا ثابتا من ثوابت كلّ تفاعل سياسيّ مع كلّ قضيّة. وفي هذه الحالة، فإنّ ما يسمّى بـ"نظريّة المؤامرة" ليست نظريّة بل هذيانا حقيقيّا، لأنّها تتمثّل في خطاب ينفي وجود الواقع الماثل أمام الأعين ليبني واقعه الخاصّ، ومشهده الخاصّ، وسيناريوهاته الخاصّة. ورغم التّحرّكات الدّوليّة وصيحات الفزع المشار إليها، فإنّ هذا التّشكيك مستمرّ إلى اليوم دون رادع ولا وازع. فعلى سبيل المثال لا الحصر، صدر في يوم 19 مارس بصحيفة القدس العربيّ مقال يذهب فيه صاحبه إلى أنّ أزمة دارفور أزمة مفتعلة "بهدف خلق المزيد من الأزمات لهذه الحكومة التي ترفض مسايرة السياسات الأمريكيّة في المنطقة العربية والإفريقية حتي اصبحت دارفور إحدى أهم القضايا المثيرة في العالم بفضل الأخطبوط السياسي والإعلامي الامبريالي".
    المفترض في هذا الكلام هو أنّ مساكين دارفور ليسوا ضحايا لميليشيات النّظام السّودانيّ، بل ضحايا للمؤامرة الخارجيّة الإمبرياليّة، فهم إلى حدّ ما أغبياء يستحقّون ما ينالونه، على فرض أنّهم تعرّضوا فعلا إلى الضّيم. المهمّ في هذا الوعي السّياسيّ هو أن يكون لنا زعماء يمسرحون الرّفض، ويقولون لا لأمريكا، ويقسمون باللّه وهم يتّخذون قراراتهم العنتريّة، ويتوعّدون الأعداء، ويحمون بيضة خير أمّة أخرجت للنّاس، ولا يهمّ بعد ذلك ما يصنعه هؤلاء الزّعماء بشعوبهم.

    ولكن ليس كلّ المثقّفين العرب وكلّ المهتمّين بالشّأن العامّ من أنصار الإسلام السّياسيّ ونظريّة المؤامرة، ولا تكفي فجاجة الرّؤية السّياسيّة أو هذيان المؤامرة لتفسير هذا الصّمت. فربّما كان خطاب المؤامرة حجابا يخفي وراءه بؤسا من نوع آخر. هناك تبريرات وشكوك أصحاب الموقف، وهناك صمت من لا موقف له، ووراء ثرثرة أولئك وصمت هؤلاء توجد منطقة آسنة من إنكار آخر، وهذه المنطقة يلفّها الصّمت هي الأخرى.
    عوّدنا أغلب نجوم المشهد الثّقافيّ على الصّمت عن انتهاكات حقوق الإنسان على الصّعيد العربيّ، سواء منها الانتهاكات الظّرفيّة أو الانتهاكات المؤبّدة بالمنظومات القانونيّة، لأنّ هذا الصّمت جزء من لعبة المشهد ولعبة النّجوميّة، وشرط من شروط دخولها. ولكن هناك نوعان من الصّمت : صمت الخوف وصمت الازدراء. ويهمّنا من صمت الخوف ذاك الذي لا يهدف إلى الدّفاع عن النّفس من الأنظمة المحلّيّة الجائرة، بل يهدف إلى الحفاظ على الحظوة والمكانة على النّطاق العربيّ. الكثير من مثقّفينا لا رأي لهم في هذه القضايا، أي لا رأي يعلنون عنه من باب الفعل العموميّ السّياسيّ. إنّهم لا يطالبون مثلا بالمساواة بين الرّجال والنّساء، ولا يجهرون بآرائهم الحقيقيّة عن الدّين والسّياسة لأنّ جهرهم بها يعني زوال الحظوة الإعلاميّة وتضاؤل حظوظ الظّفر بالجوائز السّنيّة التي تبقى مشروطة بحدّ أدنى من الحفاظ على "ثوابت الأمّة". وقد شاهدت بعينيّ مثقّفين أشهر من نار على علم لا يمضون عريضة مساندة لمساجين سياسيّين خشية أن يمنعوا من زيارة البلد الذي يقبع هؤلاء في زنزاناته، ويمتنعون عن الدّفاع عن حقوق النّساء خشية فقدان الحظوة في الدّول الثّريّة التي تعتبر استرقاق النّساء ركنا سادسا من أركان الإسلام، ويتبرّؤون من المتّهمين بالرّدّة خشية فقدان الشّهرة والشّعبيّة. هذا هو صمت الخوف من فقدان الحظوة والنّجوميّة، أمّا في قضيّة الحال، فإنّ الصمت هو صمت الازدراء، وهو ازدراء غير منطوق به، وإن كان ناطقا.
    أليس منطق "بني جلدتنا" هو المهيمن في هذه اللاّمبالاة؟ فأهل دارفور بشر، وهم إلى ذلك مسلمون، ودارفور تقع في بلاد عضو بالجامعة العربيّة، ولكنّ ذنب الدّارفوريّين الأوّل في عيون العرب أنّهم ليسوا عربا، فهم شبيهون بالأكراد الذين قتل منهم صدّام حسين بالغازات السّامّة وفي يوم واحد 5 آلاف، وذنبهم الثّاني أنّهم "أقلّ إسلاما" من النّظام الذي يبيدهم، وذنبهم الثّالث الأساسيّ وغير المعلن هو أنّ "جلدتهم" غير جلدة العرب. شعور الانتماء البدائيّ من السّهل أن ينقلنا من "بني الجلدة" إلى "لون الجلدة".
    تضخّم النّقاش عن التّعصّب وحوار الأديان، ولكن لم يفتح عندنا باب النّقاش عمّا هو دون ذلك من أوّليّات التّعايش المدنيّ، أقصد مناهضة العنصريّة باعتبارها شكلا عتيقا بدائيّا من أشكال رفض الآخر. فنحن لا نهتمّ إلاّ بعنصريّة الغربيّين والصّهاينة ضدّنا، ولا نهتمّ بعنصريّتنا نحن، ولا نتحدّث عنها، ولا نطالب بأدوات قانونيّة للعقاب عليها. وليس أدلّ على ذلك من اللّغة التي نتكلّم بها. ففي مناطق كبيرة من العالم العربيّ، ما زال يسمّى الإنسان ذو البشرة السّوداء "عبدا"، وفي مناطق المغرب يسمّى "وصيفا"، أي خادما، وإلى اليوم ينظر العرب إلى سود البشرة كما نظر إليهم القدامى : فهم حالة استثنائيّة ناتجة عن احتراق جدّهم الأوّل في المرجل الإلهيّ، أو هم سليلو اللّعنة التي لحقت بـ"حام" ابن النّبيّ نوح وسوّدت وجهه. وإلى اليوم لم يعترف العرب بدورهم في تجارة العبيد طيلة قرون طويلة، ولم يعتذر أحفاد نخّاسي الأمس لأحفاد عبيد الأمس بأيّ شكل من الأشكال، ولم يتصالحا. وأوّل شكل من أشكال الاعتذار في رأيي هو الاعتراف وتذكّر الماضي لكي لا يبسط ظلاله على الحاضر، وفتح الملفّات التي لا نرغب في فتحها، واحترام ما أصبح يعرف بـ"واجب الذّاكرة".
    ليست لي أدلّة ملموسة من ثرثرة المنكرين ولا من صمت الصّامتين على أنّ المشكل الأساسيّ يكمن في هذه العنصريّة، ولكنّ فداحة الكارثة من ناحية، والإمعان في الإنكار أو اللامبالاة من ناحية أخرى لا يمكن تفسيرهما في نهاية المطاف إلاّ بهذا الاحتقار للبشريّة السّوداء. ويقيني أنّ اللّغة تعبّر عن النّاس وتفضحهم بقدر ما يعبّرون بها ويستخدمونها، فمن السّهل أن نلحق من نسمّيهم اليوم "عبيدا" بمنزلة العبيد، ومن السّهل أن يأخذ "بنو الجلدة" في حسبانهم لون الجلدة.
    مثقّفو "بني الجلدة"، و"الأمّة" والقبيلة الموسّعة، ومثقّفو "لون الجلدة" مهما اختلفت مشاربهم واستراتيجيّات صمتهم أو خطابهم يشتركون في أمرين اثنين، أوّلهما أنّهم لم يتعلّموا بعد أبجديّات المساواة بين البشر، والكرامة البشريّة، أي أن تكون للإنسان قيمة في حدّ ذاته، وأن يكون غاية لا وسيلة، وأن تكون حياته أغلى من كلّ شيء. وثانيهما أنّهم لم يدخلوا بعد عصر حقوق الشّعوب، ولم يفهموا أنّ حقوق الأفراد أولى من حقوق الدّول التي تنتهك حقوق الأفراد، والمصالح الإنسانيّة العامّة أولى من المصالح الفرديّة للدّول، ولم يفهموا أنّ المنتظم الأمميّ على علاّته، والمحكمة الجنائيّة الدّوليّة على نقائصها هما الأمل الذي يجب أن نتمسّك به ونرعاه في مواجهة البربريّة القائمة في الدّاخل أو الزّاحفة من الخارج.
    ويجب أن لا نغترّ بكثرة انتقاد مثقّفينا للأنظمة السّائدة، فبنى الاستبداد والتّمييز ذات دوائر مصغّرة ومكبّرة، وهي تبسط نفوذها على النّفوس قبل أن تبسط سلطانها على المجتمعات.

    من موقع الحوار المتمدن علي الرابط

    http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=...UAqYotkHVDc.facebook
                  

07-21-2012, 08:17 PM

قاسم المهداوى
<aقاسم المهداوى
تاريخ التسجيل: 11-26-2004
مجموع المشاركات: 8640

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال ضحايا دارفور ليسوا من -بني جلدتنا-رجاء بن سلامة (Re: عبدالمجيد صالح)

    Quote:

    مأساة دارفور وصمت المثقفين العرب

    د.خالد الحروب


    تنشر اللجنة العربية لحقوق الإنسان هذا المقال للدكتور خالد الحروب للإشارة إلى مأساة دارفور وتنتهز المناسبة لتوضيح وجهة نظرها التي سبق وقدمتها لكل الأطراف:

    أولا: طالبت اللجنة العربية بالسماح لبعثة تحقيق دولية يشارك بها أربعة مناضلين معروفين بسمعتهم ونزاهتهم على الصعيد العالمي من آسيا وأوربة وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وقد رفضت السلطات السودانية دخول البعثة الأراضي السودانية. ونحن نعتبر هذا الرفض في ذاته إدانة، فكما يقول المثل السوداني: الحرامي على رأسه ريشة.

    ثانيا: طالبت اللجنة العربية أكثر من طرف معارض مسلح بالتعاون لعمل توثيقي لقضية الضحايا والمسئولية الجنائية في الجرائم. لكن للأسف، وبسبب وجود أطراف ومنظمات ممولة أمريكيا وأوربيا مستعدة لتقديم صورة غير دقيقة وتنظيم مؤتمرات مدفوعة الثمن تروج لأرقام تتغير من مئتي ألف ضحية إلى 400 ألف ضحية في أيام دون أي دليل أو دراسة أو تحقيق، لم يستجب لطلبنا. لذا رفضنا استعمال أي رقم يقدم لنا بدون عمل ميداني حقوقي، ورفضنا أي تمويل من أي طرف حكومي أو أمريكي لأي نشاط لنا حول دارفور، كما وشجبنا دخول بعض مراكز "حقوق الإنسان" في هذه اللعبة الخطيرة التي تشجع استمرار الصراع وتدويله وتعمم تجارة البؤس والموت، مثلما شاهدنا في أماكن أخرى من القارة السوداء.

    ثالثا، حرصا على سمعتنا ومصداقيتنا، نستنكر الجرائم التي ترتكب في دارفور. كما نطالب بلجنة تحقيق دولية مستقلة عن مجلس الأمن والحكومة السودانية من مجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية تتعاون مع اللجنة المنبثقة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان للدفاع عن الضحايا خارج نطاق الاحتواء الحكومي والاحتواء الدولي. ونطالب الأطراف المسلحة والحكومة السودانية بالموافقة على استقبال بعثة التحقيق المستقلة المشكلة من قبل اللجنة العربية بالتعاون مع عدد كبير من المنظمات الإنسانية العاملة في دارفور وتشاد، حرصاً على كرامة كل انسان في دارفور وعلى مصلحة الشعب السوداني.

    مأساة دارفور وصمت المثقفين العرب

    منذ اندلاع أزمة ومأساة دارفور سنة 2003 وحتى الآن سقط ما لا يقل عن مائتي ألف ضحية من المدنيين والأبرياء, وهُجِّر ما بين مليونين إلى ثلاثة ملايين من ناس وفقراء تلك المنطقة الشاسعة والصحراوية. إضافة إلى ذلك هناك تقارير صادرة عن منظمات حقوق إنسان لها صدقية عالية تشير إلى حالات اغتصاب جماعي تبنتها عصابات الجنجويد التي اعتمدت عليها الحكومة للقضاء على الحركات الدارفورية المتمردة. ومعنى ذلك، وحسب الأرقام، أنه بالإمكان القول إن مأساة دارفور وفظاعة الأكلاف البشرية التي عاناها سكان تلك المنطقة، قد فاقت بما لا يُقاس الأكلاف البشرية والمآسي التي تعرض لها الفلسطينيون واللبنانيون معاً خلال العقدين الماضيين. وفي هذا السياق يورد الكاتب والإعلامي السوداني خالد عويس في بحث معمق حول تغطية الإعلام العربي لأزمة دارفور خلال العام الماضي أرقاماً وإحصائيات مذهلة ومُخجلة حول التجاهل العربي المريب لأوجاع ملايين الناس. ففي بحث بعنوان: "تغطية وسائل الإعلام العربية لأزمة دارفور" قدمه إلى ندوة متخصصة في القاهرة في أبريل الماضي. وقد رصد عويس أهم وسائل الإعلام العربية المكتوبة والمرئية خلال عام كامل, وحلل ما نقلته من أخبار عن دارفور. وقارن تلك الأخبار بما ورد عن لبنان وفلسطين والعراق, ثم قارن ذلك أيضاً بتغطية بعض وسائل الإعلام الغربية للأزمة ذاتها.
    يقول عويس "قتل في دارفور حوالى 200 ألف حسب تقديرات منظمات دولية، وقتل في لبنان خلال الحرب الأخيرة في 2006 أقل من 2000 حسب رصد وسائل إعلامية، وقتل في العراق منذ مارس 2003 إلى مارس 2007 حوالى 150 ألفاً حسب وزارة الصحة العراقية، وقتل في فلسطين منذ عام 2000 إلى عام 2006 حوالى 4391 فلسطينياً حسب المركز الفلسطيني للإعلام". وبرغم ذلك يصل في إحصائياته ونتائج بحثه إلى تغطية دارفور في وسائل الإعلام الأهم, المكتوبة والفضائية, مؤكداً أنها لا تتعدى نسبة 1 إلى 10 على أكثر تقدير في أهم فضائيتين عربيتين. بينما تقل عن ذلك بكثير في صحف عربية كبرى وذات تأثير مهم. ويمكن أن نضيف هنا وجود مئات من حالات الاغتصاب التي سُجلت, وربما أضعافها التي لم تسجل بسبب تقاليد المحافظة والشعور بالعار إزاء هذه القضايا، والتي تلقي ستائر من الصمت الحزين والمرير على حالات نساء لا يعلم بمعاناتهن أحد.
    في تفسيره للإهمال الإعلامي العربي الفظيع لمأساة كبرى كدارفور تحدُث في بلد عربي كبير، يورد عويس عدداً من الأسباب منها صعوبة الوصول إلى منطقة الأحداث, وسياسة الحكومة السودانية في التعتيم وعدم السماح لوسائل الإعلام بالتغطية الميدانية. لكن الأهم هو إشارته إلى أن التحليل السياسي شبه العام الذي تبنته وسائل الإعلام العربية بشكل واعٍ أو دون وعي, والقاضي بوجود مؤامرة غربية أميركية على السودان, قد غطى على أي اهتمام بالبعد الإنساني للمأساة. وهنا يكمن قلب المسألة الذي يحتاج إلى نقاش.
    فالمثقفون العرب في مجملهم تبنوا موقفاً مهمشاً لمأساة دارفور الإنسانية بالتذرع المباشر، أو غير المباشر، بالأبعاد السياسية لها. وهذا يعني فيما يعنيه فقدان الحساسية الإنسانية, حتى لا نقول الأخوية والعربية والإسلامية, واسترخاص الأرواح حتى لو وصل تعداد الضحايا فيها مئات الألوف. ووجه الغرابة, والإدانة, لمواقف المثقفين العرب ينبع من إنسانية القضية قبل أي شيء آخر, أي من دون الحاجة إلى اتخاذ أي موقف سياسي مؤيد أو معارض لهذا الرأي أو ذاك. ومنطلق الإدانة هو عدم الاهتمام واللامبالاة، وكأن الذين يموتون في السودان لا قيمة لأرواحهم, ولا "يتمتعون" بقضية "مركزية" تمنحهم موقعاً متقدماً في صفوف الضحايا في المنطقة.
    طبعاً لا يخلو الأمر من سريالية سوداوية هنا حيث يبدو التزاحم في ازدياد دائم على شغل المقاعد الأولى للضحايا في الكوارث والحروب التي تُفرض على المنطقة. لكن مع ذلك, ومن دون التقليل من آلام ومآسي العراقيين, والفلسطينيين, واللبنانيين, يبقى القول إن من حق الدم السوداني الأفريقي الذي يُهرق بشكل إجرامي في دارفور أن يُظهر المثقفون العرب, ومعهم الرأي العام العربي, الحزن عليه على أقل تقدير. أما الإهمال البشع فهو بمثابة قتل إضافي للقتلى.
    سيقول كثير من القراء, والأصدقاء أيضاً, إن هذه السطور تتغافل عن "الصورة الأكبر" وعن "الصراع الأشمل" الذي يشمل دارفور وغيره, وإن المتسبب في ذلك هو الغرب, وخاصة واشنطن ولندن, وطمعهما في نفط السودان, وأهدافهما في تقسيمه، وسوى ذلك. وسيكرر كثيرون الموقف الاصطفافي القبلي مع حكومة السودان لأنها صارت بقدرة قادر تحمل راية الدفاع عن "الأمة" ضد "الأعداء", وهي نفس الراية التي حملها صدام حسين وتعاقب عليها كل ديكتاتوريي العرب في دول ما بعد الاستعمار وما زلنا ندفع ضريبتها حتى الآن. لكن حتى لو صح ذلك التحليل, فإنه لا يبرر الصمت الواسع والمريب عند المثقفين العرب, والإهمال, والكسل, وعدم متابعة القضية, حتى معالجة تلك "الصورة الأكبر والصراع الأشمل". ولا يبرر غياب كاميرات الفضائيات العربية, وأقلام كتاب الأعمدة العرب, والتحقيقات الصحفية, والنقاشات الثقافية والفكرية. ولأن كل ذلك، وغيره كثير، غائب تماماً فقد ساهم بالطبع في تسهيل مهمة استدامة الإجرام اليومي في دارفور حيث انعدمت حتى الضغوط الأخلاقية الدنيا على المستوى العربي لوقف المأساة.
    في الانتفاضة الفلسطينية الثانية وخلال الحصار الإسرائيلي الوحشي على مدن وقرى الضفة الغربية ومنها رام الله تحدى الكاتب والروائي الأفريقي النيجيري "وول سوينكا", الحاصل على نوبل الأدب, الحصار وزار رام الله مع مجموعة أخرى من أهم الكُتَّاب العالميين. يومها التقوا نظراءهم الفلسطينيين وأنشدوا مع محمود درويش في رام الله "جدارية الحصار". ويومها أيضاً كتب مثقفون عرب كثر عن إنسانية "وول سوينكا" وموقفه المشرِّف، الذي يقف بجلاء وجرأة وبلا مواربة مع الضحية ضد جلادها. اليوم لا أحد من أولئك المثقفين يريد أن يسمع, فضلاً عن أن يشيد, بإنسانية "وول سوينكا" وهو يحمل راية الدفاع عن ضحايا دارفور، ويصف المأساة بأنها الأكثر بشاعة في عالم اليوم. فسوينكا الآن يتهم الحكومة السودانية وميليشيات الجنجويد بأنهما تتحملان المسؤولية الأكبر في القتل الأعمى هناك, وهو ليس معروفاً عنه "عمالته لأميركا"، بل هو غارق في هموم القارة السمراء إلى أذنيه, ومُعادٍ لإمبريالية واشنطن.
    لكن كما أن سوينكا, وغيره ضمن أعداد كبيرة من مثقفي العالم المتمردين والإنسانيين، لا يمارسون انتقائية مخجلة عند مناصرة الضحايا, مطلوب أيضاً من مثقفي العرب أن يسمعوا أنين الجسد الأسمر المطروح تحت وهج شمس الصحراء في دارفور ينز دماً. مطلوب منهم الانتصار لإنسانية المثقف في دواخلهم على حساب التمترس خلف مسوغات السياسة, وألا تسد آذانهم خطابات مقاومات "دونكيشوت" المتذرِّعة بالمؤامرات الخارجية.
    إن آلام "نور وحواء وتابو", وهن صبايا دارفوريات في عمر الورود بين 12 و15 عاماً, اغتصبتهن مليشيات الجنجويد أمام آبائهن وأشقائهن بعد أن أحرقت قراهن الفقيرة العزلاء, لا تقل عن آلام مسلمات البوسنة اللاتي تعرضن لنفس فعل الاغتصاب الوحشي على أيدي مجرمي الصرب. من لا تتحرك إنسانيته لنساء دارفور, تكون إنسانيته التي تحركت لنساء البوسنة غير مكتملة وفارغة ولا تستحق أن تنعت بذلك أصلاً.


    سلاام يا عبد المجيد
    رمضان كريم وسعيد والقابلة تتحقق الامنيات
    سبق وقمت بنشر هذا المقال فى اصدارة ( اصوات من دارفور ) التى كنت اشرف عليها من خلال البرنامج العربى لنشطاء حقوق الانسان فى 2008


    قاسم
                  

07-21-2012, 09:52 PM

Elbagir Osman
<aElbagir Osman
تاريخ التسجيل: 07-22-2003
مجموع المشاركات: 21469

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مقال ضحايا دارفور ليسوا من -بني جلدتنا-رجاء بن سلامة (Re: قاسم المهداوى)

    فوق
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de